المنشور

قرض التأمينات للممتلكات


جرى في الفترة الأخيرة أمرٌ استفزّ غالبية مواطني مملكة البحرين، شعر فيه كل مواطن عامل مؤمن عليه بالغبن والحسرة! ففي وضح النهار وعلى مرأى من الجميع وفي تحدٍ صارخٍ، بلغةٍ أشبه بـ’كسر العظم’.. بل’ كسر ظهر’ المواطن المؤمن عليه لغرض وضعه أمام الأمر الواقع، دون الرجوع إلى أصحاب الشأن الحقيقي في هذا المال العام، الذي تعود ملكيته للأغلبية الساحقة من المواطنين المشكلين آلافاً مؤلفة من المتقاعدين وورثة المرحومين من الأرامل واليتامى، بجانب العاملين المساهمين شهرياً في هذه الشركة التعاونية العامة والشراكة الوطنية الأكبر في البلد.
 قلنا في وضح الظُّهيرة (أَشْكَرَه والعين تَرَى) جرى إقرار تحويل تسهيلات مالية تُقدّر بمبلغ مئة مليون دولار من ذخيرة القوى العاملة الوطنية واحتياطاتهم المستقبلية، كجزءٍ(خُمس) من مجموعة قروض (سنديكيت قرض) بلغت 500 مليون دولار.
حُوّلت المئة مليون دولار مباشرة إلى شركة ‘ممتلكات’ القابضة بفائدة منخفضة جداً(رمزية) وبدون أي تعهد أو ضمان من قبل الدولة! قاد وشارك في العملية بنك البحرين الوطني بالإضافة إلى مشاركة مجموعة من البنوك أهمهم: المؤسسة العربية المصرفية/بنك البحرين والكويت/البنك البحريني السعودي/ فرع بنك الكويت الوطني/بنك السلام / بيت التمويل الكويتي/ بنك طوكيو ميتسوبيشي والأخير هو البنك الأجنبي الوحيد، ساهم بمبلغ أقل من مساهمة هيئة التأمينات الاجتماعية! جاء القرار بأغلبية أعضاء مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية المُعَيَّنةالمُفَوَّضة، بقوة الثلثين الضامنين ممثلي الحكومة والقطاع الخاص ضد الثلث الأضعف ممثلي عمال وموظفي البحرين، الأمر الذي يعكس بوضوح التركيبة العتيقة غير الديمقراطية،التي لا تتماشى مع التطورات الايجابية والإصلاحات المشهودة في بلدنا منذ حلول الألفية الثالثة، بدا فيه القرار المذكور فوقيّا غير مؤسساتيّ. حيث من المفترض أن يكون الإحساس بالأمانة ( المالية أساسا ) والحفاظ على المال العام، ناهيك عن ذخيرة المؤمن عليه، جوهر تجربتنا الديمقراطية ومن صلب أولوية الأولويات في سبيل أن تسلك بلدنا سكة السلامة والأمن الاجتماعي.
والمضحك المبكي أن قرار القرض هذا قد تم التطبيل له كصفقة استثمارية تعود بالفائدة على رأس المال، أي انه استثمارٌ وليس قرضاً. فبعيدٍ عن الجدل البيزنطي ما إذا كان قرضاً أو استثماراَ، وان نتكلم بلغة الاستثمار الاقتصادي نتفق معكم أيها السادة أن القرضَ شكلٌ رئيسٌ من أشكال الاستثمار ولكن يا سادة ألا تتفقون مع الرأي الآخر الصائب من أن ‘الهيئة’ ليست جهة أو مصرف للقروض(حسب لوائحها الداخلية)، هذا أولاً.
 ثم .. كم عدد القروض السابقة التي شُطبت بجرّة قلم في السنوات السابقة؟ وبعد ذلك.. كيف تُهب قروض(استثمارية) بلا ضمانات حقيقية؟ وأيضا .. من الذي يحق له أخذ قرار خطير كهذا والتصرف في مالٍ ليس له؟.. الأسئلة المؤلمة تطول وتطول محاولة للبحث عن سببٍ مقنعٍ لإصرار الحكومة على تمرير هذا القرض، فإننا لا نجد أي تبرير منطقيّ، خاصة انه كان بإمكان الحكومة من إعطاء ضمانات أكيدة وواضحة مقابل القرض المذكور.. لعل التفسير الوحيد الذي يجول في أذهان المواطن هو الاستمرارية في النمط السابق وفرضه سيكولوجياً على الثقافة المجتمعية لقبوله كأمر واقع، لتتحول إلى تقليد من الصعب اختراقه، بهدف أن تظل أموال الناس في ‘الهيئة’ كالسابق أسوة ببقرة حلوب للباحثين عن سيولة – سهلة المنال- في أي وقت يشاؤون.
