المنشور

فتح باب السجون للحقوقي

بكل المقاييس التي يمكن أن يقاس بها أداء وزارة الداخلية ووزيرها الشيخ راشد آل خليفة، فهناك اجماع على ان هناك تطوراً ملحوظاً شهدته الوزارة على مختلف الأصعدة، وإن كان في بعضها بطيء للغاية نتيجة ظروف مختلفة. الوزارة الوحيدة التي تمثل للمواطن ليس البحريني فقط بل هو العربي أو حتى الاجنبي – على مستوى مختلف – محل هاجس وخوف هي الوزارات الامنية، فقد تأخذك الجرأة ان تناقش نقاشا حاداً مع مدير في وزارة الاسكان مثلاً، إلا ان الخوف يجعل لسانك أخرسا عند الحديث مع “ناطور” يعمل في وزارة الداخلية، فكيف تكتب تقريرا يظهر سلبيات هناك وهناك في التعامل مع السجينات أو فيما يتعلق بما هو موجود داخل مركز التأهيل. فما صدر من تقرير للجمعية البحرينية لحقوق الانسان هو دليل على ان هناك انفتاحاً نسبياً من قبل الوزارات الامنية على المجتمع المدني، وهذا بحد ذاته يصب في الاسهام بشكل مباشر في تطوير “الشراكة” وتعزيز التواصل بين المواطن وبين المسؤولين في هذه الوزارات، التي عليها ان تثبت ان هناك عصرا يتطلب العمل بروح مختلفة عن تلك العصور الغابرة، التي لا يمكنك ان تنقد فيها فراشا ولا ناطورا. اليوم استطاعت الجمعية البحرينية لحقوق الانسان ان تزور سجن جو المركزي وان تزور مركز التأهيل النسائي، وتطالب ان تزور مركز الأحداث، للاطلاع على ما يعانيه السجناء، وما نقله عبدالله الدرازي الامين العام للجمعية البحرينية لحقوق الانسان عن وزير الداخلية ان التقرير الحقوقي الذي استلمه من الجمعية مهم ولكن الاهم ان تأتي الجمعية العام المقبل وقد تحققت جميع ملاحظاتها. بهذه الروح التي قدمها وزير الداخلية نستطيع ان نعزز التواصل ونستطيع ان نبني شراكة متينة بين المجتمع والمسؤولين في الامن، وبالتالي فإن هناك مسؤولية كبيرة على جميع العاملين في وزارة الداخلية ان يكون سلوكهم وتصرفهم وعملهم يتلائم مع ما ينظر اليه معالي وزير الداخلية. اتفهم كثيرا ان الكثير من العاملين في وزارة الداخلية متعلمين على لغة العسكر فقط، ولكن هناك مساع كبيرة من قبل وزير الداخلية ان يكون عنصر الامن في البحرين على قدر كبير من الثقافة الحقوقية، والدليل خضوع العديد من رجال الامن الى ورشة حقوقية، نتمنى ان يكون لها صدا واسعا على الصعيد العملي. وقبل ان ننتهي من همزاتنا وغمزاتنا، اتذكر حديثا جمعني مع الناشط الحقوقي سلمان كمال الدين والذي قدم فيه أفكارا ومشاريع حقوقية على مستوى الوزارات، تستطيع قيادة الجمعية الحالية ان تستفيد منها وتقدمها كبرنامج عملي، يثري العمل الحقوقي.
 
صحيفة الايام
25 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

تيارنا الديمقراطي: هموم ومهام – 6

هيأ المناخ الذي شاع في البلاد بعد انطلاقة المشروع الإصلاحي للتيار الديمقراطي فرصة غير مسبوقة في أن يعيد بناء صفوفه في ظروف العلنية، وفي ظل مقدار الحريات المتحقق في البلاد، والذي يظل مهماً، رغم قناعتنا بأنه بحاجة لنضال دؤوب ليس فقط للحفاظ عليه وعدم التفريط به، وإنما أيضاً في سبيل تطويره باستمرار. إنها الفرصة الأولى بعد عقود القمع التي تستطيع فيها الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد أن تلتقط أنفاسها، وأن تجني بعض ثمار نضالها وتضحياتها الجسيمة، وفي مقدمة هذه الثمار أن تعمل بصورة علنية، حتى لو كان هذا النشاط العلني قُيد بمنظومة تشريعات بينها بعض أحكام قانون الجمعيات السياسية وقانون التجمعات وقانون الصحافة والنشر وسواه من تشريعات منظمة لشؤون الحريات العامة، بما فيها حرية التعبير والتنظيم. لكن الوضع الجديد بمقدار ما حمل من ايجابيات، كشف عن تعقيدات كثيرة، هي الأخرى غير مسبوقة، بينها أن شروط العمل العلني مختلفة عن تلك التي كانت في العمل السري، وأن الخطاب السياسي الذي يجب أن يقدم في الظروف الجديدة بات هو الآخر مختلفاً، لا من باب أن يتخلى التيار الديمقراطي عن ثباته على مبادئه، وإخلاصه للأهداف التي ناضل في سبيلها، وقدم من اجلها التضحيات، وإنما لأنه بات مطلوباً منه أن يكون مبادراً في تقديم البدائل المقنعة والبرامج الرامية للتغلب على معوقات الإصلاح السياسي، فلم يعد الخطاب العمومي المختزل في الشعارات كافياً، وأصبح المطلوب إظهار حرفية العمل الحزبي وكفاءة المنخرطين فيه من خلال مثل هذه البرامج، وشحذ ما لدى كوادر الحركة الوطنية الديمقراطية من خبرات وقدرات مهنية في الإجابة على الأسئلة الكبرى التي يتطلبها الوضع الجديد. لن نقلل مما قام به أعضاء وكوادر تنظيمات تيارنا الديمقراطي خلال السنوات الماضية، ولكن لا بد من الاعتراف بأن ذلك لم يوجه لإبراز الطرح المستقل للتيار الديمقراطي وتوكيد حضوره في المجتمع المدني، لأن أعباء التحالفات التي وجد التيار الديمقراطي نفسه في إطارها أرهقته، وغيبت رؤيته الخاصة تجاه قضايا لا نقلل من خطورتها وأهميتها وإلحاحها، ولكن فهمنا لها لا يتطابق بالضرورة مع فهم شركاؤنا في العمل السياسي، كأمثلة: التمييز والتجنيس وسواها. صاغت الدولة علاقتها مع المعارضة انطلاقاً من هذه الحقيقة، فطالما كان التيار الديمقراطي مشتتاً، ومتردداً في إظهار رؤيته المستقلة، فمن الأفضل لها التفاهم مع الحلفاء الكبار لهذا التيار الذين يملكون قوة التأثير في الشارع لبلوغ ما ترتئيه من تسويات تراها ضرورية وملائمة لها، وكما جرى لحظة التصويت على ميثاق العمل الوطني حين جرى التفاهم بين الحكم وتلك الاطراف، فان الأمر تكرر ويتكرر عند المنعطفات الفاصلة من تطور الأوضاع السياسية، حيث تجري الدولة ما تراه ضرورياً من تفاهمات مع هؤلاء الرموز من رجال دين أو حتى مع قادة ميدانيين. غاية القول أن التيار الديمقراطي بمكوناته الأساسية أخفق في أن يكون محاوراً للدولة، لأن ما هو عليه من تشتت ومن ضعف في استقلاليته السياسية جعل النظر إليه يتم على أساس انه التابع أو الضعيف، ومن الأجدى التفاهم مع الأقوياء، سواء تم ذلك بوعي منا أو بدونه.. نتابع غداً.
 
