المنشور

2012 الحصاد المر ( القتلى «الشهداء» – 1)

لكي يظلّ الأمل متقداً، لابد من استذكار الماضي، ولكي نتقدم للأمام لابد
أن تكون الطريق التي عبّدناها بتضحياتنا ماثلة لنا في كل لحظة، لنتيقن بأن
ما مضى لم يكن إلا خطوات نحو المستقبل، وأحلام بطريق التحقق وإن طال
الانتظار.

هكذا مر العام الماضي بكل مآسيه وآلامه، التي سأتطرق إليها في مقالاتٍ
قادمةٍ قضيةً بعد أخرى، فلقد شهدت البحرين خلال 2012 الكثير من الأحداث
التي ما كان لها أن تكون لولا العناد البغيض لدى البعض ورغبة البعض الآخر
في جني المزيد من الأسلاب والغنائم وانغلاق الأفق عن أي مخرج يمكن أن يعيد
البسمة والفرحة للآلاف ممن أصبحوا لقمةً سائغةً لأكلة لحوم البشر لمجرد
مطالبتهم بالإصلاح.

خلال العام الماضي فقدت البحرين 11 ضحية موثقة رسمياً، ومئات الجرحى
والمعتقلين، ونالت حظها الوافر من الانتقادات اللاذعة من قبل أغلب الدول
والمنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وفوّتت
العديد من الفرص التي كان من الممكن أن تضع حداً للوضع الحالي وتبشّر
ببدايةٍ جديدةٍ تُعيد لها ما فقدته من ألفةٍ وتسامحٍ ومجتمعٍ ظلّ على مر
السنوات مثالاً للانفتاح والمحبة.

سقط خلال العام الماضي 11 ضحية لم يعلن عن قاتلها لحد الآن وطُويت
ملفاتها في الأدراج المغلقة، على أمل أن ينساها الناس بعد فترة من الزمن،
ولذلك هي بحاجةٍ إلى التذكير بها وبملابسات فقدها لمجرد أن لا يظن البعض أن
ما مضى يمكن أن يطوى في ذاكرة النسيان.

11 ضحية سقطت العام الماضي ولم يُقدّم أحدٌ للمحاكمة، ولم تتوصل الجهات
الأمنية لكشف ما حصل لأغلبها. وفي إطار التسلسل الزمني فإن أولى هذه
الضحايا هو يوسف موالي الذي دُفن في مقبرة المحرق في 20 يناير/كانون الثاني
2012 بعدما وجدت جثته ملقاةً أمام ساحل جزر أمواج بعد أسبوع من وفاته،
وعندها طالبت عائلته بالحصول على الصفة التشريحية للجثة بعد رؤيتهم لآثار
الضرب والكدمات على الجثة بمشرحة السلمانية، في حين أكدت وزارة الداخلية
أنه توفي غرقاً.

بعد خمسة أيام وفي 25 يناير يتوفى محمد إبراهيم يعقوب (19 عاماً) بعد
القبض عليه بفترة بسيطة في سترة، لتصرح بعدها الداخلية «إنه توفي وفاة
طبيعية، وأنه أفاد بأنه يعاني من مضاعفات مرض السكلر». في حين يؤكد عم
المتوفى أن «محمد تعرّض للضرب بعد أن صدمته سيارة لأفراد الأمن وتم اعتقاله
بعد ذلك».

في التاسع من مارس/آذار يشيع جثمان فاضل ميرزا (22 عاماً) بمقبرة الدراز
بعد تعرضه لطلق ناري من قبل قوات الأمن -حسب شهادة والده- أثناء مناوشات
أمنية أدخل على إثرها مستشفى البحرين الدولي في 1 مارس.

وفي 17 مارس يتوفى صبري محفوظ (27 عاماً) من قرية شهركان ويؤكّد ذووه أن
سبب الوفاة استنشاقه كميات كبيرة من الغازات المسيلة للدموع. وفي اليوم
نفسه يشيع أهالي المقشع جعفر جاسم، الذي قال ذووه أن سبب وفاته اختناقه
بالغازات المسيلة للدموع أيضاً.

في 30 مارس يسقط الشاب أحمد إسماعيل في منطقة سلماباد نتيجة رصاصة
أصابته في مقتل، حيث أشار تقرير الطبيب الشرعي إلى أن الوفاة كانت بسبب طلق
ناري مفرد، وحتى الآن لم يتم الإعلان عن القبض على مرتكب الجريمة.

وبعد أقل من شهر وبالتحديد في 22 أبريل/ نيسان، يدفن في مقبرة أبوعنبرة
بالبلاد القديم صلاح حبيب بعد أن وجد مقتولاً في إحدى المزارع بمنطقة
الشاخورة نتيجة طلقتين ناريتين من سلاح الشوزن -حسب تقرير الطبيب الشرعي-
وحتى هذه اللحظة لم يتم الكشف عن من أطلق النار.

وفي 16 من أغسطس يلقى حسام الحداد (16 عاماً) مصرعه إثر تعرضه لطلقات من
سلاح الشوزن بوسط مدينة المحرق لتأمر بعد ذلك النيابة العامة بحفظ أوراق
الدعوى في القضية ضد رجل الأمن المتهم بإطلاق النار.

في 28 سبتمبر/ أيلول يتم دفن الفتى الصغير علي نعمة الذي توفي إثر
إصابته بطلق ناري (شوزن) في منطقة صدد، و«الداخلية» تبرّر بأن «مجموعة من
الإرهابيين قامت أثناء مرور القوات بمهاجمتها بالقنابل الحارقة، وعلى إثر
ذلك تعرّض أحد المشاركين في الهجوم للإصابة». في حين إن والد القتيل قال إن
ابنه «كان في حالة فر وأطلق عليه الشوزن وأصابه في الظهر من بعد 3 أمتار».

وفي 1 أكتوبر/ تشرين الأول شُيّع المعتقل محمد مشيمع (24 عاماً) في
مقبرة جدحفص بعد وفاته في السلمانية بمضاعفات مرض السكلر، والنيابة أكدت أن
الوفاة كانت طبيعية، فيما قال محاميه إنه طلب الإفراج عن موكله المحكوم 7
سنوات في قضية المرفأ المالي من قبل محكمة السلامة الوطنية نظراً لوضعه
الصحي المتراجع، إلا أن طلبه رُفض رغم أن التقارير الطبية تفيد بخطورة
وضعه.

وفي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني يسقط الفتى علي عباس رضي (16 عاماً) من قرية
سماهيج صريعاً بعد أن يتعرّض لحادث مرور نتيجة ملاحقته من قبل قوات الأمن
وهو متوجّهٌ للصلاة بعدما أغلقت قوات الأمن جميع المنافذ لقرية الدراز حيث
تقام الصلاة.

هذا ما قدمه المطالبون بالإصلاح من قتلى خلال العام الماضي فقط، فأين ما
قدمه الآخرون من أجل الوطن، لكي يكون لهم الحق في الاستحقاقات المقبلة
والتي لاريب فيها؟

جميل المحاري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

وظائف الزمن الجديد



يتحدث
تقرير صحافي عن إحجام طلبة وطالبات بلدان الخليج من خريجي الثانوية العامة
والذاهبين إلى الجامعة عن الالتحاق بكليات التربية وكليات العلوم
الاجتماعية والإنسانية عامة، وميلهم للتخصصات التقنية التي تؤمن لهم القدر
الضروري من معرفة التعامل مع الكمبيوتر والمخاطبة باللغة الإنجليزية، وهو
نفسه القدر الذي بات شرطاً تطرحه سوق العمل الحالية في الدول الخليجية،
وربما في غيرها من البلدان العربية في ظل تنامي فرص التوظيف في القطاعات
المصرفية وشركات القطاع الخاص وما هو في حكمها أمام تراجع مثل هذه الفرص في
قطاعات التوظيف التقليدية، كالتربية والتعليم والوزارات والدوائر الحكومية
.


ويلاحظ
التقرير نفسه أن نسبة إقبال الإناث بالذات على الالتحاق بالتخصصات العملية
التي توفر فرص عمل سريعة، قد ارتفعت إلى أكثر من سبعة أضعاف بالمقارنة مع
الإقبال على الكليات النظرية، فيما انخفضت نسبة المقبلات على كليتي التربية
والآداب إلى نحو 20% من مجموع الطالبات المقبولات .


ومن
ملاحظة كشوف الطلاب والطالبات الحائزين على منح وبعثات دراسية في بلدٍ
خليجي كالبحرين، تستوقفنا الملاحظة ذاتها، حيث يبدو الإقبال على تخصصات
الإعلام والوسائط المتعددة وتقنيات الكمبيوتر، فيما يتراجع على تخصصات
تقليدية كانت تعد في السابق باعثة على الوجاهة والحلم بمستقبل وظيفي زاهر
مثل الطب والهندسة بفروعها المختلفة والحقوق والعلوم السياسية .


يؤشر
هذا على أننا بصدد تحولات مهمة في النظر إلى فكرة التعليم وغاياته، وكذلك
في النظر إلى معايير النجاح والوجاهة والتفوق من خلال اختيار الكليات أو
المعاهد التي يعتقد أنها تؤمن تخصصات تحقق للملتحق هذه الرغبة .


ولو
أجلنا النظر في الأفلام العربية القديمة لوجدنا أن حبكة الكثير منها
تتمحور حول سيرة طبيب بارز أو آخر شاب يشق درب صعوده المهني بالعمل في
الأرياف، أو حول سيرة محام ناجح يكسب القضايا الصعبة في قاعات المحاكم، أو
“باشمهندس” آتٍ من مُدرجات كلية الهندسة في جامعة القاهرة ليدير شركة
مقاولات مرموقة .


الصورة
اليوم هي لوضع جديد تتبدل فيه الميول بصورة واضحة لدى أبناء وبنات الجيل
الجديد، حيث فرضت السوق وتطوراتها شروطاً واحتياجات مختلفة، أفرزت، بدورها،
تصورات وقيماً جديدة حول معايير النجاح المهني والشخصي وحول طبيعة
المهارات التي يجب تملكها، إذا ما كانت طبيعة الوظائف الجديدة تؤمن عوائد
مشابهة أو متفوقة على تلك التي كانت “وظائف زمان” تؤمنها . 
اقرأ المزيد

الشراكـة ومــاذا بعـــــد..؟!


علينا ان نلاحظ بكثير من الانتباه هذا الكلام الكثير الذي يتم طرحه وتداوله في مناسبات كثر حول الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، او بين القطاعين العام والخاص لا فرق، وهو كلام يصب في اتجاه التأكيد على هذه الشراكة وعلى اهميتها وعلى بعدها الاستراتيجي والدور المحوري لها في مسيرة التنمية والاقتصاد والاستقرار، ووجدنا تصريحات من مختلف المستويات الرسمية حملت هذا المعنى اكد فيها المعنيون اهتمام الحكومة بالشراكة مع القطاع الخاص في اتخاذ القرار الاقتصادي وبتذليل المعوقات التي تعترض هذا القطاع وتحول دون تأدية دوره المأمول بكفاءة دون اعاقات او منغصات.
 
اذا كان علينا ان نلاحظ ذلك فانه علينا بالمقابل ان ننتبه الى ان «الشراكة» تعنى ضمن ما تعنيه التفاعل والتعاون المشترك وتوظيف الامكانيات لبلوغ الاهداف التي يلتقي حولها الشريكان، وان مضمون هذه العلاقة يوفر ميزة السماح لتدفق الافكار والرؤى والاقتراحات والمعلومات، ويفرض وجود روابط التكامل والتعاون والتنسيق والتشاور والاتفاق على التدابير والاجراءات واللوائح والمستلزمات التشريعية، وهو امر يشترط توفر سمات الندية والاستقلالية لكل من طرفي الشراكة ازاء الآخر.
 
اذا كنا قد لاحظنا ذلك، وانتبهنا الى مفهوم ومضمون الشراكة فانه لن يكون مستعصيا علينا ان ننظر بعين الريبة لحقيقة هذه الشراكة على ارض الواقع الملموس، ونستطيع اذا اردنا ان نتمعن في امور كثيرة، ولكن يكفى ان نتوقف عند البيانين الصادرين مؤخرا عن من يمثل احد طرفي معادلة الشراكة وهي غرفة التجارة ، اذا فعلنا ذلك فسنجد ان هذين البيانين يوحيان في اقل تقدير بان علاقة الشراكة هذه ليست نموذجية كما ينبغي، وان الحديث الذي يتكرر بشأن هذه الشراكة وعمقها ومتانتها هو امر موغل في الطموح اكثر من اللازم..!!
 
لا نريد استعادة ما جاء في البيانين وهو كثير ومهم ويستحق القراءة المتأنية، فالبيان الاول مضمونه يؤكد بان قانون العمل الجديد لم ينصف القطاع الخاص وان الكثير من مواده تختلف كليا عن تلك الواردة في مشروع القانون الذي اطلعت عليه الغرفة وابدت رأيها فيه!!، وازاء ذلك لم يكن بوسع الغرفة الا مناشدة سمو رئيس الوزراء اعادة النظر في بعض مواد هذا القانون الذي لم يمضي على صدوره الا شهور قليلة، وجاء مضمون البيان الثاني اعتراضا من الغرفة على قرار الجمارك زيادة الضمان النقدي في حالة عدم تقديم شهادات المنشأ للبضائع الاجنبية ، واكدت بان هذا القرار سيؤثر سلبا على حركة الاستيراد والتجارة وسيزيد من حجم المعاناة التي يتعرض لها القطاع الخاص التجاري وطالبت بالتشاور معها، واقترن ذلك بمناشدة اخرى لسمو رئيس الوزراء وقف القرار.
تلك عينة ليس الا، فالأمثلة كثيرة دالة في ابسط تحليل على ان الشراكة التي يجري الحديث عنها هي في واد غير ذي زرع..! وان الآليات القائمة حاليا التي يفترض ان تترجم هذه الشراكة هي آليات عقيمة وغير مجدية، وبالاخص تلك المتمثلة في اللجان المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص الذي تمثله الغرفة، فهناك على سبيل المثال لجنة مشتركة بين الغرفة ووزارة العمل، واخرى مع شئون الجمارك، وثالثة مع وزارة البلديات، ورابعة مع وزارة الداخلية، وخامسة مع مجلس التنمية الاقتصادية وغير ذلك من اللجان التي ما انفك بعض الرسميون من وزراء ومسؤولين وبعض ممثلي القطاع الخاص على هامش كل اجتماع يصرحون ويؤكدون بان لجانهم هذه هي صورة من صور التواصل والتعبير عن وجهات نظر اصحاب الاعمال، وحل المشكلات التي يواجهونها وبالتالي هي معبرة عن الشراكة بين الطرفين..!
 