انه في الواقع مؤشرٌ خطيرٌ من حيث انه تجاوزٌ لمواد الدستور البحريني والقوانين الضابطة للعملية الاستثمارية والإدارية. بل يشكل ثقبا مرئياً في مسيرة تجربتنا الديمقراطية الوليدة ويمثل نهجاً واضحاً في الاستمرارية بالسياسات السابقة فيما يتعلق بهذه المسألة الأكثر أهمية في مجتمعنا ألا وهو ضرورة الحفاظ على هذه الأمانة العامة المرهونة في ضمائر ورقاب المعنيّين. في السابق كان يجري الاستفادة من هذه الخزينة الاحتياطية كسيولة تحت تصرف المتنفذين الأقوياء، بلا حسيب أو رقيب ، حيث كان الوضع السياسي يسمح بضرب القيم الديمقراطية والمؤسساتية عرض الحائط.. نعتقد أو يبدو لنا أننا نعيش الآن في بلدِ المؤسسات والقانون، ولم يعد في مجتمعنا الديمقراطي الناشئ، في هذا العهد الجديد، مقبولاً من أن تكون الهيئة والصندوق بمثابةِ خزينةٍ تحت تصرف الأقوياء .
نعتقد أن الخلل ليس في الأشخاص المسؤولين المحترمين ولا حتى بسبب أن وزير المالية بحكم منصبه – حسب اللوائح- هو رئيس مجلس الإدارة في المؤسستين (على أهمية هذين العاملين)، بل المشكلة تكمن في المعايير والقوانين الضابطة، التي شاخت وتحتاج إلى تغيير، بالإضافة إلى عدم كفاءة الكادر التخصّصيّ المعنيّ لاستثمار هذا المال العام، الذي يجب أن يكون -استثمارياً- في أيادِ أمهر وأخلص الأخصائيين حتى تُدر على أصحابها بأفضل النتائج الربحية المرجوة بعيداً عن إستراتيجية المقامرة والمضاربة.. وكما يفيدنا السجل فقد زاد حجم الاستثمار مقترباً من ربع بليون دينار في السنة الماضية مقارنة بـ180 مليون تقريبا في سنة 2006 أي بزيادة 44 مليون دينار.
لكن جرى الاستثمار -للأسف- في السوقين الأساسين، الأميركي والأوروبي بالرغم من المؤشرات السلبية لهذين السوقين في السنوات القريبة الماضية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار أهمية الأسواق والمحافظ الاستثمارية البديلة والواعدة والأكثر أمنا في الأسواق الشرقية، والانطلاق من فلسفة، عدم وضع كل البيض في سلة واحدة.
والآن كل تلك الأخطاء الماضية والهدر سيدفع ثمنه المواطن المؤمن عليه- قبل غيره- ثم القطاع التجاري وحتى الحكومة. هل من المعقول أن المؤمن عليه، الذي يدفع 20% شهرياً لمدة 20 إلى 25 سنة مع عمره الافتراضي المتدني – نسبيا- سيتسبّب بهذا العجز ‘الاكتواري’ ،الذي تجاوز 3 مليار دينار، مما يستدعي زيادة في اشتراك المؤمن عليه(حسب رأي الخبراء القيمين على الصندوقين/التقاعد والتأمينات) بُغية تقليل حجم العجز ‘الاكتواري’ البالغ في نهاية 2007 ثلاثة ونصف مليار دينار تقريبا. ولم يجد هؤلاء مخرجاً آخر غير سلك درب ‘استغلال المواطن’ أي رفع الاشتراك الذي قد يصل إلى 33% بالنسبة للصندوق و21% بالنسبة للتأمينات!
باتت الحاجة الملحّة تستدعي تغييراً كبيراً في تركيبة ميزان القوى في مجلس إدارتيّ التأمينات والصندوق وسرعة توحيدهما وسنّ تشريعات جديدة عصرية تلائم سمعة مملكة البحرين الجديدة، بشكل يكون فيه واضحاً وجود غالبية في مجلس الإدارة تمثل أصحاب الشأن، ممثلي المتقاعدين أولاً، أي الأغلبية الصامتة غير المنضوية تحت مظلة أية نقابة. ومندوبي اتحاد العمال (ممثلي القوى العاملة الحالية) بالإضافة إلى ممثلي مصالح طرفيّ المعادلة، القطاع الخاص فيما يتعلق بالتأمينات والطرف الحكومي بالنسبة للصندوق. هذا بالطبع في حاجة لتغيير التشريعات الحالية المنظّمة لهذا الجسم المالي الحيويّ، بغية شرعنة وشرعية التصرف القانوني السليم في صندوق الادّخار الوطني العام هذا، بشكل شفّاف وبمعايير ديمقراطية دقيقة.. ولا ندري-بالطبع- إن كان بالإمكان الوصول إلى المأمول والمرتجى عبر الجهة التشريعية المعنيّة وهي المجلس الوطني بغرفتيه، المشهود والمشغول بالصراعات والخلافات وسياسة الدوران حول نفسه والغرق في المسائل الإجرائية والانتقال من ملف لآخر(خاصة مجلس النواب)! إن أصحاب ‘الحلال’ في المؤسستين وخاصة التأمينات (موضوعنا هنا) وقوى المجتمع المدني معنيّون بهذا الأمر الحيويّ المهم.  
ولذلك فان الناس تتوقع وتأمل التدخل المباشر والحاسم لأصحاب القرار لتعديل هذا الوضع الغريب. 



