المنشور

ما بعد فك لغز سقوط الطائرة الروسية



بعد مرور أسبوع
بالتمام والكمال، يبقى الغموض مغلفاً أسباب سقوط الطائرة الروسية، يوم السبت 31
أكتوبر/تشرين الأول 2015 بالقرب من مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء المصرية
والتي راح ضحيتها 224 من ركابها من السياح الروس وطاقمها في رحلتها المتجهة من
مطار شرم الشيخ الدولي إلى مطار مدينة سان بطرسبرغ الروسية. 
  
في البداية، ذكرت
المصادر الأمنية في شمال سيناء أن المعاينة المبدئية توضح تحطم الطائرة الروسية في
سيناء «بسبب عطل فني»، وأن «الطائرة سقطت بطريقة عمودية ما أدى إلى احتراق أجزاء
منها وانتشار الجثث والأشلاء على مساحة تصل إلى نحو 5 كيلومترات».  


الغريب أن سقوط الطائرة، حدث بعد 23 دقيقة
من إقلاعها من مطار شرم الشيخ حيث اختفت من على شاشات الرادار. 
بيد أن عضواً في لجنة التحقيق المصرية لم
يكشف عن هويته «تطوع» للتصريح لوكالة أنباء «رويترز» الاثنين 9 نوفمبر/تشرين
الثاني 2015 بالقول «إن المحققين صاروا متأكدين بنسبة 90% أن سقوط الطائرة الروسية
كان بسبب قنبلة وضعت على متن الطائرة». وهو ما يتفق مع ما كانت صرحت به المتحدثة
باسم شركة الطيران الروسية «كوجاليمافيا» المشغلة للطائرة لوكالة أنباء «نوفوستي»
ووكالة «إنترفاكس» الروسيتين، من «إنها تستبعد الخطأ البشري في الكارثة وإن الطيار
لديه خبرة تصل إلى 12 ألف ساعة طيران، وإن الطائرة خضعت لكل إجراءات الصيانة».  


ومع ذلك اختارت مصر وروسيا التريث في إصدار
الحكم بشأن سبب سقوط الطائرة، استناداً إلى تعاطي الخبراء مع الحادث بحذر شديد،
بحكم طبيعة عملهم التي تحتم الدقة التامة في مثل هذه الظروف قبل إصدار أي أحكام
قاطعة. حتى بعد أن أعلن الفرع المصري لتنظيم «داعش» الذي يطلق على نفسه «ولاية
سيناء»، عبر “تويتر” أنه أسقط الطائرة الروسية. في ذات الوقت الذي كانت
فيه واشنطن ولندن ممثلتين في أعلى سلطاتهما، الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس
الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ووزير خارجيته فيليب هاموند، مهتمتين بسرعة نقل
المعلومات الاستخباراتية التي حصلتا عليها، كما رشح فيما بعد، من «إسرائيل»، إلى
الإعلام، ومفادها ضمناً أن الطائرة الروسية أسقطت بقنبلة زرعت داخلها. فكان أن رد
وزير النقل الروسي ماكسيم سوكولوف في تصريح لوكالة “إنترفاكس” الروسية
للأنباء بالقول «إن الادعاء بأن إرهابيين هم سبب تحطم الطائرة الروسية لا يمكن
اعتباره دقيقاً»، مضيفاً «إننا على اتصال دائم بزملائنا المصريين وبالسلطات الجوية
في مصر، وحتى الآن لا يملكون أي معلومة تؤكد تلميحات من هذا النوع». الكرملين
بدوره قلل من أهمية الفرضيات التي أعلنتها واشنطن ولندن حول أسباب تحطم الطائرة
الروسية في سيناء، معتبراً أن أي تصريحات تصدر عن جهات غير مرتبطة بالتحقيق، غير
جديرة بالثقة. فقد قال ديميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، الخميس 5
نوفمبر/تشرين الثاني في معرض تعليقه على تصريحات وزير الخارجية البريطاني فيليب
هاموند، حول «احتمال قوي» لوقوف «داعش» وراء الكارثة: «قلنا ذلك في السابق ونكرر
مرة أخرى.. لا يحق لأحد باستثناء فريق التحقيق تقديم أي فرضيات أو التخمين بشأن
أسباب الحادث». كما انتقدت موسكو الترجيحات البريطانية والأمريكية ووصفتها
بالتكهنات. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي
«أستغرب إعلان الحكومة البريطانية – وليس الخبراء – هذه المعلومات». فمن الواضح أن
موسكو الرسمية كانت ترفض بشكل قاطع محاولات الربط بين كارثة الطائرة الروسية في
سيناء والغارات التي يشنها الطيران الحربي الروسي في سوريا ضد التنظيمات الإرهابية
وبضمنها تنظيم «داعش». 


