المنشور

رؤية نقدية لمشروع قانون المنظمات والمؤسسات الأهلية غير الهادفة للربح .

 



أرست المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الشهير القاضي بعدم دستورية قانون الجمعيات الأهلية رقم 153 لسنة 1999 المصري ، عدة مباديء بشأن تأسيس وممارسة نشاط وحل الجمعيات من أهمها :



 



1- أن حق الفرد في تكوين الجمعيات هو حق أصيل ولا يجوز وضع القيود على ممارسته  و أن المواثيق الدولية قد اهتمت بالنص عليه  مثل المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة رقم (22/ 2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  والتي حظرت وضع القيود علي ممارسة هذا الحق .



 








 2-  أن منظمات المجتمع المدني هي واسطة العقد بين الفرد والدولة إذ هي الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد عن طريق بث الوعي ونشر المعرفة ومن ثم تربية المواطنين علي ثقافة الديمقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعي ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة. 








 








3-  أن حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع وأن هذا الحق يتعين أن يتمخض عن تصرفً إرادي حر لا تتداخل فيه الجهة الإدارية بل يستقل عنها ومن ثم تفعل هذه الحرية إلي قاعدة أولية تمنحها بعض الدول  قيم دستورية في ذاتها لتكفل لكل ذي شأن حق الانضمام إلي الجمعية التي يري أنها اقدر علي التعبير عن مصالحة وأهدافه ليكون عضواً فيها وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ عن حريته الشخصية،




 



4- أن ضمان الدستور لحرية التعبير عن الآراء بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها ولا تكون منها فائدة، ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير مكوناً لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير إتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون .



 



فهل جاء مشروع قانون المنظمات الأهلية متوافقا مع هذه المباديء- والتي يحق لنا أن نسترشد بها لما يتمتع به القضاء المصري من عراقة ، ولتشابه احكام القانون المصري في كثيرا من احكامه مع مشروع القانون –  أم شكل انقلابا عليها وعلى أحكام الدستور ؟




    نصت المادة (27) من دستور البحرين على أن حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، بشرط عدم المساس بأسس الدين
 والنظام العام . ولا يجوز إجبار أحـد على الانضمـام إلى أي جمعيـة أو نقابة أو الاستمرار فيها ،   كما نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية -الذي صادقت حكومة البحرين عليه وأصبح جزء لا يتجزأ من القانون الوطني – في المادة 22 منه على الحق في تكوين الجمعيات على انه :




 




     لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.




 




    و لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق




 




    ان حكومة البحرين  قيدت وجود نشاط مؤسسات ومنظمات العمل الأهلي من خلال التشريع الحالي المعمول به ( المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 1989 ) وهو ما جعله محلاً للانتقاد من قبل منظمات ومؤسسات أهلية، ويأتي المشروع  القانون الحالي ليقوى من قبضة وزارة التنمية على العمل الأهلي  ، بحيث يحفظ لها قدرتها على الإشراف والتدخل في للجمعيات الأهلية، بإعطاء حق حل الجمعيات إلى الجهة الإدارية، فبموجب مشروع القانون تقوم الجهات الإدارية بالهيمنة والإشراف والتدخل في عمل الجمعيات الأهلية ، ومظاهر هذه الهيمنة و التدخل تتمثل فيما يلي :



 




حالات واسعة لرفض تأسيس المنظمة



 

أن المادة ( 7)  من مشروع القانون وان نصت إيجابيا على اكتساب المنظمة الشخصية الاعتبارية بإجراء الوزارة قيد المنظمة في السجل ، أو بمضي ستين يوما من تاريخ تقديم طلب القيد دون رد الوزارة ، غير هذه الايجابية تمحوها ما نصت عليه هذه المادة من ضرورة ( مراعاة حكم المادة السابقة )  إذ بالرجوع لهذه المادة السابقة وهي المادة (6) نجدها تبيح للوزارة الحق في رفض طلب التسجيل في حالات واسعة تتصف بالعمومية منها إذا كان نشاط أو مقر المنظمة يتعارض مع النظام العام بمنظومته الثلاثية ، الأمن العام ، الصحة العام ، السكنية العامة ، أو كانت أغراض المنظمة مخالفة للأنظمة القانونية المعمول بها في مملكة البحرين وهذا يشكل وصاية وهيمنة  على تأسيس الجمعيات الأهلية فالأصل أن الشخصية الاعتبارية تثبت بمجرد تقديم الجمعية أوراق التأسيس لوزارة المعنية ، غير ان مشروع القانون اوجب على ممثل جماعة المؤسسين  أن ينتظر ستين يوما فإذا لم يتلقى خلال تلك الفترة أية اعتراضات من الوزارة اعتبرت الجمعية مشهرة بقوة القانون أما إذا تبين لها خلال الستين يوم المشار إليها أنه من بين أغراض الجمعية نشاطا مما تحظره المادة 6 وجب عليها رفض طلب القيد بقرار مسبب يخطر به ممثل جماعة المؤسسين، ولذوي الشأن حسب نص المادة (8 ) حق التظلم من هذا القرار الى وزارة التنمية الاجتماعية خلال ثلاثين يوما من تاريخ العلم على أن يبت في التظلم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه للوزارة ، ولذوي الشأن  الطعن على هذا القرار أمام المحكمة الادارية المختصة خلال ستين يوما من تاريخ إخطاره به وفق الإجراءات المقررة.







