المنشور

الإنتفاضات العربية والبعبع المخيف


جلال إبراهيم

البعبع لغةً، صُورَةٌ خَيالِيَّةٌ لِحَيَوانٍ مُرْعِبٍ، الغُولُ، طَيْفٌ مُخيفٌ يُخَوِّفُ الأطْفالَ. يتعامل الكثير من الأنظمة الحاكمة المستبدة والأحزاب العربية مع شعوبهم كما يتعامل الكبار في تخويفهم للأطفال بالبعبع الخيالي.

فأيما شعب من الشعوب العربية سولت له نفسه وخرج إلى الساحات والميادين صارخاً بأعلى صوته من أجل حريته وكرامته وتحقيق حلمه في نظام سياسي يحترم حقوقه السياسية والمدنية إلا وتمَّ قمعه بوحشية وتخويفه بالبعبع. وهذا البعبع يأخذ صوراً مختلفة: إسرائيل، داعش، الصراع الطائفي، الفراغ والفوضى، الحرب الأهلية.

التنوع الديني والمذهبي والعرقي ليس حكراً على المجتمعات العربية. لذلك لا يعد هذا التنوع مبرراً للهروب من التحول نحو دولة المواطنة والديمقراطية. يوجد في جمهورية سويسرا تنوع ثقافي وإثني ولغوي هائل ومع ذلك تشكل هذه الدولة نموذجاً حضارياً راقياً ومتقدماً في التعايش السلمي وتداول السلطة وفي الحريات والتنمية المستدامة.

تهدد الطبقة الحاكمة الفاسدة في لبنان المتظاهرين السلميين بحدوث الفوضى والانزلاق إلى الحرب الأهلية. وفي الواقع ما لم تتدخل سلطة الدولة والأحزاب المتماهية معها في الفساد والطائفية وتثير القلاقل والفتن فإن الجماهير اللبنانية ستحافظ على سلميتها لأنها صادقة في توجهها الوطني وواعية في تحقيق أهداف انتفاضتها التي يختصرونها في تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية.

أما في العراق فإن البعبع الذي يُرفع في وجه الجماهير العراقية من أجل إيقاف انتفاضته السلمية وخنوعه للطبقة السياسية الفاسدة فهو متعدد ويحمل عناوين مختلفة. بعبع يرفعه رجال الدين الشيعة يتمثل في أن إسقاط الحكم الحالي يعني فقدان السيطرة على أضرحة أهل البيت وعدم ممارسة الشعائر الشيعية الإثني عشرية بصورة واسعة كما هي عليه الآن. وبعبع آخر يتمثل في عودة حكم البعث السيئ الصيت. وأخيراً بعبع عودة داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق وأذاق أهله صنوف التوحش والإرهاب.

لا يوجد عاقل ينفي وجود المخاطر والمؤامرات على الكثير من الدول العربية وعلى رأسها وجود إسرائيل في عمق المشرق العربي، ولكن لا يعني كل ذلك مبرراً مقبولاً وكافياً لترسيخ واستمرار أنظمة الفساد والاستبداد التي تعيق خروج الشعوب العربية من حضيرة الدول المتأخرة والمتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة في كافة مجالات الحياة.