المنشور

اتفق مع المعاودة.. ولكن


أتفق مع القيادي السلفي النائب الشيخ عادل المعاودة، في توقعاته أن البرلمان المقبل سيكون بذات التركيبة السياسية والمذهبية التي جاء بها برلمان 2006.

ولكني أقول ان الأمر قد لا يطول، ربما يكون فصلان تشريعيان مقبلان لن يخترق فيهما البرلمان، مادامت (جواني العيش) تصل الى بيوت الناخبين مع قرب كل انتخابات، ومادامت المكيفات توزع على الأقرب فالأقرب، فإن البرلمان سيكون بعيد المنال عن التيارات المذهبية، والتي هي في الغالب لا تملك إلا ما تستطيع به فتح مقر لها، من خلال ما تمنحه وزارة العدل، والذي قد يتوقف عنها لأنها لن تستطيع ان توصل مرشحين لها في البرلمان، وبالتالي فإنها تعتمد على ما تجود به أيادي أعضائها، من مساهمات مادية حتى تسير أمورها.

الكويت نتيجتها كانت مفاجئة للسلف والإخوان المسلمين بعد انتخابات عديدة شهدها الكويتيون، حتى توصل القريب من هذين التيارين الى أنهما نواب تأزيم ليس إلا، ونواب الفصل بين الجنسين، ونوابا للاعتراض على هيفاء وهبي ونانسي عجرم.

تجربة البحرين ما زالت وليدة، وسيبقى هذان التياران أملا وهميا للناخبين بأنهم من سينتشلهم من كبوات الزمن، إلا انه كلما انتهى فصل تشريعي اتضح لهم ان الأمل يبتعد شيئا فشيئا، وبالتالي لا مجال ولا خيار آخر لتيارات أخرى، وان فشلت هذه التيارات، فإن شعار «البرلمان هو الحل» سيتغيــر.
 
الأيام 14 يوليو 2009

اقرأ المزيد

الواقع الاجتماعي وتجارب الأوطان


حين تحدث كراهية من قبل المواطنين المفترضين لبلدهم يكون ثمة انشراخ عميق.

حين تتمتع جماعة أو جهة وتبقى الأكثرية في عالم الفقر والصمت.

تتحمل الشعوبُ الفقرَ طويلاً لكنها لا تتحمل المهانة والدونية.

حين يحصل الأجانب والضيوف والعابرون والمحتفى بهم والقادمون على كل مكانة لا تؤهلها لهم صفاتهم.

ليس الجوع والفقر والنقود ما يحرك الناس بل الكرامة.

حين يرى المواطن جهة ما في البلد تتمتع طارئة أو غريبة تنشرخ الجروح.

حين يرى الشمالي يكوّن الوحدة بالمدافع ثم يحتكر الموارد. كانت الوحدة عملا تطوعيا بمبادرة الشعب لكن القوى الاستغلالية في الشمال اعتبرتها غنيمة حرب.

الفلوس العابرة والإغراءات وحين تصير البلدان قاعات ترانزيت.

حين تصير الأوطان مجرد علم وعملة ورقية ونشيد وطني غير محفوظ ويبدو غريباً وهو يغنى في التلفزيون.

عندما تقوم جهة ما بتحديد المواطن على كيفها، ويبقى “المواطن” محل استصغار دائم.

الشعوب لا تتحرك لأنه ينقصها الخبز والبسكويت بل لأنها مهانة في عقر دارها.

حين لا تدري الحكومة المركزية أنها مركزية بل انها كلية.

صوروا دائماً الناس العاديين على أنهم غوغاء، والغريب أن تقوم الغوغاء بالدفاع عن القيم والكرامة الوطنية في وقت يتحول مثقفون فيه إلى بشر بلا كرامة.

أي حرقةٍ حين نرى الجمهورَ الذي يركبُ الباصات يقوم بحرقها وهي التي توصلهُ إلى أحيائه البعيدة ومدنه وقراه؟

أي حرقة حين نرى الصينيين يخربون ما بنوه قبل بضعة أشهر؟

حين يشعلُ الناسُ النارَ في مصابيحهم التي تعطيهم النور والمستشفيات التي تعالجهم يكون اليأس قد وصل إلى العمق. إنهم لا يحرقون الباصات بل يحرقون قلوب الناس وذاكرتهم الوطنية وأحلامهم.

كيف تنشأ الغوغاء؟

حين تموت العقولُ شيئاً فشيئاً، حين يُوضعُ بدلَ الضمائر قطعٌ معدنية وحصالات. حين يظهر سياسيون من كل الألوان يستغلونها. حين تتداخل الكلمات بين الجريمة والنضال، بين المصيبة والحقيقة.

حين يتحول الجمهورُ الإنساني الطيب إلى غير مبال بأولاد الحي، وبالجسور، وبطرق بلده، وأزقته، حين يتحول كل شيء إلى “أعمال”، حين يتحول المحامي إلى لص، والشاعر إلى تاجر.

هل رأيت أحداً يتغنى بالوطن من دون أن ينتظر مكسبا ماديا؟

ربما أعظم الأعمال خطراً وأسوأ الصفات حين يكره الإنسانُ وطنـَه.

رغم التربية الطويلة والأناشيد في المدارس والخطب والدعاية في الجرائد لم يحبْ هذا الإنسانُ بلادَه.

يركب الباص فيمزق جلده، يذهب للمدرسة مشاغباً، يعمل في المكتب والمصنع و”يزوغ” ويسرق وينام.

يولد في “مجتمع” يكرسُ حقدَهُ ولا مبالاته وجهله ثم يطلقه سياسيا كارها للوطن الذي لم يعد وطناً بل صار ساحة شغب وانتقام.

تشكل الإرهابي أو المنفصل أو الكاره للوطن في عالم من الكراهية والأحقاد، في غابة معتمة، في أفكار تحل الدم والحرق والنسف.

في عالم من اللامبالاة بالإنسان، بالفرد، بهذا الكائن العشوائي الذي يتوالد.

لماذا لم يستطع “المجتمع” أن يكسب هذا الصبي مشعل النار في الباص لصف الوطن؟

الأستاذ غير معني بالوطن، ربما لأنه قادم من الخارج، ربما لأنه خارجي في الداخل، ربما لأنه غريب في الوطن، ربما لأنه ينتظر الراتب فقط آخر الشهر.

الأم لا تدري ما هو الوطن، وطنها هو الأسعار التي تتصاعد كل يوم، وسجن المطبخ، ومجلات الموضة، وفضائيات التفاهة ومسلسلات الإسفاف، وطنها هو البيت وخارجه معاد للوطن.

الأم تحمل وتلد ثم تسلم الأبناء للشارع يتصرف فيهم كيفما تشاء لحظته السياسية العمياء.

كم من الجرائد اسمها الوطن، وقد امتاز العرب باستخدام هذه الكلمة لحد التخمة لكن هل يوجد الوطن داخلها؟

أين ذهبت الأغاني والأناشيد التي تتغنى بالوطن وترددت كل يوم على مسامع الطفل حتى تحول في النهاية إلى قناص وحارق للبنايات ومشعل للنيران في قطاره؟

“وطني وصباي وأحلامي”، “وطني لو شغلتُ بالخلدِ عنه .. نازعتني إليه في الخلدِ نفسي”، “لبيك يا علمَ العروبة كلنا نفدي الحمى، لبيكَ واجعلْ من جماجمِنا لعزك سلما)، لكن الصبي يصطدمُ بغياب الوطن في المدرسة والشارع ومهما يكتب لكي يحصل على عمل فهو على قائمة الانتظار، لينضم إلى طوابير التعساء، والإداري لديه وطن الصفقات والعمولات والخطط غير المنطبقة على الواقع الخارجي، الذي لا يراه، والتاجر وطنه الرصيد، أما جذور هذا الرصيد والأشجار التي تبكي دماً، والحارات التي تموت واقفة، فهذا ليس من شأنه.