الغرفة التي يبدو ان الكيل قد طفح بها تساءلت في احد بيانيها عن جدوى اللجان المشتركة اذا كان التنسيق والتشاور والتوافق حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك التي تدرس وتبحث وتناقش لا تؤدي في المحصلة النهائية الى شيئ، وان مخرجات كل ذلك الجهد والوقت على ارض الواقع مختلف، اذن هو سؤال وجيه طرحته الغرفة.. ما جدوى هذه اللجان اذن؟! ليس واردا من حيث المبدأ ان نظن بمبدأ «الشراكة» سوءا.. ولكن المراقب المتأمل يستطيع ان يخلص بما لا يدع مجالا للشك بان ثمة خطأ واجب الرصد والتشخيص والمعالجة وان هناك معيقات لا زالت تقف بصلابة حائط الصين العظيم، الاسوأ انها لا تنحصر في حدود شراكة القطاعين العام والخاص فقط وحصريا، وانما هي تتجلى في اكثر من صورة، فكم من اطر تشكلت من لجان، ولجان مشتركة ولجان مؤقتة واخرى دائمة ولجان وطنية وفرق عمل ومجالس مشتركة ، ومذكرات تفاهم، واتفاقيات تعاون مشترك في مجالات شتى اقتصادية وتنموية واجتماعية وسياسية، اكتشفنا اولا بانها في الغالب الاعم صورة من صور الهدر في الوقت والجهد والمال، رغم كل اوجه التباهي والتفاخر بها في تصريحات وخطب في مناسبات عديدة، واكتشفنا ثانيا بان هذه الاطر او معظمها هي نفسها لم تثمر عن شيئ ..!! ، مما يدل بان آليات التعاون والشراكة عقيمة ومعوقة بنهج من الشكليات التي يجعلها عديمة الاستجابة في بلوغ الشراكة المنشودة والمستهدفة.
 
اذا اسهبنا في التقصي والتنقيب عن الكيفية والدوافع للجان والاطر التي تشكلت، واذا حاولنا ان نجرى عملية تحليل لمخرجاتها فسوف نجد ان القضية المطروحة كما قلنا ليست قضية لجان مشتركة او شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ولا آليات عمل لا تثمر شيئا ولا اي شيئ من هذا القبيل، فهي وجه لحقيقة واحدة وهي اننا امام حصاد مسلسل من الاختلالات والمراوحات تتنوع حلقاته بين ما هو استراتيجي وما هو تنفيذي واجرائي، وما هو متصل بالرؤية المستقبلية، وما دامت الحكومة في سبيل مراجعة وتحديث كل ما يخدم مسار البحرين الاقتصادي والتنموي من تشريعات ونظم واهتمام بالتميز والتنافسية والانتاجية فعليها ضمن اي جهد يبذل في هذا السياق ان تسمح بتدفق الدم في شرايين الادارة العامة وتحسين طريقة صنع القرارات وتفعيل دائرة المشاركة والشراكة وترسيخ دائرة المشورة في كل المجالات.
 
حرر في 1 يناير 2013

اقرأ المزيد

المـــــآلات.. لا المــــــــناســبات..!


نستميح المعنيين عذراً في لفت انتباهم وعنايتهم الكريمة الى مناسبة دولية تطل علينا في الايام المقبلة نحسب انه من المهم التوقف عندها، ولو من باب اضعف الايمان، اي الوقفة الرمزية والكلام التمويهي الدال على اننا نشارك العالم في مناسبة دولية.. خاصة اننا عهدنا المعنيين مولعون بالاحتفاء كيفما يشاؤن بمثل هذه المناسبات، ومادامت المسألة «ملحوقة» فلا بأس بتذكيرهم بالمناسبة التي نعنيها.
 
المناسبة هي مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي يصادف التاسع من ديسمبر من كل عام، والاحتفال بهذا اليوم في اي دولة يكتسب بعداً ودلالات اقلها زيادة الوعي وشحذ الهمم وتوحيد الكلمة ضد الفساد، وقد تكون مناسبة ايضا لطرح وتداول الافكار والبرامج والمشاريع التي من شأنها جعل محاربة الفساد والتصدي لكل اوجه استغلال الوظيفة او التفريط في صون المال العام امراً ملحاً وضرورياً وموجباً وفي صدارة الاولويات.
 
الامم المتحدة عندما اقرت تخصيص يوم عالمي لمحاربة الفساد والمفسدين فذلك لانهما يعرقلان التنمية ويخلقان المشكلات الاجتماعية ويؤزمانها ويهددان بيئة الاعمال والاستثمار، وثمة شواهد بان الفساد كان المحرك الرئيسي لثورات واحتجاجات في دول عربية وغير عربية، وهو امر جدير بالتأمل بقدر ما هو جدير بالالتفات الى ان الفساد الذي هو في تعريف منظمة الشفافية الدولية: كل فعل ينطوي على سوء استغلال الوظيفة العامة لخدمة مصالح خاصة، ووفقا لبيانات هذه المنظمة ومعها الامم المتحدة، وصندوق النقد الدولي فان حجم الاموال العامة التي تتعرض للنهب والاختلاس بسبب فساد الانظمة السياسية في العالم تقدر بحوالي 1.6 تريليون دولار سنويا كما ان الفساد يكلف الدول النامية 40 مليار دولار سنويا، ويبتلع نحو 25% من الناتج المحلي في افريقيا، ويرفع كلفة الاستثمار بين 20-30% على اقل تقدير.. هذه الارقام في ابسط تحليل تدل الى اي مدى يمكن للفساد ان يضرب الحقوق ويشل البلدان في كل الحقول وعلى كل المستويات والصعد.
 
نحن هنا لا نذّكر بهذه المناسبة او نلفت الانتباه اليها لمجرد الدعوة الى الاحتفاء بها او لنثبت للعالم اننا نشاركهم الاحتفالية، ولكننا نفعل ذلك على امل ان يكون اليوم العالمي لمحاربة الفساد مقدمة تمهد للتفكير ومن ثم التوجه في اتخاذ اجراءات ملحة وضرورية وموجبة تناهض الفساد وتضيّق الخناق على الفاسدين وتزيل هذه المساحة غير القليلة التي تعطي وهما بالانجاز فيما يخص قيمة لن نكف عن الالحاح عليها، وهي قيمة المساءلة والمحاسبة في ساحة الاداء العام، والتي من المؤسف ان نجد عبثاً بات واضحاً بمفرداتها وعناوينها ومقوماتها، ويكفي التمعن في التجاوزات التي يكشف عنها ديوان الرقابة المالية والادارية في تقاريره واصداء هذه التقارير تارة، وتعاطي النواب الرديئ مع كل تقرير تارة اخرى لنتيقن من ذلك، وامامنا حيال الاصداء والتعاطي على حد سواء شواهد كثيرة على مر سنوات تسع مضت لم تسقط من الذاكرة، ويمكن ان نضم الى القائمة موقف النواب الغريب الرافض لانشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد التي يعلمون انها من بين مقتضيات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها البحرين وهو امر باعث على الحيرة اذ كيف للنواب ان يتصدوا للفساد وهم الذين رفضوا انشاء هذه الهيئة. ليس ذلك هو الموقف الوحيد الذي يحسب عليهم، فهناك موقفهم الذي في ادنى توصيف نقول بانه غير واضح وملتبس ازاء وجود منظومة كاملة من مكافحة الفساد وخاصة مشاريع القوانين او الاجراءات التي تمنع تعارض المصالح، وتضمن حماية المبلغين عن الفساد وحق الاطلاع على المعلومات وتقوية نظم الرقابة الداخلية، ونشر ثقافة مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية والمساءلة والعدالة والتنافسية والتي هي بمجملها من مقتضيات تلك الاتفاقية الدولية، ويضاف الى ذلك الموقف الغريب من وزارة التنمية الاجتماعية الرافض لتأسيس جمعية «نزاهة».. وكل ذلك غيض من فيض.
 
لا نريد ان نستعذب البقاء عند نقطة الصفر عاما تلو عام، وان نراوح في مكاننا لا نشهد على ارض الواقع ما يثبت اننا جادون فعلا وبصدق وحزم على طريق محاربة الفساد ومعالجة ما تنطق بسوء الاداء والادارة، وها نحن اليوم امام امتحان جديد هو في حده الادنى يتمثل في كيفية التعاطي مع افرازات التقرير الاخير لديوان الرقابة.. وفي تفعيل قانون الذمة المالية الى المدى المطلوب واللازم بعد صدور لائحته التنفيذية قبل ايام.. تفعيله بمستوى يطمئن الناس بان ثمة خطوة جادة بدأت..!
 
نعلم بان هناك من لا يستسيغ تداول كلمة الفساد، ونعلم ان هناك من لا يريد الاعتراف اصلا بوجود مشكلة فساد، رغم ان الاعتراف بوجود المشكلة هو بداية الحل، ونعلم ان هناك اخبارا كثيرة مما صرنا نطالعه في صحفنا المحلية تنتمي الى ما يفرض سل سيف المساءلة والحساب على وجه السرعة، كما نعلم ان القضاء النزيه والمستقل ووجود مؤسسات المجتمع المدني الحرة والقوية والبرلمان الفاعل الممارس لدوره كما يجب في الرقابة والمساءلة والنواب الذين يقنعون الناس بانهم يقفون حقا وبجد ضد الفساد، والصحافة الحرة التي تنشر الحقائق، والقوانين النافذة التي تجرم السلوكيات الفاسدة وتضمن حسن ادارة الشأن العام، وقطاع خاص متعاون في الحد من الفساد وممتنع عن افساد الموظفين العمومين ويّبلغ عمن يطلب الدفع من فوق او تحت الطاولة، كل ذلك من اهم الاسس التي يقوم عليها اي جهد جاد في محاربة الفساد في اي بلد، ونعلم بان الحاجة عندنا باتت ملحة اكثر من اي وقت مضى الى خارطة طريق ضمن رؤية استراتيجية وطنية كاملة ومتكاملة لمكافحة الفساد في اطار تشاركي من كل اطياف وقوى المجتمع ومؤسساته المدنية الحية.. المهم قبل ذلك ان تكون هناك ارادة وان نكون اولاً واخيراً جادين بالدرجة التي تجعلنا نستعيض عن «الشكليات» بالمضمون وبالقول عن الفعل، فهل تكون مناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد مناسبة ننعش فيها آمال الناس بشيء من هذه الجدية المنتظرة. 


 



حرر في 6 ديسمبر 2013

اقرأ المزيد

تبديد الفرص والطاقات والإمكانات

في نهاية العام 2011 تم الترحيب بقبول نتائج وتوصيات لجنة تقصّي الحقائق
التي قادها محمود شريف بسيوني، وكان المؤمل أن تبادر الجهات المعنية
بتنفيذ التوصيات البالغ عددها 26 توصية، وأن يفتح تنفيذ التوصيات (بشكل
مقبول للمراقبين الموضوعيين والجهات الصديقة) الباب أمام مصالحة وطنية
تلملم الجراح وتأخذ بيد الجميع نحو مستقبل أفضل لكل من يعيش على أرض
البحرين.

غير أن تلك الفرصة التي توافرت في نهاية العام 2011 تم
التفريط فيها، وذلك لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالخشية من المستقبل وتحبيذ
الإبقاء على الوضع الراهن كجزء من سياسة محافظة، وبعضها يرتبط بانتشار نفوذ
جماعات امتهنت الكراهية ضد الآخر من أجل الاستحواذ على المغانم التي وقعت
تحت يدها.

ولذا فإن العام الماضي (2012) شهد فشل ثلاث محاولات – على
الأقل – لإجراء حوار جاد بين الأطراف القادرة على تحريك الأمور نحو التهدئة
والخروج من الأزمة بحلول عملية قائمة على تنازلات متبادلة بين السلطة
والمعارضة والمكونات الفاعلة في المجتمع. والغريب في الأمر أنه وفي كل مرة
كانت الأمور تقترب من الانفراج سرعان ما تتطور بصورة معاكسة تقلب كل شيء
تقريباً رأساً على عقب.

على أن ما لا يدركه البعض هو أن تأخير تنفيذ
التوصيات التصحيحية (أو تنفيذ خطوات مضادة للتوصيات بشكل معاند)، وتأخير
التوجه نحو الحل السياسي له ثمن، وهو ثمن يتصاعد ويتعقد كلّما طالت الفترة
الزمنية. فعلى الرغم من احتمال وقوع أخطاء في أي حل سياسي، إلا أنه أفضل من
التردد تحت غطاء الخشية على الأمن أو الخشية من تدخل خارجي مفترض.

إن
استمرار الوضع الحالي يكلف بلادنا كثيراً، فهو لا يضيع الوقت فحسب، وإنما
يبدد الفرص والطاقات والإمكانات، ويبدد حتى المساعدات التي تأتي من الأشقاء
في الخليج والتي قد تُصرَف في الاتجاه الخاطئ الذي قد يتسبب في إعادة
إنتاج الأزمة بدلاً من المساعدة في حلها.

منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية
اقرأ المزيد

السنة الفارطة



أخوتنا
في المغرب العربي لا يقولون عن السنة التي انقضت إنها السنة الماضية أو
المنقضية أو السابقة، وإنما يفضلون القول: السنة الفارطة، تماماً كما
يقولون الشهر الفارط أو الأسبوع الفارط . في البدء “غوغلتُ” الكلمة، أي
بحثت عن معناها في “غوغل” – مُحرك البحث الشهير، فلم أجد ما يشفي غليلي،
ففضلتُ أن أذهب إلى “مختار الصحاح” طالباً الاستشارة عن جذر هذه الكلمة،
فوجدتُ، ما أنا على يقين منه، من أنه حتى في الكلام الدارج في أقطار المغرب
العربي تُوجد كلمات فصحى، تبدو لنا نحن في المشرق معجمية، ولكن الكلمة ما
إن تخرج من المعجم إلى الألسن حتى تدب فيها الحياة، وتسقط عنها الهالة
القاموسية التي تبدو لمن لا يستخدمها .


أفسد
“مختار الصحاح” الفكرة التي في ذهني حول مضمون هذا المقال، فلا أعرف لماذا
أردت إقامة صلة بين الفارط من الزمن وبيت التفريط، وقصدي بالتفريط هو ما
اعتدنا على قوله، مثلاً: “لقد جرى التفريط بالفرصة” حين نتحدث عن إضاعة أو
تضييع الفرص .


أما
الفكرة التي كانت في ذهني فهي محاولة الربط بين السنة الفارطة التي انقضت،
أو فَرَطَتْ، للتو وبين الفرص المُفَرط فيها في هذه السنة . وأعني بها
الفرص التي يسَّرتها المتغيرات التي شهدها العالم العربي بدءاً من العام
،2011 والذي كففتُ شخصياً، شأن الكثيرين، عن وصفها بالربيع العربي، بعد أن
تحولت إلى خريف أو شتاء كئيب طويل .


