المنشور

حوار التناظر مع الأديب القاص عمر حمش



حوار التناظر مع الأديب القاص عمر حمش



الجزء الأول – من مشهد عمران مع لوح الصفيح …






 


في المخيم أدبيات لم يألفها سوى من أفجعته دوي دبابات جيش الاحتلال الهائمة تبحث عن قنص لمقاوم في شوارع غطى تراب شوارعها رذاذ إطارات الثائرين ، في المخيم طعم .. رائحة تنبعث .. صوت يبكي وأخر يجلجل مستعر .. لا تسمع في شوارع المخيم زغاريد الأفراح قدر زغاريد الوداع للشهداء .


لم نعد نسمع مكبرات الصوت المعهودة في أفراح أهل المخيم كما عاهدناها في سنوات خلت مبكرة فيما بعد الاحتلال عام 1967 . غمسوا جنود تعاظم في وجدانهم غطرسة القنص لكل من يرفع رأسه .. ومن لم يرفع كانوا يأتون إليه كسيل الذباب يزعجك لونه .. شكله .. تأفف النفس .. تقشعر له الأبدان لطالما هو قرر إزعاجك في كل مرة .


الدنيا فراش شاحب في مساحة هجرتها زند الثائرين من ربوع القومية العربية .. بعدما ولدت استكانة وتربعت متع الدنيا في عيون جحظت أمام مشاهد نساء شقراوات لم تكن يوما تعيش حالة الفصح العربية .وسمائنا ليست بسماء قصور العرب الذين أزكمت أنوفهم نفط البادية وسلة العملات الملونة وترصعت معاصم نساء البادية بدل النقاب الألماس والذهب المرصع والملون .. هم هجروا قيم العروبة وقيم الدين وحتى الوطنية ، وحولوا مجالس السياسة والأدب إلى رقص لشبة العاريات يرقصن خلف بلورات الخمر المعتق والمستورد من بلاد صدرت لكل العرب الموت والذلة والمهانة .


سقفنا صفيح ورثناه من هجرة تكللت بنجاح المهزومين ونصر ابتغته مجالس الأمم المتأمركة فقالوا عنها الأمم المتحدة .. تحت سقف الصفيح نقرات المطر لا تجبرك على النوم قدر إكراهك على السهر ، هم يرقصون على نقرات طبول الرقص الماجن وابن المخيم يرقد تحت مزاريب المطر ونقرات قررت إعدام راحتك ، ويأبى النوم ان يخلد في مقلتيك .. ترتعش .. ترتجف تحت غطاء اسود منسوج كنت للتو قد استلمته من مخازن وكالة الأمم يقولون عنه “بطانية ابن المخيم” . تسمع أصوات الرعد فوق سطح الصفيح كمن اجتاحته أصوات هجوم الطائرات العربية لتنقذك من جحيم استأسدت عليك زلة قلم بلفور في لحظة ضعف أمام حافيات الخصر الصهيونية .. وفيما تتابع يتلاشى حلم راودك في كل صلاة تنتظره فيتبين انك في فصل الشتاء القارص وطائراتنا العربية رابضة على ارض المطار تنتظر رحلة الصيف في أجواء لندن وأمريكا لقضاء فصل الربيع في أحضان أكثر شهوة ودفقا للنزوة .











 


كوهين:


هنا أنت في زقاق  إحدى ممرات المخيم لا تتسع بالكاد لان تخرج منها نعش شهيد سقط برصاص كوهين وعمران وابرام .. أو حتى مسن قضى ينتظر ان يفارق المخيم إلى مسقط رأسه ولم يكن يعلم انه غادر هو ورأسه وأغمضت عيناه حسرة فقط لأن قرارات مجلس الأمن الدولي  غير قابلة للتنفيذ فلربما كانت تشبه ذخيرة المهزومين عام 1967 .


كان كوهين يعاني في أزقة المخيم من البرد والريح والظلمة كما ابن المخيم يعاني تحت سقف الصفيح ؛ ولكن هو يعلم انه يتربص بشاب أو شبل يتربص به برصاصة أو أن يمشقه بطوب المخيم .. هو هنا ليؤرق جفون البائسين في المخيم ليضمن نعمة السكينة لاستر ، وسارة ، وألبرت …


هم غطسوا وأفراد دوريتهم في وحل المخيم ويكرون ويفرون ، وفي تلك الليلة قرر المجاهدون والمناضلون انه يوم إجازة  .


لم يكن يعلم ” كوهين” وعصابة جيش الاحتلال ان المخيم كل شيء فيه مختلف … فأصابعهم على الزناد لأنهم  اغتالوا حقوق التاريخ ، وبنوا عقيدة ، وأيدلوجيا أعدها لهم حكماء بني صهيون في تخريجات يطلق عليها بروتوكولات ” . هم منتشرون في شوارع المخيم يكابدهم البرد القارص وزخات المطر ووحل المخيم ، ويتربع في صدورهم الخوف والهلع،  فباتوا يحرسون الظلام الدامس وفقدوا حتى القدرة على الكلام ولم يتبقى بحوذتهم سوى لغة الإشارة وجلسة القرفصاء . 


عمران يتسلق سقف الصفيح :


أنا لا اعرف إن كان اسمه عمران أو عمرام ” ولكنهم في الختام ككل زنادقة التاريخ .. تسلق الجدار فارتطم في بركة مطر الحوش ، وحين تسلق الجدار لم يشاهد إلا بنات أفكاره كما يتسلق الهاوية فأيقظته هيام عشيقته النائمة على فراشها في تل أبيب .. أو لربما اسدروت التي لم تكن في السابق تمطرها قذائف المجاهدين ..  شاهد وداع من يحب وهو لم يكن أكثر من متسلق لجدار المسهدين تحت سقف من صفيح .وحين شخص المتعبين من مكابدة الانتظار وشخص شخوص العينين المحدقة في وجه الزائر العجيب والغريب ، زائر فرضته أجندات الغرب عليك ليفرض انه سيد الموقف بكامل عتاده يصرخ بداخله .. يبكى حاله وهو لا يعرف من سيقتل قبل ان تغتاله رصاصة من تحت الصفيح أو خلف جدار .. هو يريد ان يرسم الدم على جدران البيت .. يريد أن يصنع مجزرة ككل المجازر التي صنعوها أوغاد إسرائيل ليحتفى به بطلاً كمن عاقبتهم محاكم إسرائيل الوهمية ورفعت رتبهم العسكرية من جندي إلى عقيد . وكانت صرخاته المدوية كابوسا أيقظ كل النائمين من حوله فقد سقط فوق أطفاله وزوجته إنها كانت رحلة في شوارع وأزقة المخيم .



بتصرف

اقرأ المزيد

حوار التناظر مع الأديب الشاعر محمود درويش



حوار التناظر مع الأديب الشاعر محمود درويش



مشهد حالة حصار : صمت من أجل غزة !!

 










 


أخي .. أستاذنا الكبير محمود درويش …


غزة المكلومة  محيط جغرافي يحيط بها صمت القبور .. شوارعها تزف كل يوم عرس ، وغالبا تجوب الشوارع أعراس الشهداء ، فلم البكاء على غزة إذا لطالما زينت شوارعها الأفراح وبهجة النصر ؟


هي جزيرة ببحر لا يلتف حولها ولكنه بحر تنتهك حرمة أمواجه .. تجوب شواطئه .. تجتاح أمواجه العاتية الغاضبة مدمرات .. أساطيل عدو باق على عهد مع الشيطان لأن يستبيح الدم .. ان يغتصب السكينة .. ان يخطف حتى البسمة عن وجوه أطفاالنا . ألا أذكرك بمحمد الدرة الذي ذهب في طريقه لشراء دراجة هوائية فهوت رصاصات الحقد عليه تخترق الرئة اليسرى إلى ان استسلمت رئته اليمنى فهوى .. وهوى حتى توقفت معه نبضات الإنسانية . أيا اعز الناس لم تسطر أبيات الشعر بعد في مشهد الطفلة الرضيعة كإيمان حجو حين انكفأت على صدر أمها تبحث عن حليب الأمن الدافئ وتحسست ولمست في عيون أمها رعبا .. في اختباء وهروب من الموت تبحث عن ملجأ امن .. هي حدثت أمها وهي لا تعرف لغة الكلام … قالت  لا تقلقي سأتناول وجبة من الحليب الدافئ من صدرك وسأخلد للنوم .. ولكن سيدي .. أبا الظالم ان يتركها تهنأ بنعيم الحياة فتربص بها وامتشق ظهرها بقذيفة نالت منه فسقطت بلا حراك .. فتح نافذة في ظهرها الناعم الطري الرقيق دون إذن من كل الأديان السماوية .. وعبده الأوثان وقفوا مذهولين من عصابات الموت قالوا انه جيش الدفاع الإسرائيلي .. يدافع دفاعا مسميتا فيغتال الطفل والحجر و اغتالوا حتى الشجر .


