المنشور

لنبني‮ ‬حائط‮ ‬الصد في وجوههم

في‮ ‬مارس المقبل،‮ ‬ستجتمع لمدة سويعات قليلة،‮ ‬أغلبية القوى السياسية لمناقشة ملف من أكثر الملفات التي‮ ‬تشغل بال الوطنيين المخلصين الذين‮ ‬ينشدون اللحمة الوطنية،‮ ‬بدعوة من اللجنة التنسيقية التي‮ ‬تستمد شرعيتها من الجمعيات السياسية المسجلة تحت مظلة قانون الجمعيات المثير للجدل،‮ ‬وتمثل أطيافاً‮ ‬متعددة فكرياً‮ ‬وثقافياً‮ ‬وسياسياً‮.‬
اختارت هذه اللجنة ملف الوحدة الوطنية وحددت شعاراتها لأنها استشعرت ان هناك من‮ ‬يريد ان‮ ‬يشعل ناراً‮ ‬سخرها منحرفون لطمعهم،‮ ‬فيحاول إخمادها وطنيون لحبهم‮.‬ وبمجرد الدعوة للقاء‮ ‬يجمع هذه القوى فإنه‮ ‬يعني‮ ‬انفتاح هذه القوى على بعضها البعض،‮ ‬انفتاح القلوب والعقول،‮ ‬ولملمة أحجار التعثر أمام صناع الطائفية الذين‮ ‬يريدون ان‮ ‬يتصيدوا في‮ ‬الماء العكر‮.. ‬وهذا ديدنهم‮.‬
هذا الملف هو ملف متشعب‮ ‬يناقش الأفعال المجتمعية والعلاقات الدولية والسياسية،‮ ‬ولكن ما‮ ‬يجب ان‮ ‬يتم التوقف عنده هو الحالة المجتمعية والممارسات‮ ‬غير الصحيحة التي‮ ‬تخدم من‮ ‬يتناغم مع زيادة الفجوة بين أبناء الوطن الواحد الذي‮ ‬لا‮ ‬يستطيع ان‮ ‬يسير دون تعددية مذاهبه وأفكاره،‮ ‬ولا تعني‮ ‬ان التعددية أمر‮ ‬غير محمود فالاختلاف كما قيل رحمة،‮ ‬ولا خط أحمر في‮ ‬مناقشة الأفكار المختلف عليها فالأبواب مفتوحة،‮ ‬أمام ما هو مختلف وما هو متفق عليه‮.‬
فقط سياسة المتغطرس لا تقبل بالرأي‮ ‬الآخر،‮ ‬فهو ومن معه‮ ‬يحتكر الغفران والجنة له ولأتباعه،‮ ‬أما المختلفون معه فهم في‮ ‬العذاب وبئس القرار‮.‬
لا توجد شريعة في‮ ‬السماء ولا في‮ ‬الأرض ترفض التعددية،‮ ‬فالدنيا قامت على هذا المبدأ،‮ ‬تعددية كونية وتعددية اجتماعية،‮ ‬فخلق الله الذكر والأنثى،‮ ‬وجعل البشر شعوباً‮ ‬وقبائل متعددين في‮ ‬السلوك والافكار والمدارس‮.‬ ‮ ‬إلا ان أهواء ومصالح من لا‮ ‬يريد سماع إلا صوته تتهاوى أمام هذه النظريات،‮ ‬فتتحول المصاديق والمفاهيم أمامه من‮ “‬لا إكراه في‮ ‬الدين” ‬الى‮ “‬إكراه في‮ ‬الدين” ‬وإكراه في‮ ‬الطائفة‮.‬
لم‮ ‬يعد من المقبول حجر الأفكار ولا حجز مساحات في‮ ‬الجنة على حساب الآخرين وتكفيرهم لأنهم مقتنعون بفكرة لا تنسجم مع توجهاتهم وربما تمس من صلاحياتهم وتأثيراتهم على الناس من خلال استغلال المنابر والمشاعر‮.‬ في‮ ‬الخاتمة مؤتمر اللجنة التنسيقية محطة مهمة،‮ ‬من سيحضره سيساهم في‮ ‬بناء حائط الصد الذي‮ ‬سيبنى في‮ ‬وجه صناع الطائفية‮.‬

