المنشور

عمي يا بو شاكوش


 
ليست الحياة عزيزة على الإنسان فقط، بل وفي داخل الإنسان ذاته، كما يقول واضع نظام علم النفس الفردي ألفريد أدلر (1870 – 1937م)، ” تسعى الحياة دائما لأن تستمر، أما قوة الحياة فلا تستلم دون صراع حتى النهاية”.

غير أن صراع المناضل السياسي في صفوف جبهة التحرير الوطني، وبعدها في المنبر الديمقراطي التقدمي، والقائد النقابي البارز عبد الجليل عمران ( الحوري) لم يكن مع سكرات الموت قبل أن يعاجله حين خرَّ شهيد الواجب وسط الاعتصام الحاشد الذي نظمته نقابة المصرفيين يوم السبت الماضي 24 أبريل/ نيسان.

كان صراعه مع أولئك الذين جيَّروا كل اقتصادنا الوطني في فترة ما عرف ” الرواج المالي”  لفتح أوسع القنوات التي صبَّت أموالا خيالية في المؤسسات المالية وجيوب المتنفذين فيها. ولما دقت ساعة الأزمة الاقتصادية التي أشعلها رجال المال حول العالم، وضاقت قنوات الضخ المالية تلك، لم يعدم المتسببون في الأزمة وسيلة ليجعلوا من موظفيهم العاديين ضحايا تدفع ثمن السياسات المغامرة لعالم المال. أهم هذه الوسائل هي تسريح أعداد كبيرة من موظفي المؤسسات المالية من العمل فيها.

فقيدنا الغالي جليل الحوري المتقاعد عن العمل منذ سنوات طويلة، والذي بلغ حتى الأول من أمس نفس عمر المفكر ألفريد أدلر، ليس من الضحايا المباشرين لهذه التسريحات. لكنه المعروف دائما بانتصاره للقضايا العمالية يهبُّ لنصرة كل ضحايا الاستغلال. وحتى في الندوات العادية في المنبر عندما يهدر صوت جليل الحوري محتجا على ظاهرة لا تعجبه، يخال إليك وكأن السماء تزمجر وتصعق خارج القاعة. صوته الهادر ليس مليئا بالحياة فقط، بل ويريد للحياة أن تستقيم بالعدل والقسطاس.

ولست أدري إذا كان فقيدنا شاهد ما نشرته الصحافة الغربية من صور لمديرين تنفيذيين من مصرف غولدمان ساكس، سيّد الوول ستريت، وهم يسخرون من الأزمة المالية العالمية التي حققوا من ورائها أموالا فلكية، لكنه يعرف جيدا أن الأبنية التي تضم المصارف حول العالم أصبحت الآن هشة للغاية. وربما خُيّل إليه لو أنه واصل هتافاته فإن صوته الهادر سيجعلها تشعر بإمكانية سقوطها على الأرض. سيحدث هذا إن لم تتدارك أمرها بقهر طغيان المال في عالم الاقتصاد وليس بإعادته. فهل وصلت رسالة الفقيد أم أن الموت حال دون ذلك؟ في كل الأحوال سيسجل التاريخ لهذا المناضل البسيط والجسور صرخته الشجاعة.
ولقد سبق لجليل الحوري أن سجل مواقف فريدة من نوعها في المنعطفات التاريخية لشعبنا.

لا أزال أذكر أيام حل المجلس الوطني وبداية الهجوم الواسع النطاق على الحريات الديمقراطية والديمقراطيين الحقيقيين في البحرين، الذين غُيّبوا في السجون أو شُردوا بين ليلة وضحاها. حينها قال جليل جازما أن ليس ما يوقف هذا الهجوم سوى الدعوة للإضراب العام لشل الحياة في البلاد. كل الآخرين رأوا جازمين أيضا أن وجود العدد الأكبر من القياديين في السجون وسواد الإرهاب والحالة الجماهيرية أصبحت أضعف من أن تنجح مثل الدعوة. وأن التوجه لإعادة البناء هي الأجدى. أذعن جليل لرأي رفاقه آنذاك، ولم يختبر الزمن صحة دعوته من عدمها، لكن صوته الهادر الشريف لم يهدأ يوما.

وهذه المرة أيضا. ربما رأى الفقيد عبد الجليل بحدسه الثوري أن أزمة المصارف، رغم نكرانها من قبل أوساط المال، إلا أنها إن لم يجر الاعتراف بها وبحجمها، ثم وضع الحلول الناجعة لها حقا، فإن ضحاياها لن يعودوا هم المسرحون فقط، بل والاقتصاد والمجتمع.

جليل.. لم يمهلك ويمهلنا الزمن لنسمع صوتك الهادر كالعادة في احتفالات عيد العمال العالمي في الأول من مايو/ أيار المقبل. ومع ذلك لتثق أن صداه سيتردد في ذلك اليوم وبين جدران منبرك وفي شوارع ومصانع ومؤسسات بلادك دائما.
جليل سنذكر صوتك ليس بعنفوانه الغاضب فقط، بل والحالم بطيبة وثقة، كما سمعناك في السبعينات تردد بطرب مع الجميع وأعلى من الجميع :

عمي يابو شاكوش خذني، خذني وياك
خذني ويا العمـال حلوة عيشة هنـاك

عش هناك، أبا منير، هانئا، قرير العين.
 

اقرأ المزيد

الرحيـــــل المهـــيب ..


 
لا أحد يتغزل بلحظات الموت لأنها ملفوفة بالدمع والأسى.. بيد أن لحظة الموت قد تكون جميلة عندما تكون تتويجاً لمسيرة الحياة وإطاراً يُطري الصورة التي يحتضنها.. الصحابي عبدالله بن بشر الذي مات وهو يصلي؛ اللاعب الذي لا استحضر اسمه؛ والذي مات مبتسماً وسط المباراة.. طلال المداح الذي وافته المنية وهو يغني.. الشاب المصري الذي رحل وهو ساجد في المسجد النبوي وغيرهم ممن عرفوا منايا مرتبطة بما شغفوا به في الحياة وتنفسوه وداروا في فلكه حتى رحيلهم.. وحري بنا أن نسجل النقابي جليل عمران ضمن القائمة؛ بعد أن وافته المنية في الاعتصام الجماهيري وهو يصرخ من قلبه لا من رئتيه “يا عمّال البحرين اتحدوا”.