والغريب أن هناك بلداناً شديدة الفقر كثيرة الصراعات لكن حب الوطن تجده في الحارة والقصر، في مقهى المثقفين، وكتابات الأدباء، وفوضى الشعراء، ومواويل الفلاح، حتى في الغربة حين يهاجر الآلاف طلباً للرزق، لكنهم يحملون حب الوطن في أعماقهم، وكلما تذكروه بكوا.

لعل هذه من خصائص الفلاحين.
وفي أوطان أخرى حتى لو صارت أغنية فإن كراهية الوطن منتشرة، المثقف لا يعرفُ شيئاً اسمه البلد، والسياسي يصرخ فيذهب للجحيم هذا البلد، وتغدو الهجرة مطلباً غالياً، والبحث عن مكان آخر منقذ من الوطن حلماً غالياً.

ولعل هذه من خصائص البدو الذين يغدو الوطن بالنسبة إليهم خيمة ومرعى وخزانة محمولة على ظهورهم.
كان الوطن قيمة مقدسة في الطفولة وزمن الرومانسية وفي التربية العسكرية الموحدة والمدارس الفقيرة حيث يرتفع علم العروبة الغنائي، ثم صار مصيدة ولعنة وغيابا.

ماذا يمكن أن يقول المهاجرون العراقيون وهم بالملايين عن بلاد الرافدين بلد الغازات السامة فيما بعد؟

ماذا يقول الإيرانيون وغيرهم وغيرهم؟

والسؤال الأهم: من عليه الدور لينسف وطنه؟



أخبار الخليج 14 يوليو 2009

اقرأ المزيد

هواء صحي


في الغرف عبارة بليغة وردت في أحد مؤلفات الدكتور جورج طرابيشي تقول التالي: “التسامح هو أوكسجين الفلسفة بقدر ما ان التعصب هو ثاني أكسيد فحمها” (أو كربونها) – قبل التعريب.

وطرابيشي بدأ حياته الفكرية والأدبية مترجما من الفرنسية إلى العربية، واليه يعود فضل كبير في ترجمة الكثير من الأعمال الفكرية والفلسفية التي أحدثت في حينه ضجة واسعة في العالم العربي، وما يقال عن أعمال الفكر والفلسفة يقال أيضا عن ترجماته لروائع الأدب العالمي من الفرنسية. وليست مبالغة لو قلنا إن كثيرا من المثقفين العرب تعرفوا على الكثير من النتاجات بفضل ترجمات طرابيشي نفسه بين الستينات والسبعينات قبل أن تعصف الحرب الأهلية في لبنان يوم كانت بيروت مطبعة العرب جميعا، منها تأتي الأفكار والصرعات والمدارس الأدبية والفلسفية فتغطي بعد ذلك مساحة عربية كبيرة.

لكن جورج طرابيشي المترجم الذي لايزال يترجم ويقدم عروضا منتظمة للكتب الجديدة الصادرة بالـلـغـة الفرنسـيـة، والذي اشتغل بالنقد الأدبي، وكان واحدا من أوائـل الـذيـن أدخلوا التحليل النفسي إلى الممارسة النقـديــة العربية، وعبرها قدم قراءات جـديرة بالمتـابـعــة حول نصوص إبداعية عربية مهمة، انصرف بعد ذلـك إلى ما يشبه المشروع الفكري الخاص به، وكان لسجاله النقدي مع محمد عابد الجابري أبلغ الأثر في بلورة هذا المشروع.

العبارة التي صاغها جورج طرابيشي كأجمل ما يكون حين عدّ التسامح أوكسجين الفلسفة، ورأى في التعصب هواء فاسداً، كثاني أكسيد الكربون، وهي عبارة تستوقف قارئها لأنها تشكل مفتاحا معرفيا يُعين على معرفة شروط تطور الفلسفة في كل الأزمان والأماكن، فالفلسفة أم العلوم، بدءا من معناها في اشتقاقها الأصلي في الإغريقية القديمة والذي يعني حب الحكمة.

والعبارة تستوقفنا أكثر بإطلالتها الرحبة على مفهوم التسامح كقيمة، بحيث يبدو أوكسجين الحياة كلها، لا الفلسفة وحدها، وهذه القيمة حين تغلب تثري الحياة وتضخ في عروقها الدماء وتشرع النوافذ الجالبة للهواء الصحي لكل الغرف، ابتداء من غرف الدراسة في المدارس والجامعات وانتهاء بالغرف التي يتخـذ فيها أكبر مسؤول قـرارته المصـيريـة تجـاه الوطن والمستقبل، أما حين تغيب هذه القيمة ويعلو التعصب فان الدماء تتخثر ويسود الجو هواء خانق يكتم الأنفاس، كذاك الذي ألفته فضـاءاتنـا العـربيــة، فلـم نعد نرى شكلاً للأفق.

