المنشور

حول مفردة‮ “‬التمييز‮”

بالنسبة لمن هم في جيلنا، ممن مروا بالتربية السياسية التي مررنا بها، فان مفردة التمييز حين كانت ترد في خطابنا السياسي لم تكن هذه المفردة تثير الحساسيات التي تثيرها اليوم، لأننا كنا ننطلق من النظرة إلى التمييز نظرة اجتماعية وسياسية أشمل.
كان التمييز الطبقي يحتل مكان الصدارة في تفكيرنا وفهمنا للأمور، وكنا، تفريعاً على ذلك، ننظر إلى أشكال التمييز الأخرى على أنها تجليات لهذا التمييز الطبقي الذي نعده الرئيسي والجوهري.
من حيث الجوهر فان هذه النظرة تظل صائبة وتحتفظ بحيويتها وراهنيتها، بل أنها تشكل عاصماً لنا جميعاً من الوقوع في متاهات الفُرقة المتعددة‘ إن نحن أغفلنا  أن جوهر ما يحكم التناقض في المجتمع، بما في ذلك في مجتمعنا هو تناقض اجتماعي في المقام الأول محركه  شهوة المقتدرين والمتنفذين في مراكمة الثروة، حتى لو تم ذلك بصورة غير شرعية.
وحين يتصل الأمر بمراكمة هذه الثروة فان الثري الشيعي لن يختلف في شيء عن الثري السني في الحرص على ذلك، وفي توسل الطرق نفسها في بلوغ هدفه، وفي التعاطي مع الأجراء الذين يوظفهم.
هذه المفردة تثير الحساسيات التي تثيرها في الأذهان حين ينصرف تأويلها إلى مضمون واحد هو الرائج اليوم للأسف والمقصود به التمييز ذو الأبعاد الطائفية. لذلك علينا ألا نندهش حين يُواجه قولاً “شيعياً” بتمييز واقع على الشيعة بطرحٍ مضاد، سني هذه المرة، فحواه أن وضع الكادح السني ليس بأحسن حال من وضع الكادح الشيعي، بل ويمكن للأمر أن يذهب في ظل الفزعة الطائفية الراهنة إلى قولٍ بأن الدولة أو بعض أجهزتها تمارس نوعاً من” المحاباة” للشيعة على حساب السنة.
علينا أن نتوقع أيضا سماع قول يسمي وزارات بعينها تكاد تكون حكرا في بنيتها الوظيفية على الشيعة إزاء وزارات أخرى تكاد تكون حكرا على السنة.
هذا النقاش يمكن أن يتفرع بدوره عن أسئلة أخرى لك أن تسمعها هنا وهناك: هل أهمية وزارة مثل وزارة الصحة تضاهي أهمية وزارة مثل الدفاع أو الداخلية.
ولكن هذا النقاش يجب رده إلى أصله: لماذا يكون لنا مثل هذا” التقسيم” أصلاً؟
وعودة إلى فكرة التمييز أو مفردته، فلعل البعد الاجتماعي أو الطبقي لا يحيط بكل مظاهر التمييز، إذا ما عدنا إلى ذاك التفريق المنهجي بين ما تعارف على تسميته بالبنية التحتية والبنية الفوقية، فأشكال الوعي الراسخة في هذه الأخيرة يمكن أن تلقي بآثارها القوية على البنية الاجتماعية أو التحتية، ولأن البنية الفوقية تنطوي على التمايزات الطائفية والاثنية والقبلية والجندرية فهي تفعل فعلها في تشكيل مفهوم التمييز.
يظل أن نتذكر أن التمييز مفهوم شامل، سيكون من الخطأ حصره في البعد الطائفي: هناك التمييز ضد المرأة، وهناك التمييز ضد المناطق، وهناك التمييز بين من يملكون وبين من يبيعون قوة عملهم ليعيشوا.
ولكي نحرر هذا المفهوم من حساسيته الطائفية، يجب أن نضعه في إطاره الشامل.
 
صحيفة الايام
22 ابريل 2008

اقرأ المزيد

أمراض الوزارات الحكومية


التعامل مع الوزارت الحكومية، كلها بلا استثناء، هم ثقيل يتهيب منه المواطن ويمقته. ربما لأنه يعي سلفاً أن أصغر معاملة حكومية ستكلفه يومه بأكمله – هذا في حال ما دعت له أمه صباحاً – أما إن لم تفعل “وقلة من أمهات هذا الزمن يفعلون” فقد تمضي أيام قبل أن تنجز معاملته وقد تـُعرقل بل وقد تضيع ملياً بين الأدراج المغبرة..!!
 إذ إن الدوائر الحكومية لا تعاني من البيروقراطية وغياب التنظيم وثقافة العمل فحسب؛ بل وتعاني أيضاً من هيمنة المحاباة وتفشي الرشاوى وشيوع الابتزاز بشكله التقليدي “تعطيل المعاملة لحين الحصول على مبلغ نقدي” أو شكلة المضمر المتمثل في تسهيل المعاملات مقابل خدمات أو تسهيلات متبادلة..
  هذا وقد فطن نفر من الموظفين العموميين – الكبار منهم والصغار – الكيفيات التي تمكنهم من الاستفادة من عامل الأولوية ومن هذا الوضع المرتبك.. فصار المهندسون المسؤولون عن التراخيص يعملون تحت مظلة مكتب هندسي.. وموظفو الجوازات يعملون في التخليص، والموثقون يعملون في الدلالة.. ومسؤولون بارزون في القطاع الرياضي يملكون وكالات “تمويل” معدات وألبسة رياضية.. وغيرها من صور تضارب المصالح التي تزكم رائحة فسادها الأنوف؛ ولدينا إن شئتم المزيد!!
وإن كنا سنرجئ هذه الظاهرة لسبب فسيكون التالي: تحلل الوزارت – التام والكامل- من أية التزامات متعلقة بالوقت.. فالمعاملة قد تستغرق يوماً وقد تستغرق ٧ أشهر.. مدّ الخدمة الكهربائية قد يستغرق أسبوعاً وقد يستغرق سنة ونصف السنة.. تخطيط الأراضي الخام قد يستغرق شهرين أو عامين.. استخراج شهادة المسح اللازمة للبناء قد تستغرق ٣ أسابيع أو ٣ أشهر وقد تصل لستة..
 إن كان أمر كهذا يضر المواطن العادي مرة فهو يضر المستثمر مرات؛ وهو ما يعيه جيداً ضعاف النفوس الذين يتعمدون تعطيل معاملات الشركات طمعاً في عوائد لتسهيلها.. ولو كانت الحكومة جادة في تقويض المرتشين وغل أيديهم عن الناس فكل ما عليها فعله هو خلق نظام يُمهل الموظف أجلاً واضحاً لإنهاء المعاملات بحيث يكون ملزماً – بإنقضاء هذا الأجل – بتبرير تأخر المعاملة والسبب وراء تعرقل إنجازها..
 الى ذلك فنحن لا ندعي أن الفساد هو المرض الوحيد الذي ينخر في عظم فعالية الوزارات.. فهناك التسيب وهدر الوقت الذي لا تجد له سمياً في القطاع الخاص.. فالصلاة التي ينهيها الموظف في بيته في دقيقتين تستغرق نصف ساعة على الأقل في الوزارت.. بل إن بعضهم “يصر” على الخروج من دوامه والصلاة في المسجد!! وإن حسبنا مايضيعه في ارتشاف الشاي وتحية نصف موظفي الوزارة وغيرها فسنجد – واقعاً – أن الموظف يبدد من الوقت أكثر مما ينتج.. ومن يفعل غير ذلك بإيعاز من ضميره يوصم في الوزارات بالسذاجة.. لأن الكل يعلم أن من “يعزي ومن لا يعزي سيأكل من عيش الحسين” فالترقيات تطال الموظف بناء على تراكم سنوات خدمته لا بناء على عطائه وتفانيه.. وهو المقياس العقيم الذي تطبقه الحكومة والذي نلومه على كثير من اخفاقاتها وجمودها.
 وبين غياب الرادع وغياب المحفز لابد لسير العمل أن يختل.. ولكم أن ترصدوا اتساع الهوة بين مهنية القطاعين الخاص والعام لتقفوا على سبب ازدهار الأول وتراجع الثاني..

