المنشور

وهج الكتابة: حب الأدباء: سارتر وسيمون دبفوار مثالاً

بقلم: عبدالحميدالقائد

من أجمل رسائل الغرام تلك التي يتبادلها الشعراء والكتّاب والمبدعون عموما فيما بينهم. رسائل وقصائد وحتى لوحات تشكيلية تعبّر عما يدور في دواخلهم. رسائل وقصائد تظل طازجة وساخنة على مرِّ العصور. في الوطن العربي ما زالت الرسائل الباقية منذ سنوات طويلة تتحدث عن مشاعر الحب بين جبران خليل جبران ومي وزيادة ورسائل وقصائد عباس محمود العقّاد إلى مي زيادة، ورسائل الشهيد غسان كنفاني إلى غادة السمّان ورسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان (إن صدق كلام الأخيرة). رسائل حب يمكن أن تعتبر صنفًا أدبيًا قائمًا بذاته. في العصر الأندلسي ما زالت قصائد ابن زيدون تنبض بالحياة إلى ولاّدة بنت المستكفي وقصائد الأخيرة إلى ابن زيدون. أجمل مشاعر الحب التي لا ينساها التاريخ. هذا على المستوى العربي، اما على المستوى العالمي، لا تنسى الساحة الثقافية رسائل الكاتب الأمريكي هنري ميلر إلى الكاتبة الأمريكية أنيس نين. كتب ميلر مرة اليها: «أحبك والنافذة مفتوحة، أنت لي، والأشياء لي، وحبي يغير الأشياء من حولي». فيما بعد عشق آرثر ميلر الفنانة الفاتنة مارلين مونرو ووصفها: «كانت كالضوء الذي يحيطني، تثيرني تناقضاتها وغموضها. الفتاة الأكثر حزنًا التي قابلتها في حياتي». فيما كتبت مارلين مونرو ذات مرة عن هذا العاشق الذي اقترنت به: «رقته ترتعش في سكونه وعيناه لا بد أنهما تطلان بذهول من كهف الصبي الصغير».

ومن أجمل ما شهدته الساحة الثقافية علاقة الحب بين الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان بون سارتر (21 يونيو 1905 – 15 ابريل 1980) والكاتبة وصاحبة نظرية الحركة النسوية سيمون دبفوار (9 يناير 1908 – 14 ابريل 1986). والغريب في الموضوع، أن سارتر عرض عليها الزواج فرفضت ولكنها قضت كل حياتها معه من منطلق أنها لا تؤمن بما يسمى ببيت الزوجية. ففي كتاب «شاهد على حياتي: رسائل جان بول سارتر لسيمون دي بوفوار، 1926 –1939«كتب سارتر إلى سيمون: «لوقت طويل انتظرتُ أن أكتب لكِ، في المساء بعد واحدة من تلك النُزهات مع الأصدقاء التي سأصفها عن قريب في «هزيمة»، ذاك النوع حيث يكون العالم لنا، وقد أردتُ أن أُحضر لكِ فرحة المُنتصر وأضعها تحت قدميكِ كما فعلوا في عهد ملك الشمس، ولكنَّني عندما أتعبُ من الصراخ أذهب دائمًا للنوم، واليوم أنا أقوم بهذا لأشعر بلذَّة لا تعرفينها بعد، لذَّة التحوُّل فجأة من الصداقة للحُب، من القوَّة للرقَّة؛ هذه الليلة أُحبِّكِ بطريقة لم تعرفيها بي بعد، فأنا لستُ مُتعبًا من السفر ولا ملفوف برغبتي بحضورك، أنا أحترف حُبِّي لكِ وأحوِّلُه داخلي كجزء مُتأصِّل منِّي؛ يحدُث هذا أكثر بكثير مما أعترف به لكِ ولكن نادرًا وأنا أكتبُ إليكِ، حاولي أن تفهميني؛ أنا أُحبِّكِ بينما أنتبه للأشياء الخارجيَّة، أحببتكِ ببساطة في تولوز، والليلة أُحبُّكِ كمساء ربيعي، أُحبُّكِ والنافذة مفتوحة، فأنتِ لي والأشياء لي ولكنَّ حُبِّي لكِ يُعدِّل الأشياء حولي وتُعدِّل الأشياء حولي حُبِّي لكِ». وفي رسالة أخرى كتب اليها: “فتاتي الصغيرة العزيزة، أخبرتكِ ما ينقُصكِ في الصداقة، ولكن الآن وقتُ نصيحة عمليَّة أكثر، ألا تستطيعين إيجاد صديقة امرأة؟ كيف بإمكان تولتوز ألا تحتوي على امرأة مُفكِّرة واحدة تستحقكِ؟ ولكن ليس عليكِ أن تُحبيها، فأنتِ للأسف دائمًا مُستعِدَّة لتُعطي حُبَّك وهو أسهل ما يُمكن أخذه منك، وأنا لا أتحدَّث عن حُبِّكِ لي، والذي يتخطَى ذلك، ولكنَّكِ مُبذِّرة بمحبَّتكِ الثانويَّة، مثل تلك الليلة في تيافيريز عندما أحببتِ الفلاّح الذي كان ينزل التل في الظلام مُصفِّرًا والذي اتضح أنَّه كان أنا. حاولي أن تعرفي الشعور الخالي من الرِّقة الذي يأتي من أن تكونا شخصين، إنَّ الأمر صعب لأن كُل الصداقات حتى تلك التي بين رجلين بدم أحمر فيها لحظات من الحُب، فعلي أن أواسي صديقي الحزين فقط لأحبَّه، إنَّه شعور يضعُف بسهولة ويُشوَّه، ولكنَّكِ قادرة أن تشعري به ويجبُ عليكِ أن تُجربيه، ومع هذا ورُغم شعورك بكراهيَّة الناس، أتتخيَّلين كم ستكون تجربة جميلة أن تبحثي في تولوز عن امرأة تستحقك ولا تقعين في حُبِّها؟ لا تلتفتي للجانب الجسدي أو الاجتماعي للموقف، وابحثي عن الصدق وإن لم تجدي شيئًا فحوِّلي هنري بون والذي لا تُحبينه بعد الآن إلى صديق».

