المنشور

قــوة التضــامن

القاهرة – عاصمة جمهورية مصر العربية هي أيضا عاصمة حركة التضامن الأفرو- آسيوي المنطلقة من مؤتمر باندونغ الذي انبثقت عنه حركة عدم الانحياز عام 1955 بمبادرة من زعمائها التاريخيين الراحلين : الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، القائد اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، الزعيم العربي جمال عبد الناصر والرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو. ولئن تغير العالم كثيرا عما كان عليه قبل خمسين عاما، وتغيرت معها أشكال الاستعمار فكذلك تغيرت مضامين حركة عدم الانحياز. لكن الحاجة إلى هذه الحركة أصبحت أكثر إلحاحا في السنوات الأخيرة. وفي القمة الثالثة عشر لحركة عدم الانحياز التي انعقدت في كوالالمبور (24-25/02/2003) عبر ممثلو 116 دولة الأعضاء في هذه الحركة عن أهمية إعادة إحيائها. وكان ذلك قبيل شن الحرب الأميركية على العراق التي انتهت إلى احتلال رسمي لهذا البلد ونوع خاص من الاستعمار في المنطقة. ولعل ما يشهده العالم الآن في زمن العولمة المتوحشة يعيد إلى الذاكرة كلمات الرئيس سوكارنو في خطابه ألترحيبي بوفود مؤتمر باندونغ 1955 : ” أتوسل إليكم ألا تفكروا في الاستعمار في شكله التقليدي فقط، إن للاستعمار أيضا رداءه الجديد الذي يتخذ أشكال السيطرة الاقتصادية والفكرية والبدنية من قبل جماعة صغيرة وأجنبية داخل الدولة. إنه عدو ماهر وعاقد العزم ويظهر في هيئات عدة… كلما وأينما وكيفما ظهر، إن الاستعمار هو شيء شرير يجب أن يستأصل من الكرة الأرضية”. استذكر هذه الكلمات السيد نوري عبد الرزاق السكرتير العام والرئيس بالإنابة لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية في المؤتمر الاحتفالي الذي أقيم في القاهرة في الفترة ما بين 26 – 28 فبراير 2008 بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيس المنظمة في 1/1/1958. وقد اتخذت المنظمة القاهرة منذ ذلك الوقت مقرا دائما لها. وعلى المدى العام الماضي قاد رئيس المنظمة الدكتور مراد غالب التحضيرات لهذا المؤتمر، إلا أن وفاته في 18 ديسمبر الماضي غيبته جسديا عن حضور المؤتمر الذي أهدته المنظمة إليه وفاء للعطاء الكبير الذي قدمه لقضايا شعوب أفريقيا وآسيا من أجل التحرر والتنمية والعدالة الاجتماعية. واستعدادا للمهام الجديدة أمام حركة التضامن في المرحلة المقبلة عقد المؤتمر تحت عنوان “منظمة التضامن في عالم متعولم يقوم على الاعتماد المتبادل”. وشارك فيه إلى جانب ممثلي المنظمات الأعضاء ممثلون عن لجان التضامن الأوربية ومنظمات دولية وإقليمية ووطنية في مقدمتها مجلس السلم العالمي، اتحاد العمال العالمي، اتحاد النساء الديمقراطي العالمي، اتحاد الشباب العالمي، منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي الأميركي اللاتيني، جمعية السلام ونزع السلاح للشعب الصيني، تحالف نزع السلاح الهندي ومنظمة العمل العربية. وشارك في الافتتاح ممثلون عن وزارة الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية وسفارات عربية وأجنبية وشخصيات وطنية مصرية معروفة. وعلى مدى ثلاثة أيام ناقش سياسيون وعلماء من مختلف التخصصات سبعة محاور هي منظمة التضامن في عالم متعولم يقوم على الاعتماد المتبادل، سياسات العولمة الليبرالية الجديدة، تعاظم دور التكتلات الإقليمية، بؤر التوتر وتصاعد الإرهاب، نزع السلاح والحد من الانتشار النووي، تمكين المرأة وحقوق الإنسان وأخيرا التغيرات البيئية والمناخية. وستقوم المنظمة بنشر الأوراق والمناقشات والنتائج في وقت لاحق. الورقة البحرينية كانت الخليجية الوحيدة. أشارت إلى أنه إذا كانت العولمة منذ سنوات تسير بإرادة الإملاءات الأميركية فإن منطقة الخليج وما جاورها تشكل القاعدة المادية التي تستند إليها العولمة على الطريقة الأميركية. فهذه المنطقة تنتج الآن 22.8% و 7.1% من الإنتاج العالمي للنفط والغاز على التوالي. كما أن إمكانياتها الواعدة أكبر من بكثير إذ أن معطيات تشير إلى أنها قادرة حتى عام 2030 على أن تزيد طاقتها الاستخراجية بنسبة 72%. إن تحكم الولايات المتحدة الأميركية بهذه المنطقة يؤمن لها قوة التأثير على تطور العالم وفق ما تقتضيه المصالح الأنانية الأميركية. وحول هذه الحقيقة تتراقص مؤشرات اتجاهات السياسات الأميركية إزاء هذه المنطقة في مختلف المجالات ابتداء من إعلان برامج دعم التنمية في بلدان المنطقة إلى انتهائها باتفاقيات التجارة الحرة الثنائية مع كل بلد على حدة أثبتت تجربة سنة واحدة من تطبيقها أنها تعمل لصالح الولايات المتحدة في الأساس. بينما نشطت هذه الاتفاقيات قطاعات اقتصادية ساخنة كالمال والعقار وغيرها من القطاعات غير الإنتاجية والسريعة التأثر بحركة ومناورات رأس المال المالي العالمي واتجاهاته الجغرافية العالمية. وبواسطة الهيمنة العسكرية والنفوذ السياسي الأميركي يتم فرض بقاء عملات بلدان المنطقة وسياساتها النقدية مرتبطة بالدولار الأميركي المتآكل القيمة يوميا وبأسعار الفائدة التي تقررها واشنطن. وابتداء من الدعوات الأميركية التي نشطت مع بداية الألفية الجديدة لتشجيع دول المنطقة على الإصلاحات الديمقراطية إلى التراخي في هذه الدعوات في مقابل تنشيط تجارة السلاح وتكثيف الحضور العسكري الأميركي والسعي لبناء تحالفات تمهيدا لشن عدوان أميركي على إيران يكون استمرارا لنشر فكرة “الفوضى الخلاقة” ويضع كامل مستقبل منطقة الخليج والعالم على كف عفريت. مصالح ممثلي شركات النفط والمجمع الصناعي العسكري تتطلب نشر بؤر التوتر في مختلف مناطق العالم. وهذا ما تجسده السياسات الراهنة تجاه الأوضاع حول فلسطين وكوريا الديمقراطية وسوريا ولبنان وإيران وتفجير أزمة استقلال كوسوفو أخيرا. فالأرباح التي تجنيها تلك المؤسسات من وراء هذه الأزمات يجعلها لا تتورع عن تعريض العالم لخطر الانفجار بحيث أصبح الرئيس الأميركي يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة. هذا الوضع الذي يهدد كوكبنا على مختلف المستويات يتطلب من المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية غير الحكومية التعبير عن إرادة شعوبها في السلم والديمقراطية والتنمية وحماية البيئة والتقدم الاجتماعي. ورغم إمكانياتها المحدودة تقف منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية في الصفوف الأمامية في المعركة من أجل بقاء وتقدم البشرية.

صحيفة الوقت
3 مارس 2008

اقرأ المزيد

معنويات وفضائح الجنود الأمريكيين

لم تخض الولايات المتحدة حربا من حروب تاريخنا الحديث انطلاقا من دوافع مبدئية صادقة. وحتى الحرب العالمية الثانية التي شاركت فيها إلى جانب الحلفاء ضد ألمانيا النازية وإيطاليا واليابان كانت المنطلقات المصلحية هي التي دفعت الولايات المتحدة للمشاركة أكثر من المنطلقات المبدئية الانسانية التقدمية. وبالتالي فكل الحروب التي شنتها الولايات المتحدة أو خاضتها إلى جانب دول اخرى كانت في المقام الأول بدوافع واعتبارات منفعية استراتيجية سياسيا واقتصاديا، ومهما حاولت واشنطن ان تتستر على هذه الدوافع الحقيقية بشعارات براقة عن حقوق الانسان والديمقراطية ومكافحة الارهاب فان مآربها من هذه الحروب لا تسترها ورقة توت. ولما كانت هذه المعارك والحروب التي تخوضها الولايات المتحدة هي في جلها تنتفي منها صفة المبدئية الصادقة فان ذلك غالبا ما ينعكس على الروح العقيدية القتالية لجنودها العسكريين إذ قلة من هؤلاء الجنود من يقاتل بروح عقيدية ومبدئية، بمعنى انه يحارب من أجل قضية مبدئية إنسانية يؤمن بها بشدة، فغالبا ما تكون دوافع هؤلاء الجنود هي الاعتبارات المنفعية الذاتية والتطلع إلى ما سيحصلون عليه من امتيازات اثناء وبعد الخدمة العسكرية في الجيش. ولعل قصص تدني معنويات الجنود الامريكيين في معظم الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة لا تحصى ولا تعد، ولربما ليس آخرها ما تتناقله الصحافة ووكالات الانباء من حكايات عديدة لهبوط معنويات قواتها في العراق، ومن النادر، ان لم يكن من المعدوم، ان تجد جنديا امريكيا يقول لك انه قطع آلاف الكيلومترات من وطنه إلى العراق لمجرد أنه يؤمن بضرورة حماية بلاده والعالم من “إرهاب القاعدة” أو لمساعدة الشعب العراقي على التخلص من صدام ومساعدته على بناء نظام ديمقراطي يكفل حقوق الانسان، وهو ما تروج له إدارة الرئيس جورج بوش. وليس أدل على ان الولايات المتحدة تشن وتشارك في حروب من منطلقات نفعية انتهازية انها لا تتوانى عن استئجار مقاتلين مرتزقة من مؤسسات امنية أمريكية خاصة، كما هو الحال في العراق، وهؤلاء المقاتلون لطالما تورطوا في أعمال القتل الاجرامي بحق المدنيين على غرار الفضيحة التي تورطت فيها شركة “بلاك ووتر”. دع عنك بالطبع الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال النظامية سواء تمثل ذلك في قتل المدنيين أم فيما يمارسه الجنود الامريكيون من موبقات لا اخلاقية وجرائم وحشية يندى لها جبين البشرية في سجون الاحتلال، ولعل اشهرها ما جرى في سجن ابوغريب قبل نحو 3 سنوات. واينما حلت قوات الاحتلال الامريكية في أي بقعة في العالم ظهرت جرائمها وفضائحها اللاأخلاقية، وبالتالي فكيف يمكن ان نفهم أن الجندي الامريكي يحارب بصدق من اجل قضية مبدئية فيما هو أو العديد من زملائه يتورطون في مثل تلك الاعمال المخزية؟ وليس العراق وحده الذي يشهد حكايات وقصصا لا تعد حول تلك الجرائم والاعمال المخزية، بل في كل البلاد التي ابتليت بالاحتلال الامريكي تعرف مثل هذه الحكايات، بدءا من اليابان، حيث فضائح الجنود الامريكيين وتحرشاتهم واغتصاباتهم بحق الفتيات اليابانيات في أوكيناوا مازالت تتوالى، ومرورا بكوريا الجنوبية والفلبين والصومال وليس انتهاء بالعراق. وحينما نقول وليس انتهاء بالعراق فما عليك إلا أن تقرأ – على سبيل المثال لا الحصر – ما تناقلته صحافتنا الخليجية مؤخرا من فضائح جنودهم الليلية في القواعد العسكرية بالمنطقة، حيث يمضون امسياتهم في العلب والكباريهات لاصطحاب فتيات الليل بكل حرية. وهنا يتعاظم الاحساس المفعم بالمرارة من قبل الشعوب المبتلاة بقوات الاحتلال الامريكية أو بقواعدها العسكرية وذلك للكرامة المسفوحة والشرف المستباح على الصعيدين الوطني والخلقي.. ذلك بأن اغتصاب الفتيات في اليابان أو في العراق أو في أي مكان وكذلك اتخاذ الملاهي في البلدان التي توجد لها قواعد عسكرية وسيلة لقضاء المتعة والترفيه عن جنودها، كل ذلك ليس سوى الوجه الآخر لاغتصاب الوطن واستباحة كرامة شعبه. ومادام الحال هو كذلك لحياة وأوضاع الجنود الامريكيين على اراضي البلدان التي يحتلونها ومنها العراق فلاغرابة ان يخوضوا معارك وحروب ادارتهم في ساعات الجد بروح معنوية هابطة وان تنتشر فيما بينهم الامراض النفسية أو تتفشى فيما بين صفوفهم حالات الانتحار. وعلى سبيل المثال كشف تقرير عسكري ان معدلات الانتحار بين الجنود الامريكيين ارتفعت بنسبة تصل إلى 15% خلال عام 2006م مقارنة بعام 2005م ففي العام الأول بلغ عدد المنتحرين 88 جنديا وفي العام الثاني ارتفع العدد إلى 101 جندي. والحال ان ما يمكّن القوات الامريكية من استمرار احتلال اراضي الغير هو تفوق الجيش الأمريكي الساحق في تكنولوجيا الأسلحة الحديثة البالغة التطور وهي التي تعوض بها عن قصور أداء جنودها وهبوط معنوياتهم، ولو ان القوى المعارضة للاحتلال وحدت صفوفها واتفقت على استراتيجية عمل واقعية لمقاومة الاحتلال لما ظلت قوات الاحتلال الامريكية في أي بلد يوما واحدا، بل لأجبرت على الفرار كفرار الجرذان المذعورة كما حدث لهذه القوات في فيتنام عام 1975م، وكما حدث للقوات الاسرائيلية في جنوب لبنان عام 2000م.
 
صحيفة اخبار الخليج
3 مارس 2008

اقرأ المزيد

مؤتمر أحمد الذوادي

عقد المنبر التقدمي‮ ‬نهار الجمعة الفائت مؤتمرين،‮ ‬أحدهما استثنائي‮ ‬والثاني‮ ‬مؤتمر عادي،‮ ‬ناقش الأول بعض التعديلات المقترحة من قبل اللجنة المركزية على النظام الأساسي‮ ‬للمنبر على ضوء ما كشفت عنه التجربة التنظيمية السابقة،‮ ‬من أجل تجويد أداء المنبر وتعزيز الممارسة الديمقراطية ومبادئ الالتزام الحزبي‮ ‬في‮ ‬صفوفه وهيئاته القيادية والقاعدية،‮ ‬وأقر عددا من هذه التعديلات بينها تقليص مدة الدورة الانتخابية لهيئاته القيادية من ‮٤ ‬سنوات إلى ‮٣‬،‮ ‬وتخفيض قوام اللجنة المركزية إلى ‮٥٢ ‬عضواً‮.‬ أما المؤتمر العام الرابع فقد ناقش وأقر تقارير اللجنة المركزية ومكتبها السياسي،‮ ‬كما اقر الوثائق التي‮ ‬جرت مناقشتها باستفاضة في‮ ‬الورش التي‮ ‬نظمت لأعضاء المنبر،‮ ‬وشملت المحاور الفكرية والسياسية والتنظيمية وآليات العمل الجماهيري،‮ ‬حيث أدخلت تعديلات مهمة على المسودات الأولى لهذه الوثائق في‮ ‬ضوء ما قدم من أفكار من قبل أعضاء المنبر وكوادره،‮ ‬وكذلك من قبل بعض الشخصيات الوطنية من أصدقاء المنبر،‮ ‬التي‮ ‬ستشكل مرجعاً‮ ‬ومرشدَ‮ ‬عمل لنا في‮ ‬الفترة القادمة‮.‬ وقد حرص‮ “‬التقدميون‮” ‬على إطلاق اسم قائدهم الوطني‮ ‬الكبير،‮ ‬الأمين العام لجبهة التحرير الوطني‮ ‬البحرانية وأول رئيس للمنبر المناضل أحمد الذوادي‮ ‬الذي‮ ‬رحل عنهم،‮ ‬بعد انعقاد مؤتمر المنبر السابق العام،‮ ‬ليؤكدوا بذلك انه باق معهم بقوة المثال الذي‮ ‬تجسد في‮ ‬سيرته الكفاحية،‮ ‬وبالنهج السياسي‮ ‬الذي‮ ‬اختطه في‮ ‬الظروف المختلفة،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك في‮ ‬الفترة التي‮ ‬تلت الانفراج السياسي‮ ‬والأمني‮ ‬الذي‮ ‬شهدته البحرين بعد تولي‮ ‬جلالة الملك لمقاليد الحكم‮.‬ وينبع الحرص على إطلاق اسم المناضل الذوادي‮ ‬على هذا المؤتمر،‮ ‬ليس فقط تخليداً‮ ‬لذكراه وتأكيداً‮ ‬لمكانته،‮ ‬وإنما أيضا صوناً‮ ‬للفكرة التي‮ ‬حرص عليها الراحل الكبير بأن‮ ‬يظل‮ “‬التقدمي‮” ‬موحداً‮ ‬وفعالاً،‮ ‬ففي‮ ‬ذلك وفاء لتضحيات أجيال كاملة من المناضلين الذي‮ ‬يعبر هذا التنظيم عن تيارهم الراسخ بجذوره في‮ ‬تربة هذا الوطن وفي‮ ‬وجدان شعبه‮.‬ إن التاريخ المجيد لهذا التيار صنعته تضحيات المئات من النساء والرجال الذين ناضلوا في‮ ‬صمت ونكران ذات،‮ ‬وهؤلاء الرجال والنساء المعتزون بدورهم وتاريخهم وتضحياتهم،‮ ‬يحفظون في‮ ‬صدورهم وقلوبهم معلومات ثمينة عن أدوارهم الكفاحية‮ ‬يفضلون أن تبقى أسرارا تعبيراً‮ ‬عن تواضعهم وتفانيهم‮.‬ حللت الوثائق التي‮ ‬أقرها مؤتمر‮ “‬التقدمي‮” ‬التعقيدات والصعوبات الكثيرة المحيطة بالعملية السياسية في‮ ‬البلاد،‮ ‬خاصة أمام اشتداد مخاطر التفتيت المذهبي‮ ‬والطائفي‮ ‬والعرقي‮ ‬التي‮ ‬استفحلت في‮ ‬الآونة الأخيرة،‮ ‬والتي‮ ‬باتت تشكل تهديداً‮ ‬خطراً‮ ‬للوحدة الوطنية لمجتمعنا،‮ ‬والتي‮ ‬شكل التمسك بها حجر الزاوية في‮ ‬مجمل نهج هذه الحركة‮.‬ وهذا‮ ‬يضع على عاتق التيار الديمقراطي‮ ‬مهمة التمسك بشعار الوحدة الوطنية،‮ ‬وأن‮ ‬يرفع رايتها في‮ ‬كل موقع،‮ ‬ردا على دعاوى الفرقة والتسعير الطائفي‮ ‬والعرقي‮ ‬التي‮ ‬تقف وراءها قوى لا تريد خيراً‮ ‬لهذا الوطن ولا لمستقبله،‮ ‬وتسعى لإفراغ‮ ‬العملية الإصلاحية من محتواها،‮ ‬وإغراق الوطن في‮ ‬صغائر الأمور بدل أن نتوجه جميعا نحو قضايانا الكبرى في‮ ‬البناء الديمقراطي‮ ‬والتنمية المستدامة المتوازنة،‮ ‬وفي‮ ‬تكريس المواطنة المتكافئة في‮ ‬الحقوق والواجبات‮.‬
 
صحيفة الايام
3 مارس 2008

اقرأ المزيد

تعليم الأجانب العربية

مع ازدياد نسب العمالة الأجنبية غير العربية في بلدان الخليج العربي على نحو غير مسبوق خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي أضحت في معظم هذه البلدان تزيد على 50% من نسبة المواطنين، ارتفعت الأصوات الخليجية في المقابل التي تقرع جرس الإنذار من خطر هذا التزايد على التركيبة الديموغرافية لهذه البلدان وتأثيره على الهوية الوطنية لشعوبها بمختلف عناصرها ومنها اللغة، فضلاً عن تأثير تلك الزيادة المطردة على فرص توظيف المواطنين وتوطين الوظائف، وغير ذلك من آثار سلبية أخرى. ولما كان وجود أعداد هائلة من العمالة الوافدة الأجنبية في بلدان مجلس التعاون أمراً فرض نفسه على أرضية الواقع مما يصعب تغييره بين عشية وضحاها، فإن وجود لغات أجنبية بات استتباعا يفرض نفسه هو الآخر على الساحة الاجتماعية المحلية، سواء في العمل أم في المجتمع. ومن نتائج وانعكاسات هذه التعددية اللغوية المفروضة ان أغلب العمال الأجانب الوافدين والذين هم من العمالة غير الماهرة أو المتعلمة والتي لا تلم باللغة الإنجليزية وهي اللغة الوسيطة للتحدث مع الأجانب على اختلاف لغاتهم تضطر الجهات المعنية ذات العلاقة بمعاملاتهم سواء في مؤسسات الدولة أم في مؤسسة العمل أم في المجتمع للتحدث معهم بواسطة مترجم أو التحدث بلغاتهم،هذا إن وجد بعض المواطنين الذين يجيدون قليلا منها. أما في أغلب الأحيان الأخرى فتضطر المؤسسات الحكومية المعنية ذات العلاقة بإنهاء معاملاتهم إلى لصق إعلانات بلغات عديدة لتوضيح الإرشادات أو التوعيات الخاصة بإنجاز تلك المعاملات. وبالطبع فإن مثل هذه الوضعية الشاذة من تعدد اللغات لا تنسجم مع مكانة لغة البلد. ولعل إنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية للأجانب هو من الحلول المهمة التي يفترض ان تلجأ إليها الدول العربية الخليجية التي تواجه جميعها هذه الإشكالية اللغوية والثقافية. فتعليم الأجانب اللغة العربية، ولو من خلال إكساب المتعلمين بعض أساسياتها المبسطة لتساعدهم على الفهم وتمرير معاملاتهم اليومية ليس من شأنه فقط أن يساعد الدولة وكل الجهات والمؤسسات المعنية بتلك المعاملات على حل هذه الإشكالية، بل ومن شأنه ان يسهم في اطلاع هذا الكم الهائل من الأجانب على ثقافتنا العربية الخليجية، من تراث ولغة وتاريخ، ولاسيما المتعلمون والمثقفون منهم الذين قطعوا شوطا معقولا في التعليم والثقافة. كما من شأن هذا الاندماج الثقافي اللغوي ان يسهل على وسائل الإعلام العربية ونشطاء النخبتين السياسية والثقافية توعية هؤلاء الأجانب وجذبهم الى صف قضايانا الوطنية والقومية، بدلا من ان يظلوا في هذه البلدان سنوات طويلة أشبه بالمغتربين اغترابا كاملا عن واقع شعوبها وقضاياها. أضف الى ذلك فإنه اذا ما أصبح ــ لا سمح الله ــ تجنيس أعداد من هذه العمالة الأجنبية في هذه البلدان أمرا واقعا سواء برغبة حكوماتها أم بغير رغبتها، فعلى الأقل يكون هؤلاء المجنسون الجدد يلمون بقدر معقول بلغة أهل البلد بدلا من أن يتحدثوا بلغة عربية مكسرة على نحو صارخ يفضح عجمة ألسنتهم بما يُسيء الى هوية البلد العربية. ولعل من البلدان العربية الخليجية التي التفتت الى أهمية إنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية للأجانب دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي أبوظبي أقام مجلس التعليم في فبراير الماضي دورة تدريبية في اللغة العربية لفريق العاملين الأجانب بالمجلس نفسه. واستمرت الدورة خمسة أسابيع بمعدل 4 ساعات يوميا، واستهدفت الدورة تعليم المشاركين العربية قراءة وكتابة ومحادثة واستماعا على نحو مبسط يساعدهم على تيسير معاملاتهم العملية اليومية، بما في ذلك خلال عملهم بمجلس التعليم في أبوظبي، فضلا عن تمكينهم من الاطلاع على الثقافة الوطنية الإماراتية والقدرة على التواصل مع أفراد المجتمعات المحلية من المواطنين. ويقوم بعملية التدريس مدرسون متخصصون من كلية الإمارات للتطوير التربوي، وقد انخرط في تلك الدورة وافدون من جنسيات مختلفة آسيوية وأوروبية وأبدوا جميعا حماسا لتنظيمها لما لها من فائدة جمة في مساعدتهم على فهم المجتمع الذي يعيشون بين أرجائه. بطبيعة الحال لا تتوافر بين أيدينا معلومات كافية عما اذا تنظم مثل هذه الدورات التدريبية اللغوية في سائر البلدان الخليجية الأخرى، وان كان من المؤكد ان البحرين ليست من بينها، إلا أننا نرى انه بات من الأهمية بمكان ان تقتدي كل دول مجلس التعاون بهذه الخطوة الإماراتية سواء من خلال تنظيم دورات على مستوى المؤسسات التي يعمل فيها الأجانب أنفسهم، أو من خلال، كما ذكرنا، انشاء مراكز تدريبية تعليمية متخصصة لهذا الغرض بحيث تفتح دورات متعاقبة على مدار السنة لمختلف الجاليات الأجنبية المقيمة. ولا شك أن اضطلاع المحطات الإذاعية والتلفزيونية الخليجية بهذه المهمة من شأنه أن يسهم بشكل أو بآخر في حل المشكلة في البلدان المتلكئة عن إنشاء مثل هذه المراكز أو تنظيم الدورات، كما من شأنه أن يسهم في مساعدة غير المقتدرين ماليا مثلا على الالتحاق بتلك المراكز والدورات.
 
صحيفة اخبار الخليج
1 مارس 2008

اقرأ المزيد

ما‮ ‬يجـري‮ ‬لسوريـا كثـير جــداً

من منا لا يقلقه تعاظم الحالة الشمولية ‘المتطورة’ في سوريا. ومن منا لا يضع يده على قلبه من التردي المريع لأوضاع نشطاء الحرية وحقوق الإنسان في هذا البلد العربي العزيز. صحيح أن قلة من أوساط النخبة السياسية والنخبة الفكرية والمثقفة العربية، هي التي أظهرت قدراً أكبر من المسؤولية الأخلاقية، قبل القومية، في إعلان تضامنها الصريح والقوي مع المناضلين السوريين من أجل الحرية وحقوق الإنسان، إلا أن لا أحد يستطيع أن يتجاهل القلق الجمعي العربي، وإن كان غير معلن وغير معبر عنه، حتى الآن، بشأن تماسك الجبهة الداخلية السورية باعتباره شرطاً ومقوماً أساسياً لتمكين سوريا من مواجهة الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية الهائلة التي تتعرض لها بهدف إلحاقها بقطار التسوية الأمريكي المُفَصَّل على المقاس الإسرائيلي. ولكن، بصراحة شديدة، إن ما يجري لسوريا كثير وكثير جداً. فقد تجاوزت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية كل حدود الصراع الجاري عادة في إطار حالة اللاحرب واللاسلم. ووصلت الأعمال العدائية والاستفزازية الأمريكية الإسرائيلية المنسقة ضد سوريا إلى ذروتها وذلك بتكثيف الضغوط النفسية على دمشق من خلال الحضور الإعلامي الواسع النطاق لرأس السلطة في واشنطن والمكرس لمهاجمة سوريا وتهديدها والإعلان عن فرض عقوبات جديدة ومتتابعة ضدها وصلت حد الكيد السياسي الرخيص، والحضور الدبلوماسي الأمريكي المكثف في الجوار المحيط بدمشق الباغي التعريض بالنظام السوري والتحريض الإقليمي ضده والتحشيد من أجل إحكام العزلة عليه وحرمانه من عمقه العربي. وتلعب إسرائيل دور رأس الحربة في هذه الحرب النفسية والسياسية والإعلامية التي تُشن اليوم ضد سوريا. فقامت، بعد التشاور مع واشنطن، بتوجيه سلاحها الجوي للتحليق فوق القصر الرئاسي للرئيس بشار الأسد، ومن بعد شنت غارة على منشأة عسكرية سورية في دير الزور، قبل تتوج عدوانها باغتيال عماد مغنية القائد العسكري لحزب الله في دمشق، وذلك بغية النيل من هيبة النظام السوري وإحراجه وإضعاف معنوياته. ويبدو إن الهدف المركزي للعمل العدائي الأمريكي الإسرائيلي المنسق والسافر ضد سوريا، هو استدراجها، بالاستفزازات المتواصلة، للدخول في مواجهة تنتهي بسوريا إلى المآل الفوضوي الذي تردى إليه العراق. ولذلك نجد أن سوريا اليوم تكاد تقف وحيدة معزولة عن جوارها وعمقها الإقليمي، اللهم اعتمادها على تحالفها مع إيران وحزب الله في لبنان وحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى المعارضة. فهل تكفل هذه المقاربة التحالفية لسوريا المناعة والتحصين اللازمين للتمكن من مقابلة التحديات بجاهزية مادية وبشرية ومعنوية تمكن الوطن والشعب من صد أخطارها المحدقة؟ ليس تماماً، وذلك برسم الانقسام الواضح الذي أحدث شرخاً في جسم الجبهة الداخلية الآخذ في الاتساع مع تصاعد الشقاق بين النظام الحاكم وشبكة المنظمات النشطة في مجال الحريات وحقوق الإنسان، ما جعل الكثير من أعلام الفكر والثقافة والاقتصاد يدفعون ثمن اتساع هذه الفجوة بين السلطة والمعارضين لها سجناً ونفياً واضطهاداً. وهذه بالتأكيد معادلة غير مفهومة على الإطلاق، فالمنطق يفترض أن ينزع النظام للاحتماء بجبهته الداخلية لمجابهة تحديات الخارج لا أن يستعديها ضده ويضعها في خانة واحدة مع تحديات خصوم الخارج. ولعل هذا التعاطي العتيق مع تحديات الخارج – التي كانت دائماً موجودة – وتحديات الداخل (المتقلبة الحدة تبعاً لسير الدورة السياسية ومدى مرونة النظام في مساوقتها)، والذي فاته أن تحديات الراهن المتعولم تختلف كلياً عن تلك التقليدية في زمن العالمية (Internationalisation) السابق لحالة العولمة وتداعياتها – لعـل هـذا التعـاطي مُنْتَهِي الصلاحيـة، هـو الذي يفسر حالة ‘التوحد’ – إن جاز التعبير – التي تعيشها سوريا اليوم، والتي لن يكون ممكنا فك عقدتها من دون تغيير قواعد وأدوات ووسائل التعاطي مع التحديات الشاخصة اليوم أمام دمشق. صحيح ان ‘ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من ضرب الحسام المهند’، ولكن سوريا، بالمقابل، أغضبت أشقاءها في الدائرة العربية بعدم مساعدتها وتسهيلها للتحركات العربية لحل الأزمة اللبنانية. وإذا كان ثمة اعتقاد وجيه وصائب بأن ما يجري لسوريا اليوم هو كثير وكثير جداً، فإن الكثيرين في العالم العربي، بمن فيهم أصحاب هذا الاعتقاد الصائب، يرون أن على سوريا أن تساعد نفسها بنفسها أولاً قبل توقع العون والدعم من عمقها العربي الطبيعي.
 
صحيفة الوطن
1 مارس 2008

اقرأ المزيد

حقوق العمالة الوافدة

صحيح أن الإضرابات العمالية هي من الحقوق الشرعية التي نص عليها قانون النقابات وسؤالنا هنا: إلى أي مدى تتمتع العمالة الوافدة بهذا الحق؟؟ وفي هذا الشأن قال أصحاب الاختصاص: أن العمالة الوافدة إذا ما انضمت إلى النقابات في مواقع عملها يجوز لها أن تمارس هذا الحق من خلال النقابات ما عدا ذلك فلا يجوز لها قانونياً. وعلى هذا الأساس نفهم: أن هذه العمالة إن لم تكن هناك نقابات تمثلهم في القطاعات الإنتاجية فعليها أن “تنچعم” وتقبل باستبداد شروط العمل المجحفة وخاصة الأجور منها!! ومناسبة هذا الحديث هو: ان وزارة العمل ترى بعدم قانونية الإضراب الذي نفذته مؤخراً العمالة الآسيوية في قطاعي المقاولات الإنشائية والخدمات وتعتقد ان السبب الرئيس للمطالبة بزيادة أجورهم ترجع إلى تصريحات السفير الهندي الذي أكد على توجه بلاده لرفع أجور عمالتها في الخارج. ونستخلص من ذلك إن وزارة العمل أدانت هذا التحرك العمالي اعتقاداً منها إن أسبابه تحريضية، الأمر الذي شجّع أصحاب العمل إلى تجاهل مطالبهم بل وشجعهم على استبدال العمالة الهندية بعمالة أخرى آسيوية. وفي هذه الوضعية ماذا تفعل هذه العمالة للحصول على مطالبها وخاصة إن القانون لا يجيز لها الإضراب؟ حقاً انه لأمر محيِّر وخصوصا إن بعض أصحاب العمل لا يعرفون إلا لغة التهديد!! ومع إننا لا تؤيد أن يتدخل السفير أو أية جهة خارجية كانت في شؤوننا الداخلية ولكن أليس من حقه أن يدافع عن مصالح رعايا دولته؟؟ ما هو وجه الخطأ عندما يصرح بان بلاده تسعى لرفع أجور عمالتها في الخارج؟؟ احد النواب له تصريحات حول هذه القضية ولكن نعتقد ان هذه التصريحات متناقضة فهو من ناحية يؤكد على احترام حقوق العمالة الآسيوية الوافدة طبقاً لما تقرره القوانين العمالية الدولية وخاصة فيما يتعلق بالسلامة المهنية وتوفير السكن اللائق والمعيشة المقبولة إنسانيا، ومن ناحية أخرى لا يتطرق بتاتاً إلى الأجور المنخفضة التي تتقاضاها هذه العمالة التي في أحسن أحوالها لا تتجاوز (80) دينارا!! وهل تلك القوانين الدولية لا تقرر زيادة الأجور المتدنية؟! ومن تصريحاته أيضا قال: ما يحدث الآن من إضرابات تؤثر بشكل كبير على شركات المقاولات البحرينية التي يهمنا  أن نمنع الضرر عنها فالتجار هم بحرينيون ومن واجبنا دعمهم وحمايتهم وتعزيز دورهم المهم في نهضة وتنمية البلاد.. وقال أيضا: إن ما يحدث الآن يؤثر على عدة أمور، منها تضرر جذب الاستثمار والتأثير سلبيا على مشاريع التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة حالياً. ومع إننا نشاطر النائب الرأي من أن الاستقرار يعد مناخاً جاذباً للاستثمارات بخلاف العنف والتخريب والفتاوى الدينية المتزمتة والمتطرفة التي لا تخدم لا الحركة الاقتصادية والاستثمارية ولا السياحية ونشاطره الرأي أيضا من أن القطاع الخاص ينبغي أن يدعم حتى يأخذ دوره على مستوى التنمية. وسؤالنا هنا هل واجبنا أن ندعم ونحمي التاجر لأنه بحريني فقط حتى لو دأب على انتقاص حقوق العمالة الوطنية والوافدة؟؟ أليس هذا النوع من التجار وبسبب الإثراء استغلوا هذه العمالة استغلالاً وحشياً على نمط تجارة الرقيق وهم من ساهموا في تردي سوق العمل؟؟ وباختصار.. نحن مع الحد من العمالة الوافدة دعماً للبحرنة وإجراءات سوق العمل الإصلاحية، ونحن أيضا مع الوقوف بشدة تجاه من يعيق ويضر الاستقرار الداخلي المحفز للاستثمارات ولكننا في الوقت نفسه مع الحقوق العمالية سواء كانت للعمالة الوطنية أو الوافدة لان سلبها حتماً سيؤدي إلى الإضرابات العمالية .. فهل نتصدى للمتلاعبين بالحقوق العمالية؟؟ هذا هو المهم.. والمهم أيضا أن لا ننحاز لطرف ما على حساب هذه الحقوق التي كفلتها تشريعاتنا العمالية والقوانين الدولية أيضا.
 
صحيفة الأيام
1 مارس 2008  

اقرأ المزيد

شـكــراً‮ ‬يا لطيفـــة

أبدت النائب لطيفة القعود استعدادها للقاء النساء في قرية بني جمرة من خلال دعوة وجهتها لها القائمات على المجلس، وهذا شيء رائع، كون لطيفة أول امرأة تدخل المجلس النيابي، فمجيئها يبعث الاطمئنان والتشجيع والحب إلى هذه النائب. ويرسم إيحاءات ذهنية في نفوس النساء عن أهمية وجود امرأة في المجلس النيابي علماً أن عمل المرأة كنائب شيء له خصوصياته الإيجابية. أما بقية حديث الجلسة فهو إيحاء آخر. وهدف له سماته الخصوصية. وفي هذا المجال يحق لنا أن ننقل بعضاً من الندوة المثمرة التي تحدثت فيها هذه المرأة النائب. لقد كانت الدعوة موفقة حيث احتشدت كثير من النساء من قرية بني جمرة وغيرها بجانب عدد غير قليل من الصحفيات في ذلك المجلس النسائي، وكانت نوعية الأحاديث جديدة بالنسبة لنساء قرويات اعتدن على الأحاديث البسيطة وغير المجدية لا على المستوى السياسي ولا الاجتماعي والثقافي، أحاديث تناولت الكثير من الجدل حول الأربعين مليون دينار المخصصة للغلاء. بدأت النائب لطيفة بشرح وفير حول التضخم، وعرفته بأنه موضوع هام، وهي ظاهرة مستشرية في مجتمعاتنا العربية والعالم. لقد شغلت وتشغل هذه الظاهرة الإنسان العادي الذي يعيش على لحمة بطنه، فكيف بهذا الغول الذي بدأ يلتهم كل ما حوله! والسؤال هنا: هل نحن بصدد ظاهرة مؤقتة أم مرض مستديم؟ . تجيب النائب لطيفة: بأن هذا الغول يمكن أن يستديم في مجتمعاتنا بسبب أمور اقتصادية متعددة الأسباب، من ضمنها انخفاض قيمة العملة، وبسبب القوة الشرائية المرتفعة. وهذا بحد ذاته تضخم، والتضخم يؤثر على الدخل القومي بشكل عام، كما يؤثر على ميزان المدفوعات والإنتاج والموازنة وأسعار العملات والتوزيع العادل للثروة، فإذا حصل كل ذلك انتشر الفساد وأصبحت الفروقات  الطبقية أكبر من ذي قبل، فتنتشر الرشوة. وهذا أمر طبيعي لأن الموظف بشكل عام يتجه إلى الرشوة حتى يغطي النقص في المعاش المتآكل. وعن الإجراءات الحكومية، هناك حزمة من السياسات منها  تقليص الإنفاق الحكومي والضرائب على الإيرادات المتمثلة في إيراد الشركات، وقد يكون التضخم مستورداً كون عملتنا مرتبطة بالدولار. تقول القعود: كثير من السلع يدخل فيها سعر النفط، إذا ارتفع النفط ترتفع السلعة، لهذا فنحن مستوردون للتضخم إذا أنفقت الحكومة أكثر سواء في شراء الدواء أو شراء البضائع الأخرى، هناك كتلة نقدية متاحة للجمهور يحصل عليها عن طريق القروض من البنوك وهذه تؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة (أو ما يسمى بالتضخم المالي)، الاقتراض بالنسبة للمستثمر مكلف، وينعكس على المنتج وعلى المستهلك، لهذا نرى المستثمرين يتراجعون والإنتاج يقل، والصادرات أيضاً تقل، وبالتالي يحدث عجز في الميزان التجاري ويتأثر ميزان المدفوعات إذا انخفضت أسعار الفائدة. لكن لا توجد إحصائيات لكل ما أقوله، تقول النائب القعود، وإن وجدت فهي نصف سنوية أي بعد اقتراض الناس من البنوك. يعيش الناس على التنبؤات وهذا غير صحيح في عالم الاقتصاد المليء بالمفاجآت، الدراسة الميدانية المدعمة بالتحليل الاقتصادي هي مربط الفرس، وهي التي من خلالها نبني مستقبلنا، وبالنسبة لسلة أسعار المستهلك تقول القعود: لا يوجد في البحرين سلة نقود، عادة نسبة التضخم تكون عادية إذا كانت من 1٪ إلى 2٪. في البحرين ليست لدينا سلة ولا نعرف التضخم الحاصل. ما نعرفه هو من الخارج. عموماً من 3٪ إلى 4٪ تعتبر تضخماً بمعنى خلل ونحتاج إلى معالجة، ويجب أن نتحكم في الكتلة النقدية من بنك البحرين المركزي. طرحت القعود عدم إمكانية فك الدينار البحريني عن الدولار بسبب الصعوبة الناجمة عن ضآلة اقتصادنا بالنسبة لبقية الدول مثل الكويت (اقتصادنا لا يعادل حتى ميزانية شركة صغيرة في أمريكا). الفك عن الدولار يمكن أن يتسبب في نزول قيمة العملة البحرينية بشكل دراماتيكي. هناك أسئلة وجهت للقعود حول سبب ارتفاع الأسعار في مواد البناء والإيجارات، لكن النائب القعود اعتذرت عن الإجابة بقولها: لا توجد معلومات لدينا حالياً، وأضافت لقد رفعنا هذه المشكلة إلى مجلس الوزراء. وعن الأربعين مليون دينار قالت القعود بأنها ستصرف إلى كل بحريني راتبه 1500 دينار أو أقل بمقدار 50 ديناراً في الشهر. وسنحتاج  من 60-80 مليون دينار في عام 2010. أما مداخلات النساء فقد اتصفت بالسلبية لكن القعود تجنبت الرد على كل شيء، وعموماً كانت الندوة مثمرة وجديدة من نوعها وتطوراً في مجالس النساء. شكراً يا لطيفة، لقد أثمرت جهودك ونتمنى لك التوفيق.
 
صحيفة الوطن
1 مارس 2008

اقرأ المزيد