صحيفة الايام
22 ابريل 2008

اقرأ المزيد

حول مؤتمر اتحاد النقابات

كان الظفر بحرية العمل النقابي واحداً من أهم الأهداف التي ناضلت من أجلها الطبقة العاملة البحرينية منذ منتصف القرن العشرين، واتخذ هذا النضال أشكالاً مختلفة من الإضرابات العمالية والاعتصامات والمسيرات. وفي غمرة هذا النضال ابتكر المناضلون من العمال والنقابيين أشكالا متعددة من التنظيمات النقابية، على شكل لجان عمالية سرية حيناً وعلنية حيناً آخر، كما هو حال اللجنة التأسيسية للعمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة، التي شكلت ائتلافاً عمالياً ووطنياً واسعاً في عام 1972، وفي ظروف الانفراجات الأمنية والسياسية بادر العمال إلى تشكيل نقابات حتى لو لم تعترف بها الدولة كما حدث إبان الحياة النيابية الأولى في سبعينات القرن العشرين، ومن أبرزها نقابات العاملين في كل من “ألبا” ووزارة الصحة وإدارة الكهرباء وفي أعمال الإنشاء والبناء. وفي هذا النضال حظي عمال البحرين بدعم أشقائهم من العمال العرب وعمال العالم، وفي هذا السياق علينا تذكر الدور المشرف الذي لعبه النقابي الراحل حميد إبراهيم عواجي مع رفيقه محمد المرباطي في حشد حملات التضامن العمالية في الخارج، من خلال تمثيلهم لاتحاد عمال البحرين، في صورته السرية، في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وفي المؤتمرات والفعاليات النقابية العربية والدولية وفي الصحافة العمالية والنقابية.  وفي سبيل انتزاع الحق النقابي قدم عمال البحرين وطلائعهم المناضلة من الناشطين العماليين والحزبيين تضحيات جليلة، ولم تثنهم كل أنواع القمع والتنكيل عن التراجع عن هذا المطلب. لذا لا نبالغ حين نقول إن نيل هذا الحق الذي جاء ثمرة لهذه النضالات، هو من أبرز المكاسب التي جاء بها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، بصدور قانون النقابات، والذي بفضله أمكن تأسيس النقابات العمالية وفق القانون وتحت حمايته، وفي نتيجة ذلك أمكن تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الذي أنهى أعمال مؤتمره الأخير منذ أيام. وإذ نهنئ حركتنا النقابية بانعقاد ونجاح أعمال مؤتمرها، فإننا لن نخوض هنا في الملابسات التي أحاطت بانتخاب الأمانة العامة الجديدة للاتحاد، فذلك أمر يعالجه النقابيون أنفسهم سواء كانوا مستقلين أو ممثلين للاتجاهات السياسية ذات الحضور والفعالية في الحركة العمالية. ولكن من موقع الحرص على دور هذه الحركة ووحدتها، وعلى مكانة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بصفته أحد أبرز مؤسسات المجتمع المدني في الظرف الراهن، وأمام مخاطر الانقسام الطائفي والمذهبي في المجتمع التي تلقي بظلالها على الحركة العمالية أيضاً، فإننا نتطلع إلى أن يدرك النشطاء النقابيون أن وحدة اتحادهم واتساع درجة التمثيل العادل فيه للمكونات الناشطة في صفوفه داخل هيئاته القيادية، بما يتناسب وحجم وتأثير وتاريخ وفعالية هذه المكونات، هو الشرط الأساس لتعزيز الطابع الوطني الجامع للاتحاد الذي يجعله ممثلاً للحركة النقابية بكافة اتجاهاتها وللنقابات الفاعلة المنضوية في الاتحاد، ويحميه من أية شبهة طائفية. ولا يبدو أمراً طيباً أو منطقياً أن تكون أكبر نقابة في البلد من حيث حجم العضوية والتأثير مثل نقابة “ألبا” غائبة عن الأمانة العامة للاتحاد، وهو ما نثق في أن القيادة الجديدة في الاتحاد تدرك أبعاده السلبية وأثره على مصداقية الاتحاد، وهي قادرة على تفادي ذلك بالسرعة الممكنة.

