المنشور

فقاعة توظيف الأموال..من المسؤول؟!


في الوقت الذي يكثر فيه الحديث لدينا عن الفساد والمفسدين وغسيل الأموال وشركاته، وتفاقم المحسوبية وغيرها من وجوه الفساد المنظم في القطاعين العام والخاص، تبرز للسطح أزمة شركات توظيف الأموال لتلقي بظلالها على المشهد العام هنا في البحرين، فلا زالت العديد من الأسر والأفراد ممن تورطوا أو وُرِطوا في التعامل مع تلك الشركات الوهمية لا يجدون لهم مخارج تعيد لهم ولو جزءا يسيرا من مدخراتهم ومن تحويشة العمر أو من مدخراتهم التقاعدية التي ذهبت أدراج الرياح، ولا زالت الألسن ووسائل الإعلام تتداول قصص مرعبة لأفراد وأسر تُركوا لوحدهم في مواجهة مصير مظلم وجدوا أنفسهم جميعا فيه دون أن يفكروا فيه يوما، وهم الذين حركتهم نوازع خيرة لكنها غير محسوبة، اعتمدتها عواطفهم وربما قلة وعي البعض منهم طريقا نحو وهم الثراء السريع، وقد وُظفت لأجل ذلك أدوات ومشاعر دينية و ولاءات و وشائج قربى ليستكمل المشهد بانوراميته أمام سمع ونظر كل الجهات المعنية التي تصرفت وكأن الأمر لا يعنيها وسط انبهار المأخوذين بسحر الثراء الواهم، فيما كان البسطاء والفقراء يستدينون من البنوك والشركات المالية ليفرغوا كل ما تم استدانته في جيوب تلك الشركات الوهمية، التي استعانت كما جاء في الأخبار التي تناقلتها وسائل الأعلام بحاويات الموز والفواكه عوضا عن البنوك والمصارف لتخزينها! فيما قيل للسواد الأعظم منهم انه ليس من حقهم حتى مجرد السؤال عن أوجه استثمار أو توظيف تلك الأموال، فذلك يجب أن يظل سرا من أسرار الاستثمار الموعود، ولا يراد لهم أن يقحموا أنفسهم فيه طالما أرباحهم الموعودة تدخل بانتظام إلى حساباتهم البنكية! ليصحو الجميع ودون استثناء تقريبا، على وقع الصاعقة التي لم توفر أحدا ليذهب الجميع إلى مصيرهم المحتوم بعدها، ليكونوا بذلك ضحايا جشع البعض، ليس فقط من ائتمنوهم على أموالهم وإنما من قبل الجهات المعنية في الدولة التي تركتهم طيلة تلك السنوات لقدرهم دون توجيه ودون أي نوع من الرقابة، فلم يحرك المصرف المركزي ساكنا وهو المسئول المباشر عن حركة الأموال ووجوه الاستثمار المالي وقنواته، وكأن مجرد رفض إعطاء رخص للاستثمار يعد كافيا في نظرهم، فيما الجميع كان يسمع على الدوام ويتابع أخبار تلك الشركات وهي تعيث خرابا في الاقتصاد وتسرق علنا أموال البسطاء دون واعز من ضمير، ولم تحرك بقية الوزارات المعنية بالأمن الاقتصادي والاجتماعي ساكنا وربما اكتفى بعضهم بما يمكن أن نسميه بالرقابة اللاحقة ولكن بعد ماذا؟ بعد أن وقع الفأس في الرأس كما يقال!

قضية شركات توظيف الأموال هذه ليست وليدة يومها، فقد كانت هناك على الدوام شركات وهمية وأفراد ونوازع جشع لدينا وفي العديد من دول العالم، فلا زلنا نتذكر جيدا تلك القضايا المزلزلة في الشقيقة مصر منذ ثمانينات القرن الماضي، حين نهبت شركات توظيف الأموال حينها باسم الدين والاستثمار الشرعي الآمن وغير الربوي مدخرات فقراء مصر وطبقتها الوسطى لصالح شركات وهمية، وذات الشيء حدث في الأردن وفي الامارات العربية المتحدة ومؤخرا في أمريكا مع قضية الملياردير “مادوف” ومن الحكمة والمنطق أن تحرك تلك الممارسات بدورها العديد من الجهات الرسمية والأهلية للوقوف في وجه تلك الممارسات حفاظا على مصالح المواطنين وسمعة الوطن الاقتصادية! ولكن ذلك لم يحدث بكل أسف، وكان على الجهات الرسمية أن لا تسمح بداية بأي شكل من أشكال توظيف الأموال خارج القانون، فقد استغلت تلك الشركات تراجع أسعار الفائدة والكساد الاقتصادي وعزوف الناس حينها عن الادخار لدى البنوك والمؤسسات المالية ليستحلبوا عرق الفقراء لصالح نهمهم الذي لن يتوقف وهم الذين تفننوا في الولوج بين ثغرات القوانين المطاطة مستندين إما على فتاوى عابرة أو تجاهل رسمي غير مبرر.

بقي أن نقول أن تداعيات قضايا شركات توظيف الأموال ستكشف قريبا المزيد من وجوه الاستلاب واسترخاص حقوق البسطاء، وستلوث معها سمعة اقتصادنا الوطني، لتتراجع الثقة فيه بعد أن تنفجر تلك الفقاعة المتضخمة المسكوت عنها طويلا من قبل الجميع، بأمل أن تلتفت الجهات المعنية بالاستثمار والاقتصاد الوطني وسمعة الوطن يوما لوضع ضوابط وآليات رقابية صارمة بعد أن أسكرتنا نشوة المضاربات وعوائدها، محاولين أن نقنع أنفسنا عبثا أنها دليل نجاح وعافية اقتصادية، ولن يكون ذلك ممكنا في ظل حالة التراخي وعدم الاهتمام بالاستثمار المحلي، الذي تجري التضحية به لحساب دعوات جلب الاستثمارات الأجنبية التي نعرف سلفا أنها لن تأتي أبدا لبيئة موبوءة كهذه، ولابد من خلق بيئة استثمارية أكثر إبداعا ومرونة وتنوعا لتوظيف فوائض ومدخرات مواطنينا المالية بشكل مسئول وفاعل، وليكن لنا في تجارب دول من بينها ماليزيا على وجه التحديد مثالا يحتذى لتنمية وحفظ مدخرات أبناء الوطن وعدم السماح بضياعها لصالح نزعات الجشع والاستهتار.
 

