المنشور

عن خليج دمره الجشع !


حتما ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نكتب فيها عن خليج توبلي ومأساته، التي يبدو أنه لا يراد لها أن تحل، فقد صدرت بحق الخليج وتحديد خط دفانه وقضية حماية الثروة البحرية والبيئية والحياة الفطرية ومشاريع الصرف الصحي ومنع الدفان وكل ما يمكن أن يربط به بشكل أو آخر، صدرت بشأنها قوانين وقرارات عدة، ووقعت لأجلها العديد من الاتفاقيات، ولكنها بكل أسف لم تحترم أو تنفذ، وبقيت تمثل دليلا على جشع وعدم مبالاة وفساد البعض الذين يصرون على أن يتعاملوا مع قضية بيئية بهذه الأهمية بكثير من عدم الاكتراث واللا مبالاة.

شخصيا لا أحبذ أن تُسيّس قضية خليج توبلي، ولكن أجد أن هناك من الرسميين من يتعمد تسييسها بممارساته، فالقضية التي نحن بصدد الحديث حولها لا تحتاج لأن يكتب عنها المزيد فقد أصبحت واضحة وجلية المعالم، كما أنها لا تحتاج إلى المزيد من القوانين والقرارات فما صدر بحقها وبحق كل قضايانا البيئية حتى الآن يعتبر كافيا.. فأين هو الخلل يا ترى؟! لقد تناوبت مختلف وسائل الإعلام ومنذ عقود ولا زالت على الحديث والبحث والمطالبة بإيجاد حلول لهذا الخليج المنكوب، بل أن متابعات وسائل الإعلام كثيرا ما أبرزت هذه القضية لتبقيها حاضرة أمام أعيننا كل يوم وكل حين ، فالخليج لا يقع في أعالي البحار وإنما بالضبط في موقع القلب من مساحة هذا الأرخبيل المبتلى بالتلوث والتعدي على بيئته وبحره وسمائه ونوارسه، التي صرنا نشتاق لرؤيتها بعد أن هجرته بفعل ذلك التلوث والغازات السامة والروائح العفنة والمياه التي كانت بلون الدم الفاسد العفن، لتصبح بلونها الأسود الخالي من أية ملامح للحياة كما يخبرنا علماء البيئة، الذين لم يبخلوا علينا بدراساتهم وتقاريرهم التي أضحت تضاف إلى ذلك الكم الهائل من القوانين و القرارات دون جدوى!

فقد شكل برلمان 2002 لجنة تحقيق كُلفت برآستها آنذاك، وبذل معظم أعضائها جهودا استثنائية، وبدوا وكأنهم يعملون على إنقاذ غريق، وقدموا تقريرا حرفيا موسعا متميزا شهدت على حرفيته الحكومة حينها، حيث أصرت اللجنة آنذاك على إعادة اعمار الخليج وضرورة تحديد خط الدفان الذي اتفقنا بشأنه مع الأخوة في مجلس بلدي الوسطى، الذين شكلنا معهم فريق عمل منسجما يصلح لأن يكون نموذجا يقتدى للتعاون بين المجالس البلدية ومجلس النواب، واتفقنا على رفض مقترح الحكومة آنذاك والقاضي بجعل خط الدفان خطا مستقيما، حيث كنا نرى فيه بالإضافة إلى عدم مواءمته بيئيا وجغرافيا، وفي النهاية توافقنا مع الحكومة بعد عناء ومكابدة على أن يكون الخط متعرجا وبمساحات ارتداد مقبولة.

حدث ذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات وصدر بشأن خط الدفان مرسوم فرحنا به كثيرا، ولكن تعاقب أكثر من ثلاثة وزراء حتى الآن على وزارة البلديات ولم نلمس جديدا يذكر، غير الحديث عن لجان لتنظيف قاع الخليج وتوسيع مداخله، ومشاريع خيالية لإحالته إلى موقع جذب سياحي للرياضات المائية والمطاعم المعلقة…الخ. شخصيا أثق في توجهات ونوايا الصديق الوزير جمعة الكعبي، ومدى حرصه على حماية الخليج، كما كنت واثقا من قبل ولا أزال في حسن نوايا وتوجهات الصديق الوزير فهمي الجودر، وإن كنت أذّكره بوعوده لنا بالإغلاق التدريجي لمحطة معالجة الصرف الصحي التي هي احدى أهم أسباب تدمير الخليج وتلوثه. وهنا أسمح لنفسي بالقول أن قرار إنقاذ الخليج لا يحتاج أن تنبش لأجله كل تلك القوانين والقرارات، ولا يحتاج أن تشكل له اللجان الرسمية ولا حتى لجان تحقيق نيابية جديدة، فهو بثرواته وأهميته وموقعه وجماليته أصبح يحتاج إلى قرار سياسي حاسم لا يقبل الانتظار ولا يتعلل بالميزانيات الغائبة ولا حتى المزايدة السياسية حوله من أي طرف كان، فهل نتعشم خيرا في توجهات سمو الشيخ عبد الله بن حمد آل-خليفة محافظ الجنوبية الذي أعتقد انه يجد نفسه الآن في مهمة إنقاذ عاجلة لا تقبل التأجيل وترفض بيروقراطية القرار الرسمي؟! نرجو ذلك.