صحيفة الايام
21 ابريل 2008

اقرأ المزيد

بماذا يعدنا الناتو؟

في يونيو/ حزيران 2007 عقد في البحرين مؤتمر بعنوان «الإعلام في عالم متغير.. بين رؤيتي الخليج والناتو». بعدها تكثف النشاط الإعلامي في منطقة الخليج. في 24 يناير/ كانون الثاني ألقى أمين عام الناتو في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية محاضرة عن «مبادرة إسطنبول للتعاون». وفي 28 يناير/ كانون الثاني عقد في الدوحة مؤتمر عن «دور الناتو في ضمان الاستقرار والسلم». كما نظمت زيارات لإعلاميين خليجيين إلى مقر قيادة حلف الناتو في العاصمة البلجيكية بروكسل.
والآن وعلى إثر انتهاء مؤتمر الناتو الذي عقد في الأسبوع الأول من هذا الشهر سيعقد في 26 و27 أبريل/ نيسان الجاري في المنامة مؤتمر يضم 26 سفيراً من حلف الناتو، إضافة إلى أمينه العام ياب دي هوب شيفر وعدد كبير من المسؤولين من دول مبادرة إسطنبول للتعاون. وستكون الموضوعات أكثر تحديداً هذه المرة: الأوضاع في منطقة الخليج والتهديدات المحتملة والوضع المتدهور في أفغانستان، وتعاون الناتو ودول الخليج بشأن هذه القضايا.
هل أدى النشاط الإعلامي البريء دوره لتدخل أعلام الناتو وتركز بشكل رسمي في منطقة الخليج؟
خلق الناتو قبل قرابة ستين عاماً في منطقة ولأهداف لا تتعلق بمنطقة الخليج. منظمة معاهدة شمال الأطلسي (الناتو)، أو: (North Atlantic Treaty Organization – NATO) نشأت كاتحاد سياسي عسكري في مواجهة الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية بمبادرة أميركية استناداً إلى معاهدة شمال الأطلسي التي وقعت في 4 أبريل/ نيسان 1949 في واشنطن. بعد تفكك حلف معاهدة وارسو وانهيار الاتحاد السوفييتي لم يتغير دور الناتو بشكل جوهري. وبعد انتهاء «الحرب الباردة» ظل الناتو مستمراً في التوسع. وقبيل حرب الناتو على يوغسلافيا العام 1999 جرى توسع الحلقة في أوروبا الشرقية.
بعدها لم يتجه الناتو إلى توسيع عضويته فقط، بل ووظائفه و«صلاحياته» أيضاً. وقد اتخذ نموذجه النهائي بالتحول إلى قوة عسكرية كونية، وغدت مهمته ضمان «أمن الطاقة» بالنسبة إلى أعضائه. وهذا يعني عسكرة جميع المناطق التي تشكل موارد الطاقة العالمية وكذلك طرق الإمدادات وممرات النقل البحري لناقلات النفط والمياه المحايدة. وهنا بيت القصيد في اهتمام الناتو المتزايد بالخليج.
الإعلان عن التواجد الرسمي للناتو بدأ مع إعلان «معاهدة الأمن» بين الكويت والناتو أثناء انعقاد مؤتمر الناتو – مجلس التعاون الخليجي في الفترة 11 – 12 ديسمبر/ كانون الأول .2006 وعلى إثر ذلك بدأ الناتو التحرك على اتفاقيات مماثلة وبشكل منفرد مع كل من قطر والإمارات والبحرين (ستوقع بعد مؤتمر البحرين). وتستحث قيادة الناتو السعودية وعمان لتحذو حذو شقيقاتهما. وكما أشار موقع «غلوبل ريسيرتش» الكندي، يهدف هذا التحرك إلى ضمان وجود رسمي في منطقة الخليج وإبرام معاهدة أمنية جديدة موجهة ضد إيران، وليشكل هذا التحالف جزءاً من التحالف الأوسع في منطقة الشرق الأوسط المرتبط بالناتو. وفي هذه الاستراتيجية تشكل تركيا وإسرائيل طليعة الناتو في هذه المنطقة[1]. كحليفة للولايات المتحدة، دخلت قوات دول الناتو المنطقة للمرة الأولى في حرب أفغانستان تحت تبرير «الحرب العالمية على الإرهاب»، ثم في الحرب على العراق العام .2003 أما الآن فاليافطة الرئيسة هي حماية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ضد أخطار الصواريخ البالستية الإيرانية. حيث شكل «درء المخاطر المشتركة» عنوان مؤتمر الناتو – دول التعاون الماضي. وقد سبقت هذا المؤتمر تدريبات عسكرية مشتركة بين بلدان «التعاون» وأميركا، بريطانيا، فرنسا وأستراليا في منطقة الخليج. التحول الخليجي من الاعتماد المباشر على الولايات وبريطانيا فقط أعطى دلالة واضحة على أن التعاون بين فرعي الناتو العسكري: التحالف الفرانكو- ألماني والتحالف الأنجلو- أميركي قد بدأ إطلاقه قبل مؤتمر الناتو التاريخي الذي عقد في العاصمة اللاتفية ريجا العام .22006 وبذلك، فإن الاتفاقات بين «م.ت.خ» والناتو تؤشر بوضوح على أنه أصبح من الممكن موضوعياً الحديث عن اقتسام منطقة الخليج بين جناحي الأطلسي الفرانكو-ألماني والأنجلو- أميركي[3]. ويعلمنا التاريخ أنه عندما تطرح مسألة اقتسام مناطق النفوذ والمصالح بين الدول الكبرى على الطاولة، فإن رائحة الحرب تبدأ في الفوحان. وهذا بالضبط ما نشهده الآن في رقصة الحرب على إيران. هذا، بالطبع، يبدد ما يعدنا به الناتو من حياة أفضل بعد دخوله الجديد إلى الخليج. ولدى شعوب الخليج كل العبر من دخوله السابق في حرب «عاصفة الصحراء» والحرب على العراق، والذي لم يجلب سوى الويلات. ولكي لا ننسى نعيد إلى الأذهان معلومات من تقرير نشر على موقع وزارة الدفاع الروسية يبين أن «عاصفة الصحراء» شكلت أسطع مثال على الكوارث البيئية التي تخلفها الحروب، عدا زهق الأرواح وتشويه البشر. أثناءها حقق طيران الناتو 110 آلاف طلعة جوية ألقت 5,88 ألف طن من القنابل. وسددت الصواريخ «الذكية» ضربات كثيرة إلى أهداف عراقية نفطية وكيماوية وبيولوجية. ونتيجة تسرب النفط الخام من المخازن المصابة، غطت بحيرة من النفط 10 آلاف كلم مربع من أراضي الكويت، وتشكلت في مياه الخليج بقعة نفطية غطت مساحة 140 X 140 كلم. وقد هدد الوضع معامل تحلية المياه في السعودية. وبعد أن تدفق إلى مياه الخليج ما مقداره 11 مليون برميل من النفط اتفق علماء البيئة من مختلف البلدان على أن الخليج قد نكب بمأساة بيئية يصعب التنبؤ بآثارها على المنطقة. وتعرضت شواطئ شمال مدينة «الجبيل» السعودية إلى أخطار بيئية دمرت الحياة النباتية والأحياء البحرية والبرية والموسمية. وبدورها عندما انسحبت القوات العراقية من الكويت فجرت غالبية آبار النفط الـ ,1250 واستمرت الحرائق في 700 منها لستة أشهر مسممة الوسط المحيط بالغازات ورذاذ الكربون. ولفظ في الغلاف الجوي قرابة 70 مليون متر مكعب من الغازات التي احتوت على 50 ألف طن من ديوكسين الكبريت (المكون الرئيس للأمطار الحمضية)، وما يصل إلى 100 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون[4].
هذا غيض من فيض الحقائق العلمية التي أوردها التقرير ويقشعر لها بدن القارئ. فهل نحن على موعد بما يشبه ذلك أو يزيد نتيجة إعادة اقتسام كبار العالم لأغنى منطقة بموارد الطاقة في العالم؟
 
