المنشور

تجربة المدارس الابتدائية ــ الإعدادية المدمجة

المقترح الذي تقدمت به كتلة المستقبل النيابية لفصل طلبة المرحلة الابتدائية عن طلبة المرحلة الإعدادية، يبدو لي أنه مقترح ملح وعلى درجة من الأهمية، على الأقل من ثلاث نواحٍ مهمة: تربوية أخلاقية، وإدارية إشرافية، ومناهج دراسية.
فبعد سنوات طويلة من تطبيق هذه التجربة، أي تجربة دمج كلتا المرحلتين في مدرسة واحدة تحت إدارة واحدة، وتحت إشراف واحد، وفي ظل تكليف عدد من المدرسين أو المدرسات بتدريس طلاب وطالبات كلتا المرحلتين على السواء، يتبين أن حصاد هذه التجربة مرير جداً، بل مثقل بالسلبيات والأزمات المتفاقمة عاماً بعد عام، من دون أن تتمكن لا إدارات هذه المدارس، ولا الجهات المعنية داخل الوزارة نفسها من حلها. وقد آن الأوان لأن تفكر هذه الجهات جدياً لحل هذه المشكلة المزمنة.
ويمكننا أن نوجز أهم سلبيات دمج المرحلتين والمشاكل المترتبة عليهما فيما يلي:
أولاً: إذا كان يمكن تفهم لجوء الوزارة إلى هذا الخيار قبل نحو عقدين أي خيار دمج طلاب المرحلتين في مدرسة واحدة للتكيف افتراضاً مع محدودية الميزانية، فإنه لا يمكن اللجوء الآن إلى هذا الخيار بأي حال من الأحوال في عصرنا الراهن لأسباب عديدة من المتغيرات التربوية والاجتماعية، إذ ثمة أضرار معروفة جمة لاحتكاك طلاب وطالبات الإعدادية والذين تصل أعداد غير قليلة منهم إلى ما بين 14 سنة إلى 17 سنة في حين معظم طلبة المرحلة الابتدائية هم ما بين 6 إلى 12 سنة.
ثانياً: إن دمج طلبة المرحلتين في مدرسة واحدة يترتب عليه أن يكون المجموع الكلي لطلبة المدرسة الابتدائية ــ الإعدادية الواحدة متضخماً لا يقارن البتة بأحجام المجاميع الكلية لطلبة المدارس الابتدائية القائمة بذاتها، مقتصرة على المرحلة الابتدائية تحديداً، ولا بأحجام طلبة عدد من المدارس الإعدادية القائمة بذاتها المقتصرة على المرحلة الإعدادية فقط، ولا بأحجام طلبة المدارس الثانوية المستقلة القائمة بذاتها المقتصرة على المرحلة الثانوية بذاتها.
وبهذا المعنى فإنه من الظلم الصارخ تحميل إدارة ومدرسي المدرسة الابتدائية ــ الإعدادية المشتركة بمسئوليات ومهام كبيرة متشعبة إدارياً وتربوياً وتدريسياً لمرحلتين متميزتين، مقارنة بمديري وإدارات ومدرسي تلك المدارس المستقلة القائمة بذاتها والمقتصرة على مرحلة محددة، إما ابتدائية فقط، وإما إعدادية فقط، وإما ثانوية فقط.
ثالثاً: إن وزارة التربية والتعليم ينبغي أن تكون لها رؤية علمية تربوية تدريسية معمقة بعيدة النظر لفهم خصائص وسمات كلتا المرحلتين في الواقع التطبيقي تنسجم تماماً مع الواقع النظري لأسباب تقسيم مراحل التعليم الأساسية إلى ثلاث مراحل. فليس كادر الهيئة الإدارية المخصص لكل مرحلة دراسية على حدة من مدير، ومساعد مدير، ومشرف اجتماعي وسكرتير.. إلخ يصلح لكل مرحلة من هذه المراحل الثلاث الأساسية على السواء، كما ليس كل مدرس مهما تخصص في مادة دراسية أو مادتين يصلح للتدريس في كل هذه المراحل الثلاث من دون استثناء. فمبدأ التخصص إذن لا ينبغي أن يقتصر على الفروق في المناهج فقط، بل على الإدارة والمدرسين، ومربي الفصول، والمشرفين الاجتماعيين.. إلخ بحيث ينبغي أن يدرب كل كادر إداري وتدريسي لكل مرحلة دراسية، أو أن يكون لديه الاستعداد الكافي الذاتي من الخبرة أو الممارسة أو المؤهلات للتخصص في إدارة، وتربية، وتعليم مرحلة محددة مستقلة قائمة بذاتها، وليس كل المراحل الدراسية.
وإلا فما معنى وما غرض تقسيم المراحل الدراسية الأساسية إلى ثلاث مراحل؟ ولماذا ثمة مدارس مميزة مستقلة مقتصرة على مرحلة من هذه المراحل الثلاث سواء أكانت ابتدائية أم إعدادية أم ثانوية وإداراتها تنال امتيازات المراحل المدمجة نفسها؟
وإذا كان الأمر يُنظر إليه بهذه البساطة فلماذا لا تدمج مثلاً المرحلة الإعدادية مع المرحلة الثانوية في مبنى مدرسة واحدة؟ علماً بأن عواقب وأضرار هذا الدمج أخف خطورة من دمج الابتدائي مع الإعدادي في مدرسة واحدة. ولماذا لا تدمج مثلاً المرحلة الثانوية مع المرحلة الجامعية تحت سقف مبنى واحد؟
ومن خلال تجربة عيانية فقد لامست بنفسي حجم المشكلات المتفاقمة التي يتحملها مديرو وإدارات ومدرسو المدرسة الابتدائية ــ الإعدادية وأحجام الأعباء المتضخمة المتشعبة الثقيلة الملقاة على عاتقهم عدا المشكلات التي أشرت إليها آنفاً. ولعل واحداً من آخر هذه المظاهر التي لمستها بنفسي مظهر “اليوم المفتوح لأولياء الأمور” والذي بدأ في إحدى المدارس (السهلة الابتدائية ــ الإعدادية) من السادسة مساء ولم ينته إلا الحادية عشرة ليلاً. وكان يوماً مفتوحاً فهل هذا المشهد يجوز بكل المقاييس؟ سواء للأسباب المتقدم ذكرها أم بالنسبة إلى الوقت الذي تأخر فيه اليوم المفتوح إلى ساعة متقدمة من الليل، أم بالنسبة إلى الأعداد الهائلة المتكدسة من أولياء الأمور أمهات وآباء وطلبة من كلتا المرحلتين.
لكل ذلك فإني على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم وعلى رأسها الوزير الشاب الدكتور ماجد النعيمي لن تألو جهدا عن مراجعة تجربة دمج المرحلتين ودراسة التجربة دراسة موضوعية، توطئة لبذل كل السُبل الممكنة لفصل المرحلة الابتدائية عن المرحلة الإعدادية قبل استفحال مخاطر الدمج أكثر مما هو مستفحل الآن منذ سنوات حيث بلغ السيل أكثر من الزبى.

صحيفة اخبار الخليج
23 نوفمبر 2008