ينصرف
الذهن عند الحديث عن الفرص المفرط فيها إلى كل بلد عربي شملته هذه
المتغيرات، ولن تتسع المساحة لتعداد الأمثلة والشروحات، لكن الذهن ينصرف،
قبل أي مكان آخر، الى المحروسة مصر، لأنها المثل الصارخ على التفريط
بالفرص، التي كانت سانحة لنقل أهم بلد عربي على الإطلاق نحو المستقبل، وهو
البلد الذي كان على الدوام أكثر بلداننا قرباً من هذا المستقبل، وأكثرها
تهيؤاً للإيفاء بموجباته .


حكينا
هنا كثيراً عن خطايا “الإخوان المسلمين” بحق مصر في العام المنقضي، كونهم
مسؤولين بالدرجة الأولى عن حال الانقسام العميق الذي أحدثوه في نسيج
المجتمع، لكن هذا لا ينسينا خطيئة القوى الديمقراطية والمدنية التي عجزت،
مثلاً، عن الالتفاف حول مرشح رئاسي واحد، وفرطت في فرصة كسب رهان كان
متاحاً لها لو أنها امتلكت بُعد البصيرة .


ونسأل: أتُراها استوعبت الدرس؟
اقرأ المزيد

رسائل مواطن إلى الجهات المختصة – يعقوب سيادي


الرسالة الأولى

نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إننا أفراد
ممن حلا للبعض أن يسمينا بالأغلبية الصامتة، وأحدنا قد بحث في عقله وفي
وجدانه عن طائفته، فلم يجد غير المواطن والإنسان، قد نتقاطع مع هذا أو ذاك
منهم، وقد نختلف ونتضاد، ونسمع ونرى إثباتات، قيادات الحراك الشعبي، ونسمع
ونرى بالمقابل، الإثباتات الرسمية عبر التلفزيون الرسمي، وعبر الصحافة
الرسمية وشبه الرسمية التي تتبرع بالذود عن الموقف الرسمي، ولكن بخطاب
وإخراج لم تقبله عقولنا، مقابل خطاب الجمعيات السياسية، وقد بخلتم علينا
سموكم، إلا بإطلالة كريمة واحدة، استطعتم خلالها تلخيص مطالب الحراك، في
مبادرتكم ذات المبادئ السبعة، وقد كانت كلها حق مشروع، نص عليها الدستور في
روح نصوصه التي تم تجاوزها من بعض أجهزة الدولة، ففرحنا أن لدينا سموكم
ووراءكم صاحب الجلالة، من تُقدران حقوقية المطالب، خصوصاً بعد مضي عشر
سنوات على التوافق على الميثاق، من دون أن نرى أجمل الأيام، فكان مصدر
سرورنا، إننا سنراه قريباً.

الحراك، وإن كان في خالص مظهره، في حضور غالبيته العظمى من أفراد أحد
مكوني الشعب، فإن السلطات لم تمهله إلا أياماً ثلاثة، ولم ترخِ السمع
لمطالبه، ولم تتواصل معه، لا من قريب ولا من بعيد، فتم قمعه بقسوة، نسيناها
منذ التسعينيات، حَسّسَتنا أن هناك حلقة مفقودة ما بين روح الميثاق
والدستور، وتصرفات السلطات السياسية، وقد ساءنا من تلفزيون البحرين
والصحافة الرسمية وشبه الرسمية، عدم النزول عند رغبة سموكم، في ضرورة إشراك
المعارضة في ساعات البث التلفزيوني، والمساحات الصحافية، وقد كانت تلك
منكم، لفتة سياسية حصيفة، كانت ستقطع حاجة قيادات الحراك للقنوات الفضائية
الأخرى، وكانت سترفع الميزان بين الحق والباطل لدى كامل أفراد الشعب، وكانت
ستكون أولى لبنات التواصل والحوار بين أطراف المجتمع وتلاوينه، فالحوار لا
يكتسب مشروعيته وإفادته ونتائجه، بالجلوس في غرفة مغلقة، فلم يعد الحرف
المسموع من مخارج الكلم، محصوراً لمجتمعين حول الطاولة، وليس أولئك
المجتمعون هم محور الحوار، لذا جاء الصوت الشعبي عبر الاستفتاء والانتخاب،
هو المقرر والحاسم، وهو السبيل إلى تَبيّن حقيقة الأرقام في الغالبية
والأقلية.

وبعدها لا نعلم إن جرى حوار أو تواصل بين سموكم وأطراف الحراك، وقد كنا
نأمل إطلالة منكم ثانية، وثالثة، لنعرف نحن مَن لم نكتب لكم، كما كتبت
جماعات عدة، شاركت أنا شخصياً في إحداها، ولم أجد في خطابها إلا التملق
والمآرب الشخصية، باستخدام التسرع بذريعة ضيق الوقت، الذي كنت أرى وجوب
إطالته، توازياً مع دعوة سموكم للتلفزيون لبدء حوار بين الأطراف الرسمية
والمعارضة، مما حدا بي ترفيع حصافة تفهُّم سموكم، عن فحواها فلم أوقعها،
لنعرف نحن من لم نكتب لكم، ماذا يجري في وطننا ولوطننا.

وحضر بعضنا في الدوار وبمبادرات فردية، من بعد مبادرة سموكم، وكانت لنا
محاولة لتقنين موضوعية المطالب والشعارات، وقد شاركنا في حوارات كانت ستقود
لعقلنة تلك المطالب والشعارات، وتعلم سموكم، صعوبة ثني من فقد عزيز، ومن
شاهد وأصابته فظاعة بعض نتائج القمع، ثنيه عن شعار رَفَعَه، ولكن كان
الحوار الحصيف الذي تؤمن به، واعتذار حصيف من السلطات، ووعد مبرور منها
بمحاسبة الجناة، كان سيلف محصلة الحراك بتوافق مع السلطات، دمجاً لمطالبه
ومبادئ مبادرتكم، ولكن… جرى ما جرى، من تلك الإجراءات التي صعقتنا، ولم
نكن نتوقعها، فزادت الطين بلّة، وقبلها وبعدها إلى يومنا هذا، ساد التحريض
الطائفي والتعدي على معتقدات طائفة كريمة من طائفتي المجتمع الأساسيتين،
بقيادة بعض أطراف السلطات، وتنفيذ الأجهزة الحكومية تعاوناً مع التلفزيون
الرسمي والصحافة الرسمية وشبه الرسمية، ومعتلي بعض المنابر الدينية،
والجمعيات السياسية الدينية بدافع صراعها الفقهي مع فقه الطائفة الأخرى،
وباستغلال التراخي في المحاسبة من قبل السلطات، وربما التشجيع، ما عَمّق
الخلاف الطائفي (لم يصل للكراهية إلا لدى أفراد)، ونَشَرَه في أفواج من
أفراد المجتمع، وليس كامِله، من بعد الإيهام أن الطائفة الشيعية الكريمة
والتي ربطها التحريض بإيران، العدو التاريخي للبحرين، عازمة بين ليلة
وضحاها، على اجتياح البحرين في إسفاف بوجود الطائفة السنية الكريمة، ما
أوصل الوضع الاجتماعي إلى ما دعا سمو رئيس الوزراء، إلى النزول للبسيتين،
وطمأنة الشباب بقيادة الدينيين وأعضاء مجالس بلدية من الطائفة، أن ليس هناك
من هَدَّة طائفية، وكانت قد تدنت الحالة الأمنية بسبب غياب رجال الأمن عن
الساحة وانتشار ظاهرة المليشيات الطائفية.

واسمح لي سموكم، أن أروي لكم تجربة شخصية، يمكن أن يستسقى منها عدة
أمور، أولها أن الشجاعة التي تقمصها حاملو السلاح الأبيض والألواح المسمرة
في البسيتين، ما هي إلا نتيجة خوف الآخرين على أنفسهم من جهالة تلك
المجموعات والتي ستراها في الحدث، الثالثة صباحاً تلقيت اتصالاً من أحد
تسعة عمال هنود يعملون لدي، بأن ما يقارب المئة والخمسين من المسلحين
بالسواطير والأخشاب المسمرة، صعدوا لهم على أسقف حجرات بيتهم الذي وفرته
لهم سكناً آمناً في نخل الوالد المعروف بنخل سيادي، مهددين إياهم بحرق
البيت وحرقهم إن لم يفتحوا الباب، وحين حضوري وجدت ما يقارب عشر سيارات
شرطة، بعضهم منصرفٌ ويدلني على أخرى معنية بالموضوع، وتبيّن أنهم قرّروا
مهاجمة البيت، بدعوى أن ثلاثة من الطائفة الشيعية الكريمة مختبئين في
البيت، من بعد ارتدائهم عباءات النساء، وفي حضور الشرطة، سألت قائدهم الذي
لم أره قبلاً ولا مرافقيه، هل أنتم تهاجمون ممتلكات عائلة سيادي، فصرخ
منادياً فرداً من المراهقين من العائلة، كان بمعيتهم، هل تعرف هذا وهو يشير
إلي، ويبدو أنه أومأ له بالإيجاب، فحاول الانصراف، ولكني أصريت أن أتصل
بالعمال ليفتحوا الباب للتأكد من دعواهم، ومن داعي تصرفهم، مع التأكيد له
أن لا أحد منهم سيدخل البيت، بل الشرطة، ولحظة فتح الباب، انطلق أحدهم،
رافعاً خشبة مسمرة، عبر الشارع جرياً سريعاً باتجاهي والعمال من خلفي،
اضطررت لدفعه في صدره بمعاونة قائدهم، حال وصوله، ملتفتاً للقائد، سائلاً
إياه، ماذا يريد صاحبك؟ هل نيته ضرب العمال بما يحمل؟ وستضحك سموكم لجوابه،
بأن هذا ليس بحرينياً، وكان صادقاً فغالبية أصحابه لم يتبين لي أنهم
بحرينيون، ثم نادى على الجمع للانصراف، من بعد قول بعضهم أنهم يحموننا
والقاطنين بالمجمع، من اعتداءات الطائفة الشيعية الكريمة، فرددت عليهم
بأننا في حال احتجنا الحماية، سنطلبها من الشرطة، وليس منهم، وحذرتهم من
الاقتراب مرة أخرى من مجمعنا، كل تفاصيل هذا الحدث جرت بحضور الشرطة، الذين
أبلغتهم بأني سأقدم بلاغي لدى مسئول أمن في شرطة المحرق وذكرت لهم اسمه
وعائلته، فتشجع أحدهم بشرح حقوق الإنسان للقائد، الذي لوى منصرفاً وجماعته.

وللحقيقة لم أجد في نهار اليوم نفسه ولا الأيام بعده، أولئك المسلحين في
البسيتين، إلا أن سبعة من عمالي، ارتعبوا من الحدث وطلبوا الرحيل إلى
بلادهم، واستجبت لهم من بعد عجزي عن طمأنتهم، فتسبب ذلك في جمود أعمالي إلى
اليوم.

من بعد أن أصغينا لكلمة سموكم، في فعالية حوار المنامة، في السابع من
ديسمبر/كانون الأول 2012، واطلعنا على ردود أفعال الجمعيات السياسية
المعارضة، وجدنا أن تلك الجمعيات تصرخ في وادٍ، وسموكم تهمسون في وادٍ آخر،
فلم أرَ في خطاب سموكم، ما يدعو الجمعيات إلى الاستجابة لأمر ذكرتموه في
سياق متناقضات حول الوضع، ألا وهو موضوع الحوار، إلا إذا كانت هناك ترتيبات
غائبة عنا وفي السر، فالحوار لا يجدي، في ظل تعليق وعدم إغلاق ملفات
أساسية مثل ملف الشهداء والجرحى من الجانبين، وتطبيق القانون على الجناة
الأفراد، وعلى من أصدر أمراً لهم بالإتيان بأفعالهم، سواء من الناس أو من
السلطات، فالأمن والعسكر، معروفي الهوية والرتب، والمعتدين على رجال الأمن،
أفراداً وليس الحراك الشعبي بكامله، فليس هناك من حرب طائفية سلكت العنف
وسيلة، وإلا وجدنا الدماء تسيل حتى الركب.

ونحمد الله أن سلّمنا من شرٍ مثله، فقد كانت المزاجلة الطائفية، ظاهرةً
صوتيةً لا أكثر، تم التعبير عنها بتحشيد الجموع لحظياً، على خلفيات نظرية
متعددة، سرعان ما تم تَبَيّنُها من قبل من تم تضليلهم. ولا ننسى ملف
إجراءات الفصل من الأعمال ومَن ورائه، توازياً مع معالجة ما جرّه من معاناة
للعاملين المفصولين وعوائلهم، والذي تم بناءً على تعليم وجوه في التلفزيون
الرسمي، لمن حضر التجمع الشعبي في الدوار، والأهم ملف المعتقلين والمحكوم
عليهم بتهم ذات صلة بالتعبير عن الرأي سلمياً، فليأتي لي أحد، بدليل
استخدامهم العنف والسلاح، اسماً اسماً للقيادات الرموز، أما تُهم التحريض
على قلب نظام الحكم، فهي لا تتعدى نصاً في قانون العقوبات، تم تكييف
الإجراءات ليتولى القاضي الحكم بنصوص القانون، وقد تم التراجع عن كثير من
درجات الأحكام، لاحقاً في درجات المحاكمات المختلفة، كانت تلك بعضاً من
ملفات عالقة، هناك حاجة لإغلاقها قبل الدعوة للحوار، ليتسنى للناس استعادة
الثقة في السلطات.

ولا تلومَنّ سموكم أناساً فقدوا الثقة في عدالة السلطات وفي تطبيقها
لإجراءات القوانين، وفقدوها في ثقافة رجال الأمن والعسكر، في التعامل مع
المحتجين، وفقدوها في عدالة بعض من أعضاء النيابة، وفقدوا الثقة والإقرار
باستقلالية القضاء، نتيجة ما عاينوه من تنكيل واستخدام مفرط للقوة،
واستخدام أسلحة لم تعد مجازة للتعامل مع محتجين من البشر، ومن دون أن تكون
هناك محاسبة جادة للمتورطين.

