المنشور

شيء من عبق آذار !!

في حياة شعوب الأرض قاطبة توجد لحظات مضيئة من التاريخ، محفورة في الذاكرة الجماعية من أيامٍ- ليست كسائر الأيام العادية- تستلهم منها الأجيال، التي تترى تباعا سرّ ديمومتها، اخضرارها الأبدي وتجددها السرمدي، التي لولاها (تلك الأيام الرمزية المجيدة)، لما استطاعت الشعوب أن تتطور وترتقي ولم يكن بمقدورِ التاريخ من الدوران، في حركته اللولبية -أبدا- نحو التقدم! يُشكل شهر مارس/آذار بالنسبة للتاريخ الحديث لهذه الفسيفساء / أرخبيل البحرين: هيبة، عزّة، شُموخ وجلال.. يرتشف من منهله، الذي لاينضب، جيل بعد جيل بدون أن يرتوي أو يشفي غليله! ففي كل مارس تجدد الطبيعة نفسها، حيث ‘النيروز’ يشق غسق الدجى، ببساطه الأخضر..وان كانت الأرض ظمآنة- حينئذ- لدماء حمراء قانية!كنا ثلة من اليافعين، لم نبلغ بعد مبلغ الرجال وان كنا ملأى بثقافة الحرية والتقدم المجلوبة من بذور الأفكار الجديدة التي أينعت و أثمرت بعد أن ذرّها كوكبة من الرواد قبلنا على هذه الأرض العطشانة، من شتى مدارس الحداثة أمثال ‘نظام’، ‘الباكر’، ‘مدان’ وآخرين .. نحمل في جوانحنا عزيمةً، سحريةً تحرك الجبال .. فانطلاقة الفتوّة، رمح لايخطىء الهدف ورصاصة جامحة تخترق المستحيل! شاء التاريخ -يومئذ- أن يضع على أكتاف ذلك الجيل الفتيّ، مسؤولية إشعال فتيل الشرارة الأولى لتلك الانتفاضة الجامعة في ساحة مدرسة الثانوية للبنين بالمنامة، في الأسبوع الثاني من مارس/ آذار سنة ,1965 تضامنا مع عمال ‘بابكو’، الذين أصبحت أرزاقهم عالقة في مهب الريح بسبب التسريح الجماعي للعمال البحرينيين من جراء تطبيق خطة الأتمتة ؛ ‘زيرو ديفكت’. كاتب هذه السطور، كونه شاهد عيان على تلك الانتفاضة، كان له شرف المشاركة فيها والحماس لها (بدون أي تباهىِ أو مزايدة) كأي تلميذ في مثل عمره -وقتئذ- في الصف الأول الثانوي في مدرسة المنامة الثانوية تلك، محاولا هنا وبكل أمانة – اعتمادا على الذاكرة – ترتيب أهم أيام أحداث ذلك الشهر، مع شيء من التركيز على مدينة المنامة وساحة المدرسة تلك، كونهما الساحتين الرئيستين للشرارة الأولى من جهة، وكوني ‘مناميّ’ من جهة أخرى .. ولعله من الأجدى ولسهولة تتبعها، يستحسن تلخيص مختصر يوميات الأحداث في الآتي: 
– يبدون الأخوة الكرام ( شاهدي عيان الأحداث)، الذين كتبوا عن ذكرياتهم عن مارس، عدم اتفاقهم على تواريخ الأيام بالضبط أو عدم تذكرهم ذلك مما أدى إلا خلط التواريخ بالأيام!
- هناك شيء من الانحياز والنرجسية والفئوية لادعاء أسبقية مشاركة مناطق وأماكن محددة من البحرين في الانتفاضة، منطلقة جُلّها من حبهم لمدينتهم وانحيازهم لمدرستهم السياسية.
- تقويم سنة 1965 هو بالضبط: 1 مارس/ آذار كان يوم اثنين مما يعني أن 5 مارس/ آذار كان يوم جمعة، 11 مارس/ آذار كان يوم خميس(هجوم الخيالة على الحرم المدرسيّ)، 13 مارس/ آذار يوم سبت (مظاهرة المنامة الكبرى) 14 مارس/ آذار كان يوم ‘الأحد الدامي’ الذي سقط فيه أربعة شهداء من المنامة دفعة واحدة!
- الشرارة الأولى كانت يوم الأربعاء 10 مارس/ آذار في الفسحة المدرسية حين أخرج زميلنا تلميذ الصف الأول ثانوي ‘سيد إبراهيم سلمان مكي’ (من سنابس- أصله من قرية الحجر) من تحت إبطه لفة من قماش أحمر اللون مع هتافات من’زمرتنا’ ومن المحيطين بنا (اتفاق مسبق)، ولكن خفت الهتاف والحماس تدريجيا، وانزوينا بين جموع التلاميذ، راجعين إلى الصفوف
- الخميس 11 مارس/ آذار تعالت الهتافات واندلعت المظاهرة في ساحة المدرسة مع عضد ومساندة من عمال بابكو الذين تجمعوا في الساحة الخارجية المقابلة للمدرسة (يقودهم عناصر جبهة التحرير العمالية)، مما أدى إلى هجوم الخيالة الشهير على الحرم المدرسي، تسبب فيه المهاجمون (من حيث لايريدون) في رد فعل عاطفي وقّاد من قبل التلاميذ،الأمر الذي سهل التحام طلابي – مستحب- قل نظيره، من مختلف الاتجاهات السياسية.
- جرى اعتقال خال سيد إبراهيم، في ذلك اليوم؛ نصر عبدالله معيوف (انتشرت حينئذ شائعة بمقتله)
- الجمعة 12 مارس/ آذار كان يوم التنسيق السري والإعداد العملي للمظاهرة الكبرى التي شهدتها البحرين قاطبة في اليوم التالي، ويبدو انه حدث بعض التجمعات والمظاهرات المتفرقة واعتصام خطابي في احد مساجد المحرق أبان صلاة الجمعة (لم تحدث مظاهرات كبرى)!
- السبت 13 مارس/ آذار يوم المظاهرات والمسيرات الكبرى المنظمَة على أثر المشادة المصطنعة بين سيد إبراهيم والمرحوم عبدالله يتيم أمام مبنى البلدية القديم، تحت شعار؛’ حرية..ديمقراطية..عاشت ذكرى البلدية’ بعد الظهر، بتخطيط من جبهة التحرير وبإشراف ميداني من الكادر القيادي عبدالله البنعلي، حيث جاوز عدد المشاركين في شوارع المنامة عشرين ألف شخص وفي المحرق ألوف مؤلفة أيضا.
- الأحد الدامي (في تاريخ البحرين الحديث) 14 مارس كانت ذروة المسيرات وبدء إطلاق الرصاص الحي وسقوط أربعة شهداء من جزيرة المنامة وهم : فيصل عباس القصاب/جاسم خليل عبدالله/عبدالنبي محمد سرحان/عبدالله مرهون سرحان .. وأعتقد انه من الإنصاف والمنطقي أن يحدد هذا ليوم بالذات (14 مارس/ آذار) كيوم مشترك للشهداء في مملكة البحرين!
- صدر في يوم الاثنين 15 مارس/ آذار بيان سياسي تاريخي حمل توقيعا مشتركا لستة قوى سياسية(يقال أنه طُبع بواسطة جبهة التحرير)، تضمن مطالب أساسية ومنتقدا بيان الحكومة الصادر في 13 مارس/ آذار.
- جرت الاعتقالات المتسلسلة بعد حريق ‘الكمباوند’ (مكان الديري كوين بجانب حديقة السلمانية) أما في يوم 15 أو 16 من مارس/ آذار، حيث اعتقل علي دويغر، علي ربيعة ثم أحمد الشملان وآخرين. 
– لم يجر اعتقال التلاميذ الذين كانوا تحت السن القانونية (حسب اجتهادي) بل فُصلوا لاحقا من المدرسة ولم يُسمح لهم بتقديم الامتحانات الرمزية بعد شهور قصيرة من الانتفاضة..كنت أحد المفصولين من بين عشرات من التلاميذ واعدنا السنة الدراسية نفسها بعد أن سُمح لنا في سبتمبر بالرجوع إلى مقاعد الدراسة.
- حتى نكون منصفين فيما يتعلق بمشاركة القوى السياسية الثلاث الجامعة حينئذ في أحداث مارس وهم جبهة التحرير والقوميين والبعثيين، لابد لي أن اعبر عن وجهة نظري الشخصية عن تلك الإسهامات راجيا أن لا يأخذني الميل والانحياز للطرف الأقرب إلى قناعتي السياسية وان حدث ذلك فأتمنى أن يكون حسن النية شفاعتي.. مفاد رأيي هو أن القاعدة الشعبية وان كانت قومية وناصرية الهوى وخصوصا في المحرق وجيوب المنامة(أهمها الحورة) إلا أنها كانت حركة فضفاضة واسعة تعوزها التنظيم والانضباط الحزبي مما سهل عمليتي الاختراق والاعترافات ومن ثم الاحباطات والتحولات والانشقاقات، على عكس التحرير التي اتسمت منذ البداية بالعمل السري المبني على آلية الخلايا العنقودية بالرغم من صغر حجمها التنظيمي، ساحة نفوذها الأقوى كانت في المنامة والقرى الشمالية والوسط العمالي. أما البعثيين في البحرين فقد اتسموا وما زالوا بالحضور النخبوي المبني أساسا على المثقفين والمتعلمين والكفاءات الإدارية، مما سهل عليهم مشاركة النظام ومعارضته في آن واحد.
- من المؤكد أن انتفاضة مارس/ آذار قد مهّدت وسرّعت في استقلال البحرين السياسي بالرغم من الضحايا وسوء التقدير من كل الأطراف ولكن هكذا هو سير التاريخ؛ البعض يزرع والآخر يحصد!
- وأخيرا- ليس آخرا- فان هذه الملاحظات، على عجالة وفي هذه المساحة المحدودة، لا تعدوا إلا أن تكون أولية، شخصية بحتة، ناقصة وغير محصّنة عن الأخطاء التاريخية والتقييمية!
هذه نقاط من بحر.. وهناك الكثير الذي يمكن قوله ولكن ليس كل ما يٌعرف يُقال! .. بالطبع لكل مشارك من الآلاف المؤلفة من المواطنين، الذين عاصروا تلك الفترة العصيبة، نقاطه وتحليله وذكرياته الخاصة. إلا أن الضرورة تقتضي الآن، التوثيق العلمي لتاريخنا الوطني مما يستوجب الجهد الجماعي النزيه والمحايد بلا مبالغات أو شطحات، ولذلك جميعنا في حاجة ماسة- أكثر من أي وقت مضى- إلى أن تُفتح الملفات الرسمية والأمنية لتلك الفترة أمام الباحثين، بغرض الوصول إلى توثيق تاريخنا المشترك، من مختلف الزوايا والرؤى بما فيها الرسمية وذلك لأهميتها التدوينية المتوفرة. وعندما نصل إلى تلك الدرجة من الشفافية المرجوة من قبل الجميع فان الحقائق تنجلي ناصعة واضحة، دون ادعاء أو بهرجة، لتجد طريقها للنشر في مناهجنا الدراسية، أسوة بالدول المتقدمة التي توفر تاريخها الوطني الحقيقي لطلاب الدراسة ولصفحات التاريخ!
 