اقرأ المزيد

العسكر ينتزعون الشرعية في هندوراس


وجد الرئيس الهندوراسي خوسيه مانويل زيلايا المنتخب وفق الشرعية الدستورية نفسه، ينتزع من غرفة نومه وببيجامته من قبل الانقلابيين العسكر، على متن طائرة مروحية عند مدينة حدودية في كوستاريكا المجاورة. تلك الحركة الانقلابية على الشرعية الدستورية في البلاد لم يمض عليها وقت طويل، فقد ثارت حولها زوبعة كاملة وسط المؤيدين للرئيس خاصة وسط القاعدة الشعبية الفقيرة، وفي بلد نصف سكانه يعيشون تحت خط الفقر، خاصة وإذا ما عرفنا ان هندوراس بلد يبلغ تعداد سكانه ما يقرب سبعة ملايين ونصف نسمة.
وقد اتسع الاحتجاج الدولي أولا في الدول المجاورة ثم اشتعل لهيب الغضب بسرعة لدول أمريكا اللاتينية ثم أروقة الأمم المتحدة، التي أعلنت بقرار تم الموافقة عليه من تكتلات ودول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي والمنظمات القارية، جميعها صوتت لصالح الشرعية الديمقراطية مهما كانت الاختلافات الدستورية وبعودة الرئيس الشرعي المنتخب، فالخلافات الدستورية تحل عن طريق الحوار السلمي ووفق المواد الدستورية والمحكمة العليا في البلاد، ويمنع انقضاض قوى الجيش ومخالب العسكر على أي سلطة شرعية وتحت أي ذريعة ومهما كانت الحجج والادعاءات.
فهل بالفعل كانت الخلافات القائمة بين الانقلابيين العسكر الذين كانوا أداة سوداء لوجه آخر في البلاد وقوى يقودها الرئيس «الشعبوي» المخلوع مانويل زيلايا هي الدوافع الحقيقية وغير المعلنة، والتي بدأت تظهر تدريجيا رائحتها من تحت الطاولات ومن خلف الأدراج والمكاتب الرسمية والبيروقراطية في هندوراس؟
بدت للمراقبين من أول لحظة ان الخلافات الحادة هي تلك الانتهاكات الدستورية للمسألة الانتخابية بحق الرئيس لدورة ثانية وغير محدودة «بين طرفين» قوى تخشى التجربة الفنزويلية وتكرارها في البلاد، وبين قوى ترى في ذلك النموذج الطريق الأمثل للوضع الداخلي لحل معضلة الفقراء في البلاد، وآلية إعادة توزيع الثروة والرقابة على مصادرها والمصادر الخارجية.
ويرى التيار الشعبي المؤيد للرئيس المخلوع، إن مكامن مناهضة الفساد في البلاد، والضارب في عمقه لعقود طويلة يعشش في تلك البيروقراطية المدنية والعسكرية، خاصة إذا ما عرفنا إن البلاد خضعت لما يزيد من عقدين متواصلين تحت قبضة حديدية لتلك الطغمة العسكرية في الجيش، والمعروفة بفسادها الفاحش وسوء سمعتها في تهريب الأسلحة وعقد الصفقات في مركز أمريكا الوسطى، حيث كانت من هناك تنطلق القواعد العسكرية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المعنية بمراقبة كوبا ونيغاراغوا وكل مداخل ومخارج ممتدة ما بين جنوب أمريكا اللاتينية وعنق بناما الحيوي. هذا إلى جانب كونها كانت مركز تدريب لمشاريع انقلابات عسكرية وتخريبية في القارة.
 
هندوراس بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وجدت نفسها في حالة يرثى لها، حيث تخلت الأم الرؤوم عنها ونفض العراب الكبير يده عن نهجه القديم في كل قارات العالم، وصار نهجه الجديد يلوح بمشاريع الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي شكلت لغة لا تنسجم وملابس ووساخة فساد المؤسسة العسكرية في القارة، والأنكى من ذلك فتحت الولايات المتحدة ملفاتها الأمنية لمحاسبة ومساءلة كل المؤسسات العسكرية في القارة، على ما اقترفته من جرائم بحق شعوبها، بل وقدمت اعتذارا رسميا لتلك الشعوب، بعد أن سدت جميع الأبواب في وجه الجنرالات، كحضن تقليدي للجوء في تلك الأزمنة الوردية! وباتت تلك الرتب الكبيرة تتساقط الواحدة بعد الأخرى، وصارت الملفات تتناثر أسماؤها في شوارع وعواصم تشيلي والأرجنتين وأروغواي وكولومبيا والإكوادور، بحيث خرجت كل تلك الفئران الظلامية المتخفية في أقبية التعذيب فزعة تفتش لها عن ملاذ امن في بلد بعيد!.
هذا الانقلاب الكوني الناتج عن زلزال عالمي، ظلت ملفاته عالقة ومتلونة بعباءات كثيرة لشعور البعض منهم «أنهم مازالوا يقبضون بزمام الأمور، ومازالوا تحت حماية عناصر وقوى فاسدة مثلها». لم يدم ذلك طويلا في هندوراس، خاصة في سنوات حكم زيلايا، الذي بدأت ترسانة التنظيف عنده تتحول نحو المؤسسة العسكرية، فكانت إقالة وزير الدفاع مؤخرا علامة لما هو أعمق من ذلك.
لم يتصور أثرياء البلاد وما حولها من بلدان إن ذلك الثري المحافظ، سيمضي نحو منهج ليبرالي أعمق كان بالإمكان احتماله وامتصاصه في ظروف ديمقراطية محاطة بطفيلية رسمية ومجتمعية، ولكن الرئيس وفي مناخات رياح الموجة اليسارية في القارة، بدأت حمى «المزاج اليساري» تتملكه – وهي إما لحالة انتهازية أو لتبدلات سياسية وواقعية تفرضها حالة ومنطق التغيرات ـ ما قام به العسكر من انقلاب ونهج أحمق لم يحسبوا ردود فعله السريعة من قبل المجتمع الدولي، متناسين طبيعة الوضع العالمي الجديد وملامحه الديمقراطية ومؤسساته الشرعية.
 
الأيام 12 يوليو 2009

اقرأ المزيد

لكي يكون الوطن حنـوناً


دماء روت تربة هذه الأرض الطيبة بأهلها، من أجل أن يعيش الناس بكرامتهم، وحريتهم..

لم يرتكبوا جرما سوى إنهم طالبوا بان يشاركوا في صنع القرار، حتى يحصلوا على حقهم في العمل والسكن، لترتفع فاقتهم، ويسكن وجعهم.

فما كان الجواب إلا سياط الجلاد على ظهورهم، فتمزقت أشلاء الزهور وسقطوا على الأرض، ليشقوا في البحرين بحر ثالث بلون مختلف.

تعددت مذاهبهم ومشاربهم وأفكارهم وجمعتهم السباحة في بحر الحرية، فتنقلوا بين البحرين، هذا بقلمه وذاك بمطرقته، وآخر مازال طالبا، لكنهم لم يقبلوا أن تروى زهور بحريننا إلا بالدماء.

تنفسنا الصعداء، حين وضعوا الشمس في يميننا ورفعوها بشمالنا، وانتظرنا الأيام التي يراد لنا أن نعيشها، ظنا منا أن الوطن آن له أن يحن على أبناءه، فيعتبرهم شهداء،  ويجازيهم بأفضل الجزاء. ولكن للأسف..

جلادهم الذي وجه السياط لهم لأنهم طالبوا ببرلمان حقيقي يمثل شعبهم، يريد أن يكون نائبا فيه!!..

هل اقتنع أخيرا بأهميته، أشك في ذلك؟ ولكنها سخرية القدر.

أجمل الأيام هي تلك التي نرى فيها من ضحى بدمه من اجل شعبه أن يتوَجه الوطن شهيدا رسميا، يسجل في سجلات الدولة، يثاب معنويا وماديا على ما قدمه من تضحيات.

من رجعوا إلى ارض الوطن بعد غربة أبعدتهم عن حياض أهلهم، يجب أن تقبل تضحياتهم جميعا بلا استثناء، وبلا مقابل.

العدالة الانتقالية التي عملت بها الدول التي تقدر تضحيات أبناءها، هي ما نريده.

من قدم دمه، لا ينتظر جزاء ولا شكورا، ولكن من المعيب أن نجعل الجلاد والضحية سواء.

في أي قاموس وفي أي شريعة يطبق هذا النظام غير العادل.

أمن الإنصاف أن نجعل الذئب مع الضأن، أم من المروءة أن نجعل الثعبان يلعب مع الصبي.

