المنشور

الادارة والبيروقراطية


دعوة سمو رئيس الوزراء بوجوب القضاء على البيروقراطية المقرونة بالرفض والبطء في تنفيذ المشاريع وعدم قبول الاعذار في تأخير تنفيذها، وعدم التنسيق بين الاجهزة الرسمية المعنية مما يعيق العمل والانجاز.
 
هذه الدعوة وجد بأنها إشارة واضحة للادارة الحكومية باعتماد التغيير وتحسين الخدمات وتعزيز الثقة في بيئة العمل الرسمي لبلوغ ما يطمح اليه الجميع من ادارة على مستوى الامال والتوقعات، اي ادارة فاعلة وناجزة ونزيهة وبسيطة في تركيباتها واجراءاتها وقادرة على تقديم الخدمات بمستوى عال من الجودة وبأقل كلفة ممكنة.
 
هذا الحديث يعودنا مجددا الى موضوع الاصلاح الاداري الهادف الى تحديث الادارة بإنسانها ونصوصها وطرقها واساليبها ومفاهيمها وعقليتها لجعلها ادارة فاعلة تولى موضوع المساءلة والشفافية العناية القصوى، وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب واذا توقفنا امام تأكيد صاحبي السمو رئيس الوزراء، وولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية بضرورة خلق آلية جديدة تدعم انفتاح البحرين على العالم وتحقق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والسياحية والمتطلبات الأمنية، وتسّرع فى انجازات معاملات المستثمرين وتوجد شروط مرجعية موحدة ودليل استرشادي في اتمام معاملات المستثمرين والزوار.
 
فذلك برأينا اذا لم يكن يؤذن بإصلاح اداري، أو يبشر بإصلاح إداري، فهو على الاقل يعني بأن ثمة خطة لتهيئة الادارة العامة لعملية تحديث وتطوير لابد ان يكون من منظور شمولي كامل بين الاجهزة الرسمية يأخذ بعين الاعتبار معالجة نقاط التشابك والازدواجية، ويعزز نقاط التلازم والتكامل، ويتبنى الهيكليات التى تضمن اعلى درجات التنسيق والفعالية، بما يخدم المواطن والمقيم والاقتصاد الوطني، المهم هو الاسراع في الاقدام على هذه الخطوة. 
 

28 مارس 2012

اقرأ المزيد

محمد إبراهيم نُقِـــدْ


أتى محمد إبراهيم نقد لقيادة اليسار السوداني بعد أن صعد رفيقه عبدالخالق محجوب إلى المشنقة التي نصبها الديكتاتور الراحل جعفر النميري. عبقري الرواية السودانية والعربية الطيب صالح وصف محجوب بأنه من أذكى السودانيين. مازالت في ذهني صورته في الجريدة وهو خارج من قاعة المحكمة التي حكم قاضيها عليه بالإعدام شنقاً، وحوله تحلق الصحافيون. كان في قميصٍ أنيق، رمادي اللون، وعلى محياه ابتسامة ساحرة وهو يحادث رجال الصحافة، لم يبدو أبداً كرجل ذاهب إلى الموت، إنما إلى الخلود!
 
يومها كتب الزعيم الوطني اللبناني كمال جنبلاط مقالة على صدر” النهار” البيروتية استفظع فيها جُرم نميري، متسائلا كيف جرؤ أن ينصب المشنقة لعبدالخالق محجوب ورفاقه، وفي مقدمتهم الشفيع الشيخ، كان محجوب يبذر أفكار التقدم والعدالة في أراضي السودان، وكان الشفيع الشيخ، الآتي من صفوف عمال السكك الحديدية، يُدرب العمال على تشكيل النقابات والدفاع عن حقوقهم.
 
رحل نُقد بعد حياة امتدت اثنين وثمانين عاماً، لم يبارح فيها القيم التي آمن بها وكرس عمره من أجلها، كما لم يبارح خلالها السودان إلا نادراً، فإضافة إلى سنوات سجنه المتفرقة، أمضى سنوات طوال متخفياً عن الأعين، يقود العمل الحزبي من مخابئه المتعددة، عدا سنوات معدودات من الانفراجات السياسية في تاريخ السودان الحديث أدى فيها مهامه بصورة علنية.
 
دَرس الفلسفة، ولكنه لم يحقق حُلمه بأن يُدَّرسها لطلبة جامعة الخرطوم، حيث تفرغ للعمل الحزبي وتحمل مشقاته. اتسم بالكثير من سمات سلفه عبدالخالق محجوب: سعة الأفق، والانفتاح على الآخرين، والمعرفة عميقة بتاريخ ونفسية ومزاج السودانيين، ومثل محجوب عمل على توطين الماركسية في البيئة السودانية، وفي تجديدها.
 
استطاع الجمع بين مَلكاته كمُنظم وقائد حزبي وبين قدراته كباحث، حيث أصدر العديد من المؤلفات منها: «قضايا الديمقراطية في السودان»، «حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» وهو كتاب سجالي مع المؤلف الشهير للراحل حسين مروة الذي يحمل العنوان نفسه، كما صدرت له مؤلفات: «مبادئ موجهة لتجديد البرنامج»، «علاقات الأرض في السودان: هوامش علي وثائق تمليك الأرض»، «علاقات الرق في المجتمع السوداني»، «متغيرات العصر».
 