صحيفة الوقت
16 مارس 2008

اقرأ المزيد

الأردن ومكافحة الغلاء

في اطار السعي لإطلاق حوار مجتمعي شامل جاد ومثمر حول أزمة الغلاء الراهنة في بلادنا والآخذة في التفاقم يوما بعد يوم عاصفة بحياة الفقراء وذوي الدخل المحدود بوجه خاص، وشرائح واسعة من الطبقات الوسطى بوجه عام، استعرضنا في الأسبوع الماضي نموذجين احدهما خليجي (الامارات)، والآخر غربي (فرنسا) من نماذج الجهود العربية والدولية على المستوى الرسمي لمكافحة غول الغلاء المستشري، أو على الادق للتخفيف من حدته. ومن اجل تفعيل وحفز هذه الجهود على المستوى الشعبي نيابيا وحزبيا ونقابيا ومدنيا بدلا من الانشغال في قضايا تافهة أو في احسن الاحوال بقضايا مهمة لكنها أقل أهمية من هذه القضية الآنية الملحة المصيرية، نتناول في هذا المقال تجربة الأردن في الجهود المبذولة لمكافحة الغلاء من خلال الأطر الشرعية والوسائل السلمية المشروعة كما نشرتها أغلب الصحف المحلية الاردنية في الأسابيع القليلة الماضية، أولا: الاعتصام الذي دعا اليه الملتقى الوطني للأحزاب الوطنية والنقابات المهنية في مجمع النقابات المهنية، حيث شارك فيه بضع مئات، ورفعت خلال هذا الاعتصام اللافتات والشعارات التي تندد برفع الأسعار وتطالب بالعودة عن ذلك. ثانيا: العريضة التي يزيد طولها على عشرين مترا وتحمل تواقيع آلاف المواطنين من مختلف المواقع السياسية والاجتماعية والمهنية، التي عرضتها حملة “لا لزيادة الأسعار” لمدة تقرب من خمس ساعات أمام مجلس النواب، والتي تطالب النواب بعدم الموافقة على زيادة الأسعار. ثالثا: الاعتصام الرمزي الذي نفذته احزاب المعارضة امام مقر جبهة العمل الاسلامي، وذلك للتعبير عن احتجاجها على الارتفاع المتوالي للأسعار، وخاصة اسعار السلع الضرورية. وأعلن الناطق باسم احزاب المعارضة أن رفع رواتب العاملين لا يشكل حلا لمعضلة ارتفاع الاسعار ولا يغطي الفروق الناتجة عن هذه الارتفاعات. وطالب الناطق باسم احزاب المعارضة بأن تنفذ الحكومة تعديلات جوهرية على قانون ضريبة الدخل، وذلك باتجاه زيادة ايرادات ضريبة الدخل وبشكل تصاعدي، وأن تقوم الحكومة باستيراد بعض السلع وتسعيرها ومراقبة الالتزام بالأسعار. رابعا: تنظيم العديد من الندوات التي جرت في مقار الأحزاب والمنظمات والتي صدر عنها عشرات البيانات والنداءات التي تطالب بالعودة عن خطوات رفع الاسعار وضرورة إعادة النظر في السياسة الاقتصادية. خامسا: الاضرابات والاعتصامات الواسعة التي نفذها آلاف السواق وأصحاب شركات النقل احتجاجا على رفع الاسعار. سادسا: التحركات الواسعة التي جرت في العديد من المحافظات، فقد اصدر الملتقى الوطني للأحزاب السياسية والفعاليات الشعبية والنقابات المهنية في محافظة الكرك بيانا يدعو فيه الجماهير للمشاركة في خيمة الاعتصام المفتوح في قاعة مجمع النقابات المهنية في الكرك كل يوم من الساعة السادسة حتى الثامنة مساء للتعبير عن رفضها زيادة الاسعار. سابعا: التجمع الذي تكرر في مجمع النقابات في اربد للتنديد بسياسة رفع الأسعار، والندوات التي عقدت في المجمع لهذا الغرض . على أنه يمكن القول في ضوء استعراضنا النموذج الاردني للتحركات والجهود الشعبية والسياسية والنقابية لمكافحة الغلاء إن هذا النموذج العربي ليس بالطبع النموذج الوحيد القدوة، إذ ان هنالك بالتأكيد نماذج عربية عديدة اخرى مشرفة تعكس تجاوبا واحساسا حقيقيين صادقين لتلك القوى بنبض الشارع وهموم الجماهير الحقيقية بمختلف فئاتها، ذلك ان انين الغالبية العظمى منها من الغلاء والجور منه، جنبا إلى جنب مع ثبات الاجور على حالها، كل ذلك يشكل السمة المميزة للحياة العامة في اللحظة التاريخية الراهنة بكل البلدان العربية على السواء لا الاردن وحده او البحرين فقط. وباتت هذه الازمة المحتدمة تدفع جديا الآن بتهديد استقرار وتماسك كل المجتمعات العربية وتهدد امنها القومي الداخلي وبخاصة في ظل تفاقم وتراكم المشكلات والازمات الاخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والدينية. كما من الواضح جيدا ان التسونامي الحالي المتدفق من موجات الغلاء المتعاقبة سريعا من دون ضوابط او من دون التخفيف ولو نسبيا من حدتها ومعالجة آثارها الخطيرة باتت تهدد حياة السواد الأعظم من المواطنين، ولن تنفع معالجتها القشورية بزيادات هزيلة في المرتبات أو بعلاوات مؤقتة. والاخطر من ذلك فانه من المتوقع ان تزداد مع هذا الوضع المعيشي المأزوم نسبة من هم على خط الفقر أو تحته، ولاسيما في ظل تزايد الفساد. ولعل مبادرة الدولة، انطلاقا من مسؤولياتها الوطنية العليا واحساسها بالتحديات الملموسة التي باتت تواجه الامن الاجتماعي، بتحديد اسعار أهم السلع الغذائية ومراقبتها والاسراع في اصدار قانون حماية المستهلك، وسن قانون جديد لضريبة الدخل يفضي إلى فرض ضريبة على أساس تصاعدي.. لعل كل ذلك يسهم في التخفيف من حدة الازمة وغلواء الغلاء. كما من الأهمية بمكان على المستوى الشعبي حفز المبادرات الخيرية من قبل كبار الاثرياء وأهل الخير لمساعدة المنكوبين بتسونامي الغلاء في الوقت الراهن قدر الامكان، ولاسيما ان نسبة كبيرة من هؤلاء المليونيرية والمليارديرية هي المستفيدة من هذا “التسونامي” الذي زادها ثراء فيما زاد الفقراء فقرا. وأخيرا فلعل تفعيل دور الجمعيات التعاونية وتأسيس المزيد منها، ودعمها من قبل الحكومة والقطاع الخاص لتبيع السلع الضرورية بأسعار مخفضة ولو نسبيا، لهو من الاجراءات والتدابير المطلوبة على الصعيد الشعبي وإلا فلا معنى لوجود الجمعيات التعاونية في بلادنا مادامت لا تفترق أسعارها عن أسعار “السوبرماركت”.
 