صحيفة الوقت
21 ابريل 2008

اقرأ المزيد

تعثّر موجة التغيير ودَمَقْرطة الأنظمة العربية

حمل العالم معه، مع دخوله الألفية الثالثة، تداعيات زلزال العقد الأخير من القرن العشرين الذي قيل عنه إنه القرن الذي بدأ متأخراً وانتهى قبل الأوان! والقصد طبعاً ابتداءً من الثورة البلشفية في العام 1917 وتأسيس الاتحاد السوفيتي في العام 1922 وانتهاءً بتفكّكه في العام 1991 أي فترة ‘’ثنائية القطبية’’ وما تلاها من نشوء الفترة الحالية، الانتقالية (الضبابية) المعروفة بـ ‘’أحادية القطبية’’ المتجسّدة في الهيمنة الأميركية على العالم المعاصر، المُتّسمة بحروب وتدخلات كان الهدف المبكر منها الاستفادة القصوى من فرصة تلك الهيمنة واستثمار ما يمكن استثماره بغية تداوى الجروح البنيويّة للولايات المتحدة الأميركية، العصيّة – أصلا – على العلاج الجذريّ ولو أن الإدارات الأميركية المتعاقبة ونُخبها السياسية الأخصّائية والحِرَفية، ممثلي الصفوة الحاكمة أثبتت قدرتها وحيويتها البيّنتين على إعادة إنتاج مشروعها الليبرالي السائد بشكل دوري وجديد في كل مرة!
لعل منطقتنا العربية والشرق أوسطية كونها واقعة في بؤرة الاهتمام الأكبر للخطط الاستراتيجية الأميركية، ليس بسبب الوفرة النفطية فحسب بل أيضاً كونها تتشكل من أنظمة طاردة للنمط المؤسساتي العصريّ، ذي تركيبة تحتوي على مناعة ذاتية – تاريخيا وجغرافيا – ضد التحديث والتنوير. والمنطقة تعاني من مشكلات متكدسة مزمنة على مختلف الصُّعد، تتجلى في تخلف اقتصادي اجتماعي ثقافي مؤسساتيّ بنيويّ وهيكليّ عام، رغم الغِنى الظاهريّ وكنوز قارون التي تعود ملكيتها لشريحة صغيرة مستبدة، مصابة بتخمة اقتصادية وشحّ ثقافي، الأمر الذي لا يؤهلها للفهم الموضوعي للمتطلبات المُلحّة للمركز والتخوم – على السواء – وضرورة التغييرات الحقيقية المنشودة لاستمرار الحياة السوية في منطقتنا حتى لا تنجر لحروب الطوائف المضرّة للقاصي والداني، عدا لحاملي لواء فكر الإقطاع القديم!
في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ الألفية الثالثة المذكورة بدأ حراك سياسي واضح ولهفة نحو تحريك ركود القرون الماضية في المنطقة العربية، وتحديداً عند تخومها المشرقية المحافظة في دول الخليج وذلك لأسباب عدة لعل أهمها، وجودها بين كماشتي نظامين إقليميين ندّيين، هما النظام الإيراني والعراقي. على اثر التداعيات التي رأتها المنطقة وبات ثقل التغيير العربي في الانتقال شرقا. ترافقت التطورات تلك مع سقوط النظام العالمي الذي كان قائما في فترة القطب الثنائي ونشوء ما أطلق عليه ‘’النظام العالمي الجديد’’ المنبثق من سيطرة القطب الأميركي الواحد وتفرد الولايات المتحدة للنفوذ والسيطرة، المرتكزة أساساً في هذه المنطقة الحيوية المتّسمة بأهمية جيواستراتيجية وجيوبوليتيكية فريدة من نوعها إضافة إلى عنصري الطاقة و’’السوق المفتوحة’’ الكامنة، ذي الأهمية الحياتية لـ ‘’اليانكي’’ ومن هنا تأتي أولويّة التحديث المؤسّساتي لأنظمة الحكم القائمة منذ عهود من وجهة النظر الأميركية وهي الحاجة الموضوعية القصوى التي لم تستوعبها بعد النخب السياسية الفاعلة في بلداننا بمختلف مشاربها من جهة، ولم تتبلور بعد في مشروع أميركي واضح المعالم ومتكامل، من جهة أخرى! حدث هذا بُعيد الحرب العراقية الإيرانية التي عرفت بحرب الخليج الأولى والثانية المعروفة بحرب تحرير الكويت الأمر الذي حدا بالمواطنين والمسؤولين البحث عن صيغ جديدة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. بل إن بعض دول مجلس التعاون الخليجي حاول إعطاء شيءٍ من الغطاء الشرعي لنظامه السياسي من خلال إجراءات – شكلية – في منطقة لم تعرف أنظمة الحكم فيها أي نوع من المشاركة الشعبية حتى في حدودها الدنيا، عدى الكويت منذ الستينات والبحرين – مبتوراً – في السبعينات. تطورت الأمور سريعاً، بشكل غير مسبوق في البحرين والإمارات وعمان وقطر وحتى السعودية التي شكلت مجلس شورى استشاري. أصبحت الموضوعات المتعلقة بمسألة وأهمية المشاركة السياسية ومحاولة تأسيس المجتمع المدني على لسان المواطنين العاديين والنُّخب السياسية وحتى أجنحة من الصفوة الحاكمة. شهدنا الفعاليات الكثيرة من منتديات وأنشطة وكتابات ومعارض ثقافية وفنية رديفة الخ.. وبمشاركة وتشجيع السلطات الرسمية، محاولة منها التكيف والتكييف مع الوضع العالمي الجديد والاستجابة لمتطلبات روح العصر الملتبس لديها – أصلا- محاولة منها الالتفاف وتحت الضغوطات الهائلة من الداخل والخارج، لانحناءة مؤقتة، آملة – متوهمة – مرور العاصفة وبعد ذلك قد تعود إلى سابق عهدها انطلاقا من القول المأثور، ‘’عادت حليمة إلى عادتها القديمة’’!
تجاذبت – على استحياء – شيء من هذه الأفكار وغيرها في الحوارات (النظرية/ المجردة الطابع) التي تلت المساهمة الثرية التي قدمتها الضيفة الإماراتية الدكتورة ‘’ابتسام الكتبي’’ من خلال محاضرتها في ندوة جمعية ‘’المنتدى’’ يوم الاثنين الماضي، المعنونة ‘’أهمية المشاركة السياسية وقيام دول مدنية في الخليج’’ والمشتملة على المبادئ النظرية العامة الأساسية للديمقراطية الليبرالية في ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث والتسامح والمساواة الحقوقية وحرية الرأي والعقائد وكل الأمور المتعلقة بالمفهوم النظري للدولة المدنية الحديثة. انصب الطرح على ضرورة اتخاذ الخطوات الجدية من قِبَل أصحاب القرار، تلخّصت في مفهوم المواطنة المساواتية بين جميع المواطنين إضافة إلى المساواة الجنوسية (المرأة) وضرورة تطوير التشريعات وسيادة القانون من حيث تطبيقها على الكل، آخذين بعين الاعتبار المسافة الشاسعة – حتى الآن – بين السلطة والدولة بين القبيلة والشعب بين الراعي/ الرعية ودولة الرعاية.
في المداخلات هناك من اختزل كل المعوقات في مشكلة الاقتصاد الريعي الجالب للثقافة الريعية المعوقين لأي مشروع إصلاحي، ومن تبحّر في التاريخ الحديث من أن الديمقراطية ليس شرطاً ضرورياً لمفهوم المواطنة الحديثة وغيرها من الأفكار والرؤى المهمة بالطبع، التي في حاجة إلى مقارعة منهجية جادّة. أُثيرَتْ مسألة المعوقات للتغييرات المرجوّة من ناحية أن الحداثة السياسية مازالت شكلية بمحتوى تقليدي، انصبت على الجانب الاقتصادي/ التقنيّ، عصية على التغيير الاجتماعي/ الثقافي. إضافة إلى أن شعار ‘’التدرج في عملية الإصلاح’’ الذي يحمله ويُسوّقه النظام العربي الرسميّ هو في الواقع، كلمة حق يراد بها باطل! ولكن لم يتطرق أحد إلى آليات العمل وتفعيل هذا الشأن النظري إلى عمل واقعي واضح على الأرض. ومَن هي القوى المؤهلة لهذه العملية التاريخية الصعبة؟ أسئلة عدة تتعلق بحياتنا وبمستقبل الأجيال المقبلة.
 