وهي كلها عناوين تدل على ما أولاه من عناية قصوى بمعرفة تاريخ وراهن السودان، لا من أجل المعرفة المجردة وحدها، وإنما بما يساعد على توظيف هذه المعرفة في انجاز مشروع التغيير الذي آمن به، كأنه بذلك ينطلق من الفكرة الشهيرة لكارل ماركس ضمن أطروحاته حول فيورباخ: «كانت مهمة الفلاسفة حتى الآن تفسير العالم. ولكن المطلوب الآن تغييره». التغيير الذي حلم به نقد، وقبله عبدالخالق محجوب مازالت دونه برازخ يجب عبورها، خاصة بعد أن اختطف السودان من الديكتاتوريات على تلاوينها المختلفة، التي أودت بالبلد إلى ما بتنا شهوداً عليه: التقسيم والتراجع عن منجزات الاستقلال، وعن روح التسامح والحوار التي طبعت أهل السودان.
 
لكن ميراث محجوب ونُقد يظل مضيئاً في وجدان السودانيين وضمائرهم، وتلك ليست شهادة مريدي هذا الميراث وصُناعه، وإنما أيضاً حتى أولئك الذين اختلفوا مع الرجل.
 
25 مارس 2012

اقرأ المزيد

محاكمة الكادر الطبي والفيلم الوثائقي


الفيلم الوثائقي الذي قدمته هيئة الدفاع عن الأطباء المتهمين باحتلال مجمع السلمانية الطبي، وتمت مشاهدته في المحكمة يوم الثلثاء الماضي – والذي لم تعلق عليه النيابة العامة – يوثّق بشكل دقيق كيف تعامل الأطباء مع الضحايا والجرحى وحتى المرضى العاديين إبان الأزمة، ويثبت بشكل قاطع أن الكادر الطبي من أطباء وممرضين ومسعفين تعاملوا مع الأحداث الجارية بردة فعل أبسط ما يقال إنها كانت في قمة الإنسانية والمسئولية والشجاعة ونكران الذات.
 
ذلك ما وثقه الفيلم… ولكن ما رأيته شخصياً من عددٍ من الأطباء إبان الأزمة لا يقل عن ذلك.
لم يكن غير عدد قليل من موظفي «الوسط» متواجداً بمبنى الصحيفة في يوم الأربعاء 16 مارس/ آذار 2011 يوم إخلاء الدوّار من المتظاهرين، ولذلك لم يكن لي من بد سوى الذهاب إلى مركز البديع الصحي بعد أن اتصل أحد المواطنين طالباً قدوم أحد الصحافيين إلى المركز لنقل ما كان يحدث هناك.
 
عند وصولي المركز عند الساعة الواحدة ظهراً، كان المركز في حالة استنفار تام ويضج بالأطباء والممرضين، وكان عدد الكادر الطبي كبيراً جداً، فقد توجّه جميع الأطباء والممرضين القاطنين في القرى المجاورة لهذا المركز بدلاً من الاختباء في منازلهم، بعد أن سُدّت الطرق عليهم للوصول لمراكزهم الطبية ومنعوا من دخول مجمع السلمانية الطبي.
 
لم يكن عدد المصابين في المركز كبيراً، فقد عمد الأطباء إلى علاج المصابين بشكل سريع ومن ثم يعودون لمنازلهم بدلاً من إبقائهم في المركز.
 
في ذلك اليوم قام الأطباء بمعالجة نحو 50 حالة أغلبها إصابات بالرصاص وطلقات «الشوزن». وكان هناك أحد المصابين يرقد على سرير طبي في أحد الممرات وقد فقد ثلاثاً من أصابعه.
كان الأطباء يشكون من نقص المستلزمات الطبية في المركز الصحي، إذ إنه ليس مجهزاً لمثل هذه الحالات، فلا توجد في المركز غرفة للعمليات أو أجهزة طبية للتعامل مع مثل هذه الحالات، كما لا توجد أكياس دم، وحتى الأدوات المستخدمة لخياطة الجروح لم تكن صالحة لمثل هذه الحالات، فكل ما كانوا يستطيعون القيام به هو الإسعافات الأولية.
 
بعد فترة قصيرة تم القبض على عدد من هؤلاء الأطباء والممرضين وظلوا في الحجز لمدة طويلة قبل أن يتم الإفراج عنهم ويحوّلوا إلى المحكمة المدنية بدلاً من المحاكم العسكرية التي كانت تنظر قضيتهم.
 
وبحسب ما أوردت إحدى الصحف المحلية فإن رئيس جمعية الوسط العربي الإسلامي ورئيس قسم الطوارئ إبان الأزمة جاسم المهزع حينما استدعي للشهادة أمام المحكمة العسكرية قال «لم يكن هناك احتلال في مستشفى السلمانية وإنما احتلال جزئي في مواقف السيارات ومدخل الطوارئ»، ونفى أن الأطباء المنتمين إلى طائفة معينة رفضوا علاج المرضى من طائفة أخرى.
 
وفي ردّه على ما أوردته الصحيفة لم ينفِ المهزع ما نقل عن شهادته وإنما قال عن شهادته «إنها تأتي انسجاماً مع الموقف الحضاري والنزيه من جانب المؤسسة القضائية… وقد تمثل ذلك في توجيه الشهود بأن تكون الشهادة من خلال ما سمعناه وشاهدناه».
 
