المنشور

بين زعامتين..ماكرون وميركل

فرنسا اليوم ليست فرنسا الكاريزمات الرئاسية ذات الحضور المميز في العلاقات الدولية، من وزن شارل ديجول وجورج بومبيدو، وحتى فرانسوا ميتران وجاك شيراك. فرنسا اليوم هي مخاض سنوات من تحولات بنيوية اقتصادية واجتماعية وثقافية، وترتيبة سياسية، ألقت بظلالها على مكانة فرنسا العالمية، وإن بقي الجيل الجديد من نخبتها السياسية يحاول جاهداً المحافظة على الإرث ما بعد الاستعماري الفرنسي، خصوصاً في القارة الإفريقية، والمكانة القيادية الرديفة (لألمانيا) في القارة الأوروبية، وخصوصاً داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
فرنسا اليوم تعاني اقتصادياً معاناة شديدة، فاقتصادها يؤدي بصورة أضعف من أداء منافسه اللدود الاقتصاد الألماني، وإن كان حقق نمواً لافتاً العام الماضي بنسبة 2% (رويترز) مقارنة بنسبة 1.2% في 2016. بيد أن البطالة تفوق 10%، 24% منها بين الشباب (من 15-24 سنة)، إضافة إلى وصول الدين العام إلى 97% من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي. صحيح أن فرنسا نجحت لأول مرة منذ عشر سنوات في عدم تجاوز عجز موازنتها لنسبة ال 3% من إجمالي الناتج المحلي (2.6% بحسب مكتب الإحصاءات الوطنية للحكومة الفرنسية في 26 مارس/آذار 2018)، إلا أننا إذا ما ترجمنا نسبة العجز هذه إلى أرقام، ستبدو مهولة، وهي 67.8 مليار يورو (82.99 مليار دولار)، وذلك بنجاح في خفض العجز لا يكاد يذكر، وهو 1.5 مليار يورو مقارنة بموازنة 2016.
ولذا ينظر كثير من الأوروبيين اليوم إلى الرئيس الفرنسي الشاب، إلى أنه، مدفوع بدهاقنة «المؤسسة» التي جهزته في مطبخها النيوليبرالي تجهيزاً تاماً، وأوصلته إلى سدة الرئاسة، وخصوصاً منهم العراب وكبير منظري الرأسمالية الفرنسية جاكس أتالي الذي يرأس «لجنة تحرير النمو» التي تضم ممثلين عن دويتشه بنك وشركة نستله السويسرية وآخرين – بأنه يلعب دوراً أكبر من حجمه وحجم فرنسا، وإنهم خدعوه حين قالوا له أنت نابليون، فراح يتحرك شرقاً وغرباً ويحاول أن يظهر كرئيس ند للزعماء الكبار في العالم، المستشارة الألمانية والرئيس الروسي بوتين والرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج.
في حين أنه، بمبادراته الأوروبية التي يغلفها باسم «التضامن الأوروبي»، و«وحدة المصير الأوروبي»، إنما هو في حقيقة الأمر يريد أن يحصل على دعم مالي سخي من ألمانيا، ذات الاقتصاد الربحي الوفير في أوروبا. لكن ميركل تدرك مرامي الرئيس الفرنسي وال «استابليشمنت» الفرنسية الداعمة له من وراء الستار، فألمانيا ميركل لن تغير سياستها سواء تجاه الدول التي تشكل (من وجهة النظر الألمانية)، عبئاً على منطقة اليورو، مثل اليونان، أو الدول المعتلة مالياً واقتصادياً مثل إسبانيا أو البرتغال أو حتى إيطاليا، والآن فرنسا التي تتمنى أن تنال حظوة المستشارة الألمانية، وإن جرى ذلك بحلة علاقات عامة قشيبة. وهو سافر إلى الولايات المتحدة في زيارة دولة خلال الفترة من 23-26 أبريل/نيسان وتحدث هناك باسم الأوروبيين وتفاوض باسمهم في طلب إعفاء الاتحاد الأوروبي من رسوم الصلب والألمنيوم التي فرضها ترامب على واردات بلاده منها، فهل كان يملك تفويضاً بذلك؟ ثم إنه وقبل الزيارة بيوم واحد، اندفع لتقديم نفسه و«أوراق اعتماده» للرئيس الأمريكي عبر قناة ترامب المفضلة «فوكس نيوز». ولا أدري إن كان مستشاروه قد ذكّروه بخروج سلفه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي خالي الوفاض رغم الهدية الكبرى التي قدمها للأمريكيين، حين بادر في عام 2009 إلى دفن تركة ديجول، وأعاد بلاده إلى أحضان حلف شمال الأطلسي «الناتو»، من خلال إجراء تصويت في الجمعية الوطنية (البرلمان) على عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو، بعد أربعة وأربعين عاماً من انسحابها. ومثلما لم تنطلِ على ميركل خدعة «التضامن الأوروبي»، كذلك لم يكن ترامب سخياً مع ماكرون في شأن تخفيف الخناق على الصادرات الأوروبية إلى أمريكا. ويبدو أن النخبة الفرنسية الحاكمة، سواء الرسمية أو الفعلية، منكبة على البحث عن أفضل وأسلم المخارج من مأزق نموذجها التنموي، فتحاول التحايل تارة باستخدام ما تبقى لها من رصيد قوة عسكرية ومن رصيد سياسي حصلت عليه في ظرف دولي خاص عقب الحرب العالمية الثانية دون استحقاق وهو عضوية مجلس الأمن الدولي، وتارة بابتزاز شراء الأسلحة والحصول على الاستثمارات مقابل الدعم السياسي.

