المنشور

أهمية إصدار قانون أحكام الأسرة في قسمه الثاني ( الشق الجعفري ) ومناقشة أوجة المعترضين على إصدارة

الحلقة الحوارية

يوم السبت 15 أكتوبر 2016

يقيمها قطاع المرأة في المنبر التقدمي

اعداد وتقديم المحامي / حسن علي إسماعيل

بداية يتعين الإشارة إلي انه لا يوجد في مملكة البحرين قانون للأحوال الشخصية يجمع جميع الاحكام المتعلقة بهذا الاحوال بما فيها الميراث والوصية واحكامهما ، إذ أقتصر قانون أحكام الاسرة الصادر في قسمه الأول وفي أقتراح هذا القانون في قسمه الثاني على أحكام الخطبة والزواج والطلاق وأثارهم فقط ولم يتناول أحكام الوصية والميراث كما الحال على سبيل المثال في قانون الاحوال الشخصية الكويتي.

ولاشك أن الجهود الكبيرة التي قامت بها الحركة النسائية في مملكة البحرين ، الاتحاد النسائي وسائر الجمعيات النسائية والمجلس الأعلى للمرأة ورجال الدين وقضاة الشرع المتنورين في المذهب السني أثمرت عن إصدار قانون أحكام الأسرة رقم 19 لسنة 2009 في 27 مايو 2009  في قسمه الأول المتعلق بالمذهب السني ونشر في الجريدة الرسمية بالعدد 2898 – يوم الخميس 4 يونيو 2009وأصبح نافذاً اعتبارا من الأول من يوليو سنة 2009  ، غير أن هذا الجهود لم تتمكن من إصداره كقانون موحد للمذهبين كما كانت تطالب به الحركة النسائية الأهلية بل لم تتمكن من إصداره في قسمة الثاني المتعلق بالمذهب الجعفري رغم قيام قضاة هذا المذهب الأفاضل بإعداد مسودته ، وسبب يعود لموقف المرجعية الدينية عند بعض رجال الدين في المذهب الجعفري الرافض لإصداره ، أو تلك التي وافقت على إصداره بشرط أن يكون شرعيا وبموافقة المرجعية الدينية ، وقد ناقشنا وانتقدنا هذا الموقف في أكثر من فعالية وعبر الصحافة المحلية ونحسب أنه من المفيد في هذه الحلقة الحوارية أن نناقش أوجه ومرئيات المعترضين على إصداره  مؤكدين على أهمية التحرك للمطالبة بإصداره في الوقت الراهن ، وقد أوضح الاتحاد النسائي في منتدى «الوسط»، بمناسبة مرور 10 أعوام على تأسيسه المنشور في الصحيفة بتاريخ 9 اكتوبر 2016 بأن (الاتحاد سيقود حراكاً قويّاً خلال الفترة المُقبلة لتحريك المياه الراكدة من أجل إصدار الشقّ الجعفريّ من قانون الأسرة، لافتات إلى أن هذا الحراك المقبل تدفعه حاجةٌ نسائيةٌ ملحة واقعية وليست ترفاً ). نأمل أن تساهم مرئيات وتوصيات هذه الحلقة في هذا الحراك .

مناقشة موقف المعترضين

على إصدارالقانون في القسم الثاني (الجعفري)

وأهمية إصداره

.

أولاً : الرافضون لإصدار القانون يزعمون أن الحملة الداعية لإصدار هذا القانون تضليل أو استغفال أو مغالطة، غير إننا نجد في هذا الحملة وضوحا من حيث الهدف الذي تسعى إليه  وهو ( إيقاظ شعور الناس إلى حاجتهم إلى قانون ينظم أحوالهم الشخصية )  وذلك بعد أن انتهى مركز البحرين للدراسات والبحوث في الدراسة التي أعدها بتكليف من المجلس الأعلى للمرأة إلى أن ( نسبة كبيرة من فئات المجتمع البحريني من هم في سن الزواج الشرعي أو حتى المتزوجين ليس لديهم اطلاع أو إلمام أو معرفة بما يعنيه قانون أحكام الأسرة ) ، والحقيقية هي أن عشرات الألوف اللذين استشهدت بهم المرجعية الدينية الرافضة للتقنيين من المواطنين اللذين وقعوا احتجاجا أو شاركوا في مسيرة هنا أو هناك ضد إصدار قانون أحكام الأسرة ، هم اللذين تعرضوا للأسف  للتضليل ذلك أن اغلبهم قد وقعوا على عريضة أو شاركوا في مسيرة دون أن يعرفوا ما معنى قانون أحكام الأسرة ، وما هي أهميته بالنسبة لهم  . إذ يتصور من التقينا بهم من هؤلاء أن قانون أحكام الأسرة سيعطي المرأة الحق في أن ترمي يمين الطلاق على الرجل في حين إنه ليس في اقتراح القانون في المذهبين حكم كهذا ، انه باختصار مثال على التضليل وتغييب للوعي .