صحيفة الوقت
21 ابريل 2008

اقرأ المزيد

مشاغبة الصحفيين

لا شك ان الصحافة البحرينية شهدت تطوراً ملحوظاً بعد ان دخلت في هياكلها الدماء الجديدة، التي أضفت روحها على أوراق الصحف اليومية خصوصاً في كتابة الأخبار المحلية والسياسية اليومية، التي انعكست على عناوين أخبارها بل وحتى في طريقة الصياغة الخبرية.
ولم يعتد البعض على هذا النوع من العناوين في الأخبار، فقد نراهم لا يتقبلون هذا النوع من العناوين او الصياغة، فهي الى حد ما تكون وبصراحة “شغبا صحفيا” اعتاد عليه الكثير من النواب والشوريين، ولكن من لا يكثر التعاطي معه صحافياً لا يحبذ هذا النوع من “المشاغبة”، وهذا ما حدث مع نقيب “اسري” الأخ عبدالواحد الذي كان مندوباً عن نقابته في المؤتمر العام للاتحاد العام لعمال نقابات البحرين.
فكلما طلبت نقطة نظام أثناء مناقشة النظام الأساسي للاتحاد، قلنا فيما بيننا ان عبدالواحد لديه اعتراض، وهذا طبعاً من حقه، بل كانت غالبية نقاط نظامه في محلها وتحفظاته محل تقدير أيضا.
في التغطية الصحفية للانتخابات، لم نمرر نقاط نظام عبدالواحد دون إشارة صحفية كجزء من تغطيتنا لجعل القارئ يشعر بما يدور في أروقة المؤتمر حتى “اللطيف منها”، فأشرنا لصاحبنا بانه كان “مشاغباً”، ونريد ان نوضح ان شغب عبدالواحد هو من نوع آخر، ليس مربوطاً بالفوضوية أبدا، بل كما ذكرنا سالفا ان مداخلاته واعتراضاته ونقاط نظامه كانت محلا لتقدير مكتب المؤتمر الذي ترأسه للمرة الثانية النقابي حسن الحلواجي.
إن ما نشرناه عن مشاغبة عبدالواحد هو تعبير مجازي ليس إلا، فسقط النقابي هذه المرة في مصيدة الصحفيين الشباب، كما وقع من قبله أعضاء السلطة التشريعية بغرفتيها.
 
صحيفة الايام
21 ابريل 2008

اقرأ المزيد

مدارسنا الحكومية

لا يمكنني تصوّر بيئة أكثر عدوانية وقسوة وفساداً على أطفالنا من مدارسنا الحكومية, فنحن نجبر أطفالنا يومياً على الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى المدرسة من أجل هدف وحيد هو تلقي العلم, في حين لا نعرف ما يلاقيه أطفالنا من صنوف الاعتداءات الجسدية والنفسية، ليس من قبل المدرّسين وإنّما من زملائهم الطلبة الأكبر سناً أو الأكثر قوّة أو الأقل تربية.
في مدارسنا الحكومية يتعلّم أبناؤنا جميع الألفاظ السوقية. في مدارسنا الحكومية يتعلّم أبناؤنا التدخين. في مدارسنا الحكومية يتعلّم أبناؤنا جميع السلوكيات غير السوية. في مدارسنا الحكومية يتعلّم أبناؤنا كلّ ما نحاول بجميع الطرق أنْ لا يعرفوه. وفي مدارسنا الحكومية يبتز القوي الضعيف, وتسيطر العصابة الأقوى من الطلبة على من لا عصابة له وتخضع “البويات” بناتنا لرغباتهن سواء بالتهديد والوعيد، أو حتى الضرب وفي أحيان أخرى من خلال الهدايا.
في مدارسنا الحكومية اختفى المربون وسقطت “التربية” سهواً من قاموس وزارة التربية والتعليم، ولذلك نجد مشرفاً اجتماعياً واحداً لكل300 طالب كما تشيع الوزارة… ولكن الواقع يقول غير ذلك تماماً.
هناك من القضايا التي تحدث في مدارسنا يصعب تصديقها، وهناك ملفات لا تريد الوزارة الحديث عنها. وهناك مشكلات عدّة تهرب الوزارة من مواجهتها… وإلاّ ما الذي يعنيه حرق الصفوف التعليمية “كما حدث في مدرسة الجابرية”، وما الذي تعنيه المعارك التي تستخدم فيها الأسلحة البيضاء وقضبان الحديد بين جماعة وأخرى، كما حدث في عدد من مدارسنا.
نوابنا الأفاضل أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب صورٍ لحركات راقصة في ربيع الثقافة، ولو فتح نوابنا ملفاً واحداً للتحقيق أو تقدّموا بسؤال واحد إلى وزير التربية والتعليم عن عدد حالات الاعتداءات الجسدية والجنسية والواقع التربوي في مدارسنا؛ لاكتشفوا إنّ ما قامُوا به من تشكيل لجنة للتحقيق في ربيع الثقافة دفاعاً عن الفضيلة في مجتمعنا موقف مخجل.
وإنْ كانت الوزارة تشكّك فيما نطرحه فلتدرس حالة “مدرسة سمو الشيخ محمد بن سلمان” كمثال على ما نقول. 
 