اقرأ المزيد

العلاقات الدولية.. والحريات الصحفية


لعل من نافلة القول ان من ابرز مظاهر الدول الديمقراطية العريقة التي قطعت شوطا طويلا في بناء مؤسساتها الدستورية وفي الممارسة الديمقراطية هو الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية فصلا حقيقيا يكفل استقلالية كل سلطة على حدة عن الأخرى ويمنع تدخل اي منها في شئون الأخرى او الضغط عليها او التدخل في شئونها واختصاصاتها.
ومن ابرز مظاهر ترسخ وعراقة الممارسة الديمقراطية في الدول الديمقراطية صون وحماية الحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير وحرية الصحافة.
ونظرا للدور الكبير الفائق الأهمية الذي تلعبه الصحافة في الرقابة والنقد وكشف بواطن الخلل والفساد في الدولة والمجتمع على السواء من خلال ما تتمتع به من حصانة وحماية كمنابر عامة لممارسة حق حرية التعبير عن القضايا العامة أطلق عليها البعض مجازا “السلطة الرابعة”، فيما أطلق عليها اشقاؤنا المصريون في الوسط الصحفي تعبير “صاحبة الجلالة” كنوع من التوقير لمكانتها المقدسة التي ينبغي ان تحفظ وتصان من قبل الجميع مجتمعا وحكومة ومؤسسات مجتمع مدني.
لكن هذا الوضع الذي تتمتع وتتبوأ به الصحافة الغربية الديمقراطية لا وجود له في عالمنا العربي وان بدرجات متفاوتة فيما بينها، فلطالما تمت ممارسة اشد الرقابات تعسفا على حرية التعبير في هذه الصحافة، ولطالما تعرضت للمصادرة او إلغاء الترخيص والإغلاق، ولطالما تعرض رؤساء تحريرها ومحرروها وكتابها للتوبيخ او الجر الى المحاكم والعقوبات التي اقلها الغرامات وأكثرها السجن.
لكن تخطئ الدول التي تواجه صحافتها مثل تلك الممارسات، ان هي اعتقدت ان الأمر يلحق ضررا بصحافتها فقط، بل يلحق الضرر آنيا او على المدى البعيد بالدول نفسها وذلك ليس من حيث تعرض سمعتها الدولية للاهتزاز والتنديد فحسب، لا بل لما يمثله هذا النهج من اشكالية وتأثير في امنها القومي، ناهيك عن تشويش مواقفها وسياساتها الخارجية الواضحة المستقرة والمحددة، فالدول التي تعطي انطباعا خارجيا للعالم بأن صحافتها غير مستقلة وتحت سيطرتها او موجهة من قبلها فان عليها الاستعداد لتقبل اي مواقف احتجاجية لا حصر لها من قبل دول عديدة هي اما صديقة لها وتربطها بها علاقات حميمة، واما ذات وزن ونفوذ كبيرين في الاقليم الجغرافي الواحد الذي تتشارك معها فيه فتؤخذ تلك الآراء الصحفية بأنها تمثل الموقف الرسمي للحكومة حتى لو كان الامر على خلاف الواقع، فتضطر هذه بدورها الى ممارسة ضغوطها المعتادة على الصحيفة المعنية، أو “تأديبها” بالتوقيف.
على العكس من ذلك فإن الدول الديمقراطية المعروفة بعراقة حرياتها الصحفية فإن صحافتها تمارس حريتها باستقلالية كاملة مصون وبمعزل تام عن ضغوط او تدخل اي سلطة من السلطات الثلاث ولاسيما التنفيذية، سواء فيما يتعلق بآراء ومواقف صحفها تجاه القضايا الداخلية ام تجاه القضايا الخارجية.
واستنادا إلى هذه الاستقلالية الكاملة المترسخة فإن اي دولة لا تستطيع اعتبار اي موقف او اي رأي لأي صحيفة في دولة من الدول التي تتمتع صحفها بالحرية الصحفية أنه موقف او رأي الدولة ذاتها، كما لا تستطيع اي دولة في العالم اجبار تلك الدولة على تأديب الصحيفة التي ابدت مواقف او آراء اثارت حنق وغضب تلك الدولة المحتجة. وكم عانت حكومات دول عربية عديدة ومن العالم الثالث حملات اعلامية وصحفية غربية على سياساتها الداخلية رأتها مغرضة ومتجنية وابدت شكواها لحكومات تلك الدول الغربية لوضع حد لتلك الحملات او المواقف او الآراء تجاه احداث داخلية عاصفة او قضايا داخلية حساسة لكن مساعيها المحمومة باءت بالفشل الذريع لأنها لم تدرك ان الصحافة في تلك الدول الديمقراطية تتمتع بحرية واستقلالية تامتين، وان حكوماتها ما ان تحاول او تفكر في ممارسة اي ضغط من نوعه او حتى “نصيحة” او “عتب” على اي صحيفة من صحفها تجاه موقف ما فانها تبدأ بحفر نهايتها وتقع في فضيحة مدوية.
ولعلنا نتذكر جيدا في هذا الصدد كم عانت حكومة البحرين مواقف وآراء الصحف الغربية وعلى الأخص البريطانية ووسائل الاعلام البريطانية عموما فيما اعتبرته الاولى تشويها لحقائق احداث تسعينيات القرن الماضي، ولم تجد كل مساعيها لدى الحكومة البريطانية نفعا لوضع حد لكل تلك المواقف والآراء سواء الدقيقة منها ام غير الدقيقة والمضخمة.
على النقيض من ذلك فان الشكاوى المتبادلة بين الدول العربية والعالمثالثية التي تربطها علاقات حميمة وتتماثل او تتشابه في الهامش الضيق لحريات صحفها وغياب الفصل الكامل بين السلطات عادة ما تتكلل مساعيها بتطييب الخواطر وتأديب الصحيفة التي أساءت “أدبها” للدولة الصديقة او الدولة الكبرى ذات النفوذ الإقليمي المتسلط داخل المنطقة الواحدة.
وصفوة القول ان وضعا كهذا لا يربك ثوابت السياسة الخارجية للدولة العربية او العالمثالثية المعنية فحسب، بسبب تصويرها صحافتها، بقصد او من دون قصد، بأنها تحت سيطرة حكومتها وناطقة باسمها، بل يعرض سمعتها الاصلاحية الديمقراطية امام المجتمع الدولي للاهتزاز او التشويه، ناهيك عن تنديدات واحتجاجات المنظمات الصحفية والحقوقية الدولية في حالة توقيف اي صحيفة.
وليس من حل جذري لهذه الاشكالية المربكة للدولة التي لا ذنب لها فيها، سوى تكريس حرية الصحافة واستقلاليتها بما يعزز مصداقيتها امام المجتمع الدولي في هذا التكريس ويفرض احترام كل دول العالم لسلطة صحافتها المستقلة عن سلطة الدولة ومواقفها، كما هو الحال في الدول الديمقراطية الغربية.
أخبار الخليج 14 يوليو 2009

اقرأ المزيد

رحيل «جاكو ملك البوب»