اقرأ المزيد

عندما تخوننا التفسيرات


نقرأ بين الحين والأخر الكثير من المغالطات والتضخيم والانجرار وراء بعض الأمور ’ التي لا تمت للحقيقة بصلة بقدر ما أنها تعبيرا عن ضيق أفق أو تسطيح للأشياء أو حقد أعمى لا يجوز العيش في داخله ابد الدهر ’ لمجرد إن الإنسان يعيش في حلقة فكر محدود ولا عقلاني ’ ومتى ما أخضعته للجدل والموضوعية تراه حوارا أو كلاما مفلسا لا يمكن أن يستقيم ويصمد مع الحياة ونظرية المعرفة . من ضمن تلك التفسيرات التي يخوننا الفكر في الدفاع عنها أو مهاجمتها ’ هو مقولة ’’ إن الفكر اليساري فكرا انقلابيا ’’ ولهذا المنطق تاريخيته ومواقفه الفكرية والفلسفية والسياسية ’ فهناك مفردة الفكر وهناك مفردة اليساري وهناك وهو المهم نعته بأنه فكرا انقلابيا ! فنتساءل من أين انبثقت مسألة الانقلابية تلك ؟ هل استمدت مضمونها من البعد اللغوي أو الفلسفي أو التاريخي / السياسي لكي نتمكن معالجتها بسهولة ومناخ اهدأ من التوتر والعصبية .


لسنا هنا بصدد تحديد الفكر اليساري ’ ولكن عادة ما يدبج ذلك التعبير على دعاة الماركسية ومن يلف في كنفها ومحيطها ’ وعندما يشتد هجوما شنيعا عليه باتهامه بالانقلابية نراه يرتجف ويستنكر وكأنه الحواري بطرس مع معلمه المسيح ’ متناسيا إن الأمور لا يمكن التملص منها لمجرد إننا ندافع بوهن عن فكرنا مقابل فكر أكثر عجزية وغرائبية بل وحتى لا تمتلك مقوماتها المعرفية المتينة كما هو عادة الحوار والجدل ما بين أفكار فلسفية متناقضة ’ بين مدارس مادية عدة ومدارس مثالية كثيرة .
احد النجباء نعتنا بعبارة إن اليسار فكرا انقلابيا ففرحت لهذا النعت ’ فالماركسية بمعناها الفلسفي والجدلي فكرا انقلابيا على المستوى الاجتماعي ألتغييري ’ عندما نجح كبار الماركسية من أمثال ماركس بمناداته بتغيير العالم ’ وعندما بنيت تلك الفلسفية على دحض الفكر التأملي المجرد للعالم إلى الواقع العملي المحسوس ’ فإنها كانت تهدف إلى تغيير العالم بمعناه الاجتماعي والفكري أي بمعنى تبديل وتهديم هذا العالم ببناء عالم جديد مختلف ’ لهذا جدلية الفكر اليساري الماركسي قائمة على التهديم من اجل البناء ’ إذ تترابطان العملية في وحدة تفاعلهما وتجاذباهما في نظرية التطور ’ فإما أن يشدك للوراء للعالم القديم الذي ينبغي تهديمه أو انك تتقدم في اتجاه صاعد وتزيله لبناء عالم جديد ’ لهذا فالفكر الماركسي بطبيعته انقلابيا من حيث بنيته المجتمعية والفكرية والفلسفية ’ خاصة ونحن نتحدث عن نظرية ماركسية في رؤيتها للعالم.

 ’ غير إن الذين يحاولون فهم مفردة الانقلابية على صعيدها اللغوي الضحل والهامشي ’ بمحاولة لصق مفردة الانقلابية وتعميمها من فعل التآمر كما هو الانقلابات العسكرية ’ فهذا جائز باعتبار إن في النهاية الطريقة هي التي تحدد سلوكنا في رؤية الأشياء وفعلها ’ لهذا الانقلابيون العسكر بما يحملون فكرا أو مشروعا سياسيا ’ فإنهم في محصلة الحركة يسعون إلى تعميم مشروعهم – سواء اتفقنا أم لم نتفق معهم – إلا أنهم يمارسون فعل التغيير في بنية المؤسسة التي ينتمون لها وبعلاقة تلك المؤسسة العسكرية بمؤسسة سياسية هي الدولة. ولا يجوز الخلط بين الانقلاب الفكري والفسلفي في رؤية الحياة والعالم والفكر وربطه بحدث عابر كالاغتيال أو العنف أو الدكتاتوريات التاريخية كما هي دكتاتورية البرجوازية والبرولتياريا ودكتاتورية العسكر ’ فكلها أدوات تغيير وفكر منهجي في الصراع الاجتماعي بين الطبقات في حركة التطور التاريخي .

أوافق إنني انقلابيا في فكري ونظرتي للكون وأسعى دوما من اجل التغيير وهدم كل ما هو رجعي في الكون والفلسفة ومتخلف في المجتمع والعلاقات الإنسانية ’ أؤمن بأنني انقلابي إذا ما كان الفكر الذي انشده في صالح التقدم البشري وتغييره نحو الأفضل وإزالة كل ما هو قديم ومحتضر . فلماذا الخوف من اتهامنا واتهام فكرنا بأننا انقلابيون ؟ اللهم ما يراود ذهننا هو تلك المساحة الضيقة لفعل التآمر السياسي والشخصي والفكري فنسقط في تفسيرات مذهلة ابسط ما يمكن وصفها بأنها ساذجة إلى ابعد الحدود .

اللغة والمصطلح والمفردات القاموسية كلها ’ عناصر متعددة الأوجه فكيف نقيسها وعلى ماذا نطبقها ؟ هذا ما نرجو دعاة الرجفة من كلمة اليسار أو الماركسية أو الانقلاب أن يفهموا ماذا يناقشون أولا وعن ماذا يدافعون ؟ فليس اغتيالا تاريخيا حدث أو مسألة لم تكتمل براهينها وإثباتاتها ’ فنبنى على ضوئها مواقف خائبة وأحيانا للأسف مواقف حاقدة تاريخية ’ إن لم تسقط بالتقادم ’ فإنها حتما تسقط بفعل ضعفها وبراهينها أمام حقيقة الأشياء بما فيها مقولة ’ إن الفكر اليساري فكرا انقلابيا ’ فيما تناسى الآخرين إن الفكر اليميني يفوق اليسار في انقلابيته وعلى كل المستوى السياسي والعسكري والشخصي فهم أيضا دعاة نظرية التآمر والاغتيالات ولسنا نحن فقط .