لا مدحاً ولا تقريظاً ولكن البحرين أنجبت – وما زالت- كماً من المناضلين الذين لا يوجد لهم نظير في الخليج.. مناضلين من أجل الاستقلال والحرية، مناضلين من أجل العدالة؛ مناضلين لإنصاف الطبقة المهمشة ومناضلين ضد الفقر والظلم والتعصب والتمييز.. وقد يكون الكم الكبير من المناضلين في هذه البلاد هو ما يحول بيننا وبين حصرهم وإعطائهم المكانة التي يستحقون في حياتهم.. فلا عجب أن لا نعرفهم حقاً؛ ولا نتحدث عنهم إلا بعد رحيلهم..

قبل وفاته بساعات؛ كانت معلوماتي عن الفقيد لا تعدو كونه ناشطا نقابيا منضويا تحت جمعية المنبر التقدمي؛ في الأيام الماضية علمت أنه مناضل سخر زهاء خمسين عاماً من حياته للدفاع عن حق العامل في الكرامة والاحترام.. وقد كلفته مسيرته الكفاحية الكثير فقد دفع ثمن نضالاته سنوات مديدة من عمره قضاها في المعتقلات والتوقيف وكما وحورب في رزقه وتعرض للفصل مراراً جراء مواقفه تلك.. ويذكر له رفاق الدرب أنه – في 13 مارس 1972- فتح صدره للرصاص في تظاهرة عمالية وثار على رفاقه العمال لما تراجعوا هربا من الرصاص ومسيلات الدموع.. شجاعته ألهمت على الدوام رفاقه الذين سموه “أبو النقابيين” وكان تواجده الدائم – رغم تهاوي صحته- مبعث قوة وعزم للمشاركين في الفعاليات النقابية التي كان يحرص على عدم تفويتها..

قبل أيام فقط دعت نقابة المصرفيين لاعتصام للتنديد بالسياسات الجائرة للمصارف التي تتذرع بالأزمة الاقتصادية لتقليص العمالة الوطنية – مع- الاحتفاظ بالأجنبية في مخالفة صارخة للمادة 13 من قانون العمل التي تنص على التدرج في الاستغناء بدءا بالعمالة الأجنبية وفي تجاهل صارخ للتطمينات الحكومية التي تؤكد مراراً بعدم المس بالعمالة الوطنية وفي الوقت عينه تلتزم الصمت إزاء تعرض 600 مصرفي للتسريح بتعويضات هزيلة مع تعرض الباقين لتعديات صارخة على مكتسباتهم من مكافآت ومزايا رغم استقرار أرباح تلك المصارف بل وتزايدها..!!

أمام حدث كهذا، ورغم اعتلال صحته؛ أصر الفقيد على المشاركة ودعم النقابيين.. فاستقل النقل العام ” ما يعكس بالمناسبة الأوضاع المعيشية التي يعيش فيها مناضلونا”  وقصد التظاهرة التي انتهت بفاجعة رحيله الذي نغبطه عليه لأنه مات وسط من يحب؛ في خدمة القضية التي آمن بها وكرس لها حياته فله – ولأمثاله- منا كل تحية وتبجيل..
 
الوقت 27 ابريل 2010
 

اقرأ المزيد

البروليتاري الآتي من الحـورة


ينتسب جليل عمران الحوري الى تلك الفصيلة المقدامة من رواد الحركة النقابية وقادة النضال العمالي التي وضعت مداميك العمل النقابي في البحرين، في زمن كانت فيه الفرائص ترتعد من مجرد ذكر كلمة نقابة، فما بالك بالعمل في سبيل تأسيس النقابات، والى هذه الفصيلة تنتسب أسماء أخرى لامعة في تاريخنا العمالي والنقابي لا يتسع المجال هنا لتعدادها، ونخشى أن نسهو عن ذكر أحدها أو بعضها لو حاولنا ضرب الأمثلة فقط، لذا نكتفي بتوجيه تحية النضال لهم جميعاً، لمن غاب منهم، كما هو شأن جليل عمران الحوري نفسه، وندعو بطول العمر للاخرين.

كان جليل عمران الحوري ورفاقه في زمن الجمر يؤسسون اللجان العمالية وينظمون الاضرابات ويقودون المسيرات والاحتجاجات دفاعا عن حقوق العمال وفي سبيل إطلاق حرية العمل النقابي، وكانت ضريبة كل ذك مكلفة.

كل ذلك لم يثن جليل الحوري عن مواصلة نضاله وتمسكه بحقوق الطبقة العاملة التي ظل فخوراً بكونه أحد أبنائها الأوفياء، واستمر في ذلك حتى آخر لحظة في حياته، أو كما جاء في بيان المنبر التقدمي الذي نعى فيه الفقيد: «حتى الرمق الأخير بالمعنى الحرفي للكلمة»، حيث لا مجاز هنا ولا تورية، وما الصور المنشورة له في الصحف أمس وهو يهتف في اعتصام نقابة المصرفيين، قبل هنيئات من إسلامه للروح، إلا البرهان الساطع على ذلك.

من الحورة، من فريق الحدادة في قلب الحورة، أتى هذا البروليتاري العنيد، من قلب ذاك الزمن المتقد بالوعود، حيث كانت الحورة فيه مصهراً انسانياً فريداً للمناضلين من شتى الأعراق والمذاهب والتحدرات، يجمعهم حب الشعب والوطن، ويقدمون النموذج الراقي في الأخوة الإنسانية والكفاحية المتعالية على كافة المظاهر الشوفينية والمذهبية والعنصرية، وفي هذا المصهر الإنساني العجيب تربى وناضل جليل الحوري، مع بقية رفاقه.

في ظروف العلنية واصل جليل الحوري ما لم ينقطع من نضاله في صفوف المنبر الديمقراطي التقدمي، فكان حاضراً في كل الأنشطة والفعاليات، رغم تدهور وضعه الصحي، وكان بذلك يقدم أنموذجاً يحتذى به من قبل الأجيال الجديدة من الشباب، ورداً بليغاً على هواة الثرثرة الفارغة.