رحل في النهاية الفنان الكبير ومغني البوب الشهير مايكل جاكسون، والذي عندما يتحرك لكل حفلة غنائية يحتاج إلى رجال يحرسونه “البودي غارد” وكأنه رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما يهبط من سيارته الليموزين السوداء بنظارته “الرايبون” وحذائه بكعبه الطويل المميز الشبيه براعي بقر من كاليفورنيا التي أحبها وعاش في كنفها في بيته وفردوسه الكبير، ذلك القصر الفخم والذي يحلم أن يعيش داخله كل فنان يحب حياة البذخ والترفيه، غير ان “جاكو” وهو الاسم الذي كان يناديه به أصدقاؤه ومقربوه في مقتبل العمر، لم يكن يحب أن يحاط إلا بالأطفال والصبية، وهذا السلوك الغريب أثار حفيظة رجال الإعلام وعدساتهم، فظلوا يلاحقونه ويتصيدونه، بل وأضافوا حوله حكايات غرائبية أثارت اللغط في المجتمع الكاليفورني، والأكثر من ذلك كان خلف تضخيم تلك التهم خصومه الفنانون وحاسدوه على شهرته، فلم يتوقفوا عن حياكة كل خيوط تعشقها كاليفورنيا والمجتمع الفني، فلا يوجد أعذب وأجمل خصبا من مخيلة تلك القصص الفنية، والتي تعشقها المراهقات والنساء. بين “أطفاله وقردته!!” المحبب عاش في ذلك القصر العامر وتنقل بين بلدان قليلة، حظيت به البحرين مقاما ومكانة، غير ان مايكل جاكسون عملاق فن البوب في الثمانينات لاحقته أصوات الجماعات الأصولية في البحرين وكادوا أن يثيروا حوله غبارا في المجلس النيابي، مما جعله ظاهرة سياسية أيضا، أكثر من كونه ظاهرة فنية ستبقى مثل عملاق الروك آند رول الفس بريسلي، فلكل واحد منهما طريقته، ولكنهما استطاعا ان يبنيا لهما فنا متميزا وطريقة خاصة. جاكسون الذي أينما ذهب لاحقته تلك العدسات وتساءلت حول عمليات المكياج والألوان التي صبغ بها وجهه لكي يبدو ابيضا. ذلك الصبي الفقير الذي خرج من قاع انديانا وبيئته البائسة في بيت ضج بالأطفال العشرة، فجاءت شهرته الأولى من عمق تلك العائلة الفنية، والتي أسست أول فرقة لها من خمسة أخوة أطلقوا حينها على فرقتهم اسم “جاكسون5” ومن تلك البذرة الأولى سيشق جاكسون طريقه للنجومية. ربما لن يفهم الكبار سر جاذبية جاكسون لدى الشباب في العالم، ولا سر قدرته السحرية وهو على خشبة المسرح وهو يركض كلاعب سيرك ماهر وبمرونة عالية لا يمكن لأي فنان تطويع جسمه لها بكل سهولة. هذا الفنان الإشكالي حاول أن يضيف حول نفسه القصص باصطناع الحركات البهلوانية ليس على خشبة المسرح وإنما على خشبة الحياة، إذ لا يمكن لأي فنان أن يبقى ساحرا لجمهور شاب وغفير إلا بتلك الاثارات، في وسط شاب يحيا على روحها وأساليبها. بتلك القصص الغامضة والمثيرة “لملك البوب” تقلدوه ونهجوا نهجه في الرقص والغناء، فعاش عمرا فنيا خالدا في مجتمع عرف كيف يجيد فن التسويق والمبيعات، لهذا كان من الطبيعي أن تبلغ مبيعاته فوق العشرين مليون دولار في السوق الداخلية يوازيها مبلغ مماثل في مبيعات الخارج. فهل مثل هؤلاء المترعين بالثروة والنجومية كانوا دائما يعيشون سعادة مطلقة، أم أنهم في داخلهم كانوا يعيشون حياة بائسة فقدت معنى السعادة. ستخرج الجنازة الكبيرة مثل كل عظماء العصر، وستذرف النساء والصغيرات الدموع على جنازته، وتصاب الكثيرات بنوبات عصبية من شدة الصراخ والحسرة. فهل هي حالة عادية أم أنها حقا تستحق هذا الوداع؟ ولماذا لا نقبل بحقيقة واقع يعبر عن شريحة مجتمعية لها قيمتها السياسية أيام الانتخابات والتصويت؟ أليست الفئة الشابة شريحة مجتمعية استهلاكية هامة يضعها في الاعتبار تجار التسويق فيصمموا لهم كل متطلباتهم فيما نحن المتزمتين سياسيا ومجتمعيا لا نرى في الأمور إلا وجهة نظرنا، ولكننا عند لحظة التسويق التجاري والسياسي أيام الانتخابات نركض ناشدين الشباب طاقتهم ومساعدتهم في إبراز طاقتهم وحيويتهم في المواجهات والمعارضة الساخنة. لهذا يستحق مايكل جاكسون هذا الاهتمام الأسطوري بجنازته مثلما اهتم العالم بحياته الفنية للعظماء والفنانين الكبار جنازات كبيرة، ولمايكل واحدة منها، وسنراه مسجيا فوق خشبة الموت، كما كان فرحا فوق خشبة المسرح، فيشعرنا الموت بعظمته وجبروته، ويجعل منا كائنات هشة ذاوية ومنسية بعد أيام، إلا ذاكرة الألبوم والعدسات والتاريخ المزدحم بالحكايات، نصفها حقيقة والنصف الأخر مشوه وحكايات مزيفة ودسائس تحسنها الأقلام المقيتة في الصحافة والإعلام. بين رجالات الإعلام والسياسة كان مايكل جاكسون حاضرا ولكن في إطارات وأوعية أخرى، فهو كثيرا ما ساهم في دعم شؤون الفقراء ومرضى العالم بطرق فضّل عدم الإعلان عنها، ولكن عدسات التصوير لا ترحم أحدا.
 