  ولا يقتصر تدخل وزارة التنمية في تأسيس المنظمة برفض طلب التأسيس في حالات تتصف بالعمومية ، بل يمتد إلى ما نصت عليه المادة (9) بحق الوزير وحده في تشكيل لجنة التظلمات للبت في تظلم المنظمة من رفض الوزارة لطلب التأسيس




فا يا لها من لجنة محايدة !! إذ كيف يمكن قبول أن الجهة التي تصدر قرار رفض التأسيس هي الجهة ذاتها التي تبت في طلب التظلم من القرار ؟




  ومعنى ذلك أيضا انه لا يجوز للمنظمة الطعن في قرار التظلم أمام المحكمة إلا بعد صدور قرار من لجنة التظلم وهذا  لا يعد و أن يكون سوي قيداً رئيسياً علي حق اللجوء للقاضي الطبيعي مباشرة حيث كفل الدستور حق التقاضي للناس جميعاً  ويرهق الخصومة بقيود إجرائية روتينية تمنح الوزارة وقتا لتميع حق الافراد في تأسيس جمعياتهم .




 




حتى فتح الحساب لدى البنك يتطلب موافقة الوزارة




 



المادة 16 من مشروع القانون وان أجازت للمنظمة تلقى وجمع التبرعات وان تقيم الحفلات والأسواق الخيرية والمعارض وغير ذلك من وسائل جمع المال في سبيل تدعيم مواردها المالية  ، غير ان ذلك مشروط بموافقة الوزارة ،
 كما ان  المادة (48 ) تشترط ذات الموافقة للحصول على أموال من الخارج  ، والواقع  ان ذلك  لا يساعد على تدعيم أو تنمية موارد المنظمة المالية بل يعيقها ، وكان الأجدر هو التعامل بمبدأ  الإخطار أي انه على المنظمة متى تلقت تمويلا أن تقوم بإخطار وزارة التنمية  الاجتماعية بهذا التمويل و على الوزارة أن تقوم بعمل الرقابة اللاحقة على كيفية تصرف تلك المنظمة في هذا التمويل.من خلال  التقريرالمالي للمنظمة .




 




  أن تدخل الوزارة في الشئون المالية للمنظمة يصل إلى ابسط المسائل وهو فتح حساب لدى أحد البنوك المعتمدة ، إذ تتطلب المادة 46 أخذ موافقة كتابية من الوزارة . فهل يعقل هذا ؟



 




انتهاك حرمة مقار المنظمات







إمعانا فى فرض الهيمنة ،  يجيز مشروع القانون للوزير في المادة 13 تشكيل لجنة يمكن وصفها بالمخابراتية من موظفي الوزارة  كي تتدخل بشكل سافر في شئون المنظمة بزياراتها دون إذن وبشكل عشوائي بغرض الاطلاع على سجلاتها ، خلافا لما نص عليه الدستور على ان للمساكن حرمة ، لا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها ( م 25 من الدستور ) .


 




سلب اختصاصات الجمعية العمومية


ومجلس الادارة





 





 


 

المادة(19) من القانون تعطي الوزير الحق في ان يشكل لجنة إدارة مؤقتة للمنظمة ، في حالات منها إذا أصبح عدد أعضاء مجلس الإدارة غير كاف لانعقاده وتعذر لأي سبب تكملة النصاب القانوني ، أو ارتكبت ( الجمعية ) من المخالفات ما يستوجب هذا الإجراء ولم يرى الوزير حلها .




 






فمن خلال مطالعة هذا النص يتضح مدى منهجية واضع المشروع في التدخل الدائم والسافر  في الشئون الداخلية للجمعيات، فكان من الأجدر أن تنص المادة سالفة البيان على أنه في حالة ما أصبح عدد أعضاء مجالس الإدارة لا يكفي لانعقاده صحيحا تحدد مدة زمنيه لاجتماع مجلس الإدارة يكون بمن حضره من الأعضاء وتصدر قراراته بأغلبية الحاضرين ويكون من حق هذا المجلس الدعوة إلى عقد جمعية عمومية طارئة الانتخاب مجلس إدارة جديد بغير حاجة إلى تدخل الوزير .




 






أن التدخل غير المبرر في شئون مجلس إدارة الجمعيات و سلب اختصاصات الجمعية العمومية يمتد إلى ما أجازته المادة 37 للوزارة بطلب عقد اجتماع لمجلس الإدارة عند الضرورة ، وبما أوجبته المادة 38 من ضرورة إرسال صورة للوزارة من محاضر اجتماعات مجلس الإدارة .



 




غلق المنظمة بموجب قرار من الوزير وحلها بموجب حكم  قضائي




لاسباب مليئة بالعبارات الفضفاضة



 


 

لم يكتف مهندس مشروع القانون بكل ما سبق إيضاحه من تدخلات الوزارة والوزير  في الشئون الداخلية للجمعيات الأهلية بل جعلهما – أي الوزارة والوزير –  الحكم والفيصل والخصم في كل أمور الجمعية فقد منح وزير التنمية الاجتماعية  مكنة غلق المنظمة لمدة لا تزيد على سنتين وطلب حلها من خلال ما نص عليه فى المادة (53)  في حالات  كثيرة تتصف بالعمومية و مليئة بالعبارات الفضفاضة  .


 


 




عقوبات غليظة تصل لحد الحبس



 



نصت المادة 95 من مشروع القانون على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن ألف دينار وبأحدي هاتين العقوبتين في حالات تسع ، ودون إخلال بعقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات ، كما نص فوق ذلك بعقوبة الغرامة بمبلغ لا يتجاوز خمسمائة دينار لكل مخالفة اخرى لهذا القانون وللقرارات التي يصدرها الوزير ، وهذه العقوبات تتعارض مع  فلسفة العمل الأهلي التي تقوم علي الجهد التطوعي و الغير ربحي للمشاركة في التنمية  وجاءت بقصد محاصرة و ترهيب الجمعيات فيما تقوم به من نشاط .