ما أحوجنا الى أن نتعلم الدروس من سيرة هذا المناضل الصلب، وما أحوج الحركة النقابية في البحرين اليوم إلى أن تجعل من هذه السيرة، كما من سيرة سواه من رواد العمل النقابي والنضال العمالي، منارةً يهتدى بها، من أجل ان يعرف الجميع أن نيل حرية تشكيل النقابات الذي ينعم به عمالنا اليوم، كثمرة من ثمار المشروع الإصلاحي، قدمت في سبيله تضحيات جليلة، وعانى جليل عمران الحوري ورفاقه من الأهوال الشيء الكثير في سبيل بلوغ ما بلغناه.

ولعل في ذلك ما يساعد في سبيل بناء الحركة النقابية البحرينية على أسس جامعة، تعيدنا إلى صفاء ذلك المصهر الإنساني المتجرد الذي به ومنه تشكل جليل الحوري وأبناء جيله من رواد الحركة النقابية.
 
 

اقرأ المزيد

الإرهاب بين روسيا والعراق

كان الخطأ القاتل الذي وقعت فيه سلطات الاحتلال الأمريكي للعراق بقيادة الجنرال بريمر، غداة احتلالها العاصمة بغداد واسقاط نظام صدام حسين، ليس تفكيك وحل المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني العراقي) فحسب، بل تفكيك وحل ايضا المؤسسة الأمنية بمختلف اجهزتها البوليسية والعسكرية، وعلى الأخص الجهاز الأمني الاستخباراتي.
ومن المؤسف ان المعارضة العراقية بشقيها الشيعي العربي والسني الكردي لم تقف ضد هذا الاجراء بل بدت كأنها مغتبطة به لقصر نظرها في خطورة هذا الاجراء وعواقبه ولم تجر انتقادات لتلك الاجراءات من قبل بعض رموز وقوى المعارضة الا بعد فوات الأوان، حتى هذه الانتقادات بدت خجولا، بل الأسوأ من ذلك اقتصرت على حل الجيش فقط.
ورب قائل ان جهاز الأمن السري السابق (المخابرات) هو جهاز لا يمكن الوثوق فيه لكونه متورطا في سلسلة طويلة من انتهاكات حقوق الانسان والجرائم بحق الشعب العراقي على امتداد ما يقرب من 35 عاما منذ وصول “البعث” الى السلطة عام .1968 ولعل هذا الكلام يبدو للوهلة الاولى صحيحا اذا ما أخذنا الأمور على عواهنها أو انسقنا للعواطف السياسية والمبادئ المجردة، ولكن اذا ما محصنا الأمور جيدا بموضوعية من جميع الوجوه، اي بعيدا عن العواطف الجامحة، فسنجد ان مصلحة الشعب العراقي وأمنه القومي الداخلي بمختلف ابعاده السياسية والاجتماعية يقتضيان استمرار عمل هذا الجهاز في ظل تلك الظروف البالغة الخطورة من الاضطرابات التي تعصف بالعراق.
ان بناء وتأسيس جهاز أمني استخباراتي من لا شيء، اي من الصفر، في ظل بلد بلا دولة تقريبا وتعمه الفوضى والاضطرابات والعمليات الارهابية الضخمة اليومية والمعروفة بحصادها الكارثي من مذابح جماعية يومية ترتكب بحق المدنيين الابرياء هي مهمة عسيرة وبالغة التعقيد وليست سهلة او يسيرة كما يتوهم من يعتقد عكس ذلك، فلم تعد المؤسسة الأمنية السرية او الجهاز الاستخباراتي في الدولة الحديثة المعاصرة هي مؤسسة عادية يمكن بناؤها بكل بساطة بين عشية وضحاها لتمارس مهامها بفاعلية كأي مؤسسة استخباراتية اخرى في العالم، بل هي علم وفن قائم بذاته وبحاجة الى ان تبنى على تراكم من الخبرات والتقاليد. وهذا ما ادركه بالغريزة النظرية كل او معظم قيادات وسلطات الانظمة العسكرية العربية التي وصلت الى السلطة على ظهر دبابة، فلم يعرف عن اي من السلطات الانقلابية العربية انها اقدمت بتهور على الفور لتطهير او تصفية جهاز المخابرات القديم بالكامل، فقد كانت تستعين بخبرته بشكل أو بآخر، بقدر أو بآخر.
حتى قيادة ثورة يوليو المصرية على سبيل المثال فإنها بالرغم من انها تسلمت اجهزة ومؤسسات دولة ينخرها الفساد، وبضمنها مؤسسات وزارة الداخلية فإنها لم تعمد بعد تسلمها السلطة انسياقا للعواطف الى حل تلك المؤسسات حلا كاملا او تصفية كل كوادرها وخبراتها وبضمنها على وجه الخصوص الجهاز الاستخباراتي.
وأذكر في هذا الصدد انني قرأت منذ سنوات بعيدة كتابا عبارة عن مذكرات لأحد معتقلي اليسار المصري عام 1959 وكان من ضمن ما أشار اليه ان عددا من المحققين والجلادين الذين تفحص وجوههم ومازال يعرف اسماءهم حينها هم انفسهم من محققي وجلادي العهد الملكي الذي اطاحته ثورة يوليو .1952
صحيح ان عددا من كبار قيادات الاجهزة الاستخباراتية او من الصف القيادي الأول وبخاصة المتورطون منهم في جرائم وانتهاكات واسعة فظة بحقوق الانسان لا يمكن الوثوق فيهم، بل لربما وجبت محاكمتهم، لكن من الصحيح ايضا انه كان بالامكان اجراء عملية غربلة دقيقة خلال مرحلة انتقالية مؤقتة يتم خلالها الاستفادة من الكوادر الاستخباراتية المجربة ذات الخبرات المهمة سواء من في الصفوف الأولى، من غير المتورطين في انتهاكات وجرائم كبرى ام من الصفوف الثانية، ومن ثم يمكن الاستعانة بهم لإعادة بناء جهاز الاستخبارات على أسس وطنية وقانونية جديدة، وإعادة تأهيل من يمكن تأهيله منهم خلال المرحلة الانتقالية او استبعادهم او إحالة بعضهم إلى التقاعد بعد انتهاء هذه المرحلة طبقا لظروف كل حالة على حدة.
وبسبب غياب جهاز امني استخباراتي عراقي فاعل مجرب عجزت المؤسسة الأمنية الجديدة منذ تفجر اعمال العنف والعمليات الارهابية عن كشف اي عملية من هذه العمليات أو خلية من خلاياها في مهدها اي الوصول اليها قبل طور التنفيذ، بل ان أكثر العمليات الانتحارية جرت دون ان تتمكن وتصل المؤسسة الأمنية بعدئذ إلى معرفة خيوط الخلية والشخص الانتحاري الذي قام بتنفيذ العملية.
في روسيا حدث العكس من ذلك فقد استفاد النظام الجديد الذي ورث النظام السوفيتي السابق ايما استفادة من جهاز الاستخبارات السابق المعروف بالـ K.G.B بما في ذلك ما راكمه من خبرات وتجارب وتقاليد عريقة في العمل الاستخباراتي لمكافحة الارهاب. واذا كانت موسكو لم تحقق الكثير من النجاحات للوصول الى مخططي العمليات الارهابية قبل وصولها الى طور التنفيذ، فإنها على الأقل غالبا ما تصل بسرعة فائقة الى الخيوط التي تقود الى الرؤوس المخططة والمنفذة، وهذا ما حققته بعد وقت قصير من العمليات الارهابية الاخيرة التي جرت خلال أواخر مارس في مترو الأنفاق بموسكو وفي قزلار بالقوقاز، وبضمنهم الانتحاريتان اللتان نفذتا تلك العمليات. لكن كما ذكرت فإن العلاج الأمني رغم أهميته ليس كافيا من دون علاج واستئصال المسببات الأخرى الاقتصادية والسياسية والدينية والقومية التي تمهد التربة لتفقيس العقليات الارهابية ليس في العراق وروسيا فحسب، بل في كل بلد يعاني هذا الوباء.

صحيفة اخبار الخليج
25 ابريل 2010

اقرأ المزيد

حملة «أصيل».. هل تكفي؟!

اتفق تماما مع ما ذكره الأخ عبدالإله القاسمي الرئيس التنفيذي «لتمكين» في معرض إيضاح له على مقال للزميلة ريم خليفة من «صحيفة الوسط» بتاريخ 15 ابريل الجاري حول «حملة أصيل». فقضية ترسيخ ثقافة العمل والإنتاج في عقول أبنائنا وبناتنا باتت مطلبا من قبل الجميع في البحرين، وكثيرا ما تجري مقارنة غير عادلة في بعض جوانبها بين أجيال متباعدة بالنسبة لهذه المسألة، التي كثيرا ما مثلت الثغرة المعيبة بالنسبة لجزء كبير من الأجيال الشابة، وهي الثغرة التي ربما سمحت بضياع آلاف فرص العمل من أيدي أبنائنا وبناتنا لصالح العمالة الأجنبية غير المدربة في غالبيتها، والتي تستفيد من فرص التدريب والتوظيف لسد الفراغ في سوق العمل المحلي، واليهم صارت تذهب الامتيازات وفرص الترقي والأجور المجزية بكل أسف.
وللعلم فان ذلك في حد ذاته يعد خسارة كبيرة ليس لشبابنا فقط وإنما أيضا لاقتصادنا الوطني أيضا، حيث تستنزف تلك العمالة الأجنبية المفترض أننا لسنا في حاجة فعلية لأعداد كبيرة منها، تستنزف أموالا وأجورا سرعان ما تُرحّل للخارج بالمليارات، ليبقى بعدها جزء غير يسير من الباحثين عن عمل من أبناء وبنات البحرين في حالة تذمر وشكوى لا تنتهي، يزيدها سوءا بعض المعوقات الاجتماعية المنّفرة من قيم ومضامين العمل كحق وواجب، على أن الأمر بات يستدعي بالفعل تطوير ثقافة العمل والإنتاج المتراجعة لدى قطاعات واسعة من أبنائنا، والتي ربما ساعد على تراجعها ظروف ذاتية وموضوعية أخرى تفوق أحيانا حتى قدرة هؤلاء الشباب والشابات على التعامل معها في ظل تراجع بعض القيم والمضامين الدافعة لها، فعلى سبيل المثال تبقى المحسوبية والفئوية وممارسات التمييز الصارخة في مواقع العمل جميعها حالات طاردة ومنفّرة يجب أن تلتفت إليها الدولة و«تمكين» باعتبارها جهة معنية بمهمة تدريب وتأهيل البحرينيين، ولو أن الأمر برمته يتجاوز كثيرا قدرة ومسئولية هذه المؤسسة الفتية لوحدها، التي أثبتت حيادا ومسئولية نغبطها عليها. ولا نحتاج كثيرا لندلل على ما نقول في هذا الصدد فهناك، آلاف القصص التي من الممكن أن تحكى باستمرار في جميع مؤسسات القطاعين العام والخاص، خاصة ما يرتبط فيها بقضايا التوظيف والترقي والزيادات وتقارير الأداء السنوية للموظفين بل نزيد عليها أن هناك مؤسسات أصبح يشار لها بالبنان بكل أسف، باعتبارها متاريس محصّنة لفئوية مفرطة- ولا أقول طائفية فحسب- فهناك الآن عوائل وجماعات وتيارات مجتمعية، أصبحت تهيمن على بعض القطاعات تحت سمع ونظر ديوان الخدمة المدنية وجهات التوظيف الأخرى في القطاع العام، وسايرها في ذلك بطبيعة الحال القطاع الخاص دون أن يمتلك أحد الشجاعة لوقفها، وهي التي غدت عوامل هدم واضحة في بنية الهياكل المجتمعية والوظيفية في غالبية مؤسسات الدولة، وبات مجرد الحديث عن ضرورة استئصالها كجزء من منظومة الفساد الإداري في جسد الدولة يعد أمراً مفزعا للبعض، ممن اعتاشوا واعتادوا طويلا على ذلك، رغم أن الأمر برمته بات يحتاج لوقفات شجاعة تقول لكل من تمادوا في إحباط أبنائنا وبناتنا وطبقتنا العاملة وتفتيتها توقفوا فتلك جريمة فساد كبرى تمارس بحق البحرين ومستقبلها، وعلى من يمتلكون الغيرة وهم كثر في هذا الوطن أن يقوموا بمسئولياتهم إذا أردنا فعلا أن نصلح تلك الإعوجاجات المزمنة، ولتكن أولى الخطوات بأن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ليس فقط في مواقع العمل المختلفة وإنما في تلك الجهات المعنية بالرقابة على الأداء الإداري للدولة، دون النظر إلى أي فئة أو أي جهة ينتمون.
ولكي تنجح «حملة أصيل» في زرع قيم وثقافة العمل والإنتاج، وحتى لا نبخس بعض المخلصين حقهم، حيث أننا نرى بالفعل أن هناك نوازع خيّرة لدى جهات بعينها في الدولة، لكنها حتما تحتاج إلى مزيد من التشجيع والدعم والمثابرة، حتى لا يحبط ويتعب من يمتلكون الإخلاص والغيرة على أبناء الوطن، جراء حوائط الصد الكثيرة المتواجدة بسطوتها في جسد الدولة وهياكلها الإدارية.
شخصيا سعدت كثيرا بحملة أصيل وأرجو أن تكون حملة مستمرة ومتنوعة لتتخذ لنفسها أشكال مبدعة في التعاطي مع تلك السلوكيات المعيقة لعملية التطوير الإداري والتي أصبحت معشعشة في أروقة وزارات وإدارات الدولة والشركات الكبرى والصغرى على حد سواء، وهي حالة متضخمة باستمرار بكل أسف، ولا أجد أن التعاطي القائم معها حاليا بقادر على وقفها، فقد غدا ذلك التعاطي السلبي والمنحاز في أوقات كثيرة عامل تشجيع وتحفيز لها بكل تأكيد، وذلك ما يمكننا أن نعول عليه من دور منتظر لديوان الرقابة الإدارية الذي يجري التأسيس له حاليا، عساه أن لا يكون نسخة مقلدة مما هو قائم حاليا!
 
صحيفة الايام
25 ابريل 2010

اقرأ المزيد

جليل الحوري.. يعتصم…! ( طريقنا أنت تدري…)

في اللحظات الاولى لوداعه ووفاء لتضحيات الرفيق الراحل المناضل النقابي جليل الحوري يرثي الرفيق الشاعر عبدالصمد الليث رفيقه بعد ان ودعنا أثناء مشاركته في الاعتصام العمالي الحاشد عصريوم السبت 24 ابريل 2010 الذي دعت إليه نقابة المصرفيين، احتجاجا على التسريحات في صفوف المصرفيين.


 

 



جليل الحوري.. يعتصم…!
(طريقنا أنت تدري…)
 
هـو الـسـبــت ُوالـسـاعــة ُالــرابـعــة ْ…
وهــذا الـمـســاءُ الـنـــــداءْ
يـضـجُّ بـرايـاتــنـا الــرائــعـــة ْ
وتـعـلـو أكـفُّ الـحـنـاجـر ِِ..تـعـلـو…
بـوجـد ِالـمـُعـَـذب والـمـسـألـــــة ْ
وقـلـب ُجــلــيــل ٍيـحـثُّ الـخُـطـى…
لـيـقـطـع شـوك َالـطـريـق ِالـطـريــــقْ
إلى روض ِآلامـِـه الـجــامـعـــة ْ
يـلـــوح مـحــيــــّاه…
شــوق ُ الــمــدى…
وعـشـق ُالـنـــدى…
فـيـرسـم أحــلامــه الــمــمــرعــة ْ
بــدا صــادحـاً بـالـنـشـيــد الـوريــد…
 لـكـي يـسـتـثـيـر  الــرؤى الـلامـعــة ْ
يــجـسّـم أيــامــه الـمـبـتــلاة…
ومـا نــام ردحـاً عـلـى مـعـصـمـيــه…
ومـا كـان والآن..والـمـهـرجــــانْ
فـتـأخــذه رعـشــة الـمـسـتـمـيــــت…
بــرجــع الـصــدى…
واكـتـظـاظ الــردى…
بـنـبـض ٍأبـى الـصـمـت ُأن يـسـمـعــه ْ
غــــفـــــا…
غــاضـبـاًً…
مثل بحر الشعور…
يفيض إذا ما أتى منبعهْ
وملء الـحـيــاة…
بـلـحن الأبــــاة…
مـضـى رابـط الـجـأش- مـا أروعـه –
تـرجّــل عـن ذاتــه لــلــخــلـــــــودْ  


 
 
عبدالصمـد الليـث
 24 ابريل 2010

اقرأ المزيد

جليل الحوري..يعتصم…!


 

 

 

  
 
جليل الحوري..يعتصم…!



(طريقنا أنت تدري…)






 
هـو الـسـبــت ُوالـسـاعــة ُالــرابـعــة ْ…

وهــذا الـمـســاءُ الـنـــــداءْ

يـضـجُّ بـرايـاتــنـا الــرائــعـــة ْ

وتـعـلـو أكـفُّ الـحـنـاجـر ِِ..تـعـلـو…

بـوجـد ِالـمـُعـَـذب والـمـسـالـــــة ْ

وقـلـب ُجــلــيــل ٍيـحـثُّ الـخُـطـى…

لـيـقـطـع شـوك َالـطـريـق ِالـطـريــــقْ

ألـى روض ِآلامـِـه الـجــامـعـــة ْ

يـلـــوح مـحــيــــّاه…

شــوق ُ الــمــدى…

وعـشـق ُالـنـــدى…

فـيـرسـم أحــلامــه الــمــمــرعــة ْ

بــدا صــادحـاً بـالـنـشـيــد الـوريــد…

 لـكـي يـسـتـثـيـر  الــرؤى الـلامـعــة ْ

يــجـسّـم أيــامــه الـمـبـتــلاة…

ومـا نــام ردحـاً عـلـى مـعـصـمـيــه…

ومـا كـان والآن..والـمـهـرجــــانْ

فـتـأخــذه رعـشــة الـمـسـتـمـيــــت…

بــرجــع الـصــدى…

واكـتـظـاظ الــردى…

بـنـبـض ٍأبـى الـصـمـت ُأن يـسـمـعــه ْ

غــــفـــــا…

غــاضـبـاًً…

مثل بحر الشعور…

يفيض إذا ما أتى منبعهْ

وملء الـحـيــاة…

بـلـحن الأبــــاة…

مـضـى رابـط الـجـأش- مـا أروعـه –

تـرجّــل عـن ذاتــه لــلــخــلـــــــودْ  

 

اقرأ المزيد

ذهبوا مع الريح أو مع النفط.. أبطال عبدالله خليفة المعدمون


ألم يتعب بعد عبدالله خليفة؟ لا يبدو أن ذلك أمر وارد حتى الآن. الروائي غزير الإنتاج وأحد أبرز المقارعين على محاور المأثرة السبعينية التي فتحت سؤال الحداثة وصعدت بالنقاش الأدبي بشأن اتجاهات الكتابة إلى منتهاه، لا يزال يلج في التجربة حتى منتهاها. وخلاف أي من أبناء جيله، يبدو أنه أكثرهم وفاءً لشرط الكتابة، وغزارة إنتاجية سواءً بسواء.

آخر ما صدر له في سياق الكتابة الإبداعية، روايتان: ‘محمد ثائراً’ و’ذهب مع النفط’. وقد طرحهما أول مرة في غضون معرض الكتاب الدولي 14 المنتهي تواً في غضون الفترة من 17 إلى 27 مارس/ آذار الماضي. ليكون بذلك قد طرح في غضون العامين الأخيرين فقط، أي منذ العام ,2008 ست روايات على الأقل. الشيء الذي لا يكاد يتيسر لأي من الشخصيات المجايلة له، بل شخصيات التجربة الشابة، حتى وهي في كامل ‘فتوّتها’ الآن، العضلية والروحية. هذا في سياق الكتابة الأدبية الصرفة ضمن التصريفات القارّة لعملية الإبداع. ما يعني استثناءنا طبعاً لأشكال الكتابة الأخرى، لا سيما تلك الفكرية التي يخوض في غمارها منذ سنين، ونعني تحديداً استثناء من كل ما صدر له، مطارحته الدؤوبة في سياقات ‘الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية’ التي يصدر له فيها جزء رابع قريباً.

في روايتيه الجديدتين اللتين صدرتا من بيروت عن ‘مؤسسة الانتشار العربي’ يستأنف خليفة رحلته في غواية السرد لكن على جبهتين مختلفتين. الأولى تتصل بكتابة الرواية التاريخية، التي يكاد يكون متفرداً فيها، حيث يمكن عده الوحيد الذي يعمل أدواته الكتابية ضمن هذا الباب، وهو ما يمكن أن يمثله صدور رواية ‘محمد ثائراً’ – كان من المفترض أن تأتي تحت اسم ‘أنوار محمد’ -.

ولا بأس هنا من التذكير بأن الرواية تأتي في سياق مشروع ممتد للكاتب بدأه منذ العام 2004 مع إصداره ‘رأس الحسين’ التي استعاد فيها سيرة الحسين بن علي بن أبي طالب(ع). سرعان ما أتبعها بـ 3 روايات متصلة ضمن حقل الرواية التاريخية، وقد وضعت في سياق حيوات ثلاثة من صحابة النبي محمد، وهي على التوالي: ‘عمر بن الخطاب شهيداً’ 2007 و’عثمان بن عفان شهيداً’ 2008 و’علي بن أبي طالب شهيداً’ .2008 وهو مشروع يذكر بمشروع ‘العبقريات’ الذي تصدى له المفكر المصري عباس محمود العقاد في النصف الأول من القرن العشرين.

وقد لاقى مشروع خليفة بصدد الرواية التاريخية من الحيف، الشيء الكثير، خصوصاً مع تعرض غير رواية له وضعت في هذا الإطار للمصادرة من قبل الرقابة. فيما شكل صدور روايته الجديدة ‘محمد ثائراً’ استثناء القاعدة. وهي رواية راهن عليها الكاتب كثيراً و’لعلها الأصعب’ مثلما عبر المؤلف في حديث سابق مع محرر «الوقت». خصوصاً مع مجيئها في سياق “عبقرية” شخصية فذة، يأتلف داخلها التاريخ مع التقديس، سواء بسواء. في ذات الوقت الذي يمثل البحث عن هوامش التجلي البشري لها – أي التاريخي خارج سطوة التقديس – واحدة من المعالجات السردية التي يعكف عليها المؤلف. وعلى ذلك يمكن أن نقرأ نعت المؤلف لها في ظهر الغلاف بأنها «رواية محمد الإنسان».

في الجبهة الثانية، تأتي رواية «ذهب مع النفط» التي هي بحسب المؤلف نفسه ‘رواية واقعية كابوسية ساخرة’. الشيء الذي يمكن أن يصله بمراحل تجربته السابقة التي عبر فيها من خلال نحو 11 رواية، آخرها كانت «التماثيل» التي صدرت العام ,2007 عن انحياز متواتر للمذهب الواقعي، الذي شكل واحداً من محاور الاختلاف مع بقية أبناء جيله فيما أسميناه في المستهلّ “المأثرة السبعينية”.

لذا فهو يواصل التعبير عن هذا الاختلاف لكن بـ«خلاف أقلّ وإنتاج أكثر»، مشكلاً مناعة ‘عملانية’ ضد كل أشكال ‘الجاذبية’ التي وفرتها مذاهب التجريب والحداثة وما حذا حذوهما. كما عبر فيها ثانياً، عن وصال حميم مع مضمون أثير ظل ساطياً على جل أعماله، منذ ‘اللآلئ’ و’القرصان والمدينة’ و’الهيرات’، وما تلاها لغاية هذه الساعة، ألا وهو الانحياز للفئات الفقيرة والمهيمن عليها في ‘جدلها’ وصراعها المحموم مع القوة والثروة.

على ذلك وجدناه يقول ‘هذه الرواية، الفرد الوحيد حين يسحق، يداس كحشرة’ في ذات الوقت الذي يكون فيه ‘النفط يملأ البلد، ويصير بحراً ويبتلع البشر والأرض’. هذا وستصدر للمؤلف قريباً روايتان جديدتان في هذا الإطار تحت اسم ‘الانهيار’ و’حورية البحر، إضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان ‘إنهم يهزون الأرض’. أرأيتم؟ عبدالله خليفة لم يتعب بعد، يجب ألا يتعب.


الوقت: حسين مرهون
22 ابريل 2010

اقرأ المزيد

دورية تونسية تناقش أدب البحر عند صاحب “الهيرات”


اختارت مجلة ‘الحياة الثقافية’ التي تصدر من تونس عن وزارة الثقافة، تجربة الكاتب عبدالله خليفة ضمن قائمة أهم الروائيين العرب الذين عبروا في كتاباتهم عما أسمته ‘أدب البحر’ من خلال الرواية. وقال الكاتب عبدالله أبو أهيف ضمن دراسة نشرها في العدد الأخير للمجلة تحت عنوان ‘أدب البحر في الرواية العربية’ إن ‘غالبية روايات خليفة توحي بالدلالات الكامنة في التناص مع البحر’. وأضاف في هذا السياق ‘تصور رواياته الصراع الاجتماعي في البحرين، ومنها إشكاليات العلاقات الاجتماعية والإنسانية في المدن والقرى الساحلية’.

وقد رأى في سياق الدراسة أن الروايات العربية التي يمكن إدراجها ضمن أدب البحر، قد توزعت إلى نوعين، الأول ‘عبرت فيه مباشرة عن قضايا الوجود ضمن فضاء البحر في الزمكانية’ والثاني ‘نحت إلى التعبير الدلالي عن المنظورات الفكرية لدى تسمية البحر في العتبات النصية كالعنوانات والمداخلات والمفاتيح’.

واتخذ الكاتب من ضمن مسرد طويل ضم عشرات الروايات 12 تجربة منها من تونس ومصر والبحرين لوضعها موضع الفحص والنظر، وقد ضمت إلى جانب رواية خليفة الموسومة ‘أغنية الماء والنار’، روايات كل من: حنا مينه، جبرا إبراهيم جبرا، صادق النيهوم، محمد عز الدين التازي، محمد صالح الجابري، جميل عطية إبراهيم، حيدر حيدر، محمد جبريل، محمد عزيزة، عبدالواحد براهم، وأخيراً سيد البحراوي.

في سياق ذي صلة، قال بشأن تجربة الكاتب ‘روايات عبدالله خليفة قصيرة نسبياً، مما يجعلها أقرب إلى تقديم شريحة حياتية مقتطعة من عملية الصراع الاجتماعي’. وأضاف في هذا السياق ‘تصور رواية (أغنية الماء والنار)، التباين الطبقي الحاد قبل النفط في الخليج، وتبين المآل المسدود لاندحار الفوارق الاجتماعية، وتنحاز بعد ذلك للكثرة الكاثرة من المساكين والفقراء ومعذبي الأرض’.

وتابع أبو أهيف ‘إنها تعبر عن الصراع الاجتماعي على أطراف مدينة في بيئة شعبية، هي قرية أو مدينة صغيرة ساحلية’. ورأى أن ‘الكاتب استطاع أن يقدم في روايته وصفاً مختزلاً للصراع الاجتماعي في قرية بحرينية قبل اكتشاف النفط، وقد نجح إلى حد ما في اكتناه هذا الصراع في سرد شاعري مفعم بالحرارة وحماسة الانتماء إلى مساكين الأرض’ وفق تعبيره.

وتصدر مجلة ‘الحياة الثقافية’، وهي دورية شهرية تعنى بالفكر والإبداع تأسست في العام ,1975 عن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بتونس فيما يترأس تحريرها جمال الدين دراويل.
 