لم أفهم حتى الآن كيف تم تحويل الأطباء إلى سفاحين وسراق ومخربين؟ وكيف تحوّلت ملائكة الرحمة إلى قتلة؟
 

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3485 – الجمعة 23 مارس 2012م

اقرأ المزيد

التنافسية والإصلاح الإداري


إعلان مركز البحرين للتميز امس تطبيق ما أسماه مختبر التنافسية سعيا لضمان دور اكثر فاعلية للوزارات والاجهزة الحكومية من خلال الربط الميداني ومتطلبات التميز والتنافسية على مستوى الجهاز الحكومي ككل عبر تعزيز كفاءة وفاعلية المؤسسات في الربط بين الانتاجية والتخطيط والتكلفة المعقولة للخدمات والمشاريع..
 
ذلك الاعلان يثير قضية لم تأخذ حقها في البحث والتداول وهي قضية الاصلاح الاداري ليس الهادف الى اعادة الهيكلة الحكومية فحسب، وانما الرامي ايضا الى احداث تغيير نوعي في التفكير ينتقل بمفهوم الوظيفة العامة من وسيلة لتوزيع الدخل وفق منظور اجتماعي الى أداة للتنمية تؤمن بعنصر الكفاءة، وبضرورة تبسيط الاجراءات، وتذليل العراقيل ووقف الهدر في المال العام ومعالجة المشاكل وايجاد الحلول ضمن اطار القانون دون تشدد غير مقبول او بسبب غير مسئول.
 
وزير الدولة لشئون المتابعة وهو المعني بمركز البحرين للتميز أشار الى ان ثمة مبادرات متقدمة تستهدف التوفير في المصاريف والتجديد في المداخيل، وتوفير جميع الاليات والوسائل التى من شأنها احداث تغيرات نوعية في اداء وخدمات الاجهزة الحكومية ومعالجة جميع الثغرات وتلافي أوجه الخلل في ادارة الموارد البشرية والمالية، وادخال الطرق التي من شأنها تعزيز قدرات المؤسسات على مدى كفاءة اعمالها وخدماتها ومدى ارتباط الكفاءة في الانجاز بالجودة في التطبيق ومدى توافر الخدمات وفق منظور التنافسية العالمية.
 
وذلك كله نفترض انه اذا جاز لنا الاجتهاد مشروع للاصلاح الاداري، وان صح هذا الاجتهاد فان الحاجة تبقى بالاعلان الصريح للاصلاح الاداري محددا في الآليات والاهداف والمنطلقات والمدى الزمني. وما ينبغي التأكيد عليه، ان الاصلاح الاداري المنشود ليس فقط عددا من المشاريع والبرامج المعدة للتأهيل والتطوير الاداري، وتسريع انجاز المعاملات، بل هو يتضمن جهدا كبيرا وجبارا باقتلاع ثقافة سائدة وبناء ثقافة بديلة تعتمد على زرع افكار الانجاز والتكيف والمبادرة والابتكار والشفافية في الادارة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
 
وبالرغم من ان الاصلاح عملية يمكن فيها تبيان ان الكثير قد أنجز، فان الشعور السائد والواقع العملي الملموس يثبت ان الكثير مازال امامنا.
 
26 مارس 2012
 

اقرأ المزيد

كثُرت الاعتذارات يا فخامة الرئيس


ما كاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ينتهي من اعتذاراته وتوسلاته للأفغان والمسلمين طلباً للسماح والغفران عما قام به جنود أمريكيون تابعون لقوات حلف شمال الأطلسي من عمل مشين ومستهتر، وذلك بالتخلص من مواد دينية من بينها نسخ من القرآن الكريم بحرقها، ما كادت تمضي عشرة أيام على ذلك الاعتذار، حتى اضطر الرئيس أوباما إلى معاودة إطلالته الاعتذارية الرتيبة ثانية، باذلاً هذه المرة قصارى جهده وطاقته البلاغية التأثيرية المعبّرة عن حرص شديد للظهور بمظهر المفجوع والمتأثر تأثراً فظيعاً بالنبأ الجلل الذي وقع عليه وعلى أقطاب إدارته وقع الصاعقة . فالجريمة هذه المرة هزت بهولها الضمير الإنساني العالمي . فلقد خرج جندي أمريكي من قاعدته في مدينة قندهار في الساعة الثالثة فجراً بعد أن امتشق سلاحه الحربي ومخزوناً وفيراً من الذخيرة الحية، وقصد بيوت أهالي القرية المجاورة، وراح يطلق النار عشوائياً على أولئك المدنيين العزل فقتل أكثر من 16 شخصاً، وجرح أكثر من 35 معظمهم من الأطفال والنساء، قبل أن يعود بهدوء إلى قاعدته ويدخل مكتبه ليتم احتجازه في ما بعد .
 