صحيفة الايام
17 فبراير 2008

اقرأ المزيد

هل‮ ‬يصل الشيوعيون للرئاسة؟

يستعد القبارصة في‮ ‬السابع عشر من هذا الشهر لاختيار رئيس جديد للدورة الرئاسية القادمة،‮ ‬من بين تسعة مرشحين لم تمر بها قبرص من قبل من حيث عددهم ونوعهم،‮ ‬حيث أثار استغراب وتندر الشعب القبرصي،‮ ‬لكون بعضهم لا‮ ‬يحظون بأي‮ ‬وزن سياسي‮ ‬للمنافسة،‮ ‬إذ تحتكر تاريخيا‮ – ‬ولا تزال‮ – ‬الساحة السياسية ثلاثة أحزاب رئيسية هي‮ (‬ذيكو‮) ‬ويمثل تيار الوسط،‮ ‬و(ذيسي‮)  ‬ويمثل اليمين وحزب اكيل‮ (‬الشيوعيون‮) ‬ويمثل اليسار،‮ ‬لذلك‮ ‬يصبح من العبث الدخول في‮ ‬منافسة‮ ‬غير متكافئة،‮ ‬في‮ ‬بلد توزع سكانه على الأحزاب الكبيرة،‮ ‬وبات‮ ‬يمثل أكثر من ‮٠٩‬٪‮ ‬من كتلة الأصوات الانتخابية‮. ‬
ويتمتع ثلاثة من التسعة المرشحين لمنصب الرئيس بأهمية سياسية للأسباب التالية‮:  ‬المرشح الأول كونه الرئيس السابق وينتمي‮ ‬لحزب سياسي‮ ‬وقد وصل للرئاسة أكثر من مرة،‮ ‬وهو‮ ‬يشكل الرقم الثالث من حجم القوة الانتخابية وفق الاستطلاعات الأخيرة،‮ ‬بينما المرشح الثاني،‮ ‬ويدخل بصفة مستقلة ولكنه‮ ‬ينتمي‮ ‬لحزب ذيسي‮ ‬اليميني،‮ ‬ويحظى بدعمه المطلق الذي‮ ‬يعتبر واحدا من اكبر حزبين سياسيين في‮ ‬البلاد،‮ ‬كما انه عضو البرلمان الأوروبي‮ ‬الممثل للحزب،‮ ‬أما المرشح الثالث فهو ديمتري‮ ‬خريستوفيا أمين عام حزب الشغيلة والتقدم‮ ( ‬الشيوعيون‮) ‬وهو‮ ‬يمثل ثاني‮ ‬اكبر ثلاثة أحزاب في‮ ‬الجزيرة،‮ ‬وقد كان خريستوفيا رئيسا للمجلس النيابي،‮ ‬واستقال من منصبه بعد ترشحه وانسحابه من التحالف مع الحزب الحاكم‮.
والجديد في‮ ‬هذه الانتخابات هذه المرة أنها تقام في‮ ‬ظروف مختلفة كدخول قبرص في‮ ‬عضوية الاتحاد الأوروبي‮ ‬وتحولها إلى اليورو‮. ‬وبذلك تكون قبرص اقتصاديا ضمن السوق النقدية في‮ ‬الاتحاد الأوروبي‮ ‬وبعضوية كاملة،‮ ‬غير أن الجديد هو ترشح الشيوعيين لأول مرة في‮ ‬تاريخهم للرئاسة،‮ ‬بعد أن ظلوا فقط‮ ‬يلعبون دائما دور المساند لنجاح الرؤساء السابقين من الأحزاب الأخرى،‮ ‬بمن فيهم الرئيس الحالي،‮ ‬الذي‮ ‬كان نصيب حزبه في‮ ‬الانتخابات لا‮ ‬يتعدى ‮٦٢‬٪‮ ‬من نسبة الأصوات بينما كانت حصة‮ (‬أكيل‮) ٤٣‬٪،‮ ‬وبذلك كان الحزب داعما أساسيا لوصول رؤساء سابقين،‮ ‬ابتداء من السقف مكاريوس،‮ ‬كبريانو،‮ ‬فاسيليو،‮ ‬حتى بابا دوبولوس،‮ ‬لكونهم قوة انتخابية مؤثرة،‮ ‬تصل بكل بساطة للجولة الثانية،‮ ‬فالحزب وحده‮ ‬يمتلك ثلث الأصوات من كل عملية انتخابية في‮ ‬البرلمان إلى جانب أكثر من النصف في‮ ‬انتخاب البلديات،‮ ‬مما جعله حليفا مهما لحزب‮ (‬ديكو‮) ‬الذي‮ ‬يمثله الرئيس الحالي‮ ‬بابادبولوس المنتهية ولايته والمنافس للرئاسة من ضمن الثلاثة المتوقع صعودهم‮. ‬ولن‮ ‬يستطيع حسم الجولة أي‮ ‬واحد منهم،‮ ‬ولكن استطلاعات الرأي‮ ‬تميل إلى أن اكيل وبابا دوبولوس هما المرشحان للتنافس الرئاسي‮ ‬باحتمال نجاح احدهما في‮ ‬الجولة الثانية بهامش لا‮ ‬يتعدى ‮٣‬٪‮. ‬
وقد شهدت وسائل الإعلام المختلفة حملات انتخابية ساخنة من حيث الحوارات والنقد،‮ ‬والبحث عن الأخطاء والمزالق السياسية للرئيس المنتهية ولايته‮. ‬ففي‮ ‬هذه الانتخابات تصبح الأمور مختلفة من أوجه عدة،‮ ‬من أهمها قضايا لم تكن معروفة في‮ ‬الساحة السياسية كالبذخ المتزايد في‮ ‬الدعاية الانتخابية عن سابقتها،‮ ‬ولكن تبقى حجر الزاوية دائما في‮ ‬كل انتخابات قبرصية المعضلة التاريخية،‮ ‬التي‮ ‬مر عليها أكثر من ثلاثة عقود،‮ ‬وهي‮ ‬مسألة تقسيم الجزيرة إلى جزئين،‮ ‬باحتلال الجيش التركي‮ ‬لها عام ‮٤٧٩١‬،‮ ‬ومنذ تلك الفترة والجزيرة تحمل على كتفها صليب الآلام،‮ ‬لعل العالم والمجتمع الدولي‮ ‬يحل لها تلك المشكلة المستعصية كما هي‮ ‬خطة انان المتنازع حولها،‮ ‬ففي‮ ‬زمن الحرب الباردة كانت الجزيرة المقسمة عرضة للتجاذبات الدولية بين أقطاب ومحاور عالمية،‮ ‬ثم عادت حاليا إلى دورتها الجديدة حتى وإن صارت قبرص عضوا في‮ ‬نادي‮ ‬الاتحاد الأوروبي‮.‬
‮ ‬فقد مكثت التجاذبات الداخلية تدور في‮ ‬حلقتها القديمة بحثا عن حلول ناجعة للازمة،‮ ‬ولكن المعضلة ظلت مغلقة،‮ ‬باعتبار أن مفاتيح الأزمة الإقليمية في‮ ‬يد أثينا وأنقرة،‮ ‬كما أشار رئيس الوزراء اليوناني‮ ‬كرامنليس أثناء زيارته إلى أنقرة،‮ ‬كأول زيارة تاريخية بعد نصف قرن‮ ‬يقوم بها مسؤول رفيع المستوى،‮ ‬بينما‮ ‬يتقاذفها الكبار في‮ ‬المجتمع الدولي‮ ‬ومجلس الأمن بطريقتهم،‮ ‬لعله‮ ‬يتم‮ ‬يوما إزالة العوائق كلها دفعة واحدة،‮ ‬كما حدث لألمانيا المقسمة وتصدع جدار برلين‮. ‬
في‮ ‬هذه الحملة الانتخابية،‮ ‬يبدو أن الشعب القبرصي‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬يدير التفاتا للساسة في‮ ‬حديثهم عن حل المسألة القبرصية وحدها،‮ ‬فباتوا‮ (‬الناخبون والمرشحون‮) ‬للرئاسة‮ ‬يهتمون بالشأن الداخلي‮ ‬للشعب كالوضع الاقتصادي‮ ‬المتردي،‮ ‬خاصة وان متطلبات الحياة المعيشية تعكس حالة من التدهور بين مستوى الأجور المنخفضة‮ – ‬قياسا بدول في‮ ‬الاتحاد الأوروبي‮- ‬وبحجم الغلاء المستشري،‮ ‬وتدني‮ ‬الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم،‮ ‬مما جعل المرشحين‮ ‬يلتفتون إلى الحاجات الحيوية للشعب‮. ‬
ما‮ ‬يقلق حزب ذيكو ومرشحه بابا دوبولوس هو الافتراق التاريخي‮ ‬بينه وبين اكيل في‮ ‬العملية الانتخابية،‮ ‬إذ قرر اكيل هذه المرة أن‮ ‬يخوض بمفرده التنافس من اجل مقعد الرئاسة،‮ ‬بحجة انه كان دائما‮ ‬يتنازل لحزب ذيكو للرئاسة،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كانت حصيلة أصواته الانتخابية أكثر،‮ ‬وكان‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يدعم ذيكو حزب اكيل في‮ ‬الوصول لمقعد الرئاسة‮. ‬تبقى الأزمة قائمة فيما لو أصر الاثنان بعدم التنازل عن المقعد الرئاسي،‮ ‬فان السيناريو مفاده،‮ ‬أن‮ ‬يغازل حزب الوسط اليمين من اجل دعمه ضد اكيل،‮ ‬ولكن ذلك سيكون ثمنه باهظا،‮ ‬ومن أهمها تقاسم الحقائب الرئيسية معه‮. ‬وبتلك المناورة والتحالف في‮ ‬الجولة الثانية‮ ‬يعزل ذيكو اكيل في‮ ‬زاوية ضيقة‮. ‬أما في‮ ‬حالة لقاء اكيل وذيسي‮ ‬في‮ ‬الجولة الثانية وخروج ذيكو من اللعبة،‮ ‬فلن تكون له خيارات أن‮ ‬يختار اليمين‮. ‬فتاريخيا صبت أحزاب متحالفة مع ذيكو وجزء من قاعدته الحزبية وأنصاره إلى جبهة اليسار،‮ ‬لكونها اقرب إليها في‮ ‬المصالح والبرامج الانتخابية‮. ‬الجديد في‮ ‬النهاية هو لو وصل الشيوعيون إلى سدة الحكم،‮ ‬يكون السؤال التاريخي‮ ‬الهام كيف سيمارس الحزب سياسته العقائدية في‮ ‬الداخل والخارج،‮ ‬في‮ ‬عالم رياحه لا تود أن ترى في‮ ‬دولة صغيرة‮ ‬يحكمها الشيوعيون بعد الانهيار الكبير‮. ‬
وبذلك تتحقق المقولة الشهيرة التي‮ ‬كتبتها بعض الصحف ذات‮ ‬يوم قائلة أثناء انتصار اكيل في‮ ‬الانتخابات النيابية،‮ ‬بان في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬ينهار تمثال لينين في‮ ‬الساحة الحمراء‮ ‬ينصب في‮ ‬ميدان الحرية بنيقوسيا تمثال لينين‮. ‬بهذا التعبير المجازي‮ ‬والدلالي،‮ ‬هلع العالم الحر من صعود اليسار القبرصي‮ ‬لمفاتيح أساسية في‮ ‬الحكم،‮ ‬بتقاسمه للحقائب الوزارية السيادية ورئاسة البرلمان‮. ‬تبقى مسألة مهمة هو أصوات الأحزاب الصغيرة،‮ ‬التي‮ ‬تصبح مهمة في‮ ‬التنافس،‮ ‬لكونها تحسم الفروقات والهوامش بين المرشحين‮. ‬