ننشد المصالحة، وننشد الحرية، ونطالب بأن يلغى المرسوم الهزيل الذي يساوي ظلما من حمل السياط ومن قدم ظهره.

الإنصاف لا يحتاج إلى تحالف فقط، إنما يحتاج إلى من يحمل همه، ويتشارك الجميع حتى يكون الوطن حنونا على أبناءه.
 

اقرأ المزيد

نناشد ونهيب ونستنجد…!


ماذا يعني هذا الكم الذي يكاد ان يكون يومياً من المناشدات والاستنجادات والالتماسات من مواطنين كثر والتي لا تكاد تخلو صحيفة محلية منها، علاوة على تلك التي تبث عبر أثير البرنامج الإذاعي الصباحي اليومي بإذاعة البحرين.

مواطنون لم يعد أمامهم أي وسيلة سوى أن يناشدوا ويهيبوا ويلتمسوا ويستنجدوا صاحب الجلالة الملك، او سمو رئيس الوزراء مطالبين بالتدخل لرفع غبن او ظلم وقع عليهم، ولإعادة حق اغتصب منهم، وليس ذلك كل ما في الأمر بل هناك مشهد آخر نراه متمثلاً في نداءات الاستغاثة والاستعطاف إلى أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء او تلك الموجهة إلى الجمعيات والصناديق الخيرية لتمد لهم يد العون والمساعدة لمواطنين هم في حالة من الانكسار والمذلة.

ماذا يعني ذلك…؟ هل هو خلل في قدرة الجهات التنفيذية المعنية بأمور هؤلاء المواطنين على تأدية الواجب المنوط بها في إدارة ومعالجة شؤون الناس والمجتمع وتوفير شروط الحياة الكريمة لهم؟ هل هو يعني أن قيمة المساءلة والمحاسبة لم تنل حظها من الحضور والاهتمام في ساحة الأداء العام؟ لأنه عندما تعجز هذه الوزارة او تلك، او هذا الجهاز الرسمي او ذاك عن التعاطي الفاعل والايجابي مع قضية حياتية لا تحتمل التأجيل، او تعجز عن إنهاء قضية مأساوية لأفراد وأسر بحرينية تستدعي سرعة التحرك، او عندما تتلكأ اي من الجهات عن رفع مظلمة عن مواطن فإن المسألة هنا تكون وثيقة الصلة بغياب الجدية في المساءلة والمحاسبة بالخطأ أو التقصير او الإهمال او سوء الأداء. ثم الا يعني هذا الذي يجري أن أسلوب مواجهة قضايا الناس في حاجة الى بحث أكثر تفصيل وعمق وجدية، فبلد بحجم وظروف البحرين حين تتنامى فيها هذه الصور والمناشدات والاستغاثات المحملة بتفصيلات كثيرة مسكونة بقدر غير قليل من المرارة والحزن، فإن علينا ان نقيّم ونراجع أساليب وآليات عمل العديد من الأجهزة المختصة بتقديم خدماتها المباشرة للمواطنين حتى لا تقدم في صورة مسيئة لهذه الأجهزة وللناس وتنتهك حقوقهم على نحو غير مقبول. ثم الا يعني ذلك ان هناك مسافة بين الأهداف التنموية المعلنة، والأحاديث المستمرة التي لا تنقطع ولا تنتهي حول التمكين وبناء القدرات وتأهيل المواطنين وحول منافع التنمية الاقتصادية، وتحرير المواطنين من مستنقع الفقر والحاجة والعوز والاعطيات وكل الآمال العريضة التي بشرنا بها، وحتى تلك المتصلة الآن بالرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 وبخطط وزارات وأجهزة الدولة التي تضع المواطن في قلب عملية التنمية من حيث الوسيلة والهدف واستفادة جميع المواطنين بشكل عادل من جميع منافع النمو الاقتصادي.

مسافة بين ذلك وبين ما هو ملموس على ارض الواقع مما اضطر مواطنين كثر الى اللجوء لأسلوب المناشدات والاستنجادات والاستغاثات.
الأمر برمته يعني كل ذلك وأكثر، ويمكن ان نكتشف دون عناء يذكر بأن هناك الكثير من أوجه الخلل التي تستوجب ان تؤخذ مأخذ الجد، وأنه برغم استخدام مختلف اللافتات النبيلة في هذا الموضوع الذي نحن بصدده، الا ان القضية تبقى في أصلها ومنتهاها في حاجة قبل كل شيء إلى فهم ما تعنيه تلك المناشدات والاستغاثات التي نتلقى أصداءها وإيقاعاتها كل يوم تقريباً، وان لا نهوّن من هذا الفعل او نسوغه او نبرره لأن لو كل الجهات ذات الصلة قد قامت بدورها كما يجب، ولو اعتبرنا ان كل قصور او تقصير من جهة ما، او مسؤول ما مستوجب للمواجهة، وتفعيل المساءلة والحساب لما بلغ الحال الى ما تثير المواجع، التنمية الحقيقية عملية لها مدخلات ويترتب عليها مخرجات ذات وجه مجتمعي يتصل في الإجمال بتحقيق الرفاه الاجتماعي، ولكن تبقى المعضلة كامنة أصلا في الإدارة فهي ان امتلكت الكفاءة والمقدرة توصلنا إلى الجوهر الحقيقي بعيداً عن أن تكون مبتورة الجذور لا تنمو ولا تثمر ولا تعطي عائداً وان أعطت فهو عطاء اقل ما يمكن ان يقال فيه بأنه مقرون بكل ما يمكن حشده من علامات الاستفهام والتعجب.


إدارة العملية في حد ذاته موضوع يتطلب مراجعات من كل حدب وصوب إذا أردنا بلوغ المعالجات الحقيقية والفاعلة لشؤون وقضايا الناس والمجتمع.


 

اقرأ المزيد

مواقف ثقافة طواحين الدم


في كتابه «المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة»، كتب هادي العلوي عن «ثقافة الجثث المعلقة»، إذ قال في مطلعها الآتي «قام عبدالسلام عارف عند اقتحامه القصور الملكية في الرابع عشر من (يوليو) تموز 1958 بتسليم جثث الذين قتلهم من أركان النظام الملكي إلى الغوغاء، وأنا منهم وكنت في عشرينياتي، فمثلوا بها وعلقوها على الجدران والأعمدة وسحبوها في شوارع بغداد، ولم يستنكر أدباء ذلك الوقت من أساتذتنا هذا الفعل الغوغائي، بل بالعكس نظموا مظاهرة تنادي بقتل المزيد. وكان يقود المظاهرة الشاعران محمد مهدي الجواهري ومحمد صالح بحر العلوم، الذي تخصص بعد ذلك بمدح صدام التكريتي». (1)

تذكرنا هذه الجزئية بما يجري الآن من طواحين دم في بقاع متوترة عدة من العالم برزت على السطح حديثاً.. «إيران والصين» مثالان ساطعان لانقسام المثقفين إلى فريقين: أحدهما يؤيد المذابح، من دون أن ينفطر قلبه، وآخر يستنكر همجيتها بتقزز، لكنه يُتهم، من البدء حتى الخاتمة، بـ “العمالة للغرب والأميركيان”.