الأيام 14 يوليو 2009
 

اقرأ المزيد

موسيقى كلاسيكية



الموسيقا الكلاسيكية : عمليا يمكن أن نميز معنيين لمصطح الكلاسيكية ( كلمة لاتينية تعني النموذجي،و النمط الذي يحتذى به ).
1.      هي الموسيقا النموذجية لأي ثقافة و لأي شعب .فمن خلال الزمن و القناعة العامة تصنف الشعوب أعمالها الفنية على أنها كلاسيكية عندما يكون جمالها و روعتها يصلح لكل الأزمنة . بالتالي الموسيقا الكلاسيكية اللأوربية ( التي على سبيل المثال يمكن أن تصف مؤلفات موتسرت 1756-1791و باخ 1685-1750 و شوستاكوفيتش 1906-1975 ….إلخ ) مختلفة عن الموسيقا الكلاسيكية العربية (التي على سبيل المثال يمكن أن تصوف لأغنية الأطلال لأم كلثوم) .
2.      :هي نمط من الموسيقا و اسلوب التأليف انتشر في أوروبا ما بين القرنين 17و 19.
المصطلح يحمل إشكالية في معناه . فما الذي تعنيه بالضبط كلمة موسيقا كلاسيكية؟ هل هو اسلويب في كتابة الموسيقا و القوالب؟ أم هو يشير إلى فترة معينة من الزمن ؟أم القطع الموسيقية التي هي تشكل نموذجا يجب الإحتذاء به ؟ في النهاية مصطلح الكلاسيكية في الموسيقا الأوربية جائت من فن الرسم الكلاسيكي الذي كان سائدا في تلك الفترة. لنفهم هذه الكلمة بشكل أوضح يجب أن نفهم ما تعنيه كلمة الرومنسية التي تعارض و تقابل الكلاسيكية . حيث إن المصطلحَين هما من اليونان القديمة و كانا يدلان على تناوب نوعان من أساليب الفن كما وصلنا من كتابات الفلاسفة و المؤلفين اليونان . حيث أن الكلاسيكية كانت مرتبطة بعبادة الإله أبولو إله الشمس و الحقيقة ، بينما الرومنسية جائت من عبدة الإله ديونيسوس ، التي جائت تاريخيا في فترة لاحقة . المقصود من هذا أن اليونانين قالوا بتناوب أساليب الموسيقا و الفن ما بين العقلاني و العاطفي . من الواضح أن الكلاسيكية تجسد الفن العقلاني و كانت آلتها المميزة هي ما يشبه القيثارة بينما الرومنسية هي موسيقا و فن العاطفة و إلتها المميزة هي المزمار . بالتالي على مر الزمن كان هناك كثير من الفترات الكلاسيكية تناوبت مع الرومنسية ولكن و بسبب الجدل الذي انتشر في فرنسا و بسبب مقالات الكاتبة السويسرية الفرنسية Mme de Staël التي كانت تعرف التغير الذي صار في الموسيقا الرومنسية في الأعوام 1813 و ما بعدها صارا هذين المصطلحين يدلان على موسيقا تلك الفترة من تاريخ أوروبا . لتصبح الموسيقا الكلاسيكية تعني الموسيقا التي سادت ما بين القرن 17 وبداية 19 ، و نشأت بتأثير الفلسفة العقلانية الديكارتية وغيرها ، وكذلك من استطيقيا عصر النهضة,التي رأت في الفن الإغريقي القديم ذروة من ذرى البشرية التي يجب أن نسموا باتجاهها . جوهر الفكر الكلاسيكي يكمن في القناعة العميقة في أن الحياة منطقية ومنسجمة مع الطبيعة,و التأكيد على (النظام) الأوحد الذي يدير العالم . من هنا يمكننا أن نفهم المتطلبات التي أرادها الفانون من الفن نفسه ، على أنه أحد أكبر نتاج للذكاء البشري ، الذي في جوهره _الذكاء طبعا _ يوجد أساس الهارمني الداخلي و النظام و العمومية في التعبير . من الناحية المنهجية تقسم الفترة الكلاسيكية إلى قسمين ، القرن 17 تأسيسها و تعارضها مع الباروك, و مرحلة الإزدهار في القرن 18 وعلاقتها مع الثورة الفرنسية وتأثيرها على باقي أوروبا . الكلاسيكية نشأت في فرنسا التي كانت تخضع لحكم ملكي مطلق ، هي التي أعطت الكلاسيكية قواعدها و قوانينها ، بداية في الأدب و المسرح ( لافونتين ، بوالو ، كورني ، راسين… ) ومن ثم في الموسيقا . المؤسس لكلاسيكية في المسرح الموسيقي ( الأوبرا ) كان لوللي ، الذي أحدث النمط المسمى (التراجيديا الغنائية ) (Lyric Tragidy) القريبة من التراجيديا الفرنسية المسرحية . من مميزات أوبرات لوللي المواضيع الأسطورية, البطولة العالية ،الأسلوب الرفيع في بناء الأوبرا ،الوضوح المنطقي ،الإلتزام بقواعد صارمة ،التوجه للريتشيتاتيف الدرامي المرن ، والتطور الموسيقي . رغم أننا نجد اثار الباروك واضحة لدى أوبراته من خلال الزخرفة الكبيرة . الكلاسيكية في القرن 18 مرتبطة بالتيار التنويري الذي إنطلق من فرنسا و موسوعيتها ( روسو ، ديدرو …) وفلاسفة من أمثال (ليسينغ, هيردر ) . من أهم ما يميز الفكر الكلاسيكي صار تقليد الطبيعة ،العفوية والفطرة والبساطة صارت أكثر طلبا وإلحاحا . الكلاسيكية صارت أكثر قربا إلى الواقعية . في فرنسا الصراع كان على الأوبرا ، ولكن فقط ( غلوك ) الألماني استطاع أن يجدد الأوبرا و يعلن ( اصلاح الأوبرا سيريا -الأوبرا الجديّة- ) مصدرا مؤلفات تتميز بالبساطة والوضوح والرقي الموسيقي. في ذلك الوقت استمرت الكلاسيكية بالتطور بين أساليب أخرى محيطة بها, كالباروك والغالانت …كل هذا حضر إلى ذروة جديدة في التطور الموسيقي ، مدرسة فينا ( أعمال هايدن موتسرت بيتهوفن ) التي امتصت كل التأثيرات الفنية التي كانت تسود أوروبا ،وتقاطعت مع مدرسة فايمار الكلاسيكية الأدبية مجسدة بكل من غوته و شيللر. لمدسة فينا تدين كثير من الأنماط الموسيقية بالظهور و التطور كالسيمفوني و السوناتا و الرباعي . نظرة الكلاسيكية للعالم تتسم بالعقلانية والعدالة ،و التفاؤل بالمستقبل, كل هذا نراه في أعمال موتسرت وهايدن حيث الهارمني الواضح يعكس نظرتهم للحياة ( واضحة ، عمومية ، خالية من الشخصية و ردود الفعل ). علاقة التيما بالقالب كانت متوحدة . فاللحن أبدا لم يكن مستقلا أو حياديا ، على العكس كان يتميز بالنفور والوضوح الشكلي, ولذلك يؤثر فورا في المستمع و يحفظ بسرعة . مع ذلك فالألحان كانت دائما عمومية ، تصف وتعبر عن الأحداث و المواقف العامة لكل إنسان ، ولا تتوقف عند خصوصياته أو حالاته النادرة ، على العكس هي تحاكي المشاعر المشتركة لجميع أفراد الناس . ولهذا سبب نجد أن موسيقا كلاسيكيي فينا تتمتع بشعبية عالمية كبيرة.

المصادر: تاريخ الموسيقا الغربية (Б.Левик)الطبعة الثانية 1980 موسكو. تاريخ الموسيقا الأوربيةФ.Конан)) الطبعة الثالثة 1976 موسكو. الثقافة الموسيقية للدول الغربية (В.Галацкая)الطبعة الثالثة 1983 موسكو. تاريخ الموسيقا (Th. Finney) نيويورك 1962. قاموس موسوعة الموسيقا Г.В.Келдыш . الموسوعة Кругосвет . الموسوعة البريطانية . الموسوعة السوفيتية . —-Maxxx– 17:13، 11 ديسمبر 2007 (UTC)

اقرأ المزيد

المستقبل للقوى الليبرالية


لا يحتاج المرء إلى بصيرة خارقة كي يقدم قراءة قريبة للصحة فيما يتعلق بالتحدي الانتخابي الذي ستواجهه جمعية الوفاق الإسلامية في الانتخابات النيابية العام القادم، كما قدمه لنا النائب السلفي الشيخ عادل المعاودة، فالوفاق تخوض معركتها الانتخابية في دوائر جل سكانها من الطائفة الشيعية التي تمثل الوفاق “حزبها” السياسي الرئيسي ناهيك عن أن هذه الجمعية مدعومة بشكل صريح وقوي من علماء الدين الشيعة الذين لهم تأثير كبير في الغالبية العظمى من الشارع الشيعي، أما بالنسبة إلى عدم إمكانية فوز أي من العلمانيين في الانتخابات القادمة، كما توقع النائب المعاودة، فتلك مسألة أخرى 
 
وهي خاضعة للكيفية التي ستدار بها الأصوات الانتخابية، وبغض النظر عما إذا تمكن التيار العلماني من إيصال نواب عنه إلى البرلمان أو لم يتمكن فإنه سيبقى التيار الأقدر على تمثيل أطياف المجتمع البحريني كافة.

صحيح أن تجربة فشل التيار الإسلامي في الانتخابات الكويتية الأخيرة قد لا تتكرر لشقيقه في البحرين وقد لا تفوز امرأة بحرينية في الانتخابات القادمة وبالعدد الذي حققته المرأة الكويتية حين استطاعت كسر حاجز التشويه الذي مارسه تيار الإسلام السياسي في الكويت ضد المرأة الكويتية، إلا أن ذلك لا يعني أن تيار الإسلام السياسي سيبقى سيدا في الساحة البحرينية كما هو حاله الآن، سواء في الشارع الشيعي أم السني على حد سواء، فالظروف التي مكنت هذا التيار من بسط هيمنة شبه مطلقة على الشارع هي ظروف طارئة ومتغيرة أيضا.

الأهم من ذلك كله هو أن تيار الإسلام السياسي كشف أوراقه جيدا من خلال أدائه ودوره في البرلمان فهو ليس بالتيار القادر على التحدث باسم مختلف أطياف المجتمع البحريني، فجمعياته السياسية هي جمعيات طائفية التركيب حيث ان جميع أعضائها ينتمون إما إلى الطائفة الشيعية وإما إلى الطائفة السنية، والحال أيضا ينطبق على خطابه السياسي ومواقفه من القضايا الوطنية والعربية والعالمية أيضا، وبالتالي فإنه وإن تراءى لممثليه أنهم القوة الرئيسية في الساحة الوطنية حاليا فإن المستقبل هو للقوى القادرة على مجاراة العصر بمتطلباته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة.