ثانياً: جري الحديث عند المرجعية الدينية  بخطاب مضاد للحملة الوطنية من اجل إصدار قانون أحكام الأسرة وكأننا في بلد تجرد من شرع الله وأحكامه ، ليس في دستوره ضمانات دستورية  تجعل من قانون أحكام الأسرة متوافق مع الشريعة ، وجري الحديث وكأن الأنساب ستختلط ، والأعراض ستنتهك حين يصدر هذا القانون عن المؤسسة التشريعية الوضعية  ، كما جري الحديث عند هذا  الخطاب  وكأن من صاغوا مشروع القانون لا علاقة لهم بالشريعة وبأحكامها ويفترض  فيهم سوء النية على إنهم يسعون لقانون مخالف للشريعة ،  والحقيقية هي أن الحديث بهذه الطريقة عند هذا الخطاب ليس له من قصد سوى  التهويل  والتخويف ، وليس له من مبرر سوى الخوف من الوعي ، وعي الناس بأحكام القانون وأهميته ، إذ لا يتصور أن يكون هناك في شعب البحرين المسلم من يريد قانونا مخالفا لشريعة الإسلام ، ولا يتصور كذلك أن يكون من بين من صاغ مواده ومن بينهم قضاة شرع أفاضل لهم مكانتهم الدينية وخبرتهم في هذا المجال أن يريدوا مثل هذا القانون.

ثالثاً : إذا كنا نتفق مع القول بأن قانون أحكام الأسرة من حيث الموضوع  ليس كأي قانون آخر وذلك لتعلقه بالأسرة التي هي أساس المجتمع ، ولتعلقه بالأحكام الشرعية  ، وإذا كنا نحترم ونقدر وجهة نظر علماء الدين اللذين يؤيدون صدور القانون لكنهم لا يعدمون الوسيلة التي تعينهم على ذلك ويأملون في أن يكون هناك توافقا اجتماعيا على صدوره وإذا كنا نتفق مع ما يطرحه بعض رجال الدين بضرورة أن ينشأ القانون شرعياً ويبقى شرعياً ،  إلا انه يتعذر علينا القبول من الناحيتين الدستورية والقانونية  بما يتمسكون به بأن تكون شرعية هذا القانون ابتداء وعند أي تعديل ولو طفيف بموافقة المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف ، لا بموافقة المؤسسة التشريعية الوضعية ويتعذر علينا الأخذ بهذا الرأي  لأنه ليس في دساتير الدول الإسلامية التي قننت الأحوال الشخصية نصا يقضي بمثل تلك الضمانة التي يتمسك بها هذا الخطاب ، بل لم نجد في الفقه الدستوري على الإطلاق ما يقرره لمؤسسة هي خارج السلطة التشريعية سواء كانت هذه  المؤسسة داخل إقليم الدولة أم خارجه وسواء كانت مرجعية دينية  لها مكانتها الروحية أم  مؤسسة أخرى من مؤسسات المجتمع المدني بما فيها المؤسسات الداعية لإصدار هذا القانون أن تقرر شرعية  القوانين أو تعدل فيها، أن الإقرار بذلك والنص عليه دستوريا أو قانونيا  لا يعني فقط تجاوزاً لاختصاصات السلطة التشريعية المتعارف عليها بل انتقاصا من سيادة الدولة ، نعم أن للمرجعية العليا في النجف الأشرف مكانتها الدينية والروحية ، ولها أن تعطي رأيا في شرعية هذا القانون أو ذاك للعامة من الناس ، وهي بذلك تخلق  قوة مجتمعية ضاغطة على السلطة التشريعية ، لكنه لا يصح ولا يجوز اشتراط موافقتها على شرعية القانون كي يصدر هذا القانون ويصبح نافداً  فهي أولا : خارج إقليم الدولة وثانيا : ليست لها تمثيل في السلطة التشريعية  وثالثا : أن موافقة المرجعية على شرعية القانون من عدمه ليست بالضرورة ملزمة لكل الناس ، إذ تعدد المرجعيات العليا ويتعدد الناس في الرجوع إليها تبعا لذلك . ومن ثم لا يصح أيضا وضع مادة دستورية تكفل هذا الشرط .