صحيفة الايام
25 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

مؤتمر فتح والظاهرة الستالينية!

وصف النقاد موت ستالين التاريخي لا يعني موت الظاهرة الستالينية، وهي التي نراها تتسيد على الكثير من المؤتمرات العربية وبروز ظاهرة الصراع بين رعيلين في الحزب وان كان الجيل القديم أو بتسمية أوضح وغير محببة «الحرس القديم» وهي عبارة أطلقها الغرب في مرحلة الحرب الباردة، على تلك القيادات السوفيتية المتناسلة الواحد تلو الاخر والذين شكلوا في غالبيتهم أعمارا كبيرة كانت تقف محاذية للموت في كل لحظة، ولكنهم ظلوا دائما متمسكين بمقعد القيادة الحزبية بحجة أنهم المتراس التاريخي للثورة وحصنها المنيع عن الانحراف، وهم الميراث التاريخي الشرعي لها. هذا المنطق المتتالي في سجلات الأحزاب في معظم البلدان فقدت الآلية الديمقراطية سواء في داخل المجتمع أو الحزب، وسيادة دور الرجل الأوحد والأسطورة الفردية لرجل فوق الأخطاء والمحاسبة. هكذا ظلت حركة فتح منذ مؤتمرها الخامس عام 1989 بعيدة عن كل لوائحها التنظيمية التي تستدعي عقد المؤتمر بشكل منتظم، ولكن القيادات التاريخية تعللت دائما إما بظروف الوضع الفلسطيني التاريخي والسياسي والجغرافي أو لوضع الحركة داخل تلك الظروف المستعصية. هكذا توالت الحلقة تجر نفسها حتى داخلت الحركة عامها العشرين ورحل الرجل الذي كان حديديا ومحببا ومحترما ومنفردا في اغلب القرارات وقادرا بحلقته العليا الضيقة في القيادة على تسيير أمور الحركة التنظيمية والمالية والسياسية والعسكرية. ولكن هل بإمكان حركة مترهلة ومنقسمة بعده أن تواصل مسيرتها بين جيلين أو رعيلين لهم الحق في المحاسبة والمساءلة لكل ما اعترى الحركة خلال العقدين أو حتى ما قبل ذلك التاريخ؟ دون أن تلقي مسافة الزمن الاحترام المتناهي لرجلها الأول الزعيم ياسر عرفات. ربما اختلف المراقبون على أهمية المؤتمر العام السادس للحركة من حيث تاريخيته، ولكنهم ظلوا يتناوبون الأسئلة الغامضة التي ستحرك مسار ونتائج هذا المؤتمر، بل واتجاهه مستقبلا، إذ ربما يكون سببا في انهياراته المستقبلية أو العكس، خاصة وان وجود ثلاثة تيارات داخل المؤتمر واضحة معالمها وتيار رابع وصف بالاتجاه التوفيقي، وهو الذي بإمكانه أن يصب أصواته في اختيار من سيمنحه المزيد من المقاعد في المجلس الثوري أو اللجنة المركزية لفتح. ولا يختلف من عاشوا تجارب المؤتمرات التاريخية – خاصة كمؤتمر فتح المتكلس لعقدين- أن يشهد أصواتا فوضوية كما وصفها عباس نفسه، وأصواتا أخرى تتهم الرعيل الأول أو غيره بشراء الأصوات عن طريق زيادة حصة «الأقرباء والموظفين في مكاتبهم» والذين حضروا كمشاركين للمؤتمر. ولن نستغرب أن يصبح دم الحركة مجددا بالرعيل الثاني من تيار مروان البرغوثي، والذي سيستثمره الجميع داخل المؤتمر إذ المزايدة على السجناء والشعارات هي من أكثر صفات المؤتمرات وضوحا. من وصفتهم وكالات الأنباء «بالإصلاحيين» هم من سيحاولون مسك خيوط الثورة والحركة في ظل أوضاعها التاريخية الصعبة فالحركة تعيش تحت سندان حماس ومطرقة الاحتلال الإسرائيلي مما يضع السلطة الفلسطينية الحالية أمام مأزق تاريخي بحاجة لمعالجة تتسم بالحكمة والمرونة والمبدئية. ومن الطبيعي أن يتعرض مؤتمر تجمدت أوصاله لعقدين لمناقشات ساخنة ومتوترة، في اغلب أمورها المفصلية كالمساءلات التاريخية، والشأن المالي والإداري والتنظيمي، وملف غموض قضية اغتيال ووفاة الزعيم، والبيروقراطية الحزبية، والفساد في السلطة والحركة. إن عشرين عاما أو أكثر بدون مساءلة مالية وإدارية بالتأكيد تركت سردابا عميقا من الملفات الضائعة، وبتعبير نبيل عمرو أن داخل الحركة ومؤتمرها ما لايقل عن عشرة آلاف خلاف، وهي بعضها مقسم على عشرين عاما وعشرات الفصائل والكتل، وغيرها من الجراحات الطويلة، بعضها بات شخصيا وعائليا وفئويا، ولكن المحنة الكبرى يبقى تنظيميا وفلسطينيا في كيفية حل الخلاف بين قطاعي غزة والضفة الغربية والخلاف بين أعضاء الحركة تنظيميا، والتي تقطعت أوصالها بين غزة ورام الله، تبقى مسألة أخلاقية مهمة لكل من يهمهم مستقبل الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة التاريخية الحرجــة، أن يفكــروا مرتين، بـان الصراع بين حماس وفتح «أو السلطة في رام الله وغزة» لن يخدم قضية معقدة وفي ظل مواجهة نظام شرس يستفيد من كل التناقضات الممكنة للنفاذ بشروطه ومطالبه فارضا على الشعب الفلسطيني المزيد من التنازلات القادمة.
 