 سيمون دبفوار اشتهرت ككاتبة ومفكرة فرنسية وناشطة مهتمة بقضايا المرأة وكان لها تأثير واسع على الحركات النسائية عبر العديد من الروايات والكتب التي أصدرتها وخاصة كتابها «الجنس الآخر» الذي صدر عام 1949. بيع منه مليون ومئتي ألف نسخة وقد تُرجم إلى 27 لغة. كانت النقطة الإنتقالية في حياتها تعرّفها على فيلسوف الوجودية الأشهر «جان بول سارتر» عندما كانت في بداية العشرينيات ورافقته العمر كله، وخاضت معارك فكرية ضارية ضد استعباد النساء.

وبالرغم من علاقتهما الإستثنائية الوطيدة، كانت هناك تناقضات غريبة في حياة سارتر وسيمون، حيث أنها لم تتردد في خيانته مع الكاتب الأمريكي «نيلسون أليغرين» بل تبادلت معه رسائل حب عديدة نشرتها الصحف الفرنسية، فيما عاش سارتر علاقات أخرى إلى جانب علاقته مع سيمون، حيث وضعا معًا قاعدة غريبة تقول «أخونك بمعرفتك» لكي تسير حياتهما دون أن تدمرها الغيرة التي اعتبراها عادة برجوازية. والأغرب في الحكاية، أن سيمون دي بوفوار عُرفت بميولها المثلية حتى أن احدى تلميذاتها اتهمتها بالتحرّش الجنسي أثناء تدرسيها. وقد اعترفت بذلك في مذكراتها التي نشرتها فيما بعد.

ليس هذا فحسب، بل وُجهت اتهامات كثيرة للكاتبة الفرنسية بخصوص التحرش، وبأنها كانت تستدرج طالباتها القاصرات لإقامة علاقات جنسية معها ومع سارتر. ويقال بأن آخر عشيقة لسيمون دي بوفوار وجون بول سارتر كانت الطالبة «نتالي» البالغة من العمر 17 عامًا، وكانت سببًا في سحب رخصة التعليم منها مدى الحياة بناءً على شكوى مقدمة من الدتها للسلطات الفرنسية بتهمة التحرّش. عالم غريب، كتَاب أغرب، وأمراض نفسية خطيرة عاشها بعض الأدباء مثل هؤلاء وتصرفوا بشكل متناقض تمامًا مع ما يكتبونه وما يدّعون به. انه اللامعقول في زمن فقد عقله!.

اخبار الخليج العدد 14631

السبت ١٤ أبريل ٢٠١٨