صحيفة الخليج الاماراتية

11/05/2018
اقرأ المزيد

جمعيتا “القومي” و”التقدمي”: تؤكدان أن الاقتراح بقانون بمنع أعضاء الجمعيات المنحلة من حق الترشح غير دستوري ونطالب بعدم تمريره

رفضت جمعيتي المنبر التقدمى والتجمع القومي  محاولة منع أعضاء وقيادات الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة من الترشح  فى الانتخابات البرلمانية والبلدية وقالت الجمعيتان فى بيان مشترك ان ذلك أمر غير دستوري وينتقص من حقوق المواطنة التى نص عليها دستور مملكة البحرين والمواثيق والاتفاقيات الدولية ، وطالبت الجمعيتان السلطة التشريعية  ان تلاحظ مدى العوار الدستورى الذى شاب المقترح النيابى ، كما ناشدتا جلالة الملك بعدم التصديق عليه تعزيزاً لعملية الاصلاح وتطويراً لها، واستعرض البيان الحيثيات القانونية التى تجعل مشروع القانون النيابي متعارضان مع ما ينص عليه الدستور ، وفيما يلى نص البيان:

على غير عادتها، وفي فترة قصيرة أحالت الحكومة الى مجلس النواب بصيغة مشروع بقانون الاقتراح المقدم من مجلس النواب والذي أقره المجلس في جلسته بتاريخ 20 فبراير الماضي والقاضي “بمنع أعضاء وقيادات الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بشكل نهائي بسبب ارتكابها مخالفة جسيمة للدستور أو أي قانون من القوانين، من ممارسة حقهم بالترشح في الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة.

كما يشمل المنع، بحسب المقترح، كل من تم طرده “أو سحبت عضويته” من مجلس النواب وكل من استقال من المجلس بهدف تعطيل عمل البرلمان، بالإضافة إلى من صدرت ضده أحكام قضائية جنائية”. ووضعته في صيغة مشروع قانون واعتبرته متوافقا مع دستور وقوانين المملكة.

إننا في جمعيتي التقدمي والقومي في الوقت الذي نؤكد فيه على ما سبق وذكرناه في بيانات سابقة بعدم دستورية هذا الاقتراح وفي صيغته المقدمة من الحكومة، وأن الشروط الجديدة التي وضعها تنال من مبدأ السيادة الشعبية والاقتراع العام ومن حقوق المواطنة التي نص عليها الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية ومن أبرزها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه مملكة البحرين.

إذ ينص الدستور في المادة الاولى في الفقرة (د) على أن نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا، عملاً بمبدأ الاقتراع العام، الذي يخول كل مواطن حق الانتخاب، دون أن يحرم أحدا في استخدام هذا الحق. وهو ما أكدَّت عليه المادتان 56 و57 من الدستور بالشروط التي حددتها في عضو مجلس النواب وهي ذات الشروط التي نصَّ عليها قانون مجلسي الشورى والنواب.

ونؤكد للسلطتين التشريعية والتنفيذية والرأي العام مدى تعارض هذا المشروع مع ما ينص عليه الدستور في العديد من مواده ابرزها كما يلي:

1 – المادة الاولى الفقرة (هـ ) نصت بوضوح على أن (للمواطنين، رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون). والذي قيّدته  المادة -31- على أنه “لا يجوز أن ينال تنظيم أو تحديد الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور من جوهر الحق أو الحرية” وهذا ما يتنافى مع ما ينص عليه هذا المقترح.

2- ما نصّت عليه المادة -120- الفقرة (ج) حول أنه “لا يجوز اقتراح تعديل المادة الثانية في هذا الدستور، كما لا يجوز اقتراح تعديل النظام الملكي ومبدأ الحكم الوراثي في البحرين بأي حال من الأحوال، وكذلك نظام المجلسين ومبادئ الحرية والمساواة المقررة في هذا الدستور”.

2- ما نصَّ عليه الدستور في المادة 20 الفقرة -ب- بأن العقوبة شخصية. حيث أكدّ نص المادة على هذا المبدأ لأهميته ووضوحه، فالعقوبة شخصية بمعنى أنها لا تلحق إلا شخص الجاني، ولا تنال أحداً غيره.

3- إن الاحكام النهائية الصادرة بحل الجمعيات السياسية منها على سبيل المثال الحكم الصادر في مواجهة جمعية وعد قضى بعقوبة حل الجمعية وإعادة أموالها إلى خزينة الدولة بصفتها الاعتبارية، ولم يقضِ الحكم ولم يشتمل مطلقا على أية عقوبة ضد أي من قيادة وأعضاء الجمعية، وبذلك لا يجوز حرمان أحد من حق الترشح لمجلس النواب دون عقوبة تصدر في مواجهته هو شخصياً، عملاً بمبدأ شخصية العقوبة الذي نصَّ عليه الدستور.

وتؤكد الجمعيتان على أن أي شروط أو قيود تم وضعها أوسيتم وضعها تتجاوز الشروط التي وضعها الدستور لحق الترشيح لمجلس النواب، لا تنال فقط من مبدأ السيادة الشعبية والاقتراع العام ومن حقوق المواطنة التي نص عليها الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية ومن ابرزها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه مملكة البحرين،  بل  يتعداها الى ان ينال من مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية، ويضيق من المشاركة فيها، وهو أمر نعتقد أنه لا يتوافق مع طموح كل الحريصين والمعنين بإعادة  دوران حركة الاصلاح وتجنب المزيد من الازمات السياسية والاجتماعية عدى الاقتصادية وتبعاتها.