لسنا مع العنف من أي طرف، رسمياً كان أو شعبياً، فإنه لغةٌ وإجراءٌ
للهمج، لا صلة له ببشر يعيشون في القرن الحادي والعشرين، ولا نرى ما كان
منه، إلا مبادرة من بعض الطرف الرسمي، بعقلية ناقمة على التوافق على ميثاق
العمل الوطني. وبتقديرنا إن هذا الطرف هو المسئول أيضاً عن إيصال المجتمع
إلى الاحتقان ما بين السلطات والشعب، خلال العشر سنوات الماضية، من خلال
تجاوز نصوص ومبادئ الميثاق، ورأينا عنفاً كردة فعل من أفراد من الناس، تم
مس حياة ذويهم وعائلاتهم، وأمنهم وعَرضِهم وشرعية تناجيهم ومعتقداتهم، فلا
يوجد عنف منظم مُبادِر مستمر من الحراك الشعبي، وإن كان هناك بعض من
ظواهره، من قبل الطرفين، فإنه محدود لا يدعو للقلق من الجانب الشعبي، متى
ما تم إرساء العدالة الحقوقية والسياسية والأمنية في المجتمع، وتم تطبيق
سياسة عدم الإفلات من العقاب، وتم الإفساح للحق الأصيل للشعوب، الذي لا
يحتاج لإذن أو ترخيص من أي كان، في التعبير عن نفسها تجاه ممارسات السلطات،
من خلال التعبير السلمي الفردي والجماعي، وحق التجمعات والتظاهر، وقامت
الأجهزة الأمنية المختصة بحماية وخدمة المتظاهرين.

خلاصة القول، نجلكم وعفواً سموكم، أنتم من دعا في الأصل إلى حوار غير
مشروط، وأنتم من تمثلون السلطة والإرادة الملكية، فادعو الجهات المطلوبة
لحضور الحوار، من الجمعيات السياسية المعارضة والموالية، بممثليهم
السياسيين والحقوقيين والقانونيين والعماليين والمهنيين… إلخ، كل مجال
باثنين، وغرفة التجارة باثنين، تمثيلاً للشعب، وادعو الحكومة بكامل
وزرائها، واسترشد بالسلطة القضائية بحضور ممثلين اثنين لكل فرع منها، ولا
أنصح بالسلطة التشريعية، فنصفهم يمثلون برجوازية المجتمع وهم إما أعضاء في
غرفة التجارة، وإما منحدرون من انتمائهم الوظيفي للحكومة، ونصفهم لا يمثلون
إلا أنفسهم، فليس بينهم واحد حاز على ثقة طائفتَيْ المجتمع، ولا واحد حاز
ثقة غالبية المنتَخِبين البحرينيين، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم كأفراد
بوظائف تشريعية لا يمارسونها.

ادعوهم سموكم إلى المكان والزمان نفسه، واطلب من كل طرف، أن يقدم ما
يريد، وليس ما لا يريد، وأمام الحضور، اطلبوا سموكم ماذا يريد كل طرف لمن
يمثلهم، وليس ما يريده الآخرون، فليس فيهم واحد يمثل الشعب بكامله، بل كل
منهم يمثل جزءًا من الشعب، فمن امتنع بعصيان إرادتكم، له حساب، ومن تطاول
على غيره، له حساب، كل ذلك بتغطية تفصيلية لدقائق الحدث، تلفزيونية من قبل
التلفزيون الرسمي، والقنوات الفضائية العالمية، ليشهدها كامل الشعب
البحريني، والعالم أجمع، مع التأكيد على عدم تغطيتها صحافياً، فالصحافة
تنقل من بعد حين، وتنقل على لسان، ولن يكون نقلها غير المباشر محايداً،
مثله مثل النقل المباشر بالصوت والصورة.

وللصحافة، أن تحلل وتقابل المشتركين، من بعد إجراء هذا الجزء الأساسي من
الحوار، في ظل التزامها الكتابي بتوجيه سموكم، أن تكون صفحاتها متاحة لكل
مشترك في الحوار أن يبين حقيقة رأيه وموقفه، لأي تحوير محتمل، وكفى. لا
جدال بعد ذلك، استعداداً للجولات الأخرى لتقريب وجهات النظر، حول المختلف
عليه، من بعد حصر المطالب المشتركة وتوثيقها، وتحديد تلك غير المشتركة،
والتي سيجيب فيها، كل طرف بمدى استعداده ووعده الصدوق، بعمل ما يلزم لما
يقبله منها، تحقيقاً لمطالب الآخر، وتوثق أيضاً، لتبقى نقاط الخلاف،
ليتحاور حولها الأطراف، الى أمد من دون ربطها أو خلطها بما تم توثيقه من
مشتركات ومقبولات. لترى بعد هذا الأمد، فيها الإرادة الملكية، باستشارة
القضاء، ما تراه، تحقيقاً للألفة والتواصل وتبادل الثقة، ولينطلق الوطن إلى
رحابة التعايش والتكامل والعدالة وسيادة القانون.




الرسالة الثانية: هل أنتم منا ومثلنا؟

نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين إلى السلطات، بل
أفرادٌ ممن حلا للبعض وأسمانا بالأغلبية الصامتة، بحث أحدنا في عقله
ووجدانه؛ فلم يجد غير المواطن والإنسان. نتقاطع مع هذا أو ذاك، قد نختلف
ونتضاد، ونسمع ونرى إثباتات، قيادات الحراك الشعبي، وفي المقابل، الإثباتات
الرسمية، عبر التلفزيون والصحافة، في الذود عن الموقف الرسمي، ولكن بخطاب
وإخراج لم تقبله عقولنا، مقابل خطاب الجمعيات السياسية. فيا أصحاب السمو
والسعادة أعضاء الحكومة، أطال الله عمركم مئات المرات، لكن الوطن يزخر
بالكفاءات التي ساهمتم بنية أو بصدفة، في إعدادهم، اعتقدنا أنكم تُعدّون
الأجيال، لتسلم القيادة وإدارة الوطن، نتيجة تطور الإدارة وحداثتها،
واحتياجها إلى الأدوات الحديثة الدائمة التطور والتغير، ومن أهمها أدوات
التواصل الشعبي الشامل، من دون تمييز، لتستمعوا القول فتتبعوا أحسنه.

ووسائل
التواصل الشعبي، في عصرنا، أصبحت قاب قوسين أو أدنى، من حيث تعملون
وترفهون وتنامون، بارتباطها بوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي وفّرتها
خدمات شبكة الإنترنت، والهواتف النقالة المتطورة لتبادل الكتابة والصوت
والصورة، عوضاً عن التواصل الجسدي اليسير الذي توفره وسائل المواصلات
وبنيتها التحتية، فما بال سعادتكم، تختارون من الناس قلةً تمجّدكم، وتنتظر
منكم المنَّ والسلوى، في حين غالبية شعبكم يعيش العوز والضر، ليس في
المُلكِ والجاهِ، بل في إنسانيته التي تم سلبها في هذا الواقع السياسي.

ألا
تعرفون الفرق بين هؤلاء وأولئك، ألا تعرفون السبيل إلى معيار العدالة في
الضعفاء من شعبكم، فنبي الله (ص)، خالط صغار قومه، وسمع لهم، وهم من قدّم
التضحيات بالاستشهاد والتعرض لتسلط قريش بالتعذيب، فلم يكن يفرق بين عبدٍ
أو حر، ولا بين وضيعٍ أو شريف في قومه، إلا بمعيار موضوع دعوته، فكانوا
نصرته الذين أقام الله دعوته بهم على العالمين، وخلفاؤه الأربعة من بعده،
وأحبهم إليكم عمر (ر)، القائل لشريف قومٍ نصرةً لوضيعهم: «متى استعبدتم
الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، والسامع لشكوى عبد مملوك ضد سيده
ومالكه، ذاك العبد الذي ظنّ سوءًا في عمر (ر)، وقال: «وسع عدل عمر الناس
جميعاً إلا إياي»، وطعن عمر (ر) في صلاته.

ألا تتعظون، فقصة عمر (ر)
وقاتله، قصة شفافية، يريد الناس رؤية وتلمس ما تُوعدون، لا نثر الوعود نثر
الحَبِّ للطير، يلتقط بعضه ويلهو حيناً ليجد أنه جوعان من جديد، فإدارة
الدولة لا تُمَلِّك المسئولين إياها، وأشخاصكم تديرون ثرواتٍ لا تملكونها
لقاء أجر معلوم، عبر تفويض وقبول بكم من الشعب، المالك الأصلي للثروات،
الذي ينشد فيكم الإدارة الرشيدة التي توزع الثروة بالعدالة والمساواة، فيما
بين أفراده، من دون أدنى تمييز، لا لجاهٍ ولا دينٍ ولا مذهب، ولا أصلٍ ولا
جنس، فمتى ما غابت هذه العدالة، ينزع تفويضكم ويوكِلَه إلى آخرين، منه
واليه، وما عليكم إلا العودة إلى قواعدكم أفراداً من الشعب، تخضعون لعدالة
حكومة أصلها أفراد هذا الشعب.

والشعب هو من منحكم حق إنشاء الأجهزة
والعمل في الإدارات، التي هي أصلاً وزارات وإدارات لخدمة ناس الوطن، في
أمنهم الشخصي وأمنهم الوطني، واقتصادهم وسكناهم ووسائل عيشهم، وعلاقاتهم
المتكاملة القائمة على العدالة والمساواة فيما بينهم، لا لتستقْوُوا عليه،
عبر شراء الذمم بسوء استخدام ثرواته والاستفراد بها، وعبر استجلاب الغرباء
وجعلهم شركاء له في ثرواته وسلطاته.

والشعب هو أصل التشريعات
والقوانين ومصدرها، وإن منح الثقة، لنفرٍ من مكوناته، استجابةً لمرحلةٍ
تاريخيةٍ اجتماعيةٍ وسياسية، إلا أنها لا تبخسه، إنه أصل التطور الذي يغير
الحاجات، وهو الأصل المادي لاستحقاقات هذه التغيرات، التي تربو إلى تغيير
سلطاته، وإدارات مجتمعه، وتطوير وإصلاح أو إبدال نظامه السياسي، فلا
تَعْتدّوا بقوةٍ، تُضير الشعب، فالزمان قد يتخطى فكرة القوة، ولا تنسى
الحكومات أنها ليست إلا أفراداً من الشعب، ولن تُقَوِّيها ثلة من مستفيدين
تمييزاً، حتى وإن فعلوا فإنه إلى حين، فالتمييز وتشطير المجتمعات لا يدوم
مثل دوام العدالة والمساواة، فانظروا نتاج الأداء السابق، وما تم عمله في
السر الذي كشفه المستشار، في التفريق والتمييز، والاستعانة بقوى شرهة
للعطايا. انظروا إلى صحوة المظلومين من الشعب، في تظاهرات 14 فبراير/ شباط
2011، ودعمهم من قبل المعارضين للتمييز سواءً لهم أو عليهم، لتصل الأوضاع
بكم إلى مرحلة أساسية من مراحل العزلة الشعبية، ولم يفد الموالون ولا
الغرباء، في كسر إرادة شعب عزيز كريم منتمٍ إلى وطنه.

فما عاد
مقبولاً وطنيّاً ولا دوليّاً، أن تسمعوا بـ «وثيقة اللاعنف» و»وثيقة
المنامة»، لكنها لا تهمكم، وليس مقبولاً استمرار تجاوزات رجال الأمن من دون
محاسبة، وليس مقبولاً تجاوز الدستور في المادة 30 البند ب «الدولة هي
وحدها التي تنشئ قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يولّى غير
المواطنين هذه المهام إلا في حالة الضرورة، وبالكيفية التي ينظمها
القانون». وليس مقبولاً توطين غير المواطنين، استحقاقاً لتجاوز الدستور.
وليس مقبولاً تداخل السلطات في مهامها، فالسلطة القضائية، في فرعها اللازم،
النيابة العامة، هي المعنية بتوجيه التهم والادعاء على مرتكبيها، وليست
الحكومة، في مثل تهم الأطباء وحراك الدوار الشعبي، بأنهم حازوا من السلاح
قديمه، في إشارة إلى الاتهام بتبييت النية الطائفية، منذ القدم للانقلاب
العنيف على النظام، لتأتي المحاكم وتهملها. وليس مقبولاً الخروج على نص
المادة 48 البند ب الدستورية، «لا يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن
يتولى أية وظيفة عامة أخرى…»، ولا توزير غير مؤهل للاختصاص، ولا المحاصصة
الطائفية في التوزير والتوظيف، والفصل من الأعمال، ولا إعلام غير وطني
محايد ليخدم جميع مكوّنات المجتمع، ولو أسهبنا أكثر لما استوعبت صفحات
الصحيفة جزءًا يسيراً منها.

وقد كان حراك 14 فبراير 2011، تتويجاً
للحراك التاريخي السياسي الطويل، منذ العشرينات من القرن الماضي، والذي قاد
في التسعينات إلى التوافق على ميثاق العمل الوطني، الذي جاء لإعادة
المواطنين من منفاهم داخل وخارج الوطن، ولإيقاف إضعاف المجتمع بخلخلته
بالأغراب، ومن خلال السياسات الإسكانية، ولإيقاف تدخلات الحكومة في شئون
مؤسسات المجتمع المدني والتفريق بينها بالتمييز، وهي الرافد للإصلاح
والتطور، ولإيقاف الاستخفاف بتطور عقول وتجارب الشعب في مطالباته، ولإيقاف
التصادم وإياه في مطالباته، وهو سيد ومصدر السلطات جميعها كما نص الدستور،
فما عادت العقلية الأمنية المفرطة القوة، بالتسبب في زيادة شدة الضرر
واتساعه، ليشمل الجموع العريضة، في القتل والقمع والاعتقالات وقطع الأرزاق،
ولا الاستعانة بدول خارجية، تخشى أن يمتد الحراك الشعبي البحريني إلى
شعوبها، للروع من الحشود الشعبية غير المسبوقة، فقد كان الأولى احترام
الشعب، عبر تواصله في مطالباته، بانتخاب سلطاته التشريعية والتنفيذية، في
مملكة دستورية حقة، ترينا أجمل الأيام التي لم نرها قبلاً، في تكامل
السلطات بشعبها، وبمحاسبته إياها وإبدالها كل ما بدت أنها تحيد عن خدمة
الشعب، وفي وطن يجمع أهله، لا شأن له بدينهم ومعتقداتهم ومذهبهم، وليصفو
كامل ترابه وسمائه بكل ما حوت من ثروات حقّاً متساوياً للجميع، والأغراب
إما ضيوف يحترمون مقومات وثقافة واجتماع وعادات المكونات الشعبية، ويؤدون
خدمات يحتاج إليها المجتمع وبقراره، وإما أوطانهم أولى بهم.

خلاصة
القول، إن الشعب لم يعد كما تريدونه أعمى، ترون نيابةً عنه ما لا يراه، بل
أصبح هو صاحب الحق في الاستمرار في الحراك الشعبي السلمي على رغم العنف
المقابل، ما يجعله أهلاً لدعم مؤسسات حقوق الإنسان الدولية والأممية،
وبخلاصة تجاربه في صراعاته، التي ما خلصتم يوماً فيها إلى حقه في إدارة
شئونه، فيا أصحاب السمو والسعادة، عودوا لقواعدكم أفراداً من الشعب، عله
ينتخبكم في حقّه في اختيار جميع سلطاته.