من سلوكيات بعض المثقفين الذين تتألم عيونهم دمعاً فقط، عندما يقع الفعل الوحشي على أصحابهم، أما غير ذلك، فالتبريرات تخرج من أفواههم وكتاباتهم «في قوالب جاهزة»، أبسطها «المساس بأسس الثورة، أو الوحدة الوطنية، العمالة للخارج، والشبكات المعادية للثورة، تقويض النظام إلى آخره مِن الذي تعرفونه»؛ لذلك يستحقون الدوس بالأقدام، والسحق والإبادة، كالذي يحدث في الصين من قمع «أقلية الويجور»، وما يتصل بالحوادث الدموية التي أوقعت 156 قتيلاً في شينجيانج، وما يحدث في جمهورية إيران الإسلامية بوجهيها اللذين ظهرا بعد نتائج انتخابات 12 يونيو/حزيران وبعد الإعلان عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد وتأييد مجلس صيانة الدستور لهذه النتائج “ظهر الكثير من الإيرانيين في شوارع وميادين طهران والمدن الكبرى، هاتفين بأنهم لا يقبلون النتائج”، و” أخرج البعض المصاحف وأبرزوها أمام رجال الشرطة وقالوا لهم نحن مسلمون أيضاً، لماذا تضربوننا؟!”.

كانت هناك ظلال من الشعور بالخزي تلوح في وجوه وعيون قوات الأمن»، وفق العريضة التي كتبها المخرج الإيراني الشهير بهمن فرمان آرا. إذ قال ” أنا إيراني أعيش في إيران وأؤمن بدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن لا يُشير أي نص في الدستور إلى أنه يجب عليّ أن أصدق أيضاً جميع الأكاذيب الرسمية”.
” في هذه الأيام نحن مدعوون إلى مأدبة الصمت؛ وأعتقد أنه بحضورنا لها لن نخسر فقط أصواتنا إلى الأبد، ولكن أيضاً سيلحق بنا العار الأبدي بتجاهل الحادث الدموي الذي قتلت فيه ندا في شوارع طهران. وأؤمن بما قاله شكسبير في مسرحيته يوليوس قيصر: (الجبان يموت ألف مرة قبل موته، ولا يموت الشجاع سوى مرة واحدة). ومن أجل الأمل في تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية لجميع الإيرانيين اتخذ هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر”.

” ليس مهماً إذا لم أخرج المزيد من الأفلام. ولكن من المهم ألا أرقص على أية نغمة رسمية؛ لأنه في عمر 68 عاماً يكون الأمر مشرفاً. لست بطلاً ولا أطمح لأن أكون كذلك، ولست متأكداً من مدى تحمل جسدي الضعيف للألم في الأسر قبل أن أوقع على أي شيء يملى عليّ”. (2)
هذا نموذج من المثقفين الإيرانيين، مثله مثل محسن مخملباف، وآخرين يدينون القبح، والقتل في كل مكان بمفاهيم إنسانية من دون وضع أي اعتبار لما نسمعه من رطانة بعض مثقفينا العرب.

(1) هادي العلوي – «المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة» ص.113
(2) عطا الله مهاجراني – «مأدبة الصمت» – صحيفة «الشرق الأوسط» – الاثنين 13 رجب 1430 هـ 6 يوليو 2009 العدد .11178
 
الوقت 10 يوليو 2009
 

اقرأ المزيد

صحافـــــة مـــوزعـــــة الـــــــولاءات


في ورشة عمل نظمها الاتحاد الدولي للصحافيين بالتعاون مع جمعية الصحافيين البحرينية في بيت عبدالله الزايد رائد الصحافة البحرينية رحمه الله، اعتبر أمين عام الاتحاد الدولي للصحافيين ايدين وايت أن أبرز التحديات التي تواجه الصحافيين تتمثل في العمل المستقل في تغطية الأحداث السياسية، ارتباط بعض الصحف بأحزاب سياسية والميل إليها، الإثنية والطائفية فيما يخص العالم العربي.

إنها مسائل في غاية الصعوبة يسهل لمراقب غربي غير معايش لتفاصيلها اليومية، متنعم في دياره بمناخات الحرية الصحافية والمستويات المهنية المتقدمة، أن يستسهل تصوُّر إمكانية مقابلتها بالأسقف والمعايير الدولية على النحو الذي تفضل به ‘ايدين وايت’ في محاضرته في الورشة المذكورة، وذلك من خلال المبادئ الستة التي دعا للالتزام بها (!) وهي:

1-     دعم حقوق جميع العاملين في الإعلام ومنح الصحافيين حق العمل تبعاً لما تمليه عليهم ضمائرهم،
2-     تدعيم أنظمة موثوقة للتنظيم الذاتي ومساندتها،
3-     بناء تحالفات داخل الإعلام للدفاع عن الصحافة النوعية،
4-     تشجيع النقاش حول مستقبل الإعلام والصحافة،
5-     العمل على إظهار دور الصحافة المستقلة وقيم الخدمة العامة أثناء صياغة السياسات الإعلامية على كافة المستويات،
6-     رفع القيود المفروضة على حرية الصحافة ودعم حق الناس في المعرفة’.

فهل هذه الاسقف من ضوابط متطلبات ممارسة أعلى درجات المهنية والاحترافية، يتسق مع الحالة الراهنة للصحافة وللإعلام العربي بصفة عامة؟ المحاضر نفسه لا يبدو واثقاً من تطابق منظوره لنوعية الصحافة والإعلام المنشودين مع معطيات الواقع البنيوي، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، السائد في عموم الساحات العربية بلا استثناء، فهو يُقر أن ‘الصحف لها انتماءات سياسية أو أيديولوجية مختلفة، ويتساءل في ضوء ذلك، عن مدى إمكانية التفريق بين الغث والسمين وسط الكم الهائل من المعلومات المتدفقة وعن مدى توفر المصداقية والشفافية الكافية، وعن إمكانية كشف المالكين الحقيقيين للصحف؟’. لذلك هو يطرح مقاربات لا نعتقد أنها كافية لتصحيح الاختلالات سالفة الذكر، ومنها محو الأمية الصحافية من العامة، ونشر التعليم الصحافي، والمبادرة لتعزيز أخلاقيات الصحافة، وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني لدفعها نحو خلق مؤسسات تراقب مالكي الصحف وتدخلاتهم للسيطرة على المعلومة أو حجبها.

المشكلة تكمن، كما نزعم، في إشكالية التضاد الواقع بين الضوابط والقواعد المنظمة للمهنة والعمل الصحافي والإعلامي بوجه عام بمصاحبة المناقبيات الأخلاقية المفترضة في أطقم العمل الصحافي والإعلامي، وبين حزمة المصالح المتنوعة، الفردية و’الكارتيلية’ (نسبةً إلى لوبيات المصالح المتضامنة المصالح) التي اقتحمت الجسم الصحافي العربي اقتحاماً فظاً لحد فرض نفسها متغيراً (Variable) ثالثاً بجانب القواعد التشريعية والضوابط التنظيمية والمناقبيات، التي تحكم، جميعاً، علاقات العمل والإنتاج الصحافي.

لذلك لا يخال المرء، والحال هذه، أن تتمكن الضوابط والمناقبيات، برغم صرامتهما وزجريتهما التأديبية (المادية) والأخلاقية، في النظر والتطبيق معاً، من مقابلة التحدي الذي تمثله شبكة المصالح المحيطة بعالم النشر الصحافي والإعلامي والتي تشابكت خيوطها وتعمقت وتشعبت في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية العربية في السنوات العشر الأخيرة ونيف على نحو خاص، وذلك في محاكاة ومواكبة طبيعية لما هو جارٍ وحادث في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة التي تحتل البيوتات الإعلامية والصحافية حيزاً ضخماً في حياتها. كما سبق وشخصنا مثل هذه ‘الاستعارات والإحلالات “Substitution” (تعبير، نزعم، أنه أقرب للدقة من تعبير التطور “Evolution” في توصيف المقاربة الانتقائية (Selective approach) التي تعتمدها الأطر المؤسسية السيادية الحاكمة في المجتمعات العربية في تعاطيها مع استخلاصات حركة التقدم الديناميكية العالمية) – فإنها إنما تعبر عن توجهات سياسة ‘التنقيط من أعلى’ التي يجري بموجبها تنفيس احتقان مجرى علاقات قوى الإنتاج فوقياً للحيلولة دون اتساع الفجوة بينها وبين القوى المنتجة التي تسارعت وتيرة تقدمها تحت تأثير عولمة أسلوب الإنتاج الرأسمالي العالمي.

بهذا المعنى تصبح مفهومة إيجابية تعاطي الميديا العربية مع آخر استحداثات ‘وصرعات’ تكنولوجيا المعلومات (I.T.) ولكن من دون ‘الاضطرار’ ‘للتعاطي’ الإيجابي مع الأفكار الطليقة والمبدعة التي أنتجتها.

لذلك أيضاً، فإنه وبرغم الثورة المعلوماتية وحرص القائمين على أجهزة الميديا العربية على التمنطق بأزهى ‘صرعاتها’، إلا أنها مازالت متسربلة في ‘نعيم’ ولاءاتها الجهوية والإقليمية والطائفية و…الخ. حتى أجهزة الميديا الأجنبية الناطقة بالعربية لم تسلم من هذا التكالب المريض، حيث تم تجييرها لصالح الجهة المتنفذة فيها بما يخالف صيانة الأمانة التي ائتمنها عليها مالك وسيلة الميديا المعنية!
 
الوطن 11 يوليو 2009

اقرأ المزيد

مايكل جاكسون.. وسلاحه الغائب


في دراسة صحفية لي نشرتها “أخبار الخليج” في أواسط تسعينيات القرن المنصرم تحت عنوان “أغاني عبدالحليم حافظ الوطنية.. ألبوم لثورة يوليو” تناولت فيها سيرة حياة هذا الفنان الكبير الغنائية الوطنية التي بدأت مع بدايات ثورة يوليو وأفلت مع أفولها بعد رحيل قائدها جمال عبدالناصر، أتذكر بأن واحدا من الاستنتاجات التي حرصت على توضيحها وتأكيدها ضمن السياق التحليلي لمحاور تلك الدراسة أن جزءا كبيرا من المصريين والعرب ممن تأثروا بمبادئ وأفكار ثورة يوليو إنما جاء تأثرهم على خلفية إعجابهم وعشقهم لأغاني عبدالحليم العاطفية، حيث امتد هذا الإعجاب ليشمل أغانيه الوطنية والقومية وليكون 
 
البوابة لاجتذاب العديد منهم إلى عالم السياسة بدلا من قصرها على حياتهم العادية وهواياتهم المختلفة الشخصية الضيقة. هذا مع أن أعمال عبدالحليم حافظ الفنية الوطنية لم تكن وليدة خيار شخصي بالكامل، أي لم يكن فنانا سياسيا ملتزما بدوافع ذاتية مستقلة صرفة بعيدا عن تأثير سلطة ثورة يوليو، وذلك على إثر نجاحه السريع في أعماله الفنية العاطفية الأولى غداة قيام الثورة في أوائل الخمسينيات.

وما وددت أن أصل إليه من هذه المقدمة المسهبة أن الفنان إذا ما كان يملك موهبة في أكثر من مجال فني وإبداعي أو ثقافي وأدبي، وفي الوقت ذاته يحمل رسالة وطنية وإنسانية عالمية تعكس وعيا سياسيا معمقا فإنه يستطيع من خلال توظيف موهبته الفنية والإبداعية في مجال أو أكثر من مجالات الإبداع والفن التي يحظى من خلالها بشعبية جارفة في خدمة رسالته الوطنية.

أما الفنان الموهوب سواء ذو الثقافة السياسية العادية غير المعمقة أم البعيد كل البعد عن السياسة والوعي السياسي المعمق فإن جماهيريته لن تتعدى حدود المعجبين بفنه مهما بلغ عددهم ولن تكون ذات رسالة أو وظيفة سياسية وطنية وإنسانية، أي كسلاح من أسلحة النضال للتغيير السياسي والاجتماعي الجذري في خدمة تلك الرسالة وبخاصة حينما يجمع الفنان الموهوب موهبة أداء الأغاني السياسية الوطنية مع موهبة أداء الأغاني العاطفية الإنسانية الراقية.

ولنتخيل لو ان الفنان العالمي الأمريكي الإفريقي الأصل مايكل جاكسون الذي رحل عن دنيانا في أواخر يونيو الفائت كان يحمل رسالة نضالية سياسية تعكس وعيا سياسيا وطنيا وإنسانيا عالميا يتمتع به، أو لنقل كان له الاستعداد والإرادة والجاهزية لحمل مثل تلك الرسالة وهو يجمع في ذات الوقت موهبة الإبداع الغنائي العاطفي المتجدد الذي تميز به مع موهبة الإبداع الغنائي الوطني والإنساني المفعم بالقيم والمضامين السياسية التعبيرية، فكم يا ترى الأثر الكبير الذي كان سيلعبه دوره الفني ليس في تغيير المجتمع الأمريكي فحسب، بل في تغيير عقول وأفئدة الملايين العاديين من المعجبين في العالم بأسره! نقول هذا على الرغم من إدراكنا أن سيرة حياة الفنان جاكسون الملتبسة والمثيرة للجدل التي انتهت بتلك النهاية التراجيدية المأساوية الفاجعة التي فاجأت العالم كانت بمثابة سيمفونية رمزية معبرة بكثافة عن سيرة حياة الأمريكيين الأفارقة بأسرهم وما تعرضوا له من قهر عنصري وطبقي مزدوج منذ استعبادهم بعد اصطيادهم واقتلاعهم من جذور قارتهم السمراء وشحنهم في سفن البيض كالمواشي أو البضائع لبيعهم في أسواق النخاسة بالولايات المتحدة قبل استقلالها، وهو الظلم الذي لم ينته بعد الاستقلال إلى يومنا هذا، حتى بالرغم من انتزاعهم المكسب التاريخي المهم بإقرار الحقوق المدنية لهم ومساواتهم بالبيض منذ ستينيات القرن الماضي الذي تتوج بما لم يتوقعه أحد حتى في الخيال بوصول أول رئيس أسود إلى سدة الحكم في البيت الأبيض.

فعلى الرغم من شهرته الفنية المدوية التي أطبقت آفاق الدنيا بجهاتها الأربع، وعلى الرغم مما حازه من ثراء انتهى بمديونيته، فإن ما من فنان عالمي شهير عاش في طفولته حياة قاسية معذبة وتعرض منذ صعود نجمه الفني للاستغلال الرأسمالي البشع الذي لا يخلو بعضه من النصب والاحتيال القذرين، كإفراز من إفرازات شرور المجتمع الأمريكي الرأسمالي الذي يعيش فيه، ناهيك عما تعرض له من تشويه فظ لسمعته الأخلاقية الشخصية على خلفية تصفية الحسابات والثارات الشخصية معه من قبل المتربصين لأخذ نصيبهم لاستغلاله التجاري الحاسدين لتمكن غيرهم من النصابين والمستغلين منه.

ولد جاكسون في أسرة سوداء فقيرة، كان والده عاملا في المناجم قبل أن يترك هذا العمل ويتجه إن صح القول إلى الاستثمار الفني بتأسيسه فرقة عمادها أولاده الخمسة “جاكسون 5” التي انطلق منها إلى نجاحه الصاروخي العالمي السريع، وكان يتعرض للضرب المبرح من قبل أبيه الذي كان يسخر من حجم أنفه. ومع أن الكثيرين اعتقدوا – بقصد أو من دون قصد – أنه غير جلده لعقدة من عرقيته السوداء المنبوذة لكنه يؤكد في مقابلة تلفزيونية مع “أوبرا” أن السبب وراء ذلك مرض جلدي أشبه بالبهاق. أما حكاية اتهامه بالشذوذ فلم تثبت والراجح أنها مفبركة من قبل أعدائه الاستغلاليين والمحتالين بغية اغتياله فنيا عبر اغتيال سمعته الشخصية وزجه في السجن، كما لم يثبت على نحو قاطع تعاطيه المخدرات، رغم كل الأساطير الفضائحية التي نسجتها من حوله الماكنة الإعلامية لبلاده التي هي أكبر إمبراطورية إعلامية رأسمالية في العالم.

كان أفضل ألبوماته مبيعا “ثريللر” الذي بيع منه 65 مليون نسخة في العالم من أصل 750 مليون تسجيل غنائي له بيع في أسواق العالم. وقدر ما جناه من بيع أغانيه وأشرطة الفيديو والحفلات الغنائية والإعلانات بـ 500 مليون دولار وهي تعادل تقريبا حجم ديونه الحالية، لكن ما لم يكشف عنه حتى الآن هو ما راكمه من أرباح خيالية متعهدو الحفلات ومنتجو أشرطة الفيديو وشركات الإعلانات من استغلال لنجوميته وأعماله الفنية، دع عنك الأطباء والمحامين المتهافتين على استغلال ما يتعرض له من مشاكل، جلها مدبرة ضده، ومتاعب صحية، هو العليل الهزيل الذي مات صريع الأدوية المتعددة المهدئة وسوء التغذية، حيث لم يكن يتناول سوى وجبة واحدة في اليوم.

ما من سلاح يستطيع أن يثأر به من أعدائه وأعداء شعبه العنصريين وينال منهم سوى الفن الوطني السياسي الملتزم، سواء خلال حياته أم بعد مماته، وهذا ما افتقده – للأسف الشديد -الفنان العالمي الكبير الأسطورة مايكل جاكسون.


أخبار الخليج 11 يوليو 2009

اقرأ المزيد

كفانـا مزايدات


حينما يكون الاختلاف حول تقييم التاريخ السياسي في البحرين أو أية ظاهرة اجتماعية واقتصادية وثقافية فهذا حق للجميع.. حق ينبغي احترامه لانتا نحن في عصر الحريات ، والإنسان حر فيما يعتقد من أفكار وآراء شريطة أن لا يتعدى على حرية الآخرين.

ولكن ماذا عن الاختلاف الذي ينفي كل شيء مخالف له؟ نسأل هذا السؤال للذين يدّعون في اللجنة المتابعة لملف ضحايا مرحلة قانون أمن الدولة بان التاريخ السياسي في هذه البلاد لم يبدأ إلا في عقد التسعينات!! لا نعتقد ان كل من يناصر هذا الادعاء هو على بينة ودراية ومعرفة وإلمام بالتاريخ السياسي والوطني الذي امتد اكثر من خمسة عقود ولكن يأتي هذا الادعاء او هذه التصريحات من عناصر تدّعي الوطنية فهذه مزايدة سياسية مرفوضة.

على اية حال للذين يدعون بذلك نقول لهم: كفانا مزايدات من أناس يدركون تماماً أنهم تحولوا بقدرة قادر من وعاظ ودعاة في دور العبادة الى منظرين سياسيين وهم في الحقيقة من الطارئين على السياسة وبشكل أدق من جماعات الإسلام السياسي التي لا تعترف بالآخر من منطلق الشعار الشهير «احنا وبس والباقي خس» ومع احترامنا وتقديرنا بكل تضحيات التسعينات إلا أن هذه الادعاءات المغلوطة تشكل توجهاً خطيراً لان المشكلة كما قلنا ليست في الاختلاف فيما يتعلق بالنقد والتقييم لهذا التاريخ كي يعطى دفعة للتجديد والوقوف على الأخطاء والسلبيات وإنما المشكلة تكمن في نسف هذا التاريخ بأكمله!! وهذا ما يثير الاستغراب.

لقد ناضل الشيوعيون والقوميون واليساريون نضالاً عنيفاً ضد المستعمر في سبيل الاستقلال الوطني والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في وقت لم تعرف فيه البحرين لا الأصولية الدينية المتطرفة ولا الطائفية التي أصبحت الآن وللأسف محور التصنيف في المجتمع البحريني.
واليوم يأتيك من يتنكر لهذا التاريخ الذي شهد تضحيات كبيرة وشهد أيضا صراعات سياسية وطبقية كانت من أهم نتائجها تعميق الحس الوطني والطبقي والوعي السياسي والقومي والاممي.