إن الجمعيتين تطالبان السلطة التشريعية  بملاحظة مدى العوار الدستوري الذي شاب مشروع القانون  وأن تقرر رفضه، وفي جميع الأحوال نناشد جلالة الملك بعدم التصديق عليه، تعزيزاً لعملية الاصلاح وتطويراً لها.

المنبر التقدمي

التجمع القومي

المنامة 19 ابريل ٢٠١٨

 

 

اقرأ المزيد

وهج الكتابة: حب الأدباء: سارتر وسيمون دبفوار مثالاً

بقلم: عبدالحميدالقائد

من أجمل رسائل الغرام تلك التي يتبادلها الشعراء والكتّاب والمبدعون عموما فيما بينهم. رسائل وقصائد وحتى لوحات تشكيلية تعبّر عما يدور في دواخلهم. رسائل وقصائد تظل طازجة وساخنة على مرِّ العصور. في الوطن العربي ما زالت الرسائل الباقية منذ سنوات طويلة تتحدث عن مشاعر الحب بين جبران خليل جبران ومي وزيادة ورسائل وقصائد عباس محمود العقّاد إلى مي زيادة، ورسائل الشهيد غسان كنفاني إلى غادة السمّان ورسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان (إن صدق كلام الأخيرة). رسائل حب يمكن أن تعتبر صنفًا أدبيًا قائمًا بذاته. في العصر الأندلسي ما زالت قصائد ابن زيدون تنبض بالحياة إلى ولاّدة بنت المستكفي وقصائد الأخيرة إلى ابن زيدون. أجمل مشاعر الحب التي لا ينساها التاريخ. هذا على المستوى العربي، اما على المستوى العالمي، لا تنسى الساحة الثقافية رسائل الكاتب الأمريكي هنري ميلر إلى الكاتبة الأمريكية أنيس نين. كتب ميلر مرة اليها: «أحبك والنافذة مفتوحة، أنت لي، والأشياء لي، وحبي يغير الأشياء من حولي». فيما بعد عشق آرثر ميلر الفنانة الفاتنة مارلين مونرو ووصفها: «كانت كالضوء الذي يحيطني، تثيرني تناقضاتها وغموضها. الفتاة الأكثر حزنًا التي قابلتها في حياتي». فيما كتبت مارلين مونرو ذات مرة عن هذا العاشق الذي اقترنت به: «رقته ترتعش في سكونه وعيناه لا بد أنهما تطلان بذهول من كهف الصبي الصغير».

ومن أجمل ما شهدته الساحة الثقافية علاقة الحب بين الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بون سارتر (21 يونيو 1905 – 15 ابريل 1980) والكاتبة وصاحبة نظرية الحركة النسوية سيمون دبفوار (9 يناير 1908 – 14 ابريل 1986). والغريب في الموضوع، أن سارتر عرض عليها الزواج فرفضت ولكنها قضت كل حياتها معه من منطلق أنها لا تؤمن بما يسمى ببيت الزوجية. ففي كتاب «شاهد على حياتي: رسائل جان بول سارتر لسيمون دي بوفوار، 1926 –1939«كتب سارتر إلى سيمون: «لوقت طويل انتظرتُ أن أكتب لكِ، في المساء بعد واحدة من تلك النُزهات مع الأصدقاء التي سأصفها عن قريب في «هزيمة»، ذاك النوع حيث يكون العالم لنا، وقد أردتُ أن أُحضر لكِ فرحة المُنتصر وأضعها تحت قدميكِ كما فعلوا في عهد ملك الشمس، ولكنَّني عندما أتعبُ من الصراخ أذهب دائمًا للنوم، واليوم أنا أقوم بهذا لأشعر بلذَّة لا تعرفينها بعد، لذَّة التحوُّل فجأة من الصداقة للحُب، من القوَّة للرقَّة؛ هذه الليلة أُحبِّكِ بطريقة لم تعرفيها بي بعد، فأنا لستُ مُتعبًا من السفر ولا ملفوف برغبتي بحضورك، أنا أحترف حُبِّي لكِ وأحوِّلُه داخلي كجزء مُتأصِّل منِّي؛ يحدُث هذا أكثر بكثير مما أعترف به لكِ ولكن نادرًا وأنا أكتبُ إليكِ، حاولي أن تفهميني؛ أنا أُحبِّكِ بينما أنتبه للأشياء الخارجيَّة، أحببتكِ ببساطة في تولوز، والليلة أُحبُّكِ كمساء ربيعي، أُحبُّكِ والنافذة مفتوحة، فأنتِ لي والأشياء لي ولكنَّ حُبِّي لكِ يُعدِّل الأشياء حولي وتُعدِّل الأشياء حولي حُبِّي لكِ». وفي رسالة أخرى كتب اليها: “فتاتي الصغيرة العزيزة، أخبرتكِ ما ينقُصكِ في الصداقة، ولكن الآن وقتُ نصيحة عمليَّة أكثر، ألا تستطيعين إيجاد صديقة امرأة؟ كيف بإمكان تولتوز ألا تحتوي على امرأة مُفكِّرة واحدة تستحقكِ؟ ولكن ليس عليكِ أن تُحبيها، فأنتِ للأسف دائمًا مُستعِدَّة لتُعطي حُبَّك وهو أسهل ما يُمكن أخذه منك، وأنا لا أتحدَّث عن حُبِّكِ لي، والذي يتخطَى ذلك، ولكنَّكِ مُبذِّرة بمحبَّتكِ الثانويَّة، مثل تلك الليلة في تيافيريز عندما أحببتِ الفلاّح الذي كان ينزل التل في الظلام مُصفِّرًا والذي اتضح أنَّه كان أنا. حاولي أن تعرفي الشعور الخالي من الرِّقة الذي يأتي من أن تكونا شخصين، إنَّ الأمر صعب لأن كُل الصداقات حتى تلك التي بين رجلين بدم أحمر فيها لحظات من الحُب، فعلي أن أواسي صديقي الحزين فقط لأحبَّه، إنَّه شعور يضعُف بسهولة ويُشوَّه، ولكنَّكِ قادرة أن تشعري به ويجبُ عليكِ أن تُجربيه، ومع هذا ورُغم شعورك بكراهيَّة الناس، أتتخيَّلين كم ستكون تجربة جميلة أن تبحثي في تولوز عن امرأة تستحقك ولا تقعين في حُبِّها؟ لا تلتفتي للجانب الجسدي أو الاجتماعي للموقف، وابحثي عن الصدق وإن لم تجدي شيئًا فحوِّلي هنري بون والذي لا تُحبينه بعد الآن إلى صديق».

 سيمون دبفوار اشتهرت ككاتبة ومفكرة فرنسية وناشطة مهتمة بقضايا المرأة وكان لها تأثير واسع على الحركات النسائية عبر العديد من الروايات والكتب التي أصدرتها وخاصة كتابها «الجنس الآخر» الذي صدر عام 1949. بيع منه مليون ومئتي ألف نسخة وقد تُرجم إلى 27 لغة. كانت النقطة الإنتقالية في حياتها تعرّفها على فيلسوف الوجودية الأشهر «جان بول سارتر» عندما كانت في بداية العشرينيات ورافقته العمر كله، وخاضت معارك فكرية ضارية ضد استعباد النساء.

وبالرغم من علاقتهما الإستثنائية الوطيدة، كانت هناك تناقضات غريبة في حياة سارتر وسيمون، حيث أنها لم تتردد في خيانته مع الكاتب الأمريكي «نيلسون أليغرين» بل تبادلت معه رسائل حب عديدة نشرتها الصحف الفرنسية، فيما عاش سارتر علاقات أخرى إلى جانب علاقته مع سيمون، حيث وضعا معًا قاعدة غريبة تقول «أخونك بمعرفتك» لكي تسير حياتهما دون أن تدمرها الغيرة التي اعتبراها عادة برجوازية. والأغرب في الحكاية، أن سيمون دي بوفوار عُرفت بميولها المثلية حتى أن احدى تلميذاتها اتهمتها بالتحرّش الجنسي أثناء تدرسيها. وقد اعترفت بذلك في مذكراتها التي نشرتها فيما بعد.

ليس هذا فحسب، بل وُجهت اتهامات كثيرة للكاتبة الفرنسية بخصوص التحرش، وبأنها كانت تستدرج طالباتها القاصرات لإقامة علاقات جنسية معها ومع سارتر. ويقال بأن آخر عشيقة لسيمون دي بوفوار وجون بول سارتر كانت الطالبة «نتالي» البالغة من العمر 17 عامًا، وكانت سببًا في سحب رخصة التعليم منها مدى الحياة بناءً على شكوى مقدمة من الدتها للسلطات الفرنسية بتهمة التحرّش. عالم غريب، كتَاب أغرب، وأمراض نفسية خطيرة عاشها بعض الأدباء مثل هؤلاء وتصرفوا بشكل متناقض تمامًا مع ما يكتبونه وما يدّعون به. انه اللامعقول في زمن فقد عقله!.

اخبار الخليج العدد 14631

السبت ١٤ أبريل ٢٠١٨

اقرأ المزيد

الكذابون في يومهم العالمي..!!

قبل أيّام، وتحديدًا يوم الأحد الماضي، الأول من ابريل صادف يوم الكذب العالمي، وهو يوم مخصص للكذب في كل أنحاء العالم، وفيه يسمح بنوع من الأكاذيب البيضاء المعفية من أي مآخذات، هذا بافتراض انه يوجد نوع من الكذب النظيف، هذا اليوم الذي يقال إنه بدأ في فرنسا منذ أكثر من خمسمائة عام، ومنها انتشرت الفكرة لدى شعوب العالم، فيما عدا الشعبين الإسباني والألماني، والسبب أن هذا اليوم مقدس دينياً في اسبانيا، أما في ألمانيا فهو يوافق ميلاد «بسمارك» الزعيم الألماني المعروف..!

الكذب أنواع، عدم قول الحقائق، او تشويه او تزييف الحقائق، او حتى قول أنصاف الحقائق، وحتى النفاق والرياء والتلفيق والتدليس وقولبة الوقائع، وشهادة الزُّور، هذه أنواع من الكذب، هناك أنواع أخرى تتجلى في تظاهر العفة والاستقامة والنزاهة والوطنية، القائمة تطول، وقيل بأن الكذب يجر الكذب، بمعنى أن الشعور بأي انزعاج يتلاشى تدريجياً مع المثابرة في الأكاذيب، وهنا يكفي أن نذّكر بمقولة وزير الدعاية الألماني غوبلز إبان حكم هتلر «اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس، ثم اكذب واكذب حتى تصدق نفسك»، ولا بأس من باب التذكير ايضاً بما خلص اليه أحد الباحثين في أصول الكذب ودوافعه، «أن الكذب أصبح صفة يتميز بها البشر عن سائر المخلوقات»..!

لا بأس أن يكون للكذب يوم يحتفل به، فهو يحيطنا داخلياً وخارجياً وعالمياً من جميع الجهات، وربما يكون اليوم العالمي للكذب أكثر مقبولية لو كان للصدق حضور بقية أيّام السنة، الصدق تجاه أنفسنا، تجاه مجتمعاتنا، وتجاه أوطاننا، وتجاه بَعضُنَا البعض، لو كان الأمر كذلك لكان لهذه المناسبة العالمية قيمة ومعنى، ولكن الطامة الكبرى حين يتجلى الكذب في كل يوم، وفي كل وقت، وفي كل مجال وميدان، وعلى كل المستويات، وبشتى الأساليب والطرق، ونحسب أن أكثر الناس كذباً هم رجال السياسة ورؤساء الحكومات وأعضاء البرلمانات والمستبدون بالدين والمتاجرون به، وبعض من ظهروا لنا بصفة نشطاء ومحللين وخبراء ورعاة عمل خيرى واجتماعي، بجانب بعض شاغلي مواقع في الجامعات والمراكز العلمية والبحثية والأكاديمية وفي الوزارات، وبعض المنخرطين في عمل مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، ومعهم وربما قبلهم من دخلوا بحرفنة في صراعات المصالح الخاصة تارة تحت يافطة المصالح العامة او الدين، او الطائفة او المذهب، او الوطن والوطنية تارة أخرى..! التجارب المرّة والتي لا يسع المرء حيالها إلا أن يشعر بالأسى والقلق، هذه التجارب علمتنا أن الكذب بات مصدراً أساسياً للفساد لا بل منبعه، وهذه حقيقة أكد عليها رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص في كتابه «في زمن الشدائد»، قال «إن من يستبيح الكذب يستبيح المحرمات كيفما عرفناها، وإن من مشتقات الكذب الرياء والخداع والنميمة، والكذب درع السارق والمرتشي والمختلس، وهو السبيل الى الإثراء غير المشروع، والكذب كما مشتقاته وروافده سلاح الكثير من الأضاليل وسبب كثير من النكبات الإنسانية..!» وهذه حقيقة لا أحسب أن هناك من يشكك فيها..

لا حاجة للتنقيب عن الكثير من الأكاذيب المبطنة والسافرة والمستفزة التي مرّت وتمر أمامنا، ومنها أكاذيب زعماء وسياسيين ورؤساء حكومات ودول، منهم من تَرَكُوا او أجبروا على ترك مواقعهم الحساسة في بلدانهم بسبب الكذب، فالكذب هناك جريمة لا يغفرها المواطنون، واذا كان هناك من لازالوا يواصلون الكذب بمهارة على شعوبهم ويبدعون فيه إبداعاً لم يسبق له مثيل، جعلوا المواطنين غارقين في بحار من الأكاذيب السياسية والفكرية والدينية وغيرها، ينامون ويستيقظون على أكاذيب تتم صناعتها وفق أحدث التقنيات والمعايير عبر كل القنوات والوسائل التي تتنامى باستمرار ويتزايد معها ترويج الأكاذيب، وإبداعات الكذب بشكل لم يسبق له مثيل، ونكاد نجد الكذابين في كل زاوية، وفي كل ركن، وفي كل موقع، ووجدنا مواقع تواصل إلكترونية وقد أصبحت حاضنة للكذب والكذابين، مغرضة ومثيرة للشائعات وللفتنة، فيها من يصرون على أنهم أصحاب رأي، ولا همّ لهم من الرأي إلا إحداث ضجة وحالة من البلبلة والغوغائية، والتشهير، او زج الناس الى درجة من السفه حين يراد جر الناس الى فخ التربص بعضهم ببعض، ولا مانع عند هؤلاء من أن نكون تحت رحمة أفق مشتعل بالنار، او نتحول لشعب يعيش حالة تقاطع، يأكل بعضه بعضاً، فهم بذلك يتاجرون ويتربحون، كثر يفعلون ذلك في الوقت يقدمون أنفسهم باعتبارهم نماذج في الوطنية والإنسانية والشهامة..!

وجدنا مسؤولين يكذبون، نعم يكذبون حين يموهون او ينفون المشكلات، لا يعترفون بها، ربما ظناً منهم أن ذلك يجنبهم المساءلة، وعلينا أن نلاحظ أن من هؤلاء من طوروا سياسات نفي المشاكل، فلم يعد النفي الساذج للمشاكل هو الوسيلة المناسبة لنفيها أمام الناس، او من الوعي العام، بل انهم يتبعون سياسات تؤدي في النهاية الى توجيه الإحساس العام بعدم وجود مشكلة أصلاً، او أن ما يثار حول هذه المشكلة او تلك مبالغ فيه، او أن وراء إثارة أي منها أصحاب مآرب، بل قد نجد من يظهر لنا مطلقاً تصريحات هي بالنهاية تدخل ضمن ما يمكن أن يعرف بسياسات نفي المشاكل، وهي سياسات تنتج تحت السطح مائة مشكلة، ويتجاهلون أن هذا أحد نتائج الكذب..!!

فيما يخص النواب، نعود اليهم دائماً، وجدنا منهم خلال معمعة الانتخابات الماضية يكذبون وهم يشترون الأصوات والضمائر، ويلعبون على كل وتر، ووجدنا منهم من ضحكوا على ناخبيهم في أكثر من مناسبة وفي أكثر من موقف، يكفي كذبهم حين تعهدوا ووعدوا ولم يوفوا بشيء، الكذب عندهم بالجملة والمفرق وقد حفلت الصحف بما يوثق هذه الحقيقة بالوقائع والتواريخ، تماماً كما الحال بالنسبة لمسؤولين أعلنوا عن استراتيجيات عمل لا أحد يعلم مصيرها، وعن مشاريع لا يلمسها الناس، ولا أحد يتابع لا هذه ولا تلك، وفي أمور كثيرة تمس المواطن، وعن… وعن… الى درجة شعرنا فيها بأن هناك من يريد لنا أن نعيش حالة استسلام او تصالح مع صناعة الكذب وقبول الكذابين، وهذه حقيقة وإن تلفعت بالصمت والإنكار، حقيقة عن أكاذيب تُصنع وتُهندس ويعاد إنتاجها وكلفتها مثيرة للهلع، والكارثة حين يتعامل الناس مع كذابين بوصفهم أنقياء، وحكماء و،،،،..!!

بقي – مهماً – أن نسأل، هل نبالغ اذا اعتبرنا أن مناسبة اليوم العالمي للكذب باتت في حد ذاتها أكذوبة، عساكم تشاطرونني الرأي بأنه ليس من المنطق أن نحتفي بيوم الكذب العالمي وكل أيامنا أكاذيب، نتصالح مع أكاذيب، ننام ونصحو على أكاذيب، ونشتري بضائع من الأكاذيب، ونسمع ونقرأ ونتابع أكاذيب، محق من قال إن الكذب أقبح اختراع إنساني، ولا يوجد منه نوع نظيف، حقاً إننا أمة صابرة على أكاذيب لا تنتهى صلاحيتها وهي سالكة في كل الاتجاهات وعلى كل المستويات..!!

اقرأ المزيد

الكذابون في يومهم العالمي..!!

 

قبل أيّام، وتحديدًا يوم الأحد الماضي، الأول من ابريل صادف يوم الكذب العالمي، وهو يوم مخصص للكذب في كل أنحاء العالم، وفيه يسمح بنوع من الأكاذيب البيضاء المعفية من أي مآخذات، هذا بافتراض انه يوجد نوع من الكذب النظيف، هذا اليوم الذي يقال إنه بدأ في فرنسا منذ أكثر من خمسمائة عام، ومنها انتشرت الفكرة لدى شعوب العالم، فيما عدا الشعبين الإسباني والألماني، والسبب أن هذا اليوم مقدس دينياً في اسبانيا، أما في ألمانيا فهو يوافق ميلاد «بسمارك» الزعيم الألماني المعروف..!

الكذب أنواع، عدم قول الحقائق، او تشويه او تزييف الحقائق، او حتى قول أنصاف الحقائق، وحتى النفاق والرياء والتلفيق والتدليس وقولبة الوقائع، وشهادة الزُّور، هذه أنواع من الكذب، هناك أنواع أخرى تتجلى في تظاهر العفة والاستقامة والنزاهة والوطنية، القائمة تطول، وقيل بأن الكذب يجر الكذب، بمعنى أن الشعور بأي انزعاج يتلاشى تدريجياً مع المثابرة في الأكاذيب، وهنا يكفي أن نذّكر بمقولة وزير الدعاية الألماني غوبلز إبان حكم هتلر «اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس، ثم اكذب واكذب حتى تصدق نفسك»، ولا بأس من باب التذكير ايضاً بما خلص اليه أحد الباحثين في أصول الكذب ودوافعه، «أن الكذب أصبح صفة يتميز بها البشر عن سائر المخلوقات»..!

لا بأس أن يكون للكذب يوم يحتفل به، فهو يحيطنا داخلياً وخارجياً وعالمياً من جميع الجهات، وربما يكون اليوم العالمي للكذب أكثر مقبولية لو كان للصدق حضور بقية أيّام السنة، الصدق تجاه أنفسنا، تجاه مجتمعاتنا، وتجاه أوطاننا، وتجاه بَعضُنَا البعض، لو كان الأمر كذلك لكان لهذه المناسبة العالمية قيمة ومعنى، ولكن الطامة الكبرى حين يتجلى الكذب في كل يوم، وفي كل وقت، وفي كل مجال وميدان، وعلى كل المستويات، وبشتى الأساليب والطرق، ونحسب أن أكثر الناس كذباً هم رجال السياسة ورؤساء الحكومات وأعضاء البرلمانات والمستبدون بالدين والمتاجرون به، وبعض من ظهروا لنا بصفة نشطاء ومحللين وخبراء ورعاة عمل خيرى واجتماعي، بجانب بعض شاغلي مواقع في الجامعات والمراكز العلمية والبحثية والأكاديمية وفي الوزارات، وبعض المنخرطين في عمل مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، ومعهم وربما قبلهم من دخلوا بحرفنة في صراعات المصالح الخاصة تارة تحت يافطة المصالح العامة او الدين، او الطائفة او المذهب، او الوطن والوطنية تارة أخرى..! التجارب المرّة والتي لا يسع المرء حيالها إلا أن يشعر بالأسى والقلق، هذه التجارب علمتنا أن الكذب بات مصدراً أساسياً للفساد لا بل منبعه، وهذه حقيقة أكد عليها رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص في كتابه «في زمن الشدائد»، قال «إن من يستبيح الكذب يستبيح المحرمات كيفما عرفناها، وإن من مشتقات الكذب الرياء والخداع والنميمة، والكذب درع السارق والمرتشي والمختلس، وهو السبيل الى الإثراء غير المشروع، والكذب كما مشتقاته وروافده سلاح الكثير من الأضاليل وسبب كثير من النكبات الإنسانية..!» وهذه حقيقة لا أحسب أن هناك من يشكك فيها..

لا حاجة للتنقيب عن الكثير من الأكاذيب المبطنة والسافرة والمستفزة التي مرّت وتمر أمامنا، ومنها أكاذيب زعماء وسياسيين ورؤساء حكومات ودول، منهم من تَرَكُوا او أجبروا على ترك مواقعهم الحساسة في بلدانهم بسبب الكذب، فالكذب هناك جريمة لا يغفرها المواطنون، واذا كان هناك من لازالوا يواصلون الكذب بمهارة على شعوبهم ويبدعون فيه إبداعاً لم يسبق له مثيل، جعلوا المواطنين غارقين في بحار من الأكاذيب السياسية والفكرية والدينية وغيرها، ينامون ويستيقظون على أكاذيب تتم صناعتها وفق أحدث التقنيات والمعايير عبر كل القنوات والوسائل التي تتنامى باستمرار ويتزايد معها ترويج الأكاذيب، وإبداعات الكذب بشكل لم يسبق له مثيل، ونكاد نجد الكذابين في كل زاوية، وفي كل ركن، وفي كل موقع، ووجدنا مواقع تواصل إلكترونية وقد أصبحت حاضنة للكذب والكذابين، مغرضة ومثيرة للشائعات وللفتنة، فيها من يصرون على أنهم أصحاب رأي، ولا همّ لهم من الرأي إلا إحداث ضجة وحالة من البلبلة والغوغائية، والتشهير، او زج الناس الى درجة من السفه حين يراد جر الناس الى فخ التربص بعضهم ببعض، ولا مانع عند هؤلاء من أن نكون تحت رحمة أفق مشتعل بالنار، او نتحول لشعب يعيش حالة تقاطع، يأكل بعضه بعضاً، فهم بذلك يتاجرون ويتربحون، كثر يفعلون ذلك في الوقت يقدمون أنفسهم باعتبارهم نماذج في الوطنية والإنسانية والشهامة..!

وجدنا مسؤولين يكذبون، نعم يكذبون حين يموهون او ينفون المشكلات، لا يعترفون بها، ربما ظناً منهم أن ذلك يجنبهم المساءلة، وعلينا أن نلاحظ أن من هؤلاء من طوروا سياسات نفي المشاكل، فلم يعد النفي الساذج للمشاكل هو الوسيلة المناسبة لنفيها أمام الناس، او من الوعي العام، بل انهم يتبعون سياسات تؤدي في النهاية الى توجيه الإحساس العام بعدم وجود مشكلة أصلاً، او أن ما يثار حول هذه المشكلة او تلك مبالغ فيه، او أن وراء إثارة أي منها أصحاب مآرب، بل قد نجد من يظهر لنا مطلقاً تصريحات هي بالنهاية تدخل ضمن ما يمكن أن يعرف بسياسات نفي المشاكل، وهي سياسات تنتج تحت السطح مائة مشكلة، ويتجاهلون أن هذا أحد نتائج الكذب..!!

فيما يخص النواب، نعود اليهم دائماً، وجدنا منهم خلال معمعة الانتخابات الماضية يكذبون وهم يشترون الأصوات والضمائر، ويلعبون على كل وتر، ووجدنا منهم من ضحكوا على ناخبيهم في أكثر من مناسبة وفي أكثر من موقف، يكفي كذبهم حين تعهدوا ووعدوا ولم يوفوا بشيء، الكذب عندهم بالجملة والمفرق وقد حفلت الصحف بما يوثق هذه الحقيقة بالوقائع والتواريخ، تماماً كما الحال بالنسبة لمسؤولين أعلنوا عن استراتيجيات عمل لا أحد يعلم مصيرها، وعن مشاريع لا يلمسها الناس، ولا أحد يتابع لا هذه ولا تلك، وفي أمور كثيرة تمس المواطن، وعن… وعن… الى درجة شعرنا فيها بأن هناك من يريد لنا أن نعيش حالة استسلام او تصالح مع صناعة الكذب وقبول الكذابين، وهذه حقيقة وإن تلفعت بالصمت والإنكار، حقيقة عن أكاذيب تُصنع وتُهندس ويعاد إنتاجها وكلفتها مثيرة للهلع، والكارثة حين يتعامل الناس مع كذابين بوصفهم أنقياء، وحكماء و،،،،..!!

بقي – مهماً – أن نسأل، هل نبالغ اذا اعتبرنا أن مناسبة اليوم العالمي للكذب باتت في حد ذاتها أكذوبة، عساكم تشاطرونني الرأي بأنه ليس من المنطق أن نحتفي بيوم الكذب العالمي وكل أيامنا أكاذيب، نتصالح مع أكاذيب، ننام ونصحو على أكاذيب، ونشتري بضائع من الأكاذيب، ونسمع ونقرأ ونتابع أكاذيب، محق من قال إن الكذب أقبح اختراع إنساني، ولا يوجد منه نوع نظيف، حقاً إننا أمة صابرة على أكاذيب لا تنتهى صلاحيتها وهي سالكة في كل الاتجاهات وعلى كل المستويات..!!

اقرأ المزيد

مقتطفات من نص (شجر النوم)- للشاعرة البحرينية إيمان أسيري الذي القيت في المهرجان الخطابي والفني التضامني مع فلسطين بتاريخ 19 ديسمبر 2017

 

  • هناك، في تلك البلاد التي نعرفها، الرعاة والعصافير يشاهدون الحرية، في قيلولة الضحى، العصافير أكملت المشهد بتغريداتها، أعين النار غيرت المشهد بالمحو، لم الاهتمام؟

  • آلمني غناء النمل، اليوم طوى نفسه، والألم حارق، في التلفاز، الصغير يمسح الدم عن جسد أمه، بينما عشيرة النمل تغزوه.

  • بين الشاشات تُكمل الحروب حكايتها، بالقذائف تستهدف قلوبنا، فُرِضَ علينا كَتْمُ النظر، احتراماً لجنون الضباب.

  • في ملامح الجدار، شيءٌ من هندسة الوطن، لونٌ من الموت، حسرةٌ أصابت الجدار رغماً عنه، في انتفاضةِ الروح هوةُ نيزك، غربة وطن، أمنُ لاجئ استند إلى موت الجدار.

  • الكلام المضيء كثير في الثرثرة، لو كان محض أمنية، حولت الجغرافيا المتشابكة إلى حدائق افتراضية، لو كان، لرأيت الجلاد يتكاثر، في متواليات الصمت، يحفر القبور للحدائق الافتراضية.

  • ما زال اليوم قائماَ، بخفة يأخذنا إلى نهايته، بالأمس طائرات حربية أجبرتنا على تسلق الموت. الألوان في برودتها، سادها رماد مثقل بأنفاس الذين غادروا، قليلاً قليلاً، توارت عن الأنظار، أنّتْ، بكتْ، تمتمت: في أتون الحرب لا سيدَ سوى آلهة النار.

  • هؤلاء الذين نعرفهم، ما تعبوا من عدِّ قتلاهم، خلف شاشاتهم الثمينة، شريوا نخب أناقة الموت، والذين لم ينتهوا من إكمال الفقر، ما زالوا تحت الأنقاض.

  • إن الذين يضاجعون المال، فقدت دماؤهم بحرها، أخفت رؤوسها،

البحر في عريه مُرِغَت شواطئه بالجثث.

 إن الذين أماتونا، رغم صممهم، يزعجهم نشيدنا.

  • طائرته الورقية لم تقوعلى النهوض، بينها وبين يده الصغيرة، قامة شجرة، طائرة مغيرة أزاحت الشجرة عن الخيط، الطائرة بكل ألوانها، أصبحت شاهد قبره.

  • نقاط صغيرة، هي الأهداف، بين أرجلها هوة مخيفة، اللاءات التي أحببناها، في مرورها، أصابها العجز، هل نجرؤ على المرور هناك في تلك البلاد التي تعرفنا؟ هل نجرؤ لإنقاذنا؟

  • جثث منسوجة بالدم، تؤرجحها الريح، وأنا ألتقط أسماءها المنسية، توحلت قدمي بخيوطها، تسللت الرائحة طازجة، قلقة، مستغيثة، قبل أن أترك الصورالرطبة، رجوت الشمس أن تصحو.

  • لم تنته الحرب من سهرتها، ولم أنته من اعداد الطعام، كثيرا ما أفكر، ماذا لو نقص عدد المحاربين؟ هل ستكف الأمهات عن طهي الأحلام؟

  • الليل والنهار لم يكُفا عن السير، لم يتوقفا ليسألا، كيف ثَقُلا بالموت، أصبحا مُنهكيّن، شكلا تاريخاً مهلهلاً، مُدمّى، دُفعنا للعيش فيه قسراً.

  • اليومَ سأغسل هذه الأحلام الحربية، النافقة، سأرميها قطعة قطعة في الغسالة، سأستمع إلى أنينها المتصاعد من قهوتي، ومن نشرات الأخبار.

  • تؤلمني عيناي، شاشات متنمرة، مخالبها نارية، تلعب في ساحتي، لا أرضَ، لا بحرَ، لا سماءَ ثابتة، الموتُ بطل، لا يدع لي خياراً، سوى الركون إلى آلامي، والقبول بقوارب الجفاف.

  • مساكن تمطت للتوّ من النوم، جثمت عليها أنفاس الصواريخ، أعادتها للحفر مجدداَ.

  • وحدها النملة، صححت مسارها في التراب، بالقرب منها، علا صراخ طفل، ضاعت من عينيه الشمس.

  • في بيتي شجرتان، متشابهتان، إحداهما قديمة، كتاريخي، والأخرى لعصافيرها لعبة الحب، شجرتان، بعيداً عن الأرض متعانقتان،

فجأة، رأيتهما شعلة نارعلى شاشة التلفاز، بينهما علم الناتو.

  • مهملة ملامحه، مغطاةٌ بغبار دولي، نهض الموت، حزيناً، غادرته ابتسامته هذا الصباح، بحث عنها، ترجى مَنْ حوله، قادوه إلى رياض الأطفال.
اقرأ المزيد