اقرأ المزيد

هل الصحافة نقيض الفكر؟


ثمة اعتقاد شائع لدى الكثيرين فحواه ان ما ينشر في الصحف من مقالات وآراء هو قرين السطحية والمباشرة وعدم العمق، وان العمق والجدية والأصالة قرينة ما هو بين دفتي كتاب، وعن هذا الاعتقاد تشكلت انطباعات خاطئة عند تصنيف مستوى الكتابة أو جديتها أو عمقها، فيقول القائل حين يريد التقليل من أهمية كتابة ما: أنها كتابة صحافية، كأنه بذلك اختزل القول في إعطاء تقييم أدنى لهذه الكتابة بالمقارنة مع ما سواها، أي مع ما هو ليس كتابة صحافية.

هذه التهمة في بعض أوجهها تهمة جائرة، لكن ولتبديد أي استنتاجات متسرعة نقول انه في الصحافة الكثير من الغث والاستسهال، ولكن فيها الكثير من المواد والمقالات والآراء التي لا تختلف عن المواد التي تنشر في الكتب الجادة، من حيث وزنها، إذا وزناها بميزان دقيق.

ولاحظوا أنني قلت الكتب الجادة، ولم أقل الكتب على إطلاقها، ففي الكتب، كما في الصحف، يوجد الغث ويوجد السمين، يوجد العميق ويوجد السطحي، وبالتالي فان معيار جودة المادة لا يتوقف على الوعاء الذي يحملها، كتاباً كان أو دورية ثقافية، أو حتى صحيفة يومية سيارة.

أستاذ الفلسفة المغربي المرموق عبدالسلام بنعبد العالي حاضر في إطار البرنامج الفكري المصاحب لمعرض البحرين للكتاب الذي انتهى مؤخراً عن مسألة ذات علاقة بما اشرنا إليه أعلاه، وكان عنوان المحاضرة، كما عممته وسائل الإعلام: “الكتابة الفلسفية حين تكون كتابة صحافية”، ولكن المحاضر قدم في بداية المحاضرة ما يُشبه الاستدراك، حين اقترح على الحضور أن يكون عنوان المحاضرة: الكتابة الفلسفية حين تكون كتابة شذرية.

ولتوضيح ذلك قال انه يخشى أن يُفهم من العنوان الأول ما يعني حط قدرٍ من مكانة الصحافة كناشرٍ للمعرفة، بما فيها المعرفة الفلسفية ذاتها، فيما كان هدفه هو الإعلاء من هذه المكانة، هو الذي اجترح مأثرة تقديم مادة فلسفية في غاية العمق والرصانة، على شكل مقالات صحافية تنشر في الصحافة المغربية والعربية عامة.

هذه المقالات يدعوها بن عبدالعالي بالكتابة الشذرية، التي تتوخى التكثيف والايجاز وكل ما يمكن أن ندرجه تحت باب نظافة اللغة أو صفائها من الترهلات والزوائد غير الضرورية، وفي إطار محاججته مع المختلفين مع رأيه ذكّرنا المحاضر بقمم بارزة في دنيا الفكر قدمتها إلينا الصحف، قبل أن تقدمها الكتب.

اقرأ المزيد

حول الفجـوة الغذائيـة


التقرير الذي نشرته جريدة “الأيام” عن الفجوة الغذائية تحدث عن معاناة الكثير من الدول بما فيها البحرين من هذه الأزمة الآخذة في النمو والاتساع مما يشكل لتلك الدول هاجساً مقلقاً وتحدياً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.

وعن البحرين أشار إلى انه بالرغم من أنها أولت اهتماماً كبيراً بهذه المشكلة واعتمدت العديد من الخطط والبرامج لتنمية القطاع الزراعي لسد النقص في فجوة الغذاء إلا أنها ما زالت تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الخارج، وهذا ما يعكسه ارتفاع الصادرات من مجموع السلع الغذائية، وكذلك ضعف الإنتاج المحلي الذي يوضحه ضعف مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، وإحصائيا يشير التقرير إلى إن نسبة مساهمة قطاع الإنتاج الزراعي في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبحرين تراجع من 0.7٪ عام 2002 إلى 0.3٪ عام 2007.

ومن المحاور التي تحدث عنها مؤشرات الغذاء في البحرين في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والسلبيات التي تتركها الفجوة الغذائية على دول مجلس التعاون، والانجازات التي حققتها هذه الدول على مستوى السياسة الزراعية والمائية، وأخيرا الأسباب التي أدت الى هذه الأزمة، وهذه الفجوة.
وباختصار.. هذا ما تطرق إليه التقرير الذي يعد من التقارير المهمة في هذا الشأن.

في البدء يمكننا القول إن اخطر الصعوبات شأناً فيما يختص بأية أزمة تتمثل في الابتعاد عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الأزمات، ومن هنا فان الخاصية التي انفرد بها هذا التقرير انه سلط الضوء على أسباب المشكلة داخلية كانت ام خارجية، وبالتالي فالبحرين وكذلك دول مجلس التعاون مطالبة بالعمل الدؤوب للتقليل من آثار الفجوة الغذائية، وهذا يتطلب سلسلة من الإجراءات والتدابير لا تتمثل فقط في توحيد أنظمة وقوانين دول مجلس التعاون في مجال الزراعة والمياه والثروة السمكية، وإنما أيضا تتمثل في مواجهة المشكلة برؤية وسياسة زراعية واضحة اهم شروطها تنمية القطاع الزراعي والسمكي من خلال – كما جاء في التقرير – زيادة فعالية العمل الخليجي المشترك الذي يتطلب التمويل المالي، والاهتمام بالعمالة الوطنية، وزيادة الطاقة الإنتاجية للصناعات الغذائية لتلبية احتياجات السوق، والوقوف بحزم اتجاه الصيد البحري الجائر، وعمليات الدفان العشوائية، وتلوث البيئة، وإعادة النظر في سياسة الاحلال العمراني، والاستثمار العقاري على حساب القطاع الزراعي، والى آخره من هذه التدابير المطلوبة بين دول الخليج ومع ذلك لا ننفي او نتجاهل المؤثرات الخارجية التي تؤثر سلباً على تأمين الغذاء من بينها كما قال وزير شؤون البلديات والزراعة في مؤتمر “قمة الامن الغذائي” الذي انعقد في العاصمة الايطالية روما عام 2009 ارتفاع السلع الغذائية عالمياً، والكوارث الطبيعية، وظاهرة التغير المناخي، واستمرار التحديات المرتبطة بالتجارة العالمية، والضغوط الكبيرة على الموارد الطبيعية، والعجز المائي.