 
الوقت 2 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

أي‮ ‬معيار للفقـر نعتمـد؟‮!‬

حسب الأخ علي سلمان مسؤول البرامج التنموية في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فان الفقر في البحرين غير مُعرف، وهي مسألة يجب أن تُحسم قبل الحديث عن أية أرقام متصلة بالموضوع.   الأمم المتحدة تُعرف الفقير على انه الشخص الذي يتقاضى أقل من دولار أمريكي واحد كأجر يومي، لكن المسوحات التي أُجريت في البحرين تشير إلى انه لا يوجد شخص يقل دخله عن ٥ دولارات في اليوم الواحد، ووزارة التنمية الاجتماعية تُقدم مساعدات اجتماعية إلى اسر يبلغ تعدادها ١١ ألف شخصاً.  لكن ليس واضحاً ما هي المعايير التي تعتمدها الوزارة في تصنيف هذه الأسر بوصفها أسراً محتاجة، وهو أمر ينجم عنه سؤال آخر: كَم مِن الأُسر لا تتقاضى هذه المساعدة وهي في أمس الحاجة إليها، وبالتالي لا يمكن الركون إلى أرقام الوزارة وحدها في تحديد من يمكن أن نعدهم فقراء. مركز البحرين للدراسات والبحوث يعتبر أن أية أسرة مُكونة من خمسة أشخاص ويقل مدخولها عن 330 دينارا في الشهر تعد أسرة فقيرة. وهذا المعيار الذي يبدو أقرب إلى الواقعية كونه اعتمد على حسابات راعت جوانب المسألة المختلفة، ولا يجوز في بلد نفطي مثل البحرين أن نعتمد معيار دولار واحد كحد أدنى في الدخل اليومي كقاعدة لتحديد من هم الفقراء.
فَفضلاً عن كون هذا المعيار الذي تتبناه الأمم المتحدة يُشكل ما يمكن أن نعتبره المتوسط الذي يمكن القياس عليه، فانه لا هو ولا حتى معيار خمسة دولارات كدخل يومي يصلحان لأن يكونا معياراً لتحديد الفقر عندنا بالنظر إلى مستوى المعيشة المتيسر في المجتمع وأسعار المواد الغذائية والأدوية وكلفة السكن، إما على شكل إيجار أو على شكل تملك. ظاهرة الفقر في مجتمعنا، وفي مجتمعاتنا العربية عامةً، هي جزء من ظاهرةٍ عامةٍ على المستوى الدولي، فأكثر من مليار إنسان مازالوا يعيشون على دولار واحد باليوم، كما أن أغنى 500 شخص في العالم يملكون دخلاً يزيد على دخل 416 مليون إنسان مجتمعين، ويصنف 800 مليون إنسان في العالم كجوعى. وتستحوذ بلدان الشمال والتي تبلغ خُمس البشرية على أربعة أخماس الموارد والعوائد.
تصبح هذه الأرقام أكثر خطورة عندما نأخذ بعين الاعتبار الأبعاد المعقدة المتعددة للفقر: الجوع وسوء التغذية، وعدم المقدرة على الحصول على تعليم وخدمات أساسية أخرى، وزيادة الأمراض، والتشرد أو عدم توافر المسكن الملائم، وعدم توافر البيئات الآمنة، وعدم المشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية والاجتماعية. لكن عند التعاطي مع مجتمع يعتمد، في صورةٍ أساسية، على الريع النفطي، كما هو حال البحرين، وبالنظر إلى القفزات الهائلة في أسعار النفط في فترات مختلفة، والتي يفترض أنها جاءت بفوائض مالية كبيرة، فان معايير صارمة، شديدة الاختلاف، يجب أن تعتمد ونحن نقيس ظاهرة الفقر في المجتمع، ولا يمكن للمؤشرات الكمية التي نتباهى بها بين الحين والآخر، أن تحجب الحقائق في معدلات الفقر، والتي نجد تجلياتها في القرى والأحياء المعدمة.،
   
 الأيام
30 

أكتوبر 2008

اقرأ المزيد

عن البطالـة في البحـرين

 
ليس ثمة قضية كبيرة تحلها المؤسسات من دون أن تؤكدها الأرقام، لكن هنا كل شيء خاضع للتسييس، والأدلجة، والمواقف العابرة غير المتجذرة في مصالح البلد والشعب.
فأبسط شيء لحل قضية هو أن تـُعرف أرقامها بدقة، ومن دون معرفة هذه الأرقام التي يجمعها ويبثها جهازٌ موضوعي محايد لا يدخل في لعبة السياسة بالتالي، فإن القضية لا تتشكل ولا تنتهي، فهي مصدر إزعاج مستمر من جهات عدة، لكنها قضية حيوية لهؤلاء الذين لا يتاجرون فيها وهم العاطلون أنفسهم.
حين نقرأ بعض الأرقام للأجهزة الحكومية سوف نصاب بالحيرة والدهشة لأن الأرقام أولاً لا تكاد أن تتغير، وهي هنا أرقام بسيطة، محدودة، كأن يقول الوزير المختص إن عدد العاطلين لا يتجاوز ألفاً. 
 
فلماذا إذًا كل هذه الضجة على ألف إذا كان الرقم صحيحاً؟
لنأخذ بعض الأرقام المسجلة عبر التصريحات المختلفة للمسئولين والجهات الإعلامية والتجارية:
(قال وزير العمل البحريني والشؤون الاجتماعية (السابق) عبدالنبي الشعلة إن عدد الباحثين عن العمل زاد إلى 9670 فرداً وهو الأعلى منذ سنوات وتمثل البطالة المسجلة 3،1% من القوة العاملة البالغة 307 آلاف فرد، في البحرين، ويبلغ عدد السكان 666 ألف نسمة، ثلثهم من الأجانب، وقدرت البطالة بحوالي 2،5% في نهاية 1999)، هذا التصريح لوزير العمل وقتذاك قيل سنة 2001، علق عليه اقتصاديون ودبلوماسيون كما يذكر الخبر بأنهم يقدرون البطالة بـ 10% بمن فيهم غير المسجلين لدى وزارة العمل.
لكن وزير العمل وقتذاك الأستاذ عبدالنبي الشعلة قال بعد فترة وجيزة وعبر مانشيت مثير نشرته إحدى الصحف (بالغة مستوى لم تبلغه البلاد من قبل.. البطالة في البحرين ترتفع إلى خمسة في المائة) ما يلي:
(قالت البحرين إن 16 ألف مواطن عاطلون عن العمل وفقاً لسجلات شهر ديسمبر. قال وزير العمل إن هذا الرقم يمثل 5% من إجمالي عدد سكانها البالغ 651 ألفا أكثر من ثلثهم أجانب. وفي أبريل الماضي لم يزد عدد المسجلين لدى الوزارة على 9670).
خلال فترة وجيزة تغيرت الأرقام وتغيرت النسب، من دون أن نعرف من قام بالإحصاء ومن حدد الأرقام وغيرها هذا التغيير الكبير كله.
نرى أن العالم الخارجي دائماً يشكك في أرقام المسئولين وهي عادة تجري دائماً، ولكن الفجوة كبيرة بين أرقام الوزير وقراءات الخبراء.
ولكن أن تكون لوزارة العمل أرقام ثم تتغير تغيراً كبيراً بين شهري أبريل وديسمبر من العام نفسه فهو بفضل تلك العجائبية في الوزارات البحرينية.
ثم نجد الشعارات المطروحة نفسها:
(ومنعت البحرين الأجانب من شغل بعض المهن لتوفير الأعمال للبحرينيين)، كلام من سنة .2002 رويترز.
عليك أن تقارن هذا (المنع) بتزايد الأرقام لأعداد الأجانب فقد تفاقمت الأرقام كثيراً ولم يحدث المنع لبعض الأعمال بل حدث الانتشار كما سيظهرُ لاحقاً.
(وخصصت 25 مليون دينار(66 مليون دولار) لسنة 2002 للمساعدة على إيجاد فرص عمل وتوفير تدريب مهني). لكن لمن؟ للألف من المسجلين في سنة 1999 أم للألف المسجلين سنة 2002؟ أم للأعداد المتزايدة الجديدة المجهولة سابقاً التي ظهرت فجأة وبفعل السحر الوزاري؟
وفي الفترة نفسها قالت الحكومة إن على (القطاع الخاص أن يوظف عشرين ألفا من العاطلين).
(ويشير بعضُ أعضاء مجلس الشورى إلى أن ظاهرة البطالة التي دفعت حدتها مؤخراً بعض الشبان للاعتصام احتجاجاً داخل مبنى وزارة العمل في المنامة تطول ما بين 20 و30 ألف شخص وبما معدله 25% من اليد العاملة في هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 700 ألف شخص)، (العربية، 10/ 5/ 2001).
وبما أن الأرقام للمشكلة، لأعداد العاطلين، متحركة زئبقية، ضائعة وتائهة، وقد غادرتْ علمَ الإحصاء ودخلتْ علمَ الجان، فقد تاهت المشكلة وجسمها المحدد.
لكن الأرقام تختلف عند وزير العمل الحالي الدكتور مجيد العلوي، فرغم ان سعادته يكرر رقم الألف العاطل الشهير مراراً، فإنه يقول بعد فترة من تطبيق برنامج التوظيف الوطني ما يلي:
(قال وزير العمل البحريني د. مجيد العلوي إن نسبة البطالة انخفضت من 15% إلى 4%. كما قال سعادته إن هناك ستة آلاف وسبعمائة وظيفة شاغرة في الحكومة)، (إيلاف، يوم الأحد، 26 نوفمبر، 2006).
لكن اتضح أن الوظائف الشاغرة في الحكومة ليست بهذه الأرقام الكبيرة، فهل كانت نسب الوزير دقيقة؟
ويبدو هذا التوهان في الأرقام قد تسرب إلى كتابة أستاذ جامعي وخبير اقتصادي ونائب حالي في البرلمان فذكر(لا يُعرف على وجه الدقة حجم البطالة في البحرين فحسب تقرير لوكالة الاسوشيتد برس تبلغ نسبة البطالة 15 في المائة في اوساط العمالة الوطنية، إلا أن نسبة البطالة أقل من ذلك بكثير حسب الاحصائيات الحكومية. يبقى الشيء المؤكد هو أن الإناث يشكلن الغالبية العظمى من العاطلين، وعلى هذا الأساس فإن مشروع التأمين ضد التعطل سيفيد النساء أكثر من الذكور)، (جاسم حسين، مشروع التأمين ضد التعطل، صحيفة الاقتصادية الإلكترونية، 2008).
يجعلنا هذا الكلام نظن بوجود بطالة في العمالة غير الوطنية أيضاً، كما أنه كلام في حالة ذهول غيبي عن الأرقام، ثم يعلمنا معلومة خطيرة أخرى هي أن النساء هن الأكثر بطالة واستفادة من مشروع التأمين ضد البطالة، وليس هنا ثمة تعريف لبطالة النساء، لأن ثلث النساء قابعات في بيوتهن في بطالة إلزامية منذ عقود، وهذا يعني ان الأرقام المطروحة أكثر بكثير من أرقام وكالة أمريكية للأنباء تعرف أفضل من متخصص بحريني في الاقتصاد.
نجد بدلاً من هذه الأرقام التائهة معلومات محددة من دراسة مؤسسة ماكنزي التي أعدت دراسة حول البطالة وتطورها المتصاعد مستقبلاً:
(وجاء في الدراسة التي أعدتها مؤسسة ماكنزي للاستشارات لحساب مجلس التنمية الاقتصادية وطُرحت في ورشة عمل نظمها المجلس.. أن هناك حوالي عشرين ألف بحريني من دون وظيفة) مضيفة ان هذا الرقم سيشهد ارتفاعاً كبيراً إذا لم يتم شيء حياله.
(وأضافت إذا استمرت التوجهات الراهنة في نوعية الوظائف الجديدة ومشاركة البحرينيين في سوق العمل يمكن للبطالة أن تبلغ 70 ألف عاطل أي 35% من اجمالي قوى العمل بحلول عام 2013 في حال بقاء الأوضاع على حالها).
وتابعت الدراسة (ومع أن هذه الأرقام مثيرة للقلق فإنها لا تكشف بالكامل عن مدى خطورة المشكلة، فإن ثلث البحرينيين يعملون في وظائف لا تفي بمستوى مهاراتهم وسوف تزداد النسبة إلى حوالي 70% من قوى العمل بحلول 2013)، (شبكة النبأ المعلوماتية 2004).
الظاهرة غير معروفة تماماً لدى الجهات المسؤولة، أرقامها متبخرة متحولة، والدولة وعدد سكانها في حالة سيولة غامضة، فكيف تـُحل مشكلة؟
كانت الدراسة الأخيرة أقرب للموضوعية بسبب عدم وجود خلفية مسيسة ومؤدلجة، وحاولت أن تضع أرقاماً وحقائق مستندة إلى جسم الاقتصاد المدروس بشكل موضوعي.
تغدو المقاربة هنا مهمة عبر درس الهيكل الاقتصادي وأعداد السكان المواطنين والعمالة المهاجرة وحراكها الداخلي المضمر والخارجي المحدد بأرقام.
لكن من جهة الوزارات كل شيء مخفي متوار، والسحرة يشتغلون ويخرجون الأرانب والأرقام من القبعات.
في الصين التي يبلغ عدد سكانها مليارا وثلاثمائة مليون أرقام البطالة محددة ومعروفة تماماً، والحكومة لا تخفي الأرقام على ضخامة السكان.
علينا أن نبحث ما وراء هذه الأرقام البحرينية المضطربة.