صحيفة الوسط
20 ابريل 2008

اقرأ المزيد

غـُربة ثانيــة

 
حاورتني باحثة أجنبية تـُُحضّر ورقةً لمؤتمر، علمي يُناقش قضية العائدين إلى أوطانهم بعد غربةٍ طويلة، عن طبيعة المشاعر التي يحس بها من مرّ بمثل هذه التجربة. دارت محاورة هذه الباحثة حول أسئلة من نوع : هل يشعر من غاب عن وطنه سنوات طويلة بأن تلك كانت سنوات مهدرة من عمره، خاصة حين تكون ما توصف بزهرة العمر قد ذبلت وهو بعيد عن داره الأولى وأهله؟ ثم كيف يستطيع العائد إلى وطنه بعد غيابٍ طويل أن يُعيد “إقامة” علاقاته مع محيطه الأول الذي انقطع عنه دهراً من العمر كان قد طال أكثر مما يجب؟
مثل هذه الأسئلة كانت تشغلني أساساً، وتناولتها بالتأمل ومحاولة الإجابة في كتابي وشيك الصدور:”ترميم الذاكرة”. لكن حين يُحاورك أحد في مثل هذه الأمور، فكأنه يُحرض لديك رغبة كامنة في محاولة البوح بما ترغب في البوح به لنفسك في المقام الأول، قبل أن تفكر في أن هذا البوح سيستمع له أو يقرأه آخرون.
أكثر ما يؤلم في مسألة الغربة هو أن تكون اضطرارية. في عالم اليوم المفتوح على بعضه بعضاً يغترب الكثيرون، ويُهاجرون لأسباب شتى، إما بحثاً عن ظروف عمل ومعيشة أفضل، أو رغبة في استكشاف عوالم جديدة، تعد مجهولة بالنسبة لهم، قياساً إلى عالمهم الصغير، المحدود، الذي ولدوا ونشأوا فيه. لكن هؤلاء وهم يغتربون فإنهم يظلون مسكونين بالحرية: حرية اختيار الهجرة وحرية العودة إلى الوطن متى شاؤوا.
 قسوة الغربة تتجلى في أوضح صورها حين تكون محمولاً على هذه الغربة لظروف قاسية خارجة عن إرادتك. في حالات كثيرة لن تكون الغربة، أو المنفى إن شئنا، سنوات مُهدرة من العمر كما في سؤال الباحثة المشار إليها، فبوسع المنفي أن يجعل من منفاه مدرسةً غنية في الحياة، لكنه سيظل مسكوناً بالشعور المعذب أن هذا المنفى لم يكن اختيارياً. لا يمتد المنفى بالضرورة ليغطي مساحة العمر كله. تحدث تحولات تـُُنهي مبررات هذا المنفى، وتـُيسر عودة المغترب إلى وطنه. لكنه، بعد أن طال به الغياب، سيجد وطناً آخر غير الوطن الذي خلفه وراءه في سنوات الصبا والشباب حين غادره للمرة الأولى. حتى الناس الذين يعرفهم ويحبهم لم يعودوا هم أنفسهم.
 ساعتها تنتهي معاناة الغربة عن الوطن، ليلج المرء غربة أخرى داخل الوطن ستلازمه حتى آخر العمر.
 