من هذه المنطلقات ولأجل إصدار قانون أحكام الأسرة في قسمه الثاني متوافقا مع الشريعة من حيث النشأة والبقاء والتطبيق ومنسجما مع الاتفاقات الدولية نرى بأنه :

  • لابد من التعاطي مع الواقع المتاح ، ونستذكر هنا قول المناضل الفذ أالرفيق المرحوم احمد الذوداي حين صدر دستور 2002 خلافا لمبادئ وأحكام مثياق العمل الوطني حين قال ( علينا أن نتعاطي مع الواقع لكن ليس ذلك الواقع الساكن الذي لا مفر منه بل هو الواقع المتحرك الذي نصنع منه واقع أفضل منه ) ، وهذا يعني وان كنا نهدف ونتطلع إلى وجود قانون موحد للأحوال الشخصية ، غير أن الواقع المتاح في الوقت الراهن يفرض علينا ضرورة المطالبة من أجل إصدار قانون أحكام الأسرة في شقه الثاني المتعلق بالمذهب الجعفري .
  • لابد من الحوار والتوافق الاجتماعي ، فلا نتفق على الإطلاق مع ما أورده بعض رجال الدين من قول ( بان هذا القانون لو مرر فلا عودة عنه إلا بالدماء وقد لا تفيد الدماء الغزيرة ) ، وانه من الأفضل بدل من ذلك أن نقرأ أولا اقتراح القانون و أن نفتح حورا واسعا حول مواده قبل تمريره فأن وجدنا فيه نصا مخالف للشريعة أو للمعايير الدولية أن نجادل من اقترحه بالتي هي أحسن وان نطرح نصا بديلا عنه وان تكون هذه المجادلة تحت سمع و بصر الناس ، فأن ذلك أفضل من كل هذا الضجيج المضاد لما فيه  من مصلحة للعباد .
  • لابد من الإقرار أن القانون لا يصدر إلا عن طريق السلطة التشريعية فالقانون أي كان مدني ، جنائي أم أحوال شخصية هو تعبير عن حاجة المجتمع لتنظيم سلوك الأفراد في قواعد قانونية يعلمها الكافة وتكون ملزمة لهم ، فهناك إذن تلازم بين القانون والمجتمع ، فالمجتمع لا يقوم إلا على نظام ، والنظام لا يستوي إلا على قواعد آمرة ملزمة ، ولإقرار هذا القانون لابد من سلطة وهي طبقا لدستور مملكة البحرين السلطة التشريعية إذ لا يصدر القانون إلا إذا  أقره المجلسان وصدق عليه الملك  ، إذ تظل هذه السلطة رغم ما تعانيه من نواقص هي المعنية باقتراح القانون ومناقشته وإقراره والتصديق عليه ، إلا انه يتعين الفهم أن القانون أيا كان المجال الذي ينظمه لا يُقر و لا يصدر هكذا دون تدقيق وتمحيص ، فهو يبدأ باقتراح ثم مناقشة وتصويت ثم تصديق حتى يصل إلى مرحلة الإصدار والنشر ، ويتخلل هذه المراحل عرض القانون على اللجنة المختصة لدراسته ، هذه اللجنة التي يحق لها طبقا للائحة الداخلية لكل من المجلسين الاستعانة في أعمالها بالخبراء من خارج المجلس وهو بالضرورة يشمل المختصين بمسائل الأحوال الشخصية من قضاة وعلماء دين ومرجعية دينية  ، وأن في ذلك ردا على أولئك اللذين يرون في أعضاء المجلسين غير مختصين في الشريعة . بل أن في ذلك ضمانة  إذا قُرأت مع ضمانات أخرى  تجعل بلا ريب  من صدور القانون شرعيا وبقاءه كذلك
  • لابد من الإقرار أن قانون أحكام الأسرة حين يُقر من المجلسين فأن ذلك لا يعني نهاية المطاف إذ يحال بنص الدستور للملك للتصديق عليه ، وليس هناك في الدستور ما يمنع جلالة الملك من الاستعانة بعلماء الدين من الطائفتين لمعرفة ما إذا كان في القانون حكم يخالف الشريعة من عدمه وذلك قبل التصديق عليه ، بل في الدستور ما يلزمه بذلك ، ويشكل ذلك ضمانة من الضمانات الهامة والرئيسة لصدور القانون شرعيا وبقاءه كذلك يتعين عدم التقليل من شأنها . علما بأن الملك فضلا عن التزامه بما نص عليه الدستور فهو يمثل قوة مجتمعية له تأثيرها العام على المجتمع ومؤسساته الرسمية والمدنية .
  • لابد من التمسك بحكم المادة الثانية من الدستور كضمانة لصدور القانون متوافقا مع الشريعة الإسلامية ذلك أن الأحكام التي نص عليها الدستور والمتعلقة بالشريعة الإسلامية ، وأبرزها حكم المادة الثانية الثابتة التي حظر الدستور تعديلها وهي ( دين الدولة الإسلام ، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ) ، تشكل ضمانة كبرى في أن ينشأ القانون شرعيا وفي أن يبقى شرعيا ، ولا ينال من هذه الضمانة ما أورده بعض من رجال الدين بأن هذه المادة لا تنص على أن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع وبالتالي فإن تغييره وارد باستخدام بقية المصادر للتشريع ، ذلك أن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى قفل باب الاجتهاد وعدم استخدام ما توصل إليه الفقه بما فيه الفقه الإمامي من أحكام بواسطة العقل أو بالإجماع أو بغيرها من مصادر التشريع الأخرى في تقنين مسائل الأحوال الشخصية أو في أي مسائل أخرى ، ولا نجد في نص المادة الثانية بصياغته القائمة أي معوق أو حاجز يحول دون الأخذ بأحكام الشريعة  الإسلامية في تقنين مسائل أحكام الأسرة ، إذ يكفي أن يتوافر في هذا  النص  – وهو متوافر فيه – وبغض النظر عما إذا كان التشريع مصدر رئيسي أو المصدر الوحيد عنصر الإلزام ، أي ما يلزم المشرع العادي ( صانع القانون ) في أن يخضع القانون لإحكام الشريعة وإلا اعتبر قد حاد عن القيام بوظيفته التشريعية .
  • لابد من التأكيد على أن معظم أحكام الأسرة التي أرستها الشريعة الإسلامية جاءت من مصادر اجتهادية فلا يصح القول بأن أحكام الأسرة ، هي جمعيها أحكام قطعية ثابتة وردت في المصدرين الرئيسين القران الكريم والسنة النبوية الشريفة ليس لأحد أن يعدلها أو يغيرها بمرور الزمن في حين أن معظم أحكام الأسرة هي من مصادر اجتهادية وهي المصادر التي تتجلى فيها الحركة والمرونة في التشريع الإسلامي أي تطور التشريع مع تطور الحياة ، والقول بغير ذلك معناه نفي أهم  خاصية تمتاز بها شريعة الإسلام وهي الثبات والحركة ، ثبات على الأهداف والغايات وعلى الأصول والكليات ، وحركة ومرونة في الأساليب والوسائل وفي الفروع والجزئيات وفي شئون الدنيا والمجتمع . وهي ميزة حاضرة ومتوقدة في مسائل أحكام الآسرة
  • .لابد من احترام ما نص عليه الدستور البحريني في المادة 18 ( الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ) . وبهذا النص فانه يمتنع على المشرع العادي الإبقاء على أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة خصوصاً فيما يتعلق بموضوع أحكام الأسرة ولا يصح لمؤسسات المجتمع المدني وفي المقدمة منها الحركة النسائية البحرينية السكوت عن عدم المساواة بين المرأة و الرجل في أي قانون جديد يصدر عن السلطة التشريعية
  • لابد من الاعتراف بأهمية ما جاء في الاتفاقيات الدولية بشأن حقوق المرأة وخاصة تلك التي وقعت وصادقت عليها البحرين بحيث يأتي قانون أحكام الأسرة وفق المذهبين متوافقة ومنسجمة مع المعايير الدولية، خاصة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو). ، واتفاقية حقوق الطفل وبشكل خاص حقوق المرأة القانونية و في المساواة بينها وبين الرجل في العلاقات الأسرية ، وما ينتج عنها من آثار تنعكس على المرأة والطفل. إذ يعد انضمام مملكة البحرين لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة  بموجب المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 2002 والمنشور في الجريدة الرسمية في 6 مارس من ذات العام ، حدث بارزا ومهما في تحاه  فأصبحت هذه الاتفاقية جزء من التشريع الوطني و تكون لها قوة القانون  بعد أن أبرمت وصدق عليها وتم نشرها في الجريد الرسمية حسب نص المادة 37 من الدستور.
  • لابد من التأكيد على أن واقع تطبيق قانون أحكام الأسرة في قسمه الأول بعد مرور أكثر من سبع سنوات على نفاذه قد أثبت صحة وأهمية وضرورة إصدار قسم المذهب الجعفري ، إذ على الرغم مما كان يعتري قانون أحكام الأسرى في قسمه الأول من نواقص وعيوب ، فقد سهل القانون وساعد على القاضي والمتقاضي ، والمحامي في فهم وتطبيق الحكم الشرعي من نص واضح بدلا من البحث في بطون الكتب الفقهية وبدلا من تطبيق رأي القاضي وفقا للمذهب الذي ينتمي إليه .فقد أوضح القانون أحكام الخطبة وما ترتب عليها من حقوق ، وأحكام الزواج وأثاره و حقوق الزوج على زوجته ، وحقوق الزوجة على زوجها ، كما أوضح في نص واضح أنواع الفرقة ، من طلاق وتطليق وخلع ، وما يترتب عليهم من حقوق وأثار ، وغيرها من أحكام .
  • نقول للمرجعية الدينية في المذهب الجعفري أن قانون أحكام الأسرة في قسمه الأول المتعلق بالمذهب السني قد وضع حكم هام يحول دون إجراء أي تعديل عليه دون يكون هذا التعديل متوافقا مع أحكام الشريعة الاسلامية حين نصت المادة الثانية من مواد الإصدار على أنه “لا يتم تعديل هذا القانون إلا بعد أخذ ر أي لجنة من ذوي الاختصاص الشرعي من القضاة والفقهاء، على أن يكون نصفهم من القضاة الشرعيين يصدر بتشكيلها أمر ملكي.”ويعد هذا النص ضمانة هامة تحول دون التدخل التشريعي بتعديل نصوصه بعيداً عن ذوي الخبرة والاختصاص،سواء من الناحية النظرية التي تتمثل في علماء الدين، أم من الناحية التطبيقية الممثلة في القضاة الشرعيين، وهي ضمانة لا بأس بها، و إن كان الأصل في إعداد أي تشريع أو تعديله أن يكون لذوي الاختصاص الدور الأعظم فيه دون حاجة إلى النص على ذلك .
اقرأ المزيد