صحيفة الايام
25 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

امتداد القرى وتعزيز الطائفية

بالرغم من جميع التحفظات والمطالبات بإلغاء مشروع امتداد القرى وفتح مدن وقرى البحرين لجميع أبنائها إلا أن وزير الإسكان لم يشر إلى ما يفيد بتوجه الحكومة لمثل هذا القرار خلال مقابلته التلفزيونية، وإنما أكد على استمرار هذا النهج – الذي ثبت خطأه – من خلال تقسيمه للمشاريع الإسكانية لثلاث فئات، هي المشاريع الخاصة والتي يصدر بموجبها قرار من السلطات العليا، والمشاريع العامة التي تخدم جميع الطلبات القديمة وامتداد القرى الذي أثار وسيثير العديد من المشاكل كونه لا يستند على أي مسوغ قانوني أو إنساني.
المبرر الوحيد لهذا المشروع الذي أقل ما يقال عنه أنه يظلم بصورة فاضحة أصحاب الطلبات القديمة، والذين هم أحق من غيرهم في أية قطعة من الأرض أو أي منزل يبنى في أية منطقة من مناطق البحرين لا فرق بين المحرق والدراز أو الرفاع وبني جمرة هو أن هذا المشروع يبقي التجانس الاجتماعي والامتداد الطبيعي لقرى البحرين.
هذا النسيج الاجتماعي لا يمكن إبقاؤه إلى مالا نهاية كما أنه ضد التطور الطبيعي لأي مجتمع من المجتمعات، فلو أبقي هذا المبرر لما شهدت منطقة مثل سار مثلا هذا التطور العمراني والخدمي بحيث تحولت من قرية صغيرة إلى مدينة متكاملة توجد بها المطاعم والسوبرماكتات ودور السينما وحتى النوادي الخاصة، وغيرها من وسائل الترفيه والخدمات وستتبعها العديد من القرى البحرينية شئنا ذلك أم أبينا.
ولو أبقي على النسيج الاجتماعي لما شاهدنا قرانا ومدننا العريقة كالمحرق والبديع تعج في «فرجانها» بهذا الكم الهائل من السكان الآسيويين، حتى وصل هذا الأمر للكثير من القرى الصغيرة التي تتجاور فيها بيوت الآسيويين المؤجرة لبيوت المواطنين، فهل من المعقول أن يقبل المواطن أن يجاور آسيويا – وأرجو أن لا يفهم ذلك على أنه تقليل من شأن الآسيويين فجميعنا بشر وإخوة في الإنسانية – ولكن هل يعقل أن يفضل المواطن مجاورة الآسيويين على مواطنيه حتى وإن كانوا من طائفة أخرى.
لماذا تقبل المواطنون من الطوائف المختلفة مجاورة أخوانهم في مدينة عيسى ومدينة حمد وفي سار وفي جميع المدن الحديثة الراقية ويرفضون مجاورتهم في البسيتين والشاخورة والنويدرات؟
إن فرز المجتمع بهذه الطريقة التعسفية لن يخدم الترابط الاجتماعي ولن يحافظ على نسيج القرى – إن كان لا تزال هناك قرى في البحرين بالمفهوم التقليدي للقرى – وإنما سيعزز الطائفية وسيحاول ولو إلى حين تشطير الوطن الواحد بحيث تصبح منطقة خاصة بالطائفة الشيعية، وأخرى بالطائفة السنية، صحيح أن مثل هذا التشطير كان موجودا في السابق ولكنه كان يعود لظروف طبيعية ولم يكن مفروضا من قبل الدولة.