ومن المفيد هنا ان نشير الى ما قاله الاخ حسن مدن في مقالة له ” تاريخنا لم يبدأ في التسعينات” التركيز على تسوية ملف من تعرضوا للأذى المعنوي والجسدي في عصر التسعينات يجعل المرء يتساءل: ما إذا كان القمع محصوراً في تلك الفترة او ان التاريخ السياسي والاحتجاجي في البحرين بدأ في التسعينات فقط، وقبل ذلك لم يكن هناك من طالب بالعدالة والحرية والتقدم والديمقراطية وناضل من اجلها وقدم في سبيل ذلك التضحيات الشيء الكثير، اذن مرةً اخرى مثل هذه المغالطات التاريخية لا يصعب فهمها فهي ترتبط بالفكر الأصولي الاقصائي الذي لا يزال يعتقد بوعي او من دون وعي: ان التحولات التي شهدتها البحرين منذ إطلالة ميثاق العمل الوطني عام «2000» وما ترتب عليها من انفراج على صعيد الحريات وحقوق المرأة السياسية ومشاركة شعبية في المؤسسات المنتخبة من برلمان ومجالس بلدية تعود الى عقد التسعينات الذي عرف عنه بعقد التطرف السياسي، في حين ان ما حدث في البحرين من منجزات سياسية ليست بمعزل عن الارادة الملكية ولا عن نضالات هذا الشعب عبر عقود طويلة من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان والتقدم الاجتماعي.

وبصراحة صحيح ان التاريخ السياسي ليس حكراً على احد ولكن ان يتعرض هذا التاريخ الى تشويه وانتقاص وإلغاء فهذا لا يمكن السكوت عليه او مهادنته، وبالتالي ما يجب التأكيد عليه هو ما قاله “مدن” ان المعالجة الوطنية الشاملة لملف الضحايا في مختلف المراحل هي رد اعتبار لمناضلي هذا الوطن ولمبدعيه ورموزه ومثقفيه الذين صنعوا مجد البحرين وطافوا العالم حاملين اسمها.
 
الأيام 11 يوليو 2009

اقرأ المزيد

كتب للمرأة .. كتب للرجل !


من الممكن، أو حتى من السهل أن نصنف الكتب حسب تخصصاتها والحقول التي تتناولها، وأحيانا حتى من طبيعة الفئات القارئة التي توجه إليها هذه الكتب تبعا للمرحلة العمرية أو التخصصات أو الاهتمامات. فالكتاب الموجه للطفل، شكلاً ولغةً وموضوعاً، هو بالتأكيد غير ذلك الكتاب الموجه للكبار، وما يهتم به الطبيب أو المهندس من كتب قد يختلف جذريا عن تلك الكتب التي يهتم بها رجل المسرح أو السينما .. الخ. دون أن ننسى أن الكثير من الأطباء والمهندسين قد يكونون أيضا مهتمين بالمسرح أو التشكيل أو الرواية، بل قد يكونوا كتابا أو فنانين تشكيليين، والأمثلة هنا أكثر من أن تحصى.

ولكن هل يمكن تصنيف القراء حسب الجنس، وبالتالي تقسيم الكتب إلى نوعين: كتب نسائية بمعنى أنها موجهة للنساء فقط، وكتب رجالية بمعنى أنها موجهة للرجال فقط ؟! قد يبدو السؤال غريباً،لأن الانطباع السائد أن الجنسين يقرؤون الكتب ذاتها، ويتعلمون في المدارس والجامعات في المقررات نفسها التي تجعلهم نتاج تنشئة تعليمية

واحدة، ولكن التجارب تدل على أن هناك استجابات مختلفة لدى كل من الرجال والنساء كل على حدة للقراءة، وميول مختلفة في اختيار ما هو مناسب للقراءة .
نقول هذا بصرف النظر عن القناعة العميقة السائدة، وهي قناعة هناك ما يبررها وحتى يؤكدها، من أن النساء بطبعهن لا يملن إلى قراءة الكتب والمقالات ذات المضامين السياسية، على خلاف الرجال الذين يبدون أكثر استجابة لهذا النوع من الكتب والمقالات.

في كتابه :”أخلاقيات القراءة” يدعو جي ميلر إلى تمييز صارم بين الجنسين حين نتوجه إليهما بالكتابة، وينبني هذا التمييز على ما يصفه بـ “سحر الحشمة للنساء، والحقيقة للرجال”. وهو ينقل عن كتاب ” السيرة الذاتية ” لترولوب مقتطفاً يشير فيه انه ليست هناك فتاة رفعت رأسها من قراءة رواياته وهي أقل حشمة مما كانت، وربما يكون بعضهن قد تعلمن من الصفحات أن الحشمة سحر يستحق أن يُصان، وان ليس ثمة من شاب قد تعلم انه سيجد في الكذب والبهرجة الطريق نحو الرجولة.
قد لا يفسر هذا كفايةً أن هناك أدباء وكُتاباً تكرسوا بوصفهم كتابا للنساء أكثر من كونهم كُتابا للرجال، حتى لو كانوا مقروئين من جمهور رجالي أيضا، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة حية كظاهرة الشاعر الراحل نزار قباني الذي لم تفلح كل أشعاره التي تناولت الشأن السياسي في تغيير الصورة التي تكرست عنه بوصفه شاعرا للمرأة.

كقاعدة، والقاعدة تنطوي دائما على استثناءات مهمة، فان الرجل أميل إلى التراكيب الذهنية التي تبدو أقرب إلى ما يدعى المنطق أو الواقعية، أما المرأة فهي أميل إلى ما يمليه الوجدان، وبتعبير جبران خليل جبران فان لها عقل خاص بها نسميه الحدس. وإذا صحت هذه القاعدة، فإنها قد تفسر لماذا يتحمل الرجل صرامة الكتابة الذهنية، وتفضل المرأة الكتابة الوجدانية النابعة من الروح.

اقرأ المزيد

مخاض غير مقروء


بعد التحولات في منطقة الخليج والعراق وإيران تم وضع علامة فارقة بين هذين التاريخين وما قبلهما.
لقد وصلت الحركاتُ المحافظة الدينية إلى ذروتها، وبدأت الحياة الاجتماعية تطرح مهمات أكبر من أحجام هذه الحركات.
في ذلك المفترق بين التطور التقليدي المحافظ الذي تم تثبيته من خلال الأنظمة المحلية والقوى الغربية خلال الحرب الباردة الموجهة ضد التيارات التقدمية والليبرالية، وما بعد الحرب الباردة والأضرار التي حصلت للبشرية من تنمية هذه التيارات التي أوغل العديد منها في الإرهاب، وتفجير عمليات الانفصال المحمومة عن الدول الوطنية، غدت هذه الحركات نفسها أمام مخاض التغيير الذي تستشعره من دون أن تعيه، ترى ظاهرات كثيرة عجيبة من دون أن تفسرها تفاسير أبعد من مظاهرها السطحية.