صحيفة الايام
17 فبراير 2008

اقرأ المزيد

لماذا يبقى وزير البلديات والبلديون في مناصبهم حتى الآن؟

 


قضية ساخنة

 

كي لا تتحول جوقاتنا الاعلامية من التباهي والتفاخر بديمقراطيتنا الميمونة إلى افتتان وتغني وإطناب في سرد مفاتنها يبادر العقلاء إلى تنبيهها بأنه في البدء كانت دولة القانون وكانت شرعة حقوق الانسان قبل الديمقراطية، وهو ما وضع أداء الدول على صعيد هذين المؤشرين ضمن صدارة مؤشرات القياس الرئيسية لتقييم الدول ومدى ما وصلت إليه من تقدم محرز أو تراجع متواتر بحسب مؤشرات القياس المعيارية العالمية.


لنأخذ قضية خصخصة قطاع النظافة في البلدية والحال الكارثي الذي انتهت إليه والذي يعد فضيحة بكل المقاييس، حيث تتكدس القمامة في مداخل الأحياء السكنية وأمام العمارات السكنية، ومع ذلك يستمر وزير البلديات والزراعة في منصبه هانئا غانما، وتستمر المجالس البلدية في قبض مرتباتها وامتيازاتها والتمتع بحياة رغيدة.

 
فأين هي دولة القانون التي تقاضي، كما ينبغي، الوزير وأعضاء المجالس البلدية، استنادا على الأقل إلى مسؤوليتهم التقصيرية التي نص عليها القانون المدني البحريني؟.. وأين هي حقوق الانسان البحريني في التمتع ببيئة محيطة نظيفة لقاء رسم البلدية الذي يدفعه؟

اقرأ المزيد

تضييق فضاء “الفضائيات”

أتذكر ذات مرة لدى تناولي في هذه الزاوية موضوعا يتصل بهامش حريات التعبير في عصرنا المفروض بفضل تطور تكنولوجيات الاتصالات، كالانترنت والفاكس والموبيل والقنوات الفضائية، وليس بفضل توسيع هذا الهامش من قبل الانظمة العربية.. اذكر انني قلت انه ازاء هذا التوسع النسبي في هامش حرية التعبير الذي فرضه تطور تكنولوجيا الاتصالات ووسائل الإعلام، فإن الأنظمة والحكام الشموليين مازالوا يلعنون في قرارة انفسهم اليوم الذي نجح فيه العلماء في اختراع كل تقنية من تقنيات الاتصالات المذكورة، لأنها افقدتهم جزءاً من سيطرتهم الرقابية الاستبدادية على كل ما يرسل او يبث من معلومات وبرامج لا تروق لهم ويضيقون منها ذرعاً. جال بخاطري هذا الاستنتاج حول سخط وتبرم الانظمة الشمولية الصامت المكتوم من اختراع تقنيات الاتصالات المتطورة والعابرة للحدود السياسية والقارات وأنا أقرأ مؤخراً، كغيري من سائر القراء، خبر الانجاز الكبير الوهمي الذي حققه وزراء الإعلام العرب في مؤتمرهم الأخير بالقاهرة والمتمثل فيما أسموها “وثيقة تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية”. وواضح جيداً انه على الرغم من مرور نحو عقدين على اختراع تلك التقنيات التي فرضت نفسها موضوعياً في المجتمع الدولي بأسره، وعلى تحول العالم بكل معنى الكلمة الى قرية كونية صغيرة، ان حكامنا الشموليين مازالوا اسرى مواريث عقلية الرقابة البوليسية البدائية التي تعود الى ما قبل ثورة تطور تقنيات وآليات ووسائل الاتصال الجديدة كالفاكس والموبيل والفضائيات، وغير ذلك.. فهم يحاولون عبثاً صد أي استغلال من قبل شعوبهم لهذه التقنيات للتغلب على مصادرة حريات التعبير في بلدانهم، حتى على الرغم مما تبدو عليه محاولاتهم هذه من عبث مثير للشفقة والسخرية معاً أمام العالم. لقد دللت تجربة البث الفضائي العربي الحر، والحر هنا بمعنى صعوبة اعاقة منعه من الوصول الى الصحون اللاقطة واجهزة الاستقبال “الريسيفرات”.. دللت هذه التجربة بقوة ان اكثر الأنظمة العربية شمولية هي الأكثر ضيقاً من وجود متنفس أو حرية نسبية يعبر الساسة والمثقفون العرب من خلالها عن آرائهم ومواقفهم بالنقد تجاه تلك الانظمة، وربما تأتي قناة “الجزيرة” القطرية المثيرة للجدل هي في مقدمة هذه القنوات العربية التي تثير حنق أولئك الحكام والانظمة التي يقف اثنان منها بقوة وراء تدبيج الوثيقة الرقابية المسماة “وثيقة تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية”. وعلى الرغم من ان القائمين على صياغة هذه الوثيقة بذلوا جهداً لإضفاء عليها بهارات متنوعة لإخفاء الهدف الحقيقي بتناولها تنظيم البث الفضائي العربي فيما يتعلق بكل المجالات المتصلة بالوحدة الوطنية، والعادات والتقاليد، والنظام العام، والالتزام بالقيم الدينية والاخلاقية وبنية الأسرة والترابط الاجتماعي.. الخ فإنه بدا واضحاً أن كل هذه المجالات العديدة التي عددتها الوثيقة واستطردت فيها ليست الهدف الأساسي من اصدار الوثيقة والتوقيع عليها كميثاق “شرف” بين الانظمة، بل ان الهدف الأساسي منها هو احكام الرقابة على برامج الرأي الآخر والنقد السياسي للأنظمة، وهذا ما جاء في الفقرات التي تنص على عدم تناول قادة الدول العربية او الرموز الوطنية والدينية بالتجريح. و”التجريح” كما نعلم في قاموس الرقابة العربية، مفردة هلامية مطاطة يمكن تفسيرها بأي موقف انتقادي او رأي صريح حر تسول لنفسها أي قناة عربية اطلاقه ازاء اي نظام او حاكم عربي ليتم معاقبتها. لا أحد بالطبع ينكر ان ثمة تجاوزات وسلبيات تتصل بالتجريح الفعلي من سب وقذف سوقي بحق شخصيات وقيادات رسمية وغير رسمية، ولا أحد ينكر ايضا ان هذه التجاوزات قد تمس في بعض الأحيان القيم الدينية والاخلاقية، لكن تبقى هذه التجاوزات بوجه عام إن صحت محدودة، ولاسيما في ظل الهيمنة الرقابية الحديدية الصارمة من قبل الانظمة العربية على جل القنوات الرسمية والخاصة معاً. ومن ثم لا تشكل هذه التجاوزات الهم او الانزعاج الحقيقي من قبل الأنظمة العربية، وخاصة ان بعض هذه الأنظمة التي تقف وراء الوثيقة هي نفسها تتيح لقنواتها وصحافتها ما قد تعتبره الوثيقة يمس الاخلاق والشرف والدين.. الخ. انما الهم الحقيقي الذي يقض مضاجعها هو الهامش الجديد الضئيل جداً من حرية التعبير المتاح لعدد من القنوات الفضائية ولاسيما الاخبارية والثقافية منها ورغبتها في الاجهاز عليه. على ان هذه الوثيقة ازاء التطور المطرد المتواصل لتقنيات الاتصالات والعدد الهائل المتزايد من تناسل الفضائيات العربية، وبضمنها الفضائيات العربية التي تبث من العواصم الأوروبية.. هذه الوثيقة ازاء كل ذلك وان افلحت مؤقتاً في إحكام رقابتها على برامج عدد من القنوات العربية – هذا اذا ما عاشت العلاقات العربية – العربية ربيعاً طويلاً يجسد وحدتها القومية الرقابية على تلك الفضائيات فإنها لن تفلح بأي حال من الأحوال في صد كل القنوات، لا بل سرعان ما ستغدو محاولاتها العبثية هذه لتضييق فضاء الفضائيات أشبه تماماً بمن يسبح ضد التيار الجارف في الفضاء الذي تطلقه الأقمار الصناعية.
 