والغريب أنه لا يكاد يفصل بين هذين الحادثين والهجوم الذي شنته طائرات مروحية تابعة للحلف تتمركز في أفغانستان وأغلبيتها قوات أمريكية داخل الأراضي الباكستانية، واستهدف نقطتي تفتيش عسكريتين للجيش الباكستاني في بلدة بايزا بمنطقة مهمند القبلية الواقعة إلى الشمال الغربي من باكستان، ما أدى إلى مقتل 26 جندياً وضابطين باكستانيين كانوا نياماً أثناء الهجوم، لا يكاد يفصل بين هذين الحادثين وهذا الحادث فاصل زمني كبير، حيث كان هذا الهجوم قد وقع في السادس والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي . وهو الهجوم الذي أثار غضب باكستان ودفعها إلى مطالبة واشنطن إخلاء قاعدة شامسي الجوية التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” في شن غارات بطائرات من دون طيار على مراكز تجمعات تنظيم القاعدة ومقاتلي طالبان باكستان في المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية . كما دفعها إلى إغلاق جميع المعابر الحدودية التي تستخدم لنقل ما يقرب من نصف احتياجات حلف شمال الأطلسي من الإمدادات لأكثر من مئة وثلاثين ألف جندي أمريكي وأطلسي يحتلون أفغانستان .
 
ما هذا يا فخامة الرئيس (أوباما)؟ لقد كثُرت اعتذاراتكم مع تكرار الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها فروع القوات المسلحة الأمريكية المنتشرة في مناطق العالم المختلفة، لاسيما في المناطق المشتعلة حرباً مثل أفغانستان، والساخنة مواجهاتٍ متقطعةً ولكن مستمرة، وتوتراتٍ ملغومةً، التي يندرج معظمها في خانة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الاعتداء، بحسب الاتفاقية الدولية التي أنشأت محكمة الجنايات الدولية في روما في العام 2002 .
 
فخامة الرئيس، إن التحول في سياستكم الحربية الخارجية من الحروب والمواجهات المسلحة العلنية إلى الحروب والعمليات الحربية السرية الصغيرة، يبدو أنها هي الأخرى تتجه إلى مآل الإخفاق نفسه الذي حصدته سياسة سلفكم الرئيس جورج دبليو بوش، خصوصاً على المستويين السياسي والأخلاقي، مع أن السياسة الجديدة استهدفت تقليل خسائر الولايات المتحدة على هذين الصعيدين تحديداً . فالسياسة الجديدة التي تعتمد على “العمليات القيصرية” السرية التي تنفذها طائرات ال “درون” الموجهة عن بعد من دون طيار، وقوات خاصة مشتركة للبنتاغون وال “سي آي إيه”، لم تنجح في إخفاء طابع العربدة في الأجواء والاستخفاف بالحدود السيادية للدول وبأرواح السكان في البلدان/مسرح تنفيذ تلك العمليات .
 
فأمام تكرار مثل هذه الجرائم البشعة كيف للناس يا فخامة الرئيس، أن يصدقوا أن هذه “الحوادث الفردية المنعزلة” لا تعكس حقيقة الصورة الناصعة والمحترمة للقوات المسلحة الأمريكية؟ إن أوساط الرأى العام في العالم لم تنسَ جرائم الجيش الأمريكي في سجن أبو غريب في العراق، والأساليب الوحشية التي مارسها سجانو معسكر غوانتانامو التابع للجيش الأمريكي بحق المعتقلين فيه .
 
ثم كيف يستقيم ما تفضلتم به من أن الأصل هو نصاعة مناقبيات وعلو ضابط المؤسسة العسكرية الأمريكية، وأن ما حدث هو استثناء؟ كيف يستقيم مع التقرير الذي أصدره الجيش الأمريكي أخيراً والذي كشف عن ارتفاع قياسي في معدلات انتحار الجنود بالقوات المسلحة الأمريكية وارتفاع في معدلات الاعتداءات الجنسية من قبل الجنود ضد المجندات الأمريكيات بنسبة 30% في عام 2011 الفائت؟ وأنه وفقاً لما صرح به نائب رئيس الأركان بيتر تشارلي لصحيفة “نيويورك تايمز” في 19 يناير/كانون الثاني ،2012 فإن عام 2009 شهد انتحار 162 جندياً وعام ،2010 انتحر 159 جندياً، وعام 2011 انتحر 164 جندياً، وهو ما يعد الرقم الأكبر على الإطلاق في تاريخ الحروب الأمريكية، وأنه إذا ما أضفنا إليهم المنتحرين في الحرس الوطني ووحدات الاحتياط، يرتفع الرقم إلى 276 جندياً .
 
لابد إذاً، والحال هذه، أن هنالك خللاً ما يعتور أنساق القيم ومدونة السلوك الضابطة عادة لعمل المؤسسات الأمنية وكل الأفراد العاملين فيها من دون استثناء، وإلا لما تكررت مثل هذه “الحوادث” الرهيبة . ولعل هذا ينهض بحد ذاته سبباً كافياً لاستمرار النظرة العدائية للسياسة الخارجية الأمريكية والمتشككة في نواياها رغم محاولة إضفاء تغييرات محسوسة على وجهها الخارجي لتجميلها .
 
23 مارس 2012
 

اقرأ المزيد

الحل السياسي للأزمة

جاء البروفيسور محمود شريف بسيوني وفريقه إلى البحرين بتكليفٍ من عاهل البلاد في التحقيق في مجريات الأحداث التي شهدتها البحرين بدءاً من منتصف فبراير 2011 وتداعيات هذه الأحداث.
 
لم تكن مهمة الرجل وفريقه تتصل بتتبع جذور الأزمة السياسية في البلاد واجتراح الحلول لها، وإنما معالجة آثار ما جرى في الفترة التي كُلف، هو ولجنته، بالتحقيق فيها، وبعد شهور من العمل، حصلنا على تقرير مهني وموضوعي ومحايد، لقي ترحيباً، تفاوت مستواه هنا وهناك، لكن الأهم أن عاهل البلاد قبل التقرير وتوصياته وتعهد بالعمل على تنفيذها.
 