هيئة الاتحاد و الوحدة الوطنية

قلم: الرفيقة زهراء عبدالله علي عضو المنبر التقدمي

نحن اليوم بصدد مناقشة واحد من أهم المواضيع التي تشغل فئة واسعة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام في البلاد ألا وهو موضوع (الوحدة الوطنية)، كقضية تمس حاضر ومستقبل هذا الوطن، فهي ليست شعاراً  يرفع في مؤتمر أو عنوان لمقال، فالمجتمع منقسم منذ أحداث فبراير/ مارس 2011، وازداد الوضع تعقيدا وتأزيماً منذ رمضان الفائت، حيث تصاعدت وتيرة الطرح الطائفي وبرز  وبشكل واسع خطاب الكراهية المقيت خاصةً في وسائل التواصل الاجتماعي و المنابر الدينية.

السؤال هنا هو: من يتصدى لهذا الوباء الخبيث الذي يفتك بالمجتمع لكي يتعافى جسد الوطن منه؟

أجزم بأنها مهمة ليست سهلة، ولكن هناك تجارب في محطات عدة، جرى خلالها انقاذ  الوحدة الوطنية، لهذا سوف أتوقف أمام أهم هذه المحطات المضيئة من تاريخ حركتنا الوطنيه والديمقراطية، وهي مرحلة هيئة الاتحاد الوطني.

ففي أعوام 1954-1956 ، أطفأت هيئة الاتحاد الوطني  النار التي كادت أن تشتعل  في البلاد بسبب الفتنة المدبرة من قبل المستعمر البريطاني وأعوانه في محرم من عام 1953، يقول القائد الوطني الراحل عبدالرحمن الباكر في كتابه من (من البحرين إلى سانت هيلانة) عن فتنة محرم عام 1953، “من المؤسف انه انساق وراء تلك الفتنة العمياء كثيرون من الشباب نسوا  واجبهم الوطني  وتخلوا  عن مبادئهم  انسياقا  وراء العاطفة الهوجاء” ويواصل  وقد “أسفت غاية الاسف  حينما علمت بأن منهم من كان يدعي  أنه فوق  الطائفية والإقليمية  وقد انجرف وراء هذا التيار  وحمل راية التعصب الأعمى”.

ويضيف الباكر قائلاً: “لقد كانت مسؤوليتي كبيرة فبدأت اطفئ أوزار تلك النار التي انتشرت في كل بيت في البحرين  لاسيما  وقد شاهدت بنفسي كيف كان الإنجليز  يعملون ذلك في مومباي  حينما كانوا يشعلون الفتنة  بين الطائفتين الإسلامية والهندوسية”.

بذل الباكر والشملان ورفاقهما  جهوداً كبيرة لتوحيد الطرفين من خلال اللقاءات والاجتماعات التي كانوا  يقوموا بها في المنامة والمحرق. واستطاع الباكر ورفاقه تأسيس هيئة الاتحاد الوطني، التي كانت الحدث الأهم في تلك الفترة التاريخية،  في الاجتماع الذي تم في حسينية أحمد بن خميس بسنابس، ففي الثالث عشر من أكتوبر عام 1954، الذي ضم ممثلين عن السنة والشيعة من مختلف قرى ومدن البحرين ، وانبثقت منه هيئة تنفيذية عليا قوامها مائة وعشرون ولجنة تنفيذية مشكلة من ثمانية.

أنجزت الوحدة الوطنية وعلى أثرها تم رفع أهم المطالب الوطنية  للشعب وهي.

  • تأسيس مجلس تشريعي
  • وضع قانون عام للبلاد جنائي و مدني.
  • السماح بتأليف نقابة للعمال.
  • .تأسيس محكمة عليا للنقض  والابرام.

لم ترق لسلطات المستعمر البريطاني وأعوانها وحدة الشعب، والتفافه حول قيادته الوطنية، فتم الإجهاز على هيئة الاتحاد الوطني واعتقال ونفي قيادتها وكوادرها، فانتهت محطة عامة من نضال وكفاح شعب البحرين.

وفي خضم نضال هيئة الاتحاد الوطني برزت القوى الديمقراطيةكجبهة التحرير الوطني البحرانية ، تأسس حزب البعث فرع البحرين، وحركة القوميين العرب فرع البحرين. وما يميز هذه الأحزاب السياسية انخراط المناضلين في صفوفها من كل المذاهب والأعراق  والقوميات.

والتي سوف يبرز دورها الكفاحي والنضالي في انتفاضة مارس المجيدة عام 1965 و البهات الشعبية التالية في تاريخ شعبنا المناضل.

ان مفهوم الانتماء الوطني أو الوحدة الوطنية يعتبر أحد المفاهيم المركزية التي تحدد طبيعة علاقة الفرد وارتباطه بوطنه وجماعته وولائه له ويكشف عن الآلية النفسية التي تتحكم في هذه العلاقات، وبخاصة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكذلك بالقيم والمعايير والاعراف التي توجه سلوك الافراد نحو هوية وطنية واحدة.