الوقت 22 ابريل 2010

اقرأ المزيد

أمـــريكـــا تــكــفــيرية أيــضـــاً

استقر في‮ ‬أذهان الناس،‮ ‬نخباً‮ ‬وعامةً،‮ ‬وذهب مضرباً‮ ‬على أقصى درجات إقصاء وإلغاء الآخر ونفيه من الوجود كلياً،‮ ‬وهي‮ ‬النزعة التي‮ ‬تملكت جماعات الإسلام السياسي‮ ‬الأصولي‮ ‬وخرجت بها على المجتمعات العربية‮ ‬‭-‬‮ ‬ومن بعد الإسلامية الآسيوية‮ ‬‭-‬‮ ‬في‮ ‬العقود الثلاثة الأخيرة،‮ ‬والمتمثلة تحديداً‮ ‬في‮ ‬المذهب التكفيري‮ ‬الذي‮ ‬يُنظِّر واضعوه الأوائل لتكفير كل من ليس هو معهم وكل من لا‮ ‬يوافقهم الرأي‮ ‬فيما‮ ‬يطرحون من أفكار مغرقة في‮ ‬الغلو والتطرف الذي‮ ‬أوصلهم حتماً‮ ‬لحد تكفير مجتمعات بأسرها واعتبار بقاعها وديارها دار حرب تستوجب إعلان الجهاد المقدس لتطهيرها من سكانها الأعداء الكفرة‮.‬ لكن‮ ‬يبدو أن إقصاء الآخر وإخراجه من الملة وتكفيره توطئة لمحاربته ومقاتلته ومحاولة القضاء عليه،‮ ‬ليس‮ ‘‬حقاً‮ ‬حصرياً‮’ ‬للجماعات الإسلامية التكفيرية‮!‬ فالولايات المتحدة الأمريكية هي‮ ‬صاحبة السبق في‮ ‬هذا المضمار،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تمتلك الرقم القياسي‮ ‬المسجل باسمها في‮ ‬موسوعة جينس للأرقام القياسية منذ بروزها كقوة عظمى أولى في‮ ‬العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في‮ ‬عام‮ ‬‭,‬1945‮ ‬بل وحتى قبل هذا التاريخ أيضاً،‮ ‬حيث كان شعار‮ ‘‬من لم‮ ‬يكن معنا فهو ضدنا‮’ ‬ومقولة إن العالم منقسم إلى قسمين أخيار وهم الأمريكيون وأشرار وهم كل من لا‮ ‬يدين بالولاء‮ ‘‬للباب العالي‮’ ‬أي‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬وفلسفته الاقتصادية الاجتماعية والثقافية‮.‬ قد تكون كوبا الجزيرة الصغيرة المحاذية للشواطئ الأمريكية النموذج الصارخ والأسطع على أن الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬وتحديداً‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬وطبقته الحاكمة،‮ ‬تُدين بالمذهب التكفيري‮ ‬‭-‬أو الإقصائي‮ ‬في‮ ‬أحسن الأحوال‭-‬‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من قاعدة‮ ‘‬من خرج عنا فليس منا‮’.‬ فمنذ أن أطاح الدكتور فيدل كاسترو ورفاقه في‮ ‬يناير من عام‮ ‬1959‮ ‬ضد نظام باتيستا الفاسد،‮ ‬والنظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬يناصب كوبا العداء بعد أن قرر في‮ ‬نفس اللحظة التي‮ ‬أُطيح فيها بنظام باتيستا الموالي‮ ‬لها،‮ ‘‬إخراجها من الملة‮’ ‬واعتبارها دولة مارقة‮ (‬كافرة بحسب لغة ومفردات التفكيريين الإسلاميين الأصوليين‮) ‬تستأهل العزل والحصار وإعلان الحرب‮ (‬المعادل لإعلان الجهاد لدى الجماعات الإسلامية التكفيرية‮).‬ وهذا ما حدث بالفعل،‮ ‬فلقد نظمت وقادت المخابرات المركزية الأمريكية عملية‮ ‬غزو مسلحة للأراضي‮ ‬الكوبية في‮ ‬السابع عشر من أبريل عام‮ ‬‭,‬1961‮ ‬إلا أن هذه المحاولة التي‮ ‬انطلقت من خليج الخنازير بإقليم مانتانزاس،‮ ‬باءت بالفشل وتم القضاء على الغزاة في‮ ‬العشرين من أبريل من نفس العام‮.‬ وتواصلت الحرب‮ ‘‬الجهادية‮’ ‬لنظام‮ ‘‬الفضيلة‮’ ‬الأمريكي‮ ‬ضد النظام المارق‮ (‬الكافر‮) ‬في‮ ‬كوبا،‮ ‬فخلال الفترة من‮ ‬22‮ ‬أكتوبر ولغاية‮ ‬22‮ ‬نوفمبر من عام‮ ‬1962‮ ‬نفذت قوات المارينز الأمريكية حصاراً‮ ‬بحرياً‮ ‬ضد كوبا‮.‬ ورغم مرور ما‮ ‬يقرب من خمسين عاماً‮ ‬على سقوط النظام الموالي‮ ‬لها في‮ ‬كوبا،‮ ‬فإن واشنطن مازالت تواصل حصارها وسياستها العدائية ضد كوبا،‮ ‬بنفس الروح وبنفس الزخم وكأن العالم قد توقف عند تلك اللحظة‮ ‘‬التاريخية‮’!‬ وكل ذلك لأن كوبا اختارت أن لا تُدين‮ ‘‬بالديانة الأمريكية‮’ ‬وهي‮ ‬هنا الرأسمالية بنسختها الأمريكية الأصولية والتي‮ ‬يعتبرها النظام السياسي‮ ‬الأمريكي‮ ‬بمثابة عقد زواج كاثوليكي‮ ‬غير قابل للفسخ‮.‬ وعلى ذلك فإن ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري‮ ‬كلينتون قبل أيام وادعت فيه أن كوبا لا تريد تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ولا تريد رفع الحصار الخمسيني‮ ‬عنها،‮ ‬هو مجرد نكتة أمريكية سمجة لا أكثر‮!‬ وكما أسلفنا فإن كوبا ليست سوى المثال الأكثر سطوعاً‮ ‬على تطبيقات التكفيرية التي‮ ‬لم تكن مكارثية خمسينات القرن الماضي‮ ‬سوى إحدى تجسيداتها على الصعيد الوطني‮ ‬الأمريكي،‮ ‬حيث ذهب ضحية حملات التطهير الوظيفي‮ ‬والقمع والملاحقة البوليسية والجنائية،‮ ‬عشرات آلاف الأمريكيين لمجرد الاشتباه في‮ ‬ميولهم المتغايرة مع‮ ‘‬الدين‮’ ‬الرأسمالي‮ ‬الأمريكي‮.‬ فقائمة الدول والحكومات والشعوب ضحايا شهوة الثأر والانتقام الأمريكيين جزاءً‮ ‬على ما‮ ‘‬سولت لهم نفوسهم‮’ ‬بمغادرة‮ ‘‬جنة الرأسمالية الأمريكية‮’ ‬إلى حيث‮ ‘‬أمكنة‮’ ‬تجريبية أخرى ربما ساعدت‮ ‘‬مرتاديها المغامرين‮’ ‬على تقليل النزف الحاصل في‮ ‬ميزان مدفوعاتها الخارجية الناجم عن عدم تكافؤ طاقاتها وإمكاناتها التنافسية في‮ ‬السوق المفتوحة مع طاقات وإمكانات‮ ‘‬لاعبي‮’ ‬السوق الكبار‮. ‬وتكاد هذه القائمة تغطي‮ ‬الكرة الأرضية برمتها،‮ ‬من بلدان أمريكا اللاتينية في‮ ‬أقصى الغرب إلى الصين في‮ ‬أقصى الشرق مروراً‮ ‬ببلدان القارة الأفريقية والقارة الآسيوية.فهل هناك كثير فرق بين المنظمات الإسلامية التكفيرية وبين الطبقة السياسية التي‮ ‬تتقاسم وتتداول مؤسسات الحكم في‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية؟ طبعاً‮ ‬هناك فروقات بينهما،‮ ‬ولكنها فروقات لا تكاد تتجاوز الشكل وحسب،‮ ‬إنما في‮ ‬الجوهر الصنفان التكفيريان‮ ‬يتشابهان ويتطابقان في‮ ‬الرؤية الفلسفية وتطبيقاتها مادياً‮.‬فكلاهما‮ ‬يؤصل لاستخدام العنف والإيذاء الجسدي‮ ‬والمادي‮ ‬والمعنوي‮ ‬ضد الآخر الذي‮ ‬لا‮ ‬يدين بمذهبهما الإقصائي‮ (‬التكفيري‮).‬
 
صحيفة الوطن
24 ابريل 2010

اقرأ المزيد