صحيفة الوسط
24 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

الطوائف بعين الوطن والحاضر.. بعين المستقبل

نعرف من نظرية النظم أنه لكي تعمل آليات أي نظام من أجل تحقيق هدف ما، فإن الهدف يجب أن يُختار دائماً من خارج النظام ذاته. في النظم غير الاجتماعية أمثلة كثيرة. في الطبيعة الفطرية تنتظم مجموعة حيوانات من نوع ما، وتخرج لتسد جوعها ليس بافتراس بعضها، بل للبحث عن هذا الهدف خارج نظامها. لو حدث العكس لتعطلت آليات النظام الذي، بالتالي، سيختنق حتماً. وكذلك في النظم التي أبدعتها منجزات التقدم العلمي التقني. الطائرة تعمل بجميع آليات نظمها الداخلية لتحقيق الهدف المختار من خارجها – أن تقلع من نقطة لتحط في نقطة في طرف آخر من العالم. تراكم تحقيق الأهداف على مدى خدمتها يعني تَساوي عدد مرات الإقلاع والهبوط بالتمام والكمال، وإلا فلن تكون قد أدت وظيفتها قبل أن تخرج من الخدمة.
ينطبق هذا القانون على نظم الحياة الاجتماعية أيضاً. وسنختار من بينها مجلسنا النيابي الذي حمى وطيس المعارك الانتخابية حوله منذ وقت مبكر هذه المرة. والغرابة أن هذه المعارك تحتدم وسط حالة جماهيرية تصعب قراءة تفاصيلها، وهي تبدو متناقضة للغاية، في الوقت الحاضر على الأقل: الناس ساخطة على أداء المجلس الذي انشغل بالتطاحن الطائفي في داخله فأضاع ثلاثة أدوار، وسيليها الرابع من دون أن يحقق للجماهير الحد الأدنى مما كانت تتوقعه منه، لكن الناس، وتحت دافع الحَميّة الطائفية سينتظمون بشكل يجعل من الاصطفاف الاجتماعي «نحن – هم» يأخذ شكل «طائفتنا – طائفتهم»، وحتى في داخل كل طائفة «فرعنا – فرعهم»، وبهذا فقد تعيد الجماهير بعد الانتخابات المقبلة إنتاج المجلس الطائفي ذاته لندخل دورة جديدة من الزمن الضائع. ولعل التسخين المبكر في الصراعات الانتخابية لا يستهدف تسعير حمى الفرز الطائفي فقط، بل إنه يستهدف أيضاً إجهاض البديل: التيار الوطني الديمقراطي وإبعاده عن التأثير في الحياة السياسية، بما في ذلك عن ساحة البرلمان مجدداً.
للأسى والأسف، وبعكس ما تقول به نظرية النظم فإن مجلسنا النيابي الحالي اختار الأهداف التي «ناضل» من أجل تحقيقها في داخله وليس في خارجه، أي المجتمع. قبل انتخابات 2006 سعت كل طائفة إلى احتلال أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان. ثم في داخل البرلمان أصبحت كل طائفة كمنظومة تتحرك على أساس أهدافها الداخلية الخاصة، التي أصبح تحقيقها يتطلب مواجهة كل طائفة للأخرى ومحاولة إفشال تحركاتها تحت عناوين قوانيننا – قوانينهم، مؤسساتنا – مؤسساتهم، أموالنا – أموالهم، وزيرنا – وزيرهم، إسكاننا – إسكانهم وهكذا. وقد استغلت المساومات في أروقة المجلس البرلماني وخارجه من قبل ممثلي الكتل الطائفية في كثير من الأحيان لتعزيز مكان بعض أبناء هذه الطائفة، أو فرع الطائفة، وسد أبواب هذه أو تلك من مؤسسات الدولة في وجه الغير. أجيلوا النظر فيما حولكم لتجدوا أمثلة ساطعة في مؤسسات حكومية وهيئات مستقلة وحتى في مؤسسات كبيرة خاصة. على أن المستفيد حقاً من كل هذا الدوران حول الذات ليس أبداً الناس العاديين في الطائفة أو فرعها، ناهيك عن المجتمع برمته، بل نخب تجمعها مع النواب مصالح مشتركة يجب إدارتها على هذا الأساس في داخل البرلمان أو المؤسسات. الناس العاديون بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم مجرد حطب وقود للصراعات الطائفية عندما يعاد تصديرها من داخل البرلمان إلى المؤسسات فالمجتمع.
إذا شبهنا هذا النظام الاجتماعي بنظام تقني كالطائرة، فسنجد أن طائرة البرلمان تطير إلى لا هدف، إذ إن الطوائف اختارت الهدف داخل البرلمان وداخلها هي. وطبيعي أن ذلك لن يعمل سوى على تعطيل عمل المجلس، إضافة إلى معوقات الآليات المصممة سلفاً. مجلس بهذه المواصفات سيكون مهدداً بالتوقف كلياً في منتصف الطريق. ومن تجربة الكويت وجدنا ولمرات أن إقلاع المجلس يعقبه هبوط اضطراري وكارثي بحَلّه وإعادة الانتخابات المكلفة اجتماعياً واقتصادياً.
التيار الوطني الديمقراطي هو البديل الواقعي للاتجاهات الطائفية، ولذلك فهو غير مرغوب من قبلها. وهي تنظر إليه على أنه يجب أن يبقى عشباً تدوسه الفيلة المتصارعة. وبوعي أو من دونه يتخذ بعض مسؤولي الدولة وبعض رجال الأعمال الموقف ذاته. هذه وتلك وجهان لمشكلة موضوعية أمام التيار الديمقراطي، لكن مشكلته الذاتية هي الأهم. إنه بالتأكيد وبخلاف القوى الطائفية لا يختار هدفه في داخل نظامه، وبالتالي فهو أكثر قدرة على المضي نحو تحقيق الأهداف التي يضعها وفي الوقت نفسه ضمان ديمومة نظامه. لكن المسألة هي أن هذا النظام ذاته لايزال غير موجود. متى ما أوجد التيار نظامه وحدد مكانه ودوره في الفترة الحالية وما بعدها، في خارج البرلمان وداخله فسيكون الشريك الأقدر في بناء دولة ومجتمع المستقبل. الذي يمنعه من ذلك هو بقاؤه مصاباً بعدوى بعض أمراض القوى الطائفية. وهنا اللعبة واضحة وغامضة في الوقت نفسه. قوى طائفية وأخرى ديمقراطية تعتقد أن كلا منها يستطيع أن يستفيد من لعبه مع الآخر. لكن طرفاً يحسبها لعبة صفرية على أساس رابح – رابح، والآخر يريدها رابح – خاسر. التيار الوطني الديمقراطي هو الخاسر حتماً لأنه بلا نظام. أما إذا امتلك نظامه فسيدخل اللعبة قوياً أو قد لا يحتاجها أصلاً. فقد يكون قادراً اليوم أو غداً على الاعتماد على ذاته وتحقيق القدر الذي يستحقه من التمثيل، خصوصاً إذا نظرنا إلى الطوائف بعين الوطن وإلى الوطن اليوم بعين المستقبل.
 