يتميز المجتمع البحريني بالتعدد والتنوع الاثني والديني والقبلي والطائفي واللغوي. ، وان هذا التعدد والتنوع والاختلاف يجب أن يسوده التآلف والتعايش والتسامح واذا حدثت بعض الاختلافات والصراعات بين فئة وأخرى، فان مساحة التسامح قد تتسع أو تضيق أحيانا، ولكنها في الأخير تكون صمّام الامان يحافظ على الوحدة والتماسك بين هذه المكونات ويساعد على التعايش والتكامل الاجتماعي، و نتمنى أن لا يصل الامر بين هذه المكونات الاجتماعية الى خلاف يؤدى الى إلغاء الآخر ونفيه.

وليس من الغريب ان يجد المرء وهو يتجول في المنامة ، كنيسة بجانب مسجد وحسينية بجانب معبد هندوسي او يهودي وأن يتجاور العرب و العجم مع الشيعي والسني وأن يتعايشوا بعضهم مع بعض تحت خيمة هوية وطنية واحدة.

ان هذا التعدد والتنوع في مكونات المجتمع البحريني، هو ظاهرة صحية من الممكن أن تكون عنصر غنى وابداع ثقافي وروحي واجتماعي إذا ما توحدت في إطار وحدة وهوية وطنية واحدة.

إلا أن وحدتنا الوطنية ليست متماسكة ، و للأسف متشضية والسبب :-

  • تعدد وتنوع واختلاف المكونات الاجتماعية والثقافية التي تبدأ بالقومية والدين واللغة وتنتهي بالقبيلة والطائفة.
  • تعدد الولاءات والانتماءات، التي تستقطب كل واحدة منها مشاعر الولاء الاجتماعي حولها.
  • النزعة الابوية التي تسيطر على البنية الفكرية والاجتماعية والثقافية، التي تقوم عليها علاقات القرابة وصلة الدم وما يرتبط بها من قيم وأعراف وعصبيات عائلية تغالبية ما زالت تمارس تأثيرها على طرائق التفكير والعمل والسلوك وعلى منظومة القيم والمعايير وقواعد السلوك وشبكة العلاقات الاجتماعية، ويولدان آليات دفاع ذاتي للحفاظ على الهوية.

ولذلك فان “أزمة الوحدة الوطنية” إن جاز التعبير هي ليست من داخلها، بقدر ما هي من خارجها، أي من التحديات التي تجابهها فتجعل كل جماعة فرعية تستقطب مشاعر الولاء لهويتها الفرعية على حساب الهوية الوطنية ، وهو ما يؤدي الى “أزمة “، وهي حالة من التوتر والتمزق الوجداني، الذي ينمي التمركز على الذات ويدفع الى التعصب والتمييز العرقي أو الديني أو الطائفي ويقلل بالتالي من فرص التسامح والتفاهم والحوار.

والحال ان أزمة الهوية الوطنية في البحرين هي قبل كل شيء أزمة حرية وأزمة وعي بها وأزمة تفاهم وحوار مع الآخر، بمعنى آخر هي أزمة مواطنة لم تتبلور ، وأزمة نظام سياسي يتجاوز على حقوق المواطن.

ان الوجود الحقيقي للانسان المدني مرهون بوجود هويته الوطنية، وعندما يتحقق له ذلك يشعر انه بمأمن من كل شرور، فوجود الهوية الوطنية يعني الكثير، وفي ظلها تعيش الهويات الاخرى بأمان وخير وسلام، ولكنها حين تغيب تنتعش وتنشط كل الهويات الثانوية الآخرى التي تلقي بالانسان في احضان الموت.

وارى انه حين يحضر الشعور والمسؤولية المشتركة بالمصير والروابط والتاريخ والاهداف المشتركة بين ابناء هذا البلد تحضر حينها الهوية الوطنية على اتم وجه وتختفي الهوية الطائفية والهويات الفرعية، وتعيش هذه الهويات بأمان واستقرار، لان الهوية الوطنية حين تسود وتنتشر بقوة تحافظ على باقي الهويات، اما حين تكون الهوية الطائفية والهويات الاخرى هي البارزة والمسيطرة في بلد ما فبديهي جداً ان تكون الهوية الوطنية ضعيفة ومائلة الى السقوط والانهيار والى دمار البلد وخسران جميع ثرواته وطاقاته، البشرية والطبيعة والتاريخية والثقافية.

وموجز القول : ان الدولة التي تعمل على تمزيق شعبها تفقد شروط أمنها واستقرارها.

اقرأ المزيد