ثم ان ما حصل لتيار الإسلام السياسي في الكويت سبق أن حصل لشقيقه في الأردن وبالتالي فإن هذا التيار ليس محصنا في وجه التطورات الفكرية والسياسية التي تمر بها المجتمعات العربية ومنها المجتمع البحريني الذي سوف يكتشف بكل تأكيد أن هذا التيار ليس هو التيار القادر على قيادته نحو التطور السياسي والاجتماعي، بل على العكس من ذلك فإن استمرار سيطرة تيار الإسلام السياسي على الساحة من شأنه أن يسهم في تكريس الانقسام المجتمعي على أسس طائفية وقد يؤدي في مراحله المتقدمة إلى إحداث تصادمات كما يحدث في العديد من الدول مثل العراق.

إن صدقت قراءة النائب عادل المعاودة فيما يتعلق بعدم إخفاق تيار الإسلام السياسي في البحرين في الانتخابات النيابية في العام القادم كما حدث لتيار الإسلام السياسي في الكويت، فإن ذلك لا يعني أن هذا التيار بعيد عن الإخفاق في المرات القادمة، ذلك أن كل المؤشرات تؤكد أن صعود قوى الإسلام السياسي في مختلف الدول ليس هو الآن بالسرعة التي كان عليها مع بداية سبعينيات القرن الماضي، بل ان الفشل سيكون هو عنوان المراحل القادمة بكل تأكيد حيث عجزت قوى هذا التيار – رغم سيطرتها على الشارع وعلى البرلمان أيضا – عن تقديم مشاريع تخص مختلف طوائف وشرائح المجتمع البحريني.

ففي البرلمان على سبيل المثال حيث تسيطر قوى الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني فإن عناوين أدائها كانت كلها عناوين ذات ألوان طائفية، وبدلا من أن تستخدم ساحة البرلمان لتعزيز الوحدة الوطنية رأينا كيف أن أداءها كاد أن يتسبب في منازعات طائفية حيث ينعكس ذلك على الشارع، لذا فإن قوى بهذا الأداء وهذا الدور لا يمكن أن تكون هي قوى المستقبل، ثم ان القوى الطارئة على المجتمعات لا يمكن أن يدوم حضورها وتأثيرها على مدى طويل، وهذا ما سوف يتأكد خلال المراحل القادمة.

فقوى الإسلام السياسي كلها غير قادرة على مسايرة التطور الاجتماعي والسياسي في المجتمعات التي توجد بها، بل انها فوق ذلك تلعب دورا معوقا لهذا التطور، فقد تسببت في بروز النعرات الطائفية في البحرين وفي الكويت وغيرهما من الدول، وسيأتي اليوم الذي يكتشف فيه المواطن حقيقة الدور الذي تلعبه قوى الإسلام السياسي وتأثيرها السلبي في التماسك المجتمعي وفي الوحدة الوطنية أيضا. 



 
أخبار الخليج 13 يوليو 2009

اقرأ المزيد

قمة «الثمانية» التي لم تعد كذلك


الجمعة الماضية، 10 يوليو/ تموز ,2009 اختتمت قمة الدول ‘الثمانية الكبار’ أعمالها التي استمرت ثلاثة أيام في مدينة لاكويلا الإيطالية. كان المخطط أن تعقد القمة في جزيرة مادالين على شواطئ سردينيا. ولأسباب تتعلق بحماية البيئة كواحدة من أهم قضايا جدول أعمال القمة كما سنأتي على ذلك لاحقا، وقع اختيار الحكومة الإيطالية على لاكويلا التي تعرضت لزلازل قوية ضربتها في 6 أبريل/ نيسان الماضي. وقد استحسن المشاركون الاختيار.

وقبل التعرض للقمة الأخيرة نجول بنظرة سريعة في تاريخ هذه المجموعة. بدأت هذه اللقاءات عموما على إثر أزمة الطاقة التي أحدثها إجراء الدول العربية بوقف ضخ النفط إلى الدول التي ساعدت إسرائيل في عدوانها إبان حرب أكتوبر/ تشرين الأول .1973 وقد ضربت أزمة الطاقة بشكل مؤلم اقتصاد أميركا وأوروبا الغربية. ولأول مرة وضعت تلك الأزمة ضرورة إعداد مقاربات ما مشتركة لمواجهة التحديات الجدية التي تفرضها الأسواق الحرة واقتصاد السوق الحر أمام هذه أو غيرها من المجتمعات. في البداية كانت هذه القمم محدودة للغاية. ففي المرة الأولى اجتمع ممثلو خمس دول فقط، ثم توسعت إلى ‘سداسية’، وبعدها ظهرت مجموعة ‘السبع الكبار’ التي استمرت حتى وصول ميخائيل غورباتشوف إلى رئاسة الاتحاد السوفييتي. في قمة ‘السبعة’ الكبار للعام 1991 دعيت روسيا لأول مرة كمراقب. وفي العام 1997 انتقلت القمة إلى صيغة ‘الثمانية’ بمشاركة روسيا كعضو كامل الصلاحيات. وفي الفترة ما بين 15 و17 يوليو/ تموز 2006 انعقد في مدينة بطرس بورغ الروسية قمة الثمانية برئاسة روسيا، وكانت القضايا الرئيسية على جدول أعمالها هي أمن الطاقة، مكافحة الأمراض المعدية، والتعليم. وكما تشكلت المجموعة بسبب أزمة الطاقة أصلا، فبسبب أزمة الطاقة الأخيرة توطد وضع روسيا منذ هذه القمة كعضو مقرر في معظم القضايا التي تناقشها دول المجموعة. لكن ذلك لايزال لا يسري في لقاءات وزراء المال لدول المجموعة.

مجموعة ‘الثمانية’ تسهم الآن بنصف الصادرات العالمية وأكثر من نصف الإنتاج الصناعي العالمي. ومع ذلك فليس لها تصنيف المؤسسة الدولية، وهي لا تقوم على أساس معاهدة ما، وليست لديها سكرتارية دائمة. ويرأس المجموعة لمدة عام رئيس البلد الذي تنعقد فيه القمة الأخيرة (غالبا في الصيف). وعادة ما تسبق لقاءات كل من قمم ‘الثمانية’ 60 إلى 80 اجتماعا على مستوى الخبراء والوزراء. كما تجرى لقاءات أخرى لقادة أهم وكالات الأنباء للدول الثمانية وقمم رجال الدين ورجال الأعمال فيها إضافة إلى ‘الثمانية الشبابية’. قرارت ‘الثمانية’ تتخذ بالإجماع عادة ولا تكتسب قوة قانونية، لكنها تشكل دليلا للمجتمع الدولي بالنسبة لقضايا العصر المفتاحية.
ومنذ العام 2001 أصبح يدعى إلى القمة قادة الدول الأخرى للاشتراك في مناقشة بعض قضايا الأوضاع العالمية. وفي السنوات الأخيرة، خصوصا مع بدء علائم الأزمة المالية، فالاقتصادية العالمية بدأت تطرح من داخل ‘الثمانية’ أهمية توسيعها نظرا لأن طبيعة وحجم القضايا العالمية أصبحت تتطلب مشاركة عدد أوسع من دول العالم. ولعل انعقاد قمة لاكويلا بالصيغة الجديدة يعد مؤشرا مهما على مستقبل إطار المجموعة. فقد انخرطت في أعمال القمة عموما وفود كل من الهند، الصين، جمهورية جنوب إفريقيا، المكسيك والبرازيل (مجموعة الدول السريعة النمو ‘الخمس’) وكذلك البلدان الإفريقية وإندونيسيا وأستراليا. وإجمالا تمت دعوة 30 دولة، ما يعد رقما قياسيا في تاريخ قمم ‘الثمانية’. في اليوم الأول للقمة زار جميع المشاركين مناطق لاكويلا التي ضربتها الزلازل. وقد عكس البيان الختامي للقمة عزم قادة ‘الثمانية’ على درء ومكافحة الكوارث الطبيعية العفوية. وقد عرض قادة الدول مساعداتهم في إعادة ترميم الآثار التاريخية في لاكويلا. وانتهى هذا اليوم أيضا باتخاذ قرارات تتعلق أساسا بالوفاء للالتزامات السابقة بالإجراءات من أجل الخروج من الأزمة المالية العالمية وبدعم الاقتصاد وأسواق المال. وعلى وجه الخصوص بحث قادة القمة مقترح الجانب الإيطالي ‘بإعداد معايير عالمية’ واتفقوا على إنشاء ‘إطار برنامج ليتشه’ لصياغة مبادئ ومعايير عامة للسلوكيات في الاقتصاد. ليتشة هي مدينة في جنوب إيطاليا انعقد فيها لقاء وزراء اقتصاد ‘الثمانية’ وصاغوا أسس هذه المبادئ.