صحيفة اخبار الخليج
16 فبراير 2008

اقرأ المزيد

ظاهرة الخصومة و”الزعل‮”‬ في‮ ‬العلاقات العربية البينـيـة


هل سمعتم‮ ‬يوماً‮ ‬عن حدوث قطيعة وجفاء بين بلدان المنظومة الأوروبية،‮ ‬سواء المنضوية في‮ ‬إطار الاتحاد الأوروبي‮ ‬والبالغ‮ ‬عددها‮ ‬27‮ ‬دولة أو الواقعة خارجه؟ ‬هل سمعتم أن دولة أوروبية دخلت في‮ ‬خصام و‮’‬زعل‮’ ‬مع دولة أوروبية أخرى لمجرد أن رؤاهما ومواقفهما من قضية أو قضايا معينة اختلفت وتضادت أو حتى تغايرت وتضاربت مصالحهما؟ فيحدث بينهما الشقاق و‮’‬التطنيش‮’ ‬إلى أن تتحرك الوساطات لرأب الصدع بينهما؟
‬طبعاً‮ ‬لم‮ ‬يحدث مثل هذا في‮ ‬علاقات الأوروبيين بعضهم ببعض كي‮ ‬تتناهى أخباره إلى مسمع الناس‮.‬ ‬ولكن مثل هذه الوقائع والتحولات الدرامية في‮ ‬علاقات الدول بعضها ببعض،‮ ‬لها حصة وافرة في‮ ‬فضاء العلاقات الدولية العربية‮. ‬فلقد ذهبت عادة وسمة بارزة من السمات التي‮ ‬تميز علاقات الدول العربية بعضها ببعض على المستوى الثنائي‮. ‬وتاريخ العلاقات الدولية العربية البينية الحديث حافل بالخصومات و‮’‬القطيعات‮’ ‬وأنواع‮ ‘‬الزعل‮’ ‬المختلفة التي‮ ‬تتراوح ما بين المؤقت والقصير والمتوسط والطويل المدى،‮ ‬وذلك تبعاً‮ ‬لموضوع‮ ‘‬الزعل‮’ ‬وحدته‮.‬
‬ومع أن الدولة العربية الحديثة قد قطعت شوطاً‮ ‬معقولاً‮ ‬على صعيد تحولاتها المؤسسية والتنظيمية والإدارية والقانونية،‮ ‬إلا أن هذه الظاهرة لازالت محتفظة بزخمها و‮’‬حيويتها المتدفقة‮’‬،‮ ‬كأحد المكونات الملازمة لطبيعة الحراك الذي‮ ‬يميز العلاقات العربية البينية‮ (‬الثنائية تخصيصاً‮). مناسبة هذا القول ما رشح من أخبار مسربة‮ (‬معلنة بطريقة ما‮) ‬إلى أجهزة الميديا العربية،‮ ‬الموجهة قطعاً،‮ ‬عن أن القمة العربية الدورية‮ (‬لسنوية) ‬لن تُعقد كما هو مقرر لها في‮ ‬دمشق،‮ ‬وستعقد عوضاً‮ ‬عنها قمة مصغرة في‮ ‬القاهرة لمناقشة الملفين اللبناني‮ ‬والفلسطيني،‮ ‬قبل أن‮ ‬يعود أمين عام الجامعة العربية،‮ ‬بعد مضي‮ ‬بعض الوقت،‮ ‬إلى التأكيد على أن القمة سوف تعقد في‮ ‬موعدها المحدد وهو شهر مارس القادم وفي‮ ‬دمشق مكانها المقرر‮.‬
‬هي‮ ‘‬منغصات‮’ ‬كثيراً‮ ‬ما تحدث،‮ ‬كما قلنا،‮ ‬في‮ ‬العلاقات العربية البينية‮. ‬وهو مبعث أسى بطبيعة الحال‮. ‬فلم‮ ‬يعد متصوَّراً‮ ‬في‮ ‬العلاقات الدولية المعاصرة،‮ ‬أن‮ ‬يُصار إلى إلغاء ما جرى الاتفاق بشأنه سلفاً‮ ‬لمجرد أن خصاماً‮ ‬أو‮ ‘‬زعلاً‮’ ‬طرأ أو استجدّ‮ ‬في‮ ‬علاقات الدولتين‮ (‬أو أكثر‮).‬
‬وعوضاً‮ ‬عن تحويل تحدي‮ ‬‭(‬Challenge‭)‬‮ ‬الخصام والجفاء‮ (‬الطارئ في‮ ‬عموم الحالات‮) ‬إلى فرصة‮ ‬‭(‬Opportunity‭)‬‮ ‬للتنادي‮ ‬واللقاء والتصارح،‮ ‬فإن الذي‮ ‬هو حاصل،‮ ‬عادة،‮ ‬هو تحويل هذه الفرصة إلى مناسبة لتجديد وتأكيد وتعميق الخصومة‮.‬ ‬لذا‮ ‬يصبح ليس مفهوماً،‮ ‬ذلكم التعاطي‮ ‬السلبي‮ ‬مع الانعطافات،‮ ‬المتوقعة على أية حال،‮ ‬في‮ ‬علاقات الدول العربية بعضها ببعض نتيجة لعدم تناغم وتطابق مصالحها،‮ ‬وذلك في‮ ‬ظل سيادة وسريان المواثيق والبروتوكولات والأعراف الدبلوماسية والسياسية العالمية‮.‬ ‬المؤسف أكثر أنه ما أن تحدث الخصومة حتى تنزلق الدولة بكافة أجهزتها التنفيذية والتشريعية والمؤسساتية،‮ ‬ومنها،‮ ‬خصوصاً‮ ‬بطبيعة الحال،‮ ‬أجهزة الاتصال البصرية والسمعية والمقروءة،‮ ‬إلى ذلكم الجو المثير للشفقة،‮ ‬فيدب الارتباك في‮ ‬المصالح والعلاقات التي‮ ‬كانت نسجت قبلاً‮ ‬على أكثر من صعيد‮.‬ ‬ولما كان الشيء بالشيء‮ ‬يذكر فإننا نشير فحسب إلى حادثة قريبة لازالت أصداؤها تُسمع،‮ ‬على الأقل في‮ ‬بعض النواحي‮ ‬البلجيكية،‮ ‬باعتبارها حادثة تُظهر الفارق بيننا وبينهم في‮ ‬طريقة التعاطي‮ ‬مع إشكالات العلاقات الثنائية الدولية‮. ‬
‬الأمر‮ ‬يتعلق بالعمل الإرهابي‮ ‬الذي‮ ‬نفذته مجموعة إرهابية ضد سياح بلجيكيين في‮ ‬محافظة حضرموت اليمنية في‮ ‬شهر‮ ‬يناير الماضي‮ ‬وأدى إلى مقتل بلجيكيتين وإصابة بلجيكي‮ ‬ثالث‮. ‬‬وبدلاً‮ ‬من أن‮ ‬يؤدي‮ ‬هذا الحادث إلى تعكير صفو العلاقات بين اليمن وبلجيكا،‮ ‬فقد حدث العكس،‮ ‬إذ حصل اليمن على دعم سياسي‮ ‬واقتصادي‮ ‬من بلجيكا على الرغم من خسارتها لاثنين من مواطنيها وشبه خسارتها لإصابة الثالث‮. ‬فلقد أكد كل من رئيس البرلمان البلجيكي‮ ‬هيرمان ديكرو والنائب الأول لرئيس مجلس الشيوخ البلجيكي‮ ‬ايجو برج‮ ‬‭-‬‮ ‬أكدا للرئيس علي‮ ‬عبدالله صالح خلال زيارته لبلجيكا،‮ ‬أن الحادث الإرهابي‮ ‬الذي‮ ‬تعرض له السياح البلجيكيون في‮ ‬اليمن لن‮ ‬يؤثر على العلاقات الجيدة بين اليمن وبلجيكا،‮ ‬وأن بلجيكا سوف تستمر في‮ ‬تعزيز وتطوير علاقاتها وتعاونها مع اليمن بما‮ ‬يسهم في‮ ‬خلق شراكة مثمرة في‮ ‬المجالين التنموي‮ ‬والأمني‮. ‬
‬هل‮ ‬يجدر بنا،‮ ‬وقبل هذا وذاك،‮ ‬هل‮ ‬يُسوغ‮ ‬لنا أن نضع أبنيتنا المؤسسية الدولانية الحديثة قبالة نظيرتها في‮ ‬بلدان ما بعد الصناعة،‮ ‬بما‮ ‬يعطينا الحق في‮ ‬توقع أداء ناضج ومسؤول من جانب وحدات المنظومة العربية الرسمية تجاه بعضها بعضاً؟ ‬كلا بطبيعة الحال،‮ ‬فهذه مناظرة لا تصح من وجهة نظر قواعد القياس لأعضاء المنظومة العالمية المعاصرة‮. ‬ولكن بقاء هذا المشكل واستمرار تمتعه بعناصر الاستدامة والملازمة‮ (‬بفتح الزا‮) ‬يجعل من إعادة جدولة أولوية معالجته،‮ ‬مسألة حيوية بالنسبة لغاية تأمين البيئة المناسبة للتعاون والتنسيق العربي‮ ‬البيني‮.‬ ‬وإذا كانت المنظومة العربية الرسمية قد حسمت بصورة جدية وموفقة مسألة تقطع لقاءات القمم العربية بجعلها سنوية تعقد في‮ ‬كافة الدول الأعضاء في‮ ‬الجامعة العربية حسب الترتيب الأبجدي،‮ ‬فحري‮ ‬بهذه المؤسسة أن تحسم هذا المشكل أيضاً‮ ‬بقرار قمة قاطع لا لبس فيه‮ ‬يفصل تداعيات الخصومات العربية عن التزامات الدول الأعضاء قبالة بعضها بعضاً‮.‬
 
صحيفة الوطن
16 فبراير 2008

اقرأ المزيد

العمالة الأجنبية والإضرابات القادمة

ما أطلقه وزير العمل مجيد العلوي خلال مداخلته في منتدى العمالة التعاقدية في أبوظبي أخيراً إن «العمالة الأجنبية أخطر من القنبلة النووية و(إسرائيل) معاً… وإنها قد تغيّر وجه المنطقة بكاملها خلال العقد المقبل» بدأنا نشاهد مؤشراته خلال الفترة الأخيرة من إضرابات عمالية شهدتها عدد من المدن الخليجية كان آخرها البحرين.
فما حدث خلال أسبوع واحد من إضرابين منفصلين للعمالة الهندية لا يمكن إرجاعه فقط لتصريحات السفير الهندي الذي اتُّهِم بتحريض مواطنيه على المطالبة بحد أدنى للأجور بواقع مئة دينار شهرياً. فالسفير لم يكن موجوداً في دبي أو الكويت عندما حدثت الإضرابات هناك، كما أنه ليس مسئولاً عن قرار الحكومة الهندية تحديد حد أدنى للعمالة الهندية في الخليج بما يعادل 100 دينار شهرياً، بالإضافة إلى توفير السكن والمواصلات لهذه العمالة. فالمسئول الأساسي عن ذلك هو النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده الهند حالياً وفرص العمل التي وفرها هذا النمو بجانب ارتفاع مستوى الرواتب هناك ليصل إلى ما يحصل عليه العمال الهنود العاملون في الخليج ولذلك لم يعد هناك ما تخسره هذه العمالة حال الاستغناء عنها ورجوعها إلى العمل في الهند.
ويمكن أن يكون الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين أكثر من يعي خطورة هذه الإضرابات والتحركات التي تقوم بها العمالة الأجنبية؛ لاطلاعه الدقيق على تاريخ الحركات العمالية العالمية، ولذلك فهو يرى – على لسان نائب الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين عبدالله حسين – أن «تحركات العمالة الأجنبية التي شهدتها منطقة الخليج تسير عبر مسلسل مبرمج ومتفق عليه سلفاً»، ولذلك يحذر من إقرار مجلس النواب السماح بالتعددية النقابية في المنشأة الواحدة؛ مما سيؤدي إلى إيجاد نقابات الجنسيات، أي أن تقوم كل جنسية من العمال بخلق نقابتها الخاصة.
إن الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين يعي جيداً أن المشكلة ليست في قيام إضراب في هذه المؤسسة أو تلك ولكن الأخطر من ذلك هو إن هذه الإضرابات ستخلق في نهاية المطاف قيادات تمثل هذه العمالة تتحدث وتفاوض باسمها كما ستدين العمالة الأجنبية لهذه القيادات بالولاء والطاعة ويمكن أن يتطور الأمر إلى وجود تكتلات وتنظيمات داخل المؤسسات أو خارجها تطالب بحقوق العمالة الأجنبية وما يمكن أن يفرزه ذلك من تداعيات على مجتمعاتنا الخليجية التي فاقت فيها أعداد العمالة الأجنبية أعداد المواطنين. ومن هنا يمكن فهم ما ذهب إليه وزير العمل إن هذه العمالة تمثل أكبر خطر على المنطقة.
نقطة أخيرة تتعلق بالجانب الإنساني من القضية فلا يمكن إلا التعاطف مع العامل الذي يعمل في أشق وأخطر قطاع وهو قطاع الإنشاءات طوال شهر كامل وفي لهيب الصيف ولا يتقاضى إلا 70 ديناراً. ومهما كان مستوى الرواتب في وطنه الأصلي، فهو في نهاية الأمر من شيّد منازلنا وعمّر مدارسنا ومستشفياتنا وشق وعبّد طرقنا لتكون البحرين على ما هي عليه الآن.
 
صحيفة الوسط
16 فبراير 2008

اقرأ المزيد

نهب الأشياء الصغيرة لمن نحب

هناك جدل قديم أو مقابلة بين مفهومين هما: الخاص والعام، لو طبقنا ذلك على مجال العلوم الاجتماعية مثلا لأعدنا السؤال: هل هناك ناظم واحد من القوانين العامة التي تحكم تطور كل المجتمعات، كما ذهب ابن خلدون مثلا ومن بعده بعض المذاهب الفلسفية الكبرى، بحيث ما علينا سوى أن نفتش عن أشكال تجلي القانون العام في تضاعيف البنى المحلية الخاصة، أم أن هناك قواعد خاصة تحكم تطور كل مجتمع أو مجموعة مجتمعات يحب اكتشافها والاسترشاد بها، عوضاً عن الاتكاء على قوالب وأحكام جاهزة؟ هذا سؤال وجيه، لأن الاحتفاء بالعام كثيرا ما جاء مسطحاً ومصاباً بفقر الدم، حيث أغفل الخصوصيات التاريخية والثقافية وأشكال الوعي الاجتماعي، الذي يتطلب الأمر في حالات كثيرة نقل مركز الثقل في البحث إليها، على غرار ما فعل غرامشي مثلاً أو على غرار ما تذهب إليه بعض مذاهب الانثروبولوجيا الحديثة التي تتوجه نحو دراسة نظم القرابة ومكانة البنى التقليدية والعائلة وسواها، خاصة في مجتمعات العالم النامي التي لم تستطع الحداثة أن تفكك فيها هذه البنى. هناك مقابلة أخرى بين الخاص والعام في مجال مختلف هو مجال الاقتصاد، وقد ازداد العالم انشغالاً بهذه المقابلة أو المقارنة منذ أن ظهرت في الثمانينات الميول الريجانية – التاتشرية لإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في الاقتصاد، وهو الميول الذي وجد له رواج في كل مكان. والملاحظ أننا حين نتحدث عن القطاع العام نقرنه غالباً بالفوضى والإهمال وبسوء الأداء والعجز.. الخ، أما القطاع الخاص فهو قرين التنظيم والسرعة والخدمة الممتازة. لاحظ ذلك في علاقتنا المعلنة أو المضمرة مع التعليم الخاص أو مع الطب الخاص. وبعد أن كانت الحكومات مطالبة بأن تنجز وأن تقدم الخدمات، أصبحت الأصوات ترتفع مطالبة بأن تسلم مفاتيح ما أنجزته للقطاع الخاص.  لكن سيظل السؤال قائما حول القدرة على تحقيق المعادلة الصعبة بين رغبة القطاع الخاص في تحقيق الربح ولو بأداء اقتصادي وخدماتي أفضل وبين واجب الحكومات في تحقيق الضمانات الاجتماعية لمواطنيها. وثمة مقابلة أخيرة بين الخاص والعام، تتصل بعلاقة الفرد مع الجماعة. ما هو الخصوصي وما هو العمومي في حياة المرء؟ هل يكفي القول إن حرية المرء تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين كما هو شائع؟ ما نفعل، إذاً، إذا كانت حرية الآخرين هي من الاتساع بحيث تصادر ذلك الهامش المتواضع من حرية الفرد؟ وألا يحتاج المجتمع لكي يكون أكثر انسجاماً واتساقاً بأن يدرك أن هذا القول، حتى لو كان صحيحاً بشكل عام أو مجرد، فإنه بحاجة لتحديد متى يستطيع المرء الموازنة بين واجبه الاجتماعي وبين حقوقه كفرد. في هذا السياق يحضرني بيت من الشعر للشاعر الهندي الكبير طاغور يقول: “أهب الأشياء الصغيرة لمن أحب، أما الأشياء الكبيرة للجميع”.. ألا يكفي ذلك؟
 
صحيفة الأيام
14 فبراير 2008

اقرأ المزيد

الحرية النقابية

مع إن تشريعاتنا العمالية تؤكد على الحقوق العمالية والنقابية إلا إن الانتقادات التي توجه إلى هذه التشريعات كثيرة من بينها أنها لا توفر الأمن الوظيفي، أي أن العامل يفصل ولو تعسفيا ثم تحال هذه المسألة إلى المحاكم وبعبارة أخرى ليس هناك ما ينص قانونياً على الحماية من الفصل التعسفي!! أما فيما يتعلق بالعمل النقابي فهناك مادة صريحة وواضحة أضيفت إلى قانون العمل عام (2006) وهي المادة (110) التي تنص على عدم فصل العامل من عمله بسبب نشاطه النقابي على أن تقضي المحكمة بإعادة العامل إلى عمله وتعويضه عن فترة الفصل متى ثبت أن فصله من العمل كان بسبب نشاطه النقابي. ما نريد قوله من هذه المقدمة هو إن الفصل التعسفي يهدد العامل في كلا الحالتين وما يهمنا هنا هو الحالة الثانية أي النشاط النقابي الذي لا ندري لماذا يطارد هذا الحق في القطاعين الحكومي والخاص؟
صحيح انه من حيث القانون يحظر فصل العامل من عمله بسبب نشاطه النقابي إلا انه ومن حيث الواقع كثيراً ما يتعرض هؤلاء النشطاء إلى مضايقات وتهديدات بل والى التجميد والفصل أيضا وكم من النشطاء النقابيين فصلوا من عملهم بقرارات إدارية متعسفة لا تأبه بالقانون ولا بسوق العمل الذي يشهد في هذا الوقت إصلاحا بدأ بإصلاح التعليم والتدريب والتأهيل وإقرار نظام الضمان الاجتماعي الذي تعد البحرين سباقة في تطبيقه على الصعيدين الخليجي والعربي.فإذا كانت الحرية النقابية مكفولة فلماذا لا تصدق وزارة العمل على الاتفاقيتين الدوليتين ونعني من ذلك الاتفاقية رقم (٧٨) الخاصة بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم والأخرى رقم (٧٩) المتعلقة بتطبيق مبادئ حق التنظيم والمفاوضة الجماعية.. لماذا لا نزيل الحظر على تشكيل النقابات في القطاع الحكومي؟؟ حقيقة هناك فجوة كبيره بين الوضع النقابي وبين الحرية النقابية السائدة في البلاد!!
وعلى هذا الأساس كانت التدابير الإدارية بحق النقابية نجية عبدالغفار نائبة رئيس نقابة البريد مجحفة، والأقسى من ذلك إن هذه النقابية التي تدافع عن حقوق ومصالح العاملين في هذه الدائرة الرسمية هددت بالفصل في حال اتصالها بالصحافة ووسائل الأعلام وفضلاً عن هذا وضعت فيما يشبه بالحبس الانفرادي مجردة من مهامها الوظيفية وممنوعة من الكلام مع الموظفين!! وإزاء هذه المشكلة كم تمنينا من إدارة البريد أن تعلق وتوضح وجهة نظرها حول هذه القضية التي تناولتها الصحف المحلية باهتمام فضلا عن الاعتصام الجماهيري التضامني معها.
إذن من الواضح إن مسألة نجية التي يجري التحقيق في قضية لها علاقة بحرية التعبير على نحو ما اتبع مع النقابي جمال عتيق رئيس نقابة البريد ليست إلا نموذجاً للضغوط المتزايدة على الحرية النقابية!! ولأننا لم نكفل هذه الحرية في القطاع الحكومي فإن التعسف والظلم حتماً سيطال مواقع نقابية أخرى مثلما طال البريد!! بعبارة أكثر وضوحا، إذا كان قانون النقابات يعد قانونا متقدماً لما يحتويه من حماية وإنصاف لحقوق النقابيين فان الحرية النقابية ستظل ناقصة طالما إنها محظورة في القطاع الحكومي ولاشك أن هذا المنع ليس في صالح البحرين.
 
صحيفة الأيام
16 فبراير 2008

اقرأ المزيد

المنبر الديمقراطي التقدمي ودور نشرته “التقدمي”

جاءت دعوة المنبر الديمقراطي التقدمي للعديد من الجمعيات والشخصيات الوطنية إلى حضور الاحتفال الذي أقامه المنبر مساء يوم الأحد بتاريخ 27 يناير 2008م بمناسبة مرور خمس سنوات على صدور النشرة الشهرية “التقدمي” مبعث فخر أعضاء المنبر الديمقراطي، بقدر اعتزاز مؤسسات المجتمع المدني، والمهتمين من طلائع الإنتلجنسيا الوطنية من أصحاب الرأي والضمير والقلم، وبحسب ما جاءت مفاهيم هذه الدعوة مبعث إكبار للمناضلين الوطنيين ذوي الانتماءات الحزبية التقدمية والمستنيرة. ولكون هذا الاحتفال الذي أقامه المنبر الديمقراطي التقدمي قد انسجمت حقائقه وتداعياته، مع تلك الانجازات الإبداعية الفكرية والسياسية والمبدئية، والمكتسبات الأدبية والثقافية والاجتماعية، وما تمخض عن تلك الحصيلة من الانجازات والمكتسبات من تطور (نشرة المنبر) كنشرة لتنظيم سياسي بدأت من صفحتين في بداية “مشوارها” الوطني، ما قبل خمسة أعوام، حتى وصلت في وقتنا الراهن إلى أكثر من (32) صفحة. إن هذا التطور النوعي بارتقائه الفكري والأيديولوجي، وتجليه السياسي والاجتماعي يعود بالأساس وبالدرجة الأولى إلى النتاجات الفكرية والإبداعات الذهنية لأعضاء وكوادر ورفاق المنبر الديمقراطي التقدمي، ومناصريه وأصدقائه.. وما يترتب على طرح قضايا وآراء وفِكَر ودراسات، تعبر عن الانتماءين الحزبي التقدمي والجماهيري الشعبي، وقضايا الشأن العام التي تهم المواطن من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية ومدنية، في ظل المحاولات الحثيثة من أجل النهوض بالمشروع الإصلاحي، بكلمة النقد البناءة الايجابية سواء للسلطة التنفيذية أو للسلطة التشريعية، فضلاً عن تراجم قضايا فلسفية وموضوعات أدبية. لعل ما تزخر به صفحات نشرة المنبر التقدمي، هو تدوين محاضر الندوات والمؤتمرات واللقاءات سواء التي يحييها المنبر أم الجمعيات السياسية الأخرى.. ناهيك عن كتابة مذكرات مناضلي جبهة التحرير الوطني البحرينية.. مناضلي المنبر الديمقراطي التقدمي، من أجل تدوين حقائق معاناتهم وأوجاعهم الحياتية.. وتداعيات أحلامهم وطموحاتهم الوطنية.. ومبادئ تراكمية خبراتهم وتجاربهم النضالية.. ومن ثم إعطاء صورة واضحة الجلاء، جلية المعالم والأبعاد، بجوهر هذه المذكرات للأجيال الراهنة والأجيال القادمة، بل الأجيال المتعاقبة. إنه من الأهمية بمكان القول: إن كُتاب نشرة المنبر الديمقراطي التقدمي، تمتاز كتاباتهم بالنضج الفكري والوعيين السياسي والاجتماعي، بقدر ما يتمتعون بالخلفية الوطنية والتجارب النضالية عبر عقود من الزمان.. وبالتالي تألق هؤلاء الكُتاب.. هؤلاء المناضلون بمواقفهم الوطنية والمبدئية التي من خلالها أكدوا تجلي إرادتهم وترسيخ عزائمهم «في فترة تمتحن فيها نفوس الرجال« حسب تعبير المناضل (توم بين).. مثلما تبؤأوا بنهجهم وفكرهم قمة العطاءات الإبداعية الفكرية والسياسية والأدبية، حينما خُطت أقلامهم الحرة تلك الكلمة “الجريئة”، لتجد طريقها المنشود إلى أذهان القراء.. تلك الكلمة بدلالاتها ومغازيها، قد وجدت صداها في فِكَر المجتمع، وتجاوباً في قلوب الآخرين من الناس البسطاء.. هذه الكلمة الشريفة تجسد دعوة هؤلاء الكُتاب الوطنيين إلى ما يسعون إليه من تطوير المجتمع البحريني وتوسيع سقف الحريات العامة (الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية) وترسيخ المفاهيم الديمقراطية ومبدأ التعددية، ومفاهيم مؤسسات المجتمع المدني، ودولة المؤسسات والقانون، بقدر السعي إلى تطوير المرحلة التاريخية للمجتمع البحريني. في ضوء هذه الكلمة الصادقة، فإن صاحبها، هذا المثقف أو ذاك المثقف الآخر، الذي تجشم عناءها وأعباءها، قد خرج في نهاية المطاف بحصيلة وطنية واجتماعية ومبدئية، عكست بماهيتها، تلك الأحلام المجتمعية والأهداف الجماهيرية ما تستنطقه وتسائله وتستجلي منه الرد إزاء مدى ثمرات مكتسباتها وطموحاتها وأهدافها، بحسب ما تخاطبه بأن مطالبها وحقوقها، هي أمانة تاريخية قد أنيطت بأعناق هذا المثقف.. وخاصة أن هذا المثقف هو المثقف السياسي والحزبي الذي يمثل المعارضة الوطنية التقدمية والمستنيرة التي رفعت لواء أهداف الشعب، وناضلت من أجله، وقدمت الغالي والنفيس من التضحيات الوطنية والتاريخية والمبدئية في سبيل حرياته وسيادته وحقوقه وكرامته الإنسانية. في نهاية المطاف نفخر بالقول: إن ما تقوم به هيئة التحرير لنشرة (التقدمي) للمنبر الديمقراطي ومن ضمنها اللجنة الإعلامية من فعاليات ثقافية وجماهيرية ونشاطات سياسية وفكرية، بأعضائها وكوادرها، وعلى رأسهم الأستاذ فاضل الحليبي، رئيس اللجنة الإعلامية، والأستاذ يعقوب الماجد، المخرج الفني لنشرة المنبر، والأستاذة وجيهة العريض، سكرتيرة المنبر الديمقراطي التقدمي، قد يستحقون الإشادة والثناء، والدعم والمساندة.. بقدر ما يظل الطاقم الإعلامي لنشرة المحرق للمنبر الديمقراطي التقدمي، مبعث فخر أعضاء المنبر، وعلى رأس هذا الطاقم الأستاذ فهد المضحكي الذي بعصارة تفكيره وخلاصة إبداعاته وعطاءاته لم يدخر جهداً إلا وبذله من أجل تطوير نشرة المحرق، منذ إصدارها قبل أربعة أعوام تقريباً.. فتحية إكبار لهؤلاء المناضلين.. مناضلي المنبر الديمقراطي التقدمي بأقلامهم الحرة، وأفكارهم المستنيرة، ومواقفهم الوطنية والتاريخية والمبدئية، التي يستنهض المجتمع إرادته وعزائمه من معين حكمة دلالاتها، ونزاهة مواقفها، ومصداقية إرادتها، بقدر ما يسترشد الشعب طريقه من أوارها المضيء في سماء الحرية بكل ما تحمله الكلمة من معاني النضال المقدس.
 
صحيفة أخبار الخليج
15 فبراير 2008 

اقرأ المزيد

اغتيال البيئة‮..!‬

الأمر الذي‮ ‬يتجاهله كثيرون،‮ ‬أن هناك من لا‮ ‬يزال‮ ‬يصر على جعل البلد كله عقاراً‮ ‬معروضاً‮ ‬للبيع والاستثمار من دون أدنى مراعاة أو اعتبار للبعد البيئي‮..‬
وكم هو مخيب للآمال أن من نظن أنهم مسؤولون ومعنيون بالشأن البيئي،‮ ‬وأننا منهم نستفيد ونستزيد لا‮ ‬يرون بأن البيئة السليمة حق أساسي‮ ‬من حقوق الإنسان،‮ ‬وأنه لا‮ ‬يمكن أن تنفصل تدابير ورعاية البيئة عن التنمية العادلة المتوازنة،‮ ‬فالبيئة السليمة تعني‮ ‬نوعية الحياة،‮ ‬وإمكان الاستمرار في‮ ‬العيش دون منغصات في‮ ‬آن واحد،‮ ‬وسيكون من الخطأ الفادح تجاهل الثمن الباهظ من إهمال الاعتبار البيئي‮ ‬في‮ ‬أساس المعادلة التنموية والاقتصادية،‮ ‬فالخسائر الاقتصادية عن التدهور البيئي‮ ‬يمكن أن تفوق معدلات أي‮ ‬نمو في‮ ‬المسارين التنموي‮ ‬والاقتصادي‮.‬
ورغم كل العناوين والشعارات نفاجأ بأنه لا توجد لدينا حتى الآن رؤية استراتيجية تصوّب الوضع البيئي‮ ‬الراهن،‮ ‬وتحدث عملية اقتحام جريئة وواعية وعلمية ومدروسة لمشكلة البيئة،‮ ‬وتضع الملف البيئي‮ ‬برمته في‮ ‬صدارة أولويات الدولة،‮ ‬وبحيث لا‮ ‬يختزل الاهتمام بهذا الملف كما هو حاصل الآن ببرنامج،‮ ‬أو إجراءات،‮ ‬أو ندوات،‮ ‬أو تصريحات،‮ ‬أو وعود وتطمينات‮ ‬يفهم منها كل صاحب عقل رشيد أنها عديمة الجدوى والفاعلية،‮ ‬ولذلك فلن نستغرب ولن نفاجأ من استمرارية ما‮ ‬يجري‮ ‬أمامنا من تعديات ومخالفات صارخة على البيئة،‮ ‬ولعلنا في‮ ‬هذا السياق نستشعر‮ ‬غصة أمام نوعية من الأخبار التي‮ ‬نشرت في‮ ‬الأيام الماضية فقط والتي‮ ‬تعبر عن أحد أوجه المشكلة البيئية،‮ ‬ودونما الدخول في‮ ‬التفاصيل،‮ ‬فإن هذه الأخبار والتعليقات تشير على سبيل المثال إلى قيام مستشفى خاص بإلقاء نفايات طبية خطرة في‮ ‬حاويات النفايات المنزلية،‮ ‬كما تتطرق إلى عجز الجهات المعنية الاعتراض على مشاريع تنسف الثروات البحرية،‮ ‬وأن هناك مشاريع استثمارية تقدر بعشرات المليارات من الدنانير تستثمر على حساب ثرواتنا البحرية،‮ ‬وتجعل البحر والهواء والماء والموارد الطبيعية عرضة لأنواع ومستويات مختلفة من الملوثات‮.‬
نعلم أنه لا‮ ‬يمكن معالجة المشكلات البيئية دفعة واحدة،‮ ‬ولكننا نعلم أيضاً‮ ‬أهمية وضع الشأن البيئي‮ ‬في‮ ‬سلم الأولويات،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمة محاور الرؤية والاستراتيجية الاقتصادية والتنموية المستقبلية للبحرين التي‮ ‬نفترض بأن مجلس التنمية الاقتصادية قد انتهى من وضعها،‮ ‬وعلى جهات الاختصاص أن تباشر دون تلكؤ تحديد حجم المشكلة البيئية بكل جوانبها وأبعادها وبكل شفافية،‮ ‬وعلينا معرفة الضرر الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن إصلاحه جراء هذه التعديات الحاصلة على البيئة،‮ ‬والأثر على صحة الإنسان،‮ ‬وعلى نوعية الحياة،‮ ‬والسياسة البيئية المتبعة حالياً‮ ‬إن وجدت،‮ ‬وإمكانات التوقف فوراً‮ ‬عن أي‮ ‬عمل‮ ‬ينتج ضرراً‮ ‬بيئياً،‮ ‬حتى لو أدى هذا التوقف إلى تأخير في‮ ‬مشاريع اقتصادية أو إلغائها طالما تلحق ضرراً‮ ‬فادحاً‮ ‬بالبيئة،‮ ‬كما علينا معرفة مدى جاهزيتنا في‮ ‬التوصل إلى خطة تفصيلية عاجلة تعتمد على سياسات ومعايير ومؤسسات وأدوات وتدابير تنفيذية ومدعومة قانونياً‮ ‬وتشريعياً‮ ‬حتى نكون قادرين ومؤهلين على إدارة الملف البيئي‮ ‬بكل كفاءة واقتدار،‮ ‬دون أن ننسى دعم الجهاز المعني‮ ‬بالبيئة وتقويته بالكفاءات والخبرات‮.‬
هناك العديد من الأفكار التي‮ ‬يمكن بحثها اذا انوجد الاهتمام الفعلي‮ ‬الذي‮ ‬يأخذ مداه الحقيقي‮ ‬بالشأن البيئي،‮ ‬فعلينا ضمن هذه الأفكار أن نبحث تعزيز دور الجمعيات الأهلية في‮ ‬مجال حماية البيئة،‮ ‬خاصة جمعية حماية البيئة،‮ ‬كما ندعو الى تفعيل دور المعاهد العلمية والجامعات والشركات والمنظمات في‮ ‬مجال حماية البيئة ونشر تقارير دورية حول وضع البيئة في‮ ‬البلاد،‮ ‬بالإضافة إلى تدارس فكرة إنشاء مجلس أعلى للبيئة كهيئة سياسية مكلفة بمهمة حماية البيئة والتنسيق البيئي‮ ‬بين الوزارات والأجهزة المختلفة ومخولة باتخاذ قرارات ملزمة،‮ ‬كما‮ ‬يمكن في‮ ‬إطار هذا المجلس بحث تشكيل هيئة طوارئ بيئية من أبرز الاختصاصيين والخبراء وذوي‮ ‬العلاقة،‮ ‬تكون مهمتها أن تنجز في‮ ‬أسرع وقت ممكن مسحاً‮ ‬لجميع المشاريع والبرامج البيئية لتقييم نتائجها ومراحل تنفيذها وتقرير إمكانات الاستفادة المثلى منها،‮ ‬وتحدد الأولويات البيئية التي‮ ‬يجب معالجتها خلال سنة مثلاً‮ ‬لتخفيف حدة التدهور البيئي‮ ‬إلى حين بدء تنفيذ برامج الإدارة البيئية المتكاملة التي‮ ‬تتيح إجراء المحاسبة وتحديد مواقع النجاح والفشل،‮ ‬إلى جانب إنشاء أجهزة بيئية فنية لمتابعة الملوثات والقضايا البيئية في‮ ‬مجالات وقطاعات مثل البلديات،‮ ‬الكهرباء،‮ ‬النفط،‮ ‬الصناعة،‮ ‬والانبعاثات الغازية المسموحة من المصانع والآليات والسيارات وغيرها،‮ ‬وفرض تطبيق معايير صارمة بالمراقبة والتفتيش والغرامات والجزاءات‮.‬
أخيراً،‮ ‬لابد أن نعي‮ ‬جيداً‮ ‬أن حماية البيئة هو استثمار في‮ ‬المستقبل‮ ‬يقوم على حس بالانتماء المجتمعي،‮ ‬وأن تدهور البيئة هو خسارة للموارد‮ ‬يقود حتماً‮ ‬إلى مسارات تنموية‮ ‬غير سليمة‮. ‬والسؤال الكبير والمهم ليس ما اذا كان هناك اهتمام أو نوايا صادقة في‮ ‬مجال حماية البيئة،‮ ‬أو أن مشروع قانون بشأن حماية البيئة المعروض على السلطة التشريعية والذي‮ ‬بشرنا بأنه‮ ‬يتماشى مع متطلبات حماية البيئة‮ ‬يترجم هذا الاهتمام،‮ ‬ويعكس تلك النوايا،‮ ‬وإنما هو ما اذا كانت ارادة حماية البيئة الحقيقية متوافرة أم لا؟‮!‬

صحيفة الايام
15 فبراير 2008

اقرأ المزيد