صحيفة اخبار الخليج
16 مارس 2008

اقرأ المزيد

تأليه البطل في‮ ‬الثقافة العربية

يختلف كل طرف في‮ ‬تفسيره لبعض المفاهيم والمصطلحات انطلاقا من رؤيته الفكرية والسياسية للأشياء،‮ ‬وقد لا‮ ‬يلتقي‮ ‬كل المختلفين حول تفسير واحد للمفهوم الدائر حوله النقاش والحوار؛ فقد اختلفت الأطراف حول معنى الحضارة والثقافة والعنف الثوري‮ ‬والإرهاب وغيره من المفردات،‮ ‬ولن نحاول هنا الابتعاد أو الاقتراب من مواقفها بقدر ما سنعرضها كحقائق قائمة‮. ‬نحاول في‮ ‬مقالة مقتضبة أن نلامس الوعي‮ ‬المجتمعي‮ ‬العربي،‮وهو وعي‮ ‬مستلب تاريخيا،‮ ‬يستمد مرجعية تلك المسألة التاريخية أو الحالية من عمق وجذور بدائية،‮ ‬وهي‮ ‬ليست محصورة في‮ ‬ثقافة شعب محدد،‮ ‬وإنما مرتبطة بكل الشعوب البدائية وثقافتها وانثربولوجيتها،‮ ‬كونها لم تتطور في‮ ‬فهم الظواهر الطبيعية والمجتمعية،‮ ‬بل وحاولت توظيف القضايا المجتمعية وإسنادها بتلك المرجعية كمتكئ من تحويل العجز الجماعي‮ ‬إلى بطل خارق خارج القوى الطبيعية والإنسانية إلى درجة التأليه،‮ ‬وبأن البطل‮ ‬غير عرضة للخطيئة والهزيمة والانكسار والخيانة‮.‬ وقد قدمت لنا الأسطورة الإغريقية ومسرحها نماذج أعمال عن البطولة الخارقة للآلهة ونصف الآلهة‮. ‬وقد سحب وامتد الوعي‮ ‬التاريخي‮ ‬على وعينا المعاصر في‮ ‬تربة تفتقد اللاعقلانية في‮ ‬تفسير الظواهر،‮ ‬حتى بدا البطل اللااخلاقي‮ ‬مقدسا‮ ‬يبلغ‮ ‬قداسة الطهرانية،‮ ‬وتجسيدا لرمزيته تحول إلى أيقونة أبدية وبات من الصعب اختراق الوعي‮ ‬المستلب،‮ ‬إلا بوعي‮ ‬تاريخي‮ ‬متقدم‮ ‬يفتت تلك البنى المجتمعية وتابوهاتها المحصنة‮. ‬لا نرغب هنا استعراض نماذج عالمية سقطت فيها الشعوب بعاطفة التأليه وقداسة البطل‮/ ‬الفرد،‮ ‬القادر على انتشال عجزنا نحو عوالم مقدسة‮. ‬ربما كان جوزيف كامبل في‮ ‬كتابه‮ “‬البطل بألف وجه‮” ‬يقدم لنا أنماطا حية في‮ ‬الإرث الإنساني‮ ‬حول ذلك التأليه‮. ‬لقد مات ستالين كما‮ ‬يقول ديمتري‮ ‬غولوغونوف المؤرخ التاريخي‮ ‬الروسي‮ ‬ولكن ما لم تمت هي‮ “‬الظاهرة الستالينية‮” ‬وهي‮ ‬أكثر تجذرا وتشكلا للبطل المقدس،‮ ‬الذي‮ ‬وان اختفى خارج الوجود تبقى صورته الصنمية المحسوسة أو رمزه المجرد‮ ‬يحتل عقلنا،‮ ‬غير أن ذلك البطل المقدس تتم إزالة الغشاء عن حقيقته،‮ ‬ويتم نقده بالوقائع،‮ ‬ولكن جمهوره وأنصاره لا‮ ‬يقبلون بتلك الحقيقة‮.‬ ‮ ‬لهذا ظل ومازال هتلر معبودا لدى جماعته حتى وان حرق كل أوروبا بنازية بغيضة وتمثّله تلامذة مثل فرانكو وموسوليني‮. ‬وهناك من الأمثلة الكثيرة في‮ ‬العالم بتعددية الأنظمة واختلافها،‮ ‬ومجتمعاتنا الإسلامية والعربية جزء منها‮. ‬ولكي‮ ‬لا نتوغل في‮ ‬النماذج التاريخية الضاربة في‮ ‬العمق التاريخي‮ ‬ولا حتى تاريخنا الحديث من قرننا المنصرم،‮ ‬فإننا سنقف بعجالة أمام المسألة الخلافية دائما كأمثلة قريبة جدا،‮ ‬فقد اعدم صدام منذ شهور،‮ ‬وعلى الرغم من اجتياحه العدواني‮ ‬على الكويت ولا‮ ‬يختلف اثنان حول طبيعته العدوانية،‮ ‬فان أنصاره البعثيين،‮ ‬أقاموا له في‮ ‬البحرين تأبينا بحجم قوتهم السياسية البائسة،‮وتقاسم الأخوة القوميون من الشيعة والسنة صنميتهم لصدام كونه‮ “‬بطلهم المقدس حامي‮ ‬البوابة الشرقية‮” ‬اتحدا في‮ ‬التأليه؛ فغضب طابور من الشيعة على أساس جرح مشاعرهم وتضامنا مع الطائفة وليس الشعب العراقي‮!! ‬هذا مجرد مثال للبطل المهزوم‮. ‬وقد‮ ‬غادر جورج حبش منسيا دون أن‮ ‬يحظى بتوديع البطل المقدس،‮ ‬وإنما بتأبين متواضع،‮ ‬دون أن‮ ‬يتعرض لنقد حقيقي‮ ‬كونه قائدا كبيرا للإرهاب اليساري‮ ‬في‮ ‬زمن السبعينات ولخطف بشر وطائرات بحجة أنها عملية نضالية لقضية مقدسة‮. ‬هذه التراجكوميديا في‮ ‬زمنها المنكسر ربما‮ ‬يتعرض صاحبها في‮ ‬السبعينات للخطف والاغتيال والتصفية لو انتقد بطلها،‮ ‬إذ لا‮ ‬يجوز تخطئة البطل المقدس ومحاسبته،‮ ‬حتى وان تلطخت أو تدنست‮ ‬يده بدم الأبرياء‮. ‬أما نموذجنا الأكثر تناقضا ووضوحا هو البطل المقدس في‮ ‬كهوف وزيرستان أو أية‮ “‬ستان مقدس‮” ‬يتهجد فيها البطل لنصرة مريديه وقد منحهم بطاقة العبور للجنة،‮ ‬كونهم دخلوا حلبة الجهاد حتى لدك الصليبية الجديدة،‮ ‬وهو‮ ‬يخرج لنا كل مرة بقناع جديد وخطاب أجد‮ ‬يلقيه الأتباع نيابة عنه،‮ ‬إذ البطل لا‮ ‬يتحدث دائما،‮ ‬وإنما وقت المصائب والضرورات لحل خوارق مؤجلة‮. ‬ترى هل‮ ‬يجرؤ الأخوة المتشددون نقد بطلهم الهارب علانية أم‮ ‬يعتبرون‮ “‬التخفي‮” ‬سمة قدسية من سمات البطل الخارق‮.‬ ‬ما فعله بن لادن وما‮ ‬يفعله أنصاره نعجز هنا مناقشتها لحجم الزاوية،‮ ‬فهؤلاء تلطخت أيديهم بأشلاء الأطفال والضحايا في‮ ‬كل مكان‮. ‬ويحتل مغنية التماثل ذاته في‮ ‬نظر أتباعه ومريديه،‮ ‬فهم لا‮ ‬يرون إلا بعين واحدة ومن وجه واحد للعملة،‮ ‬عملة الشهيد البطل،‮ ‬بينما ضحاياه من لم تدفع لهم فاتورة الموت نحاول نسيانهم،‮ ‬فقد نسينا أن مغنية مطلوب في‮ ‬قوائم عدة،‮ ‬وبأنه نتاج معسكرات فتح والمنظمات الفلسطينية التي‮ ‬كانت في‮ ‬السبعينات معنية بتصدير جماعات إرهابية،‮ ‬صاروا في‮ ‬ملصقات الشوارع‮ ‬يحملون لقب البطل النموذج‮ !‬ ‬العقل العربي‮ ‬النقدي‮ ‬غائب وهو مستلب ومهزوم تحت مظلة السواد السائد القائم على فكرة التسليم بقداسة البطل وتأليهه،‮ ‬دون أي‮ ‬تمحص وقراءة نقدية أو تقليب للأوراق التاريخية‮.‬
 