الأيام 19 أبريل 2008
 

اقرأ المزيد

تجدد الجدل بشأن احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران

سُئل الرئيس الأمريكي‮ ‬جورج دبليو بوش في‮ ‬جلسة خاصة لماذا كان مصمماً‮ ‬ونفذّ‮ ‬ما كان صمم عليه وهو شن الحرب على العراق واستهداف صدام حسين شخصياً؟
فأجاب قائلاً‮: ‘‬لأن الرجل حاول اغتيال والدي‮’ (‬الرئيس الأمريكي‮ ‬السابق جورج بوش الأب بعد حرب تحرير الكويت وزيارته لها‮).‬
هذه الواقعة‮ ‬يوردها اليوم أحد الأفلام السينمائية الأمريكية التي‮ ‬تدور حول شخصية الرئيس جورج دبليو بوش والتي‮ ‬قدمها الفيلم باعتبارها شخصية انتقلت من النقيض المتطرف وهو الإدمان على الكحول إلى النقيض المتطرف الآخر وهو الغلواء الكهنوتي‮ ‬الذي‮ ‬يقترب من الوساوس التي‮ ‬تزين لأصحابها ما ليس لهم فيه ولا طاقة لهم عليه‮.‬
كنا قبل عدة أشهر كتبنا حول فرص اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران،‮ ‬ورجحنا‮ ‬يومها عدم توفر مثل هذه الإمكانية لأسباب عدة أوردناها حينها ومنها صعوبة فتح جبهة حرب أمريكية ثالثة مع اتضاح تورط الولايات المتحدة في‮ ‬العراق وأفغانستان وكلفتهما البشرية والمالية الباهظة،‮ ‬واعتماد واشنطن سياسة حافة الهاوية والتلويح بالعصا الغليظة وبأكثر الصور ترهيباً‮ ‬لخدمة سياسة الجزرة التي‮ ‬فوضت حلفاؤها الأوروبيون لإدارة دفتها مع الإيرانيين‮.‬
أيضاً‮ ‬أشرنا في‮ ‬ذلك المقال الذي‮ ‬نشر هنا بتاريخ‮ ‬9‮ ‬نوفمبر‮ ‬2008‮ ‬بأن شن الحرب هو عمل استراتيجي‮ ‬هائل‮ ‬يحتاج إلى تحضيرات هائلة،‮ ‬سياسية ونفسية وإعلامية قد لا تكون كافية زمنياً‮ ‬للإدارة الأمريكية الحالية التي‮ ‬ستنتهي‮ ‬ولايتها في‮ ‬نوفمبر المقبل،‮ ‬لاستيعاب أي‮ ‬تغيير وقائي‮ ‬ودرامي‮ ‬في‮ ‬القيادة الإيرانية،‮ ‬بحسبان البراغمائية الإيرانية،‮ ‬تفادياً‮ ‬لعواقب الحرب‮.‬
ولكننا في‮ ‬ذات الوقت أوضحنا بأن هناك خيار شمشون الذي‮ ‬كان لوّح به الرئيس بوش أخيراً‮ ‬وهو إعلان الحرب العالمية الثالثة وضرب إيران بالسلاح الذري‮ ‬كما هيروشيما وناكازاكي‮. ‬
ولما كان الطبع‮ ‬يغلب التطبع حتى لو رفعت المعرفة الأكاديمية والثقافية العميقة صاحبها إلى أعلى مراتب ممارسة السلطة،‮ ‬فإن الرئيس بوش القادم من الجنوب الأمريكي‮ (‬ولاية تكساس‮) ‬المجبول حتى عهد ليس ببعيد على ثقافة الثأر‮ ‘‬الكاوبوي‮’‬،‮ ‬قد‮ ‬يكون مهيأ لمهاجمة إيران للثأر منها على ما فعلته عبواتها الناسفة بجنودها وبآلياتها العسكرية في‮ ‬العراق بحسب الاتهامات المتكررة لإيران من جانب المسؤولين العسكريين الأمريكيين في‮ ‬العراق بأنها تقف وراء تزويد التشكيلات العسكرية العراقية المناوئة للاحتلال الأمريكي‮ ‬بالسلاح وبهذه العبوات تحديداً‮.‬
وقد تزايدت هذه الشكوك بشأن احتمال قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية لإيران في‮ ‬الآونة الأخيرة على خلفية تجدد معطيات الحرب وهي‮ ‬تتمثل فيما‮ ‬يلي‮:‬
‭.‬1‮ ‬الزيارة الماراثونية التي‮ ‬قام بها نائب الرئيس ديك تشيني‮ ‬لبلدان المنطقة والتي‮ ‬امتدت لعدة أيام تنقل خلالها عبر العديد من المحطات التي‮ ‬تشكل مواقع مختارة للعمليات الحربية،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك الدول المطلة على خليج هرمز الذي‮ ‬هددت إيران مراراً‮ ‬بإغلاقه وإغراقه بناقلات النفط العابرة له من داخل الخليج باتجاه أسواق استهلاك الطاقة العالمية ومنها السوق الأمريكية والأسواق الأوروبية‮. ‬وكما هو معروف فإن نائب الرئيس تشيني‮ ‬شخصية مثيرة للارتياب حتى لدى بعض الأوساط الأمريكية،‮ ‬اعتباراً‮ ‬بنزعته الحربية الواضحة‮.‬
‭.‬2‮ ‬المناورات التي‮ ‬نفذتها إسرائيل على مدى خمسة أيام من‮ ‬يوم الأحد‮ ‬6‮ ‬أبريل الجاري‮ ‬إلى العاشر منه،‮ ‬وهي‮ ‬الأضخم في‮ ‬تاريخ إسرائيل منذ إنشائها،‮ ‬حيث تم فيها إخضاع السكان لتجربة تعرض إسرائيل لهجوم بالأسلحة الكيماوية والهجمات الصاروخية التقليدية‮. ‬وهي‮ ‬استعدادات لاختبار جاهزية التعامل مع هجمات صاروخية إيرانية وسورية بأسلحة تقليدية وغير تقليدية‮. ‬وقد سبقتها مناورات حربية على امتداد حدود إسرائيل مع جنوب لبنان لمقابلة احتمال دخول حزب الله الحرب إلى جانب كل من إيران وسوريا‮.‬
‭.‬3‮ ‬قرار الرئيس بوش بتأجيل سحب القوات الأمريكية من العراق الذي‮ ‬كان اتُخذ قرار بشأنه لينفذ اعتباراً‮ ‬من‮ ‬يوليو المقبل بواقع‮ ‬000‭,‬20‮ ‬جندي‮ ‬في‮ ‬المرحلة الأولى ليتقلص العدد من‮ ‬147‮ ‬ألف جندي‮ ‬حالياً‮ ‬إلى عدد صغير من الضباط والجنود الذين سيرابطون في‮ ‬قواعد عسكرية دائمة‮ ‬يجري‮ ‬التفاوض بشأنها مع النظام العراقي‮ ‬الحالي‮. ‬وقد مهدت الإدارة الأمريكية لهذا القرار بالحديث عن هشاشة الوضع الأمني‮ ‬في‮ ‬العراق رغم التحسن الذي‮ ‬طرأ عليه‮ ‘‬بفضل‮’ ‬زيادة عدد القوات بحسب المصادر الأمريكية؟‮ .. ‬واللافت أن الديمقراطيين لم‮ ‬يبذلوا جهداً‮ ‬واضحاً‮ ‬للتصدي‮ ‬لقرار التراجع عن سحب القوات‮.‬
‭.‬4‮ ‬العمل الوقائي‮ ‬على سد‮ ‘‬الثغرة العراقية‮’ ‬التي‮ ‬من المؤكد أن توظفها طهران في‮ ‬المواجهة المحتملة وذلك من خلال الحرب الوقائية التي‮ ‬تشنها القوات الأمريكية بمعاونة القوات الحكومية العراقية ضد المليشيات الشيعية الموالية لإيران في‮ ‬البصرة وغيرها من المدن العراقية‮.‬
‭.‬5‮ ‬إطلاق مزيد من‮ ‘‬القنابل الصوتية والدخانية‮’ ‬لتسويق وهم قيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية هذا العام عن طريق تكثيف زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين للبلدان العربية والإكثار من‮ ‘‬تسهيلات الوعود‮’ ‬المجانية،‮ ‬وذلك في‮ ‬سياق ممارسة المقايضة النفعية المتجذرة في‮ ‬الثقافة السياسية الأمريكية‮. ‬أما المقابل المتوقع الحصول عليه فهو تأمين نسق تأييد واسع من جانب بلدان المنطقة للعمل الحربي‮ ‬الأمريكي‮ ‬سياسياً‮ ‬ولوجستياً‮.‬
تبقى مسألة أخرى في‮ ‬غاية الأهمية وهي‮ ‬توفير الغطاء السياسي‮ ‬الدولي‮ (‬وإلى حد ما الداخلي‮) ‬اللازم للعمل العسكري‮ ‬المزمع‮. ‬فكما هو معروف في‮ ‬علم العلاقات الدولية إن أي‮ ‬عمل عسكري‮ ‬يجب أن‮ ‬يُخفر أو‮ ‬يُسبق بعمل سياسي‮ ‬يجعل الطريق ممهداً‮ ‘‬لعبور‮’ ‬العمل العسكري‮. ‬
ومع أن هذا الطريق محفوف بالعقبات والمصاعب بالنظر للإرث السيئ الذي‮ ‬خلفته مغامرات هذه الإدارة على علاقات الولايات المتحدة بالخارج،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك حلفاؤها الغربيون،‮ ‬وهو الأمر الذي‮ ‬تجلى بصورة أوضح في‮ ‬التمنع عن مجاراة واشنطن في‮ ‬مغامرتها الأفغانية‮ – ‬إلا أن الولايات المتحدة مازالت تملك نفوذاً‮ ‬طاغياً‮ ‬سواء داخل أروقة الأمم المتحدة أو داخل المعسكر الغربي‮ ‬تستطيع توظيفه في‮ ‬اللحظة المناسبة‮.‬
كما أن الضربات الجوية الخاطفة الماحقة ليست كالحرب المفتوحة وإن قصُر مداها،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإنها لن تحتاج إلى تحضيرات بالغة الدقة‮ ‬يتعين استحضار واحتساب عامل الزمن فيها‮. ‬وتملك الولايات المتحدة خبرة واسعة في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬تشمل في‮ ‬الزمن‮ ‬غير البعيد على الأقل،‮ ‬ليبيا وأفغانستان والسودان والعراق‮ (‬إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين‮).‬
وقد‮ ‬يقول قائل بأن الرئيس بوش صرح بوضوح لا لبس فيه خلال مقابلة أجرتها معه شبكة أيه.بي‮.‬سي‮ ‬الإخبارية التلفزيونية في‮ ‬الحادي‮ ‬عشر من أبريل الجاري،‮ ‬وهو اليوم الذي‮ ‬يصادف الذكرى الخامسة لاحتلال بغداد من قبل القوات الأمريكية،‮ ‬قال عندما سئل‮ ‘‬عما إذا لم‮ ‬يكن لديه أي‮ ‬مشروع عسكري‮ ‬ضد إيران‮’‬،‮ ‬بأنه‮ ‘‬فعلاً‮ ‬ليس لديه مثل هذه النية‮’‬،‮ ‬معتبراً‮ ‬ما‮ ‬يساق من تسريبات ومن تحليلات مجرد شائعات تطلق دائماً‮.‬
وهذا صحيح،‮ ‬فالإدارة الأمريكية ورئيسها‮ ‬يتعرضان لضغوط إعلامية تبتغي‮ ‬إماطة اللثام عن حقيقة ما‮ ‬يدور في‮ ‬الكواليس الأمريكية الإسرائيلية بشأن كيفية التعامل مع إصرار إيران على السير قدماً‮ ‬في‮ ‬برنامجها النووي‮ ‬المثير للجدل‮.‬
ولكن الصحيح أيضاً‮ ‬أن الرئيس بوش لم‮ ‬يفوت الفرصة في‮ ‬تلك المقابلة التلفزيونية،‮ ‬إذ استدرك قائلاً‮: ‘‬قلت دائماً‮ ‬إن جميع الخيارات‮ ‬يجب أن تكون مطروحة على الطاولة‮’.
 