صحيفة الوقت
24 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

الحاجة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد

وصف يوم الاثنين الموافق 5 سبتمبر من عام 2008م بأنه “اليوم الاسود” في تاريخ الاقتصاد الرأسمالي في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما كان يعرف بـ “المنظومة الاشتراكية” الممثلة في دول اوروبا الشرقية حليفات الاتحاد السوفيتي التي كان يقوم نظامها الاقتصادي على تدخل الدولة في الاقتصاد، وتأميم مختلف المؤسسات الاقتصادية والصناعية، واحتكار الدولة للتجارتين الداخلية والخارجية باسم “النظام الاشتراكي” والملكية العامة لوسائل الانتاج لمصلحة العمال والكادحين وعامة الشعب العامل تحت قيادة وحكم الحزب الشيوعي الذي يحتكر السلطة ويمنع التعددية السياسية ويغيب الفصل بين السلطات كما يحتكر وسائل الاعلام.
حينذاك أي غداة ذلك الانهيار المدوي للاتحاد السوفيتي والدول الاوروبية الشرقية الحليفة له في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وصف المنظر الامريكي فوكوياما بأن العالم يشهد نهاية التاريخ، اي بمعنى ان لا تاريخ اقتصاديا يدون بعد اليوم سوى تاريخ الرأسمالية والليبرالية، وان أي محاولات اقامة انظمة اقتصادية بديلة عن النظام الاقتصادي الحر، بعد اليوم، وعلى وجه الخصوص على شاكلة ما كان يعرف بـ “النظام الاشتراكي” سيكون مصيرها الفشل المحتوم.
لكن لم يمض سوى اقل من عقدين على انهيار “الاشتراكية” في الاتحاد السوفيتي حتى اهتز او تزلزل النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي من قلب اكبر قلعة له ألا هي الولايات المتحدة ليعيد مجددا اكبر جدل عالمي على الساحة الفكرية حول مستقبل هذا النظام ومدى قدرته على الصمود او التكيف والتجديد، وبلغ الزلزال ذروته على اثر انفجار الازمة المالية بالولايات المتحدة في ذلك اليوم التاريخي الأسود المشهود 5 سبتمبر 2008م، ففي غضون 24 ساعة انهار اعرق واكبر المصارف الاستثمارية الامريكية، فقد اعلن LEHMAN BROTHERS بعد 158 سنة من عمره المديد افلاسه بعد أن كانت اصوله قبل الازمة قد وصلت الى 639 مليار دولار وفقد بسبب هذا الافلاس 250 ألف موظف وظائفهم أما “BANK OF AMERlCA” فقد اغتنم الفرصة ليستولي على اهم المصارف الاستثمارية في العالم الا هو MERRlL LYNCH، وعلى صعيد المؤسسات التأمينية فقد اعلنت (AlG) وهي اكبر شركة تأمين امريكية حاجتها الماسة الى 40 مليار دولار وطلبت انقاذا عاجلا من الاحتياطي الفيدرالي على شكل قرض.
وفيما قدر البعض خسائر ذلك اليوم التاريخي الاسود في بورصة نيويورك بـ 600 مليار دولار قدرها البعض الآخر بألف مليار دولار.
الاهم والاخطر من ذلك ان الزلزال المالي الذي ضرب بورصة نيوريوك سرعان ما امتدت آثاره وتداعياته الى اقتصادات دول العالم أجمع وترك آثاره السلبية المدمرة بوجه خاص على اقتصادات البلدان المنامية، ومن ضمنها البلدان العربية. وهنا تجدد الحديث من جديد بين المحللين والباحثين الاقتصاديين في العالم الثالث حول آفاق اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد عادل يحمي اقتصادات الدول النامية من غول وسطوة الرأسمالية العالمية، وعلى الأخص في عصر العولمة وسيادة نظام القطب الواحد على الساحة الدولية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
ومن المصادفات التاريخية انه تمر هذه الايام ذكرى مرور 35 عاما على اصدار الامم المتحدة أهم وأول وثيقتين باسم الإرادة الدولية تقران ضمنيا بعدم عدالة النظام الاقتصادي العالمي القائم والحاجة الى نظام اقتصادي جديد عادل: الوثيقة الأولى عرفت بـ “الاعلان عن اقامة نظام اقتصادي جديد”، والثانية عرفت بـ “برنامج اقامة نظام اقتصادي جديد”. ولم يخل تاريخ التصويت عليهما من مغزى في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث جرى ذلك في الأول من مايو عام 1974م المصادف لذكرى عيد العمال العالمي.
ولكن وبالرغم من مرور 35 عاما على هذا الحدث، وبالرغم ايضا من انتهاء الحرب الباردة والتبشير بعصر الحرية والعدالة الجديد فإن قضية اقامة نظام اقتصادي دولي جديد عادل مازالت تراوح مكانها ليس بسبب انقسامات الدول النامية في مواجهة التكتلات الاقتصادية المتقدمة الكبيرة فحسب، بل لضعف وتفتت الحركات النضالية الشعبية داخل تلك البلدان وعدم امتلاكها مشاريع واستراتيجيات نضالية للتغيير واضحة المعالم.

 
صحيفة اخبار الخليج
24 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

لحم من أجل أفغانستان

تتبارى الأصوات في شهر رمضان للتبرعات ومساعدة الفقراء، وتكثر الصناديق وتصبح الزكاة في الذروة.
لو أن المسألة مسألة لحم وأرز وسكر لهان الأمر.
فما أكثر السلال التي تمتلئ بالبقايا ولو وزعت على فقراء الهند والسند المتضورعين جوعاً لانقذت الكثيرين!
الخليج والجزيرة العربية مثل مأدبة كبرى باذخة وسط حشود من جياع الشعوب والقارات الفقيرة المتذابحة على اللحم والعظم والانفجارات والحروب تشتعل بينها.
في الجزيرة والخليج تجرى فيهما سياسة “الشفط” لكل شيء بسرعة، كأن الجميع في سرعة من أمرهم لالتهام كل ذرة تنتج قيمة وفائدة! النفط والغاز والنقود والرمال والشواطئ والنخيل والجزر والأيدي العاملة والدجاج والسرطانات البحرية والهوامير والقواقع.
اقصى سياسات الخير نحو الجيران هي إرسال البطانيات وأكياس الأرز.
البلدان المحيطة بها المتقاتلة على كل شبر بالدبابات لا تعنيها، إلا عبر صناديق التبرع و(ساعد أخاك المسلم)، وحين يلقي الإنسان قطعة نقد صغيرة يرتاح كثيراً وهو يرى المجازرَ على الشاشة.
المسئولون مثل الشعوب يتطلعون لمذابح اليمن ويصدرون تعليقا سياسيا بعد مؤتمر انعقدَ متأخراً بسببِ الانشغالات الكثيرة وبعد أن كادتْ المذبحة أن تنهي نصف الشعب، ويدعون فيه إلى احترام الحدود والقوانين المرعية والأخوة وغير هذا من الكلمات العامة التي تعني كل شيء ولا تعني شيئاً محدداً.
الخليج والجزيرة العربية اللذان يضعان ربعَ احتياطي الذهب في الولايات المتحدة يرسلان البطانيات وصناديقَ البطاطس إلى أفغانستان فمادامت المعارك بعيدة، فلماذا نلزمُ أنفسنا ببناء المدارس والمصانع في الجارة التعسة الأخت الممزقة التي تتخاطفها الذئاب افغانستان؟”.
أجل هل يستحق ابناء وبنات الشعب الافغاني أن نفكر في بناء مدارس لهم؟
لماذا نغير عاداتهم ونزيل زراعتهم للخشخاش ونساعدهم على زراعة الأرز وقصب السكر والقمح؟
افغانستان بعيدة، بيننا وبينها محيط وبحر، فنحن في امان، وحين نزيل بحر النفط و”نشفط” الغاز ومحيط المعسل وجبال الكباب والتكة والهريس يكون الشعب الإفغاني قد زال.
كل ما يلزمنا هو صناديق صغيرة نجمع فيها الفلوس والدموع والألحفة والأدعية، وهي تمثل سياسة حكيمة وبعيدة النظر، ويمكن كذلك أن يتوجه بعضها إلى اخوتنا في طالبان، ومن يدري قد يحكمون مستقبلاً فنكون قد اصطدنا عدة نمور بحصالات واحدة.
هل تقوم المعاهد والجامعات ووزارات الخارجية الخليجية بقراءة ودراسة جيراننا المقلقين هؤلاء؟
هل ذهبت بعثة لاستقصاء الأوضاع في الصومال أو اليمن أو بحر العرب وتحدثت مع القراصنة العاطلين عن المذابح هناك؟
هل نحن خارج غرب آسيا أم نحن في جنوب شرقي آسيا؟
أم نحن في القارة الهندية تحديداً؟
أم نحن في الفراغ وفي محال كنتاكي؟
هل عُقدت ندوات لمتابعة ما يجري حولنا وآثار التحولات في إيران وغيرها من الدول الكبيرة المؤثرة وكيفية مساعدة الشعوب على النهضة والديمقراطية والتنوير؟
لا ، هناك شغل من نوع آخر، شغل “الشفط” للثروات وملء الشواطئ بالأبنية والمخلفات، وزيادة الأسعار والاستقدام لبؤساء مناطق بعيدة لا تعنينا كثيراً، وإرسال الفلوس لها، وترك العراق يحترق.
ولكن ماذا نقول إذا كانت الجزيرة العربية غير قادرة على مساعدة أجزائها الداخلية وتنمية صلاتها الاقتصادية وتشكيل تجمع اقتصادي – اجتماعي متطور متعاضد هل تستطيع أن تكون لها سياسة فاعلة كبيرة في المنطقة؟
رغم أنها أفضل منطقة عربية متعاونة ولم تنشأ بينها في الزمن الحالي سياسة عنف، فإنها تمشي بخطوات السلحفاة فيما تتطلب التحديات الإقليمية والتطورات الصاروخية العالمية سياسة فيها بعض القفزات والخيال الإبداعي.