في اليوم الثاني جرت لقاءات موسعة. في البدء ‘الثمانية’، ‘الخماسية’ ومصر ناقشوا قضايا المصادر الجديدة للنمو. وبعدها عقد ما يسمى ‘بمنتدى الاقتصادات الرائدة’ الذي يضم ‘الثمانية’، ‘الخماسية’، استراليا، إندونيسيا وجمهورية كوريا الجنوبية. وقد بحث المنتدى المسائل المتعلقة بالتجارة (باشتراك منظمة التجارة العالمية)، القضايا المناخية (بمشاركة الأمم المتحدة والدنمرك). وقد اتفقت وجهات نظر المشاركين بشأن جميع القضايا الأخرى، بما في ذلك الإعلانات التي أصدرتها قمة ‘الثمانية’ حول إجراءات مواجهة الأزمة العالمية وإعادة إنهاض الاقتصاد العالمي.

واحدة من الموضوعات التي واجهت القمة في يومها الأخير هي تحقيق ‘أهداف الألفية للتنمية’ التي صيغت العام .2000 وهي تفترض إحداث ارتفاع ملحوظ في مستويات الحياة وخفض عدد الفقراء في العالم إلى النصف حتى العام .2015 غير أن الغالبية الساحقة من البلدان الإفريقية لا تزال بعيدة عن إمكان تحقيق أهداف الألفية حسبما يشير ممثلو الأمم المتحدة. والسبب الرئيسي هو أن هذه البلدان لا تحصل على الدعم الكافي من قبل المجتمع الدولي. فمن بين 25 مليار دولار كان قد قررت مجموعة ‘الثمانية الكبار’ تخصيصها لتنمية إفريقيا على مدى خمس سنوات لم يصل إلى المستهلك النهائي منها سوى 3 مليارات دولار فقط.

يبدو أن من المحق تسمية قمة ‘الثمانية’ 2009 بالقمة ‘المضادة للأزمة’. لكن الثمانية الكبار بدأوا الاعتراف تدريجيا بأنهم أصغر كثيرا من أن يتصدوا لمشكلات العالم التي كانت غالبيتهم السبب الرئيسي في تفاقمها. ولذلك فلعل أهم قرار اتخذ في الواقع هو تحويل إطار ‘الأربعة عشر’ إلى ‘تشكيلة دائمة’.
 
 

اقرأ المزيد

ضحية العنصرية لا شهيدة الحجاب


بداية نستفظع بأقصى ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ الجريمة البشعة التي ارتكبها عنصري ألماني حاقد، لعله من عناصر النازية الجديدة بقتل سيدة مصرية وإصابة زوجها إصابات بالغة عبر طعنات بالسكين، وجهها إليهما في قاعة محكمة حكمت لصالحهما اثر خلاف بينه وبين الضحية.

وبداية أيضاً نقول انه من الطبيعي أن نعبر نحن العرب عن غضبنا من الطريقة البشعة التي أودي بها بحياة هذه السيدة، وتعاطفنا العميق معها ومع مأساة عائلتها. لكن علينا أن نلفت النظر من جهة أخرى إلى انه من الخطأ تحويل هذه الفاجعة إلى حملة ضد الغرب، ونُصور الأمر كما لو أن هذا الغرب بقضه وقضيضه يشن حملة منظمة ضدنا، فيما الأمر لا يتعدى حدود مجموعات صغيرة من العنصريين وغلاة المتطرفين اليمينيين الذين يكنون الكراهية والبغضاء للأجانب جميعاً لا للمسلمين أو العرب وحدهم.

إن ملايين العرب والمسلمين يقيمون في الغرب، الأمريكي منه والأوروبي على حد سواء، ويحملون جنسيات البلدان التي يقيمون فيها، وعليهم من الواجبات ولهم من الحقوق، ما على وما للمواطنين الأصليين في هذه البلدان، ونشأ أولادهم وتعلموا أحسن تعليم ما كانوا سينالوا أقل القليل منه لو أنهم ظلوا في بلدان أهاليهم الأصلية.
أكثر من ذلك فإنه تتوفر لملايين المسلمين والعرب الكثير من الحريات الدينية ومن الاعتراف بحقوقهم الثقافية، فلهم مساجدهم ودور العبادة الخاصة بهم، ويمارسون حقوقهم السياسية التي تمكنهم من المشاركة بالترشيح والانتخاب في الانتخابات البلدية والنيابية، والفوز فيها، بما في ذلك فوز عدد من النساء العربيات والمسلمات المحجبات بعضوية البرلمانات.

وطالما كان الأمر يدور عن الحجاب فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عَيّن سيدة مصرية محجبة مستشارة له وناطقة باسمه، وفي خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة عبر عن تفهمه وتعاطفه مع حق المسلمين والعرب في إظهار ما يرونه متصلاً بهويتهم من رموز وتعبيرات، بما فيها حجاب النساء. لذا فإن تحويل مأساة السيدة المصرية التي قتلت غدراً في ألمانيا إلى ذريعة في شن حملة ضد الشعوب الأوروبية والغربية هو نكران لجميل البلدان والشعوب التي تحتضن بين ظهرانيها بني جلدتنا، بما فيهم الإسلاميين الفارين من أوطانهم العربية بسبب ما يلاقونه من مضايقات فيها، ليجعلوا من بلدان الهجرة ساحات حرة لممارسة أنشطتهم السياسية والدينية.

إن السيدة المصرية القتيلة هي ضحية للعنصرية، والعنصريون في الغرب يمكن أن يقتلوا هندوسياً من الهند أو بوذياً من الصين أو اليابان أو أمازيغياً من الجزائر والمغرب أو مسيحياً عربياً من لبنان أو فلسطين لأن سحنته الشرقية تشي بأصله العربي، ويمكن أن يقتلوا عربية أو مسلمة غير محجبة.

