المنشور

الصائغ: الطبقة الوسطى في الخليج تتآكل

قال رئيس جمعية الاقتصاديين جعفر الصائغ إن «دول مجلس التعاون الخليجي نجحت في صناعة أثرياء من غير شعوبها أي من العمالة الوافدة العاملة فيها، غير أنها فشلت في حماية الطبقة الاجتماعية الوسطى من مواطنيها من التآكل والتقلص». وبيّن الصائغ في ندوة قدمها في جمعية المنبر التقدمي في مدينة عيسى مساء الأحد (27 مارس/ آذار 2016) في مقرها بمدينة عيسى، تحت عنوان «الطبقة الوسطى الواقع والتحديات»، أن «في الخليج بشكل عام تشهد الطبقة الوسطى تراجعاً في دورها الاقتصادي في الوقت الراهن، وذلك بسبب بروز طبقة الأغنياء، والتوزيع غير العادل للثروة، والارتفاع في التضخم».

وأوضح أن «ذلك ستكون له نتائج سلبية على الاقتصاد حيث سيهدد الاقتصاد الخليجي، وهذا يرجع إلى عوامل عدة منها عدم استغلال الموارد المتاحة، غياب التنمية البشرية القادرة على الإبداع والابتكار ومساندة جهود التنمية، عدم نجاح سياسات تنويع مصادر الدخل، فلايزال الاقتصاد الخليجي يعتمد على القطاع النفطي بشكل كبير».

وشدد الصائغ على أن «يجب القول هنا إن الحكومات لا تتحمل وحدها المسئولية عن تراجع الطبقة الوسطى، فالأفراد يتحملون المسئولية أيضاً فهناك غياب لثقافة الادخار والاستثمار، وشيوع ثقافة الاستهلاك، وكذلك عدم التزود بالمعرفة لاستخدام الأدوات المادية، وبالتالي ظهرت مشكلات ناجمة عن الاستخدام الخاطئ للمال».

وقال الصائغ في مستهل الندوة: «يتفق الجميع من الاقتصاديين ورجال والسياسة على أن الطبقة الوسطى ‹› middle class›› تلعب دوراً محورياً في التنمية، وأنها صمام الأمان لتقدم وازدهار المجتمع اقتصادياً واجتماعياً».

وتابع «فكلما كانت هذه الطبقة مستقرو ومطمئنة وارتفع عددها كلما ارتقى المجتمع إلى مستويات أفضل وأرقى في النمو والتقدم، وأصبح قادراً على تحقيق أهدافه الاستراتيجية والتقدم إلى مصاف الدول المتقدمة، وعلى ذلك ينصح الاقتصاديون متخذي القرار السياسي والاقتصادي بضرورة الاهتمام بهذه الطبقة وحمايتها والعمل على توسعتها لتشمل أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع». وأشار إلى أن «النظام الاقتصادي الذي يفشل في حماية وزيادة هذه الطبقة يكون نظاماً فاقداً للحكمة والرؤية الاقتصادية البعيدة المدى ونظاماً يتميز بالفوضى وسوء التدبير».

وذكر أن «هذه الطبقة التي يجب أن تكون محمية وتحت الرقابة المباشرة من قبل مهندسي النظام الاقتصادي، هي مصدر النمو والازدهار والاستقرار الأمني والاجتماعي ومصدر رئيسي للابتكار والإبداع».

وأردف الصائغ أن «الطبقة الوسطى التي اجتهد علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع في تعريفها وتفسيرها وتحديد دورها في التنمية ألفت عليها كتب ونظريات، ولاتزال تشغل فكر المحللين والكتاب، فمنذ العام 1775 عندما أطلق عليها هذا الاسم الكاتب الايرلندي جيمس برادشو الذي قال إنها تتوسط موقعاً بين طبقة النبلاء وطبقة الفلاحين في أوروبا وحتى يومنا هذا لاتزال هناك اجتهادات عديدة تتعلق بالمفهوم وفلسفة ودور هذه الطبقة».

وواصل «أما عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر فعرفها بأنها الطبقة التي تجلس في وسط الهرم الاجتماعي، أي أنها تكون بين الطبقة العاملة الشعبية الكادحة الفقيرة والطبقة العليا الثرية الارستقراطية البرجوازية والتي تتمتع بفوائض مالية ضخمة. وقد ذهب بعض المفكرين إلى أن هناك عوامل رئيسية تعمل على التحديد الطبقي للمجتمع تشمل ملكية الأرض، وملكية رأس المال، والنسب، واستقلالية المنصب ومواقع القوة».

وأوضح أن «تمركزها الاجتماعي الوسطي له مؤشرات كثيرة منها مستوى الدخل، حيث تتمتع بمستوى دخل يمكنها من ممارسة دورها في الاستهلاك العام حيث تمثل عنصراً أساسياً في حجم الطلب العام ومن ثم الداعم الرئيسي لنمو الناتج المحلي الإجمالي. كما تتمتع بقدرة إجمالية على الادخار ومن ثم الاستثمار وزيادة حركة دوران رأس المال».