صحيفة اخبار الخليج
24 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

تيارنا الديمقراطي: هموم ومهام – 5

قضية التيار الديمقراطي، كما كانت في الماضي، ليست الخصومة مع التيارات الدينية، وإنما هي قضية البناء الديمقراطي ودعم الإصلاح السياسي في البلاد، ومحاربة معوقاته من فساد مالي وإداري، ومن تشريعات وإجراءات وتدابير ونصوص دستورية معيقة، وبناء وتوطيد مؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات جماهيرية وسواها، وتوسيع الحريات العامة وصون ما تحقق منها.
وعلى هذه الأرضية بالذات يمكن للتيار الديمقراطي أن يتعاون وينسق مع كل من يمكن أن يقف معه في النضال في سبيل هذه المهام، بما في ذلك التيارات الدينية التي لها مصلحة في ذلك.
لكن نقطة انطلاق التعاون ومحوره هي وحدة قوى التيار الديمقراطي نفسه، وفي الحد الأدنى التنسيق الجاد والمستمر، لا الموسمي والمؤقت بين أطرافه، فليس منطقياً أن تبحث أطراف التيار الديمقراطي عن حلفاء لها من خارجها، فيما هي عاجزة عن التفاهم بين مكوناتها، ونظن أن هذه إحدى الثغرات التي وقع فيها التيار الديمقراطي، وما زال من المتعين عليه الخروج منها.
لقد نشأ هذا الأمر بصورة أساسية في اللحظة التي تعين فيها اتخاذ موقف من المشاركة في انتخابات 2002، بعد صدور الدستور الجديد وحزمة المراسيم التي تلته، وما أثاره ذلك من امتعاض ونقد قوى واسعة في المجتمع، وبات معروفاً أن الجدل الذي دار داخل جمعية الوفاق يومها بين رأيين، احدهما مع المشاركة والآخر مع المقاطعة، قد حسم في نهاية المطاف لصالح الأخير، وهو عامل حاسم في أن بعض قوى التيار الديمقراطي اختارت هي الأخرى تحديد موقف المقاطعة.
وقلنا مرارا أن المقاطعة والمشاركة في الانتخابات ليستا سوى تقدير سياسي من حق كل طرف أن يتخذ ما يراه منهما مناسباً تبعاً لطريقة قراءته وتحليله للوضع في البلد، دون أن يكون ذلك معياراً لقياس درجة جذرية أو وطنية أو إخلاص أي طرف أو شخص، كما جرى تسويق هذا الأمر للأسف.
هدفنا هنا القول أن التيار الديمقراطي أخفق في تنسيق المواقف المشتركة بين أطرافه، في لحظات مفصلية، والنقد هنا موجه للجميع، وليس لطرف بعينه، مما أفقد هذا التيار المبادرة التي كانت ستكون بيده، لا بيد الآخرين، لو انه اتخذ الموقف المشترك الذي يمليه عليه تحليله المستقل، مما كان سيجعل منه مركز استقطاب سياسي واجتماعي مهم بالنظر لأهمية ما يمثله من مكانة تاريخية ووزن نوعي في المجتمع، وهي أمور اعتراها الضعف، مما يجعل من وحدة صفوفه ضرورة أكثر أهمية وإلحاحا مما كانت عليه قبل عقد أو عقدين من الآن.  
لا نريد هنا أن نملي موقفاً من طريقة التعاطي مع المتغيرات التي حدثت في البلاد بعد المشروع الإصلاحي، ولكننا ندعو لمناقشة الأمر بروح نقدية منفتحة، خاصةً وان قوى التيار الديمقراطي اليوم هي في صف المشاركة، بعد أربع سنوات قضاها بعضها في المقاطعة، وهي مرحلة لم تُقيم نقدياً حتى الآن، حين كان علينا كحركة وطنية ديمقراطية أن نحدد خطنا اللاحق بعد ثلاثة عقود من تعليق الدستور وشل العمل به فعلياً، ومن هيمنة قانون أمن الدولة وروحه والممارسات القمعية المرتبطة به. غداً نكمل
 
صحيفة الايام
24 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

أمريكا والصين والطاقات البديلة

أيام كتب الصحفي الأمريكي المعروف بجريدة نيويورك تايمز توماس فريدمان، مقالاً حول التنافس الصيني الأمريكي في مجال مصادر الطاقة المتجددة (Renewable energy sources)، فذهب في تمنياته بأن يواصل الصينيون نهجهم التنموي التوسعي غير العابئ بالانعكاسات البيئية وحجم انبعاثات الغازات الدفيئـة الناتجة عن الاستخدام المتعاظم والمفرط لمصادر الطاقة التقليدية (Conventional energy sources)، لاسيما الوقود الأحفوري وتحديداً النفط والفحم، معولاً في هذا على استناد الصينيين إلى حقيقة أن الأمريكيين قاموا بتلويث البيئة على مدار 150 سنة لتحقيق النمو باستخدام الفحم الحجري والنفط ذوي الأسعار المنخفضة، والآن جاء “دورنا نحن الصينيون لنفعل الشيء نفسه”.
الصين إلى ملكوت طفرات نموها غير عابئة بـ “المخرجات” البيئية لهذه الطفرات كي تستغل الولايات المتحدة هذه اللامبالاة البيئية الصينية وتذهب بعيداً خلال السنوات الخمس القادمة في ابتكار وتطوير تكنولوجيا الطاقات النظيفة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية والبطاريات) وتكنولوجيا كفاءة استهلاك الطاقة، بما يضعها في صدارة بلدان العالم المنتجة والمصدرة لمصادر الطاقات البديلة وتكنولوجياتها.
في عام 2012 إلى مستوى الانبعاثات التي كانت سائدة في عام 1990. ولكن ذلك كان إبان ولاية الرئيس جورج بوش الابن، أما إدارة أوباما فقد اتخذت موقفاً مغايراً تماماً لذلك، إذ وضعت لها استراتيجية لتقليل اعتماد الولايات المتحدة على واردات مصادر الطاقة التقليدية لاسيما النفط، وتخصيص ميزانية ضخمة لتمويل مشاريع وأبحاث الطاقات الجديدة والمتجددة، وهي أحرزت وتحرز تقدماً باهراً في هذا المجال. وكل ذلك نتيجة لانهيار اللوبي الصناعي الأمريكي الرافض لما جرى الاتفاق عليه في “بروتوكول كيوتو” من التزامات بتخفيض الانبعاثات من جانب الدول الرأسمالية المتقدمة باعتبارها أكبر الملوثين البيئيين والذي مثلت مصالحه إدارة بوش السابقة. حيث انشق عدد من كبريات الشركات الصناعية والنفطية في عدد من الولايات الأمريكية وشكلوا تحالفاً يهدف إلى تخفيض الانبعاثات والاستثمار والبحث والتطوير في مصادر الطاقات النظيفة.
توماس فريدمان وهو الذي عُرف باهتمامه في السنوات القليلة الماضية بقضايا العولمة ومنها قضايا البيئة والتغير المناخي، حيـث أصدر بعض المؤلفات في هذا الشأن من بينها: “The Lexus and the Olive Tree: Understanding Globalization” وهو كتاب ألفه فريدمان في عام 1999 وتحدث فيه عن أن العالم تتنازعه نزعتان واحدة نحو التطور والرفاهية ورمز إليها بسيارة لكسس اليابانية الفارهة، وأخرى تشده نحو المحافظة على الأصول والتقاليد ورمز إليها بشجرة الزيتون. والكتاب الثاني الذي لا يقل أهمية عن هذا الكتاب هو: “The World is Flat” (العالم مسطح) صدر في أبريل 2005 ويتحدث فيه فريدمان عن العولمة في القرن الحادي والعشرين، وأن التيار العالمي لتطور قطاع الأعمال الذي تحركه التكنولوجيا المتقدمة والتنافسية الشديد لن ينتظر أحداً.
في أجزائهما المشكل البيئي والمناخي بشكل صريح، إلا أن القارئ يمكن أن يستشف إلى أي مدى أصبحت النخبة أو “المشيخة” الفكرية الأمريكية من جنس توماس فريدمان متوجسة من التحولات الكبرى العالمية على مصير الزعامة والريادة الاقتصادية والجيوبوليتيكية الأمريكية، وهي تواجه تحديات من قبيل التنافس غير المسبوق الذي تلقاه من القوى الصاعدة مثل الصيني في مجالات الاقتصاد التقليدي والاقتصاد الجديد، بما في ذلك الاقتصاد الذي سيكون محور صراع القوى الاقتصادية الكبرى وهو قطاع الطاقات الجديدة والمتجددة الذي سيكون محور استقطاب الاستثمارات العالمية الضخمة في العشرية القادمة، خصوصاً وأن الصين لم تحقق مبتغى فريدمان وإنما هي في الوقت الذي تقود فيه الدول النامية من خلال “مجموعة الـ 77 + الصين” بمواصلة الضغط علـى الدول المتقدمة أي دول المرفق الأول (Annex I Countries) بموجب بروتوكول كيوتو، من أجل الالتزام بتنفيذ ما هو مطلوب منها وهو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وصولاً في عام 2012 إلى المستوى الذي كانت عليه في عام 1990، ورفضها قبول أي التزامات بالتخفيض باعتبارها دول نامية ليست مسؤولة عن حجم التلوث المهول الذي أحدثته الدول الصناعية على مدى عصور الصناعة وما بعد الصناعة، وفي الوقت الذي استفادت فيه (الصين) أقصى استفادة من إحدى وسائل خفض الانبعاثات وهي تنفيذ الدول المتقدمة مشاريع آلية التنمية النظيفة (CDM) في الدول النامية، حيث نجحت الصين في استقطاب أكثر من 3000 مشروع – إلا أنها في ذات الوقت تعمل على جبهة إطلاق قطاع ضخم للطاقات الجديدة والمتجددة. ففي الرابع من يونيو 2007 أعلنت الصين عن استراتيجيتها الخاصة بالتغير المناخي وأصدرتها في 62 صفحة، وهي تهدف إلى خفض استخدام الطاقة بواقع الخُمس قبل عام 2010 وزيادة حجم الطاقات المتجددة المُنتَجة، ورفع حصة هذه الطاقات من 7% إلى 10% بحلول عام 2010. وقد تحولت اليوم إلى إحدى الدول الرائدة عالمياً في مجال طاقة الرياح وتكنولوجيا تخزين الطاقة الشمسية، حيث تقترب قيمة قطاع الطاقة المتجددة النشط في الصين من 17 مليار دولار، وهو يوظف حوالي مليون عامل، وهذا باعتراف أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.
الصين نجاحات واضحة في مجال الطاقات المتجددة بما في ذلك الوقود الحيوي والطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المناطق الريفية، ونتج عن ذلك تقلّص حصة الفحم في ميزان الطاقة الصيني من 76.2% في عام 1990 إلى 68.9% في 2005، فيما ارتفعت حصة النفط والغاز والطاقة الكهرومائية من 16.6%، 2.1% و5.1% في عام 1990 إلى 2%، 2.9%، و7.2% في عام 2005 على التوالي.
الصين ورغم منافستها للولايات المتحدة في تصدر قائمة الدول الأكثر تلويثاً للبيئة في العالم بسبب ضخامة انبعاثاتها الناتجة عن التوسع التنموي الضخم، فإنها تتحول بسرعة لإحدى الدول الأكثر استقطاباً وتطويراً لتكنولوجيا الطاقات النظيفة وتطبيقاً لاستخداماتها.
 