يجب أن ندين العنصرية وتجلياتها المختلفة، ونؤكد على أهمية قيم التسامح وتعايش الأديان والثقافات والحضارات كلها، لا أن يجري تسييس مأساة القتيلة، وتوظيفها في أغراض محلية خاصة بمجتمعاتنا، بحصر الموضوع في الحجاب الذي كانت الضحية تعتمره، ففي ذلك اختزال للمأساة، وإساءة لشعوب بكاملها تستوعب ملايين العرب والمسلمين في بلدانها وفي مدارسها وجامعاتها ومصانعها ومختلف مؤسساتها. كأن الأمر يذكرنا ببعض نوابنا الذين طالبوا بطرد كل البنغاليين من البحرين، وهم مسلمون بالمناسبة، لأن أحدهم قتل بحرينياً.


 

اقرأ المزيد

حجب المواقع والاتصالات


غدت الحركات الاجتماعية والسياسية والفكرية أكبر من قماقم الدول.
لقد أعطت الحقبة الليبرالية العالمية الجديدة، وسواء كانت متطرفة أو معتدلة، مساحات كبيرة للحرية التي اخترقت الجدران والأسوار والمفاهيم والعقول الضيقة والهوامش المعبأة بحراس الحدود.
يصحو حراسُ المخافر والمحميات الزراعية والخرافية والتعصبية على عالم مختلف، توهموا في البداية أنه لصالحهم ثم فجأة تغير الحال فأخذوا ينشطون جهودهم ويوسعون قيودهم لصد السيول المتدفقة ليس من السلاح بل من المعلومات والصور.
إنها هذه الكائنات الرقيقة المكونة من الحروف وهذه الأشعة اللطيفة غير الحارقة للجلود. 
 
بعد زمنِ إغلاق الفضائيات وحصارها والإلزام بالفضائيات الحكومية وتغييب “الأطباق المشوهة للنظر والجمال”، أو الأطباق الناقلة لكل ما هو ماجن وغير أخلاقي، سقطتْ الأسوارُ وتدفقتْ الصورُ من الفضاء العالي بحريات غير مسبوقة، لم تشكلها الأنظمة بل شكلها التطور التقني الهائل، الذي صنعهُ العلماءُ والفنيون قوادُ العالم الراهن المتوجون.
صيحاتُ المحافظين ضد الأطباق غير الطائرة هذه وضد الشبكات السحرية تحت المياه والأرض والجمود، سببها ان السماءَ الحرة تكسر شتى القيود وتطلق الحريات كافة، وتحاكمُ كلَ شيء، وتعرضُ كلَ شيء، وتعطي معلومات عن كل شيء، وتنقل الأحداث أولا بأول، ولا تعترف بأنظمة دكتاتورية أو مستقلة أو ديمقراطية أو دينية أو علمانية، إنها فوق الجميع.
لقد سقطتْ سلطاتُ الممنوعاتِ التي كانت هي حجر الزاوية لعالم قديم راح يتآكلُ ثم يزول الضباب بعد سطوع الشموس.
تكمن القوة في غرب حداثي متطور وكونه قد تخطى الشرق المتخلف بقرون، فسيطر عبر أدوات متطورة وعبر علاقات اجتماعية متطورة، وهو لا يخشى الحقائق ولا الفضائح ولا الاتهامات ولا سقوط البرلمانات ولا الوزارات.
لا وزير فوق القانون ولا نظام خارج التساؤل ولا دين فوق التحليل، ولا علاقات جنسية محظورة.
في حين أن الشرقَ يعيشُ في عالم الأسرار، والعقد، وهو مرعوبٌ من كل شيء، والميزانيات شكلية، والأحزاب ورقية، والدولُ أسرٌ وجماعاتٌ متنفذة، والثقافة ورقية، والجنسُ يكمنُ في الظلمات، والسياسة غيبٌ آخر.
صدامٌ بين عالمين متناقضين متفاوتي التطور، الأول كل شيء فيه مباح ومرئي ومُنتقد، والثاني فيه كل شيء مغلق وممنوع ومجهول وخارج التساؤل والنقد.
قامت المواقعُ والفضائياتُ والإنترنت بالجمع بين النار والثلج، وبين الحقائق والأشباح، وما تقمعه الأنظمة في الشوارع يتم تسجيله بوسائل الاتصال، وما تخفيه الأنظمة الكهلة تتم عولمته بأيدي الشباب والصغار.
أنظمة من القرون الوسطى وأنظمة في قمم العصر الحديث والرأسمالية الكونية.
أناسٌ لاتزال تتحكم في الحياة والمجتمع بالبخور والتمائم والرشوة والواسطة وحزب الطائفة وحزب العائلة وحزب العصابة.
وأناسٌ تسلطُ الصحافة الحرة كشافات ساطعة حتى على حصالاتهم الصغيرة في البيوت وعلاقاتهم المشبوهة.
بطبيعة الحال لابد أن تكثر القيود والممنوعات والإغلاقات والمحظورات في عالم خائف من الحقائق مرعوب من الثقافة والنقد والتساؤل.
ولابد بالمقابل أن تكثر في العالم الآخر كيفية اختراق المحظورات والدخول إلى الكهوف وتعرية المجهول والنفاذ إلى المحظور.
ولهذا فإن أصحاب الذكاء الخارق في وزارات الإعلام والثقافة وقوى التدين الشكلاني يتعبون أنفسهم ويضيعون الميزانيات في هدر لا معنى له وفي نهج تجاوزه التاريخ والعصر.
سبقهم آباء الكنائس وحاملو المسدسات الجوبلزية الذين كلما سمعوا كلمة ثقافة أطلقوا النيران، وذهبوا وبقيت البشرية تتطور بثقافات متعددة، نظيفة وقبيحة، طيبة وسيئة، تقدمية ومتخلفة، في تنوعٍ مذهلٍ يحكمهُ ويطوره ويقزمه الناس وإدراكاتهم واختياراتهم.
إنها مهمة خطرة وكارثية أمام أصحاب الإغلاقات والموانع والقيود الحديدية للفضاء، كان غيرهم يقطع ويمنع المجلات والصور وفوجئ بالمطر الإعلامي الكوني يتسلل إلى كل قبيلة نائية في الصحراء، والخيام تركب الدشات!
وهذه تحديات أمام الإعلام الشرقي الذي لايزال يعيش في زمن داحس والغبراء، زمن الشلل والعصابات وأرباع الحقائق وغياب العقول النقدية.
الأعجب هو الهجوم على المواقع الثقافة الرصينة وقضايا الفكر ويتم إدخالها بمواقع السياسة “الشعبوية” والفوضوية، في محاولات لتضييع الحدود بين النقد الجاد والنقد غير الجاد وغير المسئول.
يريدون ثقافة سياسية دينية واجتماعية محنطة عليها بقع كبيرة من المدح، لكن النقد لا يعرف الحدود، إنه عقول لا تتوقف عن البحث فيما أن القيود تضيق وتصدأ كل يوم.
وما كانوا يمنعونه أمس يقدمون له الجوائز في اليوم التالي، وما هو محظور ولاغ صار رسميا ومحتفى به، ومن كان في السجون صار حكوميا.
هو الوقت ولو انهم يصبرون ويقرأون ويبحثون ويوسعون نافذة الحرية الصغيرة لضحكوا على أنفسهم من جهلهم السابق.

أخبار الخليج 13 يوليو 2009

اقرأ المزيد