تشكلت لجنة متابعة تنفيذ التوصيات إعمالاً لما طالب به التقرير، وقد شاركنا في قوام هذه اللجنة انطلاقا من قناعتنا بأهمية المساهمة في أي جهد يساعد على حل الأزمة وتجاوز آثارها، ونحن ندرك منذ البداية أن مهمة تنفيذ التوصيات، وسط تضارب الإرادات، لن تكون سهلة وتتطلب عملاً دؤوباً مخلصاً من الجميع، وشهدت اجتماعات اللجنة مناقشات صريحة حول السبيل الأمثل لتحقيق ذلك، وقام رئيس اللجنة بجهد وطني كبير في متابعة أكثر الملفات صلة بالوضع المعيشي والإنساني، وهو ملف المفصولين عن أعمالهم، وتحققت في هذا المجال نجاحات مهمة كما يشير إلى ذلك الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وبقيت أمور عالقة، كما أولى رئيس اللجنة اهتماماً بموضوع إعادة بناء دور العبادة التي هُدمت.
 
وكما ذكرنا في مقالٍ سابق فإن فَحص توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق يكشف أن الكثير من هذه التوصيات، إن لم يكن أكثرها، يتصل بتعديلات مطلوبة على التشريعات النافدة في البلاد، سواء منها تلك التي وُضعت في المرحلة السابقة لإقرار ميثاق العمل الوطني، أو حتى تلك التي مررتها المجالس التشريعية في الفترة اللاحقة.
 
صحيح أن العبرة هي في التطبيق لا في النصوص، ولكن أوجه القصور في التشريعات تهيئ البيئة الملائمة للكثير من التجاوزات وللممارسات غير الديمقراطية، وهذا تطلب مراجعة شاملة للكثير من التشريعات المعمول بها خاصة تلك المنظمة للحريات العامة، وللقضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان.
كما طالبت بذلك توصيات تقرير بسيوني، وللحق فإن الكثير من توصيات التقرير المتصلة بالجانب التشريعي طالبت بها هيئات الدفاع في القضايا التي كان القضاء ينظر فيها في السنوات الماضية، كما ان برامج القوى السياسية ومقترحاتها للإصلاح السياسي والدستوري تضمنت جانباً من هذه المقترحات، وقد أحيلت إلى السلطة التشريعية، مؤخراً، جملة من التعديلات على القوانين الرامية لحماية حقوق الإنسان، بهدف إصلاح البنية التشريعية القائمة.
 
تقرير لجنة بسيوني وكذلك ما أنجزته لجنة متابعة تنفيذ توصيات هذا التقرير، على أهمية ذلك، ليست سوى خطوات على طريق طويل وصعب علينا أن نعبره، ولكن توصيات التقرير التي رسمت خريطة طريق مهمة لتجاوز آثار الأزمة، بما يساعد على فتح آفاق الخروج منها، لا تغطي دراسة أسباب الأزمة وجذورها الكامنة في القضايا السياسية الكبرى التي هي في حاجة إلى حل، وهذا الحل لن يتأتى إلا عبر حوار سياسي حقيقي يمسك بمفاصل الأزمة، ويكون قادراً على اتخاذ القرارات الشجاعة والتنازلات المؤلمة التي لا مناص منها، بما يحقق الإصلاحات المرجوة، ويعبد الطريق أمام المصالحة الوطنية، ويمنع تكرار الأزمات المشابهة في المستقبل.
 
25 مارس 2012

اقرأ المزيد

تفعيل الذمة المالية


مضى أكثر من عام على صدور المرسوم الخاص بكشف الذمة المالية، والذي يعتبر بكل تأكيد خطوة هامة وأساسية لحماية المال العام ومكافحة الفساد، ولكن للأسف لم يتم تفعيله حتى الآن.
 
ويمكن أن نعرف الذمة المالية بأنها مجموع ما يكون للشخص من الحقوق وما عليه من الالتزامات المالية الحاضرة والمستقبلية. فهي أشبه بوعاء قصد به ان يحتوي على الحقوق والالتزامات التي ترتب للشخص.
 
وفكرة الذمة المالية، هي فكرة قانونية يقصد بها ضمان الوفاء بديون الشخص ومن خلال التعريف يتبين لنا أن ذمة الشخص المالية تقتصر على الحقوق والالتزامات دون غيرها، ومنه يوجد للذمة المالية عنصران: العنصر الإيجابي: ويسمى الأصول، وهي الحقوق والأموال الموجودة فعلا في الحال، وكذا الحقوق المالية التي ستعلق به في المستقبل. العنصر السلبي: ويسمى الخصوم، وهي الالتزامات أو الديون. والعلاقة بين هذين العنصرين وطيدة؛ فالعنصر الأول أي الأموال يضمن الوفاء بالعنصر الثاني، أي الديون. وتتمثل أهمية الذمة المالية في عنصرين أساسيين هما حق الضمان العام، ومبدأ لا تركة إلا بعد سداد الديون.
 
