المنشور

على المحك الديمقراطي

 

استمعت لوزير الخارجية التونسي وهو يرد، بحدة وعصبية، على مذيعة الأخبار في قناة “فرانس 24”، واصفاً الاحتجاجات الجارية ضد الحكومة الحالية في بلاده بأنها عبارة عن تحركات فوضوية لجماعات يسارية صغيرة وبقايا النظام البائد، لإعاقة الحكومة الشرعية عن أداء مهامها، وازدادت حدة الوزير حين سألته المذيعة عن الفرق بين ما يقوله، وبين ماكان رجال نظام بن علي المخلوع يقولونه عن الاحتجاجات التي كانت تجري ضدهم في الشارع، فهم أيضاً وصفوها بأنها من صنع أقلية يسارية فوضوية .

يتزامن هذا مع حملة احتجاجات واسعة في الوسط الإعلامي في مصر، احتجاجاً على “محاولات الإخوان المسلمين السيطرة على الصحافة ومؤسسات الإعلام المملوكة للشعب”، غداة إعلان مجلس الشورى تعيين رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير جدد لهذه الصحف، فظهرت مساحات بيضاء للتعبير عن احتجاج في عدد من الصحف وكتابها على مساعي حزب الحرية والعدالة الذي يتحدر منه رئيس الجمهورية . الهيمنة على الصحف ووسائل الإعلام، رغم اعتراض نقابة الصحفيين على استمرار العمل بنفس الآليات التي كانت متبعة في عهد حسني مبارك لإدارة الصحف الحكومية، وتطالب قيادات في القنوات التلفزيونية الخاصة والصحف المستقلة والقومية بحماية وسائل الإعلام المملوكة للشعب من الهيمنة، وبضرورة أن تستعيد هذه الوسائل بعد الثورة حريتها واستقلالها التام عن أية سلطة أو جماعة من خلال إنهاء النظام الفاسد الذي فُرض عليها وحولها إلى ملكية خاصة تُستخدم “كأبواق تهليل ودعاية للحزب الحاكم”، خاصة أن “القدر النسبي المتاح من حرية الصحافة والإعلام تم انتزاعه عبر نضال طويل بدأ قبل الثورة، ورسخته شجاعة الصحفيين والإعلاميين خلالها وبعدها” .

علينا هنا تذكر أن صحافيي تونس بدورهم سبق أن احتجوا على قيام رئيس وزراء تونس الجديد بتعيين رؤساء تحرير في التلفزيون الرسمي، معتبرين ذلك خطوة غير ديمقراطية في بلد بالكاد تخلص من نظام حكم استبدادي، ويُشرع في عملية التحول نحو الديمقراطية، أو هكذا يُفترض، وطالبوا الحكومة برفع يدها عن الإعلام، وتماماً كما يُقال في مصر الآن جرى، في تونس، التذكير بعهد الرئيس السابق ابن علي الذي كان يمسك الإعلام بقبضة من حديد، والتحذير من أنه في حال ظل الإعلام صوتاً للحكومة، فإن تونس لن تخرج من المنظومة التي سادت فيها سابقاً .


 
هناك خشية مبررة من إعادة إنتاج ذات الممارسات غير الديمقراطية للأنظمة التي أسقطتها الانتفاضات الشعبية، وليس الاستحواذ على وسائل الإعلام إلا أحد هذه الممارسات الفاقعة، فأن تقوم حكومة تمثل خطاً أيديولوجياً معيناً بتعيين مسؤولين ومحررين من هذا الخط على رأس الإعلام يعني الاستمرار في “أدلجة” الإعلام وتأميمه، وهو سلوك لا يختلف عن نهج الأنظمة السابقة في الإمساك بمفاصل الدولة ووسائل تكوين الرأي العام، فيما المفروض أن الإعلام العمومي صوت للجميع، ويتيح المجال لكل التيارات، لا أن يكون صوتاً للحكومة فقط . مُنَظر الثورة الجزائرية والمشارك النشط فيها فرانز فانون حذر في حينه: “لن نقوم بهذه الثورة ضد الفرنسيين حتى نستبدل برجال الشرطة الفرنسيين رجالَ الشرطة الجزائريين”، وحري بمن أوصلتهم الثورات العربية إلى السلطة أن يتذكروا بأن شعوبهم لم تقم بهذه الثورات كي تستبدل بأنظمة القمع السابقة أنظمةَ قمع جديدة .