الرسالة الثالثة: مَن تمثلون؟ وعن حقوق مَن تدافعون؟ 

نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إنما ممن
بحث في عقله ووجدانه عن طائفته، فلم يجد غير المواطن والإنسان. قد نختلف
ونتضاد، ونسمع ونرى إثباتات، قيادات الحراك الشعبي والإثباتات الرسمية، عبر
التلفزيون والصحافة الرسميين، الذين يتبرعون بالذود عن الموقف الرسمي،
ولكن بخطاب وإخراج لم تقبله عقولنا، مقابل خطاب الجمعيات السياسية، فيا
أصحاب السعادة النواب والشوريون، حسبناكم، تُمَثلون وتنطقون بلسان حال شعب
البحرين، أياً كان دينه ومذهبه، وأياً كان عنوان سكنه وإقامته، داخل الوطن
أو خارجه، وحسبناكم أهل عقل راجح، تَزِنون الأمور بميزان العدالة
والمساواة، ولا تأخذكم في الحق لومة لائم، شجعاناً لا يرديكم الردى من
المظالم، تحت أيديكم رقابنا نحن الشعب واستأمنّاكم عليها، وحسبناكم صولجان
الحق على باقي السلطات، به تقومونها، ليرتع الشعب في أنهر الخير من الأمان
على حاضره ومستقبله.

وحسبناكم حراس مستقبل أجيال الوطن، في عدالة
توزيع الثروات، وحفظ الهوية الوطنية، لأبناء الوطن، تُشَرِّعون لذلك
القوانين، التي تحفظ الحقوق وتيسر الواجبات، من خلال تطبيقها من قبل السلطة
القضائية، تطبيقاً لا يفرق بين مواطن وآخر، وتُحَيِّدون السلطة التنفيذية
بوزرائها وإداراتها، في توفير الخدمات للناس سواسية، عبر مراجعة دراسات
وتطبيقات مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية، لتتبيّنوا
مدى إحقاقها وعدم تجنيها على العدالة الاجتماعية، لا تمييز فيها بين
المواطنين، لا طبقاً لدين ولا مذهب ولا أصل ولا جنس، كما هو نص الدستور،
ومحاسبتها المحاسبة العسيرة على أي شطط ولو بسيط، عن ذا الميزان. وطمعنا
فيكم ترون حقوقكم في بطن حقوقنا.

إلا أن للأسف أن غالبكم في ذا
المجلس وبعضكم في ذاك، اهتم بقشور الحقوق العامة وأهمل متنها، في تنافسٍ مع
الحكومة، مصدره ومقصده أشخاصكم، بالصيت الشعبي المزيف. فمشروع ميزانية
الدولة التي تتوازن فيها الإيرادات مع توزيع المصروفات التي لها مسالك
الخدمات العامة العائدة على تسهيل حياة الناس المعيشية، وهي العامة على
جموع الشعب، نراكم تمررونها بقانون، لقاء فتات هنا أو هناك، لا يحل مشكلة
الإسكان، ولا مشكلة البطالة ولا مشكلة التمييز على حساب العدالة
الاجتماعية. فينبري أحدكم للقاء وزير ليستحثه على زيادة الخدمات لمنطقة
بعينها، لا لانفرادها في نقص تلك الخدمة، من دون مناطق البحرين الأخرى، بل
لأنكم أبناء تلك المنطقة، وهي تحتضن أصواتكم الانتخابية، فاختزلتم مواطني
وشعب البحرين الذين تزعمون تمثيلهم، في أفراد تسترضونهم، للحفاظ على
كراسيكم، وليس شرطكم لتمرير (ولفظة التمرير التي تصفون بها إجراءاتكم لها
سوأة)، لتمرير الميزانية، بشرط زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي للأسر
المحتاجة، عبر توافق لفظي أو حتى كتابي، مع الحكومة، ليس عن طريق قانون
تسنّونه، وبمبالغ حتى في حال تحققها، لا تسمن ولا تشبع من جوع، وطلباتكم
زيادة رواتب موظفي الحكومة وتقاعدهم، فدافعها اشتراككم في نفعها، وعلى رغم
علمكم اليقيني أن جزءاً لا يستهان به منها، سيعم الغرباء خارج القانون،
لخضوعكم وإياهم في مزاياكم الوظيفية لكادر موظفي الحكومة، وإلا كان أجدى
بكم، ربما سن قانون إنشاء صندوق تموّله الدولة، لرفع رواتب جميع المواطنين،
من موظفي الحكومة والعاملين في القطاع الخاص، ففي ذلك تحقيق للعدالة
الاجتماعية، فيا أسفي أن كل ما جهدتم فيه، لا يتعدى تمسح بالذقون، في تمييز
واضح بين المواطنين.

وبلغتكم أيها المشرعون للقوانين، والمراقبون
والمحاسبون للسلطة التنفيذية – الحكومة، أين تشريعاتكم الحافظة لهوية
المجتمع، التي يتضرر منها جميع مكونات الشعب البحريني في انتزاع حق السكن
والرعاية الصحية والتعليم وباقي الخدمات، عبر إنقاصها على المواطنين لقاء
تخصيص أولوياتها وخصوصاً السكن والعمل، للغرباء خارج القانون. نلوم الحكومة
في ذلك، ونلومكم أكثر، فإنها تعمل لصالحها الفئوي، وأنتم تدّعون تمثيل
الشعب في حقوقه، وأنتم من تعلمون أكثر، ففي حوزتكم الوثائق والإحصائيات،
متى ما طلبتموها.

وأذكّركم بأن الدستور في المادة 30 البند ب، أوجب
أن يتولى المواطنون حفظ الأمن العام، إلا في الضرورة القصوى، لا أحتاج
للشرح لكم تطبيق الضرورة القصوى، التي نرى نقيضها في شوارع البحرين. حيث
نرى غربتها، ونرى استثناء أفراد أكبر الطوائف البحرينية، من توليها، في
تدمير للهوية الوطنية، وفي سلب ثروات الوطن في استتباعاتها، فأين بيت الشعب
الذي تشغلونه، وأين تمثيلكم لمصالح الوطن والمواطنين.

وأيضاً بلغتكم
أيها المشرعون للعدالة، تميّزون أشخاصكم، وعددكم ثمانون إضافةً لأعضاء
المجالس البلدية، لقاء تعداد باقي المواطنين، في أهم الحقوق المعيشية، ألا
وهي مكافآت ومعاشات التقاعد، فتقننون لأنفسكم معاشاًً تقاعدياً، حسب المادة
السابعة من القانون، التي اختصت باستحقاق أعضاء المجالس الثلاثة، ممن يقضي
في المجلس أربع سنوات، استحقاقه ما يعادل 25 سنة عمل لباقي المواطنين،
بمنحه ما يعادل عمل 21 سنة اعتبارية (إضافية ولم يعملها)، فيترتب له معاش
تقاعدي بواقع 50 في المئة من مكافأته الشهرية، ثم يضاف إليها نسبة 7.5 في
المئة عن كل سنة يقضيها في المجلس، وبحد أقصى أربع سنوات أخرى، ليصل إلى 80
في المئة من مكافأته الشهرية، عند السنة الثامنة، إضافةً إلى ما له من
معاش تقاعد عن خدمة في غير عضوية المجلس (قبل وبعد العضوية)، ليصل المعاش
التقاعدي إلى 4000 دينار بحد أقصى شهرياً، كل ذلك لقاء عمل فعلي لا يتجاوز
الثماني سنوات، في تشجيع لما يحدث مما نرفضه وإياكم، لتداول هذا التمييز
الظالم كل ثماني سنوات. ونعلم وتعلمون أن هذه المكافأة، لا تدخل في المزايا
الوظيفية المباشرة من راتب وعلاوات، من علاوات مثل الغلاء والمواصلات
والاتصالات ومصاريف إنشاء مكتب نيابي شخصي لكل منكم، إضافةً لمكاتبكم في
مبنى المجلس الوطني، على نقيض ضرورة تواصلكم بالمواطنين في أماكن تجمعهم،
من مجالس وأندية ومقار مؤسسات مجتمع مدني.

وبالمناسبة، جمعتني الصدف
بقاضٍ كبير، فسألته عن دستورية قانون تقاعدكم، فأفادني بعدم دستوريته، رغم
أنكم معنيون بمراجعة القوانين في مواكبتها للدستور، فقد جرت العادة
القانونية والدستورية، حين صدور قانون أو تعديل على القانون، ينبري
المعنيون بتطبيقه من وزراء وهيئات، بإصدار القرارات المواكبة لتلك القوانين
وتعديلاتها، والجريدة الرسمية الخاصة بهيئة الإفتاء والتشريع، زاخرة في
معظمها بتلك القرارات التفصيلية، وكذلك حين صدور دستور جديد، أو تعديلات
على نصوص دستور قائم، يتوجب عليكم مراجعة القوانين لتتماشى مع النصوص
الدستورية. فأينكم من مراجعة قانون تقاعدكم، وقد سمعتم منا ومن غيرنا شبهة
عدم دستوريته، أم أن على رأسكم ريشة.

خلاصة القول أن الأيدي والأصابع
تَكِلْ، والحبر يستنزف حبره، والعقل يجهد، في تعداد هذه المثالب
والأخطاء، ولكننا صبورون من باب «ما ضاقت حلقاتها إلا فرجت، وكان الظن أنها
لا تفرج»، ومن باب «أن للحق مُطالِب لن يضيعه، لا زمانٌ ولا مكان»، وكونوا
ممثلين للشعب، من خلال إجماعه عليكم في طوائفه، وغالبية كتلته الانتخابية
على مستوى الوطن، لا منطقة من مناطقه.




الرسالة الرابعة: ديمقراطية النَص ودكتاتورية الممارسة والتطبيق

نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إنّنا أفراد
ممن حلا للبعض وأسمانا بالأغلبية الصامتة، قد نتقاطع مع هذا أو ذاك، وقد
نختلف ونتضاد، نسمع من قيادات الحراك الشعبي، ومن الموقف الرسمي، واليوم
نتكلم عن ديمقراطية النص ودكتاتورية التطبيق.

معذورة السلطة
القضائية… فقضاة المحاكم المدنية في جميع درجاتها، يحكمون بنصوص
القوانين، ولا شأن لهم بعملية التشريع، المنوطة بالسلطة التشريعية، ولكنهم
ملامون، حين يخضعون للضغوط السياسية، وحين يسترشدون بالقرارات الوزارية في
أحكامهم، فالقرارات ليست قوانين، بقدر ما هي أدوات إجرائية لإيضاح القوانين
لسلطات الإجراء وللعامة، وليس للقضاة، فمتى تعارضت هذه القرارات مع قصد
المشرع للقانون، الأمر الذي يعيه القاضي، فلا يصح الأخذ بالقرارات في إصدار
الأحكام، فالقانون، والقانون فقط، هو وسيلة القاضي، ومقصده النزاهة
والاستقلالية، فإن حاد عن أي منهما، أغضب الناس عليه.

والدستور هو
أبو القوانين، له حقٌ واجبٌ أن يُساهم في بناء صرحه، جميع المواطنين، بجميع
مواقعهم، في سلطات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني بما فيهم الجمعيات السياسية،
والتجمعات والتخصصات المهنية والأفراد، فلا تستفرد بصياغته وإصداره جهة،
مهما علا شأنها، فهو أرفع التشريعات التي يتوجب توافق الجميع على دقائق
وتفصيلات نصوصه، والتي بدورها تسمو على باقي التشريعات، من القوانين
والمراسيم، بل إنها الحاكمة على نص أي قانون أو إجراء، فغير مباح في أي حال
من الأحوال، الخروج على نص الدستور، ولذلك لا يستمد الدستور شرعيته، إلا
بتوافق غالبية الشعب عليه من خلال الاستفتاء بنعم أو لا، ولا يجوز في ذلك
التكليف.

هذا ما جرت عليه عادة السلطات في كل أصقاع الأرض، إلا أن لي
رأياً لن أبخسكم إبداءه، خلاصته أن الدستور يستوجب موافقة غالبية لا تقل
عن الستين أو ربما السبعين في المئة من الشعب، فنسبة الواحد والخمسين أو
غالبية مَن صَوّت بفارق صوت، قد تجوز لقانون ولكن ليس الدستور، والاستفتاء
العجول كذلك يبخس الدستور الشرعية الكاملة، فإن ورد فيه سلبُ حقٍ واحدٍ
لقاء الحقوق الأخرى، فهل يجوز إقراره بعلته هذه؟ أو هل يجوز رفضه بسببها؟
فالأولى بالقائمين على الأمر من المفوضين من قبل الشعب، أن يطرحوا مسودة نص
الدستور للتداول الشعبي إلى أمدٍ معلوم، يزيد بشهرين أو ثلاثة، عن الفترة
التي لزمت للانتهاء من صياغة الدستور، وربما مبدأ جواز إبكارها إذا ما توقف
أفراد الشعب عن إبداء الرأي في مواده لمدة معلومة قرابة خمسة عشر أو عشرين
يوماً متصلة، التي تكون كافية لمن ارتأى ضرورة الرأي أن يدرس ويصيغ ويقدّم
رأيه للقائمين على الأمر، ثم يُحَدَد أمدٌ معلوم لتداول الآراء ما بين
مُقدِّمها والقائمين على الأمر، هذه المداولات تُنشر على أوسع نطاق وفي
جميع وسائل النشر، وخاصة النقل المباشر عبر القنوات الفضائية، ويُفسح
المجال لتبيان صاحب الرأي تكرار رأيه متى ما تداوله أي نشر صحافي بغير
منطوقه، ولمرة واحدة وكفى، لا تداول بعده، لترى جموع الشعب رأيها بعقولها
وتحدد موقفها بحسب متطلبات الاستفتاء.

وأرى ضرورة استفتاء الشعب على
مواد الدستور، مادةً مادةً، بالتأشير أمام غير المقبول منها بـ لا، وما لم
يؤشر أمامها بها، تكون من المواد المقبولة، لينتهي إعلان نص الدستور بما تم
التوافق على مواده بالنسبة المذكورة عاليه، مع التبيان في الإعلان إحصائية
عدد المصوتين بـ لا لكل مادة على حدة، من باب الشفافية، ليُعاوَد استكمال
باقي مواده كإضافة وتعديل، وبالآلية نفسها.

أما أعضاء الشورى والنواب
فلا شأن لهم بالتعديلات الدستورية، فهم مشرعون للقوانين وليس الدستور،
الذي أتى بهم نتيجة مواده المتوافق عليها، فلا يجوز استلاب الحق الشعبي
العام وإناطته بأعضاء مجلس خاص.

