المنشور

بين القيصر والسلطان .. بندقية



لم يرث فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، على حدٍ سواء، من أسلافهما
الذين حكموا روسيا وتركيا تراثاً من العلاقات الطيبة. 
عبر التاريخ طبع العلاقة بين البلدين توتر واحتدام سياسيان، وصراع
على النفوذ. 


والأمر
يتخطى مرحلة الحرب الباردة يوم كان الاتحاد السوفييتي في ذروة جبروته، وكانت تركيا
أداة من أدوات «الناتو» في الخاصرة السوفييتية، وحديقة نفوذ غربي على الشرق الأوسط
الذي كان الاتحاد السوفييتي يتمتع بعلاقات طيبة مع دول محورية فيه: مصر وسوريا
والعراق وغيرها. 


الاحتدام
في العلاقات بين البلدين يعود إلى أبعد من ذلك، فبين تركيا العثمانية وروسيا
القيصرية حروب، يذكر التاريخ أنها بلغت عشراً منذ عام 1676، وكانت شبه جزيرة القرم
بالذات أحد مواقع الصراع على النفوذ بين البلدين، فمن يسيطر عليها يحكم السيطرة
على البحر الأسود، وهو ما أدركه فلاديمير بوتين جيداً، حين استثمر أزمة أوكرانيا
بضربة مباغتة وسريعة استعاد فيها سيطرة روسيا على شبه الجزيرة، مصححاً ما يعتبره
خطأ تاريخياً ارتكبه نيكتيا خروتشوف حين قرر أن تكون القرم تابعة لأوكرانيا مدة
رئاسته للاتحاد السوفييتي. 


على
كل التباعد بين بوتين وأردوغان، فإنه يجمع بينهما حس براغماتي سمح بتطوير العلاقات
بين البلدين خلال العقد الماضي في مجالات التجارة والزراعة والسياحة والطاقة
النووية، لكن براغماتية السياسة لا تلغي حقائق الجيوبولتيك.
روسيا
دولة كبرى لها مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة، وهي مصالح تتعارض مع أهداف
وخطط «الناتو» حيث تركيا أحد أعضائه، وتركيا قوة إقليمية تريد الاستفادة القصوى من
حال التفكك العربي الراهن لتوسيع نفوذها، فهي سانحة لم تكن تحلم بها. 


في
أنقرة سلطان جديد يحلم بأمجاد العثمانيين، لكن ما لم يحسب أردوغان الحساب له
جيداً، وهو يسقط «سوخوي 24» الروسية، أن في موسكو، أيضاً، قيصراً جديداً تلقى
تدريبه في المؤسسة السوفييتية، لا بل في أكثر أجهزتها حساسية ووزناً، وتشرَّب
تقاليد روسيا، الدولة العظيمة منذ القياصرة، التي علمتها التجارب أن أي تهاون في
دورها الخارجي، يعني، بصورة تلقائية، ضعفها الداخلي وتحولها إلى دولة عادية بين
الدول، وهو ما جربته خلال فترتي حكم غورباتشوف ويلتسين. 


وجوهر
مشروع فلاديمير بوتين قائم على تصحيح هذا الخطأ باستعادة ما كان لروسيا من مهابة،
يوم كانت تلويحة إصبع لستالين ومن وقفوا بعده على منصة العرض في الساحة الحمراء
كفيلة بإخافة الغرب، وحمله على إعادة ترتيب حساباته. 
  
حرر في: 01/12/2015