  
 
عن البطالة في البحرين (2)
 
رأينا في الحلقة السابقة الاضطراب في أرقام ظاهرة محورية من حياة المجتمع البحريني، وهذا الاضطراب يرجعُ إلى جملةٍ من العوامل، فهناك العوامل السياسية المباشرة، حيث يقول جهاز وزارة إنه مسيطر تمام السيطرة على تلك الظاهرة وهو بسبيل القضاء عليها.
فهو يقدمُ أرقاماً غير دقيقة تبعاً لحالته السياسية، حيث ان تفاقم هذه الظاهرة وتحولها إلى مشكلات في الشارع، هو أمر مختلف عن رصد هذه الظاهرة حين يسود الهدوء وتنتشر الأعمال المربحة.
كما أن الأمر يعود إلى مستوى أكبر من وزارة العمل، إلى بناء اجتماعي عام لا تستطيع السيطرة عليه، وهو يعود إلى وضع البناء الاقتصادي الوطني المتناقض وغير المبرمج وغير المحكم التطور، فهناك ثلاثة أبنية اقتصادية تشتغل في نظام اجتماعي واحد.


الأول هو القطاع الحكومي الأقرب نسبياً للمعرفة العامة.


الثاني هو القطاع الخاص الذي ينأى عن هذه المعرفة نسبياً، ويختلط فيه الوضوحُ والغموض، لأسبابٍ كثيرة.
 

الثالث هو القطاعُ المختلط، القطاعُ الذي تخرجُ إليه أموالٌ حكومية وخاصة وينمو بطرائق مجهولة تماماً. وهو قطاع لا نعرفه ولا نستطيع رصده لغياب المعلومات لكنه مؤثر كثيراً.


هذه القطاعات الاقتصادية الثلاثة تشكل منظومة اقتصادية غير محكمة التنسيق والترابط، فالقطاع العام الذي يُفترض أن يعبرَ عن ملكية الناس.
ولكن القطاع العام بدوريه السياسي والاقتصادي المهيمنين يحاول أن يسيطر على البطالة بإجراءات لا تضر القطاع الخاص، فهو أيضاً بحكم التداخل مع القطاع الخاص، لا يريد أن يضعف القطاع الخاص.
ومن هنا ثمة (بطالة) مقنعة داخله فدوره الأبوي وعدم معرفة كيفية ظهور ونمو المداخيل العامة، يجعله يقوم بالتوظيف الإداري الواسع، من دون أن يكون العديد من الوظائف ذا جدوى اقتصادية.
ويمكن القول هنا إن القوى التقليدية غير الرأسمالية الحديثة تعمل على بقاء الأبوية من جهة الدولة بتضخم أجهزتها وأعدادها، وتحولها إلى (أب) راع لكنه يخسر دوره باستمرار، لأنه لا مكان للأسرة الأبوية السياسية، وينتج عن ذلك (البطالة) المقنعة. وسوف تجبر عملياتُ التطور والتقشف وتراكم العجز على أن تتحلل الدولة من دورها كأب سياسي، وتخفض من البطالة المقنعة فيها، ولا يحدث هذا من دون نمو العملية الديمقراطية خاصة مساهمة أرباب العمل والعمال في الحياة السياسية، ومن دون حضور هاتين الطبقتين في أعمال البرلمان وتحملهما مسئولياتهما مع الدولة وتراجع الدولة عن العديد من سلطاتها الاقتصادية، لا يمكن القضاء على البطالة بشكل مؤثر.
في حين يلعبُ شيوخ الدين دور الأب في حياة الأسرة الخاصة، ويزداد حضورهم فيها كلما نأت هذه الأسر عن العمليات الرأسمالية التحديثية وعدم تشغيل نسائها. فتزداد فواتير الحياة المتراكمة عليها، إذا لم تقم بتحديث علاقاتها السياسية الاجتماعية الأسرية نحو الديمقراطية المنزلية، ولهذا فلدينا بطالة مقنعة كبيرة في البيوت، رغم أن النساء يقمن بعمل شاق في المنازل من دون أن يأخذن عليه أجوراً.
فلابد للقضاء على البطالة المقنعة من رسملة الدولة والأسرة، وهو الأمر الذي يقود إلى تخفيض البطالة المقنعة وزيادتها في الحياة العامة إذ لم تتخذ تطورات مناسبة كإحلال العمالة الوطنية محل الأجنبية وإعادة تأهيلها خاصة في مجال التقنيات الحديثة لأنه الأنسب للبلد والأكثر جدوى.
لهذا فإن وزارة العمل توجه قدرتها على متابعة القطاع الخاص، ومراقبته ومحاولة جعله يسهم في حل مشكلة البطالة في إطار نظرة جزئية بيروقراطية تعالج بعض الطفح الجلدي ولكن لا تخترق الأنسجة الداخلية للمريض.
والقطاع الخاص يتهرب من أن يكون كبش فداء لنظام اقتصادي تهيمن فيه الحكومة، وهو يقول إنه اقتصاد حر، ولهذا فإن أجندة العمالة في القطاع الخاص تابعة لمسألتي الربح والخسارة، لا للاستقرار السياسي والوحدة الوطنية والانتخابات وغيرها من أجندة الحكومة.
فهو لن يقدم لها المعلومات الدقيقة عن العمالة داخله وجنسياتها ولن يسهم في توظيف العمال البحرينيين بالشكل المطلوب في هذه التحديات.
إن هذا يعود لمدى قدرته الاقتصادية، ولمدى تطور العمالة البحرينية تقنياً ومدى قبولها بالأجور داخله، فالقضية هنا ليست سياسية، فإذا كانت الحكومة بسيطرتها على 80% من الاقتصاد الكبير في البلد لا تستطيع أن تفعل ذلك فهل يفعله من يملك أقل من تلك النسبة؟
أما الاقتصاد المختلط الثالث في هذه القائمة فهو مليء بتجار “الفري فيزا” واستغلال الموظفين الحكوميين لنفوذهم في تأجير بناياتهم للموظفين الأجانب، والتهام الأراضي والشواطئ، واحتكارهم أفضل الشروط الاقتصادية والمالية والجغرافية، فهذه كلها منطقة معدومة الرؤية، يجرى فيها كذلك جلب العمالة الأجنبية بتوسع ونشرها في البلد “تطفيشها” المواطنين من أرزاقهم وزياداتها لبعض المواطنين في حصالاتهم.
أناس تدخل وأناس تخرج، فكيف يتم حصار البطالة؟
كيف تتم معرفة الأرقام والبلد في حالةِ سيولةِ مصالح، هذا يفتح شركات ويطلب عمالة، وهذا يغلق شركات ويسرح عمالة تبقى في البلد؟ وهذا وذاك يجلبان عمالة بتوسع فهي رخيصة عابرة بلا أوراق مدققة، ويتم التلاعب بحالاتها ومصائرها وأجورها؟
هو اقتصاد غير راسخ البناء، الرواتب والأجور والمداخيل في القطاع العام لها مسارات.
ويتسبب ذلك في ضبابية الأرقام وهامشيتها وعدم وضوحها.
وفي القطاع الخاص للرواتب والأجور حسابات مختلفة، مغايرة عن القطاع العام، وصار للقطاعين إجازات وعطل ومعاشات مختلفة، وهذا يُدين وذاك يستدين، وهذا يخفي أرباحه وذاك ينشرها على الملأ بمباهاة تجارية وسياسية، وكتل من المواطنين والأجانب ذات نسب اشتغال مختلفة تماماً عند كل من (الأرباب)، وصارا مثل الطائفتين لهما مواعيد متعددة، فغدت هناك طائفية دينية وطائفية اقتصادية.
كذلك فإن للقطاع الخاص فساده المختلف.
وثمة علاقة وطيدة بين البطالة المقنعة والبطالة المكشوفة، الدولة لا تستطيع أن تقوم بعملية جراحية اقتصادية عميقة، ولكن الظروف الاقتصادية المتفاقمة سوف تجبرها على ذلك، والقطاع الخاص لا تهمه سوى مؤسساته النائية في ظنه عن القطاع العام ومشكلاته، ولهذا ليست لديه سياسة وطنية بامتصاص العمالة الزائدة في الدولة والبطالة المتزايدة في المجتمع. والدولة لا تستطيع أن تتحول إلى دولة ذات حسابات رأسمالية شاملة وذات حسابات سياسية تحديثية ديمقراطية كاملة، ومن هنا تبقى القطاعاتُ الثلاثة تفرز البطالة من كل مسامها. التبصر والتخطيط والوطنية وغيرها من الصفات الحميدة مطلوبة، لكن هل تـُطبق؟
إن غياب الأرقام الدقيقة، وغياب السياسات البعيدة المدى، وتناقضات الهياكل الاقتصادية الثلاثة، هي كلها عجينة واحدة.
ولهذا فالقول إن اقتصادنا هو شبيه باقتصاد الدول المتقدمة هو أمر غير دقيق، فاقتصادنا هو اقتصاد لمجتمع تقليدي متحول إلى الرأسمالية ولكن لم يصل إلى الرأسمالية المتقدمة، ولذلك فالبطالة هناك ناتجة عن مجتمع رأسمالي توحدت هياكله، وتلعب فيه الدولة دورا سياسيا فقط.
كذلك فإن العمالة النسائية العالية شرط له، في حين هناك أكثر من ثلاثين امرأة في المنازل، وهي بطالة مقنعة أسرية واسعة، في حين تأتي النساء من الخارج للعمل بشكل واسع.
 