ونَص مواد الدستور يتوجب ألا تحتمل
إلا مفهوماً واحداً، يواكب معطيات العصر ومستقبلها المتوقع لعقدٍ من الزمن
على أقل تقدير، فلا يتغير الدستور إلا إذا انتقل المجتمع إلى رحاب عصرٍ
جديدٍ جراء التفاعل أو التعارض بين الشعب والسلطات، أو انتقلت الإنسانية
إلى عصر جديد في مقوماته، ولكن، يمكن تعديل بعض مواده استجابةً لمتطلبات
عصرية أو شعبية جديدة. ولذلك نرى لزاماً علينا الإبحار سوياً في مواد
مختارة من دستور 2002، لتبيان نواقصها وتناقض بعض القوانين أو إجراءات
إنفاذها مع مواد الدستور، وذلك من باب التدليل على أن الدستور، لا يكتسب
الكمال المشروع، ما لم يشترك فيه جميع الشعب بالتمحيص والقبول.

«العدل أساس الحكم»، إذاً كيف تُوقِف السلطات متهماً بالتظاهر ولا توقف متهماً بالتعذيب.

«الحرية
والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم… وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات
للمجتمع تكفلها الدولة»، أترك كل المفردات للقارئ الكريم، إلا الدولة التي
هي السلطات وأولها الحكومة، فهل كفلت الدولة أياً مما أورده الدستور؟
«تصون وتكفل الدولة الخدمات التعليمية… ويكون التعليم إلزامياً ومجانياً
في المراحل الأولى التي يعينها القانون»، أليس تعليم الأطفال ما بين
الثالثة والسادسة من العمر، في الروضات، هي أولى مراحل التعليم؟ أم أنها
إسرافٌ يتبعه محدودو الدخل من الشعب؟ «تكفل الدولة لدور العلم حرمتها»،
المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعات، كلها دور علم، بطلابها
وأساتذتها، وتم التعدي على حرمة بعضها من قبل أجهزة الأمن.

«تعمل
الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين»، كلكم يعلم مشكلة
الإسكان، ويعلم عمل الدولة لتوفيره لغريب أو لمواطن جديد بالأسبقية على
المواطنين.

«تعمل الدولة على رفع مستوى الفلاح، ويحدد القانون وسائل
مساعدة صغار المزارعين وتمليكهم الأراضي»، ائتوني بمزارعٍ صغيرٍ واحدٍ تم
تمليكه أرضاً زراعية بمسوّغات القانون.

«الثروات الطبيعية… ملك
للدولة تقوم على حفظها وحسن استثمارها…»، لا خلاف أن الأراضي المترامية
الأطراف هي من الثروات الطبيعية، ولكن مَن الدولة؟ الشعب وسلطاته، أم أنها
الحكومة بأفرادها الذين تملك بعضهم هذه الأراضي؟ «تكفل الدولة توفير فرص
العمل للمواطنين وعدالة شروطه»، رأيناه جلياً في الفصل الجماعي من الأعمال،
عقاباً على غياب أيامٍ خلال أسبوع، جراء الإضراب عن العمل، وبادعاء حكومي
أنه أضرّ بالاقتصاد الوطني، وتناست أن العطلة الأسبوعية يومين، وأحياناً
تمتد لعدة أيام للتعويض.

«المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة
وفقاً للشروط التي يقررها القانون»، نعم فالقانون ساوى بين المواطنين في
العمل في مختلف الوظائف، ولكن توظيف الأجانب الذين شغلوا الشواغر في أماكن
محددة ومعروفة، أعاق توظيف أبناء طائفة بأكملها.

«الجنسية البحرينية
يحدّدها القانون، ولا يجوز إسقاطها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال
الأخرى التي يحدّدها القانون»، الخيانة العظمى، هي التعاون العسكري المسلح
أو التخابر ضد الوطن، أو الانخراط في جيش دولة عدوة، نفهم هنا إسقاط
الجنسية عن المتلبس بها، ولكن فتح المجال للقانون لتعداد أحوال أخرى لا
يجوز، لأن أية جريمة أقل منها يخضع مرتكبها للعقوبة داخل الوطن، وليس منها
إسقاط الجنسية، وأقصاها الإعدام الذي لم يمنعه الدستور.

وللمقال بقية، نجول فيها على بقية أهم مواد الدستور التي تجاوزتها بعض القوانين، أو تلك التي تجاوزتها الإجراءات خارج القانون.



الرسالة الخامسة: ديمقراطية النَّص الدستوري ودكتاتورية القوانين والممارسة

نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إننا أفراد
ممن حلا للبعض تسميتنا بـ «الأغلبية الصامتة». وبما أن «الحرية الشخصية
مكفولة وفقاً للقانون»، فإن من الغريب أن تُوكَل الحريات الشخصية لقانون،
حيث أن مبدئيتها نص دستوري، والدستور هو المعني بقيدها، ربما ضد التجاوز
بمسّ بالآخرين في معتقداتهم وشرفهم والخروج على الأخلاق، ومن ثم الإيكال
للقانون رسم مظاهر هذه التجاوزات وعقوباتها.

«لا يجوز القبض على
إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه… إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من
القضاء»، «لا يجوز الحجز أو الحبس في غير الأماكن المخصصة لذلك… والخاضعة
لرقابة القضاء». نعم برقابة من القضاء، وليس الاقتصار على الأمر القضائي،
وهذا يستوجب حضوراً مادياً لطرف قضائي هذه الوقائع، وهذه الأماكن، فهل تم
ذلك فعلاً في أيٍّ من هذه الإجراءات وهذه الأماكن، وهل يجوز للقضاة
المراقبة وهم في بيوتهم أو محاكمهم؟ «لا يُعَرّض أي إنسان للتعذيب المادي
أو المعنوي، أو للإغراء، أو المعاملة الحاطّة بالكرامة، ويحدّد القانون
عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت تلك… أو
التهديد بأي منها». نَص مادة دستورية كاملة نموذجية، حدّد النَص الدستوري،
الفعل غير الدستوري بما ليس فيه لبسٌ، وأحال للقانون، رسم تشريع العقوبة
فقط، لذلك لزم سن قانون خاص لمناهضة ما أورده نص الدستور، وتغليظ العقوبة
استحقاقاً للكرامة الإنسانية، إلى أقصاها، ودون أي استثناء.

«العقوبة
شخصية، يحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً»، «حرية الضمير مطلقة
(مطلقة ولا حدود لها)، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر
الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقاً للعادات المرعية في البلد».
نصوصٌ دستوريةٌ محدّدة، لكنها لم تُحِل مخالفتها إلى أي قانون أو إجراء،
لذا فعقوبتها عقوبة مخالفة الدستور، وهي أقرب لأوجه الخيانة العظمى، فهل
رأينا الجزاء المنصف، ضد من مارسها وأمر بها من رجال الأمن ومن الطائفيين.

«حرية
الرأي والبحث العلمي مكفولة…، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها
القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير
الفرقة أو الطائفية». هي مشروطةٌ هنا لعدم تجاوزها من الأفراد والسلطات
والقوانين، ومن تجاوزها محكوم عليه بعقاب تجاوز الدستور، فهل تمت محاسبة
المتجاوزين الكثيرين؟ «للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن
أهلها إلا استثناءً في حالات الضرورة القصوى التي يعينها القانون،
وبالكيفية المنصوص عليها فيه». ضَمن الدستور هنا حرمة المساكن، ولم يسمح
بدخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها، إلا في حالة الضرورة القصوى، مشروطةً
بشرطي الضرورة والقصوى، وأوجب الدستور صدور قانون خاص يبيّن هاتين
الحالتين، وكيفية وإجراءات الولوج إلى المساكن من دون رضا أهلها، وما إذا
يتم ذلك عبر طرق الأبواب أولاً، أو كسرها عنوةً ومباغتة أهلها، وأوقات
المداهمات، إن كانت ساعات النوم أو الصحوة، وضرورة مراعاة حالات الخلوة
الخاصة لأهلها، وكيفية التعامل مع المطلوب القبض عليه، وكذلك الآخرين
المتواجدين في المسكن، ضيوفاً كانوا أو قاطنين، ووو… فهل يعلمني أحدٌ
بوجود مثل هذا القانون الخاص؟ «حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس
وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي
يبينها القانون، بشرط عدم المساس بالدين والنظام العام…». المعني هنا
مؤسسات المجتمع المدني، في رفدها لأجهزة الدولة، بتبيان ومعالجة وتثقيف
العامة، بحقوقهم وواجباتهم، تجاه كل ما يتبدى من السلطات والمجتمع من
إيجابيات وسلبيات، والتواصل فيما بينها ومع الجهات المختصة المحلية
والإقليمية والدولية، لاستقاء الخبرة والمساندة، ولم يشترط الدستور إلا عدم
المساس بالدين والنظام العام، الذي صاغه الدستور في مجمل مواده الأخرى من
حرية المعتقد وحرمة المساكن، وحرية الضمير والرأي… الخ، فما بال السلطات
تحارب من اختلف معها وعرّى نواقصها، بالإهمال والمضايقات، مقابل المساندة
المادية والمعنوية، لمن والاها من هذه المؤسسات.

«للأفراد حق
الاجتماع الخاص دون حاجة إلى إذنٍ أو إخطارٍ سابق، ولا يجوز لأحد من قوات
الأمن العام حضور اجتماعاتهم»، «الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات
مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون، على أن تكون أغراض
الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة». حقّ الاجتماع الخاص، لم
يحدّد الدستور صفته بعدد حاضريه، فكل من ارتضاه الداعون إليه، هم حضوره،
ومكانه ملكاً أو حيازة خاصة للمكان من قبل أشخاص طبيعيين أو اعتباريين،
ومَنْع الدستور حضور هذه الاجتماعات على قوات الأمن العام، أساسه صفتهم
ومهامهم الرسمية وليست الشخصية، أما الاجتماعات العامة فتمتاز عن الخاصة
بضخامة العدد وإشغال المساحات الأكبر، وربما العامة، فأباحها الدستور وفقاً
لقانون، واشترط وصفها بأن تكون أغراضها ووسائلها سلميةً ولا تنافي الآداب
العامة، فليس للقانون أن يمنعها مسبقاً، إلا في حالة تصريح القائمين عليها
بأن أغراضها ووسائلها غير سلمية، وليس للقانون أن يفضّها، إلا إذا بادرت
بالعنف في الغرض والوسيلة، وهذا لا يشمل حالات اعتداءات عليها من قبل أي
جهة كانت، رسمية أو إجرامية، فإنها بذلك تستحيل إلى حالة اعتداء آخرين على
المجتمعين، الأمر الذي يوجب على قوات الأمن العام، حماية المجتمعين من هكذا
اعتداءات، ولم يوكل الدستور للقانون إباحة حضور قوات الأمن العام، إلا بما
نص عليه في تجاوز سلمية الأغراض والوسائل، من مثل المبادرة بحمل السلاح
مجاهرةً في بياضه أو سواده، مثل ما حصل من بعض الموتورين في بعض المناطق
قبيل قانون السلامة الوطنية، وليس للقانون أن يمنع حضور أجهزة الأمن
المختصة بتيسير حركة المرور مثلاً، وهذه الأجهزة ليس لها حمل السلاح.

«الدولة
هي وحدها التي تنشئ قوة الدفاع والحرس الوطني والأمن العام، ولا يُولى غير
المواطنين هذه المهام إلا في حالة الضرورة القصوى…». الضرورة القصوى هنا
هي استتباب الأمن الشعبي والوطني لا غير، وأترك للقارئ الكريم التعليق
هنا.

«لا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق والحرية»… وهذه المادة من أكمل مواد الدستور، ولم تَسلم.

«لا
يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن يتولى وظيفة عامة أخرى، أو أن
يزاول… عملاً صناعياً أو تجارياً أو مالياً…». أفتوني سيادتكم في حالات
الجمع بين الوزارات، وفي وضعية الاستثمار في الأراضي والعقار.

«لا
يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء إعلان الأحكام
العرفية…». وحالة السلامة الوطنية ليست منها، فكيف تُوصف التصرفات
اليومية لأجهزة الأمن في مدن وقرى الوطن، وحالات الموت في المعتقلات تحت
التعذيب، بغير الخروج على الدستور.

هذه بعضٌ من مليون وحالة من حالات الخروج على الدستور، آملين أن تهل علينا السنة الميلادية الجديدة ونحن بحال أفضل.


الرسالة السادسة: الأقوال مضافة إلى الأفعال

نحن لسنا من الجمعيات السياسية، ولسنا من الموالين للسلطات، إننا أفراد
ممن حلا للبعض وأسمانا بالأغلبية الصامتة. نحترم الرأي والرأي الآخر وحرية
التعبير، ونحترم العقائد في خلافها واختلافها، ونصون كرامة الإنسان، فلا
نسب ولا نشتم، ولا نتطاول ولا نتنابز بالألقاب، ديدننا العدل والمساواة.

نسمع
كثيراً من التصريحات الرسمية المتباعدة المواقف، على لسان الوزراء
المختلفين، ما يوحي أن هناك رؤى رسمية متناقضة، الأمر الذي يقودنا إلى الظن
بتفكك البنية الرسمية، في ذات السلطة التنفيذية (الحكومة) وفي صلتها
الطبيعية بالإرادة الملكية، فيجهل البعض، أو ربما يجزئ مقومات السلطة
الملكية، فيحصرها في ذات جلالة الملك المصونة، إلا أنها مؤسسة لها قوانينها
وعلاقاتها بمؤسسات الدولة الأخرى، ولها مواردها البشرية والمالية، فسمو
ولي العهد أحد أبرز أعمدتها، ولها إدارة تنفيذية برئاسة رئيس الديوان
الملكي، ويتبعه مدراء آخرون ومساعدو مدراء وموظفون، وينيب الملك ممثلاًً
شخصياً لجلالته للشئون الاجتماعية والتواصل الشعبي، ويفوض ولي عهده الجانب
الاقتصادي والسياسي.