صحيفة الايام
16 مارس 2008

اقرأ المزيد

هل هذا “شغل” حكومات تدعي الاحترافية’؟!


قضية ساخنة






مع كل انخفاض في سعر صرف الدولار الأمريكي ترتفع أسعار المعادن والمواد الخام والذهب وكافة السلع والخدمات قيد التبادلات التجارية العالمية.


والنفط ليس استثناء بطبيعة الحال، حيث صارت أسعاره تعاقب الدولار مع كل تفريط في نقاط رصيده التي تشكل قوته الشرائية.


لذلك فإن الحكومات الخليجية ومن ضمنها الحكومة البحرينية لا تهتم كثيرا بتراجع سعر صرف الدولار ما دامت أسعار النفط المحلقة عاليا تعوضها عن فاقد أسعار صرف عملاتها المقومة عمليا بسعر صرف الدولار الأمريكي.



 
إنما الذي يتعرض للنزف المتواصل والنهب الفاضح هي مداخيل المواطن الخليجي والمواطن البحريني خصوصا، لأن خسائره المتواصلة جراء تراجع قوته الشرائية الناتجة عن تراجع صرف الدينار مقابل بقية العملات العالمية ( بسبب إصرار هذه الحكومات على إبقاء ربط عملاتها بالدولار)، لا أحد يعوضه إياها.




وما الزيادات الموسمية وصرف علاوة غلاء لفترة محدودة، كالتي قررتها الحكومة مؤخرا، ليست سوى فتات طاولات طعام الأغنياء الذي يُلقى على الفقراء لذر الرماد في العيون وتلقيم وإسكات أفواههم.









فهل هذا “شغل” حكومات تدعي الاحترافية’؟!





اقرأ المزيد

في ذكرى أشدب

يصادف غدا السادس عشر من مارس الذكرى الرابعة والثلاثون لتأسيس إتحاد الشباب الديمقراطي البحراني “أشدب”، أثر اندماج كل من”شبيبة جبهة التحرير الوطني البحرانية” و”الإتحاد الوطني لطلبة البحرين في الداخل” وذلك عام 1974، ليعلن ميلاد أول تنظيم شبابي وطني تقدمي على الساحة البحرينية، وذلك بهدف تبني والدفاع عن حقوق وقضايا الشباب من طلبة وعمال. كان تأسيس “أشدب” إفراز طبيعي لحالة الحراك والوعي السياسي والاجتماعي والثقافي العام والسائد بين فئات المجتمع في تلك الفترة، حول قضايا الوطن والمواطن بعيدا عن أية أطروحات وإفرازات مذهبية وطائفية. تحل علينا هذه الذكرى هذا العام في وقت أمسى فيه الحراك الشبابي في البحرين – والمتمثل في الجمعيات والمراكز الشبابية – في وضع لا يحسد عليه. هذه الفترة يمكن أن نطلق عليها “اصطلاحا” فترة خمول تلت فترة الحماس والنشاط التي ترافقت مع بداية وانطلاقة المشروع الإصلاحي. هذا الخمول لا يستثني الحراك الشبابي داخل التيار الديمقراطي، والذي مازال عاجزا عن اخذ دوره الطبيعي في هذا المجال. وبلا شك، تجربة “أشدب” أثبتت أن الشباب الديمقراطي هو الوحيد القادر على توحيد الجسد الشبابي والذي بات مشتتا ومقسما – كأفراد وجماعات – بفعل إفرازات التنظيمات المذهبية والطائفية، والتي سمحت بدورها – الغير المباشر – لبروز فئة يمكن أن نطلق عليها فئة “المستقلين المتسلقين” والذين يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية والفردية على حساب المصلحة العامة. هذا وإن كانت هناك رغبة حقيقية – في الوقت الحالي – من قبل التنظيمات الشبابية المحسوبة على التيار الديمقراطي في انتشال الواقع الشبابي من هذا المستنقع الطائفي الذي وقعت فيه هذا بالإضافة إلى تحقيق ما اهو أفضل للشاب البحريني، فعليها أن تأخذ دورا رياديا في هذا المجال، وذلك بأن تكون لصيقة بهموم ومشاكل الشباب وأن تعيد النظر في أسلوب عملها “الموسمي المتقطع” وتستبدله بعمل “جماهيري مؤسساتي منظم” قائم على أفكار ورؤى واضحة، مطعّما بروح الإبداع والابتكار، والأهم من ذلك كله الابتعاد عن “شخصنة” المواقف ووجهات النظر. عسى أن تكون هذه انطلاقة جديدة إلى الشبيبة التقدمية، حتى يكون لها دورا فعالا على الصعيد الشبابي المحلي لتنطلق بعدها إلى الصعيدين الإقليمي والعالمي.
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

مفردات خجولة إزاء المحرقة

“70‮ ‬ إلى‮ ‬80‮ ‬قتيلاً‮ ‬وعشرات الجرحى‮ ‬يومياً‮.. ‬هذا‮ ‬غير معقول‮’.. ‬هذا مقتطف من تصريح للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى تعليقاً‮ ‬على المحرقة التي‮ ‬نفذها الجيش الإسرائيلي‮ ‬ضد سكان قطاع‮ ‬غزة قيد الحصار والتجويع الجماعي‮ ‬يوم الأربعاء‮ ‬27‮ ‬فبراير الماضي‮ ‬والتي‮ ‬استمرت لخمسة أيام متتالية‮.‬ كلا‮ ‬يا أخ عمرو موسى،‮ ‬ليس هذا هو التصريح المنتظر من الناطق الرسمي‮ ‬باسم الجامعة العربية وليست هذه هي‮ ‬المفردات الملائمة للرد على جريمة بحجم المحرقة التي‮ ‬اعترف نائب وزير الدفاع الإسرائيلي‮ ‘‬بعظمة لسانه‮’ ‬بأن الجيش الإسرائيلي‮ ‬سيرتكبها ضد سكان قطاع‮ ‬غزة‮.‬ هذا التصريح‮ ‬يحتمل‮ ‘‬معقولية‮’ ‬الجريمة الإسرائيلية لو لم‮ ‬يكن عدد الضحايا بهذا الكم‮ ‘‬غير المعقول‮’‬،‮ ‬ولا نخال أن أمين عام الجامعة العربية قد عنى هذا المؤدى من الكلام‮ (‬من حيث لا‮ ‬يقصد بطبيعة الحال‮).‬ إنما ارتجال التصريح واستعجاله،‮ ‬على ما نرجح،‮ ‬هو ما أفضى إلى هذا المعنى‮ ‬غير الملائم بالمطلق لتوصيف حجم جريمة إرهاب الدولة المادي‮ ‬الذي‮ ‬نفذته آلة الحرب الإسرائيلية في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة على مدى بضعة أيام وحسب،‮ ‬والتي‮ ‬تجسدت،‮ ‬بعد رفع الستار عن هولها،‮ ‬دماراً‮ ‬هائلاً‮ ‬وقتلاً‮ ‬وحشياً‮ ‬بالجملة‮.‬ أين هذا التعبير الملطف للغاية والمغرق في‮ ‬دبلوماسيته من ذلكم التعبير الدقيق الذي‮ ‬استخدمه نائب وزير الدفاع الإسرائيلي‮ ‬لوصفه الحال الذي‮ ‬سينتهي‮ ‬إليه سكان قطاع‮ ‬غزة على‮ ‬يد الجيش الإسرائيلي،‮ ‬وهو المحرقة؟‮ ‬نعم المحرقة وهو الوصف الدقيق‮.‬ نعم لم‮ ‬يخطئ المسؤول العسكري‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬في‮ ‬توصيفه لهول وفداحة الكارثة التي‮ ‬ستحل بالشعب الفلسطيني‮ ‬على‮ ‬يد آلة الحرب الإسرائيلية‮.‬ فلقد هدد سكان قطاع‮ ‬غزة بمحرقة حقيقية،‮ ‬وهو عنى ما قاله بكل ما أوحت به نزعته وغريزته وكيانه الشعوري‮ ‬من تصور للصاعقة التي‮ ‬ستحيق بمليون ونصف المليون فلسطيني‮ ‬هم عدد سكان‮ ‬غزة‮. ‬بدليل أن الجيش الإسرائيلي‮ ‬قام خلال خمسة أيام فقط من‮ ‘‬بروفا‮’ ‬المحرقة‮ ‘‬الموعودة‮’ ‬بقتل‮ ‬120‮ ‬فلسطينياً‮ ‬وجرح‮ ‬350‮ ‬آخرين نصفهم من الأطفال والمدنيين الذي‮ ‬لم‮ ‬يجدوا بداً‮ ‬من الفرار من دورهم السكنية بعد أن تحولت إلى أهداف لجنون آلة المحرقة الإسرائيلية‮.‬ ولم تقدح في‮ ‬نعت المحرقة الذي‮ ‬استخدمه المسؤول العسكري‮ ‬الإسرائيلي،‮ ‬الجهود السياسية والإعلامية واسعة النطاق التي‮ ‬بذلتها إسرائيل لاحتواء أضرار هذا التصريح/الاعتراف،‮ ‬ولا مسارعة نائب وزير الدفاع الإسرائيلي‮ ‬نفسه فيما بعد لمحاولة تدارك ما‮ ‬يمكن تداركه من تفاعلات في‮ ‬الإعلام الدولي‮ ‬لصدى كلماته الفاضحة‮.‬ فتلك كانت‮ ‘‬سقطة‮’ ‬سياسية وإعلامية كبيرة جداً‮ ‬يصعب تصور وقوع دولة دينية مؤدلجة بامتياز ودولة بوليسية محكمة الإغلاق الأمني‮ ‬والانضباط الإعلامي‮ ‬الصارم،‮ ‬والسقوط فيها وفي‮ ‬إحراجاتها السياسية والأخلاقية البليغة،‮ ‬وذلك بدليل هروع كافة أطقمها السياسية الإيديولوجية والإعلامية الدوغمائية لنفي‮ ‬تفسير التعبير اللغوي‮ ‬العبري‮ ‬الذي‮ ‬استخدمه المسؤول العسكري‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬لتخفيف وطأتها،‮ ‬لأن هذا الاعتراف الرسمي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬بوجود خطة أو نية لتعريض شعب كامل لمحرقة‮ ‬يرقى إلى الإقرار بأن إسرائيل تعتمد أساليب النازية الهتلرية،‮ ‬ولهذا كما نعلم،‮ ‬وقع خاص وخطير في‮ ‬الذاكرة والذهنية الغربية‮.‬ والمثير في‮ ‬الأمر أن المسؤول العسكري‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬إذ حاول التنصل من المعنى الدقيق لتصريحه الشائن،‮ ‬فإنه كمَن حاول‮ ‘‬تكحيلها فعماها‮’‬،‮ ‬حيث ابتغى مراوغة كلماته وإعادة تأويلها بالدفع بأنه إنما قصد إنزال كارثة وليس محرقة بالشعب الفلسطيني،‮ ‬فلم‮ ‬يفعل سوى تفسيره للماء بالماء‮. ‬ذلك أن الكارثة،‮ ‬وفقاً‮ ‬لمنطق الأشياء،‮ ‬هي‮ ‬النتاج الطبيعي‮ ‬لفعل المحرقة‮.‬ ولا أدري‮ ‬كيف لم تتلقف أجهزة الميديا العربية هذا الاعتراف الرسمي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬ومؤداه أن إسرائيل تتبع سياسة تطهير عرقي‮ ‬ممنهج من خلال تجريدها للحملات العسكرية المنتظمة لقتل أعداد مستهدفة من الفلسطينيين في‮ ‬كل حملة من هذه الحملات التي‮ ‬لا‮ ‬يكاد‮ ‬يفصل الواحدة عن الأخرى أي‮ ‬فاصل زمني‮ ‬لالتقاط الأنفاس‮. ‬وأي‮ ‬التقاط للأنفاس أصلاً‮ ‬والحصار وقطع الطرقات جاثمان كالجبال الصم على صدورهم‮! ‬ذلك لم‮ ‬يحدث للأسف الشديد،‮ ‬مع أنه في‮ ‬ظل الوضع القائم الذي‮ ‬فرضته الولايات المتحدة وإسرائيل وقواعد اللعبة الخاصة به المتمثلة في‮ ‬احتفاظ إسرائيل بالأراضي‮ ‬التي‮ ‬احتلتها وإجبار الطرف العربي‮ ‬على التفاوض اللانهائي‮ ‬الذي‮ ‬يتصدر أجندته التطبيع والسلام مع إسرائيل لمفتاح للتسوية،‮ ‬نقول مع إنه في‮ ‬وضع كهذا ليس أقل من أن تدير الحكومات العربية المعركة السياسية والإعلامية بجدية أكبر وكفاءة أفضل‮.‬ فلا صدرت احتجاجات رسمية ولا تم التقدم بمذكرة شارحة إلى أمين عام الأمم المتحدة،‮ ‬ليتم توزيعها بالتزامن على بقية أعضاء مجلس الأمن والأعضاء الرئيسيين في‮ ‬الجمعية العامة‮. ‬ولا نُظمت مؤتمرات صحفية من قبل السفارات العربية أو حتى ممثليات الجامعة العربية في‮ ‬العواصم الغربية،‮ ‬ولا شاهدنا مساحات حوارية مكرسة للمناقشة والتداول في‮ ‬تصريح المسؤول العسكري‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬الفاضح والخطير‮.‬ في‮ ‬هذا السياق‮ ‬يندرج تحفظنا على العبارات المتحفظة جداً‮ ‬والدبلوماسية جداً‮ ‬التي‮ ‬استخدمها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في‮ ‬تعليقه على محرقة إسرائيل الأخيرة في‮ ‬غزة‮.‬
 
صحيفة الوطن
15 مارس 2008

اقرأ المزيد

فيروز‮: ‬وصفة الأمل

“‬لولا الموسيقى لكانت الحياة‮ ‬غلطة” ‬ نيتشه ذات مرة قال مرسي‮ ‬جميل عزيز مخاطباً‮ ‬المثقفين العرب‮: “فيروز هي‮ ‬عدة شغلكم‮”.‬ يومها عقّب أحد هؤلاء المثقفين مؤيداً‮ ‬ما ذهب إليه عزيز‮ “‬إن في‮ ‬قلب كل من قرأ جملتين،‮ ‬مساحة ضوء لفيروز وأغانيها‮”.  ‬ونظن ان في‮ ‬قلب كل مواطن عربي‮‬مساحة ضوء لفيروز التي‮ ‬أَحَالتْ‮ ‬أوقاتنا إلى مشاوير من الهناء وساهمت في‮ ‬صياغة أحلامنا عن الحب والوطن والفرح والحزن،‮ ‬وأخذت بأيدينا بعيداً‮ ‬إلى بيوت محمية وراء حدود العتمة والثلج والريح،‮ ‬وإلى ليالٍ‮ ‬باردة تدفئها نيران مواقد ناعسة في‮ ‬ضيعٍ‮ ‬تلقي‮ ‬برأسها على أكتاف جبال شماء. مجّدت فيروز الحب في‮ ‬لحظات أوج تجليه،‮ ‬في‮ ‬أغانٍ‮ ‬باتت لنا ذاكرة فنية وموسيقية مشتركة‮ ‬غطت الوجدان العربي‮ ‬على امتداد رقعة هذا الوطن الكبير المنبسط من أقصاه إلى أقصاه،‮ ‬بغناءٍ‮ ‬هو للوجود سر،‮ ‬وبنايٍ‮ ‬يبقى خالداً‮ ‬بعد أن‮ ‬يفنى الوجود كما في‮ ‬قصيدة جبران الشهيرة التي‮ ‬غنتها‮.‬ بموسيقى وكلمات الأخوين رحباني‮  ‬صنع صوت فيروز مجداً‮ ‬غنائيا،‮ ‬انطلق من لبنان وطاف في‮ ‬ديار العرب،‮ ‬لا بل وطاف العالم كله‮.‬ ‬الزمن الرحباني‮ – ‬الفيروزي‮ ‬ينتمي‮ ‬إلى زمن آخر كان فيه لبنان في‮ ‬أوج عافيته الثقافية والفنية والسياسية،‮ ‬قبل أن تندلع الحرب الأهلية بكل عبثيتها وجنونها فتدمر معالم تلك المرحلة،‮ ‬ولكن الفن عابر للزمن‮. ‬إن تراث الرحابنة وفيروز‮ ‬يظل طازجاً،‮ ‬كأنه أُبدع البارحة‮.‬ ‮ ‬زياد الرحباني،‮ ‬ابن عاصي‮ ‬وفيروز،‮ ‬المتماثل والمتباين في‮ ‬آن مع المدرسة الرحبانية،‮ ‬الواصل لها والخارج على صرامة بعض قواعدها،‮ ‬أخذ بفيروز إلى مناطق جديدة في‮ ‬أداء سفيرتنا إلى القمر،‮ ‬والى حدود بعيدة فانه كسر الصورة التي‮ ‬شكلها الأخوان رحباني‮ ‬لفيروز،‮ ‬دافعاً‮ ‬بها بجرأة وإبداع إلى مغامرات جديدة في‮ ‬الكلمة وفي‮ ‬اللحن‮.  ‬ وزياد،‮ ‬إضافة إلى كونه ملحنا مبدعاً‮ ‬وموزعاً‮ ‬موسيقياً‮ ‬بارعاً،‮ ‬فانه كاتب كلمات موهوب أيضاً‮. ‬الكلمة عنده مأخوذة من الحياة‮: ‬بسيطة وعفوية وحارة،‮ ‬فهي‮ ‬تنأى عن المعجم الرحباني‮ ‬المعروف بتراكيبه اللغوية المشحونة بالشفافية والعذوبة،‮ ‬ولكنها تقدم وهجها الخاص الذي‮ ‬يحول المحكي‮ ‬واليومي‮ ‬إلى جملة شعرية وموسيقية تنفذ إلى أعماقنا‮.‬ يدهشنا زياد بقدرته على أن‮ ‬يجعل من البسيط معقداً‮ ‬ومركباً‮ ‬في‮ ‬نسيج‮ ‬يؤكد موهبة هذا الفنان المغامر الذي‮ ‬لا‮ ‬يركن إلى حال،‮ ‬يسعفه في‮ ‬ذلك صوت فيروز الذي‮ ‬يبدو كأنه‮ ‬يكتشف فيه طاقات مجهولة‮.‬ صوت فيروز الذي‮ ‬انسل خيوطا من جمال وعذوبة في‮ ‬باحة وسماء قلعة عراد،‮  ‬يأخذنا،‮ ‬كما ألفناه،‮ ‬إلى مروج الزنبق وياسمين أيام حبلى بالممكن‮ – ‬المستحيل،‮ ‬إلى خلطة الحب الحزينة‮ – ‬الفرحة‮.  ‬ وتظل فيروز،‮ ‬كما كانت دائماً،‮ ‬وصفة أملنا الصباحية والمسائية‮. ‬وصفة أمل كل الأوقات.
 