صحيفة الوطن
19 ابريل 2008

اقرأ المزيد

“العيش” بين الأرز والرغيف

ما من مفردتين لغويتين شائعتين في كلام العامة ارتبطتا بمعيشة الانسان العربي وحياته الغذائية كمثل ارتباط الارز والرغيف، حتى لتكادان أنْ تتنافسا في الدلالة اللغوية والرمز على غذاء الانسان بأكمله، وعلى وجه الخصوص في التعبير عما يسد الرمق منه. ولأنهما كذلك أضحت كلتا المفردتين يُطلق عليهما لدى الشعوب التي تعتمد اعتماداً رئيسياً في حياتها الغذائية على أي منهما، أو كلتيهما، “العيش” للدلالة على ارتباطهما بحياة الانسان المعيشية. وهكذا نجد هذا المسمى يطلق على الخبز في مصر فيما يطلق على الارز في معظم او كل بلدان الخليج العربي. و”العيش” بمعنى الرغيف من الالفاظ العامية الفصيحة، وربما تعد مصر من أكثر البلدان العربية التي يشيع فيها على لسان العوام هذه المفردة بمعنى الخبز. فالعيش في معاجم اللغة، وعلى رأسها لسان العرب، تعني الحياة، عاش يعيش عيشاً ومعيشة، وهي تعني الخبز او الرغيف، كما اسلفنا، لكن من الجائز ان تعني أي مادة غذائية او سلعة يعتمد عليها الانسان اعتماداً اساسياً في حياته المعيشية، فيمكن ان يطلق على التمر “عيش” او اللبن او ما شابه ذلك. وبالتالي فمن الجائز اطلاقه على الارز كما هو الحال في اللهجات الخليجية كما ذكرنا. والعيش هو المطعم والمشرب وما تكون به الحياة. وقيل في الامثال العربية: انت مرة عيش ومرة جيش، أي تنفع مرة وتضر اخرى. على ان الخبز المستخرج من طحين القمح هو من اكثر الغلات الزراعية في ارتباط حياة الانسان بها غذائياً منذ القدم. وفي هذا الصدد ينقل عن امرأة من اهل الشام قولها: اتهدي لي القرطاس والخبز حاجتي وأنت على باب الأمير بطين؟ فأنت ككلب السوء في جوع أهله فيهزل أهل الكلب وهو سمين وينقل عن جورج ميريديث قوله: “كسرة الخبز ليست شيئاً مهماً لكنها كل شيء بالنسبة الى متشرد يتضور جوعاً”. وظل الخبز او الرغيف في كل الثقافات الشعبية الانسانية مادة للتعبير عن حياة الانسان المعيشية ورمزا لغذائه الأساسي الضروري مثلما هو رمز لانتفاضات وثورات الشعوب احتجاجاً على بؤس حياتها المعيشية، ولعل من اشهر الطرائف التي تنقل عن ارتباط الخبز بالثورات ما نقل عن الملكة الفرنسية ماري انطوانيت في تعليقها الأبله حينما سمعت صرخات الثوار المنتفضين خارج القصر ضد تدهور احوالهم المعيشية وانعدام الخبز او غلاء اسعاره فسألت علام هتافاتهم؟ فقيل لها انهم يحتجون لعدم حصولهم على الخبز، فردت: “ولماذا لا يأكلون البسكويت عوضاً عن الخبز؟!”. وثمة امثال عربية وشعبية عديدة عن الخبز لا يتسع المقام لتناولها في هذه العجالة، هذا بخلاف ما نظم من الكثير من الشعر الفصيح والشعبي حول الرغيف سواء لما يرمز إليه من دلالة على الحياة المعيشية او للدلالة على الجوع في حالة شحته او غلاء سعره. ومن القصائد اللاذعة في هجاء جشع التجار المتسببين في غلاء الاسعار قول الشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم: تاجر نزل سوق غزاله مع الدلال قرب يدوق العسل نهر الدموع شلال شرب عديم التنا من دمعنا المسفوح زاد في السعار والغِنَا من خسة الدلال إخص إخص إخص.. على كده وقوله في قصيدة اخرى بعنوان “الشحاتين”: وغني القوم ومولاهم لا يمنح شيئاً إياهم غير الترحيب برؤياهم جوعى والجوع أبو الكفر فيضيع الحب المكنون ويشيع الحقد المجنون ويذاع السر المدفون بفضائح سكان (…) ولعل هاتين السلعتين الغذائيتين، الأرز والرغيف، هما في مقدمة السلع التي ارتفعت اسعارها في البلدان العربية ومعظم بلدان العالم على نحو اضر واثر في الحياة المعيشية للسواد الاعظم من شعوب تلك البلدان وعلى الأخص الطبقات الفقيرة والمعدمة. وقد ادى ذلك في عدد من اقطار العالم، كمصر واليمن وهاييتي، الى تفجر انتفاضات واحتجاجات اجتماعية عارمة صارخة، وذلك لعجز دخول ومرتبات هذه الطبقات عن مجاراة ارتفاع سعرهما او التكيف معيشياً مع هذه الارتفاعات المتضاعفة. ومن المفارقات الساخرة ان صندوق النقد الدولي المعروف بدوره في السياسات النقدية التي تؤدي إلى التضخم وغلاء الاسعار بالبلدان النامية قد حذر مؤخراً من ان مئات الملايين معرضون للموت جوعاً إذا ما واصلت اسعار المواد الغذائية في الارتفاع، وان الاضطرابات الاجتماعية والحروب ستجتاح العالم.
 
صحيفة اخبار الخليج
19 ابريل 2008

اقرأ المزيد