ورغم كل ذلك نقول: اذا كان الأمن الغذائي يُعرَّف بانه هو الإشباع بالإنتاج المحلي، وان يكون متطوراً كماً وكيفاً لسد الحاجات، او هو قدرة الدولة على إنتاج غذائها بصورة دائمة، فان الأهمية هنا تكمن في الإجابة على كل الأسئلة التي طرحها سليم مزهود المتخصص في الأمن الغذائي وخاصة في هذا الوقت الذي امتدت فيه آثار أزمة الغذاء الى نحو مليار من البشرية.

نعم .. اذا ما أردنا الحد من آثار هذه الأزمة الخطيرة على المستوى الخليجي والعربي فلابد لنا من إستراتيجية وطنية مشتركة فاعلة تولي جل اهتمامها بالاجابة على الأسئلة التالية .. لماذا الاختلال في التوازن بين السكان والإنتاج؟ لماذا ضعف الاهتمام بالزراعة؟ وهذا ما يوضحه فشل الخطط .. لماذا إعطاء الأولوية للقطاعات غير المنتجة؟ ولماذا ندعم الأسعار بدل دعم الإنتاج؟ تلك الأسئلة وغيرها هي مربط الفرس؛ لان اغلب مؤتمراتنا وقممنا العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي تنعقد هنا وهناك تخرج بقرارات وتوصيات وإن كانت على درجة كبيرة من الأهمية إلا أنها وفي معظم الأحوال لا تفعل.

 
الأيام 17 ابريل 2010

اقرأ المزيد

الدول الأوروبية وأدوات التعذيب وازدواجية المعايير


حينما توجه الدول الأوروبية دائما وأبدا، دعواتها لدول العالم الثالث ومن ضمنها اقطار الوطن العربي، إلى إشاعة الديمقراطية والحريات العامة لديها.. فان هذه الدول، دول عالم الشمال في الوقت ذاته قد حملت بالمقابل لواء العسف والبطش ضد شعوب دول عالم الجنوب، المسلوبة الإرادة والحرية.. وبحسب ما تحمله بيانات هذه الدول الأوروبية، من خلال مؤتمراتها وقممها، التي تعقد بين آونة وأخرى، حول ترحيبها وتأييدها للعديد من دول الشرق الأوسط، بتسريع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.. فان انظمة هذه الدول الرأسمالية، قد حملت عنوانا لاستبداد النظام الدكتاتوري والشمولي والقمعي على حد سواء، قد يتناقض تناقضا صارخا، لما تحمله هذه الدول من لواء الديمقراطية، الذي قد يبدو إيجابيا في الشكل والمظهر.. بينما يظل في المحتوى والجوهر سلبيا بأبلغ درجات السلب، بل أبلغ الخطورة وأبلغ الاضطهاد المركب للشعوب والمعارضة الوطنية والأحزاب السياسية والرموز الوطنية.

ان مبعث هذه المقدمة الموجزة، هو رغبتنا التطرق إلى الخبر المهم الذي نشر في الصفحة الأولى لجريدة “أخبار الخليج” الصادرة بتاريخ 19 مارس 2010م، والمعنون بـ “دول أوروبية تتجاهل الحظر على تصدير أدوات التعذيب”.. وما تخمض عن استرسال هذا الخبر بالقول: “لاتزال دول أوروبية عديدة تستغل ثغرات في قانون منع تصدير أدوات التعذيب، لتصدير هذه المنتجات المرعبة إلى مختلف دول العالم، ومن هذه الأدوات، هناك قيود للأصابع والأرجل وأدوات تثبيت بالجدران تطلق صعقات كهربائية بشدة (50) ألف فولت على المسجونين والمعتقلين”.

لعل هذا الخبر قد لا يحتاج إلى تمحيص ولا إلى تدقيق.. لأن محتواه يبدو واضح المعالم أمام الملأ تجسده تلك الصفحة السوداء لتاريخ العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها بريطانيا بسياستها العنصرية، التي أنشأت من خلالها الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وشردت شعبا بأكمله من وطنه، واقتلعته من أرضه بدعم من رؤساء الولايات المتحدة، وخاصة (ولسون وروزفلت وترومان) الذين كانت تربطهم علاقات قوية مع الدوائر الصهيونية، وما ترتب على تلك العلاقة من اجتماع الرئيس الامريكي ولسون مع جيمس آرثر بلفور عام 1917م، وإعلانه مساندة الولايات المتحدة إنشاء وطن ليهود الشتات في فلسطين، مثلما تم الاتفاق (الأمريكي – البريطاني) عام 1924م، على انتداب بريطانيا على فلسطين.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنه بحسب ما حاربت بريطانيا الكثير من الباحثين والمؤرخين وعلى رأسهم (ديفيد ارفنج) حينما كشفوا زيف الدعاية الصهيونية الكاذبة حول المذابح النازية لليهود، الأمر الذي جعلها تصادر آراءهم وتحارب افكارهم.. فان الولايات المتحدة قد حاربت العضو السابق في الكونجرس الامريكي مؤلف كتاب الخداع (بول فندلي) لأنه فضح فيه أكاذيب المحرقة النازية.

إذاً ليس بمستغرب كما أسلفنا الذكر قيام هذه الدول بعملية تصدير “هذه المنتجات المرعبة من أدوات التعذيب والتنكيل” إلى دول العالم.. كما انه ليس ما يثير الغرابة أن تتعامل هذه الدول الأوروبية بازدواجية المعايير.. وهو مناداتها بالديمقراطية وحملها لواء حقوق الإنسان ظاهريا.. بينما ممارساتها السياسية باطنيا هي النقيض وعلى العكس من ذلك.. طالما جعلت هذه الأنظمة الرأسمالية، من دول العالم الثالث اسواقا رائجة تصدر إليها مخلفات الأسلحة الامريكية والغربية، ضمن صفقات كبيرة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.. تأتي على حساب استنزاف الأموال وخاصة العربية، وعلى حساب تدهور الاقتصاد الوطني وخواء ميزانية الدول، وبالتالي رزوح هذه الدولة تحت طائلة المديونية.. مثلما تأتي على حساب تدهور المشاريع التنموية كالتعليم والصحة والإسكان والبحث العلمي، التي جميعها لم يرصد لموازناتها سوى النزر اليسير إذا ما قورنت بموازنة الأمن القومي وصفقات السلاح الطائلة.

