المنشور

ضد التطبيع

في الوقت الذي يجري فيه تسريب معلومات، لا تنقصها الصدقية والجدية، عن اتصالات سرية بين طهران وواشنطن، يقال إن علي ولايتي مستشار خامنئي للشؤون الخارجية هو من يمثل إيران فيها، ولا أحد يعلم ما الذي يمكن أن تفضي إليه مثل هذه الإتصالات، إن صحّ أمرها، من تفاهمات أمريكية – إيرانية، تسعى إدارة ترامب لإيهام بعض الدول العربية المتضررة من السياسات الإيرانية في المنطقة، أنها ستدخل معها في حلف ضد إيران بهدف عزلها وإسقاط النظام القائم فيها.
ولا ينفصل هذا الإيهام عن الخطاب المعلن لترامب منذ حملته الانتخابية بابتزاز دول الخليج العربي مالياً بحجة حمايتها، وهو ابتزاز ما زال يكرّره بشكل فج ومهين، والغاية واضحة، وهي أن هذا الرجل يريد استنزاف ثروات بلداننا وضخّها في الخزانة الأمريكية لإنقاذ ما تعانيه بلاده من صعوبات اقتصادية، فيما هو في الحقيقة الأمر أبعد ما يكون عن فكرة مواجهة إيران عسكرياً.
في غمرة هذا “الكرنفال” كلّف ترامب صهره كوشنر بمهمة حشد عدد كبير من الدول، بينها الكثير من الدول العربية، بالإضافة إلى إسرائيل، لاجتماع في وارسو، جمع كبار المسؤولين العرب مع بنيامين نتاهيو، ومعه أجرى بعضهم لقاءات علنية وأخرى سرية.
والملاحظ أن الشأن الإيراني لم يكن حاضراً في هذا اللقاء إلا بشكل باهت، وجرى التمويه عليه بعبارات وعناوين فضفاضة كضمان الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فيما بات واضحاً أن الغاية الحقيقية من هذا اللقاء لم تكن سوى وضع الجميع على سكة التطبيع العلني مع إسرائيل، لدرجة بلغت معها وقاحة بعض المحللين الإسرائيليين الذين يطلون كل مساء على الفضائيات الناطقة بالعربية حد السخرية من شعوبنا بالقول: إن حكامكم جميعاً موافقون على إقامة علاقات طبيعية معنا، ولا يهمنا إذا وافقتم أم لم توافقوا.
ورغم كل هذه الجرعة العالية من الوقاحة، فإنه أمر مفهوم أن يفكر الإسرائيليون بهذه الطريقة، لكن الذي لا يمكن قبوله أو السكوت عنه أن تفكر الحكومات العربية بالمنطق نفسه: “سنقيم التطبيع رغم إرادة شعوبنا”، وهي خطوة تنطوي على استفزاز كبير لكل المشاعر ولما استقرّ من مواقف في وجدان الناس، حول عدالة قضية الشعب الفلسطيني الشقيق الذي ما زال محروماً من أبسط حقوقه الشرعية، فكيف تكافىْ دولة الاحتلال بالتطبيع معها.
لقد قالها شعبنا البحريني بكل أطيافه، قبل اجتماع وارسو وبعده، وقالتها كل الشعوب العربية: لن نقبل بالتطبيع.