إلا أنه ما أن تأتي مبادرة أو مشروع سياسي
لحلحلة الأوضاع الجاثمة على صدور الناس منذ العامين، حتى ينبري وزيرٌ في
الحكومة، لتفكيك رموز معادلتها، في تغليط فهم الطرف الشعبي للمبادرة، مرةً
في فبراير/ شباط 2011، حين تم التأكيد على أحقية الناس في التظاهر
والمطالبات الجماعية، من بعد إعلان الحداد الوطني على شهيدين، والأعلام
الوطنية مشدودة إلى أعلى أوتادها، في حين أنها تنكس في أصغر حداد وطني،
وعاد المحتجون إلى الدوار، ثم خرج علينا من الحكومة قائل، وحسب قوله
بالدليل، إن المعتصمين ليسوا مواطنين، بل طائفةٌ من الكفار أذناب صفوية
إيران، وقد أعدوا ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل، للانقضاض على الوطن،
تعاونوا بسياسييهم وحقوقييهم، وأطبائهم ومدرّسيهم وعمالهم، وطلابهم ونسائهم
وأطفالهم، بشيبهم وشبابهم وأجنة نسائهم، لاختطاف الوطن، فكان في مارس/
آذار 2011 ما حدث من انتهاكات، فجاء الأمر الملكي بتشكيل لجنة تقصي
الحقائق، التي أدانت الكثير من التجاوزات الدستورية والقانونية والحقوقية
والإنسانية والمواطنية، وقبلت السلطة جل ما أتى به تقريرها في نوفمبر/
تشرين الثاني 2011، إلا أن لفظ القبول، تعاكس مع الفعل، فلم نجد تنفيذاً
حقيقياً، بقدر ما رأينا التفافات على فحوى القبول بالتنفيذ. ولكي لا نتوه
كثيراً، فقد دعا السيدبسيوني السلطات إلى الحوار مع المعارضة، من بعد تأكيد
أن الحراك الشعبي، برِّئ من الانقياد لتوجيهات أي جهة خارجية، وخصّ الجانب
الإيراني بالذات، لعلمه أنها – أي إيران – هي السهم التاريخي الذي تُرمى
به أية تحركات شعبية، وأكد على ضرورة إطلاق حرية الرأي والتعبير،
والتظاهرات والمطالبات الجماعية، لأنها الوسيلة السلمية التي لابد وأن تجمع
في حوار ما بين المعارضة والحكم، وربما أوردها تأكيداً لصحة مبادئ مبادرة
ولي العهد، وأشار إلى ضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي،
إلا أن السلطات بحكم تداخل قرارات مستوياتها المختلفة، فإننا نرى أن ما
تقرره هذه الجهة، تنفذ خلافه تلك الجهة.

والحقيقة أن جميع السلطات
يتنافس أفرادها، فللاقتصاد أفراد، وللسياسة أفراد، وللخدمات أفراد، وللأمن
أفراد، كلٌ في مجاله، وقد غابت المؤسسات وغابت الرقابة الشعبية، لذلك
احتاجت السلطات إلى موالين، ينفذون مراميهم، ووجدوهم في القربى والمذهبية
والمصلحية، ما شقّ المجتمع إلى تركيبته السياسية والاجتماعية الحالية، وهي
بدورها برزت بوضوح في سنتي الصراع، ما بين الجانب الشعبي والجانب الرسمي،
والتي توسعت مظاهرها، إلى اعتماد قادة الموالاة على غرباء من خارج الوطن،
وعلى بسطاء من داخل الوطن، في تقوية صورية للموالاة، تمثلت في تظاهر
العمالة الوافدة إلى جانب الموالاة، على رغم قرار وزارة الداخلية بمنع
مشاركة الأجانب في التجمعات السياسية، وتحميل منظمي التظاهرات والتجمعات
مسئولية ذلك، وأيضاً في مشاركة غير مصنفين من طائفتهم، لا بمطالب ولا
ممارسة سياسية، في التظاهرات الموالية، جَمَعهم التحريض الطائفي، والإيهام
أنهم سينالون الحظوة، هكذا وبهذه البساطة، غرروا بالناس.

وقادة
الموالاة، في تحركاتهم الطائفية، وعبر الخطة المرسومة، لم يغفلوا عن نصوص
بيانات سائحة، مثل عدم تسييس القضاء، والمراد النيل من المعارضين ممن
يسمّونهم المجرمين والإرهابيين، مقابل التجاوزات القانونية والسياسية لصالح
الموالين، وحين التباكي على قتل النفس من غير حق، فهم يستثنون قتلى
المواطنين من الطائفة الأخرى، على أيدى قوات الأمن في الشوارع وتحت
التعذيب، وآخرها أن أحكام القضاء، صدمت أهل الفاتح، الاسم الذي تسمى به
قادة الموالاة، ليس ربطاً بمسجد الفاتح كما أشاعوا، بل بالجهة التى يدافعون
عنها، أي طائفتهم والسلطات، وهم القادة الذين تبنّوا أن البحرين خالصة
لطائفتهم، ووقفوا للدفاع عنها وعن أهلها، ضد أعدائهم من المواطنين من
الطائفة الأخرى والأغلبية الصامتة من طائفتهم، وأولئك المواطنون الذين
يقيسون المواطن بالمواطنة وليس الطائفة.

ويتحدث قادة الموالاة عن
الانشقاق الطائفي، في مظاهر ابتدعوها خصيصاً لتشويه المطالب الشعبية التي
تعم جميع المواطنين، ووصمها بالطائفية، من بعد التعايش والمجاورة والنسب،
فيما بين طائفتي المجتمع الأساسيتين، دهوراً طويلة، لعجز هؤلاء القادة
وتمنعهم عن المطالبة بها، لقاء تمييزهم، لا كطائفة بل لأشخاصهم، ويتساءل
قادة الموالاة، هل تُقدّم المكافآت للإرهابيين والمستمرين في أعمال العنف
والإرهاب، في الوقت الذي يحتاج الأمر إلى الصرامة والحزم، في تحريض
للمتنفذين في هذه السلطة أو تلك، الذين هم مصدر حظوتهم، المتمثلةً في
العطايا لهؤلاء القادة، والنسيان والضنك لتابعيهم، فالتابعون لدى قادة
الطائفية، ما هم إلا وقود لنار الطائفية التي يتدفأون بها، وهم على كراسي
الحظوة والتمييز، وهم فحم النار الذي يحترق، لينال القادة دخان العود
والطيب.

لذا ترانا نحن المواطنين اللاطائفيين، نستمد حقوقنا أسوةً
بحقوق شركائنا في الوطن، لا زيادة عليهم، ولا عنهم نقصان. نبراسنا المواطنة
المتساوية، والاحترام للمعتقدات على خلافها، ونحن كُثرٌ وفي ازدياد، فمن
يصافحني لأطبع على جبينه قبلة.

صحيفة الوسط البحرينية

اقرأ المزيد

الكويت ودول الخليج … من يسقط أولا؟

نتمنى عاما سعيداً ولكن ما نيل المطالب بالتمني. رسالتان، اقتصادية
وسياسية، ودعنا بهما باراك أوباما أو بالأحرى «فخخنا» بهما في انتظار من
يضغط على زر التفجير، وكالعادة قرأنا وما فهمنا، أو فهمنا وما صدقنا، أو
صدقنا وما استطعنا إلا… الصمت.


الرسالة الاقتصادية ان أميركا ستصبح مكتفية بإنتاج الغاز والنفط مع اكتشاف
الحقول الجديدة بل وستصبح مصدرة للطاقة إلى أسواق كانت تعتمد بالدرجة
الأولى على صادرات الخليج. نترك انعكاسات ذلك لحملة الآلات الحاسبة
وللمسؤولين في المنطقة الذين رسموا استراتيجياتهم على أساس أن العالم ما
زال يعتمد بشكل رئيسي على نفطنا… ونتذكر – فقط نتذكر – كم ضيعت الكويت
مثلاً من الفرص التنموية في كل المجالات وكم فرطت في نعمة ارتفاع أسعار
النفط من دون توجيه الفوائض إلى الصناعات البديلة والمشاريع العملاقة.


الرسالة السياسية، وهي مرتبطة بالأولى ارتباطا وثيقا، ان اكتفاء أميركا من
النفط والغاز وقدراتها التصديرية الجديدة سيغيران دعمها للأنظمة الموجودة
وسيسمحان لها بالحديث عن شرق أوسط مختلف، بل ذهب أوباما إلى التصويب على
«الديكتاتوريين» وهو مصطلح يعني في أعرافه ومفاهيمه جملة من التوصيفات،
تبدأ من عدم حصول تداول في السلطة مروراً بعدم وجود هيئات تمثيلية ورقابية
منتخبة وانتهاء بالاستفراد والتسلط والقمع.


وكوننا نقرأ ونفهم ونصدق ونحلل، فالموضوعية تقتضي ألا نضحك على بعضنا بعضا،
وان نسمي الأشياء بمسمياتها. أوباما في رسالتيه الأخيرتين يقصد دول الخليج
النفطية تحديدا. 


هل كشف ان أميركا كانت طيلة هذه العقود تبيع المبادئ من أجل المصالح؟ لا يهم، فلم نكن متوهمين يوما بان أميركا أم المبادئ. 
هل كان الرؤساء الأميركيون يكذبون في حديثهم عن الصداقات والتحالفات
والعلاقات التاريخية والاستراتيجية مع دول الخليج؟ بكل بساطة… ممكن و60
ألف ممكن.


هل كشف أوباما ان أميركا كانت تسايرنا من أجل سواد النفط لا من أجل سواد عيوننا؟ وحده الأحمق من يعتقد غير ذلك.
انكشف ما انكشف برسالتي أوباما، انما مرة جديدة يجب ألا ننشغل بتحليل نسبة
المبادئ والسكر والدهون في دماء السياسة الأميركية. هذا شغل الأميركيين.
علينا ان نهتم بمنطقتنا وتحديدا بـ «كويت ما بعد الرسالتين». فنحن وان كنا
غير معنيين بقضية الديكتاتوريات لكننا في صلب هموم كثيرة ومخططات كثيرة
وسيناريوهات كثيرة ترسم لا يمكن ان نغفل عنها.


الرسالتان، ومن دون مبالغة، قد تكونان سببا في تشكيل المنطقة لعقود طويلة،
وعلينا ان نستوعب ان كلام أوباما لم يكن وليد ساعته أو «هفوة» إعلامية،
تماما كما لم تكن المواكبة الأميركية الحثيثة للربيع العربي فجائية. هناك
كلمة سر بالتغيير، أو بدعمه، أو برفع اليد عن أنظمة والتضحية بها، أو
بانتظار نتائج تحركات الشوارع والميادين… وهناك قوى اقليمية كثيرة وجهات
أكثر تركب موجة التغيير وتنقض عليه وقد يكون ذلك بالتوافق غير المعلن مع من
كانت تعتبر «ام المبادئ». 


كان النظام الديموقراطي (نسبيا) في الكويت وخلال السنوات الخمسين الماضية
من أهم نقاط تميزها اقليميا. أسرة حكم وبرلمان منتخب وحكومة خاضعة للرقابة
وشعب بينه وبين حكامه عهد وعقد، ودستور ناظم للعلاقات بين السلطات
والمؤسسات. تدللنا كثيرا، وتراخينا اكثر، لأن بعضنا اعتبر الميزة التي
نملكها دائمة ومستمرة تماما كما اعتبر البعض النفط ثروة دائمة ومستمرة، إلى
ان بدأ الجميع باللحاق بركب الكويت في مجالات التنمية بشكل أساسي وفي
المجالات السياسية والدستورية بشكل تدريجي… وإذا استمرت الوتيرة على ما
هي عليه فلن نرى أي ميزة للكويت مستقبلاً خصوصاً إذا تقدم الآخرون وسبقونا
في المجالين السياسي والدستوري كما سبقونا في المجالات التنموية.


إذا لم تنتقل الكويت إلى نظام أكثر تطوراً فلن تحافظ على بقائها، نقول ذلك
ويدنا أكثر من غيرنا على قلبنا. نقول ذلك ونحن نرى أضلاع المثلث: الأسرة،
السلطات والمؤسسات، الشعب… غير ذي قبل. 


بعد أكثر من خمسين سنة على اقرار الدستور لم تتمكن أسرة الحكم من اقناع
الناس بوجود صف ثانٍ أو ثالث مؤهل وقادر على الإدارة والمبادرة وتحمل
المسؤولية والوقوف على مسافة واحدة من الجميع والارتقاء فوق الصراعات وان
يكون القدوة في تطبيق القوانين والالتزام بالدستور. طبعا أصابع اليد ليست
واحدة لكن التحضير بمعنى التأهيل المنظم المدروس لم نره حتى الآن… بل
رأينا عكس ذلك من بعض أبناء الصفين الثاني والثالث.


وبعد أكثر من خمسين سنة على اقرار الدستور ها هو الأداء البرلماني والحكومي
من سيئ إلى أسوأ. لن نطيل في هذا الموضوع لان الضرب في الميت حرام. يكفي
ان نقول ان وسائل إعلامنا ما زالت تستذكر بالخير محاضر المجلس التأسيسي
الأول لإظهار الفارق بين اللغة الحضارية والقدرات التشريعية آنذاك وبين لغة
الحاضر وقدرات البعض اليوم. أما الحكومات فانتصاراتها تتمثل في ضعف
البرلمان وشراء الذمم وعقد الصفقات وحماية الرؤوس. وبين المجلسين
المتعاقبين على مر عقود اصبحت الكويت «منارة» للعمل الفردي الشخصاني
المصلحي والغرائز الطائفية والقبلية والمذهبية.


وبعد اكثر من خمسين سنة ها هم الكويتيون وعلى رأسهم جيل الشباب يدفعون ثمن
كل ما سبق وتنعكس عليهم أسوأ سلبياته. هل شباب الكويت الحائر اليوم بين
دوائر البطالة وميادين السياسة وساحات الحراك الشعبي راضٍ عما يراه ويعيشه؟
الجواب معروف، فعندما تتعطل بوصلة الإدارة يسود الضياع، وعندما تتراكم
الايجابيات والخبرات تتكون سلسلة مترابطة من التواصل بين الاجيال تفيد
وتستفيد… لكن هذه السلسلة مقطوعة للأسف في أكثر من مكان. لقد اهملت
الحكومات المتعاقبة الشباب كعنصر استراتيجي باعتباره الضلع الأهم، تعاملت
معهم كما تتعامل التيارات السياسية والمرشحون للانتخابات، كل حسب المصلحة
والظرف، ما أدى إلى فراغ كبير يسمح لأي طرف بملئه ولو على حساب الشباب
انفسهم. 


لو كان النظام السياسي الكويتي يملك رؤية عميقة ومستقبلية لتم استيعاب
الجميع في الإدارة والشراكة، ولسبقت الكويت نظراءها في تطوير التجربة
بإشهار احزاب وفق برامج وطنية تنموية حديثة لا تيارات طائفية أو مذهبية أو
قبلية كما يحصل الآن، ولاتسعت المشاركة في السلطة على قواعد التحول إلى
إمارة دستورية بالتدرج كما سمح الدستور لا كما تفرض الازمات، ولاستقام وضع
الغالبيات والاقليات السياسية في المجلس والحكومة، ولتم استيعاب مختلف
مكونات المجتمع وعلى رأسهم الشباب في قنوات التحرك والتعبير الشرعية على
قاعدة برامجهم هم، واهدافهم هم، ورؤاهم هم، وجذبهم هم للحكومة والنواب إلى
قضاياهم… لا على قاعدة استغلالهم في التجاذب بين مجلس وحكومة.


ما نيل المطالب بالتمني، ومع ذلك أتمنى ان يقرأ المعنيون ما سبق بعين أخرى
غير العين التي قرأوا بها تصريح أوباما… اللهم إلا إذا اعتقد المعنيون
عندنا ان الكويت هي آخر من سيتأثر من دول الخليج بينما الواقع يقول إنها قد
تكون أول من يتأثر.


أتمنى أن أكون مخطئاً، وأن يكون نيل المطالب… بالتمني.




جاسم بودي
جريدة الراي الكويتية
اقرأ المزيد

حصيلة 2012… روح الديمقراطية زرعت في الساحة العربية-شفيق الغبرا


لم ينتهِ الربيع العربي الذي انفجر مع الثورة التونسية ثم المصرية، بل بالكاد نجده قد بدأ، فطوال العام 2012 اتضح أن إزالة الدكتاتور وجماعته لن تتعدى كونها خطوة ضرورية أولى في طريق طويل لتحقيق تحول ديمقراطي.
 
جاءت المرحلة الأولى بتكاليف مقبولة في كل من مصر وتونس ونسبياً في اليمن، وبكلفة مهولة في ليبيا وسورية. لهذا دخلت أنظمة ما بعد الثورات في مراحل متداخلة وانتكاسات ومنعطفات تعكس تراكمات العقود المهدورة في الحياة السياسية العربية. فبعد سقوط الرئيس مبارك في مصر بدأ صراع محموم مع الجيش انتهى بانتخاب رئيس للجمهورية ووصول جناح من الثورة إلى السلطة ممثلاً بالتيار الأكثر تنظيماً في المجتمع: «الإخوان المسلمين».
 
لكن بعد سقوط النظامين المصري والتونسي اكتسبت الأفكار والقوى الإصلاحية في البلدان العربية ذات الأنظمة الملكية زخماً شعرت به كل دول المنطقة. فإلى أين نتجه؟
 
لقد أدى انتخاب رئيس الجمهورية في مصر وقبلها في تونس إلى فتح الباب طوال عام 2012 لصراعات جديدة بشأن مدنية الدولة. فسرعان ما تبين أن «الإخوان المسلمين» غير قادرين على التنصل من موضوعات إسلامية كانوا قد طرحوها في السابق. وبينما يسجل أن «الإخوان» سعوا للتأقلم مع الواقع الجديد، إلا أن تصاعد قوة السلفيين في مصر جر «الإخوان» إلى المواقع السلفية وأدخلهم في صراع تخللته حالة من العنف مع القوى المدنية المصرية بشأن الحقوق والدستور والحريات ووضع المرأة ومكانة الأقباط والديانات الأخرى.
 
في هذه المواجهة بين «الإخوان المسلمين» والتيارات المدنية، ورغم إقرار دستور يفتقد للإجماع في مصر، أعادت القوى المدنية المصرية تنظيم صفوفها ورفعت من قدرتها على التأثير. وفي الوقت نفسه اتضح أن وضع «الإخوان» تراجع أمام الرأي العام. فقد جرت نقاشات في صفوفهم عن تنفيذ الأوامر وديمقراطية التنظيم كما حصلت انشقاقات بين شباب «الإخوان» لصالح التيار المدني.
 
إن الرأي العام المصري بدأ يميل في المرحلة الأخيرة لمن يقدم له الحلول وبصورة أقل لمن يقدم له الأيديولوجيا والوعود. لهذا فإن تأثير الأحداث لم يقتصر فقط على العلاقة بين «الإخوان» والفئات المدنية أو بينهم وبين الرأي العام بل نجده يمتد إلى العلاقة بين «الإخوان» و «الإخوان».
 
ما وقع في مصر أصبح حدثاً عربياً بامتياز، فتجربة «الإخوان» في السلطة انعكست على تجارب القوى المدنية والدينية في المجتمعات العربية، ما يساهم في إنضاجها وإنضاج العلاقة بين مكوناتها. ويتضح أن الاستحواذ والعزل (سواءً كان مصدره إسلامياً أو مدنياً) لن يكون ممكناً في التجربة العربية القادمة، بل سيكون، لو وقع، مدخلاً لاستنزاف القوى الدينية والمدنية، ما يمهد لعودة الجيش إلى السلطة.
 
الواضح أن روح الديمقراطية قد زرعت في الساحة العربية، فمع أسوأ الاحتمالات (تدخل الجيوش) لن يكون بالإمكان فرض التسلطية لفترة طويلة وذلك نظراً لطبيعة التغيير الذي يعم البلدان العربية وعلى الأخص في صفوف الجيل الصاعد. إن سياسة الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية بين المكوّن الإسلامي والمدني الحقوقي هي الفرصة الممكنة لإنضاج الديمقراطية العربية التي تحترم كل المكونات والأقليات في مرحلة ما بعد إسقاط الأنظمة الدكتاتورية. فهل يقع بعض من هذا في عام 2013؟
 
تبدو الأنظمة الملكية من جهة أخرى، وبعد مرور عامين على الربيع العربي، صامدة ومتخوفة في الوقت نفسه وذلك لأنها تتعرض لضغوط داخلية للإصلاح. وعند التدقيق في المشهد الملكي العربي نلاحظ أن حراك الأردن في عام 2012 وصل إلى مرحلة مفصلية من خلال ردود الفعل الشعبية على قيام الحكومة الأردنية بسحب الدعم عن بعض السلع الأساسية.
 
إن الطريق لاستيعاب هذا الوضع يتطلب مبادرة من قبل الدولة تركز على إصلاحات تساهم في تغيير المعادلة لصالح الشعب وممثليه. لكن المؤشرات الراهنة تشير إلى أن خيار الإصلاح سيتأخر في الأردن. فالتصويت للبرلمان الأردني وفق الصوت الواحد ومن دون قوائم حزبية ولوائح نسبية لتحقيق أغلبية في البرلمان يعكس استمرار الخلاف السياسي عام 2013 في الأردن بين المكون الشعبي والمكون غير الشعبي.
 
وفي الكويت نمط آخر من الاختلاف السياسي عبر عن نفسه من خلال حراك شبابي سيطر على البلد طوال عامي 2011 و2012، ونتجت من سياسة الانتخاب وفق الصوت الواحد (بلا أحزاب وبلا قوائم أيضاً) في ديسمبر/ كانون الأول 2012 مقاطعة ضخمة من قبل أغلبية الشعب، كما وقعت سلسلة مسيرات وصل بعضها إلى أكثر من مئة ألف مشارك من أصل مليون كويتي.
 
الكويت لا تواجه أزمة اقتصادية وفقراً وبطالة كما هو قائم في دول ومجتمعات عربية أخرى، لكنها تواجه أزمة سياسية جوهرها فصل السلطات وتعميق الحريات واستقلال القضاء والحد من الفساد، وإنضاج الظروف للحكومة الشعبية، وهذا يتطلب إنشاء الأحزاب وإقرار القوائم النسبية. الأزمة في الكويت تتداخل مع شعور منتشر بالإقصاء نجده يتعمق بين فئات رئيسية في المجتمع. في ظل هذه التطورات أصبحت فكرة الحكومة الشعبية والمنتخبة مطروحة في الشارع الكويتي، وهذا يعني أن هذه الفكرة سوف تزداد تدحرجاً في العام 2013.
 
وبإمكان السلطة التنفيذية في الكويت تأخير إنضاج هذا الوضع وتبعاته لو قامت المحكمة الدستورية في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، عندما تفصل في الأمر، بإبطال مجلس الأمة الراهن واعتباره غير دستوري. وقد أكد الأمير الشيخ صباح الأحمد انه سيلتزم بقرار المحكمة مهما كانت طبيعته. لكن من جهة أخرى إن عدم قيام المحكمة بإصدار قرار من هذا النوع سوف يهز ثقة الشعب في القضاء، ما سيساهم في تعميق الحراك السياسي الساعي للإصلاح السياسي. إن التأخر عن تحقيق الإصلاح سيعمق الاختلاف مع قوى سياسية وشعبية شبابية عريضة، ما سيزيد الاعتماد على حلول أمنية ترفع من حدة الاحتقان.
 
وفي البحرين سيطر الجمود السياسي طوال عام 2012 على المشهد وسط تحركات شعبية. ورغم وجود حالة مستتبة للأمن في بعض المناطق إلا أن مناطق أخرى في البحرين تعيش وضعاً غير مستقر. وبين النظام والمعارضة تستمر البحرين في احتقانها ومأزقها السياسي الذي ينتظر حلاً سياسياً يحافظ على مكونات الدولة والشعب ويطوّر مكونات السياسة نحو الديمقراطية.
 
إن الشعوب العربية، بما فيها دول ومجتمعات الخليج والجزيرة العربية، تتغير بسرعة كبيرة وذلك لأنها بدأت تسعى للتعبير عن نفسها بطرق وأشكال مختلفة نجد لها خير تعبير في وسائط التواصل الاجتماعي. وتمثل الحراكات الشبابية الجديدة جوهر التغيير وقوة الرفد الرئيسية التي لا يمكن إيقاف نموها وتطورها. لكن الأخطر على الوضع أن السلطات المنشغلة بالإدارة اليومية لن تكون قادرة على رصد التغير في الوسط الشعبي والشبابي من كل جوانبه، لهذا من الطبيعي أن تراه بصورة جزئية بصفته امتداداً لنفوذ «الإخوان المسلمين» أو غيرهم من الحركات. لكن الأمر مختلف على الأرض، فـ «الإخوان» في بعض الساحات فصيل عادي، بينما المحرك الحقيقي هو تلك الجاذبية الكبيرة التي تحيط بحرية التعبير. إن الحرية بما لها من جاذبية تتفوق على نقائضها، لهذا حققت ما حققت من نجاح في البلدان العربية في فترة قياسية.
 
إن الحلول الأمنية من اعتقال ورقابة ومنع وحجز وغيرها من الوسائل سوف تسرع من انتشار روح التمرد في كل البلدان العربية. لم يعد الحل الأمني يمثل حلاً، بل يتضح بعد سقوط بعض أقوى الأنظمة العربية: العراق وسورية وليبيا بالتحديد، أن قوة الأمن والجيوش يجب أن تتجه إلى أعداء الخارج ولخدمة المواطن وليس لضربه واستباحته. هذه مرحلة تاريخية مفصلية لا تختلف كثيراً عن المراحل المفصلية التي عمت دول العالم. عندما يحين وقت فكرة علينا فهمها من كل جوانبها والتفاعل معها في كل أبعادها ثم أقلمتها مع واقعنا بدل مقاومتها بآليات مستمدة من الماضي ما يحولها بين يوم وليلة إلى إعصار يقتلع كل ما يقف أمامه.
 
شفيق الغبرا
صحيفة الوسط البحرينية – الجمعة 04 يناير 2013م

 
 

اقرأ المزيد

هل فُصل الأعضاء البلديون بطلب من الحكومة؟


في سقطة لسان، عاد واعتذر عنها لاحقاً، قال أحد أعضاء مجلس بلدي المحرق يوم الأربعاء الماضي عند مناقشة إمكانية عودة ممثل الدائرة السادسة محمد عباس الذي أسقطت عضويته في فترة السلامة الوطنية في العام 2011 بالنص:

” إن الموضوع خرج من إرادة المجلس باعتبار أن الوزير أقرّ التوصية كما يجب على العضو المقال أن يتقدم شخصياً للمجلس ويقدم اعتذاره لأنه أخطأ في شخص الحكومة. ثم أن الأخيرة هي من طلبت منا إقالته». ولكنه عاد وقال بعد انتهاء الجلسة «ما صرحتُ به بشأن طلب الحكومة من المجلس إقالة العضو مجرد هفوة، وإنني لم أقصد ما صرحتُ به”.

والسؤال هنا: ما الذي تعنيه يا أخي العزيز أنك لم تقصد ما صرحتَ به، وما هو قصدك بالتحديد؟ هل طلبتْ منكم الحكومة إقالة الأعضاء البلديين أم لم تطلب؟ في خطوة انتقامية غير مسبوقة عالمياً أقدمت المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة بفصل أكثر من 4000 موظف وعامل من وظائفهم على خلفية أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011. عمليات الفصل طالت مختلف المهن والتخصصات بتهمة المشاركة في المسيرات والتظاهرات التي حدثت حينها، ولم يسلم حتى ممثلو الشعب المنتخبون من هذه الظاهرة، حيث فُصل أربعة أعضاء من مجلس بلدي المحافظة الوسطى، وعضو من المجلس البلدي لمحافظة المحرق.

ففي 25 أبريل/ نيسان 2011، صوّت مجلس بلدي المنطقة الوسطى بموافقة 5 من أعضائه ضمن جلسة استثنائية عقدها، على إسقاط عضوية 4 أعضاء من كتلة الوفاق البلدية، فيما صوّت مجلس بلدي المحرق على إسقاط عضوية أحد الأعضاء، والأعضاء المسقَّطة عضويتهم هم: نائب رئيس المجلس عادل الستري، وممثل الدائرة الأولى حسين العريبي، وممثل الدائرة الخامسة عبدالرضا زهير، وممثل الدائرة السادسة صادق ربيع، إضافة إلى ممثل الدائرة السادسة بمجلس بلدي المحرق محمد عباس.

لم يقتصر أمر إسقاط العضوية على مخالفة الإجراءات المتبعة حيث تم كل ذلك في أقل من 24 ساعة، ولم تُتَحْ الفرصة للأعضاء المقالين للدفاع عن أنفسهم، وإنما أُبلِغوا بقرار الفصل المعدّ بشكل مسبق خلال جلسة استثنائية، كما تم تجاوز القانون عندما صوّت 5 أعضاء من مجلس بلدي الوسطى لإسقاط عضوية أربعة أعضاء آخرين، في حين ينص القانون على أن إسقاط العضوية لا يتم إلا بأغلبية الثلثين، حيث تنص المادة (16) من فصل المجالس البلدية من مرسوم القانون رقم (35) لسنة 2001 بإصدار قانون البلديات، على أنه «تسقط العضوية عن عضو المجلس بقرار من المجلس البلدي بأغلبية ثلثي أعضائه، وذلك في حال إخلاله بواجبات العضوية. ويجب في جميع الأحوال صدور قرار من المجلس بسقوط العضوية وخلو المكان بعد دعوة العضو لسماع أقواله».

جميع هذه الوقائع تشير إلى أن المجالس البلدية لم تكن هي من اتخذت القرار وإنما هي من نفذته.
 
صحيفة الوسط البحرينية
الجمعة 04 يناير 2013م

اقرأ المزيد