إن الرأسماليات الكبرى غرباً وشرقاً لم تعد لديها قفزات في الهواء الأيديولوجي، ورأت معاركها السابقة على ضوء آخر، وتجاوزتها في سباق محموم من أجل الأسواق والمصالح، عبر الابقاء على حدود الدول كما تمخضت عنها تحولات الكتلة الشرقية السابقة، وتصاعدت مظلة حلف الأطلسي لتضم الدول ذات الصيغة البرلمانية، وتوجه أغلب هذه الدول الكبرى إلى نزع فتائل المواجهات في كل منطقة.

لقد أدت النزاعات وسباقات التسلح والحروب الدينية إلى خسائر جسيمة، وكانت الأسواق واضطراباتها جزءا من الخسائر المادية.
في حين تطرح الدول والحركات الطائفية ضمن ما تطرحه تفكيك الدول، وهو الأمر المفجر للحروب، والابتعاد عن الطريق الديمقراطي العام للبشرية، ورفض ثمار التنوير المتراكمة خلال القرون السابقة ومن أجل العودة إلى مواريث العصور الوسطى.

ففي منطقها انه لا برامج تحديثية للشعوب، بل فقط الارتكاز على مناطقها الجغرافية المذهبية، وعلى أقاليمها وطرح التفكيك السياسي لكل دولة، أو إخضاع القوميات والمذاهب لسيطرة مركزية طائفية.

إن هذا المسار متناقض كليا مع المسار البشري العام.

كانت حرب العراق التي قضت على النظام السابق، قد طرحت أهمية الدولة المركزية الديمقراطية العلمانية، لكن القوى السياسية كانت أقل مستوى من هضم هذا الهدف، وغرقت في أضدادها، ودخلت في محاصصات طائفية وتقسيم ضمني للدولة، ثم وجدت أن القوى الطائفية الإرهابية وقوى التدخلات من الأنظمة الشمولية تعرضها جميعاً للتصفية ونقض ما هو وطني هش تم الوصول إليه، وكان هذا انكساراً لمشروع الجماعات الطائفية المختلفة، وإن لم يكن هزيمة عميقة.

ولعبت الأحداث الإيرانية دورا مهما في كشف هذا المسار، فقد كان الانفجار الشعبي الأول ضد الشاه له سياق مختلف، نهضوي، لكن القوى السائدة التي استفادت من قمع الشاه كانت تعود للقرون السابقة، فحدث خطأ تاريخي؛ شعبٌ متوثب “نهضوي” بقيادة تقليدية. فكان لابد من حدوث تصحيح، شعب نهضوي وقيادة نهضوية.
إن فعل الصدمة كان للجميع في الواقع، فلم يصدق أحد ان النظام الشمولي العسكري الإيراني يمكن ان يتمخض عنه مثل هذه الحياة المضادة، نظراً لعدم فهمهم مسار التاريخ المتعرج، لكنها في الواقع صعدت من خلال شقوق النظام وفاضت عليه بقوة، فكان لابد من ملء هذه الشقوق بالحديد والنار.

إن هزيمة النظام العراقي السابق والأحداث الإيرانية تتوجهان لمسار واحد، ويضاف إليهما بعض الإشارات الكبيرة كتخلي بعض الأنظمة عن تشددها، وهزيمة القوى المتشددة وقيام الناس بوضع علامات استفهام حول وحدات سياسية قسرية.

إن الحراك الجماهيري الحر والعفوي يُقابل من قبل التنظيمات المحافظة بالدهشة والانصعاق في اللحظة الأولى، فالأرض السياسية المرسومة بمفاهيم تعود إلى قرون سابقة، غذتها فترة الحرب الباردة وتصفيات القوى الحديثة، فتوهمتها بأنها حياة سياسية أبدية، فكشفت الأحداث عن أرض زلازل، فيها المدمر وفيها الباني.

نلاحظ على التقييمات للأحداث الإيرانية بعد فترة القمع والسيطرة عودة النغمات القديمة، وبعد فترة من ربطها بالخارج، وهو أمر بدا واهياً، بدأت اللغات تتحدث عن انتهازية القوى الحديثة وبساطة وشعبية السلطة وعمالية أجهزة القمع، وهي ألفاظ مستخدمة من القواميس اليسارية لكنها مقلوبة كاريكاتيرية.

إن دخول هذه المصطلحات اليسارية في قاموس ديني محافظ يعبر عن انكسار القاموس القديم لكن في الظاهر فقط، فلاتزال الرؤية المحافظة متشبثة بقاعها، من خلال عدم قراءاتها الصراعات الاجتماعية في إيران، وقد أوّلتها بطريقة هي استمرار للقاموس اليساري المعكوس، عبر القول إن المتظاهرين هم أولاد الذوات وبرجوازية طهران، ثم بالقول عن انتهازية الإصلاحيين، ورفضهم الديمقراطية ونتائجها.

وهناك من يقول بالبيت الواحد والأسرة الواحدة عبر منطق أبوي يغيّبُ الصراعات الاجتماعية ويضعها في الثلاجة العائلية. أو يرى أنه نظام الثورة الواحدة، وحديث الثورة ومجلس قيادة الثورة من المصطلحات الدكتاتورية الآسنة.

وهذه العينة من الآراء تبين مدى الفساد في مثل هذه الحياة السياسية، ورفض أي رؤية موضوعية. فالثورة التي يُفترض أنها ثورة ودعوة للمظلومين اتضح أنها ثورة مضادة وقمع للمظلومين.

ونقول فساد لأن الجهل ونقص المعلومات لا يبرران عدم وجود نقد وبحث غدت موادهما الفكرية والسياسية متاحة لكل إنسان، ولكنها النظارات المستوردة لا تريد أن تبصر الواقع.

تعكس هذه الآراء بدايات الفهم المحافظ لعالم مختلف عنها، حيث لا يوجد داخل هذا العالم المحافظ وبيته العتيد أي نزاعات، ويعود ذلك لأن الإله يصون هذه الوحدة، وأنها سماوية وليست أرضية بشرية فتربط امتيازات طبقة عسكرية سياسية دينية بما هو مفارق للواقع.

وفي هذا الوعي لا توجد بُنى اجتماعية ذات تاريخ، وأنظمة متحولة، وتغدو الجماعة – الطائفة كيانا غيبيا، هي الإسلام بذاته، فلا يمكن الدخول إليها لاكتشاف تناقضات وتحولات.

إنها مفاهيم تعود لما قبل العصر الحديث، لكن كيف سيواجه مثل هذا المنطق تنامي الصراعات المحتومة في كل نظام اجتماعي، فليست هي مقصورة على هذا المذهب أو ذاك، بل هي جزء من طبيعة مثل هذه الأنظمة؟ وكلما زاد التبرير زاد القهر.

أخبار الخليج 11 يوليو 2009

اقرأ المزيد