المنشور

الفساد وسرقة المال العام في البلدان العربية


فاضل الحليبي
القمع والاستبداد الظاهرة السائدة في البلدان العربية بالنظر لطبيعة تكوين الأنظمة السياسية فيها منذ مرحلة ما قبل الاستعمار وما بعده، حين نالت الدول العربية استقلالها. لم تستقِم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان فيها ولا توجد نماذج تُذكر في العقود الماضية، حيث كانت الصراعات والانقلابات عناوين تلك المرحلة. وربما يقول قائل إن تركة الاستعمار ووجود الكيان الصهيوني، وكذلك قيام الحروب سواء مع الكيان الصهيوني أو الاقتتال الداخلي كالحرب الأهلية اللبنانية، والخلاف بين جناحي حزب البعث في سوريا والعراق، الانقلاب على التوجهات الناصرية بعد موت الزعيم جمال عبدالناصر في سبتمبر من عام 1970 من قبل السادات وعقد السلام مع الكيان الصهيوني في عام 1979، كانت كلها عوامل في عدم تحقيق التنمية وبناء مجتمعات ديمقراطية.

لم يكن هناك تحولات ديمقراطية حقيقية في البلدان العربية حتى من قبل الانظمة التس صنفت كجمهوربة ثورية، وإنْ كانت غالبيتها قادمة من خلال انقلابات عسكرية، ترفع الشعارات الكبيرة الفارغة من المضامين لتغيير جذري في الوعي المجتمعي نحو بناء المنظومة الشاملة لأسس الدولة الحديثة المدنية القائمة على التعدد والتنوع في المجتمع لتقويم الأفكار والسياسات الاقتصادية والتنموية من خلال خطط وبرامج تنفذ على مدار السنوات، وتؤسس للتحولات الديمقراطية وتطلق العنان لقيام المجالس النيابية المنتخبة، وحرية الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة غير التابعة للحزب الحاكم وتسلط أجهزته الاستخباراتية، ولكن الذي كان يحدث هو عسكرة المجتمع في أكثر من بلد عربي، وزادت الميول المحافظة والرجعية بدلاً من علمنة المجتمع، لتبرز فيما بعد نتائجه المدمرة في صور التطرف والغلو الديني في أكثر من بلد عربي، ظهرت تجلياتها في أحداث ما عُرف بالربيع العربي عام 2011 ولازالت تداعياتها مستمرة .

ما يجري اليوم في العراق ولبنان ضد الفساد والفاسدين وسارقي المال والمحاصصة الطائفية، من قمع وقتل للمتظاهرين ضد السلطات السياسية الفاسدة حيث كدّس العديد من القادة السياسيين الملايين والمليارات من الدولارات من أموال الشعب، وأصبح البعض منهم بين ليلة وضحاها من الأثرياء في الوقت الذي كان يجب أن تصرف تلك الأموال في انجاز البنى التحتية والفوقية، وتصرف في المشاريع التي تنتشل الناس من الفقر والحرمان وتوفر العمل والدراسة والصحة والسكن وكل متطلبات الحياة الكريمة للمواطن، فعندما ينتشر الفساد في جسد الدولة تأكد بأن الرؤوس فاسدة، فالعموم من الناس يدخلون في “سيستم” الفساد لأن الرأس فاسد فلا غرابة بأن يعم الفساد في كل أجهزة الدولة.

ولكن عندما يسود القانون على الجميع ويتم الالتزام به، وتكون للسلطة القضائية القوية الهيبة المشرفة في أوساط الناس والمجتمع، تتصدى للفساد والفاسدين، عبر قضاة مشهو لهم بالإستقامة والنزاهة، وتكون هناك السلطة التشريعية القوية التي لديها الصلاحيات التشريعية الواسعة وفقاً لدستور الدولة، وتصبح السلطة التنفيذية مراقبة ومحاسبة على أدائها من قبل السلطة التشريعية ولا تخشاها، وتكون السلطة الرابعة، الإعلام بكل تنوعاته، مرآة عاكسة لقضايا ومشاكل الناس، يفضح ويعري من يسرق المال العام ويلاحق المرتشين والفاسدين ويعمل على أن يُقدموا إلى المحاكمات العادلة، ويسود مناخ من الفصل الحقيقي بين السلطات ساعتها سوف يقضى على الفساد أو على أقل تقدير يقلل من انتشاره وتنتعش معدلات التنمية في البلاد ينمو الاقتصاد ويرتفع مؤشره نحو الأفضل.

في بلادنا البحرين يصدر كل عام ديوان الرقابة المالية والإدارية تقريراً مهنياً واحترافياً، حتى بلغنا هذا العام نسخته السادسة عشر ويتضمن العديد من المخالفات في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية وبعضها يتكرر كل عام، لكن دون محاسبة ومساءلة المتورطين في تلك المخالفات، ولم نسمع أو نقرأ بأن مسؤولاً ما تمّ تقديمه للنيابة ليكون عبرة للآخرين، ولكي يقلل الفساد المالي والإداري في تلك الوزارات والمؤسسات الحكومية، لذا أصبح الناس لا يكترثون بتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية ولا يهتمون به صدر أو لم يصدر، لأنهم يروا بأم أعينهم أنه لا يغير من الواقع شيئاً.

الفاسدون والمرتشون في مواقعهم وكأنّ لسان حالهم يقول: قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل مانريد. لا توجد جدية من قبل الحكومة ولا إرادة قوية يتوحد عليها مجموعة من النواب الأحرار في قراراتهم لفعل شيء حقيقي داخل مجلس النواب يختلف عن الدورات السابقة، ونأمل بأن يتم التوافق مع أعضاء كتلة “تقدّم” على توحيد الموقف تجاه التقرير الأخير، بما يحد من الفساد، ويقلل من مؤشراته، ويرفع من مكانة البحرين في هذا المجال.