عن البطالة في البحرين (3)

اتجهت وزارة العمل بجهود حثيثة للقضاء على البطالة، الظاهرة الطافحة على جسد المجتمع، وكانت الجهود متواضعة.
وهي تتركز كما قلنا في قطاع الشباب والخريجين والعمال المفصولين من أعمالهم، وهو قطاع صغير إذا قسنا البطالة بمعناها الواسع السابق الذكر. وهو قطاع رغم صغره ظل بعيداً عن الرصد الكمي، من حيث التدفق المستمر للأجيال الجديدة التي تتخرج من التعليم أو التي تتسرب منه (يعاون ذلك عدم وجود قانون للتعليم الإلزامي)، وكذلك تصاعد جهود النساء للخروج من البطالة المنزلية، وعددهن غير محدد. كذلك هناك العاطلون وهم عدد ممكن ضبطه وهناك المهاجرون وبعضهم ذاب في المجتمعات الأخرى وبعضهم لم يذب.
ومنذ يناير توجهت وزارة العمل للسيطرة على ظاهرة البطالة الشبابية في أغلبها الأعم، فظهر قانون الضمان ضد التعطل في بداية سنة 2007، حيث نص القانون على دفع مبلغ شهري للعاطل وهو 150 ديناراً، وهو بالكاد يكفي للمواصلات وبعض الوجبات خلال شهر، ويُدفع هذا المبلغ بعد دراسة حالة العاطل وكونها حقيقية، وهذه عملية بيروقراطية مجهدة للعاطلين للحصول على مثل هذا المبلغ الهزيل.
ثم إنه إذا حصل العاطل على شهادة جامعية يُرفع المبلغ إلى 180!
وقانون الضمان ضد التعطل تتعاضد معه إجراءاتُ رفعِ كلفة العمال الأجانب واستخدام الرسوم المتحصلة في تدريب العمال البحرينيين.
فهنا تقوم المؤسساتُ الحكومية بأخذ الأموال من القطاع الخاص للتدريب وللقضاء على البطالة، فالأموال تؤخذ من القطاع الخاص، ولهذا تبدو هذه الأموال والعملية كلها متواضعة.
ومن الواضح هنا كيف تتم المعالجة لظاهرة البطالة بصورة إدارية وبالاعتماد على أموال محدودة، لا تمثل شيئاً كبيراً للعاطلين، ولا لاجتثاث الظاهرة.
وعلى طريقة هذا التعكز جاء إجراء فتح مكتب التوظيف في قطر:
(صرح وزير العمل الدكتور مجيد العلوي انه سيتم افتتاح مكتب توظيف البحرينيين في الدوحة بدعم من الحكومة القطرية مشيراً إلى أنه سيلحقه ثلاثة مكاتب في أبوظبي ودبي وسلطنة عمان خلال الأشهر الثلاثة المقبلة)، جرى ذلك يوم 29/10/.2007
وأكد الوزير في حواره ان توظيف البحرينيين بدول الخليج لا يعني خروج الكفاءات البحرينية إلى الخارج، وإنما يعتبر نقلاً للكفاءات وتبادلاً للخبرات بين دول الخليج في إطار قانون التأمينات الجديد)، وأضاف العلوي أن العمالة الأجنبية زادت بنسبة 40% سنوياً مع الطفرة الاقتصادية في البحرين).
ولنلاحظ هنا التناقضات التي تتشكل في مثل هذه السياسة لمكافحة البطالة، فإن سياسة التدرج في القضاء على البطالة ودفع القطاع الخاص بإجراءات زيادة رسوم العمل التي تبلغ حسب تصريح الوزير بين 20 إلى 30 مليون دينار، وهي التي تقوم بإعالة العاطلين بذلك الفتات.
أي أن هذه السياسة لم تثمر، بسبب إن العمالة الأجنبية زادت على حد قول سعادته بنسبة 40%.
ولا نعرف من الذي زادها وعرقل إجراءات الدولة، ولماذا لم تحدث تدخلات بهذا الشأن كأن يوضع العمال البحرينيون على قائمة هذه الزيادات؟!
ولكن الوزارة تقوم بعمل جبار آخر هو افتتاح مكاتب توظيف!
وهل احتاج البحرينيون على مدى السنوات الطويلة السابقة للعمل في دول الخليج إلى مكاتب توظيف؟!
ثم كيف يكون ذهاب البحريني للبحث عن عمل في بلد آخر تبادلاً للخبرات؟
وهل هناك خبرات من تلك الدول في بحريننا الغالية لكي يحدث هذا التبادل العميق؟
وأي تبادل للخبرات لأناس فقدوا أعمالهم في بلدهم ليتغربوا في حين ان الوزارة عاجزة عن فتح مكاتب توظيف لهم في المنامة والرفاع والمحرق؟
تبدو مثل هذه الإجراءات البيروقراطية المحدودة هي أقصى جهد يُبذل، نظراً لتلك الرؤية المحدودة للمشكلة وعدم تناولها من جذورها.
فليس ثمة قوانين توظيف تجاه القطاع الخاص بنسبة معينة ولو ضئيلة.
وليس ثمة إجراءات بحرنة في أجهزة الدولة ذاتها المليئة بالموظفين والعمال الأجانب.
مع كثرة دخول الدولة وكثرة الرسوم والموارد المختلفة، فتقوم بمشروع جبار للقضاء على البطالة لكن من خلال رسوم على القطاع الخاص؟!
وما يمكن أن يحدث للإجراءات التي تقوم بها وزارة العمل تجاه ظاهرة البطالة هي المعالجة الجزئية المفيدة على كل حال، لكنها محدودة وناقصة، لكون مسامات المجتمع المتعددة سوف تضخ عاطلين بشكل مستمر ومتصاعد.
وإذا تذكر توصيات دراسة ماكنزي فإن البطالة سوف ترتفع إلى معدلات قياسية مستقبلاً، حيث لا يقود على التوظيفات ولا تحديدات، وضخ المجتمع للعاطلين عبر التخرج والبيوت سوف لن يتوقف.
والعمالة الأجنبية ذاتها تضخ بطالة أو تحل محل وظائف وطنية، فالعمال الأجانب يجلبون أسرهم ويوظفونهم في مختلف الأعمال، من دون ضبط.
لقد جاءت التصريحات الحكومية الأخيرة عن تراجع نسبة البطالة بصورة مفرحة، حيث بلغت كما قيل 8،3،% والمقصود بها القطاع الشبابي، لكن مثل هذه النسبة في هذا القطاع تعني الخريجين الجدد والطلبة والعمال البحرينيين المفصولين من الشركات وغيرهم في حين أن معدلات توظيف العمالة الأجنبية يزداد.
فهذا لا يعني السيطرة على الظاهرة، إلا بشكل محدود.
ولهذا فإن الخبراء يطرحون ضرورة السيطرة على مشكلات البنية الاجتماعية ككل:
(لم تنجح حكومات دول الخليج الغنية بالنفط حتى الآن في القضاء على مشكلة البطالة على الرغم من الفورة النفطية التي تدر عليها عائدات قياسية وتغذي نموها الاقتصادي.
واعتمدت معظم دول مجلس التعاون الخليجي برامج لتأهيل مواطنيها لدمجهم في سوق العمل إلا ان القطاع الخاص مازال يعتمد بشكل واسع على اليد العاملة الاجنبية. وقال الخبير الاقتصادي السعودي احسان بوحليقة ان اسواق مجلس التعاون شوهت بسبب انفتاحها المفرط على اليد العاملة الاجنبية ولكون القطاع العام يشكل ملجئاً ملائما جدا بالنسبة للمواطنين.
وقال بوحليقة ان تدفق العمال الاجانب الى دول مجلس التعاون حيث باتوا يشكلون حوالي 40% من السكان يمثل ظاهرة فريدة في العالم “فليس هناك أي مكان آخر في العالم تسير الامور فيه على هذا النحو”. ويبلغ اجمالي عدد سكان دول المجلس 37 مليون نسمة بحسب آخر ارقام للامانة العامة للمجلس يمثل الاجانب 40% منهم).
ويقول أحد المحللين الاقتصاديين تعليقاً على اتساع البطالة في الدول العربية عامة بشكل غير مسبوق:
(تعلمنا من دراستنا للبطالة في البلدان العربية إنه لا توجد إحصائيات رسمية أو شبه رسمية يمكن الارتكاز عليها في الدول العربية، بسبب ضعف الإدارة والفساد، وحتى لو كانت النسب مقاربة إلا أنها لا تشمل البطالة المقنعة الحكومية حيث يقوم عشرة عمال بأداء وظيفة عامل واحد، أو العمال المسجلين بدون عمل، فعلى الحكومات العربية إعادة نظر شاملة لتوزيع الثروات وتوجيه الاستثمارات الخاصة والعامة..).
وفي الواقع إن عمليات تغيير البطالة تتطلب إجراءات واسعة من قبل الحكومات والبرلمان والنقابات وهي إعادة تشكيل للمجتمعات وهي مسألة تاريخية.

صحيفة اخبار الخليج

اقرأ المزيد

نقابة تُشبه البحرين

نبارك لعمال شركة‮ »‬ألبا‮« ‬انتخابات مجلس إدارتهم،‮ ‬وفوز كتلة‮ »‬الوحدة العمالية‮«‬،‮ ‬برئاسة النقابي‮ ‬الشاب علي‮ ‬البنعلي‮ ‬الذي‮ ‬عُرف بدفاعه عن حقوق أعضاء النقابة التي‮ ‬يرأسها،‮ ‬وبالمكاسب التي‮ ‬حققها لعمال‮ »‬ألبا‮« ‬منذ أن أصبح على رأس النقابة منذ ‮٣ ‬أعوام‮.‬ لكن أهم ما‮ ‬يميز القائمة التي‮ ‬فازت في‮ ‬الانتخابات الأخيرة في‮ »‬ألبا‮«‬،‮ ‬كونها تمثل المجتمع البحريني‮ ‬خيرَ‮ ‬تمثيل،‮ ‬فتجد فيها السني‮ ‬والشيعي،‮ ‬العجمي‮ ‬والعربي،‮ ‬الحزبي‮ ‬والمستقل،‮ ‬وهي‮ ‬إلى ذلك تضمُ‮ ‬نقابيين مُخضرمين خبروا العمل النقابي‮ ‬السري،‮ ‬وضحوا في‮ ‬سبيل تشكيل الوعي‮ ‬بأهمية هذا العمل،‮ ‬وهم بهذا المعنى مُسلحين بخبرةٍ‮ ‬يُعتد عليها،‮ ‬وتضم إلى جانب ذلك شباناً‮ ‬في‮ ‬مُقتبل العمر‮ ‬يضجون بالحيوية والحماس‮.‬ ‮ ‬إنها تشبه البحرين بكل مُكونات مجتمعها،‮ ‬واتحدَ‮ ‬الفائزون في‮ ‬قائمة انتخابية ببرنامج انتخابيٍ‮ ‬واضح هدفهُ‮ ‬الدفاع عن مصالح وحقوق العمال في‮ ‬شركة‮ »‬ألبا‮« ‬جميعا،‮ ‬مستندة في‮ ‬ذلك إلى تراث بات معروفاً‮ ‬لدى عمال الشركة‮.‬ مجلس الإدارة الجديد‮ ‬يُذكرنا بالتقاليد المجيدة للعمل النقابي‮ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬الذي‮ ‬قام على أسسٍ‮ ‬وطنية جامعة،‮ ‬بعيدة عن كافة أشكال ومظاهر الفرقة المذهبية والطائفية،‮ ‬التي‮ ‬انتعشت في‮ ‬السنوات الأخيرة،‮ ‬واخترقت العمل النقابي‮ ‬والسياسي،‮ ‬فحرفتهُ‮ ‬عن مجراه الصحيح،‮ ‬لتتخذ الحملات الانتخابية طابع الاستقطاب المذهبي‮ ‬البغيض‮.‬ لكن أعضاء القائمة قدموا البديل الذي‮ ‬نحنُ‮ ‬في‮ ‬أمس الحاجة إليه اليوم،‮ ‬وهو أن تتشكل قوائم انتخابية أو هياكل مؤسساتية على الأسس الوطنية،‮ ‬فينصهر المتحدرون من تكوينات المجتمع المختلفة في‮ ‬هذه الأطر أو القوائم‮.‬ في‮ ‬مثلِ‮ ‬هذه الحالة فإن المعارك المطلبية تُخاض على أسس البرامج الاجتماعية والمعيشية،‮ ‬لا على الأسس المذهبية أو الطائفية‮. ‬في‮ ‬الحالة الأولى أنت توحد الناس في‮ ‬العمل المشترك على أساس ما‮ ‬يجمعهم من مصالح وحقوق،‮ ‬وفي‮ ‬غمرة هذا العمل تَضعفُ،‮ ‬وحتى تذوب،‮ ‬الفروقات المذهبية،‮ ‬ويجد الناس أنفسهم مُتحدين في‮ ‬المطالبة بحقوقهم‮.‬ أمّا في‮ ‬الحالة الثانية فإنه تجري‮ ‬مخاطبة النزعات المذهبية وتسعيرها،‮ ‬وتحويل الآخر من‮ ‬غير أبناء الطائفة أو المذهب إلى خصم،‮ ‬مع انه‮ ‬يكتوي‮ ‬بنار ذات المعاناة‮: ‬قلة الأجور وغلاء المعيشة وظروف السكن‮ ‬غير اللائق،‮ ‬وتدل التجربة أن من خاضوا معاركهم الانتخابية في‮ ‬أي‮ ‬موقع من المواقع،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك الانتخابات البلدية والنيابية،‮ ‬على الأسس المذهبية والطائفية،‮ ‬لم‮ ‬يفلحوا في‮ ‬أن‮ ‬يتناولوا الملفات المطلوبة بروح وطنية‮.‬ وحدهُ‮ ‬التيار الديمقراطي،‮ ‬المُمثل لتقاليد العمل الوطني‮ ‬الراسخة في‮ ‬البحرين،‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يؤدي‮ ‬هذا الدور،‮ ‬لأنه‮ ‬ينصرف نحو تعزيز لحمة النسيج الوطني‮ ‬من خلال النضال والعمل المشترك،‮ ‬عبر برامج لا تخاطب الكوامن المذهبية والطائفية،‮ ‬وإنما تخاطب الأذهان حول القضايا الجامعة،‮ ‬مفتحة هذه الأذهان على آفاق جديدة‮.‬ هذا ما أفلحت‮ »‬قائمة الوحدة العمالية‮« ‬في‮ »‬ألبا‮« ‬في‮ ‬تجسيده خيرَ‮ ‬تجسيد،‮ ‬وأظهرت أن الطبقة العاملة،‮ ‬كما كانت عبر تاريخنا المعاصر،‮ ‬هي‮ ‬عامل توحيدٍ‮ ‬للمجتمع،‮ ‬وقوة صهرٍ‮ ‬لمُكوناته في‮ ‬بوتقةٍ‮ ‬واحدةٍ،‮ ‬وبالمثل أفلحت هذه القائمة بالمعركة الانتخابية المنظمة التي‮ ‬خاضتها،‮ ‬وتوجتها بنصرها الساحق في‮ ‬إظهار مقدار ما‮ ‬يتمتع به التيار الديمقراطي‮ ‬من إمكانات كبيرة إذا ما أحسن توظيفها،‮ ‬واستعاد الثقة بنفسه وبدوره‮.‬
 
صحيفة الايام
2 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

المصهر في‮ ‬ألبا

احتفل العمال في‮ ‬ألبا بعرس ديمقراطي‮ ‬كبير حين أقدموا على التصويت لصالح ممثليهم في‮ ‬نقابة شركة ألمنيوم البحرين‮ »‬ألبا‮«‬،‮ ‬التي‮ ‬تعتبر من أهم وأكبر النقابات البحرينية،‮ ‬بما لها من تاريخ نقابي‮ ‬طويل دائماً‮ ‬ما كنا نسمع عنه،‮ ‬ونسمه أهازيج جميلة كان‮ ‬يرددها العمال‮.‬
فعمال ألبا‮ ‬يتحدون المستحيل من أجل العمل،‮ ‬يجازفون،‮ ‬ويخاطرون،‮ ‬ويحققون الكثير،‮ ‬لذلك هم‮ ‬يستحقون الكثير،‮ ‬ليس من إدارة الشركة فقط،‮ ‬ولكن حتى من المجتمع بأكمله‮.‬
فالأمس الأول،‮ ‬لم‮ ‬يكن التصويت في‮ ‬الانتخابات فخراً‮ ‬لقائمة‮ »‬الكتلة العمالية‮« ‬التي‮ ‬استطاعت بالفوز بجميع المقاعد،‮ ‬بل هو فخر لكل العمال في‮ ‬ألبا فقد أكدوا في‮ ‬وقت نمر فيه بظروف مهمة،‮ ‬ان هؤلاء العمال لا‮ ‬يرتضون أن تكون للطائفية بشتى صورها الدينية والعرقية مكاناً‮ ‬بينهم،‮ ‬فقد أعلنوا من خلال صناديق الاقتراع أنهم أبرموا اتفاقاً‮ ‬مع‮ »‬المصهر‮« ‬الذي‮ ‬يصهر الألمنيوم ان‮ ‬يقوم بوظيفته ضد الطائفية فيصهرها،‮ ‬وفعلاً‮ ‬تم صهرها،‮ ‬وهذا ما نريده ان‮ ‬يعم ويشمل جميع الانتخابات،‮ ‬فتكون القوائم الانتخابية سواء النيابية او البلدية او حتى في‮ ‬المنظمات الأخرى،‮ ‬تضم بين صفوفها كل مكونات المجتمع البحريني‮.‬

صحيفة الايام
2 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

شاهر‮ .. ‬ظاهر‮!‬

ورد في‮ ‬جريدة الأيام بتاريخ ‮٩١ /‬أكتوبر ‮٨٠٠٢ ‬خبرا أذهلني‮ ‬من جوانب عدة،‮ ‬وجلست اقلب فيه من كل الجوانب كما هي‮ ‬العادة مع كل خبر‮ ‬غريب‮. ‬وبعد التأمل في‮ ‬طبيعة الخبر قررت اختيار العنوان التالي‮: ‬جرأة الفساد ووقاحته،،‮ ‬ولكنني‮ ‬قررت أن استبدله بالعنوان المكتوب‮. ‬فما هو‮ ‬يا ترى ذلك الخبر الغريب والعجيب؟‮! ‬هو أن‮ ‬يطرق شخص باب وزير البلدية والزراعة د‮. ‬جمعة الكعبي،‮ ‬ويقدم للخادمة وابنه بطاقته الشخصية‮ »‬البزنس كارد‮« ‬مع مبلغ‮ ‬كبير وهدايا عينية ثمينة‮ . ‬أما الشخص الجريء فهو مسؤول كبير في‮ ‬شركة للنظافة،‮ ‬وبالفعل هو شخص نظيف وينتمي‮ ‬لشركة النظافة المعنية بتنظيف مدننا وقرانا،‮ ‬ولكن كيف لشركة نظافة تمارس الفساد ستكون أمينة على حياه الناس ونظافتهم؟‮! ‬هذا ما لا افهمه في‮ ‬شركة نظافة هكذا تصبح ممارساتها؟ والجرأة وغرابتها لا تكمن في‮ ‬طرق الأبواب بقدر ما باتت بيوت الناس وليس الوزراء وحدهم عرضة لتدنيسها بالوساخة في‮ ‬وقت‮ »‬مطلوب‮  ‬تنظيفها‮« ‬من أدران الفساد‮. ‬والأغرب من كل ذلك أن الوزير الجديد لم‮ ‬يمارس موقعه أكثر من أسبوعين،‮ ‬فكان على الشركة الانتظار لمعرفة بواطن الأشياء قبل الشروع في‮ ‬السقوط في‮ ‬مستنقعات شيطان الرشوة وخبائث الأمور بهذه السطحية‮. ‬فهل علينا أن نصدق بأن كل هؤلاء المفسدين في‮ ‬الأرض بهذا الغباء أو أنهم بهذه الجرأة،‮ ‬إلى حد اعتادوا عليه سابقا بممارسات مثيلة تمرسوها خلال عقود ثلاثة،‮ ‬فأصبحت رائحة الفساد أصعب من إمكانية تنظيفها بشركة نظافة من هذا القبيل‮! ‬
‮ ‬حقا تستحق هذه الشركة وبكل جدارة بعد سقوط مندوبها بهذا الوحل الفاضح شركة نظافة الأوسكار الدولي‮ ‬أو جائزة نوبل للنظافة‮ . ‬يبدو أن منظمة الشفافية لا تحتاج لمجهود اكبر لمعرفة حقائق الأمور بعد تلك الحكاية،‮ ‬اللهم إن الحكاية المعلنة تخفي‮ ‬حكاية‮ ‬غير معلنة كما‮ ‬يود ماركيز تسمية روايته،‮ ‬فعادة الناس‮ ‬يرون حكايات أمامهم ولكنهم لا‮ ‬يرونها بكل حرية،‮ ‬وهذا ما اعتادوا عليه في‮ ‬المرحلة السابقة،‮ ‬بحيث أصبحت أبواب الناس وحياتها أكثر عرضة للطرق الفاسد،‮ ‬الذي‮ ‬يحمل لك ولعائلتك روائح الفساد قبل الشروع في‮ ‬ممارستها بخفاء أو على اقل تقدير ليس بهذه الحماقة‮. ‬شيء ما‮ ‬يثير التساؤل إزاء وزارة معرضة إلى الهجوم في‮ ‬هذه المرحلة فهل‮ ‬ينوون إدخالنا في‮ ‬دهاليز الجوانب الهامشية قبل أن‮ ‬يبدأ مجلس النواب دورته الثالثة؟ ويأتي‮ ‬غرابة الموضوع وطريقته المسرحية في‮ ‬زمن متقارب مع خطاب جلالة الملك،‮ ‬الذي‮ ‬تمحور صلب نصه الأساسي‮ ‬في‮ ‬تحسين ورفاهية وتنمية حياة المواطن باعتباره هو المركز الأساسي‮ ‬لتلك الدائرة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية‮. ‬ما فعله مندوب شركة النظافة مطرقة كبيرة فوق الرأس أكثر من كونها طرقا على الباب لرجل حمل معه،‮ ‬كيسا من الذهب والفضة،‮ ‬ولم‮ ‬يجهد نفسه بالبحث عن وسائل أكثر تقليدية في‮ ‬عالم الرشوة‮. ‬
وكان على شركة النظافة تلك أن تدرس الخبرة البحرينية والعالمية في‮ ‬مجال الفساد،‮ ‬ثم تضع خطتها للوصول للوزير الجديد،‮ ‬لكي‮ ‬تنفذ من بنيانه ونقاطه الضعيفة إن‮ – ‬وجدت‮ – ‬ما‮ ‬يثير استغرابي‮ ‬هو تلك الحكاية الجديدة في‮ ‬إفشاء لعبة الرشوة بهذه السهولة وتخطيها أسوار التكتم المعهودة،‮ ‬بل ووضع كل الإمكانيات لنكرانها،‮ ‬فهناك قصص ستطرأ علينا بعد مدة،‮ ‬إذ سيقال لنا إن الخادمة لم تحسن معرفته بدقة،‮ ‬وان الابن كان صغيرا والاضاءة ليست كافية،‮ ‬وان البطاقة الشخصية مسروقة ولأشخاص آخرين،‮ ‬ومن قدموا الرشوة‮ ‬يريدون،‮ ‬إما امتحان الوزير في‮ ‬نزاهته أو توريطه في‮ ‬لعبة قبول الرشوة بهذه الطريقة،‮ ‬وإذا ما بلع الطعم فان الأمور الأخرى تكشف عن طريق سهل لعالم النظافة الخفية‮!‬
‮ ‬كان هذا البالون مجرد اختبار لنزاهة الوزير أو محاولة إبراز مرحلة جديدة من الوزراء الجدد،‮ ‬بعد أن أغرقتنا الاستجوابات السابقة في‮ ‬نزاهة هذه الشخصية أو تلك‮. ‬وإذا ما اختلت الأشياء المغطاة بسرية اللعبة،‮ ‬فان الحكاية الغريبة ستقودنا إلى دهاليز اللعبة المنتظرة‮! ‬والمساءلات الساذجة‮! ‬السؤال الأهم في‮ ‬هذا الخبر العجائبي‮ ‬الم‮ ‬يجد من وضعوا تلك الخطة وسيلة أذكى من ذلك؟ ربما أكون شخصيا ضحية وطعما للعبة لكي‮ ‬يتم زج الإعلام والكتابات حول ظاهرة الفساد ونزاهة المسؤولين،‮ ‬أو على الأقل الدفع في‮ ‬اتجاه التركيز على هذه المسألة ولو لوقت الانشغال بأمور‮ ‬ينبغي‮ ‬التركيز عليها في‮ ‬الأشهر القليلة القادمة؟
‮ ‬ما تعلمنا هذه الحكاية من درس هو أن من‮ ‬ينشرون الفساد هم من‮ ‬ينادون بالنظافة،‮ ‬ولن تكون شركة النظافة تلك ابعد عن فساد من لا‮ ‬يملكون فقط شركات‮ ‬غير نظيفة،‮ ‬فكل الذين‮ ‬يمارسون الرشوة هم بالضرورة‮ ‬يحتاجون إلى تنظيف في‮ ‬مؤسسات كثيرة،‮ ‬انطلاقا من مبادئ الميثاق الوطني‮ ‬والدستور،‮ ‬فتطهير البيت وتنظيفه‮ ‬يبدأ من الداخل‮!.
 
صحيفة الايام
2 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد