المنشور

المرحلة الراهنة، ومهمات قوى اليسار، والديمقراطية…..4+5


الخطوات المطلوب بانجازها قبل الشروع في انجاز المهمات المطروحة:


وإذا كان المفترض في اليسار الحقيقي أن ينجز المهمات المطروحة عليه لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، فإن عليه أن ينجز خطوات ضرورية، وأساسية، تتمثل في:

1) إحكام التنظيم اليساري، وضبطه إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، حتى يتأتى له ضبط علاقته مع باقي التنظيمات السياسية، والجماهيرية، التي تتقاسم معه الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، ومع الجماهير الشعبية المستهدفة بتلك الأهداف.
2) إيجاد برنامج اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي متكامل، حتى يصير مرجعا، ومرشدا لعمل اليسار في صفوف الجماهير، وفي عمل مناضلي اليسار من خلال المنظمات الحزبية / الجماهيرية، ومن خلال المنظمات الجماهيرية، ويمكن اعتباره في العمل المشترك بين التنظيمات السياسية اليسارية، والديمقراطية من جهة، وبين التنظيمات السياسية والجماهيرية من جهة أخرى.

3) تأسيس جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية، انطلاقا من برنامج الحد الأدنى، تلتقي حوله الأحزاب اليسارية، والديمقراطية، والمنظمات الجماهيرية: النقابية، والحقوقية، والثقافية، والتربوية، وتعمل من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

4) العمل على تحريك الملفات القطاعية، والمركزية، من أجل جعل العمال، والأجراء، ينخرطون في النضال المطلبي: القطاعي، والمركزي، في أفق انتزاع المزيد من المكاسب المؤدية إلى التقليص من حدة الاستغلال المادي، والمعنوي، وإلى إضعاف الطبقات المستفيدة من الاستغلال، حتى يتأتى فرض خضوعها لإرادة الأجراء.

5) العمل على تحريك الجماهير الشعبية الكادحة، في أفق انخراطها في النضال الحقوقي، الذي تقوده المنظمات الحقوقية، من أجل فرض احترام تمتع الناس، جميعا، بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن أجل وضع حد للانتهاكات الجسيمة، التي يعاني منها المواطنون في كل بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين.

6) طرح القضية الديمقراطية للنقاش، والبحث، والأجرأة على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، وفي كل دولة من البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، حتى تدرك الشعوب أهمية الانخراط في النضال من أجل تحقيقها، وبمضامينها الحقوقية، وفي أفق وضع حد للانتهاكات الجسيمة، ولمختلف الخروقات التي تقع في جميع المجالات.

7) إخضاع الاستعباد الممارس للتشريح، والنقد، من أجل بيان أهمية الحرية، وضرورة النضال من أجل تحقيقها بالنسبة للأرض، وللإنسان على السواء، ومن أجل أن تسود في جميع البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

8) إبراز خطورة الاستغلال الممارس على مستقبل الشعوب، وعلى جميع المستويات، في أفق جعل الجماهير تتحرك من أجل وضع حد له، عن طريق العمل على تحقيق الاشتراكية، التي تعتبر الوعاء الأمثل، لتحقيق العدالة الاجتماعية.

9) تحرك اليسار، وفي إطار الجبهة الوطنية، من أجل قيادة النضالات الجماهيرية الواسعة، الهادفة إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية كأهداف كبرى، لا يمكن تجاوز الأزمات الحادة، القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، إلا بتحقيقها.

10) العمل على فضح، وتعرية ممارسات مؤدلجي الدين بصفة عامة، ومؤدلجي الدين الإسلامي بصفة خاصة، من أجل إبعاد الدين عن ساحة الصراع الطبقي القائم في المجتمع، والذي يقوده اليسار، وفي إطار الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية.

11) وضع برنامج خاص: إعلامي، وتثقيفي، لنشر الفكر العلمي / التنويري، في مجتمعات البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، من أجل تبديد الظلام الذي يحول دون معرفة الواقع في تجلياته المختلفة، حتى يتبين ما يجب عمله من أجل تغييره، والارتقاء به إلى الأحسن.

12) تحديد طبيعة الدولة التي يسعى اليسار إلى تحقيقها، وعن طريق النضال المرير، الذي تقوده الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية، باعتبارها دولة وطنية / ديمقراطية / علمانية، ودولة الحق، والقانون، والتي يمكنها وحدها خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، وحماية تلك المصالح في مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

وهذه الخطوات، في حالة قيام اليسار بإنجازها، هي وحدها التي تساعد اليسار على إنجاز المهمات المشار إليها، وإلا، فإنه سوف يبقى منحسرا، وبعيدا عن الجماهير الشعبية الكادحة، ومنعزلا عنها، ولا يستطيع فعل أي شيء، حتى وإن كانت تنظيماته مضبوطة، وإيديولوجيته واضحة، وموقفه السياسية صحيحة؛ لأن انجاز الخطوات المذكورة، ينقل طموحات اليسار من مستوى النظر، إلى مستوى العمل.
 




المرحلة الراهنة، ومهمات قوى اليسار، والديمقراطية…..5

 




مصير المجتمع بانجاز اليسار للمهام المطروحة عليه:



وبعد وقوفنا على الخطوات التي يجب على اليسار القيام بها، في أفق انجاز المهمات المطروحة عليه، نصل إلى طرح السؤال المنهجي، الذي اقتضاه السياق العام للنص:

ما مصير المجتمع في كل بلد من البلدان العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، بعد قيام اليسار بإنجاز المهمات المطروحة عليه؟

إن قيام اليسار بدوره كاملا في البناء الإيديولوجي، والتنظيمي، والبرنامجي، والسياسي، والجهوي، والتأطيري، والنضالي في صفوف الجماهير الشعبية، وبها، لا بد أن يؤدي إلى انجاز المهمات المطروحة عليه، مما يؤدي إلى تحول عميق في البنيات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، المؤثرة في مصير المجتمع في كل بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، وعلى جميع المستويات، وفي مختلف الواجهات.

وأول ما يعرفه المجتمع الذي أنجزت فيه، أو تنجز فيه مهمات اليسار، أنه يصير مجتمعا حرا، ومتحررا من أسر الاستعباد، ومن أسر أدلجة الدين، وعلى المستوى الاجتماعي، ويتمتع أفراده بجميع حقوقهم المكفولة بالقوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

وثاني ما يعرفه المجتمع، بعمل اليسار، هو تمتعه بالممارسة الديمقراطية القائمة على أساس وجود دستور ديمقراطي في كل بلد من البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، يضمن سيادة الشعب على نفسه، مما يمكنه من اختيار مؤسسات تمثيلية حقيقية، تمكنه من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي بنفسه، وفي إطار قيام دولة مدنية، ديمقراطية، علمانية، لا يمكن أن تصير إلا دولة الحق والقانون.

وثالث ما يعرفه كل مجتمع، في كل بلد من البلاد المذكورة، تحقق العدالة الاجتماعية، كنتيجة طبيعية لتمتع الناس بتحقق الحرية، والديمقراطية. ويتحقق العدالة الاجتماعية يصير جميع أفراد المجتمع ينالون نصيبهم من الدخل الوطني، ومن التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، وغير ذلك مما له علاقة بالانتماء إلى وطن معين، والى شعب معين.

ورابع ما يعرفه كل مجتمع من المجتمعات المذكورة، هو العمل على ملائمة القوانين المحلية المختلفة، وفي جميع المجالات، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان العامة، والخاصة، وكما هي في تلك المواثيق الصادرة عن الهيئات الدولية المهتمة بذلك.

وخامس ما يعرفه كل مجتمع في كل بلد من البلاد العربية ومن باقي بلدان المسلمين، انتفاء قيام الدول على أساس الاستعباد، أو الاستغلال، أو الاستبداد، أو على أساس أدلجة الدين، كما هو حاصل الآن، لأن هذا الأساس يتعدد بالاختيار الحر، والنزيه للجماهير الشعبية الكادحة، لطبيعة الدولة التي ستتولى أمرها، وللنظام السياسي الذي يشرف على تلك الدولة، حتى يتأتى للدولة أن تكون في خدمة الجماهير الشعبية، بدل صيرورتها في خدمة الطبقات الحاكمة.

وإلى جانب هذه الصيرورة المتنوعة، نجد قيام اختيارات ديمقراطية، وشعبية، على أنقاض الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية التي تعتمدها الطبقات الحاكمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

كما سنجد أن الدولة المدنية الديمقراطية، والعلمانية، تحرص على تمكين جميع الناس من التربية، والتعليم، من أجل القضاء النهائي على شبح الأمية، الذي لازال يطارد الأجيال، من أجل الدفع بها إلى خارج التاريخ المعرفي، والعلمي، والإنساني.

وحتى يحصل جميع الناس، على جميع الحقوق المتعلقة بالحماية الصحية، سوف نجد أن الدولة سوف تقوم بما هو ضروري في هذا الاتجاه، حتى يحصل جميع المواطنين على حقهم في العلاج، في كل دولة من الدول العربية، ومن دول باقي بلدان المسلمين.

فتمتيع جميع الناس بجميع الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن خلال ملائمة القوانين المحلية معها، سوف يصير السمة المميزة لمستقبل الشعوب في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين. وعلى هذا الأساس، سوف تصير الدولة القائمة في كل بلد من هذه البلدان، دولة مدنية ديمقراطية علمانية، تحرص على ضمان الحقوق لأصحابها، وتطبق القانون على الجميع، من منطلق انه لا فرق بين عربي، وعجمي، ولا بين ابيض، وأسود، إلا بالالتزام باحترام القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية.

فهل تعرف الشعوب في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، هذا المصير الذي يسعى اليسار، إلى جانب هيئات ديمقراطية أخرى، إلى تحقيقه؟

خلاصة عامة:

وبتناولنا لموضوع “المرحلة الراهنة، ومهمات قوى اليسار”، الذي وقفنا من خلاله على سمات المرحلة الراهنة، والتحديات المرحلية، والإستراتيجية، ومهمات اليسار المبنية على أساس تلك التحديات، والخطوات المطلوب إنجازها قبل الشروع في قيام اليسار بانجاز المهمات المطروحة عليه، ومصير المجتمع بانجاز اليسار لتلك المهمات، نكون قد حاولنا بسط الموضوع، بما يوضح، ويرسخ القول بضرورة إعادة الاعتبار لليسار، الذي لعب دورا معينا لصالح الجماهير الشعبية الكادحة في محطات معينة من القرن العشرين، وفي معظم القارات، والتي لازالت أثارها بارزة للعيان. وكان يمكن أن يستمر في لعب هذا الدور، لولا تحالف القوى الرأسمالية، والرأسمالية التبعية، والإقطاعية، واليمينية المتطرفة المدعومة من قبل الرأسمالية العالمية ضده، من خلال العمل على استئصاله من المجتمع، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالبلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، التي تعاني من كل مظاهر التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، في مقابل استمرار انتشار الأمية، والفقر، وسيادة الدين، وازدهار انتشار الاتجار في المخدرات، ونهب الثروات التي تزخر بها هذه البلاد، ونشر العداء بين الناس البسطاء لليسار، وللديمقراطية، وللعلمانية، واعتبار السعي إلى تحويل الدولة من دولة دينية، أو تقوم على أساس المرجعية الدينية، إلى دولة مدنية، ديمقراطية، وعلمانية، كفرا، وإلحادا. وركوب كافة الوسائل المؤدية إلى تفتيت اليسار، وإضعافه، حتى لا يقوم بدوره المطلوب.

وما حصل، ويحصل في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، من منهجية الاستغلال، والاستعباد، والاستبداد، أثبت، ويثبت ضرورة إعادة الاعتبار لليسار، ولدوره إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، حتى يستعيد قدرته على تفعيل النضال الجماهيري في مستوياته المختلفة، وقيادة ذلك النضال، وبتنسيق مع القوى الديمقراطية، من أجل استعادة ثقة الجماهير الشعبية الكادحة بنفسها، وبقدرتها على خلق المعجزات، وانعتا قها من أسر التخلف الذي يوقع في اسر أدلجة الدين، ومن أسر أدلجة الدين، الذي يوقع في أسر الاستبداد، الذي تتكرس في ظله قيم الاستعباد المطبع للاستغلال الممارس عليها من قبل الطبقات الحاكمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين. وباستعادة الجماهير لثقتها بنفسها، وبانعتاقها من كل أشكال الأسر المفروضة عليها، تستطيع الانخراط في النضال، ومن بابه الواسع، في أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، باعتبارها سمات كبرى لقيام الدولة المدنية / الديمقراطية / العلمانية، التي تعتبر ملاذا للإنسانية الطموحة الى التمتع بحقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في ظل سيادة هذه الدولة في كل بلد من البلدان العربية، وفي باقي بلدان المسلمين .

فهل يستطيع اليسار استعادة قوته الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية؟

هل يستعيد دوره في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة؟

هل يتجاوز خلافاته الداخلية في أفق ذلك؟

هل يملك القدرة على استعادة دور الجبهة الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية؟

هل تقوم تلك الجبهة، إن قامت، بدورها في هذا الاتجاه؟

هل تستطيع تعبئة الجماهير الشعبية الكادحة لتحقيق طموحاتها الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية؟

هل تتحقق الدولة المدنية / الديمقراطية / العلمانية كنتيجة استيراتيجية لذلك النضال المرير؟

إننا نطمح، وطموحنا عظيم عظمة اليسار، الذي لا بد أن يستعيد مكانته، إن عاجلا، أو آجلا، حتى يلعب دوره الآني، والمستقبلي، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وبها، ولا شيء يمنعنا من الطموح، حتى وان كان قوة الحديد والنار، وعلى يد المتفجرين المتخرجين من ظلامية أدلجة الدين الإسلامي بالخصوص.

محمد الحنفي

ابن جرير في : 30/01/2008
 
 
 
 

اقرأ المزيد

المرحلة الراهنة، ومهمات قوى اليسار، والديمقراطية…..3



مهمات اليسار المبنية على أساس التحديات المذكورة:


إن وقوفنا على التحديات التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة، نجد أن هذه التحديات تفرض على اليسار مهمات صعبة، تقتضي منه القيام بانجازها على أساس تجاوز تلك التحديات، في أفق انخراطه في الفعل المؤدي إلى الارتباط بالجماهير، من أجل إقناعها بالانخراط في العمل اليومي، انطلاقا من برنامج محدد، ومحسوب في الزمان، والمكان، يؤدى إلى تحقيق التغيير المعبر عن طموحات اليسار من جهة، وعن طموحات الجماهير الشعبية من جهة أخرى.

وإذا كان المفروض في اليسار أن يتفاعل مع الواقع تفاعلا يهدف إلى الإمساك بالقوانين المتحكمة في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل التحكم بتفعيلها في مسار الواقع نفسه، وفق ما تقتضيه مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وفي أفق ضمان تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، باعتبارها عناوين كبرى، لما بعد تجاوز التحديات، والقيام بالمهمات المطلوبة لأجل ذلك.

فما هي المهمات التي يفترض قيام اليسار بها، بناء على استيعابه للتحديات المذكورة؟

إن اليسار عندما يتحدد مفهومه الصحيح، وعندما ينتظم بناء على اقتناعه الإيديولوجي القائم على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، وعندما يستطيع التخلص من التطلعات البورجوازية الصغرى، وعندما يعمل على تنقية صفوفه من الممارسات الانتهازية اليمينية، واليسارية، وعندما يتمكن المنتمون إليه من توظيف قوانين الاشتراكية العلمية في التحليل الملموس للواقع الملموس، وعندما رؤيا واضحة عن الواقع العيني لمجال تحرك اليسار في كل دولة من الدول العربية، ودول باقي بلدان المسلمين، فإنه، حينذاك، يستطيع أن يقوم بالمهمات الموكولة إليه، والتي تتمثل في:

1) جعل البشرية تقر، ودون نقاش يذكر، وعلى مدى البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، كامتداد لما يحصل في العالم، أن الخروج من الأزمات الحادة: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، لا يتم إلا بتحقيق الاشتراكية، باعتبارها حلا للمعضلات الكبرى، وعلى جميع المستويات، وفي جميع المجالات، لأن تحقيق الاشتراكية في مجتمع معين، لا يعني إلا شيئا واحدا، يتمثل في القضاء على الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال عن طريق التحرير الشامل للإنسانية، في إطار مجتمع تحترم في إطاره الممارسة الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة بين تحقيق الحرية، وتحقيق الديمقراطية، وتحقيق الاشتراكية.

ذلك أن الأزمات الحادة القائمة في العالم، والتي تزداد استفحالا في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، يقتضي، من اليسار، العمل المتواصل من أجل إنضاج الشروط الضرورية لإعداد الجماهير للاقتناع بالحل الاشتراكي المؤدي إلى تجاوز تلك الأزمات، ذلك الاقتناع الذي يترتب عنه الانخراط في النضال من أجل ذلك، وبقيادة اليسار الحقيقي، الذي حددنا مفهومه في الفقرات السابقة، لأن عدم اقتناع الجماهير بالحل الاشتراكي، سيجعل العمل من اجل تحقيقه مهمة صعبة، قد تقود اليسار إلى الباب المغلق، ولأجل إعداد الجماهير للاقتناع بالحل الاشتراكي، يجب على اليسار:

ا ـ أن يتسم بالوضوح الأيديولوجي حتى يستطيع التأثير في الجماهير المعنية وحتى يكون قادرا على إشاعة إيديولوجيته في صفوفها وحتى تصير تلك الإيديولوجية قنطرة العبور الى الاقتناع الجماهيري بالاشتراكية العلمية والى طلب معرفة مختلف التجارب الاشتراكية من اجل الاستفادة منها لصالح العمل المستمر في أفق تحقيق الاشتراكية.

ب ـ أن يصير تنظيم اليسار محكما، ومنسجما مع اقتناعه الإيديولوجي، سعيا إلى أن يصير قويا، وقادرا على الفعل في صفوف الجماهير المعنية؛ لأنه بدون إحكام التنظيم وفق الأنظمة اليسارية المقررة، لا يستطيع اليسار القيام بالفعل في الواقع كما يجب، ولا يستطيع أن يؤثر في الجماهير الشعبية.

ج ـ أن يكون برنامج اليسار السياسي معبرا عن طموحات اليسار، وعن طموحات الجماهير الشعبية في نفس الوقت، لأنه بدون برنامج سياسي، من هذا النوع، لا تقوم علاقة مع الجماهير الشعبية، ولا يرتبط اليسار بهذه الجماهير، ولا يجعلها تنخرط في النضال من أجل تحقيق الأهداف المحددة في البرنامج السياسي اليساري.

د ـ أن يعد تنظيمات يسارية / جماهيرية، تصير معبرا للارتباط بالجماهير، وبقطاعاتها المختلفة، كما هو الشأن بالنسبة للشباب، والمرأة، والعمال، والمهنيين، والفلاحين، والتجار الصغار، والحرفيين، والأطفال، وغيرهم، ممن يجب الارتباط بهم، بواسطة المنظمات الحزبية / الجماهيرية، التي بدونها يكون ارتباط اليسار الواضح بالجماهير ضعيفا أو منعدما.

ه ـ توجيه مناضلي اليسار إلى العمل في المنظمات الجماهيرية، من أجل الارتباط بأوسع الجماهير، من خلال العمل في النقابات الإقطاعية، والمركزية، وفي الجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، حتى يصير فعل مناضلي اليسار محققا لارتباط اليسار بالجماهير الشعبية الكادحة بالخصوص. وعدم توجيه مناضلي اليسار، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى انحسار اليسار، وضعف، أو انعدام ارتباطه بالجماهير المذكورة.

واليسار عندما يحرص على تمثل خصائصه المميزة له، ينتقل من وضعية الضعف إلى وضعية القوة، ويستطيع أن يفرض اقتناع الجماهير الشعبية بالحل الاشتراكي، بدل انحشارها وراء التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، التي تقوم بأكبر ممارسة تضليلية في تاريخ البشرية، لصالح حماية النظام الرأسمالي العالمي من الخلف، ولصالح قيام الأنظمة الرأسمالية التبعية في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وحماية تلك الأنظمة، أو العمل على قيام أنظمة استبدادية أكثر تخلفا مكانها.

2) قيادة اليسار للنضال الديمقراطي، وبالمضامين الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعلى جميع الواجهات، انطلاقا من برنامج محدد، يهدف إلى إيجاد دساتير ديمقراطية في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، تضمن سيادة الشعوب على نفسها، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، انطلاقا من قوانين تضمن وضع حد للتلاعب بإرادة الشعوب، من أجل إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقة، تفرز حكومات مسئولة أمامها، تعمل على تنفيذ البرامج التي تكون في خدمة مصالح الشعوب في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، تجسيدا لحق كل شعب في تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.

3) سيادة العمل الفكري التنويري، الذي يهدف إلى جعل الجماهير الشعبية الكادحة تدرك خطورة التعاطي مع الفكر الظلامي في مستوياته المختلفة، الذي يحرف الفهم الصحيح للدين بصفة عامة، وللدين الإسلامي بصفة خاصة، عن طريق تشريح منطلقات ذلك الفكر، ومنهجه، وأهدافه، والتصدي لأدلجة الدين، من أجل إدخال الشعوب في دهاليز الظلام الإرهابي، الذي يسعى إلى تكريس الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، من أجل جعل الجماهير الشعبية تمتلك القدرة على التصدي للفكر الظلامي، وللممارسة المترتبة عنه، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، والعمل على استئصال هذا الفكر الظلامي من الواقع، حتى تزول السدود التي يقيمها أمام إمكانية تقدم، وتطور الشعوب في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

4) مقاومة اعتماد المرجعية الدينية من قبل الأنظمة الاستبدادية القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، عن طريق اعتبار الدين بصفة عامة، والدين الإسلامي بصفة خاصة لله، ولا يحق لأي كان أن يحتكر الوصاية عليه، أو الكلام باسمه، والنضال في أفق فصل الدين عن الدولة، لإفساح المجال أمام قيام الدولة المدنية، التي يقيمها البشر الذين يعيشون ضمن حدود معينة، والذين يقررون مصيرهم بأنفسهم، باعتبار تلك الدولة ديمقراطية، ودولة الحق والقانون، انطلاقا من الدستور الديمقراطي، الذي يعتبر المرجعية الرئيسية لقيام تلك الدولة، التي تضمن تمتع جميع الناس، بجميع الحقوق، في كل بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، وبمقاومة اعتماد المرجعية الدينية من قبل الأنظمة الاستبدادية القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، يكون اليسار قد دخل في صراع إيديولوجي مع تلك الأنظمة، ودفع الجماهير المعنية إلى الانخراط في ذلك الصراع، الهادف إلى إزالة الأسباب التي تقف وراء مصادرة الحقوق الإنسانية باسم الدين، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل أن يتحرر الناس من دينية الدولة الاستبدادية، التي لا تخدم في العمق إلا مصالح الطبقة الحاكمة، ضدا على مصالح الشعب في كل بلد من البلاد المذكورة.

5) قيادة اليسار للنضال الحقوقي، انطلاقا من المواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن كافة الاتفاقيات الخاصة، حتى تصير حقوق الإنسان مكفولة لكل المواطنين، عن طريق العمل على ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المختلفة، حتى تصير مواثيق حقوق الإنسان معتبرة في الأجرأة اليومية للقوانين المحلية. وقيادة هذا النوع من النضال، يقف وراء نشر الوعي الحقوقي في صفوف مختلف الفئات المتضررة من الممارسة اليومية للمسئولين عن الانتهاكات الجسيمة في كل بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، لأن نشر الوعي الحقوقي، يعتبر هدفا، ووسيلة في نفس الوقت، ويمكن الأفراد، والجماعات، من امتلاك الوعي بحقوقهم الفردية، والجماعية، كما هي في المواثيق الدولية. وعلى أساس ذلك الامتلاك يجعلهم ينخرطون في النضال اليومي، وبصفة تلقائية، من أجل احترام حقوقهم المختلفة. وقيادة اليسار للنضال الحقوقي، يعتبر مسالة أساسية، سواء تعلق الأمر بالنضال المباشر، أو بالنضال من خلال المنظمات الجماهيرية المعنية بالنضال الحقوقي في مستوياته العامة، والخاصة، لأنه بذلك النضال، يستطيع اليسار أن يرتبط بجميع الفئات المستهدفة بحقوق الإنسان.

وقيام اليسار بانجاز المهام المشار إليها، يلعب دور كبيرا في إقناع الشعوب في البلاد العربية بضرورة العمل على قيام الدولة المدنية، بدل الانصياع للدولة المستبدة، التي تعتبر نفسها دينية، وبضرورة العمل على صيرورة الدولة المدنية دولة ديمقراطية علمانية، تعمل على خدمة مصالح الأفراد، والجماعات، وعلى حماية تلك المصالح، وهو ما يعطي لليسار أهمية خاصة.
 
من موقع الحوار المتمدن

اقرأ المزيد

المرحلة الراهنة، ومهمات قوى اليسار، والديمقراطية…..1+2


في البداية، لا بد أن أتوجه بالشكر العظيم إلى منبر الحوار المتمدن، الذي يطرح محاور تستدعي التحفيز المعرفي، وتحرض على العمل على سبر أغوارها، حتى تصير واضحة في أذهان المتتبعين، الذين تنتقل عبرهم إلى وجدان الجماهير، من أجل أن تتحول إلى واقع قائم.

وفي بداية معالجة هذه المحاور، نجد المحور المرتكز على طرح السؤال:

ـ ما هي المهمات الأساسية التي تواجه قوى اليسار، والديمقراطية، في الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة؟
والذي يمكن اختصاره في موضوع:

“المرحلة الراهنة، ومهمات قوى اليسار”

وموضوع كهذا يقتضي منا عرض:

1) سمات المرحلة الراهنة.

2) التحديات المرحلية، والإستراتيجية، التي تواجه قوى اليسار.

3) ما هي مهمات اليسار المبنية على أساس تلك التحديات.

4) الخطوات المطلوب إنجازها قبل الشروع في إنجاز المهمات المطروحة.

سمات المرحلة الراهنة؟

والمرحلة الراهنة، كما يمكن أن يرصد ذلك أي متتبع، تتميز بمجموعة من السمات التي تعلن عن نفسها دونما حاجة إلى بذل مجهود فكري مضن. وهذه السمات تتمثل في:

1) الهيمنة الرأسمالية / الهمجية العالمية على المستوى العالمي، مما يجعل الحيف الاقتصادي يستهدف الطبقة الوسطى، التي صارت تندحر في اتجاه الانسحاق، والالتحاق بالطبقات الاجتماعية المسحوقة.

2) هيمنة عولمة الاقتصاد الرأسمالي تحت يافطة عولمة اقتصاد السوق، الذي صار يعتمد كسلاح لمهاجمة كل أشكال الملكية العامة، التي أريد لها أن تسمى ب “ملكية الدولة”، بما في ذلك تلك التي لها علاقة بالخدمات الاجتماعية المجانية، كالمدارس، والمستشفيات، وغيرها، من أجل تقوية الآليات التي تعتمد للهجوم على القوت اليومي للجماهير الشعبية الكادحة، وتجميع الثروات الهائلة في أيدي قلة قليلة من البورجوازيين الكبار، الذين يتحكمون في الشركات العابرة للقارات.

3) تحكم الولايات المتحدة في القرار السياسي العالمي، عن طريق استعمال القوة، ضد كل من لا يسير وراءها، مما جعل الكلمة الأولى لها على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. ذلك أن البورجوازية الكبرى المتحكمة اقتصاديا في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى المستوى العالمي، تعمل على تكريس نهب ثروات العالم، وفي مقدمتها الثروات النفطية، التي يسمونها بالذهب الأسود، حتى وإن أدي الأمر إلى القضاء على الأنظمة المعارضة لسياستها، وإيجاد أنظمة موالية لها، كما حصل في أفغانستان، وفي العراق، وكما يمكن أن يحصل في أي نقطة من العالم، وخاصة في إيران.

4) الارتفاع المهول لأسعار النفط، الذي تجاوز كل الحدود، بسبب احتكار الشركات الأمريكية العابرة للقارات لتوزيعه على المستوى العالمي، مما أدى إلى ارتفاع جميع المنتوجات الاستهلاكية المختلفة، التي لها علاقة باستهلاك المشتقات النفطية، مما يلحق أضرار كبيرة بالقدرة الشرائية للجماهير الشعبية الكادحة.

5) التراجع المهول للحركة النقابية التي لم تعد قادرة على تأطير العمال، وباقي الأجراء، من أجل تحقيق مطالبهم المادية، والمعنوية، مما يؤدي إلى المزيد من الانقسامات التي صارت تعاني منها هذه الحركة.

6) تراجع دور الجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، أمام الازدياد المخيف لما صار يسمى بالجمعيات التنموية، التي تساهم في إفساد الحياة الجمعوية، وخلق المزيد من الانتهازيين.

7) تراجع الحركة السياسية المستقلة عن الأنظمة اللا ديمقراطية، واللا شعبية، في الدول المتقدمة، والمتخلفة على السواء، نظرا لإفساد الحياة السياسية التي صار يتحكم فيها لوبي امتلاك الثروات الهائلة، وخاصة في البلدان الموسومة بالتخلف.

8) انحسار دور ما تبقى من الدول الاشتراكية، نظرا للحصار الاقتصادي، والإعلامي، والثقافي، والسياسي المضروب حولها، بهدف إرغامها على التخلي عن الأخذ بالنظام الاشتراكي، كما حصل مع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق.

9) تراجع دور الأحزاب الديمقراطية، أمام عودة الدول إلى الاستبداد، في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الدول التي تدعي رعاية الديمقراطية، وتطورها، وتطويرها، باسم محاربة الإرهاب، وأوجدت قوانين خاصة بإعادة الاعتبار إلى الاستبداد صارت تسمى بقوانين الإرهاب، التي تم تعميمها على جميع الدول.

10) تراجع دور اليسار، وتنكر العديد من مكوناته السابقة للأسس التي قامت عليها الحركة اليسارية في الأصل، مما جعل ما تبقى منه ضعيفا، ومحاصرا، داخل دهاليز الوثوقيات، التي كانت، ولا زالت تحكم مساره، والتي تحول دون ارتباطه بالجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

11) توسع الحركات الظلامية / الإرهابية، وانتشارها في جميع أنحاء العالم، وفي جميع الديانات الكبرى، وخاصة في صفوف المؤمنين بالدين الإسلامي، وسعي هذه الحركات إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، عن طريق اللجوء إلى القيام بالعمليات الإرهابية في هذا البلد، أو ذاك، وعلى المستوى العالمي.

12) غياب التكافؤ في الإنتاج، والاستهلاك، وفي التمتع بكافة الحقوق، وفي التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي بين الدول، وبين الطبقات، وبين الجماعات، وبين الأفراد، وفي إطار الدولة الواحدة، بسبب التفاوت بين الدول، وبين الطبقات، وبين الجماعات، وبين الأفراد.

13) سيادة الإعلام الرأسمالي التبعي، الإقطاعي، الظلامي المتخلف، أمام غياب الإعلام الجاد، والتقدمي، الذي قد يقف وراء إيصال وعي معين، ومحدد، إلى الجماهير الشعبية الكادحة.

وهذه السمات، وغيرها مما لم نذكر، هي التي تجعل ميزان القوى في المرحلة الراهنة، تميل لصالح الرأسمالي العالمي، ولصالح تكريس الانتهاكات الجسيمة، ولصالح الطبقات المستفيدة من الاستغلال، ولصالح الشركات العابرة للقارات، ضدا على مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، التي لم تعد قادرة على الحصول على قوتها اليومي، نظرا لأشكال الحرمان التي تعاني منها. 


  المرحلة الراهنة، ومهمات قوى اليسار، والديمقراطية…..2  

 
التحديات المرحلية والإستراتيجية التي تواجه قوى اليسار:

وبوقوفنا على السمات العامة، التي تطبع المرحلة الراهنة، يمكن أن نسجل أن تلك السمات تساعد على الوقوف على أهم التحديات التي تقف وراء ضعف الفعل في الواقع، من قبل الجهات العاملة على التأثير فيه، من أجل تغييره بنسبة، أو بأخرى، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقوى اليسار التي يفترض فيها قيادة عملية التغيير تلك، التي تتخذ أبعادا ديمقراطية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية.

ومن أهم هذه التحديات نجد:

1) غياب التحديد الصحيح، والعلمي، لمفهوم اليسار، مما جعل العديد من الجهات المتواجدة في الساحة، وخارج الحكم، أو في الحكم، محسوبة على اليسار، مع أنها في ممارستها الإيديولوجية، والسياسية، والتنظيمية، لا تخدم مصلحة الجماهير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة، بقدر ما تخدم مصالح الجهات المستفيدة من الاستغلال، وخاصة، الطبقات الحاكمة، ومن يسبح في فلكها من التحالف البورجوازي الإقطاعي، والبورجوازية الصغرى، واليمين المتطرف، وكل من يدعم تكريس الاستغلال، ويحارب إمكانية الوعي بخطورته.

2) وانطلاقا من غياب التحديد الصحيح والعلمي لليسار نجد أنفسنا أمام طرح السؤال:

ما هو المفهوم الصحيح، والعلمي لليسار؟

إن الكثير من المحللين، والمتتبعين، يتعامل مع كل من تبنى أفكارا توحي باليسارية، على انه يسار، وهذا التعامل الفضفاض، غير المحدد، وغير المبني على مقاييس معينة، هو الذي رسخ، في الواقع، تنظيمات يسارية متجانسة، أو متقاربة، أو متناقضة في معظم الأحيان، وهو ما ينعكس على الجماهير الشعبية الكادحة، التي تصير، بسبب ذلك، مفتقدة للتوجه الصحيح، الذي تحتكم إليه في نضالاتها المطلبية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، الهادفة إلى تغيير واقعها المادي، والمعنوي.

وحتى نقف على حقيقة اليسار الذي يواجه التحديات القائمة في الواقع، لا بد من القول:

إن اليسار هو الذي يأتي كإفراز لواقع يزخر بالصراع الطبقي في مستوياته المختلفة.

وإن هذا الإفراز يشكل نقيضا رئيسيا للطبقة الحاكمة.

إنه يعتبر في ظل التشكيلة الرأسمالية التبعية، والرأسمالية ممثلا، ومدافعا، وقائدا لنضالات الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

إنه يقتنع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف.

إنه يقيم تصوره لما يجب أن يكون عليه الواقع على أساس التحليل الملموس، للواقع الملموس.

إنه يسعى إلى تغيير الواقع تغييرا جذريا، حتى يصير في خدمة الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة.

إنه يسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، باعتبارها أهدافا ترتبط فيما بينها ارتباطا جدليا.

وفي أفق ذلك يحرص على بناء الدولة الديمقراطية، التي هي، في نفس الوقت، دولة الحق والقانون، ودولة علمانية، يتجسد في إطارها فصل الدين عن الدولة.

ويسار من هذا النوع، هو الذي يمتلك القدرة على مواجهة التحديات القائمة في الواقع، وبالطرق العلمية الدقيقة، وعلى أساس برنامج يستجيب لطموحات الجماهير الشعبية الكادحة.

والتحديات القائمة في المرحلة الراهنة، تتمثل في:

1) ترسيخ القول بفشل الاشتراكية، وكأن نضالات اليسار غير ذات جدوى، مما جعل العديد من الحركات التي كانت محسوبة على اليسار تغير جلدها، لتقف إلى جانب الأنظمة الحاكمة في بلدانها، ومن اجل أن تصير جزءا لا يتجزأ من الطبقات الحاكمة، وهذا التحدي يفرض على اليسار الحقيقي العمل على إعادة اعتبار إلى الاشتراكية، من منطلق أنها لم تفشل، لأن الذي فشل فعلا هو التجارب التي كانت محسوبة على الاشتراكية. أما الاشتراكية، فتبقى حلما للكادحين.

2) حرمان الجماهير الشعبية الكادحة من الممارسة الديمقراطية الحقيقية، في مقابل اعتماد ديمقراطية الواجهة، للتغطية على تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال. فمعظم الأنظمة القائمة، إن لم تقل كلها، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، ودول بلدان العالم الثالث، هي أنظمة ذات طبيعة رأسمالية تبعية، تعتمد اختيارات لا ديمقراطية، ولا شعبية، تسعى إلى تكريس الاستبداد بالشعوب، من أجل الاستئثار بثرواتها، وتسخير تلك الثروات، لخدمة مصالح الرأسمالي المحلي، والعالمي، من خلال خدمة الدين الخارجي، ومن خلال تمكين الشركات العابرة للقارات من الاستئثار بالثروات الوطنية في كل بلد، ومن خلال خصخصة القطاع العام، الذي يباع غالبا لهذه الشركات، وإلى الرأسماليين المرتبطين بها. وتحدي غياب الديمقراطية، يفرض على اليسار العمل الدءوب على تحقيقها من خلال:

ا ـ العمل على إيجاد دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه، مما يمكنه من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، انطلاقا من اختيارات ديمقراطية، وشعبية.

ب ـ العمل على إيجاد قوانين تضمن حرية الانتخابات، ونزاهتها، وتغلق الطريق أمام كل أشكال التزوير الممكنة، التي تساعد الحكام على مصادرة حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.

ج ـ إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، تتسم بالشفافية الكاملة، وانطلاقا من القوانين المشار إليها، من أجل إيجاد مؤسسات تمثيلية: محلية، وإقليمية، وجهوية، ووطنية، تقوم بمهمة التشريع، وبإفراز الأجهزة، التي تقوم بمهمة التنفيذ.

د ـ إيجاد حكومة من أغلبية البرلمان، تكون مسئولة أمامه، وتقوم بتنفيذ برنامج الأغلبية، المصادق عليها في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

ه ـ إيجاد قضاء مستقل دستوريا، وواقعيا، توكل إليه مهمة تطبق القوانين المصادق عليها في المجالس التشريعية، والتي تستهدف تنظيم الحياة العامة، والخاصة، وتضمن سلامة الأشخاص، والممتلكات، والحفاظ على الأموال العامة.

و ـ ضمان تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في صفوف أفراد كل شعب من شعوب البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، أنى كان لونهم، أو جنسهم، أو معتقداتهم، أو لغتهم؛ لأنه بدون حرية، وبدون ديمقراطية، وبدون عدالة اجتماعية، يصير الشعب مستهدفا بالاستبعاد، والاستبداد، والاستغلال، مما يؤدي إلى حدة الفوارق الطبقية، والى تكريس كل أشكال القمع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وإلى جعل الناس لا يستطيعون التعبير عن رأيهم فيما يجري، ولا يمتلكون القدرة على تقرير مصيرهم بأنفسهم.

ز ـ تمتيع جميع الناس، بجميع الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل ضمان إنسانية الإنسان، بدل الحرمان من كافة الحقوق، كما هو حاصل في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

والتزام اليسار بهذه الخطوات المشار إليها، هو الذي يضمن لليسار الارتباط بالجماهير الشعبية المعنية بتحقيق أهداف النضال الديمقراطي، الذي يقوده اليسار.

3) هيمنة الفكر، والممارسة الظلاميين، على وجدان، ومسلكية الجماهير الشعبية الكادحة: الفردية، والجماعية، بسبب لجوء اليمين المتطرف إلى أدلجة الدين، وإلى توظيف تلك الأدلجة، لتكريس الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، مما جعل الجماهير الشعبية تتوهم أن ذلك الاستبداد القائم، أو الاستبداد البديل، هو الدين الإسلامي، الذي يجب الخضوع له أملا في الثواب، ورغبة في الفوز بالجنة، أو تتوهم أن الانخراط في العمل من أجل فرض استبداد بديل، هو عينه “الجهاد”، المقرون بالثواب في الدنيا، والآخرة. وسواء تعلق الأمر بتكريس الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، على أساس أدلجة الدين، فإن الاستبداد، ومهما كان، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى حرمان الجماهير الشعبية الكادحة من حقها في التعبير عن رأيها، وفي تقرير مصيرها.

وهذه الهيمنة الظلامية، ذات الطابع الإيديولوجي، تقتضي من اليسار العمل الدءوب، والمتواصل، الفكري، والعلمي، والإيديولوجي، والسياسي، لتفكيك الفكر الظلامي، ولتشريح الممارسة الظلامية القائمة على أساس ذلك الفكر، ولتفنيد الأطروحات الإيديولوجية الظلامية القائمة على أساس ادلجة الدين، حتى تمتلك الجماهير الشعبية المضللة القدرة على مواجهة الفكر الظلامي، وعلى نبذ الممارسة الظلامية، وعلى امتلاك الفهم الصحيح للدين، الذي يعتبر سلاحا أساسيا في مواجهة أدلجة الدين، وفي محاربة الاستبداد القائم على أساس تلك الأدلجة.

4) اعتماد الأنظمة القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، على الشرعية الدينية، مما جعل هذه الأنظمة مفرخة للظلاميين، وللفكر الظلامي، ولأدلجة الدين الإسلامي، التي تقف وراء قيام تطابق تام بين الدين، والدولة، الأمر الذي يجعل الدول في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، دولا دينية، تحرص كل الحرص على محاصرة كل فكر علماني، يسعى إلى إشاعة ضرورة طرح مطلب فصل الدين عن الدولة، حتى يصير ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، كما يقولون.

واعتماد الدول في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، على الشرعية الدينية، يجعل مهمة عمل اليسار على تحقيق الدولة الديمقراطية، باعتبارها دولة الحق والقانون، ودولة علمانية في نفس الوقت، مهمة صعبة. ولذلك نجد أن عمل اليسار على تفنيد الشرعية الدينية للدول القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، من خلال تشريح الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، التي تخدم مصالح الطبقات المستفيدة من الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، يعتبر من أولى الأولويات، من أجل جعل الجماهير التي تعاني من الاستغلال المادي، والمعنوي، تدرك أن ما يمارس عليها ليس قدرا، بقدر ما هو من فعل البشر المشكل للطبقات المستفيدة من الاستغلال، في أفق علمنة علاقات الإنتاج، التي تصير مدخلا لعلمنة الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي تعتبر شرطا لعلمنة الدولة في كل بلد من البلدان العربية، والإسلامية، من أجل وضع حد لسعي الدول القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، إلى اكتساب الشرعية الدينية.

5) حرمان المواطنين في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بسبب عدم ملاءمة القوانين، والقرارات، والمراسيم المحلية، والوطنية، مع المواثيق الدولية، مما يجعلها مصدر تكريس، وممارسة مختلف الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، القائمة في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، على أساس تلك القوانين، والقرارات، والمراسيم المستعملة في هذه البلاد. وهذا الحرمان الممارس في الحياة اليومية، وفي جميع المجالات، يفرض قيام اليسار بالعمل على جعل الجماهير، ومن خلال الإطارات الحقوقية بالخصوص، تنخرط في النضال من أجل ملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان؛ لأن تلك الملاءمة في حد ذاتها، تساهم في تفكيك اعتماد الدول على الشرعية الدينية، خاصة، وأن الناس يدركون، إلى حد كبير، بسبب تلك الملاءمة، أن ما قد يتمتعون به من حقوق، ليس منة من أحد، بقدر ما هو حق إنساني، تقتضي التمتع به إنسانية الإنسان.

6) اعتبار المرجعية الدينية في التشريع، وفي اتخاذ القرارات، وفي إصدار المراسيم، وسيلة لتكريس الاستبداد باسم الدين، مما يؤدي إلى إلحاق حيف كبير بالجماهير الشعبية الكادحة، المستهدفة بالتشريح، وباتخاذ القرارات، وبإصدار المراسيم. ولمناهضة الاستبداد الذي يتخذ بعدا دينيا، يطرح على اليسار فضح الخلفيات الإيديولوجية، والسياسية، القائمة وراء اعتماد الدين مصدرا للتشريع، مما يحول دون استحضار التحولات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تقتضي عدم اعتبار تلك المرجعية، نظرا لارتباطها بشروط لم تعد قائمة. وفضح الخلفيات المذكورة يقتضى المعرفة العلمية الدقيقة بالواقع، في أبعاده المختلفة، وبطبيعة الصراع، وبمستوياته المختلفة، وبميزان القوى، وبالشروط المتحكمة فيها، لأنه بدون تلك المعرفة، التي يبنى عليها برنامج اليسار، يبقى اليسار عاجزا عن الفعل في اتجاه وضع حد لاعتماد المرجعية الدينية.

وهذه التحديات التي لا يمكن الاستهانة بها، هي التي وقفت، وتقف، وستقف أمام ضعف اليسار، أو غيابه جزئيا، أو كليا، عن الفعل في الساحة الجماهيرية، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وما دامت كذلك، فوضعها في الاعتبار يبقى واردا في برنامج اليسار. وإلا، فان الأمر سيبقى على ما هو عليه، وستزداد التحديات المذكورة استفحالا.
 
من موقع  الحوار المتمدن

اقرأ المزيد

البحرين ومجلس حقوق الإنسان

استقطبت مملكة البحرين في الاسبوع الماضي الاضواء الدولية لنجاحها الكبير في الفوز بعضوية مجلس حقوق الانسان على الرغم من اشتداد المنافسة الانتخابية في المجموعة الآسيوية، وكان ترتيبها الثاني بعد اليابان في عدد الاصوات حيث نالت 142 صوتاً في حين نالت اليابان 155 صوتاً. وهذه المرة الثانية التي تنتخب فيها البحرين لعضوية هذا المجلس الاممي الهام منذ تأسيسه عام 2006م. ولا شك ان لاكتساب البحرين عضوية مجلس حقوق الانسان، مغزى ودلالات بالغة الأهمية باتجاه ليس ما حققته الدولة من مكانة وسمعة وثقة دولية مرموقة فحسب، بل باتجاه ما غدت تتحمله من مسؤولية ثقيلة كبيرة للمحافظة على هذه السمعة الغالية واثبات جدارتها بها طوال تمتعها بهذه العضوية.
فمسؤولية الدولة التي تتمتع بهذا الشرف الكبير لعضويتها في هذا المجلس الاممي المعني بمراقبة وصيانة حقوق الانسان في مختلف ارجاء العالم ليست كمسؤولية الدولة التي لا تتمتع بمثل هذه العضوية. ذلك بأن استشعار أي دولة تتمتع بعضوية مجلس حقوق الانسان بالحرج البالغ لفشلها في اثبات جدارتها بالعضوية امام العالم من جراء ممارسات داخلية تتنافى مع رسالة المجلس التي تتشرف بالعضوية فيه لهو أعظم من الدولة التي لا تتمتع بعضوية المجلس.
ويمكن القول ان البحرين نالت شرف التمتع بهذه العضوية بعد معركة تحضيرية وانتخابية خاضتها بجدارة وكفاءة متميزة. واذ نهنئ القيادة السياسية بهذا الفوز الوسام الثمين، فإننا نهنئ ايضاً الموقف الحضاري الموضوعي الوطني المسؤول الذي وقفته القوى السياسية والجمعيات والشخصيات الحقوقية الوطنية بدعم ومباركة فوز بلادهم في هذا المجلس الدولي وعدم اخضاع بناء هذا الموقف للاعتبارات الاعتراضية او التحفظية المتصلة بشكاواهم ووجهات نظرهم حول سجل الدولة الداخلي في قضايا حقوق الانسان. 

البحارنة وحقوق الإنسان
واذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن الجهد والدور الكبيرين اللذين بذلهما الوزير الدكتور نزار البحارنة وزير الدولة للشؤون الخارجية، والطاقم الاداري والفني المساعد له، سواء خلال معركة التحضير لانتخابات مجلس حقوق الانسان ام خلال معركة الانتخابات ذاتها ليستحق هو الآخر الاشادة والتقدير. ولعل انفتاح البحارنة على الجمعيات الحقوقية الأهلية والدولية، واعطاءه آذاناً صاغية لكل ما تبديه من ملاحظات وشكاوى ومطالبات، والتقاءه لهذا الغرض بممثلي الجمعيات الحقوقية قبيل يومين فقط من انتخابات المجلس.. نقول: لعل كل ذلك يسهم في تعزيز السمعة والثقة الدولية بجدارة مملكة البحرين بعضوية مجلس حقوق الانسان.
ومما لا شك فيه فإن استمرار الدولة، كما هو مأمول وكما هو متوقع، في هذا التواصل والانفتاح مع المؤسسات الحقوقية كنهج ثابت ودائم لمن شأنه ايضاً ان يعزز جدارتها بهذه العضوية ويكسبها رصيداً دولياً اضافياً مستقبلاً لنيل المزيد من المكاسب في المحافل والمنظمات الحقوقية العالمية وعلى الاخص في الامم المتحدة. 

قضية الثمانية
على الرغم من كل التحفظات والشكاوى التي تبديها المؤسسات الحقوقية الاهلية وبعض القوى السياسية وبعض النواب والصحافة من تقصير الدولة في متابعة قضية المواطنين الثمانية المحتجزين في السعودية فإننا نخشى ان نقول: ان الجهود التي تبديها الجهات الرسمية ومتابعاتها مع سلطات المملكة العربية السعودية الشقيقة حول هذا الموضوع، حتى رغم ما قد يشوبها من قصور، هي جهود على اية حال متقدمة على جهود النواب والمؤسسات الاهلية، وعلى الاخص الحقوقية منها. ونحن بطبيعة الحال لا ننكر ما بذلته الجمعيات الحقوقية الاهلية وبعض النواب من جهود مشكورة حتى الآن، لكننا نراها بأنها جهود مازالت دون المستوى المطلوب المفترض سواء من خلال المتابعة اليومية الدؤوبة مع أهالي المحتجزين، ام مع الجهات الرسمية المعنية ام مع السلطات السعودية، ام مع الجهات الدولية المعنية.
فما الذي يمنع هذه الجهات الحقوقية الأهلية والنيابية مثلاً من تشكيل وفد منها لمقابلة الجهات الرسمية السعودية لاستجلاء الغموض الذي يلف محنة هؤلاء الثمانية التي مضى عليها اكثر من خمسة شهور وهي تراوح مكانها؟ وما الذي يمنع هذه الجمعيات الحقوقية من تكثيف جهودها واتصالاتها مع مجلس الشورى ومع مجلس حقوق الانسان في المملكة العربية السعودية الشقيقة لمساعدتها في استجلاء هذه القضية الانسانية وانهائها؟ نحن نعتقد، ولدينا ثقة بأن حكومة خادم الحرمين الشريفين التي لطالما عُرف عنها، منذ توليه زمام الحكم في البلاد، انفتاحها على المنظمات الحقوقية الدولية، بل استقبال وفودها لتفقد احوال السجون وأوضاع حقوق الانسان في المملكة لن تدخر جهداً للتعاون مع أي وفد أهلي حقوقي بحريني شقيق لاستجلاء غموض الوضع القانوني والجنائي، إن يوجد، لهؤلاء المواطنين البحرينيين الثمانية المحتجزين تمهيداً إما لتقديمهم لمحاكمة عادلة لينالوا جزاءهم، وإما لإطلاق سراحهم. ولا شك ان تعاون الطرفين الصديقين، الاهلي البحريني والسعودي الرسمي، لانهاء هذه القضية بواحد من هذين الطريقين لهو أفضل ألف مرة من دخول المنظمات الحقوقية الدولية على الخط، فضلاً عن الاعلام الدولي.
 
صحيفة اخبار الخليج
26 مايو 2008

اقرأ المزيد

حياة أخرى في‮ ‬طهران

عبر البريد الإلكتروني‮ ‬تلقيت رسالة من الصديق العزيز الدكتور عبدالله المدني،‮ ‬الباحث في‮ ‬الشؤون الآسيوية،‮ ‬تتضمن مجموعة من الصور عن الحياة في‮ ‬إيران اليوم‮.‬ تظهر هذه الصور حياة أخرى تناقض تلك الصرامة التي‮ ‬تفرضها أو ترمي‮ ‬إليها الجمهورية الإسلامية،‮ ‬في‮ ‬نمط الحياة وأشكال السلوك الاجتماعي‮ ‬اليومي‮ ‬ولباس النساء‮.. ‬الخ‮.‬
تلك الصور عن الحياة في‮ ‬إيران لا تظهر تبرجاً‮ ‬أو خروجا عن المرعي‮ ‬من العادات والتقاليد،‮ ‬ولكنها،‮ ‬بالمقابل،‮ ‬تكشف عن شكل من التمرد على صرامة القواعد التي‮ ‬تفرضها المؤسسة الدينية المسيطرة على مفاصل السلطة في‮ ‬البلد‮.‬ لا‮ ‬يبدو حجاب الصبايا مُحكماً‮ ‬كما‮ ‬يشتهي‮ ‬الملالي،‮ ‬وثمة صور لفتيات‮ ‬يلعبن كرة الطائرة في‮ ‬حدائق عامة،‮ ‬وصور أخرى لأخريات‮ ‬يصوبن العصا بدقة تجاه كرة البلياردو،‮ ‬وقد انزاح‮ ‬غطاء الرأس عن خصلات الشعر،‮ ‬وصور أخرى تذهب في‮ ‬الوجهة ذاتها‮.‬ بيني‮ ‬وبين نفسي‮ ‬تساءلت‮: ‬هل‮ ‬يحدث ذلك بغض طرفٍ‮ ‬مقصود من السلطات،‮ ‬أم انه‮ ‬يتم بعيداً‮ ‬عن أعين رجالها؟ وبيني‮ ‬وبين نفسي،‮ ‬أيضاً،‮ ‬رجحت الاحتمال الأول،‮ ‬لا لأن المؤسسة الدينية راضية بالضرورة عن أشكال التمرد هذه،‮‬وإنما لأنها رغم كل العقود التي‮ ‬انقضت على الثورة الخمينية،‮ ‬عجزت عن ترويض مجتمع عُرف بانفتاحه،‮ ‬خاصة وانه سليل حضارةٍ ‬موغلةٍ ‬في ‬القدم معروفة برقيها في‮ ‬الآداب والفنون،‮ ‬يبدو مستحيلاً‮ ‬تطويع مكوناتها لحكم ثيوقراطي‮ ‬يظل محدوداً‮ ‬قياساً‮ ‬لثراء الإرث الحضاري‮ ‬الفارسي،‮ ‬الذي‮ ‬تكرس في‮ ‬عقود الحكم الإمبراطوري‮.‬
يمكن القول إن في‮ ‬إيران المعاصرة مجتمعين لا مجتمع واحد،‮ ‬الأول هو ذاك الذي‮ ‬يتطور بقوة الدفع الموضوعية التي‮ ‬تجعل صعباً،‮ ‬لا بل مستحيلاً،‮ ‬على إيران أن تكون منغلقة على نفسها في‮ ‬عالم مفتوح،‮ ‬والثاني‮ ‬هو ذاك الذي‮ ‬تريد المؤسسة الدينية الحاكمة فرضه وتعميم شكل السلوك الذي‮ ‬تراه مناسباً‮ ‬من خلاله‮.‬ وعلى خلاف مجتمعات عربية وإسلامية أخرى لا‮ ‬يزال نظام الحكم الذي‮ ‬تعد به الحركات الإسلامية مجرد مشروع تسعى لتحقيقه،‮ ‬ويصعب على الناس تخيل كيف سيكون،‮ ‬فان أجيالا من الإيرانيين خبرت هذا النظام،‮ ‬أو فلنقل شكلاً‮ ‬من أشكاله،‮ ‬ووجدت أن المسافة بين الحلم الذي‮ ‬تعد به الحركات والثورات دائماً‮ ‬وبين الواقع شاسعة‮.‬
من هذه الزاوية علينا أن نقرأ الصور موضوع هذا الحديث،‮ ‬لنجد أن الحراك الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬إيران المعاصرة‮ ‬يدفع بالأمور في‮ ‬اتجاه مخالف تماماً‮ ‬لذلك الذي‮ ‬يريده الملالي‮ ‬الذين‮ ‬يُحكمون القبضة على الأمور في‮ ‬البلاد‮.‬ إن كل قسرٍ‮ ‬خارجٍ‮ ‬على الفطرة السوية،‮ ‬الوسطية والمعتدلة،‮ ‬مآله الإخفاق الذريع،‮ ‬ومهما كانت صرامة التدابير فان الحياة،‮ ‬ومُحبيها،‮ ‬يشقون لأنفسهم لا سبل العيش كما اتفق وحدها،‮ ‬وإنما سبل العيش التي‮ ‬يرغبون في ‬أن ‬يحيوا بها‮.‬
 
صحيفة الايام
26 مايو 2008

اقرأ المزيد

ماذا جرى في الدوحة؟

في البداية لا بد من تهنئة اللبنانيين باتفاق الدوحة، الذي نأمل في أن يكون فاتحة خير، وبداية سلم أهلي نرجو أن يطول أمده سنين وسنين، ولو أن بيت الداء ما زال مستمراً، ونقصد به الطائفية السياسية. كما يجب أن تُهنأ الدبلوماسية القطرية النشيطة حقيقة، التي استطاعت أن تُنجز للبنانيين ما لم يستطيعوا إنجازه لأنفسهم، خلال شهور عديدة من الانقسام السياسي، الذي كاد أن يزج بلبنان في آتون حرب أهلية لا تُبقي ولا تذر. وثالثاً فإن التهنئة موصولة إلى جامعة الدول العربية على هذا الإنجاز، وهي التي لم تعرف الإنجاز في تاريخها إلا ما ندر.
ما حدث في دوحة قطر خلال الأيام القليلة الماضية شيء حقيقة لم يكن في الحسبان، فكل شيء كان يوحي بأن العقدة كانت دائماً في المنشار، وأن لوردات السياسة في لبنان لن يتوصلوا إلى اتفاق مهما كان نوعه، وخاصة عندما أصرت الأكثرية (الموالاة) على طرح موضوع سلاح حزب الله على مائدة المفاوضات، فيما كانت الأقلية (المعارضة) تصر على استبعاد هذا الموضوع، على أساس أن السلاح هو سلاح المقاومة. لا نريد هنا مناقشة كون السلاح هو سلاح حزب خاص، أم أنه سلاح مقاومة عامة، وما هو المقصود بالمقاومة واختلاف مفاهيمها لدى كافة الأطراف، فذاك موضوع آخر. المهم هو أن اتفاقاً لم يكن متوقعاً قد حدث، وانطبق قول الشاعر هنا: ضاقت فلما استحكمت حلقاتها، فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج، أو: اشتدي أزمة تنفرجي. ما حدث في الدوحة هو شيء من هذا القبيل، ولكن لا بد أن لكل شيء سبباً، فلا غيبيات في عالم السياسة المعيش. فما الذي جرى في الدوحة بالتحديد؟
منذ أن خلا مقعد الرئاسة الأولى في لبنان، لم يستطع أرباب السياسة اللبنانية أن ينتخبوا رئيساً، وتأزمت الأمور حتى وصلت إلى طريق مسدود، وكانت ذروتها احتلال حزب الله لبيروت، وتأزم العلاقة بين الطوائف، وخاصة بين المسلمين السُنة والشيعة، حتى كادت البلاد تنجرف إلى حرب أهلية مدمرة، لولا ذكريات الحرب الأهلية الأخيرة، التي ما زال اللبنانيون يعانون من نتائجها وتركتها الثقيلة، ولولا تأني بعض الأطراف اللبنانية، التي لم تنجرف وراء رائحة الدم والبارود. كل تلك المشاكل، وكل ذلك الصراع والنزاع الذي استمر أشهراً طويلة، استطاع أرباب السياسة اللبنانية أن يتجاوزوه في أيام معدودة في الدوحة، وكان بإمكانهم فعله في بيروت، من دون تدخل من جامعة الدول العربية أو الدبلوماسية القطرية، السؤال هو: ما الذي حدث في الدوحة ولم يحدث في بيروت، حتى يتفق «الأعدقاء» على حل للأزمة مهما كان نوعه؟ في ظني أننا لا نستطيع أن نفهم ما جرى في الدوحة، من دون أخذ المتغيرات الدولية والإقليمية في الحسبان. فليس سراً أن دولاً إقليمية ثلاثا في المنطقة، أو لنقل ثلاث قوىً إقليمية، تتابع الوضع في لبنان، على أساس أن مثل هذا الوضع وتغيراته له علاقة بأمنها الوطني، على اختلاف مفهوم الأمن الوطني لدى كل دولة. هذه القوى الثلاث هي السعودية، وإيران، وسوريا.
فبالنسبة للسعودية، فإن استقرار الوضع في لبنان، واستمرار التوازن الطائفي هناك، هدف استراتيجي لها، وبالتالي فإنها لن تسمح باختلال مثل هذا التوازن، ومن ثم عدم استقرار قد يُعرض أمنها الوطني للخطر، ولذلك فإن مصلحتها الوطنية، تدفعها دفعاً إلى عدم ترك الساحة.
أما بالنسبة لإيران، وهي الباحثة عن زعامة إقليمية، ونفوذ شامل، فإن مصلحتها، تقتضي منها أن يكون لها موطئ قدم ونفوذ مؤثر في لبنان. أما المصلحة الوطنية السوريا، فهي أن يكون لها وجود راسخ في لبنان، بل محاولة أن يكون لبنان مجرد تابع سوري، وليس دولة مستقلة ذات سيادة. التقاء المصالح بين هذا الطرف وذاك، يؤدي في النهاية إلى قيام نوع من التحالف بينهما من أجل تحقيق غاية، هي في النهاية تحقيق لأمنهما الوطني، كما تتصوره القيادة هنا وهناك. وإذا كان الاستقرار في لبنان هو المحقق للمصلحة الوطنية السعودية، وللأمن الوطني السعودي، فإن المصلحة السوريا الإيرانية المشتركة هي في الإخلال بالتوازن الطائفي اللبناني، ومن ثم استمرار حالة التوتر والاحتقان وعدم الاستقرار، من حيث أن ذلك هو الحالة الوحيدة التي تسمح بالنفاذ إلى الداخل اللبناني، وخاصة بعد الخروج السوري من هناك، وتحقيق وجود فاعل في الساحة اللبنانية، ومن هنا ينشأ تضارب المصالح، وتصادم مفاهيم الأمن القومي بين إيران وسوريا من جهة، وبين السعودية من جهة أخرى.
ومن أجل تحقيق الغاية الإستراتيجية لكل دولة من هذه الدول، تأتي التحالفات مع القوى الداخلية في لبنان، خاصة أنه من المعروف أن الطائفية السياسية عبر تاريخ لبنان، كانت دوماً دافعاً لبحث هذه الطائفة أو تلك عن حليف خارجي، أو حتى راع خارجي، لمساعدتها على الوجود الفعال، أو حتى مجرد الوجود، في وجه تضخم نفوذ هذه الطائفة أو تلك من طوائف لبنان، وذلك حين تجد هذه الطائفة أن مصلحتها مرتبطة برعاية خارجية، وحين تجد تلك القوة الخارجية أن مصلحتها تقتضي التحالف السياسي مع هذه الطائفة أو تلك، ويكون هناك التقاء مصالح بالتالي. المعادلة اللبنانية الطائفية تبقى هي المحدد لأسس اللعبة السياسية الداخلية في لبنان: تحالفات في الداخل، في ظل تحالفات مع الخارج، تبدو طائفية في ظاهرها، وهي سياسية في أعماقها. من هنا ندرك طبيعة العلاقة بين الأقلية، ممثلة بحزب الله، وبين إيران وسوريا، وطبيعة العلاقة بين السعودية والأكثرية، وعلى رأسها تيار المستقبل: إنها المصالح والتقاؤها، ولا شيء غير ذلك في النهاية. ولكن، قد يثور سؤال هنا وهو أن تضارب مصالح طائفي ـ سياسي، ممثلاً بإرب السياسة هناك، وممثلاً بتضارب المصالح الوطنية بين السعودية وإيران وسوريا، فما الذي حدث في الدوحة فجأة، بين الذين كانوا على شفا حفرة من الحرب الأهلية، فتألفت قلوبهم؟
الجواب ببساطة هو أن متغيرات جديدة طرأت على الساحة، فأعادت صياغة المصلحة الوطنية لكل طرف من أطراف اللعبة الإقليمية أولاً، فاتفاق الدوحة كان اتفاقاً بين القوى الثلاث المعنية، قبل أن يكون اتفاقاً لبنانياً صِرفاً. فالغزل الإيراني الأميركي الطارئ، وتطلع إيران إلى رئيس أميركي جديد، بسياسة خارجية مختلفة عن سياسة بوش ويمينه الجديد، واقتراب الاعتراف بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية، وبداية انحسار إيراني في الساحة العراقية، وتصريح راديو الجيش الإسرائيلي بأن بوش ينوي ضرب إيران، على الرغم من الغزل الجديد، كل هذه العوامل، في ظني، هي التي جعلت إيران تعيد التفكير في أين تكمن مصلحتها، وهي تكمن اليوم، وفق تصور جديد، في تهدئة الأوضاع في لبنان حتى يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من ناحية، ورسالة ضمنية إلى واشنطن، برئيسها الحالي وذاك القادم بعد أشهر وجيزة، بأنها قادرة على صنع الحرب وصنع السلام في لبنان، بل وفي المنطقة العربية عموماً، وما التغير في اتجاه حزب الله من المواجهة إلى المهادنة، إلا انعكاس للرؤية الإيرانية الجديدة نسبياً، وبالتالي فإن أوراق إيران في اللعبة قوية، ويجب الاعتراف بهذا الأمر من قِبل واشنطن، وبقية عواصم القرار في عالم اليوم. وبالنسبة لسوريا، فإنها موعودة بجائزة إسرائيلية تمنتها طوال الوقت، وخاصة من قِبل الرئيس بشار الأسد، الذي ينتظر إنجازاً يُحقق له شرعية خاصة به، بعيداً عن الشرعية الموروثة من الأسد الأب، ونقصد بذلك عودة هضبة الجولان كاملة إلى السيادة السورية، وها هي المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة، وستكون مباشرة قريباً كما هو المتوقع، قائمة على قدم وساق، وليس بعيداً أن تخرج سوريا من قائمة الدول «المارقة»، فتطبع العلاقة بينها وبين لبنان، قبل أن يكون التطبيع سورياً إسرائيلياً، ولذلك فإن مصلحتها اليوم تقوم على تهدئة الوضع في لبنان حتى تتبين صورة ما هو قادم.
وبالنسبة للسعودية، فهي من الأساس مع هدوء الأوضاع في لبنان، خاصة إذا لم يُخل بالتوازن الطائفي هناك، وهو الأمر الذي تحقق في الدوحة، بعد أن التقت المصالح بين القوى الإقليمية الثلاث، وكان الوليد هو اتفاق الفرقاء في لبنان. لقد كان حزب الله وحلفاؤه من القوى السياسية اللبنانية الأخرى، وتيار المستقبل وحلفاؤه من القوى السياسية اللبنانية الأخرى، يتفاوضون في الدوحة، ولكن أطياف الرياض وطهران ودمشق كانت تحوم في الأفق هناك أيضاً، ومن هذا التداخل بين المحلي والإقليمي، يُمكن أن نكون، في تصوري المتواضع، حقيقة ما تم إنجازه في الدوحة، وهو إنجاز جدير بالإشادة والسرور، بغض النظر عن كيف تم، وهذا هو المهم.. هذا هو المهم..

نقلا عن جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية

اقرأ المزيد

توظيف سعر الصرف في‮ ‬تنفيذ السياسة الاقتصادية

كما هو معروف‮ ‬يعتبر سعر صرف العملة أهم أدوات السياسة النقدية التي‮ ‬تحرص حكومات الدول وسلطاتها النقدية متمثلة في‮ ‬البنوك المركزية،‮ ‬على إدارة دفتها بعناية شديدة نظراً‮ ‬لاتصالها الوثيق بضبط إيقاع الحركة الاقتصادية والتحكم في‮ ‬مؤشرات أدائها القياسية توسعاً‮ ‬وانكماشاً‮.‬
‮ ‬وسعر الصرف المناسب‮ (‬وليس المثالي‮) ‬هـو السعـر الـذي‮ ‬يكـون فيه سعره الحقيقي‮ ‬‭(‬Real Exchange Rate‭)‬‮ ‬غير بعيد عن سعره الإسمي (‬Nominal Exchange Rate‭).‬
وإلى ذلك ليس بالضرورة أن‮ ‬يكـون اعتمـاد سياسـة سعـر صرف‮ ‘‬مكشوف‮’ ‬‭-‬‮ ‬إن جاز التعبير‮ ‬‭-‬‮ ‬أي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يحظى برعاية ودعم السلطات النقدية المسؤولة‮ (‬البنك المركزي‮ ‬عادة‮) ‬بغية إضعافه،‮ ‬أي‮ ‬اعتماد سياسة سعر صرف منخفض للعملة الوطنية‮ ‬‭-‬‮ ‬ليس سياسة سيئة بالمطلق إلى حين استنفاذها لغرضها،‮ ‬مثلما أنه ليس بالضرورة أن تكون جيدة سياسة اعتماد سعر صرف مرتفع للعملة الوطنية‮.‬
‮ ‬تأسيساً‮ ‬على ذلك فان تراجع سعر صرف العملات الخليجية،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬أمام العملات العالمية ارتباطاً‮ ‬بانخفاض سعر صرف الدولار، ‬أمامها،‮ ‬كان سيكون في‮ ‬صالح الدول الخليجية لو أنها كانت تملك سلة واسعة من المنتجات الموجهة للتصدير‮.‬
‬ولكن المعروف أن دول التعاون هي‮ ‬دول مستورد صاف‮ ‬‭(‬Net importer‭)‬‮ ‬لكافة احتياجاتها السلعية الاستهلاكية والرأسمالية على السواء، ‬ولذلك فأن ضعف العملة هنا له انعكاسات سلبية خطيرة على القوة الشرائية لمواطني‮ ‬دول المجلس الناجمة عن تراجع القوة الشرائية لعملاتها الوطنية‮ ‬‭(‬PPP‭).‬
نقول على مواطني‮ ‬دول المجلس لأن الحكومات الخليجية تعوض نزف النقاط الذي‮ ‬تتعرض له جراء تراجع سعر صرف الدولار المقومة به صفقات بيع النفط عن طريق ارتفاع سعر البرميل‮. ‬بينما لا تتوفر للمواطن الخليجي‮ ‬مثل هذه الآلية الموازية لوقف نزف قوته الشرائية‮ (‬جراء الارتفاع المتواتر في‮ ‬أسعار السلع والخدمات‮) ‬وهي‮ ‬هنا كما‮ ‬يفترض دالة الأجور‮. ‬والحال أن عدد البلدان النامية التي‮ ‬تعاني‮ ‬اليوم من تذبذبات أسعار الصرف للعملات العالمية لاسيما تلك المرتبطة بالدولار،‮ ‬يزداد‮ ‬يوماً‮ ‬بعد‮ ‬يوم‮.‬
‬مثال ذلك الصين التي‮ ‬اختارت منذ سنوات ربط عملتها بالدولار الأمريكي‮ ‬باعتباره العملة التي‮ ‬تمثل أقوى اقتصاد وأكبر عملة في‮ ‬العالم، ‬وأكثرها تداولاً‮ ‬واستخداماً‮ ‬كعملة احتياط دولية‮. ‬حيث أجبرتها سياستها النقدية الهادفة لدعم سياسة التوسع الاقتصادي‮ ‬الحكومية بواسطة التصدير والأخير لسعر صرف متدني‮ (‬عن قيمته الحقيقية‮) ‬للعملة الوطنية‮ (‬اليوان‮) ‬‭-‬‮ ‬أجبرت مصرفها المركزي‮ ‬على التدخل المستمر لشراء الدولار بغية المحافظة على سعر صرف‮ ‘‬اليوان‮’ ‬التنافسي‮.‬
والحاصل أن ذلك أدى فوائض متراكمة في‮ ‬الميزان التجاري‮ ‬ما اضطر السلطات لملاحقته واستيعابه بالتوسع في‮ ‬العرض النقدي‮ ‬الذي‮ ‬أفضى بدوره إلى زيادة الفائض التجاري‮ ‬على اعتبار ان هذه الإصدارات النقدية للبنك المركزي‮ ‬الصيني‮ ‬ليست لها علاقة بالاحتياجات النقدية للاقتصاد بقدر علاقتها بتوسع الفائض في‮ ‬ميزان مدفوعات البلاد‮. ‬ولما كان هذا الفائض كبيرا منذ عام‮ ‬2004‮ ‬فان البنك المركزي‮ ‬الصيني‮ ‬يصدر نقودا أكثر من حاجة الاقتصاد إليها‮. ‬وهو ما‮ ‬يقود إلى عدد من اللاتوازنات الداخلية‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬مقدمتها النمو الزائد عن الحد للقروض البنكية في‮ ‬ظل عدم متانة النظام المصرفي‮ (‬بما‮ ‬يُذكر بأزمة النظام المصرفي‮ ‬في‮ ‬اليابان في‮ ‬ثمانينيات القرن الماضي‮)‬،‮ ‬وكذلك فيض الاستثمار في‮ ‬الأصول الثابتة‮. ‬فكان أن تسبب اللاتوازن هذا بصورة مباشرة في‮ ‬مزيد من نمو الإنتاج الصناعي،‮ ‬بما‮ ‬يفيض عن طاقة الامتصاص المحلية‮ (‬الاستهلاك‮) ‬ويؤدي‮ ‬إلى تحويل فائض الإنتاج إلى التصدير‮ .. ‬وهذا إلى مراكمة الفائض التجاري‮.‬
‬وقد حاولت الصين على مدى السنوات الثلاث الأخيرة للحد من نموها النقدي‮ ‬الكبير وذلك برفع سعر الفائدة أربع مرات،‮ ‬إلا أن ذلك لم‮ ‬يكن كافياً‮ ‬لكبح عمليات الإقراض‮. ‬وإلى أن‮ ‬يصل معدل الفائدة إلى مستواه الكابح للاقتراض فإن ذلك سوف‮ ‬يفاقم أزمة الديون المعسرة والمعدومة لدى البنوك التي‮ ‬تعاني‮ ‬منها أصلاً‮.‬
‬هذه هي‮ ‬مشكلة الصين الناتجة عن ربط عملتها بالدولار الأمريكي‮ ‬والتي‮ ‬يعتقد البعض أن حلها‮ ‬يكمن في‮ ‬التخلي‮ ‬عن سياسة التدرج في‮ ‬رفع سعر صرف اليوان والقيام برفع قيمته بنسبة‮ ‬15٪‮ ‬دفعة واحدة‮. ‬ولكن لهذا القرار عواقب وخيمة على الصادرات الصينية وعلى الواردات بصورة أكبر،‮ ‬وعلى تدفق الاستثمارات بصورة أعظم،‮ ‬وفي‮ ‬المحصلة على معدل نمو الاقتصاد‮.‬
مثال آخر على ورطة الدول بتنامي‮ ‬قوة عملتها الوطنية إزاء عملات الربط العالمية الرئيسية،‮ ‬تقدمه لنا تايلند التي‮ ‬تتعرض عملتها لضغط صعودي‮ ‬جراء ضعف الدولار الأمريكي‮ ‬والين الياباني‮ ‬انعكس تأثيراً‮ ‬سلبياً‮ ‬على القطاع الخارجي‮ ‬‭(‬External Sector‭)‬‮ ‬وتحديدا الميزان التجاري‮ ‬بصفة خاصة وميزان المدفوعات بصورة عامة،‮ ‬وتمثل في‮ ‬تراجع الصادرات السلعية والخدماتية وارتفاع قيمة الواردات،‮ ‬ما أدى إلى انخفاض الإيرادات الوطنية وتراجع الإنتاج‮ (‬من حيث تراجع الطلب على السلع التايلندية بسبب ارتفاع الباهت‮) ‬وارتفاع نسبة البطالة‮. ‬وهذا‮ ‬يقود بدوره إلى انخفاض الاستهلاك والانفاق الاستثماري‮ ‬نتيجة لتراجع الدخل الأسري‮ ‬وانخفاض ربحية قطاع الأعمال بما‮ ‬يزيد الضغط على الإيرادات العامة والإنتاج الوطني‮ ‬والاستهلاك ومؤشر البطالة‮.‬
وضع العملات الخليجية اليوم‮ (‬مع استثناء الدينار الكويتي‮) ‬يشابه تقريباً‮ ‬وضع اليوان الصيني‮ ‬المربوط‮ ‬‭-‬‮ ‬بمرونة‮ ‬‭-‬‮ ‬بالدولار،‮ ‬من حيث تداوله بأقل من قيمته الحقيقية أمام الدولار المتراجع تباعاص‮.‬
‬إلا أن الفارق أن الصين تتعمد حصول مثل هذا الفارق بين سعر الصرف الرسمي‮ ‬المتداول وبين سعر الصرف الحقيقي‮ ‬لليوان من أجل المحافظة على تنافسيتها التجارية باعتبارها دولة مصدرة رئيسية للسلع الرأسمالية والاستهلاكية إلى الأسواق العالمية‮. ‬بينما لا تستفيد بلدان الخليج العربية كثيراً‮ ‬من انخفاض سعر صرف عملاتها لأنها ليسن دول مصدرة للسلع الاستهلاكية والرأسمالي.
 
صحيفة الوطن
25 مايو 2008

اقرأ المزيد

“الدراسات الاستراتيجية” ومنتدى التعاون مع الصين

كانت لفتة علمية وعملية رائعة من قبل مجلة الدراسات الاستراتيجية التي يصدرها مركز البحرين للدراسات والبحوث ويرأس تحريرها د. محمد الغتم حينما راودتها فكرة اصدار عدد خاص عن العلاقات العربية – الصينية ليتزامن مع انعقاد الدورة الثالثة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني التي اختتمت أعمالها قبل أيام في البحرين وهي أول دورة تعقد على هذا المستوى في البحرين مما يكسب بلدنا ميزة وسمعة بنجاحها في احتضان مثل هذا المنتدى الدولي العربي الكبير المهمة.
وقد وفقت مجلة الدراسات الاستراتيجية أيما توفيق في العدد الخاص المشار إليه إذ زخر بمجموعة من الدراسات والمقالات المهمة القيمة التي تتناول كل ما يتعلق بالعلاقات الصينية العربية من مجالات مختلفة وفي مقدمتها المجالات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، ومن هذه الدراسات والمقالات: منتدى التعاون العربي الصيني حدث فريد.. لخالد بن أحمد آل خليفة، ولنسع سويا من أجل اقامة شراكة صينية عربية جديدة.. للسفير الصيني في البحرين لي تشيقوه، الصين والعرب قوتان صاعدتان لمحمد نعمان جلال مدير تحرير المجلة، وتطور العلاقات البحرينية الصينية لحسام الدين جابر، وآفاق تطور العملية الاصلاحية في الصين لرضي السماك، وعرب اقوياء افضل للمصالح الصينية في الشرق الاوسط لجواد الحمد، ونظرة تأملية على تطور الصين والعلاقات العربية الصينية لسفير البحرين السابق في الصين حسين الصباغ، والعلاقات السعودية الصينية لعبدالكريم حبيب الله، والاسرة الملكية تانج 618-960م لصالح حبيب الله الصيني.
ولعل ما يميز هذا العدد الممتاز ايضا انه لم يغفل تخصيص باب “عروض الكتب” ليتناول فيه عرضا لواحد من اهم الكتب القيمة الجديدة الصادرة في الغرب وتحديدا في بريطانيا الا هو كتاب “الكتابة على الجدار” للمؤلف ويل هتون وقد قدم العرض احمد النوبي. كما خصص العدد قسما للوثائق والمستندات المتعلقة بالعلاقات الصينية العربية ومن هذه الوثائق: مذكرة التفاهم بين الامانة العامة لجامعة الدول العربية ووزارة خارجية جمهورية الصين الشعبية، واعلان منتدى التعاون العربي – الصيني، وبرنامج منتدى التعاون العربي الصيني، والبيان الختامي للدورة الاولى لمؤتمر رجال الأعمال لمنتدى التعاون العربي – الصيني، وبيان الدورة الثانية للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني، والتقرير الختامي لندوة الحوار بين الحضارتين العربية والصينية.
ونظرا لأهمية وخصوصية هذا العدد واحتفاء بهذه المناسبة الكبيرة التي صدر من اجلها الا هي انعقاد منتدى التعاون العربي – الصيني في البحرين فقد نظمت مجلة الدراسات الاستراتيجية قبيل يومين من انعقاد المنتدى حفلا خاصا لتدشين صدور العدد في مركز الدراسات بعوالي القى الدكتور محمد بن جاسم الغتم رئيس مجلس امناء مركز البحرين للدراسات والبحوث، رئيس تحرير المجلة، كلمة بهذه المناسبة في هذا الحفل الذي حضرته نخبة من الباحثين والكتاب والاعلاميين وغيرهم من الشخصيات المرموقة.
وبعيدا عن أي مجاملات او مبالغة تقتضي إدارة تحرير المجلة وعلى رأسها الدكتور الغتم ومساعدوه الدكتور عبدالله الصادق والدكتور نعمان جلال وحسام سالم قد بذلت جهدا كبيرا استثنائيا في التحضير لاصدار هذا العدد الممتع القيم بالسرعة والصورة اللائقة شكلا ومضمونا، وهو ما نجحت فيه أيما نجاح حتى بدت المجلة بمثل هذه الاصدارات الخاصة المتكررة المتميزة وكأنها مجلة ذات خبرة عريقة طويلة مجربة في هذه الاصدارات وليست مجلة فتية مازالت في السنوات الأولى من ولادتها.
وبهذا فقد قدمت المجلة خدمة جليلة علمية ووطنية كبرى بهذا الاصدار بما يضيف الى سمعة ومكانة المملكة في قدرتها على احتضان واستضافة المؤتمرات الدولية الكبرى ولا احسب ان الدول العربية التي استضافت فعاليات عربية – صينية سابقة قد راودتها هذه الفكرة التي استحدثتها وعملت على تنفيذها بهمة ونشاط هذه المجلة الرائدة. فماذا عن التحضيرات الرسمية الاخرى لهذه الفعالية أي المنتدى العربي – الصيني؟
لسنا بطبيعة الحال على اطلاع دقيق وعن كثب بما تم من تحضيرات تنظيمية وادارية وفنية من قبل الجهة المعنية الرسمية باستضافة هذه الفعالية العربية الدولية المهمة، وان كنا نرجح بأن جهودا تحضيرية كبيرة بذلت أيضا في هذا الصدد والا لما نجح المنتدى العربي الصيني في انعقاده وتكللت أعماله بالنجاح ايضا، لكن كما يبدو لم تكن الاستعدادات الاعلامية المحلية والخبرية المبكرة على مستوى أهمية الحدث والفعالية، كفعالية بالغة الاهمية باعتبارها من وسائل وسبل استشراف تطوير العلاقات العربية – الصينية، وبالتالي ثمة قصور اعلامي واضح لتسليط الاضواء المبكرة المسبقة على هذه الفعالية التي بدت مجهولة تماما الى ما قبل انعقادها بيوم واحد سواء على مستوى وسائل الاعلام الرسمية الجماهيرية، الاذاعة والتلفزيون، ام على مستوى الصحافة المحلية.. فهل نأمل في معالجة مثل هذا القصور المعيب عند احتضاننا مثل هذه الفعاليات الدولية الكبرى القادمة؟
 
صحيفة اخبار الخليج
25 مايو 2008

اقرأ المزيد

عن قوةٍ‮ ‬صاعدة اسمها الصين

حضرت حفل تدشين العدد الخاص من مجلة‮ “‬الدراسات الاستراتيجية‮” ‬التي‮ ‬يصدرها مركز البحرين للدراسات والبحوث،‮ ‬الذي‮ ‬كُرس للعلاقات العربية‮ – ‬الصينية،‮ ‬تزامناً‮ ‬مع انعقاد المنتدى العربي‮ ‬الصيني‮ ‬الذي‮ ‬أنهى أعماله في‮ ‬البحرين‮.‬ ووجدت في‮ ‬مادة العدد،‮ ‬كما في‮ ‬انعقاد المنتدى نفسه، ‬ما‮ ‬يشي‮ ‬عن وعي‮ ‬بأهمية الانتباه إلى العلاقات العربية الصينية،‮ ‬فإلى حدود بعيدة‮ ‬يبدو الحوار بين العالم العربي‮ ‬والصين استجابة لواحدة من كبريات الحقائق في‮ ‬عالم اليوم،‮ ‬الذي‮ ‬يشهد صعود الصين بوصفها قوة دولية،‮ ‬قد تكون الثانية بعد الولايات المتحدة،‮ ‬إذا ما قدر للنهضة الصينية الراهنة أن تتواصل وتصل إلى الآفاق التي‮ ‬رسمها لنفسه هذا البلد العظيم‮.‬
حتى الآن فان العالم العربي‮ ‬ما زال‮ ‬ينظر بعين واحدة لا تتوجه إلا‮ ‬غرباً،‮ ‬ورغم الدعوات الكثيرة للالتفات نحو الشرق،‮ ‬إلا اننا نزعم أن هناك ما ‬يشبه الغفلة العربية،‮ ‬ولنقل التغافل،‮ ‬عن رؤية ما‮ ‬يمور في‮ ‬عالم اليوم من تحولات عميقة،‮ ‬ستشكل خريطة سياسية واقتصادية جديدة خلال العقود القليلة القادمة‮.‬ ومن علامات ذلك بروز الصين لا سياسياً‮ ‬فحسب،‮ ‬وإنما اقتصادياً‮ ‬أيضاً،‮ ‬وسنرى في‮ ‬أي‮ ‬مسعى عربي‮ ‬لمد جسور التعاون معها نوعاً‮ ‬من الصحوة من هذه الغفلة التي‮ ‬طالت‮.‬
ونظر الاجتماع الوزاري‮ ‬لمنتدى التعاون العربي‮ ‬الصيني‮ ‬الذي‮ ‬استضافته المنامة،‮ ‬وهو الثالث بعد اللقاء الأول الذي‮ ‬جرى في‮ ‬القاهرة عام ‮٤٠٠٢‬،‮ ‬والثاني‮ ‬الذي‮ ‬انعقد في‮ ‬بكين عام ‮٦٠٠٢‬،‮ ‬في‮ ‬جدول أعمالٍ‮ ‬تضمن جملةً‮ ‬من المسائل،‮ ‬بينها القضايا السياسية،‮ ‬حيث‮ ‬يجري‮ ‬التشاور السياسي‮ ‬حول الوضع في‮ ‬منطقة الشرق الأوسط،،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك بين الجانبين بينها الأوضاع في‮ ‬دارفور والعراق ولبنان وحوار الحضارات‮.‬ كان على جدول أعمال المنتدى أيضاً‮ ‬موضوع التنسيق بين الجانبين بشأن إصلاح الأمم المتحدة وكيفية الاستفادة من دور الصين باعتبارها عضوا دائما في‮ ‬مجلس الأمن‮.‬
حتى أواخر القرن العشرين لم‮ ‬يكن حجم التبادل التجاري‮ ‬بين الصين والعالم العربي‮ ‬يتجاوز بضعة مليارات من الدولارات،‮ ‬وتشير التوقعات الاقتصادية إلى أن انه سيصل بحلول عام ‮٠١٠٢ ‬إلى نحو ‮٠٠١ ‬مليار دولار مقارنة بنحو ‮٥٦ ‬مليار دولار عام ‮٧٠٠٢. بوسع العرب أيضاً الاستفادة من قدرات الصين في‮ ‬مجال التعاون التكنولوجي‮ ‬والعسكري،‮ ‬وفتح آفاق تعاون جديدة في‮ ‬مجالات الإعلام والتعليم والثقافة وتنمية الموارد البشرية وحماية البيئة‮.‬
والأهم أن‮ ‬يعبر كل هذا عن استيعاب لآفاق التحولات الدولية،‮ ‬وعن الاستعداد للتعاطي‮ ‬معها بعقلٍ‮ ‬منفتح،‮ ‬والتحرر من عقدة التبعية للغرب أو الخوف منه،‮ ‬فيما العالم‮ ‬يقدم فُرصاً‮ ‬جدية لتحرير الإرادة العربية من ذلك‮.‬

صحيفة الايام
25 مايو 2008

اقرأ المزيد

تجاهلوك‮ ‬يا طرفة

يعرف عند البحرينيين ان الشاعر الجاهلي‮ ‬طرفة بن العبد هو من أهل بلدنا،‮ ‬فهو من قبيلة بني‮ ‬قيس بن ثعلبة من بني‮ ‬بكر بن وائل،‮ ‬وهي‮ ‬قبيلة عاشت في‮ ‬البحرين،‮ ‬فأنجبت طرفة وترعرع في‮ ‬بلدنا حتى أصبح من الشعراء الذين تم تعليق شعرهم على الكعبة في‮ ‬الحجاز‮.‬
طرفة ذلك العملاق الجاهلي‮ ‬الذي‮ ‬أتى بشعر فيه ما فيه من الإنسانية العظيمة،‮ ‬لا أثر له ولا نصب ولا تذكار في‮ ‬بلاده،‮ ‬من أقصاها الى أقصاها‮.‬
وهنا لابد ان نقدم سؤالا الى القائمين على الثقافة والمسؤولين في‮ ‬الإعلام والسياحة،‮ ‬ألا تعرفون ان طرفة من البحرين،‮ ‬وانه مفخرة لكم ان تشهروا ذلك،‮ ‬لأنه علم من أعلام بلادنا‮.‬
المسؤولية لا تقع على السلطة التنفيذية فقط،‮ ‬بل حتى المجتمع المدني‮ ‬أضاع حق طرفة،‮ ‬بما فيهم أهالي‮ ‬قرية المالكية المقصرون في‮ ‬حقه،‮ ‬لأنه وكما‮ ‬يقال ان ابن العبد كان من أهلهم‮.‬
ألا‮ ‬يتسحق ان‮ ‬يقدم عضو المجلس البلدي‮ ‬لمنطقة المالكية اقتراحاً‮ ‬بتشييد نصب تذكاري‮ ‬لطرفة بن العبد على مدخل القرية،‮ ‬أو‮ ‬يتم إحياء تراث طرفة وشعره‮.‬
بل حتى في‮ ‬مناهج وزارة التربية والتعليم،‮ ‬يقرر على الطالب قصائد للحفظ،‮ ‬بينما لا توجد إلا قصيدة‮ ‬يتيمة‮ ‬يتم تدريسها للطلاب في‮ ‬مرحلة من المراحل الدراسية‮.‬
مسكين‮ ‬يا طرفة،‮ ‬لا اعرف لماذا‮ ‬يتجاهلونك؟ ويهمشونك،‮ ‬ويغضوا الطرف عنك؟
لو كان طرفة‮ ‬يعلم ان العالم سيكرم شعره المعلق،‮ ‬وسيتجاهله أهل بلده،‮ ‬لطلب ان‮ ‬يجنس في‮ ‬بلد آخر‮ ‬يحترم الأدب والأدباء‮.‬

صحيفة الايام
25 مايو 2008

اقرأ المزيد