صحيفة الايام
15 مارس 2008

اقرأ المزيد

هــل تصــل الرسالــة‮..‬؟‮!‬

قبل أيام نشرت قائمة جديدة لعام ‮٨٠٠٢ ‬بترتيب أصحاب المليارات في‮ ‬العالم،‮ ‬تبين حجم ثروة كل واحد،‮ ‬والمصدر الرئيسي‮ ‬لهذه الثروة سواء كان تجارة،‮ ‬أم صناعة،‮ ‬أم زراعة،‮ ‬أم أسهما،‮ ‬أم عقارا‮.. ‬إلى آخره‮.‬ ليس مجلة‮ “‬فوربس‮” ‬التي‮ ‬نشرت القائمة الجديدة وحدها التي‮ ‬تفعل ذلك،‮ ‬وإنما هناك عدة صحف وعدة هيئات عالمية تفعل ذلك منذ سنوات طويلة،‮ ‬وربما بعضنا‮ ‬يتابع هذه القوائم من باب الفضول أو لمجرد الإحاطة والعلم،‮ ‬وربما من باب التعويض،‮ ‬فأنت اذا لم تكن‮ ‬غنياً‮ ‬فلا أقل من أن تتابع أخبار الأغنياء،‮ ‬وأي‮ ‬أغنياء،‮ ‬وأي‮ ‬أرقام عن ثرواتهم الأسطورية‮.‬ وقد‮ ‬يجد البعض منا في‮ ‬قراءة هذه القوائم متعة بلا حدود،‮ ‬فهي‮ ‬تنقلنا إلى عالم من الشفافية الحقيقية والكاملة،‮ ‬عن أسماء أصحاب المليارات،‮ ‬وجنسياتهم،‮ ‬وأعمارهم،‮ ‬ومصادر ثرواتهم،‮ ‬وحجمها،‮ ‬وترتيبهم في‮ ‬قائمة الثروات،‮ ‬ومن دخل فيها ومن خرج،‮ ‬وحركة صعود وهبوط كل منهم‮.‬ كل ذلك معروف وموثق ومعلوم للجميع،‮ ‬وقد نجد أنفسنا أمام هذه القوائم كأننا أمام مارثون‮ ‬يتسابق فيه أصحاب المليارات،‮ ‬فوارن بوفيت الأمريكي‮ ‬تصدر هذا العام القائمة حين بلغت ثروته ‮٢٦ ‬مليار دولار بعد استغلاله أزمة أسواق المال مزيحاً‮ ‬لأول مرة بيل جيتس عن عرش أغنى رجل في‮ ‬العالم الذي‮ ‬بلغت ثروته ‮٨٥ ‬مليار دولار،‮ ‬ليتراجع إلى المرتبة الثالثة،‮ ‬وكارلوس سليم المكسيكي‮ ‬الذي‮ ‬اشتهر بشراء الشركات الخاسرة بأسعار زهيدة وتحويلها إلى شركات تحقق أرباحاً‮ ‬ضخمة دخل في‮ ‬المرتبة الثانية بعد أن تضاعفت ثروته في‮ ‬عامين لتصل إلى ‮٠٦ ‬ملياراً،‮ ‬بعد أن كانت ‮٩٤ ‬ملياراً‮ ‬في‮ ‬العام الماضي،‮ ‬وضمت اللائحة ‮٥٣ ‬ثرياً‮ ‬عربياً‮ ‬مجموع ثرواتهم ‮٦‬،‮١٧١ ‬مليار دولار فقط لا‮ ‬غير‮..! ‬هذه القائمة وغيرها من القوائم‮ ‬يستطيع المرء أن‮ ‬يرصد من خلالها أية أنشطة أو مصادر جديدة للثروات تظهر في‮ ‬المجتمع،‮ ‬بل صار الواحد منا‮ ‬يعرف ما‮ ‬يملكه العديد من زعماء العالم حين تولوا السلطة وحين‮ ‬غادروها،‮ ‬ولكن بالرغم من‮ “‬المتعة” ‬التي‮ ‬قد تثيرها قراءة هذه القوائم،‮ ‬إلا أن هذه المتعة ستقودنا إلى نتيجة لا تسر وإن بدت هازلة لأول وهلة،‮ ‬إلا أنها جادة للغاية،‮ ‬حينما‮ ‬يقفز إلى الذهن سؤال جوهري‮: ‬هل‮ ‬يمكن أن تصدر مثل هذه القائمة في‮ ‬البحرين؟‮!.‬ أعلم الجواب مسبقاً،‮ ‬ولكنه‮ ‬يبقى سؤالا‮ ‬يلح في‮ ‬الذهن‮ ‬يعقبه سؤال تلو السؤال،‮ ‬اذا افترضنا‮ – ‬مجرد افتراض‮ – ‬أننا امتلكنا شجاعة اعداد العدة الكافية لجعل إصدار مثل هذه القائمة وارداً‮ ‬في‮ ‬الحسبان،‮ ‬فهل هناك جهة واحدة‮ ‬يمكن أن تكون لديها قاعدة بيانات كاملة وواضحة ودقيقة وموثوقة؟‮!.‬ ثم هل‮ ‬يمكن أن تقودنا هذه القائمة إلى معرفة ‮٠٢ ‬أو ‮٠٣ ‬أو ‮٠٥ ‬أو ‮٠٠١ ‬شخصية أو أكثر من أصحاب الثروات الأسطورية في‮ ‬البحرين؟ وهل‮ ‬يمكن أن نعلم من‮ ‬يتقدمهم،‮ ‬ومن هو الثاني‮ ‬والثالث والرابع والأخير؟ وهل‮ ‬يمكن أن تكون هناك أسماء من خارج دائرة من هم معروفون كتجار أو مستثمرين،‮ ‬وأصحاب أعمال،‮ ‬أو كبار المتعاملين والمضاربين في‮ ‬البورصة وسوق المال ممن‮ ‬يعدون من أصحاب الثروات الفجائية وما أكثرهم والذين‮ ‬يثار حول ثرواتهم ألف سؤال وسؤال؟ وهل‮ ‬يمكن أن نعلم وأن نفهم ونستوعب اذا ما أصدرنا مثل هذه القائمة سبب ومصدر كل ثروة من هذه الثروات الطائلة من أموال وأراض وعقارات وأملاك بات‮ ‬يمتلكها البعض فجأة دون مقدمات‮.. !!‬ دعونا نترك هذه القائمة،‮ ‬فنحن نعلم علم اليقين وبكل ثقة بأن هذه الفكرة مجنونة،‮ ‬ومرفوضة جملة وتفصيلاً،‮ ‬خاصة من قبل من تحوم حولهم شبهات،‮ ‬أو ممن مثلوا ولازالوا‮ ‬يمثلون ركناً‮ ‬من أركان الفساد،‮ ‬وباتت روائح فسادهم تزكم الأنوف وهم كثر،‮ ‬دعونا نجتهد ونقول إن ألف باء الاقتصاد الحر‮ ‬يقضي‮ ‬بأن تكون ثروات الناس معروفة ومصادرها معلومة،‮ ‬ودعونا على الأقل نحلم بمشروع كان قد طرح وأثير حوله كلام كثير،‮ ‬هو مشروع قانون من أين لك هذا؟ والذي‮ ‬جاء تحت مسمى آخر هو مشروع قانون الكشف عن الذمة المالية‮.‬ هل تذكرون هذا المشروع،‮ ‬لمن‮ ‬يميل إلى النسيان أو لمن له مصلحة فيه،‮ ‬نذكر فلعل الذكرى تنفع،‮ ‬فهذا المشروع تبناه مجلس النواب منذ الفصل التشريعي‮ ‬الأول وبالتحديد في‮ ‬عام ‮٣٠٠٢‬،‮ ‬وحيثياته تقاضي‮ ‬كل مسؤول في‮ ‬الدولة خاصة من هم في‮ ‬مواقع الصدارة في‮ ‬اتخاذ القرار،‮ ‬من مسؤولين ووزراء،‮ ‬وقضاة،‮ ‬ومديري‮ ‬المؤسسات الرسمية العامة،‮ ‬ورؤساء البلديات والمحافظين وغيرهم ممن هم في‮ ‬مناصب رسمية رفيعة المستوى،‮ ‬إلزامهم بتقديم بيانات عن أموالهم وأملاكهم في‮ ‬اطار مكافحة الإثراء‮ ‬غير المشروع منذ توليهم مناصبهم حتى إخلائها منعاً‮ ‬للخلط المشبوه بين مقتضيات ومسؤوليات الوظيفة العامة واستغلال المنصب عبر الاستفادة من سلطات فعلية وامتيازات قانونية،‮ ‬بما‮ ‬يمثل في‮ ‬نهاية المطاف‮ ‬غطاءً‮ ‬لمظاهر شتى من الفساد،‮ ‬ولذلك‮ ‬يأتي‮ ‬هدف آخر للمشروع هو تدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع،‮ ‬ثم جعل الشفافية والمساءلة قيمة لها كل الاعتبار،‮ ‬وما لم‮ ‬يكن هناك مساءلة فلن‮ ‬يكون للشفافية أية قيمة،‮ ‬وهذا أمر من المؤكد أنه لا‮ ‬يخفى على فطنة ذوي‮ ‬الفطنة،‮ ‬لذلك نرى وجهاً‮ ‬للدهشة أو المفاجأة أن‮ ‬يبقى مشروع الكشف عن الذمة المالية خاضعاً‮ ‬للدراسة لدى مجلس الوزراء منذ ‮٢ ‬يونيو ‮٤٠٠٢ ‬حينما أعلن بأنه أقر تأجيل النظر في‮ ‬المشروع لدواعي‮ “‬المزيد من الدراسة القانونية‮”،‮ ‬ومرة تلو المرة‮ ‬يؤجل هذا المشروع للمزيد والمزيد من الدراسة لدى اللجنة المختصة‮ “‬ليغط في‮ ‬النوم العميق‮”.‬ هل وصلت الرسالة؟‮! ‬انتظروا لتروا‮.‬
 