صحيفة الوطن
23 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

متى تكون روسيا وأمريكا والقمر جيرانا؟

ضمن الاخبار المنشورة عن الاحتفالات العالمية بالذكرى الاربعين لوصول أول انسان الى سطح القمر ثمة خبر قصير استوقفني لما يشي عنه من مغزى اراه عميقاً فيما يتعلق بما يصرف على البحوث والاعمال والاكتشافات العلمية.
الخبر يقول ان الممثل الألماني البارز اوتفريد فيشر تهكم من قيمة او منفعة وصول الانسان الى القمر باعتباره لم يفد البشرية بأي شيء حتى الآن، سوى محاولة اثبات ان الانسان صار في وضع من التفوق العلمي يمكنه من تحقيق أي شيء، اذا ما اراد وتحقيق الشهرة للبلد الذي ارسل المركبة الفضائية التي هبطت بروادها على القمر الذين لم يجدوا شيئاً يغزونه هناك سوى صخور القمر.
ولو ان انسانا من العرب او الشرق قد ادلى بمثل هذا الرأي الذي يبدو طريفاً لقيل إنه متخلف او ضيق الافق لكن صاحب هذا الرأي هو واحد من فناني الغرب.
ومع ان وصول الانسان الى القمر هو بلا شك انجاز علمي مثير وكبير، بل يستحق ما أنفق عليه من مال، بغض النظر عما قد يستغرقه الوقت لجني ما يمكن تحقيقه من فوائد للبشرية، الا ان رأي الفنان الالماني المذكور جدير بالتأمل والمناقشة وينطوي على حساسية انسانية ووعي اجتماعي كبير تجاه مصالح الناس ولاسيما ان هذا الفنان ذاته اصاب كبد الحقيقة عندما قال ان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هي التي كانت المحفز الأول لمحاولة الوصول الى القمر. ووصف الفنان فيشر هبوط الانسان على القمر بأنه أكبر استعراضات السيرك في كل العصور.
وبصرف النظر عن مدى الاتفاق او الاختلاف مع وجهة نظر الفنان الالماني تلك المثيرة إلا أنه مما لا شك فيه ان معظم الانجازات العلمية الفضائية التي تحققت في القرن العشرين بما فيها التي تبدو لأغراض مدنية كان الباعث او المحفز وراءها اهداف عسكرية، سواء التي تحققت من قبل الاتحاد السوفييتي ام من قبل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ويكفي ان نعرف فيما يتعلق بالاتحاد السوفييتي تحديداً انه تخلف عن الغرب في كل شيء فيما يتعلق بالتطور الصناعي والتقني إلا الصناعات العسكرية والفضائية.
وعلى الرغم من مضي نحو عقدين من انتهاء الحرب الباردة التي كبدت البشرية ولاسيما الشعبين الامريكي والسوفييتي اموالاً طائلة صرفتها حكومتاهما على البحوث الفضائية ذات الاغراض العسكرية المعلنة أو الخفية وعلى مختلف اشكال التسلح فإن حجم الميزانيات العسكرية في العالم مازال مهولاً وفي ازدياد مخيف طبقاً لمعلومات معهد ستوكهولم الدولي لدراسة قضايا السلام المعلنة في اوائل يوليو الماضي حيث قدرها المعهد بأنها وصلت إلى تريليون واربعمائة وستين مليار دولار كما ان هذا المعدل يزداد سنويا بنسبة 6%، والأهم من ذلك فإن نصف النفقات العسكرية العالمية هي من حصة الولايات المتحدة. وخلصت بيانات معهد ستوكهولم إلى أن الزيادات الجنونية في النفقات العسكرية العالمية خلال السنوات العشر الماضية تخطت أعلى المعدلات المعروفة في سني الحرب الباردة.
وعلى الرغم مما هو معروف من صراع مرير مدمر ماليا واقتصاديا حتى عسكريا في حروب حلفائهما جرى خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة فإن ثمة اشكالا محدودة من التعاون العلمي المشترك لصالح الحضارة الانسانية وتقدمها لم يقيض له الاستمرار للأسف، بما في ذلك التعاون في مجال الفضاء ومن ذلك على سبيل المثال ما جرى عام 1975م حينما انطلقت المركبة الفضائية الروسية “سويوز” لتلتحم مع المركبة الامريكية “ابولو” وكان الغرض المشترك لهذه العملية استشراف سبل عمليات الانقاذ الدولية في الفضاء وتنظيم الرحلات الفضائية المأهولة المشتركة لكن ذلك لم يحدث وعلى نطاق مازال ضيقاً إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة حينما انطلق رواد الفضاء الروس والامريكيون الى المحطتين الفضائيتين الدوليتين “سويوز” و”شاتل”. هذا بالاضافة الى ما تحقق خلال شهر أبريل الماضي حينما ارسلت وكالة “ناسا” الامريكية الفضائية مسبارين الى القمر على متن صاروخ “أطلس خمسة” احدهما يحمل التلسكوب الروسي “ليند” لقياس الاشعاعات المنبعثة من سطح القمر التي ستساعد على وضع خرائط تتسم بالدقة المتناهية لسطح القمر واستكشاف مواقع محتملة للهبوط مجدداً على سطح القمر والبحث عن احتمالات وجود جليد في المنطقة المظلمة من سطح القمر.
ولنتخيل لو ان الدولتين الجبارتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق تعاونهما العلمي المشترك اكبر مما كان عليه وان ما انفقاه من مليارات على سباق والتسلح المجنون قد انفق على هذا التعاون العلمي فكم كان شعباهما سيستفيدان ومعهما البشرية جمعاء. وهل كان الاتحاد السوفييتي سيسقط صريعاً ضحية لهذا السباق المجنون في التسلح الذي جرته إليه أمريكا؟ وهل كانت الولايات المتحدة ستتخبط هي الاخرى بين حين وآخر في سلسلة هذه الازمات المالية التي تطاول آثارها الكارثية كل شعوب المعمورة؟
وباختصار شديد لنتساءل كم سيربح شعباهما وشعوب العالم لو امتثلا معاً في تعاونهما العلمي وليس الغزلي لرائعة فيروز “احنا والقمر جيران” كنموذج لسائر اشكال تعاونهما الفضائي المفيد؟

صحيفة اخبار الخليج
23 اغسطس 2009

اقرأ المزيد