ففيما يخص حق الضمان العام، فمفاده إن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه. وفي حالة عدم وجود أفضلية مكتسبة طبقا للقانون فإن جميع الدائنين متساوون تجاه هذا الضمان. ويشمل حق الضمان العام أموال المدين الحاضرة والأموال الموجودة في ذمته وقت حلول ميعاد الوفاء، وإذا كانت هذه الأموال لا تكفي لسداد ديونه فتقسم قسمة غرماء بين الدائنين العاديين، بينما إذا كان دائنون لهم حق الأفضلية أو بمقتضى رهن، آو حق تخصيص، او حق امتياز فإنهم يستوفون حقهم قبل الدائنين العاديين، وبهذا يكون للدائنين حق خاص إضافتا إلى حقهم في الضمان العام إلا أن حق الضمان العام لا يمنع المدين من التصرف في أمواله في الفترة ما بين نشوء الدين وحلول أجل الوفاء به، حيث يستطيع الدائنون اللجوء إلى احدى الدعاوي لحماية حقه.

والذمة المالية ملازمة للشخصية مهما كانت معنوية او طبيعية. ولا تدخل فيها إلا الحقوق والالتزامات المالية مثل الحقوق العينية، الحقوق الشخصية، الحقوق الذهنية، وتخرج عن نطاقها حقوق الشخصية وحقوق الأسرة. ولكل شخص ذمة مالية وللجنين ذمة مالية، ولو كان لم يتحمل بعد بأي التزام ولم يكتسب الحقوق. كما ينظر إلى الذمة المالية كمجموعة قانونية واحدة مستقلة عن العناصر المكونة لها وتشمل الحقوق والالتزامات المتعلقة بالشخص في الحاضر والمستقبل. نتحدث عن الذمة المالية ونؤكد على أهمية تفعيل ما جاء في المرسوم الخاص بالكشف عن الذمة المالية، واعتقد ان ما أثير فى الآونة الأخيرة على خلفية اكثر من قضية يؤكد على هذه الاهمية.

 
25 مارس 2012

اقرأ المزيد

حول التجاوزات في مشروع مستشفى الملك حمد


منذ أيام توعد رئيس لجنة التحقيق النيابية في تجاوزات مستشفى الملك حمد باستجواب وزير الأشغال إذا لم يقم بإحالة الموظفين المسؤولين عن الفساد والتجاوزات بالمشروع الى النيابة العامة بشكل عاجل. وفي هذا الصدد اضاف.. نما الى علمنا ان الوزير احال موظفاً واحداً في مستوى رئيس قسم الى النيابة العامة للتحقيق معه رغم أن هناك مجموعة أكبر متورطة على مستوى وكلاء مساعدين ومدراء.
 
وحول ذات المسألة أكد أن الكتل النيابية ترفض ان يتم تقديم كبش فداء من اجل التغطية على باقي المتورطين في ظل الفساد الواسع الذي كشفته لجنة التحقيق والهدر في المال العام والمسؤولية الثابتة على وزارة الاشغال. ونستطيع القول هنا إن هذه الخطوة التي اقدمت عليها اللجنة والنواب عموماً توضح بصورة جليّة لا تراجع في محاسبة المتورطين في هدر المال العام، خاصة وأن تكلفة المشروع وبقدرة قادر قفزت من 18 مليون دينار الى 130 مليون دينار!! وهي خطوة نأمل ان تتسع للتصدي لكافة التجاوزات المالية والادارية في الهيئات الحكومية وشبه الحكومية الاخرى.
 
وعلى هذا الاساس، فالقضاء على البيئة الفاسدة في اي موقع حكومي يتطلب عملاً برلمانياً دؤوباً متصلاً مهما كانت المصاعب في كشف خيوط الفساد المتشابكة المصالح والمنافع، وهي مشكلة متشعّبة جذورها ممتدة الى مؤسسات حكومية حيوية مهمة، وكذلك الحال بالنسبة لشركات القطاع الخاص الكبرى في الدول العربية، هناك تشريعات وقوانين تكافح الفساد والمفسدين، ومع ذلك كثيراً ما تجد هذه الظاهرة في انتشار واسع وعلى هذا الاساس فالعيب لا يكمنُ في القانون، فهو واضح بأحكامه الرادعة وبنصوصه وتدابيره الجادة في المحاسبة وإنما الخلل الشائع في تلك الدول يكمن في تنفيذ وتفعيل هذه التشريعات وأن فعلت تجد هناك من يفرُّ منها ويتحايل عليها وهذا يرجع الى من يملكون النفوذ!!
 
وفي هذا المناخ المشبع بالفساد المالي والاداري من دون شك يتحوّل الفساد في هذه الدول الى ظاهرة عامة، والامثلة على ذلك كثيرة ولو اخذنا – مصر مثالاً – فإن اهم أولويات برامج الاحزاب الوطنية والتقدمية تركز على مواجهة الفساد والشخصيات المتورطة فيه وكشف الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ادت الى تحوّل الى ظاهرة عامة واتساعه ليشمل سرقة اموال الدولة والقطاع العام، واستغلال النفوذ والمناصب والصفة النيابية للتربّح وقبول الرشاوى والعمولات والتدخل في سير القضايا والتأثير على القضاء واستغلال بيع القطاع العام والاستيلاء على المال العام ونهب منظم لثروات الوطن ادى الى تحطيم معنويات الشعب المصري وفقدان الثقة في المستقبل والتأثير على انتمائه.
 
على العموم لا يمكن ان نضع المؤسسات الحكومية والخاصة في سلة واحدة، فهناك مؤسسات تعد نموذجاً يحتذى به وأخرى «عشش» الفساد فيها سنوات طويلة، ومن هنا يبدو واضحاً ان الاستجوابات احدى الادوات الرقابية ما لم تفعل لحماية المال العام فلا جدوى منها. وكذلك متى ما كانت الاستجوابات الهدف منها فرض القيود على حرية الرأي والتعبير مثلما حصل لربيع الثقافة او تبحث عن مكاسب عقائدية على حساب المصلحة العامة، كما فعل نواب الاسلام السياسي في الكويت فإن مردود تلك الاستجواب يصطدم ويتعارض مع طموحات الوطن والمجتمع!!  وبصريح العبارة وما الاملاءات التي يفرضها هذه الايام نواب التشدد والتزمّت على الثقافة والسياحة إلا مثالاً على ذلك!!
 
على اية حال عندما نتحدث عن المخالفات المالية والادارية التي حدثت في مستشفى الملك حمد وعن ضرورة محاسبة المتورطين فيها فلا بد من الاشادة بلجنة التحقيق النيابية التي اسهمت اسهاماً حقيقياً في كشف الحقائق، وكذلك بقية النواب، وفي مقابل ذلك لا يسعنا في هذا المقام الا أن نثمّن دور وزير الاشغال عصام خلف الذي اكد من خلال بيان صادر عن وزارته على انتهاج اعلى درجات التعاون والشفافية مع لجنة التحقيق البرلمانية، وأكد ايضاً انه في حال ثبوت اية تجاوزات من اي من موظفيها (أياً كان مسماه الوظيفي) فإن وزارة الاشغال لن تتوانى عن اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه بما فيها احالته الى النيابة العامة. ولا شك في ان هذا الموقف الذي اتخذه الوزير يجسّد روح المسؤولية، ويكتسب هذا الموقف اهمية خاصة حينما قدمت وزارته كل المستندات الى شركة التدقيق للوصول الى الحقيقة، والاكثر من ذلك حينما قال: «نحن مواطنون وحريصون على المال العام، وليثق المجلس ان الجميع تحت المساءلة».
 
خلاصة القول: هناك مؤشرات جادة في محاسبة المسؤولين المقصّرين في وزارة الاشغال، وكل ما نتمناه ان تطال هذه الجدية هيئات حكومية تحتاج هي الاخرى الى كشف المستور وإنجاز ما يمكن انجازه على مستوى مكافحة الفساد الذي احتل مساحة واسعة في دهاليز وأروقة تلك الهيئات فهل نفعل؟
 
الأيام 24 مارس 2012
 

اقرأ المزيد

البابا شنودة: جدل الديني والدنيوي


أتى إلى القاهرة من صعيد مصر، ليدرس في جامعتها (التي كانت تسمى جامعة فؤاد الأول)، ويتخرج من كلية التاريخ. عمل بالتدريس كما التحق بالكلية الإكليريكية وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي، وثمة أمر لافت في شخصيته هو انه كان يكتب الشعر، وعمل في الصحافة أيضاً، قبل أن يبدأ تدريجيا الانخراط في مجال العمل الديني، ليصبح قساً في منتصف أربعينيات القرن العشرين.
 
في شخصيته اجتمعت الدنيا والدين. لم يكن بوسعه ألا يكون غير ذلك، فقد قضى بمنصب البابوية واحدا وأربعين عاما، بعد تتويجه عليها ليكون البابا رقم 117 في تاريخ البطاركة، كان عليه أن يكون خلالها زعيماً دينيا وسياسيا للأقباط، كما تحولت الكنيسة في عهده إلى حاضن للأقباط ليس في المجال الروحي وحده، وإنما في الشأن العام أيضاً، حيث تعين على أقباط مصر أن يجمعوا بين مصريتهم وقبطيتهم. وشاءت الأقدار أن أتى الرجل إلى موقع الزعامة الروحية للأقباط مع رحيل جمال عبدالناصر، الذي ربطت الأقباط، في عهده، علاقة طيبة بالدولة المصرية، لكن هذه العلاقة سرعان ما اعتراها التوتر مع مجيء أنور السادات رئيساً، فبما عرف عن السادات من نزق أصر على أن يرافقه البابا شنودة في زيارته للقدس عام 1977، لكن شنودة رفض ذلك بعناد، وحرَّم على الأقباط زيارة القدس طالما ظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبإيعاز من السادات طلبت السلطات من البابا التوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي، فرفض الأخير وصعَّد الأمر بأن قرر عدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وعدم استقبال المسؤولين الرسميين احتجاجا على ما عدَّه اضطهادا للأقباط . وكان من نتيجة ذلك حدوث قطيعة بين الرجلين، توَّجها السادات بأن أمر بتحديد إقامة البابا شنودة في دير وادي النطرون، ضمن سلسلة قرارات صدرت في سبتمبر وشملت التحفظ على ما يزيد على 1500 شخص من المعارضين، وكان ذلك عشية مصرع السادات في حادث المنصة الشهير على أيدي متشددين إسلاميين، انتقموا من زيارته للقدس، ولم يذب جليد العلاقة بين أقباط مصر ودولتهم مرة أخرى إلا بقرار الرئيس مبارك رفع تحديد إقامة البابا،لتسود بعدها سنوات من المسايرة بين الطرفين.
 
كان موضوع الأقليات في العالم العربي قد أخذ يُثار على نطاق واسع بتشجيع غربي لافت، حيث تأسست مراكز أبحاث ودراسات تُعنى بهذا الموضوع، ومن أجله نظمت مؤتمرات وحلقات بحث، وكان وضع الأقباط في مصر هو إحدى القضايا التي جرى تحريكها، وسط ريبة من فعاليات سياسية مصرية، التي وإن أقرت بأن للأقباط حقوقاً سياسية وثقافية ودينية يجب أن تراعى، ألا أنها عبرت عن الخشية من أن يكون ذلك مدخلاً للتأثير في الوحدة الوطنية المصرية.

واجهت الكنيسة القبطية المصرية ما واجهه الأزهر الشريف من حرج باندلاع الثورة المصرية، حيث كان مطلوباً من الجهتين أن تحددا موقفاً منها، وكلاهما كان أميل إلى التحفظ، لكن الانخراط الشعبي الواسع للمصريين، أقباطاً ومسلمين، في الثورة، حيث رفعت رموز الهلال والصليب في ميدان التحرير، حملت البابا شنودة على أن يجعل موقف الكنيسة متناغماً مع الإرادة الشعبية.
 
22 مارس 2012

اقرأ المزيد

ما قالــهُ هيكـــــــل


يروي محمد حسنين هيكل حكاية من جزأين، أو فلنقل أنها حكايتان لا حكاية واحدة، لكن كليهما تؤديان المعنى الذي أراد الوصول إليه. في الحكاية الأولى يقول انه التقى، في عهد الرئيس حسني مبارك، بوفد من قيادة الإخوان المسلمين في مصر، حيث درجوا على اللقاء به بين الحين والآخر، وفي هذا اللقاء قال لهم، من واقع قراءاته لدهاليز السياسة الدولية، أنه لا يتصور أن الغرب سيوافق على أن يحكم الأخوان المسلمون مصر، فالغرب لن يتحمل قيام حكم إسلامي على الضفة الأخرى من البحر المتوسط المقابلة للضفة الأوروبية منه.
وواصل هيكل حديثه راوياً الحكاية الثانية، انه التقى بالوفد ذاته بعد انتصار ثورة 25 يناير وسقوط نظام الرئيس مبارك، فبادره أعضاء الوفد بالسؤال عما إذا كان يرى أن ثمة تغييراً في الموقف الأمريكي، والغربي عامة، من أن يحكم الأخوان مصر، فأجابهم هذه المرة انه يرى ان «الفيتو» الغربي عليهم قد رُفع، ولكنه حذرهم من مغبة لعبة أمريكية شاملة لدفع المنطقة برمتها نحو مواجهة مذهبية سنية – شيعية.
 
يمكن العودة إلى حديث هيكل كاملاً لمعرفة ما قاله من تفاصيل، ولكن الذي يعنينا هنا ملاحظة أن الغرب بات شريكاً اليوم في تمكين القوى الاسلاموية في أكثر من بقعة عربية في أن تصبح في مواقع القرار، ليس فقط، لأنه يتعامل مع أمرٍ واقع تفرضه عليه المعطيات الموضوعية كون الإسلاميين، السنة والشيعة على حدٍ سواء، في هذه اللحظة هم الأكثر تنظيماً وشعبية، وإنما لأن هذا الغرب يحبذهم على سواهم، ونزعم انه ساهم في تدعيم مواقعهم خلال العقود الماضية.
 
يكفي أن نراجع أداء بعض الفضائيات العربية التي لمَّعت وجوه التيارات الإسلامية وخصصت لها ساعات من البث اليومي، لا الأسبوعي فقط، بدءأ من القاعدة وامتداداتها مروراً بالإخوان المسلمين وانتهاء بما يعرف بالوجوه الإسلامية المعتدلة، قبل أن تعصف بالمنطقة تحولات العام الفائت، التي أظهرت أن هذه القوى باتت قوة ميدانية كبيرة، لم يتوان الغرب عن تقديم الدعم اللوجسيتي لها كما فعل في ليبيا، وربما كما ينوي أن يفعل في بلدان عربية أخرى.
 
كانت إستراتيجية الأنظمة العربية التي انهارت أو المهددة بالانهيار في استجداء الدعم الغربي لها قائمة على تخويف الغرب من الإسلاميين كخطر ماحق، ولسان حالها يقول: إما أن تقفوا معنا وإلا فان القاعدة قادمة، أو أن «الاخوان» قادمون. هذا ما فعلته مصر مبارك وتونس بن علي واليمن علي عبدالله صالح، ولكن هذه الأنظمة لم تفطن كفاية إلى لعبة الأمم الكبرى، ففي اللحظة المؤاتية يتخلى الغرب عن الحلفاء واحداً بعد الآخر، بعد أن يكون قد أعد العدة لهذا الأمر منذ زمن. فالغرب الذي ناصر صدام حسين في حربه ضد إيران أطاح به في حرب كانت إيران، الخصم المفترض للغرب، أول المستفيدين منها، وواشنطن التي صدرت لحسني مبارك تمسكها به رئيساً وبابنه جمال وريثاً، ظهر رئيسها ووزيرة خارجيتها على الهواء مباشرة ليعلن: على مبارك أن يتنحى، وبالطبع لم يكن غائباً عن ذهن الرئيس أوباما ولا السيدة كلينتون، ما الذي سيحدث بعد ذلك.
 

اقرأ المزيد