ولكون هذه الأنظمة لدى دول العالم الثالث قد آمنت بها الأنظمة الغربية كحراس أمناء على مصالحها الرأسمالية الكولونيالية أو الاستعمارية .. من هنا جاءت عملية تصدير الأدوات المرعبة وآلات وأجهزة التعذيب الغربية لتمثل أداة حفز وتشجيع للنظام الرسمي العربي وفي دول العالم الثالث، على فتح مزيد من السجون والمعتقلات التي تدور فيما وراء قضبانها وفي ظلامية اقبية زنازينها، ابشع عمليات التعذيب الرهيبة بحق الشعوب وبحق المناضلين وبحق المعارضين من الرموز الوطنية، بأساليب أكثر عنفا وتعسفا، وأبلغ أثرا وترهيبا، وهي أشد إيلاما وأكثر خطورة، باستلاب كرامة الإنسان وامتهان إنسانيته.. إذ ان هذا النظام الغربي، قد يتجاهل هذه الأساليب الاستخباراتية لدى هذا العالم الدكتاتوري المتخلف، بقدر ما يتجاهل أجهزته الأكثر بطشا من تلك الأدوات التعذيبية والتنكيلية التي هو يصدرها إلى هذه الأنظمة الاستبدادية.. وهذا ما أكده ويؤكده الكثير من المناضلين الذين رزحوا في غياهب هذه السجون المنسية والمعتقلات الرهيبة في مختلف دول العالم الثالث.. وذلك من خلال تدوين رواياتهم وكتاباتهم وقصصهم ومذكراتهم.. وهو موضوع مهم جدير بتكملته بموضوعات أكثر أهمية بهذا الإطار.

أخبار الخليج 2010

اقرأ المزيد

التطـــــرف عنـــــــوان المـــــــرحلــــــة ‮!‬


أينما وليت وجهك باتساع الرقعة العربية من مشرقها إلى مغربها، سوف تجد التطرف الديني بمظهراته المختلفة، أو إرهاصاته المنبئة بتفتق قرائح ضحاياه قريباً جداً، ماثلة أمام ناظريك تطالعك بقسمات أوجه مكفهرة.

وما كاد هذا التطرف يخرج من مصادره التنظيرية والأيديولوجية (الدعوية) المختلفة حتى راح يتطور من طور إلى طور وصولاً إلى الذُّرى التي بلغها اليوم باقتحاماته الإقطاع-رأسمالية الفظة والكاسرة لأطرنا وهياكلنا الإدارية والاقتصادية والاجتماعية الهشة أصلاً. حتى غدا التطرف عنواناً لمرحلتنا الراهنة بعد أن تمكن من ‘طرد’ روح التسامح والتواصل مع الآخر واحترامه من منظومة قيمنا وتقاليد ممارستنا حرياتنا العقائدية والاعتقادية سواء المعبرة عن هوياتنا الدينية أو تلك المعبرة عن فضاء هوياتنا الثقافية. حتى أضحى من المؤشرات المقلقة، إن لم نقل بالغة الخطورة، ارتفاع حدة ووتيرة التخندق الطائفي والمذهبي إلى الحد الذي ينذر بتفجر صدامات ونزاعات أهلية كمقدمة لحرائق كبرى سوف تأتي على الأخضر واليابس إذا لم تتم المسارعة الآن – الآن وليس غداً – وبسرعة وهمة فائقتين لاحتواء مواقدها وعزل موقديها من محترفي إشعال الفتن.

في هذه الأجواء المحتقنة والتي يزيد المنخرطون والمتورطون بأعداد غفيرة ومتدافعة من حدة استقطاباتها ويفاقمون بؤر توترها، تتوسل جمهرة العقلاء الذين آثرت غالبيتهم الصمت، مكتفية بابتلاع غصات ومرارات ذلكم التدهور المريع في علاقات القوى المجتمعية وأنساق القيم والمناقبيات التي طالما تسيجت بها وحصَّنتها من تقلبات الدهر ومقاديره، وذلك في ما يشبه الإيماء بالغ الدلالة على ‘استقالتها’ وتبرؤها من ‘حفلة الزار’ الحافلة بكل ‘أصناف’ وأشكال التطرف المتواصلة على مدار الساعة، والتي نصبها المنتفعون منها وراحوا يقامرون ‘ويضاربون’ بها وبمخزون ألاعيبها ‘السحرية’ الفتنوية من دون أن يرف لهم جفن عين أو يطرف لهم ‘هدب’ ضمير.

نقول في هذه الأجواء المحتقنة يتوسل العقلاء في هذه الأمة المبتلية بهذا الداء الخبيث ويتطلعون لأولئك النفر من نظرائهم العقلاء داخل مؤسسات الحكم المقرِّرة للسياسات والتوجهات التنموية الكلية (Macro)، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وخارج مؤسسات الحكم بما هي التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وقبل هذا وذاك، وعلى نحو خاص، المكونات الدينية من مؤسسات ومراجع ومشايخ باعتبارهم المسؤولين الأوائل، برسم اختيارهم بإرادتهم ووعيهم الخالصين، بأن يتبوءوا المناصب القيادية للاتباع، كل من منطلقاته وتوجهاته الدعوية (الإيديولوجية في التحليل الأخير) – والمسؤولون عن التردي والتدهور المريع في الموقف من الآخر وفي لغة التخاطب المتشنجة معه والتي انتهت بالعصبيات المتفجرة التي تقف خلفها إلى تقسيم العالم إلى دار حرب ودار سلام على طريقة جورج بوش الرئيس الأمريكي الأسبق حين قسم العالم إلى عالمين عالم أخيار وعالم أشرار. ورُوِّجت على ذاك الأساس أيديولوجيا ما يسمى بالجهاد ضد المرتدين. وبالتالي فإن هؤلاء المراجع والمشايخ والمؤسسات والواجهات التي يمثلون، يتحملون مسؤولية العمل على إعادة بوصلة العلاقات المجتمعية البينية والأخرى المجتمعية فوق الوطنية إلى مكانها الذي كانت عليه قبل إطلاق هذه الموجات المتوالية والمتصاعدة من العصبيات المغرقة في تطرفها. بل يتعين عليهم قبل ذلك أن ينهضوا مثالاً في عدم الزج بأنفسهم في دوامة التطرف والغلو وأن يحاذروا من أن يجرفهم التيار إلى مزالقها فيجدون أنفسهم جزءاً من المعضلة سيكون عليهم من الصعب حينها استعادة ذواتهم وضمائرهم، خصوصاً بعد فوات الأوان.. بعد انجلاء الغمة إثر استنفاد وزوال أسبابها.

ونحسب أن أولئك العقلاء المتوجسين خيفة على مستقبل الحياة العربية، ‘يتعشمون’ خيراً، على سبيل المثال، في شيخ الأزهر الجديد الدكتور أحمد الطيب الذي عينه الرئيس المصري حسني مبارك يوم التاسع عشر من مارس الماضي خلفاً لشيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي الذي وافاه الأجل في مكة المكرمة منتصف شهر مارس الماضي، في أن يكرس بعضاً من وقته لإعادة الاعتبار لثقافة الاعتدال والتسامح الديني، حيث عُرف عنه غزارة اطلاعه، معولين في ذلك على ما تفضل به فضيلته لصحيفة الشرق الأوسط بعيد قرار تعيينه ومفاده: ‘بأن من أولوياته تحقيق عالمية الأزهر ونشر المنهج الإسلامي الوسطي المعتدل والحوار الذي يتبناه الأزهر في كل أنحاء العالم، وبأن الأزهر هو الحارس الأمين على وسطية الإسلام واعتداله لأن مناهجه الدراسية تقوم على نشر التسامح ونبذ التعصب والابتعاد عن الغلو والتطرف، وإننا سنسعى لكي يجيد خريج الأزهر اللغات ويفهم صحيح الإسلام بمنهجه المعتدل ويجمع بين التراث والمعاصرة’ (الشرق الأوسط 21 مارس 2010 العدد 11436). … ونعول كذلك على حرص فضيلته في السابق على عدم الزج بنفسه في الجدل المندلع حول عديد القضايا الخلافية، مثلما أنه لم يتورط في موجة الفتاوى المثيرة التي صدرت في الآونة الأخيرة عن عدد من مشايخ الأزهر.
 
الوطن 17 ابريل 2010

اقرأ المزيد

فلادمير ماياكوفسكي …. في الذكرى الثمانين لرحيله

ولد فلاديمير ماياكوفسكي في التاسع عشر من مايو عام 1893 في إحدى قرى  جيورجيا النائية ( باغدادي ) وتوفي في الرابع عشر من ابريل عام 1930 ، حين اطلق  النار على نفسه وهو في السابعة والثلاثين من العمر . وفي هذه الفترة القصيرة من  حياته ، إستطاع ماياكوفسكي أن يصنع مجده الشعري الذي جعل منه شاعر المرحلة  السوفيتية وأحد الشعراء العظام في القرن العشرين .

إلتحق ماياكوفسكي بثورة اكتوبر وهو في سن الرابعة والعشرين وسخًر كل إمكانياته  في سبيل إنتصارها ، إلا أن صلته بالثورة لم تبدأ من هذا العمر ، بل كان في سن  المراهقة ينشر افكارالحزب الشيوعي .
 
وشاعر الثورة ، كما يراه ماياكوفسكي ،لا ينحصر عمله في تأليف الكتب ، لذا إنخرط  بعد إنتصار الثورة في العمل السينمائي والمسرحي والصحفي وفي الدعاية المكتوبة  والمصورة للثورة .وكان دائماً يعلن بأن الفن يجب أن لا يعيش في القصور وصالات العرض والمكتبات والمسارح ، بل يجب أن يكون متاحاً للجميع . 

وكان يردد دائماً : ” سنرسم الكلمة الحرة على زوايا الشوارع وجدران  البيوت والسطوح والسياجات وشوارع مدننا وقرانا وظهور العربات والمركبات وثياب  المواطنين ، لتكن الشوارع مأدبة فنية للجميع .”
 
يُعتبر ماياكوفسكي واحداً من اهم شعراء النصف الأول من القرن العشرين ورائداً في  الشعر الثوري الحديث . وتمتاز قصائده بالبساطة كشعر بوشكين ويسنين رغم إختلاف  إنتماءاتتهم الطبقية ، لكن الثلاثة كانوا قريبين من الجمهور . فقد كان ماياكوفسكي يحب كل العالم وجميع الناس المظلومين والمعذبين ( بالفتح ) في الأرض .

و ما ياكوفسكي مجدداً في الشعر لغة وموضوعات ورائداً في الشعر الثوري  الحديث ، وحطًم قواعد النظم القديمة، وإعتبر ان ضرورات الصراع الطبقي هي التي  تقرر وسيلة تشكيل القواعد وكان يقول : ” إن الإنسان لا يُسمى شاعراً إلا إذا  كان خالقاً للقواعد ، وان أولويات الشعر ليست إلا الحركة الأولى في الشطرنج “ .

من المعروف أن ماياكوفسكي لم يكن يرتاد المسرح دائماً ، لكنه لا يتوانى من حضور  اية مسرحية من إخراج ميرخولد . و ان ما قرًب ما ياكوفسكي من ميرخولد هو الفهم  المشترك للمهام التي يجب ان يضطلع بها المسرح السوفيتي الجديد ، وكان يعتبر تجارب ميرخولد تشق الطريق نحو فن مؤثر و معبئ .
 
لقد خلق ماياكوفسكي مسرح الممثل الواحد ، وكانت “ تمثيلية هزلية “ ، التي أخرجها  ميرخولد ، اعظم إنجاز للمسرح التحريضي في السنوات الأولى من عمر الثورة .  فقد خلت المسرحية من الحب والحبكة ، وكانت الحياة السياسية المعاصرة موضوعها الحقيقي . فالسخرية التي استخدمها ماياكوفسكي ، الشاعر والمدافع عن الشعب ، هو فن هجومي مكافح، إذ أن في طبيعة السخرية ذاتها ،يكمن حس الروح الشعبية ، والكفاح من اجل اجتثاث الأمراض الاجتماعية والقضاء عليها .
 

اقرأ المزيد

شــجرة / أنـا


  
  
  
  

 

  
 شـــجرة / أنــا
 

مَرةً تَخَيَّلتُ أَنِّي شَجَرَةْ
تُغَازِلُ المَكَانَ وَحدَهَا
تُحَاوِرُ الأزمِنََةْ
وفي بَرَاءةٍ فَرِيدَةٍ
تَحتَضِنُ العَالمَ كُلَّهُ 
وتَنْتَشِي
وفي المَسَاءْ
تَنقُشُ أحْزَانَهَا
عَلى صََفحَةِ السَماءْ
تَمشِي عََلى المَاءْ
تُحَاوِرُ المِلحَ في الجِراحْ
تَرمِي بِثقلِها عَلى الكَونْ
ثِقلُهَا كَومَةٌ من أزهَارِ اللُّوتس
تُغَطي أشْجَانَ النَهرِ 
  
*
 
قلبي شَجَرَةْ
مُزدَانَةٌ بالألقْ
سُبحَانَ مَن خَلقْ
تُتقِنُ كلَّ اللُغَاتِ
تَعرِفُ جَمِيعَ الأسْماءِ
لَكن لا تُفصِحُ عن اسمِهَا السِرِّي
إلاّ للطَيرِ البَرِّي
والفَضَاءِ البَنَفسَجيّ  
  
*
شَجَرَةٌ.. أنا
او هَكذا تَخيلتُ
مُثَقلةٌ بِثِمَارِ الجَنّةِ
الطُيُورُ تَنَامُ
بِلا وََجَلٍ عَلى أغْصَانِي
تَبنِي مُدناً
تَستَلقِي بلا أصْفَادٍ تَحتَ الشَمسْ
كي تَستَرِيحْ
لكنَّ الرِيحْ
أسْقَطَت ثِمَاريَ الغَرِيبَةَ
كَسَرَتْ كُؤوسيَ المُترَعَةَ
فَجأَةً صَحَوتُ 
كانت نَفسِي قد هَرَبت مِني
والشوَارِعُ نَسِيتْ أسمَاءَهَا
مََزّقتُ أورَاقِي
رَميتُ بذَاكِرتِي هَديّةً للرِيحِ
يَمَمتُ وَجهِي نَحو الضُوءِ
الطَالِعِ من نِهَايةِ القَلبْ
  

 

اقرأ المزيد

نفي الأقوال المتداولة

تظهر البداهة في أمور بسيطة. ولفرط بداهتها فإننا لا نتوقف أمامها لنتفحصها، بل إننا غالباً ما ننطلق في مناقشاتنا وحواراتنا التي تصل إلى أبعد حدود الاختلاف من التسليم بهذه البديهيات، فنتعصب لأفكار خاطئة من دون أن نتنبه إلى أنها مبنية على قواعد هشة.

أحد علماء الاجتماع الفرنسيين دعا إلى اشتقاق «فن مقاومة الأقوال المتداولة». كان هذا العالم يعالج قضية البداهة أو المسلّمة التي تتسرب إلينا بشكل سلس، مخملي، ناعم، فنقبلها طواعية من دون التمعن في حقيقة ما إذا كانت صائبة أو لا.

شاعر أجنبي عاش في القرن الماضي دعا إلى أن يتعلم كل فرد فن تأسيس بلاغته الخاصة، ورأى في ذلك نوعاً من أعمال «السلامة العامة» يتطلب مقاومة الأقوال الشائعة، محرضاً قارئه على قول ما يريد قوله هو: «تكلم أنت بدلاً من أن نتكلم بلسانك (تتكلمك) كلمات مستعارة مشحونة بالمعنى الاجتماعي»، الذي يكتسب سطوته من كونه عاماً، بديهياً .

والخروج عن البداهة هو، في شكل من أشكاله على الأقل، خروج على الإجماع، على التوافق، الذي ليس هو بالضرورة أمراً طيباً وحسناً، لأن كل منعطفات التاريخ الكبرى إنما انطلقت من فكرة كسر هذا التوافق والخروج عليه.

نحن ننشأ على البداهة، منذ الطفولة نكتسب القناعات العامة، ثم نندمج في مؤسسات المجتمع بدءاً من المدرسة مروراً بالخلايا الاجتماعية الأخرى . ومع الوقت نتعود على التفكير مثل الآخرين، نفكر بأفكارهم، وقد لا نكتشف أبداً أننا لم نطور لأنفسنا «بلاغتنا الخاصة»، نعني بها تفكيرنا المستقل المبني على مشاهداتنا ومعايناتنا عن الحياة، ونكتشف أيضاً أن المسافة الضرورية بيننا كأفراد وبين المجتمع تكاد تكون معدومة أو غائبة . فتذوب «الأنا» في المجموع .

هذا لا يعني في المطلق أن الأقوال المتداولة، أو البديهيات كلها خاطئة، ولكنه يعني تحديداً أنه في قلب هذا النسيج المحكم الحياكة من البديهيات ثمة الكثير من العناصر التي تسوق كما لو كانت أمراً مفروغاً منه، من دون الأخذ بالاعتبار أن الزمن نفسه وسيرورة الحياة يقذفان بالكثير من الأحكام من دائرة القيمة المطلقة، النهائية إلى مدار الشك، حين تفقد شرعيتها التي كانت لها في زمنٍ سابق.

يحتاج المرء إلى فضائه الخاص الذي يمكنه من وضع كل بداهة موضع المساءلة، عله يـكـتشف أن لـيس كل البديهيات هي بديهيات.

اقرأ المزيد

على خلفية قضية الوزير المخلوع وملف أملاك الدولة تساؤلات مشروعة حول ملفات ساخنة


المهم.. الفذ الأهمية في قراءة ما هو متداول الآن في الساحة المحلية من قضايا وملفات بعناوينها المختلفة والتي باتت ذيولها وآثارها وأصداؤها تتفاعل وتتناثر في كل اتجاه.. هو أننا لن نحظى حيال أي منها بأجوبة باهرة الوضوح خاصة على النحو الذي يفترض على من بيدهم هذه الأجوبة أو معنيين بها أن يستنفروا جرأتهم وأن يحسنوا طرح المضامين الذي لا تنطوي على إغفال التصدي لجوهر المشكلات والاكتفاء بالعموميات التي تسّوق بلغة مموهة استنفذت مفاعيلها لا تنم غالباً عن احترام لذكاء المواطن وهو ثاقب على الأقل في معظم الحالات .. !
 
لا حاجة للاستعانة بالأدلة والبراهين التي تؤكد بأن ثمة من يريد ازدراء ذكاء المواطن مرة تلو المرة بعدم التعامل معه معاملة الراشدين سياسياً، يكفي أن نتأمل هذا السجال واللغط حول أخبار وأحداث محلية تسارعت بوتيرة عالية في الآونة الأخيرة وخلقت أجواء تدفع إلى اتجاهات ليس فقط أنها لا تعبىء بمستلزمات الشفافية وإنما أجواء ولدت انزعاجاً انتاب عقولنا .
 
دعونا نتوقف تحديداً أمام ملفين هما اليوم من الأهمية ما يفوق أي تقدير، وكل ملف يثير لا حصر له من بواعث الدهشة والصدمة، ويثير لدينا الحيرة وتساؤلات وعلامات تعجب هي أيضاً لا حصر لها.
 
الملف الأول هو ملف قضية الوزير السابق الذي وسبحان مغير الأحوال تحول بين عشية وضحاها إلى متهم في قضية خطيرة إلى حد بعيد، فيها من الجائز وغير الجائز من الكلام والشائعات والأقاويل ما ملأ البلاد إلى الحد الذي اضطر النيابة العامة أخيراً التدخل وحظر النشر عن هذه القضية ، وهذا أمر في حد ذاته له ما له وعليه ما عليه ..!!
 
أما الملف الثاني فهو ملف تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة العامة والخاصة، وموقف الحكومة من هذا الملف الذي من المؤسف حقاً أنه موقف يؤكد أكثر مما ينفي .. !! ولكن المفرح في هذا الملف أنه ربما للمرة الأولى التي بدا لنا مجلس النواب بكتله وتياراته وتوجهاته مجمعاً على قضية وطنية بكل المقاييس دون أن تتعثر وتتعرقل وتتوقف عند المفردات والعبارات والشعارات المراوغة، أو عند البعٌد الطائفي على النحو الذي شهدناه عند التعاطي في أكثر من قضية، وأكثر من استجواب .
 
إذا كان ذلك البعد في القضية الثانية قد غاب، فإنه في قضية الوزير السابق كان حاضراً، فهناك مع الأسف وكالعادة ظهر من استهدف تحويل هذه القضية من قضية شخصية لا تزال خاضعة للتحقيق وسينظر فيها القضاء، إلى قضية تدفع قسراً باتجاه ميزان الطائفة والعائلة، مما يضعنا أمام مشهد عبثي أبطاله هؤلاء الذين دأبوا على طأفنة كل موضوع مهما كان ثانوياً وجعله نواة أزمة، بل أزمات وخلافات والتباسات وانقسامات وشحن طائفي لا أول له ولا آخر، وهنا وجه الخطورة في هذه القضية، بل وفي كل قضية.
 
لا يهمنا من هذه القضية التفاصيل، وكل الكلام والأقاويل والحيثيات التي شرقت وغربت، والتي أخذت أبعاداً ربما لم تكن في الحسبان، فإنه سواء صدقت التهم أم لا فإنه لا مناص من الإقرار بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والإقرار ثانياً بأنه ليس من العدل والأنصاف الانسياق وراء القيل والقال وأن كانت السلطات العامة تتحمل مسؤولية أكيدة في هذا الخصوص، ولأننا لا نريد أن نخترق المحظور أو نقفز على قرار النيابة العامة بحظر النشر عن القضية، فإنه يهمنا في شأن هذه القضية أن نكتفي بهذه الملاحظات الآن على الأقل :
 
●●   أن هذه القضية تضعنا أمام وضع جديد ولافت وباعث على أكثر من تساؤل، وهي أنه للمرة الأولى التي يمثل فيها شخصية عامة وبرتبة وزير في الحكومة أمام النيابة العامة وبتهم جدا خطيرة هي غسيل الأموال والفساد، واذا جاز لنا أن نجتهد في القول بأن ذلك لعله رسالة بأن مبدأ المحاسبة قد وضع على المحك وأنه سيطبق دون استثناء على أي كان .
 
اذا كانت تلك هي الرسالة حقاً فهل نتوقع بأن تشهد الأيام القادمة فتح ملفات فساد وتجاوزات في أكثر موقع من مواقع العمل والمسؤولية وفي ألبا، وطيران الخليج على سبيل المثال، وغيرهما من الشركات والمؤسسات الرسمية، وبما فيها تلك التجاوزات التي كشفت عنها تقارير ديوان الرقابة المالية، وأخيراً التجاوزات المذهلة التي كشفت عنها لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة العامة والخاصة.
●●  على النيابة العامة التي سمحت بالنشر في القضية ثم منعت النشر، أن تدرك أن القضايا العامة والتي يكون أبطالها شخصيات عامة من حق الرأي العام متابعتها ومعرفة مجرياتها، وأن حرية الرأي وحرية الصحافة مكفولة بنص الدستور وهما مفتاح أي إصلاح وحجر الأساس فيه ، بقدر ما للقضاء من سلطة مستقلة لا تخضع للضغط والتأثير عليها، وإذا كنا نعلم جيداً بأنها ليست المرة الأولى ولعلها لن تكون الأخيرة التي تسمح فيها النيابة العامة للنشر في قضية من قضايا الرأي العام، ثم تأمر بمنع النشر في تداول هذه القضية، وأحسب أنكم لازلتم تتذكرون قضية البندر التي حدثت في عام 2006 والتي لا يعرف أحد حتى الآن في أي اتجاه ذهبت .. !!
 
أما القضية الثانية، قضية أملاك الدولة العامة والخاصة وملف لجنة التحقيق البرلمانية ففيها من التفاصيل ما يفترض إلا يمر بسلام .. وإذا كان بمقدورنا أن نستخلص من ردود فعل الحكومة حيال هذا الملف ، والتعليقات المواربة والشروح والمرتبكة التي أطلقها الوزيرين المعنيين، وزيري المالية والعدل لتسويغ ما حدث حيال تلك الأملاك ، فإنه بمقدرونا أن نستخلص عبرة تستحق التأمل، وهي أنه من فرط التلاعب والخلط في ما ورد في هذا الملف من تجاوزات وتعديات وحيثيات ما يغذي روح الإحباط ويثير القلق ويولد الانزعاج، دعونا نقف ونذكر بعض العناوين الذي احتواه هذا الملف كعينة لها الدلالات ما لا يخفى على ذوي الحصافة :
 
-         65 كيلو متر مربع تم الاستيلاء عليها من أملاك الدولة بقيمة 15 مليار دينار .
-         أملاك الدولة المسلوبة تكفي لبناء 200 ألف وحدة سكنية.
-         أراضي حكومية مؤجرة بعشرين فلس سنوياً.
-         تأجير عقارات شاسعة بدينار واحدة لمدة 14 سنة.
-         94% نسبة مشروعات الدفان الخاصة.
-         عقار المحرق وكرانة المستولي عليهما يكتبان لجميع الطلبات الإسكانية .
-         تأجير عقار مساحته 2 مليون متر مربع بدينار.. !!
-         الأرض المخصصة لبريد البحرين أصبح موقف سيارات لفندق بــ 50 دينار سنوياً .
 
لا داعي للاستفاضة فما تم نشره تم تداوله في خصوص هذا الملف كاف لنتيقن جميعاً بأن هذا الملف هو من بين أهم وأخطر الملفات على الإطلاق .. وإذا كان وزير المالية والعدل في جلسة مجلس النواب أثناء مناقشة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية قد رفضا استخدام ألفاظ من قبيل “التعدي” الاستيلاء “السرقة” و”النهب” وأنهما أحرص على الأراضي والأملاك، وأنهما يعتبران تقرير اللجنة غير قانوني دون أن يفندا ما جاء فيه بالمنطق والوقائع والحقائق .. فإن أخشى ما نخشاه أن يعبر عن ذلك عن التــــــــزام “بمقولة قولوا ما شئتم ونفعل ما نشاء”، وهي مقولة ظننا رغم أن بعض الظن أثم أننا تجاوزناها ؟

اقرأ المزيد