لم تطال أبيات شعرك الطفلة هدى غالية رمز الحزن الفلسطيني .. حين قررت فسحة مع والدها وعائلتها على شاطئ بحر غزة .. هللت فرحة بمكافأة نجاحها فقرر والدها ان تزور شاطئ بحر غزة في ليلة الصيف .. قررت أن تتخلص من دوى الانفجاريات في جباليا وان تغير سنفونية الموت في بيت لاهيا .. ان تتخلص من دوى طائرات الاستطلاع اللعينة .. قررت هذه المرة ان تغلق بوابة الحزن لتفرح وان تحتفل بفرحة واحدة .. فاختارت من اعز الناس على قلبها .. ذاك الأب الحنون ان يأخذها إلى شاطئ بحر غزة .. وهناك قرر الأب ان يرقص أطفاله بين أمواج بحر غزة .. فطارت هدى غالية تهلل فتحت ذراعيها للبحر ترقص فرحة به .. جلس والدها بين أمواج رمال الشاطئ .. تمدد على كومة من الرمال الأبيض الناعم .. أشعل سيجارته سعيدا ببهجة طفلته الغالية .. تحركت أساطيل اللعنة حدقت بمناظيرها التي تكتشف خلايا الأسماك المتبعثرة تحت الصخور .. لتقرر ان تغتال حلم وطمأنينة كل أطفال غزة .. رسالة إنذار إلى غزة .. إلى أطفالها .. نسائها .. شيوخها ..كلكم تحت خط النار ، لا فرحة لكم بعد اليوم .. سنحول حياتكم إلى جحيم ، سندعكم ترحلون إلى الدار الآخرة بقذيفة نحن نقرر ان نطلقها بكبسة أزرار المدفع .. اختلطت دماء الأب تطاير اللحم .. أطبق الصمت .. أذهلت هدى مسامعها صوت قذيفة هي قررت أن لا تسمعها .. هذه المرة استهدفت والدها المسن .. الضعيف ، على شاطئ بحر غزة .. صرخت .. سمع العالم صوتها .. عذبت كل القلوب المتيبسة والجائرة  إلا قلوب بني صهيون فهم قرروا قتل أحلام أطفالنا .


بنى صهيون مفتونون بمغازلة الزمن .. مبتهجون حين كانوا يقررون النصر في كل مرة .. إلا أنهم قرروا الضحك والرقص ولعب كرة القدم في بيروت .. فبكوا .. صرخوا .. تطايرت جنازير دباباتهم في جنوب لبنان وأصبح المشهد كحظيرة خنازير طهرتها سواعد المقاومة ..دخلت جحافل جيوشهم مرتعشة وهي تعلم إنها في رحلة الموت .. فقرروا ان لا يحاربوا أحدا .. فحاربتهم قذائف المقاومة ولم يكن المشهد مكتمل لان المقاوم مجهول الإقامة .. فقالوا من قتل الضابط قال : لا أحدا ..!!!


في غزة المحاصرة بين بوابة العدو الرابض خلف الجدار الإسمنتية … والسماء مغطاة بطائرات تجوب سمائها دون طيار .. والبحر أساطيل حربية هاربة تخشى النيل منها .. فأصبحت جزيرة تنفجر في أي لحظة جنودها ينتظرون جحافل دباباتهم .. ولم يحضروا .. تنتظر قرار مواجهة كان العدو طوال العقود يبهيجا سعيدا وهو يجوب الشوارع العربية .. يحتسي علب النبيذ أو البيرة وغالبا يكون منتصرا إلا في تموز فقد احتسى الدم والحسرة وتلبدت غيومه بالهم والكرب والهلع .. اسألوا ذاك الجيش المتبجح ان شئتم هل يرغب بفسحة في شوارع غزة؟


الزمن في غزة يختلف عن أزمان كل العواصم العربية واللاعربية .. الزمن في غزة كله كبد بين نار الاغتيال والمواجهة والمقاومة .. لولا أن دنسه بعض المتهورين من بني جلدتنا لكان دون ذلك زمنا لا تقارعه كل الأزمان .


الزمن في غزة يستحق ان تسطره مياه الذهب على صفحات التاريخ لولا عجرفة المهووسين من كل الأخر . الزمن في غزة قتلته سواعد أبناءه في لحظة خطرفة .. في لحظة قررت أنها سيدة الموقف .. فانتحرت وداست بهاء النصر بعد الذلة .. الزمن يا سيدي كان في غزة كشعلة تضئ عتمة المقهورين والخائفين والمستسلمين حتى الأمس . الزمن يا سيدي في غزة كاد ان يكون مظلة تقينا من حر الشمس .. من الم الحسرة .. من وهيج الألم الداخلي بعد الهزيمة .. فلطخوا راية النصر بدم من لا ذنب لهم ولا هم طرفا في خلافات الايدولوجيا ولم يكونوا يوما في حسابات السياسة .


القيم في غزة تختلف عن كل القيم في معظم العواصم العربية . .. تختلف  ولا مجال لان نفكر في هذا بعد عام 1967 .


في غزة قرروا ان نقاوم .. فقررنا أن تكون المقاومة منهجا .. ولها أدبيات وثقافة …


ولكن في غفلة .. أصبحت المقاومة تصرخ ألما .. لأنها فقدت معانيها وأهدافها وقيمها بحفنة من المخبولين .. الذين صدروا فتاوى لا تعرفها كل الكتب المقدسة .


كل مشاريع بني صهيون تحطمت على صخرة الصمود التي كانت نواتها وحدة في المصير والهدف .. فلم تغرق غزة في البحر كما تمنوا .. ولم ترحل غزة إلى الصحراء .. ولكن غزة قررت ان تغتسل من عار هزائم كل الجيوش العربية ….


غزة التي طفلة مدللة بين كل العواصم العربية .. غزة التي خيراتها لا تغطى حصيرة أسرة فقيرة .. ولكنها حملت تاريخ أمه .. هي مدينة تمنح الحياة ، وتمنح الموت .. أطفالها لا يعرفون لغة الاستسلام .. شبابها مدرسة تعلم فنون القتال ومقارعة الجيوش وتفخيخ الأجساد وتحول الأرض إلى براكين ووهيج لهب وغضب .. هذه مشاهد غزة .. وشيخها يربون الأحفاد يعد شهادة الأبناء .. ترى هل في عاصمة عربية تزغرد النساء برحيل فلذات الأكباد !!


غزة تتربع على صدر الزمن وعلى مشاعل التاريخ .. تغتال كل جبان متربص .. لا تأتي أحدا ، ولكن من ينتظر ان تأتيه فلن تحضر غزة له أبدا .. من قرر الانتظار .. عليه أن يبكى على الأطلال .


المقاومة في غزة كانت قلعة من نور بهيج وحلة من نار ، وكانت نسيجا بين الجلد والعظم .. لن تكسره إلا خناجر من لم نكن نتوقع ان يكسروا عظامنا ان يبتروا مفاصل أطفالنا .. هزمنا الأعداء .. اثرنا الموت على الحياة من اجل حرية وطن .. لم تأخذنا الجرأة في استباحة دماء رفيق الدرب وأخ في معركة القتال .. ولكن السؤال مازال يحيرني كيف كان كل هذا يحدث في غزة .. كيف جسر الدم على الدم .. فقتل الأخ أخاه وابن العم ..


لم أكن أتوقع ولو لحظة واحدة إني سأتلقى طعنة خنجر  ممن حميته من قذائف الدبابات ، ومن قنصته برصاصتي قبل ان تغتال رفيق الدرب في معركة المصير المشترك .. أنا سلمته بندقيتي ورفضت قتله  لأنني كنت اعلم أن من خلفي عدو لنا مشترك .. كيف جام بهم طيش فاق كل المحرمات .. كيف له ان يستبيح الدم .. كيف له أن يتلون .. يداهن ..أصبح الدين له وغيره دخيل على الدين والوطن .. هل المقاومة جمعتنا .. ام كانت فقط مرحلة حتى ينال مني كما العراق وإيران في نظر بيكر وكيسنجر ؟!


يا اخي .. تعال تجول الان في شوارع غزة وسترى .. انك تعيش في بلاد بلا أبواب ؛ بل موصدة بجدار إسمنتي، وببنادق كنت تقاتل فيها عدوك والآن أصبحت فوهتها موجهة إلى صدرك .. تكلم .. انتقد وعلق ، ستجد فرق محنطة من منطق العقل ومجنقلة تأخذك بعيدا .. تحول الجسد إلى مضرب في نادي ؛ أو مسجد .. إلى ألواح تخترقها مخارز آلات فرز العظم عن اللحم .. تحول لون الجلد إلى ألوان لم نشهدها من قبل ؛ إلا في معتقلات العدو ..وفي ختام الموت ترى جثة ملقاة على قارعة طريق .. والتعقيب اما تهمة جاهزة خارج القانون في بلدة تدعى أنها سيدة القانون .. أو لربما .. تعقيبا صغيرا من اكبر مسؤول لا علم لنا بذلك وسيجرى التحقيق ولن يكون بعده جواب والمشهد مازال يتكرر .   



 
   








 



بتصرف

اقرأ المزيد

تراث المنامة المعماري

لعل واحدة من أهم القضايا الآنية التي تواجه ثقافتنا الوطنية وتمس صميم هويتنا البحرينية المميزة ولم تحظ بعد بأي اهتمام يذكر، اللهم النزر اليسير، مسألة المحافظة على معالم تراثنا المعماري التي يتعرض معظمها إما للتصدع والتشققات حيث تحولت إلى مبان آيلة للسقوط بفعل الاهمال الجسيم، وإما للنسف المنهجي المتعمد لأغراض استثمارية او سكانية أو عمرانية ادارية كمبان جديدة للمؤسسات الادارية العامة والخاصة. ويزيد من مأساة هذه القضية التي تمس وتعاني منها ثقافتنا الوطنية، ليس اهمال الدولة الجسيم لهذا الجانب المهم من صور هويتنا الوطنية فحسب، بل ما تواجهه هذه المسألة الحضارية البالغة الأهمية من تجاهل ولا مبالاة من قبل قوانا السياسية ومؤسسات مجتمعنا المدني بوجه عام، والمعنية منها بالمسائل الهندسية والتراثية المعمارية بوجه خاص.
فلئن كانت على سبيل المثال القضية البيئية تحظى ولو شكليا بشيء من الاهتمام ولها عدد من الجمعيات الاهلية المعنية بها، فضلا عن الهيئات والمؤسسات الرسمية، فإن القضية البيئية التراثية المعمارية تكاد تكون مغيبة تماما عن أي شكل من اشكال الاهتمام، وبخاصة بالنظر الى ما تزدحم به أجندة العمل الوطني العام من قضايا آنية متعددة لا حصر لها، ولعل غياب الوعي الوطني بأهمية المحافظة على تراثنا المعماري ليس في اوساط العامة فحسب، بل في أوساط شرائح واسعة من مثقفينا، فضلا عن انغماس جل مهندسينا، وعلى الاخص المعماريون منهم في اعمالهم “البزنسية” الخاصة، لعل كل ذلك ساهم في صنع المأساة الراهنة التي يواجهها تراثنا المعماري الذي لم يتبق منه سوى النزر اليسير. قبل فترة وجيزة استمتعت حقا بقراءة مقالة قيمة مفيدة للأخ أحمد عبدالرحمن الجودر تتناول واحدة من قضايا تراثنا المعمارية الراهنة ألا هي المصير القاتم الذي ينتظر واحدا من أهم المباني والمعالم المعمارية في قلب سوق العاصمة القديمة وهو مبنى البريد المقابل تقريبا لباب البحرين ويقع على بضع خطوات منه، (سياسات الحفاظ على التراث المعماري، الوسط 14/4/2008م). وتعكس التحليلات والأفكار الواردة في هذا المقال شخصية كاتبه ليس كمتخصص في عمارة وتخطيط المدن فحسب، بل بما يتمتع به من ذائقة فنية معمارية وحس ابداعي ووعي وطني على مستوى عال، كما يتجلى ذلك بوضوح في الأفكار والآراء التي طرحها على بساط البحث في المقال المذكور حول اهمية المبنى كمعلم معماري مهم من معالم العاصمة التراثية. ذلك بأن الكاتب وعلى الرغم من انه ينتمي الى واحدة من أكبر واعرق مدننا البحرينية الا هي “المحرق” والتي تتميز أيضا بعراقة مبانيها ومعالمها المعمارية التراثية، ورغم اعتزازه بهذا التراث المعماري العريق لمدينته والذي يشاركه فيه كل البحرينيين من ذوي الذائقة والحس المعماري التراثي الرفيع وان كان ذلك مبعث اعتزاز اكبر لدى ابناء هذه المدينة، فانه لم يجعل هذا الاعتزاز بأن تتملكه نزعة نرجسية ضيقة متشرنقة تحجب عنه الاحساس الوطني والابداعي لما يزخر به وطنه من كنز كبير من المعالم والمباني المعمارية التراثية في مختلف مدن وقرى البلاد. وإذ استعرض الكاتب المعايير والاعتبارات التي تستوجب المحافظة على هذا المبنى المعماري التراثي – مبنى البريد – مثله في ذلك مثل قوس باب البحرين ومباني دور المحاكم المجاورة له، وإذ شدّد على أهمية حمايته من الازالة في اطار مشروع تطوير سوق المنامة القديم فان الآمال مازالت معقودة بقوة في أن تتكاتف جهود كل الخيرين وتستنهض همم كل المعنيين المعماريين الذين يعز عليهم الوضع الحالي الكارثي الذي يواجه كل المعالم والمباني التراثية في مختلف مناطقنا لصيانة ما تبقى منها والمحافظة عليه. وإذ كان للقطاع الخاص على حد تعبير الكاتب الجودر مبادرات لترميم بعض المباني التراثية مثل بيت عبدالله الزايد، وبيت محمد بن فارس، وبيت جمشير، واللوفونتين، وبيت ابراهيم العريض بالعاصمة، والذي يكاد يكون هو البيت الوحيد الذي حظيت به العاصمة من تلك المبادرات الخاصة.. فهل نأمل مع الكاتب في أن تبادر الحكومة على الأقل إلى ترميم وصيانة ما تبقى من مبان حكومية قديمة مازالت في عهدتها، وجلها كما نعلم في العاصمة، وبخاصة تلك التي ترمز الى البدايات المبكرة لنشوء الادارة العامة الحديثة التي قامت عليها دولة الاستقلال لاحقا؟ وهل نأمل ايضا في أن يكون للحكومة دور فعال ولو من باب الدعم المعنوي التشجيعي لممارسة نفوذها، بحث مؤسساتنا الاقتصادية الخاصة الكبرى وكبار اثريائنا على الإقدام على مبادرات من هذا القبيل لصيانة ما تبقى من مبان ومعالم معمارية تراثية أهلية مهمة في مختلف ربوع البلاد؟ أخيرا إذ نحيي الأخ الكاتب المقل أحمد الجودر على هذا المقال القيم لنأمل ان تكون له اسهامات كتابية اكثر مستقبلا في تناول مثل هذه القضايا التراثية المعمارية، كما نأمل ان تستنهض هذه القضايا همم سائر مهندسينا وفنيينا المعماريين ولاسيما في جمعية المهندسين وذلك للاضطلاع بمسؤولياتهم الوطنية في هذه القضية الحيوية البالغة الأهمية. 

صحيفة اخبار الخليج
24 ابريل 2008

اقرأ المزيد

عوالم مفتوحة

إذا كانت الجاليات الأجنبية الآسيوية منها بشكل خاص،‮ ‬في‮ ‬بلدان الخليج تشكل عوالم مغلقة بوجه المحيط المحلي‮ ‬في‮ ‬هذه البلدان الذي‮ ‬يجهل تفاصيل طريقة معيشتها وأنماط تفكيرها وأشكال تواصلها الداخلي،‮ ‬فإن هذه الجاليات شأنها شأن أمور كثيرة في‮ ‬مجتمعاتنا مفتوحة على الخارج‮.‬ ولكن بأي‮ ‬معنى؟‮!‬ في‮ ‬الدرجة الأساسية فإن الأوطان الأم لهذه الجاليات معنية بشكل كبير بأوضاعها،‮ ‬ليس فقط لأن حقوق المواطنة تقتضي‮ ‬مثل هذا الاهتمام من الحكومات بأمر مواطنيها الذين‮ ‬يعيشون ويعملون في‮ ‬بلدان الخليج النفطية،‮ ‬وإنما أيضا لأن التحويلات المالية من هؤلاء إلى أوطانهم تشكل أحد أهم عوامل تنشيط الدورة الاقتصادية في‮ ‬هذه الأوطان،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فهي‮ ‬معنية برعاية أمور أبنائها والسعي‮ ‬لتأمين الظروف الملائمة لعمل ومعيشة هؤلاء،‮ ‬وهي‮ ‬بدأت في‮ ‬المطالبة وربما الضغط من أجل سن ما‮ ‬يلزم من التشريعات لتأمين مثل هذه الظروف‮. ‬ وهي‮ ‬قد تحث مواطنيها في‮ ‬المستقبل،‮ ‬ولعلها بدأت في‮ ‬حثهم على إبداء أشكال من التكافل والتضامن الرامي‮ ‬لتأمين مثل هذه الظروف‮. ‬وهو أمر جدير بأن‮ ‬ينال منا العناية الكافية حين ننصرف إلى التأمل في‮ ‬مستقبل التنمية في‮ ‬مجتمعات الخليج ومستقبل التركيبة السكانية فيها‮.‬ ومن البديهي‮ ‬أن تسود النظرة الواقعية التي‮ ‬ترى أن معدلات النمو الحالية في‮ ‬بلدان الخليج ونمط المعيشة السائد بما‮ ‬ينطوي‮ ‬عليه من رفاهية ويسر بالنسبة لأبناء المنطقة خاصة ما كان‮ ‬يمكن أن تتحقق دون هذه الكثافة الكبيرة من العمالة الأجنبية،‮ ‬الآسيوية خاصة‮. ‬ ولكن الاطمئنان إلى ذلك والنوم على أسرة من حرير دون التبصر في‮ ‬المستقبل وعواقبه‮ ‬ينم عن سوء تقدير لحجم الظاهرة ولعواقبها،‮ ‬غدا عندما‮ “‬تروح السكرة وتجيء الفكرة‮”.. ‬ولا بد من التذكير بتلك المقولات التي‮ ‬ترى في‮ ‬هذا الاعتماد المبالغ‮ ‬فيه على الخارج قنبلة موقوتة،‮ ‬لن نكون قادرين على تجنب انفجارها،‮ ‬خاصة أن الصاعق ليس في‮ ‬أيدينا‮.‬ لم‮ ‬يسبق أن شهدنا هذا التدويل الواسع للظواهر والحالات،‮ ‬ومجتمعات الخليج بحكم ما فيها من ثروات وما تحتله من موقع لا‮ ‬يمكن إلا أن تكون في‮ ‬قلب هذا التدويل على الأقل من زاوية إستراتيجية سلعة النفط الموجودة في‮ ‬أحشائها‮.‬ وآليات العولمة لا‮ ‬يمكن أن تستخف بقضية جوهرية ومصيرية وحيوية بالنسبة لبلداننا،‮ ‬كقضية العمالة الأجنبية التي‮ ‬قد تستخدم،‮ ‬وربما بدئ في‮ ‬استخدامها،‮ ‬من قبل الدوائر الدولية النافذة والمنظمات العالمية كورقة ضاغطة على بلدان المنطقة،‮ ‬في‮ ‬ظل الأوضاع المعيشية‮ ‬غير الإنسانية التي‮ ‬يعيشها العمال الأجانب في‮ ‬بلدان الخليج،‮ ‬والتي‮ ‬قادت إلى سلسلة من الإضرابات العمالية في‮ ‬صفوف العمال الهنود الآتين من بلدٍ‮ ‬معروف بعراقة تقاليد التنظيم النقابي‮ ‬فيه،‮ ‬وبالخبرة الغنية في‮ ‬استخدام أشكال الاحتجاج لنيل الحقوق المعيشية وتحسين ظروف العمل‮.‬ من العبث القول أن الوقت قد آن للتفكر في‮ ‬الأمر،‮ ‬الأصح القول أن الوقت‮ ‬يكاد‮ ‬يكون متأخرا،‮ ‬والأجدى هو السعي‮ ‬لإنقاذ ما‮ ‬يمكن إنقاذه عبر الخطوات العملية التي‮ ‬تتطلب قرارات جريئة لا بد منها.‬
 
صحيفة الايام
24 ابريل 2008

اقرأ المزيد

حقوق الإنسان عملة بوجه واحد‮ (٢-٣)‬

عندما انهار المعسكر الاشتراكي‮ ‬انهارت معه مشاريع كثيرة،‮ ‬بل وتخبطت الحركة الوطنية سياسيا وتنظيميا،‮ ‬خاصة اليسار منها،‮ ‬ولكنها بعد عثرتها وجدت نفسها تكتشف إن هناك طرقا عدة لتسليط الضوء على قضايا داخلية بصورة هادئة ومقنعة لها استجابتها في‮ ‬الخارج كونها سياسية من جهة ومن الجهة الأخرى حقوق سياسية منتهكة كما هي‮ ‬مسألة النفي‮ ‬ومصادرة الحياة النيابية ووجود قوانين معطلة للحريات والدستور كما هو المرسوم بقانون امن الدولة‮. ‬
ولكي‮ ‬تتمكن القوى السياسية البحرينية في‮ ‬الخارج من خلالها جذب تعاطف المنظمات الدولية فبدا التناغم منسجما ما بين حركة الداخل وإيقاع الخارج في‮ ‬تعاملها مع المنظمات الدولية لعلها تكون قوة ضاغطة ومؤثرة،‮ ‬والتي‮ ‬ظلت ترى في‮ ‬التحرك السابق للمنظمات السياسية تحركا سياسيا وليس حقوقيا،‮ ‬بل واتهمت المنظمات الدولية التيار الإسلامي‮ ‬في‮ ‬أواخر الثمانينات وبداية التسعينات بأنها تنظيمات طائفية ومشاريعها ومطالبها طائفية،‮ ‬فكان على الحركة الوطنية اليسارية القائمة على تنظيمي‮ ‬الجبهة الشعبية والتحرير،‮ ‬أن تسعى للتأثير على مسارات الحركة الدينية في‮ ‬هذا الجانب بالرغم من نفوذها المالي‮ ‬ووضعها التنظيمي‮ ‬المنهك‮.‬
‮ ‬وللعلم لم‮ ‬يكن في‮ ‬حينها أي‮ ‬حضور للتنظيم البعثي‮ ‬في‮ ‬الخارج طوال الثمانينات وأوائل التسعينات‮ – ‬كالتجمع القومي‮ ‬ولا الوسط القومي‮ ‬الإسلامي‮ – ‬ومن تابع منشورات وأدبيات التيارات الدينية في‮ ‬الخارج سيجد طبيعة خطاباتها في‮ ‬البداية وطبيعة خطاباتها فيما بعد،‮ ‬إذ تبلورت لديها‮ – ‬إلى حد ما‮ – ‬الآلية السياسية في‮ ‬مخاطبة العالم الخارجي،‮ ‬بدلا من الدعائية السياسية والتضخيم الدعائي،‮ ‬فقد كانت محطة البي‮ ‬بي‮ ‬سي‮ ‬تتهم تلك التنظيمات بهذه التهم الطائفية إلى جانب إبراز ونفخ الروح الطائفية من جهة أخرى بهدف‮ “‬تطويفها بقصد‮” ‬فوقعت في‮ ‬وهم إن المحطات والمنظمات الخارجية تقف معها بينما الفخ هو تقسيم نضالات الشعوب على أساس الطوائف والملل وضربها من الداخل دون تشعر بحقيقة ذلك الفخ المنصوب لها‮. ‬
بهذه الروح حملت المعارضة البحرينية لواء الدفاع عن حقوق الإنسان،‮ ‬فصارت حقوق الإنسان عندنا مجزأة على أساس تنظيمي‮ ‬وإيديولوجي‮ ‬وليس حقوقي‮ ‬وسياسي،‮ ‬وبدلا من أن تلتحق منظمة حقوق الإنسان التي‮ ‬شكلتها التيارات الدينية مع منظمة حقوق الإنسان التي‮ ‬حمل اليسار لواءها،‮ ‬صرنا نرى وجهين لحقوق الإنسان،‮ ‬ولو كان هناك وعي‮ ‬حقيقي‮ ‬بتلك المسألة لم تفتت وعاشت هذه المنظمة الحقوقية الوطنية التابعة للجميع،‮ ‬غير أن ما نود قوله هو تلك النزعة الإيديولوجية والتعصب الحزبي‮ ‬وروح التفرد بزعامة كل عمل جماهيري‮ ‬في‮ ‬الساحة،‮ ‬يسعى الجميع إلى تملكه دون الارتفاع والخروج عن النزعة الزعامية والسيطرة الحزبية الضيقة،‮ ‬فبدت البحرين الصغيرة في‮ ‬الخارج نموذجا للتشرذم حتى في‮ ‬طبيعة عمل منظمة حقوق الإنسان‮. ‬
لا أريد التركيز على المثالب والأخطاء والنعرة الطلابية والحزبية الضيقة أثناء عمل لجنة التنسيق بين اليسار عند عملهما المشترك،‮ ‬وكيف بدت مؤثرات الماضي‮ ‬والذهنية المنغلقة بالموروث الحزبي‮ ‬تسحب وتعكس نفسها على‮ ‬غالبية أعمال الطرفين في‮ ‬عملهما المشترك من اجل قضية مصيرية واحدة إلا في‮ ‬حالات،‮ ‬كان الخيار التاريخي‮ ‬يفرض نفسه عليهما،‮ ‬بل والشارع البحريني‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬يقدم نموذجا أكثر تطورا وانسجاما من الخارج،‮ ‬الذي‮ ‬ظل حتى وقتنا الحالي‮ ‬يعيش بسلوكيات طلابية تذكرنا بالاتحاد الوطني‮ ‬لطلبة البحرين‮. ‬
من المؤسف أن نجد أنفسنا بعد هذه الحقبة الزمنية المريرة نعود إلى الدائرة نفسها،‮ ‬والتفرد والركض وراء سباقات خاسرة مصيرها الفشل في‮ ‬النهاية،‮ ‬لطالما زعماء الحركة السياسية‮ ‬يفكرون بفلسفة التسابق في‮ ‬حلبة الرهان كما‮ ‬يراهن المغامرون على خيول خاسرة‮. ‬فماذا حدث لمنظمة حقوق الإنسان التي‮ ‬عملت في‮ ‬الخارج بروح إيديولوجية بحتة لطالما مؤسسيها تنظيمات سياسية مؤدلجة،‮ ‬بالرغم من أنها وضعت أمام المنظمات الدولية العالمية فوق وجوهها أقنعة حقوقية؟‮!! ‬
لا بأس وان كان من‮ ‬يقودون ذلك العمل الحقوقي‮ ‬هم أنفسهم من‮ ‬يقودون العمل السياسي‮ ‬وينتمون لقيادات تنظيمية،‮ ‬بحجة تداخل المهمات،‮ ‬فتم على هذا الأساس الانتقائي‮ ‬ما‮ ‬يناسب تلك القوى المعارضة،‮ ‬وكنت واحدا من هؤلاء المجموعة،‮ ‬وعملت ضمن طاقم هذه التركيبة التي‮ ‬لم تستطع فك الارتباط بين الاثنين لحساسية الوضع في‮ ‬الخارج،‮ ‬ولغياب منظمة حقيقية منفصلة بعملها وآليتها في‮ ‬هذا المجال مركزها الحقيقي‮ ‬في‮ ‬الداخل،‮ ‬بحيث لا توجد مؤثرات ايديولجية وتنظيمية تضغط على شخوصها من جوانب عدة‮.‬
‮ ‬كان ذلك مفهوما ومقنعا إلى حدود معينة نتيجة الشروط والظروف التاريخية للبلاد وللتنظيمات،‮ ‬ولكن فيما حدث متغير تاريخي‮ ‬كبير في‮ ‬البلاد مع اعتلاء الملك سدة الحكم،‮ ‬ومن ضمنها انتهاء وجود معتقل سياسي‮ ‬واحد في‮ ‬سجون البحرين وثانيا تم إلغاء مرسوم امن الدولة وعاد للوجود المجلس الوطني‮ – ‬وسنتحدث عن الانتهاكات في‮ ‬مرحلة الإصلاح‮ – ‬وثالثا عودة المنفيين للوطن‮. ‬فكيف كان وضعنا الحقوقي‮ ‬خلال السنوات السبع؟ وكيف أدارت تلك المنظمات عملها في‮ ‬الداخل والخارج؟ لماذا تناقضت هذه المنظمة مع طبيعة شرعيتها وعملها في‮ ‬عمل علني‮ ‬مرتبك وفي‮ ‬ظروف مرتبكة؟ سنكمل الحديث في‮ ‬حلقتنا الثالثة‮. ‬

صحيفة الايام
24 ابريل 2008

اقرأ المزيد

اعتقــونـــــــــــا‮..‬


هكذا – وعلى رؤوس الأشهاد – تقاسمت التيارات السياسية “غنيمة” مقاعد الاتحاد العام لنقابات البحرين ضلع لهذا وصدر لذاك.. مجاهرةً بذلك بهيمنتها على النقابات كما هيمنت – قبلاً – على العمل الحقوقي والنسائي بل وحتى الخيري، بمباركة السلطة التي تراقب، ولا تمانع، ليقينها أن أفضل وسيلة لتقويض العمل النقابي هو إطلاق يد السياسيين فيه. فلا أخطر على العمل النقابي من طيّه تحت عباءة السياسي وربطه بالسفسطة الحزبية وتقلباتها ؛ وهي أبجديات يعيها النقابيون جيداً وإن تغاضوا عنها وتمردوا عليها.
 في السبعينات عندما تم الخلط بين العمل السياسي والعمالي – خلطاً – لم يكن منه بدٌّ ؛ نظراً لحداثة التجربة ومحدودية القيادات التي كانت تدير المشهدين آنذاك.. دفع العمل النقابي ثمن هذا الانصهار غالياً بأن نُفي على مدى ٤٣ عاماً..
 والآن وقد انتقلنا لطور وطني جديد؛ فلزام علينا أن نطور آلية إدارتنا للأمور وللأحداث ونتعلم من تجاربنا لا أن نكررها بعناد ونمعن فيها أيضاً. فإن كان العمل السياسي – قبلاً – ظهيراً للعمل النقابي والعكس سواء.. فقد صار العمل النقابي اليوم تابعاً للقوى السياسية ومرتهناً لها، ما أضعفه وزاده ارتباكاً..
 وإن كنا نفهم سبب غرس الأحزاب – التي لا تُسمى أحزاباً – لمخالبها في جسد العمل النقابي.. بغية التعملق في الساحة السياسية عبر السيطرة على أكثر من قطاع في خطوة لا شك مفهومة ومبررة.. فلا مسوغ مفهوم لرضا النقابيين بتبعيتهم العلنية لتلك الأحزاب. ولا يُقرأ الأمر إلا خوفاً من العمل المستقل، أو قناعة بأن حبل النجاح معقود حصراً بالتعلق بسفينة جمعية أو تيار ما.. أو ربما هي قناعة النقابيين أن لا مكان في هذا المجتمع للمستقلين المتواضعة حظوظهم دائماً !!  وكل ما ترونه الآن من تحديات تعوق النقابات وأولها إحجام العمال عن الانخراط في النقابات المحدودة القائمة “التي لا تتجاوز الـ ٥٣ نقابة” حتى أن بعض النقابات لا يتجاوز عدد أعضائها الخمسة بالمئة من عدد العاملين في شركاتها “وهو ما يضعف حتماً قوتها التفاوضية أمام أرباب العمل”.. ناهيكم عن دعاوى الانشقاق الداعية لتأسيس أكثر من نقابة في المؤسسة/ الكيان الواحد ليكون لكل فئة وجماعة نقابة خاصة بها.. وما الى ذلك من تحديات ما هي إلا أثمان وكلف متوقعة لنقل عداوات العمل السياسي وتشرذماته للعمل النقابي.. وتسييس النقابات بما لا تستسيغه بعض الأطياف ولا تقبله.
 إننا بالطبع لا ندعو لقطيعة الجمعيات والتيارات السياسية، ولكننا نتكلم عن الاستقلالية وأهميتها في تمكين النقابات. فنحن نعي – كما يعي النقابيون – أن قوة العمل النقابي هو أن يجمع العمال بصرف النظر عن انتمائهم السياسية والطائفية بل وحتى جنسياتهم ودينهم بما يقوي التمثيل النقابي ويزيد ثقة الأطراف فيه.. فقوة النقابي تكمن في خدمته للأهداف المهنية ونأيه عن مسرحيات التحالفات التكتيكية وتصفية الحسابات. علماً بأن النقايات – وإن تجنبت الانسياق لذلك – فستبقى تلك التهمة ذريعة جاهزة لتسفيهها وضربها..
  إن جُل مبتغانا أن تتنامى وتتظافر وتتقاطع أدوار السياسيين والنقابيين والحقوقيين والناشطين في هذا البلد دون أن يمتطي أحد منهم أحدا.. أو يتولى أحد منها على أحد.. ولكن أنى لنا ذلك والسياسة جاثمة على قلوبنا أينما ولينا..
 
الأيام 23 أبريل 2008
 

اقرأ المزيد

التجربة البرلمانية ‮ ‬في‮ ‬الكويت‮.. ‬مسألة تقدير

أثناء استضافتي‮ ‬بدولة الكويت للمشاركة في‮ ‬فعاليات مهرجانها المسرحي‮ ‬العاشر،‮ ‬تسنى لي‮ ‬المتابعة لبعض مشاهد ووقائع‮ (‬الحراك‮) ‬الانتخابي ‬للبرلمان القادم وذلك من خلال بعض الأصدقاء الكويتيين الناشطين في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬هناك،‮ ‬فبالرغم من الفترة الانتخابية‮ (المضغوطة) ‬جداً،‮ ‬إلا أن التجربة والخبرة المتواصلة والممتدة بعمر مجلس الأمة الكويتي‮ ‬في‮ ‬مجال الإعداد للانتخابات ووضع المجهر المناسب على المرشح المناسب للمقعد المناسب في‮ ‬مجلس الأمة،‮ ‬أكسبتا الشعب الكويتي‮ ‬والناشطين في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬التنويرية قدرة هائلة وغريبة على التكيف مع هذه الفترة المضغوطة والضاغطة على الأعصاب والطاقة،‮ ‬فخلال الفترة التي‮ ‬قضيتها هناك لاحظت اهتماماً ‬كبيراً ‬بضرورة اختيار المرشح المتنور والذي‮ ‬يستوعب ويفهم القوانين وبنود الدستور الكويتي‮ ‬ويسعى إلى جعل البرلمان رمزاً ‬للديمقراطية والتعددية المدنية الفاعلة،‮ ‬لا التعددية الطائفية الهدامة،‮ ‬كما لاحظت أيضاً‮ ‬انصرافاً‮ ‬غير عادي‮ ‬لتقدير الأمور وتقييم نوعية المرشحين والمرشحات للبرلمان وما إذا كانوا‮ ‬يتملكون القدرة على تلبية مطالب الشعب الأساسية والملحة أم أن نفسهم الوطني‮ ‬والمطاليبي‮ ‬قصير ولا‮ ‬يمكن لرئته تحمل الغوص في‮ ‬المياه العميقة‮.‬
لاحظت أيضاً‮ ‬إعادة نظر بعض الناشطين المنبريين الديمقراطيين وبعض الناشطين في‮ ‬التحالف،‮ ‬إعادة النظر في‮ ‬إستراتيجية العمل الانتخابي‮ ‬وفي‮ ‬آليات التعاطي‮ ‬مع هموم الشارع الكويتي،‮ ‬والبحث عن سبل أكثر قدرة ومرونة وشفافية على تشكيل وتحقيق برلمان‮ ‬يستوعبه الشعب الكويتي‮ ‬برمته لا طائفة من طوائفه،‮ ‬أو فئة من فئاته،‮ ‬وهذا هو الهدف الأساسي‮ ‬الذي‮ ‬يسعى إلى تحقيقه هؤلاء الناشطون‮.‬
الاستماتة من أجل كويت الوطن،‮ ‬كان شعار الناشطين التنويريين والذي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتبناه ويفعله المرشح للبرلمان،‮ ‬لذا لاحظت حواراً‮ ‬بين هؤلاء الأصدقاء وبين رموزهم وفي‮ ‬الديوانيات والمقاهي‮ ‬وفي‮ ‬قاعة مهرجان المسرح لا تنقصه شفافية،‮ ‬خاصة فيما‮ ‬يتعلق بتقدير الأمور،‮ ‬على خلاف جماعات‮ ‘‬الإسلامويين‮’ ‬الذين‮ ‬يحسمون أمور ترشيحهم بالنوايا وبالتفكير في‮ ‬كيفية النيل من ذوي‮ ‬الاتجاهات التنويرية والسعي‮ ‬إلى جعل البرلمان صوتاً‮ ‬واحداً‮ ‬يمثلهم،‮ ‬حتى وإن كان هدف هذا الصوت وأد البرلمان نفسه،‮ ‬ولنا أسوة بتجربة النواب الذين استغلوا البرلمان من أجل تمرير مآربهم وشق الصف الوطني‮ ‬في‮ ‬الكويت وتغليب بعض القضايا الخارجة عن هم الوطن على هم الوطن نفسه،‮ ‬الأول والأولى،‮ ‬والذي‮ ‬بالأحرى بهم أن‮ ‬يتمسكوا به باعتباره أحد دوافع ومحفزات ومسببات نضوج اللحمة الوطنية في‮ ‬المجتمع الكويتي‮. ‬
لنا إذن أن نستفيد من التجربة الكويتية التي‮ ‬أسهمت في‮ ‬توجيه الشارع الكويتي‮ ‬نحو الوطن أولاً،‮ ‬ودعته لأن‮ ‬يعيد النظر فيمن انتخبهم ورشحهم وكانوا وبالاً‮ ‬عليه وعلى وطنه،‮ ‬خاصة إثر التصعيدات الأخيرة التي‮ ‬جعلت السلطة التنفيذية مجبرة في‮ ‬اتخاذ قرار حل المجلس،‮ ‬والذي‮ ‬جعل كثيراً‮ ‬من الناشطين في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬ينظر إلى بعض القرارات التي‮ ‬تتخذها الحكومة على أنها أكثر مرونة واستيعاباً‮ ‬من شارع المعارضة النيابية و(المؤسساتية‮) ‬في‮ ‬الكويت‮.‬
النشطاء والشارع في‮ ‬الكويت مقبلون على تجربة برلمانية جديدة،‮ ‬بالرغم من‮ (‬طشار‮) ‬العبث الذي‮ ‬يطال هذه الديوانية أو هذه الجمعية أو تلك المؤسسة،‮ ‬تجربة هي‮ ‬فعلاً‮ ‬أشبه بالعرس الوطني،‮ ‬خاصة وأن القوى الوطنية مقبلة أيضاً‮ ‬على توازن أكثر من ما مضى،‮ ‬الأمر الذي‮ -‬إذا تحقق هذا التوازن‮- ‬سيساعد بلا شك على تقليص نسبة وإن كانت ضئيلة من المتشددين للتيارات‮ ‘‬الإسلاموية‮’ ‬المتطرفة في‮ ‬البلدان المجاورة،‮ ‬جعلها الله دعوة مستجابة وشد من أزر وعضد من سعى إلى الإسهام في‮ ‬تحقيق هذه النسبة في‮ ‬القريب العاجل،‮ ‬في‮ ‬برلماننا أو في‮ ‬برلمان عربي‮ ‬آخر‮. ‬
تقدير الأمور وتقليب الأوراق ومراجعة التجربة ومحاور المرشح ووضعه أمام مسؤولية أن البرلمان‮ ‬يعني‮ ‬سلطة الشعب،‮ ‬هي‮ ‬أمور مهمة،‮ ‬لأنها تتصل بالعقل والوعي‮ ‬وليس بشيء أو أمر آخر،‮ ‬وما أحوجنا إلى هذا العقل الذي‮ ‬مارست عليه جماعات الضغط‮ ‘‬الإسلاموي‮’ ‬شتى صنوف القهر حتى قادت أمره على معاقل التيه والتخلف والجهل‮.‬

صحيفة الوطن
23 ابريل 2008

اقرأ المزيد

الخلل السكاني.. الإمارات ليست وحدها!

منذ سنوات طويلة تعود ربما إلى ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد نحو عقد ونيف من استقلالها والامارات العربية المتحدة تشعر على نحو متزايد بالخطر الداهم الذي يهدد هويتها الوطنية من جراء الخلل البالغ في تركيبتها السكانية حيث ازداد الوافدون والاجانب، وعلى الأخص غير العرب، زيادة مخيفة باتت تطغى على سكان البلد العرب الأصليين وتحولهم الى أقلية على أرض وطنهم ووطن اجدادهم واجداد أجدادهم منذ قرون طويلة. هذا الاحساس بذلك الخلل السكاني الخطير اخذ يتنامى لدى الاماراتيين بصورة مفزعة بتنامي الخلل ذاته، فكان ان وصل إلى ذروته خلال السنين القليلة الأخيرة، ومن حسن حظ الاماراتيين ان استشعرته قيادتهم السياسية نفسها وشكل هاجسا وقلقا حقيقيا يراود احاسيسها بين الفينة والاخرى، فكان ان قررت ان تجعل عام 2008م عاما وطنيا لتأكيد الهوية الوطنية، ودراسة كل السبل وتضافر كل الجهود الممكنة التي تسهم في تأكيد المحافظة على الهوية الوطنية ومعالجة الخلل الكبير الذي طرأ على التركيبة السكانية. وبعد مرور شهور من اعلان هذا العام عاما للهوية الوطنية بدا واضحا أن هذا الاعلان ليس مجرد شعار اجوف كرنفالي على شاكلة الاعلانات العالمية حول تخصيص عام لقضية معينة فيغلب الطابع الكرنفالي او الاعلامي والشعاراتي للاحتفال اكثر من الفعاليات الملموسة التي تسهم في تحريك القضية التي خصص العام المحدد للاحتفال بها، وهكذا فإنه لا يمر يوم تقريبا إلا وتعقد فعالية كبرى تتعلق بالهوية الوطنية لغة ودينا او بالخلل السكاني الحاد الذي بات يهدد هذه الهوية تهديدا خطيرا على نحو متفاقم. ولعل واحدة من الفعاليات الأخيرة المهمة اللافتة التي تعكس اهتمام القيادة السياسية الاماراتية بهذه القضية الوطنية الحيوية الملحة التقاء نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء الاماراتي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بلجنة التركيبة السكانية التي تشكلت في خريف العام الماضي 2007م للوقوف على الشوط الذي قطعته على نحو ملموس في تحقيق المهمة الموكولة إليها، والتي وصفها نائب رئيس الدولة ذاته بأنها تتصدر أولويات حكومته وطلب من جميع اعضائها التعامل معها بمنتهى الجدية والمسؤولية القصوى، وذلك على اعتبار “ان مستقبلنا وهويتنا الوطنية مرتبطة ارتباطا جذريا ومصيريا مع هذه القضية… التي تحدد بالنهاية مستقبل اجيالنا” على حد تعبيره. وكان لقاء آل مكتوم قد جرى بحضور عدد من كبار المسؤولين والوزراء المعنيين بملف القضية حيث اصدر أمرا في نهاية الاجتماع بضرورة الاسراع في تشكيل هيئة وطنية دائمة لمتابعة ملف “التركيبة السكانية” والاسراع ايضا في تنفيذ 66 مبادرة نحو تخفيف حدة الخلل السكاني. بيد ان مظاهر هذه الجدية في تناول هذا الملف تحت هاجس ما يراود الاماراتيين العرب من احساس بالخطر الداهم الذي بات يهدد هويتهم لم يقتصر على ذلك، بل نجده أيضا فيما عبر عنه على نحو ساخر بليغ شفاف قائد شرطة دبي ضاحي بن خلفان في احدى الفعاليات حينما حذر في ملتقى “الهوية الوطنية” من تمكن احد الهنود الوافدين رمز إليه بأحد الاسماء الهندية المشهورة “كوتي” من الفوز في انتخابات رئاسة الدولة، وهو ما أثار عاصفة من التصفيق الحماسي شارك فيها حتى كبار القادة والمسؤولون الذين حضروا الفعالية، وحذر خلفان من احتمال فقدان الاسر الحاكمة سلطاتها وطالب بتجنيس مواطني دول مجلس التعاون العرب. ولكن يخطئ من يظن بعد ما يقرب من اربعة عقود من الطفرة النفطية ان خطر الخلل في التركيبة السكانية يهدد الهوية الوطنية لدولة الامارات العربية المتحدة وحدها، فباستثناء المملكة العربية السعودية والى حد ما سلطنة عمان فان هذا الخطر بات يهدد كل دول مجلس التعاون وان بدرجات متفاوتة، ولربما ازدادت هذه الدرجة خطورة في هذه الدولة او تلك تبعا لسياسات وتشريعات منح الجنسية واكتسابها في كل منها. ومن نافلة القول بالطبع ان سياسات تخفيف القيود على منح الجنسية ولاسيما تجاه من هم ليسوا عربا أشد خطورة على الهوية الوطنية، وذلك لما يترتب عليه الأمر من تغلغل لهم في النسيج الوطني وتشويهه، وعلى الرغم من وجود اعداد هائلة من الوفود الاجانب غير المجنسين الذين يمكن الاستغناء عنهم او انهاء عقود العمل معهم في أي وقت، فإن طول اقامة الكثير منهم بات يشكل خطرا في حد ذاته مع تقادم الزمن وذلك لما يترتب عليه هذا التقادم من حقوق والتزامات قانونية دولية لا تستطيع الدولة الحديثة في مجتمعنا الدولي المعاصر التنصل منها الى الابد. دولة الامارات العربية المتحدة، وهي ثاني دولة خليجية بعد المملكة العربية السعودية تحمل نعت “العربية” في مسمى الدولة الرسمي للتأكيد على هويتها الوطنية قد دقت ناقوس الخطر على الأقل تجاه هذه القضية الحيوية، ومن حسن الحظ ان هذا الدق يلتف حوله شعبها بجميع فئاته وقيادته السياسية من دون ان يثير ذلك اي حساسيات مرضية تستصغر هذا الخطر لحسابات ضيقة.. فهل نسمع عن بقية دول مجلس التعاون ولو رنة دق الناقوس عندها كأضعف الايمان؟!
 
صحيفة اخبار الخليج
23 ابريل 2008

اقرأ المزيد

حرب الخليج‮.. ‬هل وقعت؟‮!‬

دهشتنا اليوم أمام الانترنت وثورة المعلومات تذكر بدهشة أسلافنا أمام الثورة الصناعية والتقدم الذي‮ ‬فاجأهم في‮ ‬الغرب‮. ‬ ولكن الفارق الجوهري‮ ‬هو أن الصدمة الحضارية أصابت أفراداً‮ ‬أتيح لهم السفر إلى أوروبا كما هي‮ ‬حال الشيخ رفاعة الطهطاوي‮ ‬الذي‮ ‬سافر ضمن أول بعثة مصرية للتعلم في‮ ‬فرنسا فهاله ما رأى،‮ ‬وعقد العزم أن‮ ‬يكرس ما بقي‮ ‬من حياته في‮ ‬سبيل أن‮ ‬يتحقق لمصر وللعرب ما تحقق لسواهم‮.‬ لكن ثورة المعلومات والاتصالات لا تنتظر أن نذهب إليها وإنما تجيء هي‮ ‬نفسها إلينا،‮ ‬وهي‮ ‬تطالنا كجماعات لا كأفراد فقط،‮ ‬وتدخل في‮ ‬تفاصيل حياتنا،‮ ‬وتستحوذ على أبنائنا قبل أن تستحوذ علينا،‮ ‬وهي،‮ ‬شئنا أم أبينا،‮ ‬تُكيّف حياتنا وأوقاتنا وسلوكنا وفق مقتضياتها‮.‬ إن ثورة التكنولوجيا والاتصال توفر مجالاً‮ ‬أوسع لنشر المعرفة والمعلومات،‮ ‬وتتيح للفرد كما للمجتمع عامة فرصاً‮ ‬واسعة للاختيار،‮ ‬مما‮ ‬يطرح على أجهزة الإعلام الوطنية مهمات مزدوجة الطابع،‮ ‬فهي‮ ‬إذ تبدو مطالبة بالتجويد المستمر لما تقدمه لمشاهدها المحلي‮ ‬في‮ ‬أطباقٍ‮ ‬جذابة؛ فإنها معنية كذلك بتأكيد مصداقيتها أمام هذه المشاهد‮. ‬ لكن دراسة قديمة بعض الشيء لمركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية تقدم رقماً‮ ‬مخيباً‮ ‬للآمال،‮ ‬حين تؤكد أن ‮٥٧‬٪‮ ‬من أفراد مجموعة أجريت عليها الدراسة،‮ ‬قالوا إنهم إذا أرادوا معرفة الأخبار فإنهم‮ ‬يذهبون إلى الشبكات العالمية،‮ ‬حتى لو كان الحدث وقع في‮ ‬بلدهم‮.‬ دلالة ذلك سلبية،‮ ‬خاصة حين نعلم أن ثقافة المجتمع ما بعد الصناعي،‮ ‬أو مجتمع ما بعد الحداثة‮ “‬الغربي‮” ‬تتقدم إلى العالم عبر الصورة الخاطفة،‮ ‬وهي‮ ‬حين تبث عبر الفضاء،‮ ‬الذي‮ ‬أصبح مفتوحاً‮ ‬ومن دون رجعة،‮ ‬إلى بلداننا النامية حيث ما زالت الحداثة نفسها تتعثر،‮ ‬فإنها تتجنب تقديم الواقع نفسه،‮ ‬وتقدم رديفه المفبرك،‮ ‬أي‮ ‬الصورة‮.‬ لذ؛ فالذي‮ ‬نشاهده على هذه الشاشات ليست الحروب الحقيقية التي‮ ‬نلمس بعد حين مرارة نتائجها،‮ ‬وإنما هي‮ ‬صور للتسلية،‮ ‬نتلقاها ونحن في‮ ‬كامل استرخائنا على مقاعد‮ ‬غرف الجلوس،‮ ‬أو حتى على أسرة النوم‮.‬ ولا‮ ‬غرابة أن‮ ‬يصدر في‮ ‬الغرب بعد حرب الخليج عام ‮١٩٩١ ‬مباشرة كتاب‮ ‬يحمل العنوان المثير‮ “حرب الخليج لم تقع” ‬في‮ ‬إشارة إلى زيف ما قدمه الإعلام،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يعلن ولادة نظام جديد‮ ‬يتقدم بالصورة،‮ ‬لا بالمدفع وحده‮.‬
 
صحيفة الايام
23 ابريل 2008

اقرأ المزيد

دلالات انتفاضة اليمن الجنوبي

تكتسب احداث العنف التي تخللت انتفاضة الشطر الجنوبي والتي اندلعت بين أواخر شهر مارس الماضي وأوائل شهر أبريل الجاري على مدى نحو اسبوع كامل.. تكتسب ابعادا سياسية عميقة المغزى، سواء من حيث توقيتها الذي جاء عشية الذكرى الـ 19 لقيام الوحدة اليمنية ومرور نصف قرن على الوحدة المصرية – السورية، أم من حيث مكانها حيث اقتصرت على المحافظات الجنوبية تحديدا التي كانت تشكل دولة اليمن الجنوبي سابقا، (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، دونما أن يكون لها امتدادات تذكر في المحافظات الشمالية التي كانت تشكل دولة اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية)، ام من حيث تزامنها مع الظروف الاقتصادية المعيشية العالمية التي تشهد ارتفاعات حادة في اسعار السلع الغذائية وتصاعد نسب التضخم في اقتصاديات معظم دول العالم وعلى الاخص العالم الثالث، أم من حيث المغزى والدرس المستفاد عربيا من تلك الهبة الشعبية الجنوبية التي تخللتها أعمال العنف تلك.
فأولا: فمن حيث توقيت الانتفاضة فان مغزاه يكمن في انه يأتي غداة الذكرى الخمسين لقيام أول وحدة عربية في التاريخ العربي المعاصر، الوحدة المصرية – السورية، وعشية الذكرى الـ 19 لوحدة الشطرين اليمنيين، فان هذا الانفجار الكبير الذي حدث في الجنوب يعكس الخلل الكبير في الأسس التي قامت عليها وحدة الشطرين، اذ على الرغم من ان هذه الوحدة هي حلم عزيز ظل يراود اليمنيين طويلا، فإن تحقيقه بتلك السرعة والكيفية التي جرت فجأة غداة الحرب الاهلية في الشطر الجنوبي في اواسط عقد الثمانينيات وعشية سقوط المعسكر الاشتراكي الاوروبي في اواخر ذات العقد. وكان من الواضح الارتجال والاندفاع نحو دغدغة مشاعر اليمنيين في الشطر الجنوبي للهروب مما خلفته الحرب الأهلية (انفجار يناير 1986 في الشطر الجنوبي) وسقوط المعسكر الاشتراكي من تداعيات خطيرة. وبات من الواضح ان اليمنيين، وعلى الرغم من اختلاف ظروف تجربتي كلتا الوحدتين لم يستفيدوا كافيا من دروس الوحدة المصرية – السورية عام 1958م والاسباب الموضوعية والذاتية التي افضت الى فشلها وفي مقدمتها غياب المشاركة السياسية الشعبية في صنع قرار الوحدة وبخاصة في ظل تباين البنية ومستوى التطور الاجتماعي بين الشطرين اليمنيين كما هو بين سوريا ومصر. وبسبب تفاوت هذا التطور بين بنيتي الشطرين الاجتماعيتين فان الجنوب كان الخاسر الاكبر من الدمج السريع ولاسيما بالنظر الى ما افتقده من مكتسبات سياسية واقتصادية وتعليمية وثقافية واجتماعية كبيرة حققها في ظل النظام الاشتراكي السابق بغض النظر عن طابعه الشمولي المعروف. ثانيا: ان اقتصار الانتفاضة على المحافظات الجنوبية دون الشمالية وبخاصة في محافظتي لحج والضالع لهو دلالة مهمة عميقة المغزى ليس على تفاوت هذا التطور الاجتماعي بين الشطرين بل على فشل هذا الدمج على صعيد الواقع الفعلي الاجتماعي، وبات واضحا ان الجنوب ابتلِع لصالح الطبقة السياسية الحاكمة في الشمال، وان الوحدة التي تحققت بإرادة حرة طوعية بين نظامي الشطرين صورها النظام الشمالي في صنعاء بأنه صاحب الفضل فيها وان قادة الجنوب ليسوا سوى انفصاليين، وذلك بعد الحرب الاهلية بين الشطرين عام 1994م وما اعقب ذلك من ثارات سياسية اقصائية وتمييزية ظل ينتهجها تجاه الجنوبيين منذ ان خرج نظام الشمال السابق من الحرب منتصرا، وزاد اختلال تقاسم السلطة والثروة بين الشطرين لصالح الشمال على حساب الجنوب. كما ان تركز الانتفاضة في المحافظات الجنوبية يعكس في ذات الوقت من جهة اخرى الطابع الجهوي للحزب الاشتراكي الحاكم سابقا حيث معقله وقواعده الاساسية في الجنوب وفشله حتى الآن في الامتداد والانتشار في الشمال بصورة كافية. ثالثا: على الرغم من ان اليمن هو واحد من افقر البلدان العربية وعلى الرغم من غياب التوزيع العادل للثروة والمشاركة السياسية هما سمتان ونتيجتان يتقاسمها الشعب الواحد في كلا الشطرين فإن النظام القائم في صنعاء بسياساته الجهوية والقبلية والطبقية استطاع ببراعة ان يغلف الصراع الاجتماعي المحتدم بتلك الصراعات الفرعية ويحول التناقض الرئيسي وكأنه تناقض بين شمال محظي بالمحاباة والجاه والثروة وجنوب محروم من كل ذلك، ولعل اخطر ما في هذه السياسة يتمثل عندما يحتج الجنوبيون على هذا التمييز الفعلي وان كان غير جوهري فانه يصور بأنه احتجاج على حظوة الشماليين وهو ما يثير الحساسيات. ولم تكن الطبقة الحاكمة في صنعاء هي وحدها التي برعت في اللعب على وتر التفرقة الجهوية والطائفية لإثارة الحساسيات بين فئات وأبناء الشعب الواحد والكسب من سياسة فرق تسد بل برع فيها العديد من الانظمة العربية في الصراعات الاجتماعية الدائرة حاليا في بلدانها، وهي من اخطر واعقد التحديات التي تواجه حركات المعارضة في تلك البلدان. رابعا: ثمة اربعة عوامل سياسية واقتصادية لعبت مفاعيلها في الانفجار الاجتماعي الذي حدث في الجنوب يمكن تلخيصها فيما يلي: 1- تضافر البعد التمييزي مع البعد الاقتصادي المعيشي العالمي المتمثل في غلاء الاسعار، ناهيك عن الفساد الذي استشرى بعد الوحدة ومورس في مؤسسات الدولة بالجنوب. 2- سياسة الاقصاء والتهميش للجنوبيين ولعل اخطر مظاهرها رفض توظيفهم في الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية التي يهيمن عليها الشماليون. 3- رفض اعادة آلاف المسرحين والمعتقلين الجنوبيين الى أعمالهم ووظائفهم، وشعور الجنوبيين بأنهم باتوا مواطنين درجة ثانية ويفتقدون المواطنة الواحدة المتساوية مع اشقائهم في الشمال. 4- اشتداد توق اليمنيين الى نظامهم السابق (الاشتراكي) وتنامي النزعة الانفصالية المطالبة بتقرير المصير مع تزايد الشعور بالغبن والخسارة من الدمج الذي تحقق.
 
صحيفة اخبار الخليج
22 ابريل 2008

اقرأ المزيد