وهكذا نكون أمام موقفين غير متجانسين
صادرين عن الجانبين الروسي والمصري المعنيين مباشرة بالحادث. موقف المستوى السياسي
الذي رفض في البداية كل التكهنات والروايات التي تحدثت عن وجود شبهة عمل إرهابي
يقف وراء سقوط الطائرة، وموقف فني يرجح العمل التخريبي كسبب لسقوط الطائرة. في حين
نجد على المقلب الآخر تصدر المستوى السياسي في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا،
وليس الخبراء الفنيين في البلدين، للتعليق وإصدار الأحكام على سبب سقوط الطائرة.
وكان لابد لهذه الثنائية المتقابلة أن تختفي مع تقدم التحقيق، ومع بدء فحص محتويات
تسجيلات الصندوقين الأسودين، لمصلحة الرواية المرجحة للعمل الإرهابي. وكانت
البداية عملية في الواقع، حيث علقت روسيا رحلات طيرانها التجاري إلى مصر في أعقاب
قرار بريطانيا تعليق رحلاتها إلى شرم الشيخ، قبل أن تتبعها شركات طيران أخرى.  


السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي حدا
برأسي السلطة في الولايات المتحدة وبريطانيا للزج بنفسيهما في حادث سقوط الطائرة
الروسية؟ ولماذا أفرطت موسكو في حساسيتها تجاه هذا الدخول الأمريكي البريطاني
المباشر على خط مسار التحقيق في أسباب سقوطها؟ ربما كانت لبريطانيا أسبابها في
«التطفل» على مسار التحقيقات التي كانت للتو بدأت، من حيث إن مواطنيها يشكلون ثاني
أكبر كتلة بشرية سياحية تفد إلى شرم الشيخ (بلغ عددهم لحظتها أكثر من 20 ألف سائح)
بعد السياح الروس. إنما التدخل الأمريكي البريطاني المتزامن وعلى أعلى المستويات
في هذا الموضوع غير السياسي، يطرح تساؤلاً بشأن ما إذا كان لهذا علاقة بعدم ارتياح
واشنطن وحليفتها الصدوقة لندن من توجهات النظام المصري الجديد تجاه روسيا. ذلك أنه
لو كانت الأمور تسير على النحو المعتاد للحالات الكثيرة التي شهدت سقوط طائرات
مدنية، لما كنا شهدنا مثل هذا الاهتمام غير العادي من قبل رأسي السلطة في بريطانيا
والولايات المتحدة. 


إنما يبقى هناك سؤال معلق ومتصل بما ستكون
عليه ردة فعل موسكو في حال انتهت لجنة التحقيق في أسباب سقوط الطائرة، إلى أن
عملاً إرهابياً يقف وراء سقوطها، بما يعزز التهمة التي نسبها إلى نفسه تنظيم ولاية
سيناء المتفرع عن تنظيم “داعش” الإرهابي. وهو ما حدث بالفعل بعد سبعة
عشر يوماً على سقوط الطائرة، حين أعلنت موسكو أن الطائرة تم تفجيرها بواسطة قنبلة
يدوية الصنع وضعت على متنها، السؤال يتعلق بالتداعيات على مصر وإشكاليات تعويض
الضحايا، وعلى السياحة المصرية وعلى العلاقات المصرية الروسية، وما إن كانت
تهديدات بوتين تشمل ضرب «داعش» في سيناء استناداً، كما قال، إلى المادة 51 من
ميثاق الأمم المتحدة، أم أنها ستكتفي بعرض القوة النارية الكاسحة التي سلطتها
موسكو على مواقع «داعش» في الأراضي السورية كافة؟ 
  
حرر في:  27/11/2015