وأفاد بان «تتمتع هذه الطبقة بمستوى جيد من التعليم والثقافة والمعرفة والمهارات العملية التي تمكنها من شغل الوظائف التي يخلقها الاقتصاد الوطني في القطاعات المختلفة، الأمر الذي يعني أن متخذي القرار الاقتصادي يعتمدون اعتماداً كلياً على أفراد هذه الطبقة كأداة اقتصادية مهمة في عملية تنفيذ الخطط والاستراتيجيات الاقتصادية وهي بذلك تمثل الضمان لبناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة».

وتابع «في الاقتصادات المستقرة يتم التعامل مع مكونات هذه الطبقة على أنها خزينة من رأس المال البشري المثقف الواعي أو كما سماها البعض بأنها ذات رأس مالي ثقافي».

ولفت إلى أن «هذا يعني أن هذه الطبقة تعتبر العمود الفقري للمجتمع لما لها من مساهمة اجتماعية اقتصادية فعالة، وقد ذهب الكاتب برادشو إلى وصف هذه الطبقة بالرأسمالية التي صارعت طبقة النبلاء وقادت الثورة الفرنسية حيث نجحت في الإطاحة بالنظام السياسي القديم وذلك بفضل ما تمتلكه من مال ووعي وعلم وثقافة».

وأكمل الصائغ أن «ما يميز طبيعة هذه الطبقة هي أن حجمها متغير دائم ويعتمد نموها على تحسن ونمو الاقتصاد الكلي والوضع المالي للبلد، وأن حجمها قد يتناقص مع ضعف البيئة الاقتصادية وسوء استخدام الموارد المتاحة وعدم ملاءمة السياسة الاقتصادية. فكلما ازدهر الاقتصاد وتحسن وضعه المالي وتنوعت مشاريعه التنموية ومصادر الدخل وزاد الاستثمار في قطاعات التعليم والصحة نمت هذه الطبقة وأصبحت قادرة على استقبال قادمين جدد من الطبقة الأدنى الفقيرة».

وأضاف أن «نمو هذه الطبقة وتحسن وضعها المعيشي وقدراتها المهنية والعلمية مرهون بوجود استقرار اقتصادي وسياسي واجتماعي وبتبني سياسة اقتصادية فعالة وقادرة على استغلال الموارد المتاحة في تنويع القاعدة الإنتاجية بحيث ألا يعتمد الاقتصاد على قطاع معين وإنما على القطاعات الاقتصادية المختلفة».

اقرأ المزيد

يمهل ولا يهمل


مضى زمن كنا نظنّ فيه أنّنا فقدنا قدرتنا على الغضب. كنا نظنّ أنّ اليأس قد استبدّ بنا، فأحالنا مبكراً على التقاعد والتقاعس والمستوعبات. وكنا نظنّ أنّ الطغيان قد حوّلنا إلى خصيان. وأنّ ما ألمّ بنا من الظلم والقمع والإذلال، لا دواء له ولا نهاية لجلجلته، وأنّ ما نحن عليه من القعود والقنوط لا شفاء منه لأنّه «أصلي» وقدريّ ومحتوم.
 
كنا نظنّ أنّنا قد اعتدنا الهزائم، وأدمنّا الانكسارات، وأنّ ما نصيبه من بعض نجاح إنّما هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة ليس إلّا.

وقد تناوب حكّامنا على تكريس هذه العوارض، مسلّمات ورواسخ لا تحول ولا تزول: كأنّها مشيئة الله في خلقه، أو أنّها سنّته في اختبار صبر عباده، أو أنّها أقدار شاءها لأمر لا يسأل عنه ولا يدرك. فهي، بالتالي، لا تستدعي إلا الشكر لمن لا يُشكر على مكروه سواه.

قالوا لنا بكلّ اللهجات واللكنات والوسائل والأساليب، إنّنا لسنا أمّة بل نحن قبائل وطوائف ومذاهب لتتباعد وتتنافر وتتقاتل، لا لتتعاون وتتحابّ وتتعاضد. وقالوا لنا إنّنا، دون خلق الله الآخرين، لا نستحق الحياة الحرة الكريمة، ولا نعيش إلا في المهانة والذل. فلا سلام ولا كلام إلا ما سمح به ظلّ السلطان، أو ما كان لاسمه ولأفعاله وأقواله تهليلاً وتسبيحاً وتمجيداً.

قالوا لنا لا شأن لكم بمصيركم ولا بكرامتكم ولا بمقدساتكم ولا برغيفكم ولا بأمنكم. فهذه جميعاً عطايا تعطى لكم بالقدر المناسب وفي الوقت المناسب، فما عليكم سوى الدعاء والصبر والانتظار.وعلّمونا الخضوع للسيّد الأجنبي. علّمونا أنّه الأقوى والأذكى. وأنّه بذلك ولذلك، يجب أن يُتّبع وأن يُطاع.

هكذا رسخوا في أذهاننا أنّنا لسنا شيئاً، وأنّه ليس في الإمكان أفضل مما كان. أخبرونا أنّ الخيارات معدومة. أما التمرّد أو التأفّف أو التبرّم، فهو الطريق الأقرب إلى التعذيب والزنازين وأقبية المساءلة والاستخبارات.

كدنا نظنّ أنّنا بشر غير البشر. وأنّ ديننا ليس كسائر الأديان. وأنّ شعبنا محكوم بالبقاء خارج التاريخ لأنّه لم يولد من الجغرافيا العادية والطبيعية.

فماذا دهاكم أيّها المصريون. وقبل ذلك أيّها التونسيون. وقبل وبعد، أيّها الذين انتفضتم في فلسطين، وقاومتم وانتصرتم في لبنان؟ لماذا هذا الضجيج والصخب والتظاهر والملايين؟ لماذا تعاندون الأقدار، وتتحدّون المعادلات، وتعاكسون المكتوب؟ كيف تجرؤون على نكران الجميل، وخذلان الأباطرة والآلهة والملوك الذين قرّروا أن يستمرّوا في خدمتكم والأوطان، حتى آخر نفس في صدورهم وآخر نبض في عروقهم. وهكذا سيفعل أبناؤهم وأحفادهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

أيّها الناس الذين بعشرات الآلاف خرجتم، وبالملايين عبّرتم عن تمرّدكم، هل تدرون ما أنتم فاعلون؟ من سيتولّى أمركم، ومن «سيخدم» مقدّساتكم، ومن سيدير أموركم في الدنيا ويسدّد خطاكم إلى سواء السبيل في الآخرة؟

ذلك كان بعض الحكاية التي افتري فيها على العقل وعلى عظمة الخالق والمخلوق. وقد سقط كلّ ذلك فجأة. هل حقّاً فجأة؟ ليس الأمر كذلك تماماً، لكنّه بدا كذلك، لأنّ الغضب تحوّل بركاناً عظيماً أكل، دفعة واحدة، الأصنام والحكام والأوهام، ومعهم العسس والأجهزة وكلّ أدوات القهر والطغيان والإجرام.
لقد تبيّن أنّ التاريخ، مجسّداً في لحظة من لحظات إبداعه العظيم، يمهل ولا يهمل. وأنّ ما كان يبدو أزلياً، قد يتهاوى إلى غير رجعة، مهما كابر هذا أو تشبّث ذاك.

لم يعد العرب، كما أوهمتمونا، أمة كانت في الماضي ولم تعد في الحاضر أو المستقبل. ولم يعد حكامهم ورثة الله على الأرض. ولم تعد شعوبهم من الطين وسواها من النار والمعدن.

فها هم أبناء النيل، أبناء «الكنانة»، أبناء الحضارة الأقدم والأعظم، أبناء جمال عبد الناصر وشهداء «حرب العبور»… ها هم يستعيدون كرامتهم وحريّتهم ويتحدّون الظلم والقهر والتبعية والنهب والأجهزة السوداء، ويرفعون راية المجد مرّة جديدة في تاريخ بلدهم العظيم وأمّتهم الواحدة مهما حاولت إعاقة ذلك، قوى الهيمنة والتفتيت والشرذمة.

وشعب مصر الذي يسترجع هويّته، يبعث في الوقت عينه الرعب في قوى العدوان والطغيان على حدّ سواء. إنّه يحطّم مع نظام مبارك منظومات العار في «كامب دايفيد» وشرم الشيخ ومحور «الاعتدال»، ومن لفّ لفيف هؤلاء في دنيا العرب والعالم.

شعب مصر يبعث الآمال نضرة، فيّاضة، من جديد في أمّته، وهو يرسل في أوصالها شحنة مدهشة من الأمل والعمل والحركة والحياة.
إنّها صحوة الشعب، لا صحوة فريق واحد، أو فئة واحدة، أو حزب واحد، فيه. ولأنّ الأمر كذلك، فلتتراجع الفئويات المستشرية وليرتقِ الجميع إلى مستوى الناس، وإلى مستوى اندفاعهم وتصميمهم وعضويتهم وصفائهم، وليكن الطور الراهن من الفعل والتفكير بحجم تلك الميادين الرحبة الموحِّدة التي يكتب فيها كلّ يوم الشعب المصري ما يريده لنفسه من الأقدار والمصائر.

مصر «أمّ الدنيا» تعود إلى ناسها وأمّتها. ما أتعس مشهد الطاغية وهو يحاول خداع مصر وشعب مصر: «هوَّ رايح وإنت جاي»، كما كتب فؤاد نجم ويردّد بعده الملايين اليوم.

الأخبار 3 يناير 2011
 

اقرأ المزيد