صحيفة الايام
15 مارس 2008

اقرأ المزيد

حقــــاً‮ ‬إنهــــا فجــــوة كبيــــرة

بعد مرور اكثر من سبع سنوات على الانتخابات البرلمانية كم تمنينا ولو لمرة واحدة أن‮ ‬يسأل النواب انفسهم هل هم راضون ومقتنعون بادائهم البرلماني؟ لماذا الفجوة بينهم وبين الناخبين تزداد اتساعاً؟‮!‬ ما الذي‮ ‬تحقق من انجازات؟؟ وما الذي‮ ‬لم‮ ‬يتحقق؟ ولماذا؟ اسئلة تتطلب من النواب وقفة صريحة مع انفسهم لان ما‮ ‬يجري‮ ‬اليوم في‮ ‬البرلمان من حوارات ساخنة واحتجاجات وانسحابات لا ندري‮ ‬ماذا كانت هذه‮ “‬اللوية‮” ‬لها علاقة بحقوق الناس ومطالبهم أم لا‮!! ‬ولا ندري‮ ‬ايضاً‮ ‬الى اي‮ ‬مدى ترفع في‮ ‬اتجاه تعزيز مكانة البحرين الاقتصادية والمالية والاستثمارية والسياحية والثقافية؟ واما اذا كان الامر‮ ‬غير ذلك لماذا كل هذه‮ “‬الدوخة‮” ‬أليس من حق الناخب ان‮ ‬يحاسبكم على هذا الاداء الذي‮ ‬خيب آماله؟ لقد سمعنا كثيراً‮ ‬عن مكافحة الفساد وعن العدالة الاجتماعية وعن شعارات أخرى تذكرنا بالمدينة الفاضلة‮” ‬لأفلاطون ولكن‮ ‬يبدو ان البرلمان هو الحل لم‮ ‬يعد طريقاً‮ ‬لتحقيق هذه الشعارات،‮ ‬والخلل هنا ليس في‮ ‬البرلمان والمشاركة السياسية وانما في‮ ‬الاداء الذي‮ ‬حوّل هذه المؤسسة التشريعية التي‮ ‬تحققت نتيجة تضحيات جسام الى مكان للمهاترات والمزايدات السياسية وللكسب والوجاهة‮!!‬ والسخرية التي‮ ‬ما بعدها سخرية ان نواب الوعظ والارشاد الطارئين على السياسة تجدهم اليوم في‮ ‬صدارة المجالس الخاصة‮ ‬يتحدثون عن دورهم في‮ ‬تاريخ البحرين السياسي‮ ‬في‮ ‬حين الكل‮ ‬يعلم لا دور لهم لانهم في‮ ‬الاصل خارج هذا التاريخ وبالتالي‮ ‬كفانا مزايدات سياسية‮.‬ نحن لا نقول ان البرلمان هو العصا السحرية التي‮ ‬سوف تحقق بين ليلة واخرى مطالب الناس وطموحاتهم التي‮ ‬كثيراً‮ ‬ما حلموا بها طالما اننا نؤمن بالتدرج ومع ذلك نقول ان الرقابة كأداة دستورية ضاعت بين اروقة المصالح الحزبية وبالتالي‮ ‬لماذا نندهش عندما تصبح ملفات الفقر والسكن والفساد وغيرها في‮ ‬حكم التأجيل؟ لماذا نستغرب عندما‮ ‬يتحول‮ “‬بيت الشعب‮” ‬مسرحاً‮ ‬لنواب الشعب والناخبين هم الجمهور الذين لا عزاء لهم الا الضحك والبكاء معاً‮ ‬ولا سيما بعد ان تفرجوا وشاهدوا مسرحية بطلها من دون منازع ذلك النائب الذي‮ ‬اتقن واجاد لغة السباب والشتائم والعبارات السوقية التي‮ ‬لا تليق بممثل الشعب ولا بالقيم والاخلاق؟‮!‬ لماذا نستغرب حينما نجد من النواب الحاليين او الذين لم‮ ‬يحالفهم الحظ بعد ان فقدوا الكرسي‮ ‬الوثير من اصحاب الملايين لانهم ببساطة عرفوا اللعبة وادركوها جيداً‮!‬ لماذا نندهش لانشغال النواب بالصراعات والاصطفافات الطائفية؟؟ حقيقة لم‮ ‬يشهد الرأي‮ ‬العام البحريني‮ ‬جدلاً‮ ‬خلال السنوات الاخيرة مثلما حدث حول الطائفية ومع اننا لا نختزل اسباب هذه الظاهرة في‮ ‬سبب واحد بل بها روحية وتاريخية واجتماعية وثقافية لها علاقة بالموروثات تحتم علينا ان نفرق بين الطائفية والانتماء الطائفي‮ ‬وان الفهم الخاطىء للعلاقة بينهما‮ ‬يقودنا الى مخاطر لا تحمد عقباها ولكن على ما‮ ‬يبدو ان المماحكات والانفعالات والاحتجاجات التي‮ ‬نجدها اليوم في‮ ‬البرلمان جراء الاستجواب سواء كان لعطية الله او بن رجب لا تخلو من الدوافع الطائفية والمذهبية ولا تخلو ايضاً‮ ‬من المصالح التي‮ ‬لا ندري‮ ‬لماذا‮ ‬يود التستر عليها من قبل اولئك الذين في‮ ‬اشد الحماس لاستجواب بن رجب وزير البلديات‮!!‬ ولنرجع الى تساؤلاتنا التي‮ ‬طرحناها في‮ ‬البدء ونقول ان الشجاعة والوفاء للناخبين ليس في‮ ‬تجنبهم والهروب منهم،‮ ‬كما‮ ‬يفعل اغلب نواب الاسلام السياسي‮ ‬بل في‮ ‬التفاعل مع قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية والمادية والتفاعل ايضاً‮ ‬مع قضايا الوطن واستقراره وتنميته،‮ ‬ومن هنا نقول ونكرر كم تمنينا ان‮ ‬يراجع النواب انفسهم ولو لمرة واحدة لان دورهم النيابي‮ ‬هو ابعد ما‮ ‬يكون عن الاصطفافات والاستقطابات الطائفية وعن المصالح العقائدية فهل نفعل ذلك؟؟
 
صحيفة الايام
15 مارس 2008

اقرأ المزيد

يا فقراء البحرين عليكم “بالعدس”

اقتبس هذا الخبر من إحدى الصحف المحلية, دراسة ميدانية قام بها التكتل البيئي مؤخرا تمخضت عن مؤشرات خطيرة تتمثل في أن 80% من أصل 400 قارب صيد تقليدي (الصيد باستخدام الأقفاص) و60% من أصل 160 قارب صيد بالشباك متوقفة عن العمل حاليا بسبب عدم وجود كميات مجدية من الصيد البحري, و يضيف الخبر يعاني الصيادون من توقف شبه كلي للعمل بسبب عدم وجود أسماك , إنتهى الاقتباس. و بالأمس القريب يحتج بحارة الدير و سماهيج مطالبين بحفر قناة مائية لكي تزود ساحلهم بالماء بعدما ما جففته مسافات الردم “عشان سواد عيون جزر أمواج”, بل و أن البحارة إن أرادوا الصيد و كان البحر في حالة جزر فإنه يستغرب إبحارهم من أجل الوصول إلى مصائد السمك نحو (4 – 5 ) ساعات, لذلك عدد كبير من البحارة لا يجازف و يبحر, لأنها في كل حال من الأحوال مصائد السمك شحيحة الرزق على حد قولهم. علاوة على استيرادنا للأسماك من دول الخليج و من إيران, و إرتفاع أسعار الأسماك البحرينية و التي لا تقارن بأي حال من الأحوال بالأسماك المستوردة أو بأسماك “السوبرماركات”, فإن المواطن البحريني يرغب بها و يركب الصعاب من أجل الظفر “بزفارتها” التي تأسر القلب قبل المعدة. المواطن البحريني لا يستطيع حتى أن يتناول غداءه اليومي, دون أن “يوجع رأسه” بالسياسة و المشاكل السياسية و الملفات السياسية, فوجبة غدائه “الفقير”  بعد أن تخلى عن شحم اللحوم بسبب نار الاسعار و مشكلة أزمة اللحوم و استيراد اللحم الصومالي” الماصخ”, و بعد أن تخلى عن ” فخذ” الدجاج بسبب أمراض “زكام الطيور”, و يجد نقصه محصوراً في زاوية “عظام السمج”, إلا أن ذلك الأخير انتفى و اختفى من سلسلة مشتريات المواطن البحريني, لغلاء أسعار الأسماك, و نحن في جزيرة الأسماك, أصبحنا نستورد الأسماك.  و عمليات الدفان من أجل المشاريع الإسكانية الضخمة و المشاريع الاستثمارية الأضخم و التي لن يطال البحريني “المنكود” لا ناقتها ولا جملها ولا حتى حوارها ” ابن الناقة”, ذلك لان الاموال و الاستثمارات و الأسهم المالية قد حجزت سلفاً لمن ضاق جسده ذعراً بأمراض الملوك. فنصيحة مني إلى “المنكودين” من شعب البحرين الأبي حفاظاَ على سلامتكم من أمراض الملوك يبدوا أن الجهات الرسمية و بفائق الحزن و الأسى سوف تمنع عنكم اللحوم و الدجاج و الأسماك, وهي ليست راغبة في ذلك و لكن مصلحة المواطن البحريني فوق كل اعتبار, و ستوفر بدلاً من ذلك العدس “الشهي” و بعدة نكهات و لكل الوجبات ففي الصباح (عدس فلكس) و على الغداء عدس بنكهة (مجبوس الهامور) و في المساء ( شاورما عدس أو برغر عدس أو حتى بيتزا عدس), فمن أجل مصلحتكم, يا فقراء البحرين عليكم “بالعدس”.
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد