المنشور

كادت أن تفعلها “أسِيل”.. لكنها لُجِمَتْ بـ”كعبِ أخِيل” !!

يكاد يجمع الكُلّ أن مَثَل المرأة العربية عامة والخليجية خاصة، كَمَثلِ من تنشب أظافرها في الصّخر الصّلْد ، من أجل الوصول إلى حقوقها الإنسانية المشروعة على مختلف الصُُّعُد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية والأسَرية وغيرها ، بُغية التخلص من قيود القرون الغابرة والأسْر التاريخي المجحف ووضع حدّ للاستبداد الشرقي الذكوري والعَسْف المزمن تجاه الأم والأخت والبنت والزوجة ، الأمر الذي لابد  في حالة خروجها من الظّل ومشاركتها في عملية التنمية والتقدم الاجتماعيين، أنه سينعكس على التطور المأمول للمجتمعات الخليجية.
 ولاتوجد إمكانية لتقدمٍ وتنميةٍ حقيقيين إلاّ بإعادة النصف المعطّل إلى السّكة الصحيحة وساحة الإنتاج والمشاركة الكاملة  في المجتمعات الخليجية ، التي لا تستقيم إن ظلت واقفة على رِجْلٍ واحدة كالنعامة!  عدا هذا.. كل ما يقال عن “تفعيل المرأة” سراب ووهم وذرّ للغبار عن العيون ، إن ظلت الأنظمة الخليجية والعربية غير مقتنعة بنظام الكوتا النسائي المعمول به في 110 دولة ، من بينها المغرب (35 امرأة) والأردن(6 نساء) وغيرها، في هذه المرحلة المهمة من تاريخها وهي تحاول الولوج لعصر الحداثة والتنوير.
 ومن المؤكد أن الأنظمة الخليجية القوية هذه بمالها ونفوذها ، كونها اللاعب الأقوى في الساحة ، باستطاعتها – إن شاءت- أن تخترق السّدّ المنيع لقوى”الإسلام السياسي” بتلاوينها المختلفة ولكن المُجتَمِعة على إبعاد المرأة المسلمة من دخولها المجال السياسي والتشريعي ، كون هذا يشكل البند الأول للبرنامج والمنهاج “الإسلامي” المقدس لدى تلك القوى حتى هذه الساعة! 
 
لعل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الكويت التي جرت في الأسبوع الماضي  شاهد على ما نقوله ، حين “استأسد” الرجل ، بكل ما يملكه من إمكانيات هائلة – مادية ومعنوية-  ضد المرأة ، مستمرا بالضغط  والإكراه على حثّ الناخبات من النساء من مغبّة التساهل حول هذا “الأمر الخطير” ، المتمثل في وصول حتى امرأة واحدة لقبّة البرلمان ، مشابها- مع الفارق- لما حدث في بلدنا البحرين!
 إنه بالطبع لأمر يُعاب على تجربة خليجية رائدة كالكويت ( منذ بداية ستينات القرن الماضي)، بان يحصل هكذا ذُلّ للمرأة الكويتية. ومرد ذلك هو فتح الأبواب مشرعة أمام قوى التزمّت والتطرّف وإذعان السلطات الكويتية لرغبات التقليديين المتزمّتين للسيطرة على مفاصل الإعلام والمال والحياة الروحية للمواطنين. هذا في الوقت الذي تعاني فيه الكويت من أزماتٍ بنيويةٍ وهيكلية ، لاتتشافي بالطبع إلاّ ببرنامج استراتيجي تنموي حقيقي يبدأ بتحريرٍ منضبطٍ للاقتصاد ، خطة تصنيع وطني ، إعادة رساميلها الخارجية للإستثمار في الداخل.. مرورا بنمطٍ عصري للحياة الاجتماعية وتغييرا للثقافة الاستهلاكية غير الإنتاجية والبليدة السائدة لدى المواطنين !
 كان فيما مضى نوع من التبرير والقناعة حيال البرنامج الاقتصادي الريعي والطفيلي الطارد للتنمية الداخلية والسماح لخروج الرساميل “المليارية” للاستثمار الخارجي ، المتزامن مع وجود التهديد الأمني التاريخي القابع على حدودهم الشمالية. ولكن الآن قد زال ذلك الخطر الداهم والدائم، الهاجس الذي كان موجوداً لدى الكويتيين وجسّده عمليا على الأرض النظام العراقي البائد حينما زحف على الكويت في مستهل تسعينات القرن الماضي. بل من الممكن القول أن هناك وضع نفسيّ جديد قد تشكّل لدى الناس ، لم تتجسّد بعد في شكلِ  نمطٍ  اقتصادي/ اجتماعي مفيد، بسبب تخبّطٍ  في التخطيط الاقتصادي/ الاجتماعي وسيادةِ ثقافةٍ معاديةٍ للمرأة والتقدم ! 

على أن ما يثير الإعجاب الشديد هو ثبات وشجاعة المرأة الكويتية ، التي لا تلين من عزيمتها أية هزيمة ولا من إصرارها أي إحباط ، في هذه التخوم المشرقية والتقليدية من الوطن العربي. من هنا نرى استمرارها في نضالها الحقّ من أجل انتزاع مكانتها الطبيعية في المجتمع والأسرة والحياة النيابية من براثنِ وحشٍ خرافي لايمتّ لروح العصر بأية صلة.
 خاضت 27  امرأة كويتية التحدي مقابل مئات الرجال ، مدركين هؤلاء النسوة الجسورات صعوبة أهدافهن الأشبه بمن يريد تسلق جبال الهملايا !  اقترب من الفوز امرأتان ؛ المحاضرة الجامعية الدكتورة ” أسيل العوضي”  والاقتصادية الليبرالية ” رولا  دشتي ” ، التي تعثّرت نتيجة نزولها مستقلة في الدائرة الثالثة منافسة مع أخيها “علي دشتي”، جامعة أكثر من أربعة آلاف صوت بالرغم من تعرضها لهجوم شرس وتشويه متعمّد من قبل القوى المتزمتة. على عكس أسيل، التي ترشحت ضمن قائمة، ولهذا ظلت بين العشرة الأوائل المؤهلين حتى قبيل انتهاء التصويت النهائي، مما حدا بوسائل الإعلام من اعتبارها فائزة!  ولكن عقدة الرجل الشرقي الأشبه بـ “كعب أخيل” حالت دون وصول ” أسيل” إلى المُنى والمُبتغى وكسر هذا الاحتكار الذكوري الملتف كالأفعى حول رقبة المرأة ليحيل دون تأهل امرأة واحدة للبرلمان، وعدم تكرار تجربة الأردنية الجسورة ” توجان الفيصل”  في  سنة  1993، حينما استطاعت كسر قيود المجتمع  القبلي والعشائري الأردني في تلك السانحة اليتيمة ، الأمر الذي أدى في النهاية لاقتناع الحكومة الأردنية بضرورة تطبيق آلية الكوتا كونها أقرب وأسهل الطرق للدخول الرمزي للمرأة إلى ساحة التشريع ، وهو ما حدث في سنة 2003  بتخصيص 6 مقاعد للمرأة الأردنية. 
  جرت الانتخابات الكويتية بيسر وانتظام ، معتمدة على قانون مستحدث  قلّص الدوائر الانتخابية من  25  إلى خمس دوائر، يتأهل عشر مترشحين عن كل دائرة ، على أن لا يحق للناخب أن يختار أكثر من أربعة مترشحين في لائحته الانتخابية ، مما فتح المجال نسبيا لبعض الاختراقات الايجابية وإن كان البعض الأخر رأوا في هذا التغيير تكريسا للقبلية والطائفية وعضدا لهما .  لعله من المفيد أن نوجز خريطة القوى التي تشكلت الآن في البرلمان الكويتي الجديد، ضمن التشكيلات السياسية الأساس غير الرسمية، التي مازالت تعاني من عدم الاعتراف القانوني بها:

  • عزّز التجمع الإسلامي”سلف متزمت” من موقعه بحصوله على ثلاثة مقاعد للمجلس الحالي (مقعدين في المجلس السابق)
  •   انكمشت الحركة الدستورية”الإخوان المسلمين” حصتها من ستة مقاعد إلى ثلاثة مقاعد
  •   سجّل التحالف الوطني الإسلامي”شيعي” مع حليفه “الميثاق” تقدما واضحا بحصوله على خمسة مقاعد مقارنة بمقعدين في المجلس السابق
  • تراجع التحالف الوطني الديمقراطي”مظلة لعدة قوى وطنية /قومية/ليبرالية/تقدمية” بمقعد واحد فقط ( من ثمانية إلى سبعة). وكانت” الدكتورة أسيل العوضي” ضمن قائمة هذا التحالف المحتوى على أكثر من جهة سياسية من ضمنها “المنبر الديمقراطي”اليساري . حلّت أسيل في المركز الـ 11 في الدائرة الثالثة ، كادت أن تخترق كل “الممنوعات” جامعة أكثر من خمسة آلاف صوت ؛ عدد من الأصوات يوازي أكثر من بعض الفائزين في دوائر أخرى!
  • تراجعت كتلة العمل الشعبي “ليبرالي” بمقعد واحد أيضا ، حاصلة على أربعة مقاعد
  • أما المستقلون، المنتمون لمختلف المشارب وخاصة “الدينيين” والقبائل، فقد خطفوا المقاعد الباقية


  لعله من المستحسن تكرار بديهة ، انه لايمكن للأنظمة العربية وهي تنشد تغييراً مؤسساتيا حقيقيا في مجتمعاتها ، من الاستمرار للنهاية في لعبة التوازن الخطر، المقرون باستمالة ومراضاة “الإسلام السياسي” إلاّ بفتح المجال أمام المشاركة النسائية من خلال آلية الكوتا المرحلية، كونها السلاح الأمثل لسحب البساط  من تحت أقدام غريمها المتحفز القادم من اليمين المتزمّت ، لإحياء الثيوقراطية “الدينية” في عصرٍ غير عصرها!
صحيفة الوقت
25 مايو 2008

اقرأ المزيد

بالونات بِيض في سماء بيروت


عندما كان أمراء الطوائف اللبنانيون مجتمعين في الدوحة، يبحثون عن توافق بينهم، رفع اللبنانيون في بيروت شعاراً يقول: لا تعودوا إن لم تتفقوا.
 
هذا الشعار يعبر عن خيبة أمل قطاعات واسعة من اللبنانيين في زعمائهم، وقرفهم مما آلت إليه الأوضاع في ظل الأزمة السياسية المتفاقمة هناك، وشعورهم بأن هذه الأزمة، هي في المقام الأول، صنيعة هؤلاء الزعماء، حيث  يبدو أن من شروط تأبيد سلطاتهم إبقاء الوضع في البلد مأزوماً.
 
لذا نستطيع أن نتفهم حالة الفرح العفوية التي اجتاحت العاصمة اللبنانية وبقية المدن لحظة أُعلن في الدوحة عن بلوغ هؤلاء الزعماء إلى اتفاق، تضمن بين ما تضمن تحديد موعدٍ يبدو مؤكدا لانتخاب الجنرال ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فضلاً عن الاتفاق على طريقة توزيع الحصص في الحكومة المقبلة.
 
البالونات البيض التي طُيرت فوق سماء بيروت تعبر عن توق المواطن اللبناني إلى أن يعيش حياة طبيعية، وأن ينعم بالأمن والاستقلال، ويشعر بأن الدولة قد عادت إلى ممارسة وظائفها الطبيعية التي يفترض أن تؤديها أية دولة في العالم.
 
لكن محزن ألا يغدو موضوع فرحة اللبنانيين هذه أكثر من هدنة، قد تطول وقد تقصر، لأن الزعماء الذين اجتمعوا في الدوحة لم يستأصلوا جذراً واحداً من جذور الأزمة اللبنانية المستعصية.
 
يريد المواطن اللبناني البسيط الذي أضناه التوق إلى حياة طبيعية أن يصدق أن ما جرى في الدوحة هو حل للأزمة في بلاده، لذا فإنه سارع إلى إطلاق البالونات البيض ابتهاجاً، كأنه، في شكلٍ من أشكال دفاع العقل الباطن عن الحق في الحياة، يغفل عن أن أزمة بلاده على درجة من التعقيد، بحيث لم تفلح محطات اتفاق كثيرة سابقة في أن تصنع لها حلاً.
 
ولأن لبنان، أرضاً وشعباً، يعز علينا، ونهفو لأن يظل في الحيوية والجمال اللذين قدم نفسه بهما إلى العالم، فإننا نحب أن نراه وهو يتعافى، ويعود إلى أهله وإلينا سالماً.
 
ما جرى في الدوحة ليس حلاً، إنما هدنة، ولكن بوسع إرادة اللبنانيين أن تجعل من هذه الهدنة حلاً أو مدخلاً جدياً للحل، لكي تظل سماء لبنان صافية، تسبح فيها بالونات البهجة، بدلاً من أن يحجبها دخان الحروب والاقتتال.

جريدة الخليج الإماراتية 24 مايو 2008
 

اقرأ المزيد

تحية للمبادرة الوطنية لجمعية الصحفيين البحرينية

ان الدعوة التي تبنتها جمعية الصحفيين البحرينية بتدشين وثيقة “صحفيون ضد الطائفية” ووقعها أكثر من “200” من الصحفيين والكتاب والمثقفين، بمناسبة الاحتفال بيوم حرية الصحافة العالمي.. هي دعوة مستنيرة وحضارية جاءت مبعث فخر مؤسسات المجتمع المدني، التنويرية والتقدمية، بقدر ما تظل خطوة وطنية ومبدئية، قبل أن تكون خطوة أدبية وصحفية.. لكونها قد عبرت عن مناهضتها للطائفية وأصحابها الظلاميين الطائفيين والمذهبيين والإثنيين.. وطالما جاءت هذه الدعوة امتدادا لدعوة “هيئة الاتحاد الوطني” في دحرها للطائفية ومحاربتها للطائفيين.. ونضالات أمينها العام آنذاك المناضل عبدالرحمن الباكر ورفاقه بأقلامهم وأفكارهم من خلال جريدتي “صوت البحرين والقافلة” ضد جميع النزعات الطائفية والنعرات المذهبية والعنصرية.
ولعل ما يبعث على الشرف العظيم أن دعوة جمعية الصحفيين بتدشين ميثاق الشرف “صحفيون ضد الطائفية” ما بين الصحف المحلية، وما تحتضن من أقلام حرة وشريفة.. هي دعوة تعكس مواقف الحريصين على تماسك اللحمة الوطنية.. وتجسد أهداف الغيارى بارتقاء المجتمع بوحدته الوطنية ونبذه كل ما يمت إلى الانقسامات الطائفية والمذهبية بصلة.. بقدر ما تقرع هذه الدعوة بمغازيها ودلالاتها، جرس الانذار وجرس المحاذير إلى الطائفيين وإلى المذهبيين، كل في موقعه، وكل بمختلف علاقاته وانتماءاته، وبنشاطاته السياسية والأيديولوجية.. وفعالياته الادبية والثقافية والصحفية. من دلالات دعوة جمعية الصحفيين البحرينية، أنها تدل بالدرجة الأولى على توجيه مضامينها إلى انتماء تيار الإسلام السياسي بشقيه، وبجميع ملله وجميع فرقه الاسلامية وخطاباته ومرجعياته الدينية.. لكون مؤسسات المجتمع المدني الديمقراطية كافة، وليست جمعية الصحفيين البحرينية وحدها، بل المعارضة السياسية المستنيرة، وضعت في اعتبارها وفي حسبانها وحساباتها أنه ليس ثمة من سعى ويسعى إلى طأفنة الكتابة وطأفنة الكلمة وطأفنة العمل السياسي والشعبي والإداري والمجتمعي، سوى قوى تيار الإسلام السياسي.. كما أن هناك المستفيدين والانتهازيين والمتملقين الذين قد ينشرون أفكارهم الصفراء بأقلامهم المسمومة المتسمة بالنزعات الطائفية والمذهبية، من أجل تحقيق أغراضهم الشخصية المشتبه فيها وغاياتهم الذاتية المسمومة. ومن خلال هذه الأحكام الحاسمة لمؤسسات المجتمع المدني، فانه يمكن القول: إن هذه الأحكام لم تأت عبثا أو من فراغ.. ولم تأت تجنيا أو نكاية او شماتة أو تجريحا أو تشهيرا.. وإنما جاءت مبنية على دعائم الحقائق الملموسة ومرتكزات الوقائع المحسوسة في حيز الواقع والوجود، وهو ما كشفته طبيعة تكوين التشكيلة التنظيمية لجمعيات تيار الإسلام السياسي، والقائمة على ذات البعد الواحد واللون الواحد، وذات الطائفة الواحدة، من دون الطائفة الأخرى والعكس كذلك.. بقدر ما اتخذت هذه الجمعيات الولاء الطائفي والمذهبي والمرجعيات الدينية خطوطا حمراء يحظر المساس بها. من الملاحظ كذلك أن البرلمان المنتخب، وهو الجمعية التشريعية الأخرى التي تجلت بالنزعة الدينية والميتافيزيقية بحسب ما كشف أعضاء هذا البرلمان الإسلاميون، عن اصطفافاتهم الطائفية وانتماءاتهم المذهبية والحزبية، وما تمخض عن التركيبة الهشة الواهنة لهذا البرلمان الاسلامي، من التشظي السياسي والتمثيلي والتشريعي.. أما أهداف الشعب ومطالب الناخبين بين أروقة البرلمان، فأصبحت كالسراب حين يحسبه الظمآن ماء.. بقدر ما أهملت وخمدت وهمشت ملفات القضايا الساخنة والمهمة والمصيرية في أدراج البرلمان.. ومثلما تذهب أماني وأهداف الناخبين هباء أدراج الرياح فان المستفيدين بالمقام الأول من تداعيات هذه الظاهرة المتخلفة، تلك البطانات من الطائفيين والمذهبيين، الذين يمثلون عقبة كأداء في طريق الإصلاحات العامة في مملكة البحرين، حين استماتتهم في الاستئثار بنصيب الأسد من المصالح والمغانم، ولو جاءت على حساب المصلحة الوطنية العليا، وحرق اليابس والأخضر ومحاولة كتم كل أنفاس طالبي الحرية والديمقراطية.. من هذا المنطلق جاءت مبادرة جمعية الصحفيين البحرينية “صحفيون ضد الطائفية” لتضع حدا للطائفية وقطع دابرها ومن ثم دفنها من دون رجعة.. بحسب ما تحارب الطائفيين والمذهبيين، ومناهضتهم بشدة، والحيلولة دون استمرار نهجهم الظلامي سواء من خلال اقلامهم وخطاباتهم الطائفية او عبر جمعياتهم ومؤسساتهم ومنابرهم الدينية والمذهبية على حد سواء.
 
صحيفة اخبار الخليج
23 مايو 2008

اقرأ المزيد

الــــردح النيـــــــابي‮..!‬

نريد أن نفترض ما‮ ‬يفرض ويفترض من أصحاب السعادة النواب في‮ ‬فترة عطلتهم الحالية بعد أن انفض دور الانعقاد الثاني‮ ‬للمجلس النيابي،‮ ‬أن‮ ‬يحسنوا التوقيت والأسلوب في‮ ‬وضع ادائهم بالمجلس وخارجه محل تقييم لما اعترى اداءهم من فشل وأخطاء وزلات بعد أن كادوا أن‮ ‬يضعونا‮ – ‬أم وضعونا وانتهينا‮ – ‬في‮ ‬حلقة مفرغة من شتى أنواع المنغصات التي‮ ‬حفل بها المشهد النيابي،‮ ‬وهي‮ ‬منغصات آذت المشاعر،‮ ‬واستثارت النفوس وبعثت على الدهشة والصدمة في‮ ‬آن واحد،‮ ‬وولدت انزعاجاً‮ ‬انتاب عقل المواطن‮.‬
ما كانت هذه المنغصات بخاصة الأخيرة التي‮ ‬جاءت على خلفية استجوابي‮ ‬الوزيرين عطية الله وبن رجب،‮ ‬وما واكبهما ليستوقف الاهتمام لولا أنهما‮ – ‬بتضافرهما مع عوامل أخرى‮ – ‬تشكل خللاً‮ ‬عميقاً‮ ‬اعترى سير التجربة البرلمانية واداء النواب بعد المنحى الذي‮ ‬اعترى الاستجوابين إلى الدرجة التي‮ ‬استشعرنا بأن ثمة تمادياً‮ ‬في‮ ‬الاستخفاف بالممارسة النيابية السليمة،‮ ‬وباتت التساؤلات التي‮ ‬تتوارد من كل حدب وصوب تعكس قلقاً‮ ‬من نتاج هذا الذي‮ ‬حدث من ردح نيابي‮ ‬غلب عليه الطابع الكاريكاتوري‮ ‬لم‮ ‬يحترم فيه النواب التفويض المعطى لهم من الشعب‮.. ‬والغريب والمفاجىء هو أن سيناريو الفوضى الخلاقة للنواب حيال الاستجوابين وتفريعاتهما وتوابعهما والاشتباك الملتهب والساخن بين هؤلاء وهؤلاء من النواب ومن لف لفهم،‮ ‬قد بلغ‮ ‬مدى لم نجد فيه اكتراثاً‮ ‬بالثمن الفادح الذي‮ ‬تدفعه البحرين الدولة والمجتمع،‮ ‬والتجربة الديمقراطية الوليدة التي‮ ‬لا تتعمق في‮ ‬شتى أبعادها بفضل مواقف وممارسات أصحاب السعادة النواب‮.‬
لقد أفاض النواب في‮ ‬الحديث عن نقائص وعيوب بعضهم البعض،‮ ‬وتمادى بعضهم في‮ ‬المزيد من الاختزال المخل والمتعمد لحقيقة الكثير من الأمور،‮ ‬وبات كل منهم‮ ‬يفسر الحقوق الدستورية ويؤول نصوص المواد القانونية على هواه،‮ ‬وكل همه إدانة وإسقاط هذا الوزير أو ذاك في‮ ‬ظل جنون الارتياب في‮ ‬الآخرين الذي‮ ‬أصاب كثير من النواب،‮ ‬وبدوا وكأنهم في‮ ‬حالة مرض ميؤوس منها تقريباً،‮ ‬وركب هؤلاء النواب الشطط فباتوا‮ ‬ينصبون الكمائن،‮ ‬ويتصرفون بشكل ضاعت فيه الأولويات وتسطحت فيه أبعاد التحديات وأهدرت فيه قيمة الاستجواب،‮ ‬وأجبرنا على خفض سقف طموحنا إزاء الدور الرقابي‮ ‬المأمول للنواب،‮ ‬وكأن النواب لا‮ ‬يعلمون أن الهموم من كل نوع باتت تستولي‮ ‬على المواطن بالقلق والأرق والخوف‮.‬
وتستمر الحلقة المفرغة في‮ ‬دورانها،‮ ‬مهما علت نبرتها وضجيجها،‮ ‬والمشكلة أن ممثلي‮ ‬الشعب باتوا‮ ‬يضيعّون أوقاتهم وأوقاتنا في‮ ‬دفع مجريات الأمور إلى ما‮ ‬يجعل القلوب ملآنة،‮ ‬ويبقي‮ ‬الضجيج صاخباً‮ ‬يتعيش عليه البعض كل‮ ‬يحسب حساباته كما‮ ‬يشاء،‮ ‬أو لغاية في‮ ‬نفس‮ ‬يعقوب،‮ ‬وإلا فما معنى أن‮ ‬يمعن نواب كثر في‮ ‬صب جام‮ ‬غضبهم على نواب كثر آخرين في‮ ‬صورة كاريكاتورية فقط لأنهم لم‮ ‬يقفوا معهم في‮ ‬استهداف وإدانة هذا الوزير أو ذاك،‮ ‬ويتسابقون في‮ ‬ماراثون من التصريحات والبيانات والمؤتمرات الصحفية ليهاجم كل طرف الآخر،‮ ‬بقدر كبير من الخلط والإبهام والتمييع لكثير من المواقف والقضايا والدفوعات،‮ ‬والمواطن تائه وحائر بين هؤلاء الذين‮ ‬يضخمون من الإنجاز ويفتعلون قصص النجاح في‮ ‬مواجهة هؤلاء الذين‮ ‬يرفضون رؤية بصيص الأمل في‮ ‬النجاح والإنجاز‮.‬
بعيداً‮ ‬عن الخوص في‮ ‬التفاصيل،‮ ‬وتجنباً‮ ‬للوقوع في‮ ‬شراك تفاصيل التفاصيل،‮ ‬فإن ثمة حقائق لا بد من التنبه لها‮.‬
الحقيقة الأولى الغائبة في‮ ‬هذا الذي‮ ‬جرى ترتبط بإصرار بعض النواب على احتكار التمثيل الوطني‮ ‬ونكرانه على الآخرين ولكم أن تتصوروا تبعات وتداعيات ذلك وامعنوا جيداً‮ ‬في‮ ‬واقعنا الراهن لتلمسوا ظهور بعض النواب،‮ ‬وكأنهم وحدهم الوطنيون الشرفاء،‮ ‬ووحدهم الأمناء على مصير البلاد ومصالح العباد،‮ ‬أما الحقيقة الثانية فهي‮ ‬الجنوح بالعمل السياسي‮ ‬النيابي‮ ‬إلى الطأفنة بهذا الشكل الفج،‮ ‬بل إن النفس الطائفي‮ ‬كان صريحاً‮ ‬وواضحاً‮ ‬في‮ ‬كلا الاستجوابين ودوافعهما،‮ ‬وردود الفعل حيالهما من منظور‮ “‬واحد منا وواحد منكم‮”‬،‮ ‬وبات هذا النفس واضحاً‮ ‬قبل ذلك في‮ ‬كل موقف،‮ ‬وكل نزاع،‮ ‬وكل تصريح،‮ ‬ووجدنا مواقف اشتبك فيها الطائفي‮ ‬والشخصي‮ ‬على نحو‮ ‬يصعب معه تخليص هذا من خيوط ذاك‮.‬
وبافتراض أن هناك ما‮ ‬ينزه عن هذا أو ذاك،‮ ‬ويعتبر ما‮ ‬يقوم به بعض النواب سياسة لا‮ ‬غير؛ فإن ذلك‮ ‬يظهر في‮ ‬الغالب على صورة قواعد كسور بين نواب موالاة ونواب معارضة،‮ ‬وهذه هي‮ ‬الحقيقة الثالثة التي‮ ‬يغيب فيها الاهتمام الجدي‮ ‬بعقلنة الممارسة النيابية والحد من شخصنة هذه الممارســـــة،‮ ‬وحال دون أن‮ ‬يكون أي‮ ‬طرح من منطلق وطني‮ ‬بحت أكثر عمقاً‮ ‬ووعياً‮ ‬وتأثيراً‮ ‬والتفافاً‮ ‬وأرفع نوعية ومستوى‮.‬
أما الحقيقة الرابعة التي‮ ‬وضحت للعيان،‮ ‬فهي‮ ‬أن صدور النواب قد ضاقت بالديمقراطية في‮ ‬حدودها المتاحة،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬سمح لنوابنا بأن‮ ‬يكونوا أسرى فكرة اللحظة،‮ ‬وسياسة اللحظة،‮ ‬والخضوع لقدسية الأنا،‮ ‬وأصبح كثيرون عندما‮ ‬يتكلمون‮ ‬يرتكبون خطايا،‮ ‬وعندما‮ ‬يتصرفون‮ ‬يقعون في‮ ‬المحظور،‮ ‬وفاتهم أن الناس قد‮ ‬يغفرون الخطأ ولا‮ ‬يغفرون الخطيئة‮.‬
وتبقى الحقيقة الخامسة الغائبة والمغيبة أن الاصطفافات الطائفية أفرزت ليس فقط تعطيل النواب لدورهم في‮ ‬المساءلة والمحاسبة السياسية الدستورية تجاه أعمال وتصرفات السلطة التنفيذية،‮ ‬وعجز المجلس النيابي‮ ‬في‮ ‬هذا الشأن،‮ ‬بل وظهر المجلس وكأنه متواطئ أو متحالف مع السلطة التنفيذية على تعطيل وإيقاف هذا الدور وتعميق الخلل في‮ ‬تفعيل آليات ومراقبة هذه السلطة والإدارة التابعة لها عبر تفريغ‮ ‬قيمة الاستجواب من مضمونه وتحريف مساره إلى مهاترات جانبية ومناكفات وفوضى رغبات متناقضة ومصالح متصارعة،‮ ‬وممارسات متوحشة أدت إلى الانحراف بالعمل النيابي،‮ ‬وأصبح كل طرف‮ ‬يتهم الآخر بأنه نزع عنه ورقة التوت الأخيرة،‮ ‬وأنه حام وحارس للفساد،‮ ‬وبإمكاننا العودة إلى موجات التلاسن التي‮ ‬راجت ولا تزال فيما بين النواب وتبادل بعضهم لبعض الاتهامات بالفساد وعقد الصفقات فلربما تتضح الصورة لمن لم‮ ‬يروها واضحة‮.‬
واذا كنا نجمع على استشراء الفساد،‮ ‬وعلى ضرورة المسارعة في‮ ‬اجتثاثه ووقف اجتياحه في‮ ‬المؤسسات والنفوس والضمائر،‮ ‬فإن ما قام به النواب ليس فقط اهدار قيمة أهم أداة نيابية للرقابة والمساءلة وهي‮ ‬الاستجواب،‮ ‬وهو الحق الذي‮ ‬كفله الدستور بقصد بسط الرقابة البرلمانية التي‮ ‬قد تنتهي‮ ‬بطرح الثقة بالوزير المعني‮ ‬بالاستجواب،‮ ‬وإنما في‮ ‬ضوء عبثية هذا الذي‮ ‬جرى‮ ‬يكون الدور الرقابي‮ ‬للمجلس النيابي‮ ‬في‮ ‬خانة التمنيات طالما بات‮ ‬يصعب علينا أن نعوّل على النواب سواء من‮ ‬يوصفون بأنهم تابعون‮ ‬يدارون وفق مشيئات ويتوزعون وفق حسابات في‮ ‬أي‮ ‬دور حقيقي‮ ‬وفاعل ومؤثر في‮ ‬مواجهة الفساد،‮ ‬ولئن كان من نافل القول إن البديهي‮ ‬بوصفه بديهياً‮ ‬أنه إذا استمرت تجليات النواب كل النواب،‮ ‬واستمروا في‮ ‬التعامل كضدين،‮ ‬واستمروا في‮ ‬اختلاق مؤامرات ومتآمرين،‮ ‬وتبادل الاتهامات،‮ ‬والصاق كل قصور بالآخر،‮ ‬واستمروا في‮ ‬عجزهم عن مواجهة الذات بتلك الحقائق وحقائق أخرى كثيرة،‮ ‬فإننا حتماً‮ ‬لن نتمكن من المضي‮ ‬خطوة إلى الأمام،‮ ‬العلة ليست في‮ ‬طرف ما،‮ ‬أو كتلة ما،‮ ‬أو نواب بعينهم،‮ ‬رنها في‮ ‬النواب جميعاً‮ ‬وبالتساوي،‮ ‬وهي‮ ‬علة تزداد تفاقماً‮ ‬كلما ألقيت تبعاتها على الآخر،‮ ‬ورفضه الاعتراف بالآخر،‮ ‬وبقيت النوايا‮ ‬غير صافية ولا بد لنا إذا أردنا الخروج من النفق الذي‮ ‬وضع النواب أنفسهم فيه،‮ ‬ووضعونا معهم،‮ ‬من التوقف لتشخيص الوضع بموضوعية وصراحة،‮ ‬لعلنا نفلح في‮ ‬أن نجعل الاستجواب بل العمل النيابي‮ ‬برمته ملبياً‮ ‬لمقتضيات الصالح العام،‮ ‬وليس محصلة لتوازنات ورغبات أياً‮ ‬كان منطلقها أو دافعها،‮ ‬وإذا استمر الوضع على ما هو عليه سيكون خط الدفاع الأخير للعمل النيابي‮ ‬في‮ ‬خطر محدق‮.‬

صحيفة الايام
23 مايو 2008

اقرأ المزيد

خوف الرجل على مقعده من المرأة


سمعت عن توجان الفيصل، المرأة السياسية المناضلة التي كانت أول امرأة تنجح في الانتخابات النيابية الأردنية، وكانت المرأة الوحيدة التي تعمل بين الرجال آنذاك. على الرغم من أن الذاكرة لا يمكن أن تغفل عن امرأة عظيمة مثلها، إلا أن ما أتى بها هذا اليوم في مقالي هي الفرصة التي جمعتني بعدد من النساء الأردنيات الناشطات في مجال حقوق المرأة والمهتمات بالشأن العام، ومن بينهن النائبة إنصاف الخوالدة، تلك السيدة التي تملك أيضا قصة عظيمة تجعل كل من يسمعها لا يملك سوى احترام وتقدير هذه التجربة، والتي روتها في لقاء جمعني بها موضحة التحولات الاجتماعية والفكرية داخل المجتمع الأردني، والذي كان من المستحيل أن يقبل وجود «امرأة» تحت قبة البرلمان، خصوصاً من قبل التكتلات القبلية والعشائرية، والتي هي الجزء الأساس لدعم المرشحين في الحملات الانتخابية، تلك التكتلات كانت ترفض وتستنكر القيام بدعم امرأة بدلا من الرجل، إلا أن نظام «الكوتا» الذي ساعد السيدة إنصاف ورفيقاتها الخمس، هو الذي أسهم في بعض التغيير الجزئي في عقلية «الذكر»، وأسهمت في تنازله لمصلحة دعم المرأة.
هذا هو الوتر الذي عزفت عليه السيدة إنصاف لتفوز بدعم قبيلتها وأبناء منطقتها بعدما بينت لهم أن وجودها لن يكون على حساب مقعد «رجل»، بل إنه وتبعاً لنظام الكوتا، فإن من مصلحتهم أن تفوز ابنتهم في الانتخابات بدل أن تفوز بها ابنة قبيلة أخرى.الذي لفتني وأرى أنه من المهم الاستفادة منه ما تحدثت عنه السيدة إنصاف حول الطريقة المثلى للتعامل مع الرجل، الذي يهاب أويخشى أن يكون وجود المرأة هو احتلال لمقعده نتيجة عدم وعيه بأن المرأة كائن مكمل للرجل، وليس كائناً غريباً جاء يلغيه.التجربة السياسية للنائبة «إنصاف»، ينبغي ألا تمر مرور الكرام، بدءاً من قرارها خوض الانتخابات البرلمانية وحتى طريقتها حين تتعامل مع الرجل، وذلك بالإيحاء له بأهميته والتحايل عليه بذكاء المرأة الخارق حتى تصل إلى غايتها.
وهنا لا يمكنني أن أنكر في هذه المسألة ذكاء المرأة وتفوقها، خصوصا في التعامل مع هذه الجزئية الحساسة، والتي بالفعل هي ما تجعل بعض الرجال يرفض وجود المرأة خوفا من أن تحتل مقعده، فتجربة السيدة الخوالدة تؤكد على أن لا مشكلة دينية إذا ما نظرنا إلى تمسك الشعب الأردني بتعاليم الدين الإسلامي، ولا مشكلة قبلية أيضا إذا ما نظرنا إلى تركيبة المجتمع الأردني الاجتماعية، ولنتأكد من قدرتنا على تشخيص مشكلة الرجل مع المرأة، وبالنظر إلى تجربة الخوالدة ورفيقاتها، فأنا على يقين بأن الإشكالية الحقيقية تكمن في خوف الرجل من المرأة، خوفه من استحواذها على مقعده، وأن تكون بديلا له، وأن يجد نفسه في المنزل، ولن يستبعد ذهنه في هذه اللحظة أن يقوم بواجبات المنزل، وطهي الطعام، وغسيل الأطباق، وتربية الأطفال.
أعتقد أن هذا المنحنى الفكري هو ما سيعصف بالرجل، ويجعله يعيش لحظات رعب وخوف، ولا ألومه بعد هذا أن يحارب المرأة بكل ما أوتي من قوة، ويظل معترضا طريقها في الوصول إلى المناصب القيادية.هذا ما جعل ذاكرتي تعود إلى توجان الفيصل، التي بقيت لدورة برلمانية كاملة وحدها بين الرجال، وبعدها لم تنجح في الدورة الانتخابية التالية، ولم تنجح معها أو بعدها أي امرأة.
ما يوحي بأن الرجل لم يكن يقبل المرأة في ذلك المقعد «الندي»، بل إن قبوله لها كان اضطرارا بعد أن أدخلت الحكومة الأردنية نظام «الكوتا» بستة مقاعد وهذا كان في العام 2003 ما جعل الشعور بالأمان يدخل إلى قلوب أربعة وخمسين سيدة، والدخول في الانتخابات بعد أول تجربة كانت في العام 1989 ترشحت فيها اثنتا عشرة امرأة لم تنجح منهن ولا حتى واحدة..!
ثم في الدورة البرلمانية التي تلتها دخلت الانتخابات ثلاث سيدات فقط ونجحت واحدة هي «توجان الفيصل»، وفي العام 1997خاضت الانتخابات سبع عشرة امرأة لم تنجح بينهن ولا واحدة، وعندما تدخلت الإرادة السياسية، صار للنساء ستة مقاعد، وأظن أن المجتمع الأردني كأي مجتمع عربي آخر سيظل بحاجة الدعم الحكومي للمرأة حتى في الدورة القادمة، فالرجل الشرقي مازالت عقليته «هشة»، فيما يخص عمل المرأة بشكل عام، وفي الجانب السياسي بشكل خاصمع هذا وذاك، ومع كل تلك التجارب النسائية الأردنية التي تجعلني أقف أمامها احتراما وتقديرا، تحضّني الذاكرة دوما على تذكر تجربة توجان الفيصل، فهي فريدة من نوعها، وأن ما حصل من حرب في وجه المرأة بعد التجربة الذكورية معها، يؤكد لي كم هي امرأة عظيمة صمدت في وقت لم تكن فيه الطريق ممهدة بل كان المشوار وعراً صعباً.
ولعلي هنا أنقل هذه التجربة لكل نساء العالم العربي، وأخص ابنة بلدي «المرأة السعودية»، التي دخلت إلى مجلس الشورى العام الماضي تحت مسمى «مستشارة»، ولا أريد أن أكون متشائمة مع بدء تجربة لم تنضج بعد، لكنني على يقين بأن هذه التجربة، على الرغم من أنها غير مرضية، ولم نر لها أي نتيجة بعد، إلا أنها ستكون كتمهيد لجلوس المرأة على مقعد مجلس الشورى، جلوسا حقيقيا لا يختص بجانب الشؤون النسائية فقط، بل تكون العضوية كاملة، لها الحق -كما لزميلها- في التطرق للأمور كافة التي تخص الوطن وأبناءه رجالاً ونساءً.
وفي تجربة المرأة الأردنية عظة وعبرة في أن الطريق لن تكون ممهدة بل محفوفة بالأشواك الجارحة والمؤلمة، ولننظر إلى أن الدعم الحكومي الذي آزر المرأة الأردنية وساعدها في الدخول إلى البرلمان، لم يأتِ إلا بعدما لمس جديتها وإصرار تجاوز الأعوام العشرة.قد أجد من يقول كيف ستدخل المرأة السعودية إلى مجلس الشورى، وهو قائم على أساس التعيين، ولا يوجد فيه انتخابات؟ في نظري أن هذا لن يكون عائقا، إن نبعت الإرادة من المرأة نفسها في مطالبة الحكومة بكل الطرق المتاحة، ولن أخلي المستشارات الست من المسؤولية، فالكرة الآن في ملعبهن وهن الأولى في الحصول على مقعد الشورى.

صحيفة أوان

اقرأ المزيد

أزمة الإسكان …تستمر

قدر شعبنا بأن يعاني ،ان يستمر في المعاناة…وأن تغيرت بعض الظروف ولكنها لم تغير حاله، فالمشاكل والهموم لا تحصى بالنسبة لإنسان هذا الوطن، تراه يعمل أكثر من طاقته من أجل توفير لقمة العيش لأسرته، ربما تسعد الخمسين دينار البعض من أبناء الشعب ولكنها لن تحسن أوضاعه المالية المتدهورة في ظل الارتفاع الفاحش في الأسعار مقابل رواتب متدنية لا يستطيع تسديد إيجار الشقة ، والبنوك التجارية تفتح أبوابها من أجل مزيد من القروض وتراكم الديون، وأن اختلفت المسميات فالنتيجة واحدة، إسلامية أو تجارية أو غيرها ” بنوك ربحية ” والعنوان واحد، والتسديد في نهاية الشهر لن يختلف ، لن نتحدث عن المعاناة الاجتماعية والصحية والتعليمية ، يراد لها صفحات أخرى ، مقالنا عن أزمة السكن ، حديث الناس اليوم ، وزارة الإسكان وقوائم الأسماء التي تم الإعلان عنها في الصحافة ، وما أثارت من سجال في الشارع العام، أو في أروقة مجلس النواب، ولا زالت التظاهرات والاعتصامات مستمرة، فالمواطنون بعد انتظار دام للبعض لأكثر من ستة عشر عاماً، والبعض الآخر أكثر من ذلك، فالتوقعات خيبت آمال وتطلعات العديد منهم، بعد سنوات من المعاناة والانتظار يفاجأ العديد منهم، بان الوحدة السكنية أصبحت شقة ، وليس بيتاً ، حتى البيت المتواضع يستكثر فيه على المواطن، والذي يرفض ذلك الخيار سوف يحرم في هذه المرة وعليه الانتظار من جديد حتى يصل إلى سن الشيخوخة، ويتزايد الأحفاد، بعدها يحق له الحصول على سكن ، حلم طال انتظاره ، حلم ظل مؤجلاً لسنوات ، وربما عقود من السنين ، وبدل من أن تتضافر جهود النواب والبلديين في إيجاد الحلول للمواطنين والتخفيف من معاناتهم ـ يصيبوا الزيت على النار ، ويواصلوا في عزف لحنهم المفضل الطائفية البغيضة وأن كل شيء يجب أن يقاس بشكل طائفي، الوحدة الوطنية والمحافظة على النسيج الاجتماعي للشعب، لم تعد في قاموسهم، لا نعرف أن كان سياسياً أو دينياً أو خيرياً، هؤلاء أمراء الطوائف من مصلحتهم أحداث الانشقاق والفرقة في المجتمع ، لكي يمضي قطارهم على سكك من الأحقاد والكراهية في المجتمع ، يعملون لأنفسهم وطوائفهم وجماعاتهم، لا يعملون للوطن، فالطائفية أولاً والوطن ثانياً وثالثاً ، والبعض منهم رفض وبشدة استجواب الوزير المتهم بالإشراف على المخطط الطائفي في البلاد، بعدما نشر ذلك صاحب التقرير المثير ، بتوجيه الاتهام إليه عن مسئوليته في مخطط التجنيس، فأرقام المجنسين في البحرين، لا تعرف ولكن بالتأكيد هناك مسئولون يعرفون ذلك، أننا أذ نذكر موضوع التجنيس، لأنه يشكل عبئاً إضافياً على وزارة الإسكان، ونشر في الصحافة بأن الطلبات المقدمة إلى وزارة الإسكان أكثر من ستين ألف طلب للقسائم والقروض، وهنا نود أن نشير إلى موضوع في غاية الأهمية ، بأن أبناء المجنسين من بعض البلدان العربية، يعقدون عقود زواج بين فتيات وفتيان ( أطفال ومراهقين ) لا تتجاوز أعمار الفتاة عشر أو اثني عشر سنة والفتى أو الصبي الرابعة عشر أو الخامسة عشر ، وهذا حدث في مراكز صحية في محافظتي الوسطى والشمالية، وأصاب الأطباء المشرفين على التحليل قبل الزواج الدهشة والاستغراب مما يحدث، فعند سؤالهم عن سبب الزواج المبكر ، أجابوا بأن الهدف من ذلك، هو تقديم طلب للحصول على وحدة سكنية من وزارة الإسكان ، فعندما يبلغوا في العشرينات من عمرهم وما فوق سوف يحصلون على القسائم والوحدات السكنية ، تصورا كيف يفكر المجنسون الجدد، وهذا مما يستدعي بالإسراع بإصدار قانون للأحوال الشخصية ، يحدد فيه سن الزواج للفتاة والفتى ، أو تضع معايير وشروط للمتقدمين لطلبات الإسكان، فلا يعقل ، يحصل على الجنسية اليوم، وغداً يقدم الطلب للإسكان، ألم نقل بأن التجنيس ، آثاره السلبية عديدة على الوطن والشعب والمواطنون هم الذين يدفعون الثمن ، هل توجد حكومة في العالم ، تفعل مثلما يحدث في البحرين؟.
بلد لم تبقَ فيه الأراضي للمواطنين ، والبحار دفنت وسرقت، وزير الإسكان الأسبق السيد / فهمي الجودر ، قال ” لا توجد أراضي في البحرين للشراء ” ونشر ذلك في الصحافة المحلية، وهذا يعود لأسباب عديدة، سبق أن تم ذكر ذلك في مقال لنا منشور في النشرة ، سؤ التخطيط العشوائي في البناء وعدم حصر أملاك وأراضي الدولة، شكل كارثة أخرى في البلاد، أزمة الإسكان ستستمر لسنوات عديدة.
في سنوات القمع والإرهاب ، كان يحرم المواطن من الحصول على قسائم إسكانية أو قروض مالية، وهناك العديد من الحالات التي لم تحصل على وحدات أسكانية حتى بعد المجيء بالمشروع الإصلاحي للملك، واليوم يتضاءل الأمل للمواطنين في تحقيق جزء من حلمهم ، ولا ندري متى تتحقق مقولة ( أرض لكل مواطن ).
 
نشرة التقدمي
عدد ابريل – مايو 2008

اقرأ المزيد

مُدونات الشباب‮: ‬ عالم‮ ‬يضج بالحياة

لكي‮ ‬نصغي‮ ‬برهافةٍ‮ ‬لهواجس وتطلعات وآمال ومشاريع الشباب من الجنسين علينا أن نولي‮ ‬ما‮ ‬يكتبونه في‮ ‬مدوناتهم على الشبكة العنقودية،‮ ‬عناية كبيرة‮.‬ من‮ ‬يفعل ذلك،‮ ‬ويزور هذه المدونات،‮ ‬ولو بين الحين والآخر،‮ ‬سيجد عالماً‮ ‬حقيقياً‮ ‬يضج بالحياة والتفاعل مع معضلاتها وهمومها، ‬وسنتعرف الى مشاريعهم التي‮ ‬تتخطى‮ “‬افتراضية‮” ‬الانترنت ووهميته،‮ ‬لتشتبك مع الواقع في‮ ‬أكثر تجلياته مباشرة وتعقيداً‮.‬
أكثر من ذلك فإن هذه المدونات تكاد تكسر الصورة النمطية الراسخة في‮ ‬الأذهان عن كون الانترنت عالماً‮ ‬افتراضياً‮ ‬يُزيف الواقع،‮ ‬بالانعزال عنه وبإقامته لعالمٍ‮ ‬بديلٍ،‮ ‬على نحو ما‮ ‬يذهب كثير من الدراسات في‮ ‬علم الاتصال‮.‬ عبر مدونات الشباب ومواقعهم الحوارية‮ ‬يغدو الانترنت وسيلة لتشكيل رأيٍ‮ ‬عام حول القضايا الساخنة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬لا مجرد شاشة لتبادل الخواطر الوجدانية التي‮ ‬يُنفس من خلالها الشباب عما‮ ‬يتعرضون له من كبيتٍ‮ ‬مُحيط‮.‬ يمكن سوق كثير من الأمثلة في‮ ‬هذا السياق،‮ ‬بينها مثل قريب منا،‮ ‬هو الدور الذي‮ ‬أدتــه مدونات الشباب من طلاب وطالبات الجامعة في‮ ‬دولة الكويت في‮ ‬الحملة الجماهيرية التي‮ ‬تمحورت منذ سنوات قليلة فقط حول تعديل النظام الانتخابي‮ ‬هناك،‮ ‬وإعادة رسم الدوائر الانتخابية تحت الشعار الذي‮ ‬عمّ‮ ‬الكويت‮ ‬يومها‮: “‬نبيها خمسة‮”‬،‮ ‬وهو ما تمّ‮ ‬بالفعل حين خُفض عدد الدوائر من خمس وعشرين دائرة إلى خمس دوائر‮.‬
يلفت المراقبون للتطورات في‮ ‬البلدان العربية إلى محتوى مُدونات الشباب في‮ ‬بلدان أخرى مثل سوريا ومصر والبحرين والسودان والأراضي ‬الفلسطينية المحتلة،‮ ‬للبرهنة على درجة تفاعل الجيل الجديد مع ما‮ ‬يدور حوله،‮ ‬ولإثبات خطأ القول عن عزوف الشباب عن الشأن العام كما‮ ‬يعتقد البعض الذي‮ ‬يشكو من سلبية ولا مبالاة الشبيبة العربية‮.‬ في‮ ‬عدد مارس الماضي‮ ‬من‮ “‬الهلال‮” ‬الذي‮ ‬كُرس لقضايا المرأة المصرية،‮ ‬مقالة كتبتها إعلامية شابة،‮ ‬هي‮ ‬لبنى عبد المجيد،‮ ‬عن المُدونات المصريات،‮ ‬مُقدمةً‮ ‬أمثلة لافتة مما تكتبه الشابات المصريات على مدوناتهن الالكترونية‮.‬ حسب المقالة فإن النساء‮ ‬يشكلن أكثر من ‮٠٥‬٪‮ ‬من المدونين في‮ ‬مصر،‮ ‬وقد أمدت هذه الوسيلة النساء بأداة تعبير عن أفكارهن ومشاعرهن بحرية كبيرة، ‬كما أتاحت لهن فرصة التواصل مع بعضهن بعضاً‮ ‬حول ما‮ ‬يثير ضيقهن من أمور تتعلق بوضع المرأة ومكانتها في‮ ‬المجتمع‮.‬
تلك نماذج تُظهر الأشكال الجديدة للتعبير للشبان والشابات،‮ ‬وتُرينا أن الحياة تدب في‮ ‬مسارات أخرى‮ ‬غير مألوفة وغير مطروقة بالنسبة لأبناء الأجيال الأكبر‮.‬ ولأن التعميم عادة منبوذة،‮ ‬فعلينا الإشارة إلى أن التحولات السلبية في‮ ‬المجتمعات العربية تلقي‮ ‬بظلالها الثقيلة أيضاً‮ ‬على ما‮ ‬يُنشر في ‬بعض المدونات وفي‮ ‬المنتديات الالكترونية،‮ ‬حيث نجد بعضها‮ ‬يتحول إلى وسيلة لترويج النزعات الطائفية أو التكفيرية والظلامية،‮ ‬ولكن هذا لا ‬يجب أن‮ ‬يحجب أبصارنا عن رؤية العالم الآخر الذي‮ ‬يضج بالحياة في‮ ‬مدونات شبابية أخرى،‮ ‬جديرة بالمعاينة والدراسة‮. ‬
 
صحيفة الايام
22 مايو 2008

اقرأ المزيد

خواطر عن التاريخ المجيد للحركة الطلابية

إذا كانت الولايات المتحدة قد عرفت في تاريخ المجتمع الدولي الديمقراطي المعاصر بأنها الدولة الديمقراطية التي تمكنت فيها السلطة الرابعة (الصحافة) من انزال رئيس اقوى دولة في العالم من علياء صولجان عرشه (الرئيس نيكسون في فضيحة ووترجيت)، فلعل فرنسا هي الدولة الديمقراطية الغربية التي تمكنت فيها الحركة الطلابية من ازاحة واحد من أكثر رؤساء دول العالم الديمقراطي قوة وكارزمية ألا هو الرئيس شارل ديجول الذي اضطر للاستقالة في سياق التداعيات والملابسات السياسية لتلك الانتفاضة.
ففي هذا الشهر تمر ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع واحدة من اعظم الانتفاضات الطلابية ألا هي الانتفاضة الطلابية الفرنسية خلال عام 1968، والتي تزامنت تقريبا مع اندلاع الانتفاضة الطلابية المصرية احتجاجا على الاحكام المخففة التي صدرت ضد ضباط سلاح الطيران لأدائهم المخزي في حرب .1967 ومع أن المظاهرات والاعتصامات الطلابية المصرية هذه اشتهرت باحتجاجها الصارخ على احكام الطيران، إلا انها رفعت جملة من الشعارات والمطالب الاخرى المتعلقة بادخال اصلاحات سياسية وديمقراطية لدرء الفساد وغياب الشفافية والديمقراطية والتي كانت جميعها من المسببات الرئيسة التي أفضت إلى نكسة يونيو 1967.
والحال ان الحركة الطلابية المصرية هي واحدة من اعرق واقوى الحركات الطلابية العربية ان لم تكن اقواها في الحياة السياسية من أجل التغيير والاصلاح السياسي وذلك منذ تأسيس جامعة القاهرة في عشرينيات القرن الماضي. وكان لها دور مهم في مكافحة الاستعمار البريطاني والنضال ضد فساد وتواطؤ النظام السابق معه كما برز دورها النضالي في السبعينيات، وعلى وجه الخصوص خلال السنوات الأولى من تولي انور السادات رئاسة مصر، من أجل الاصلاح والديمقراطية جنبا الى جنب للمطالبة بعدم مماطلة نظام السادات في شن حرب على الاحتلال الاسرائيلي لتحرير واسترداد شبه جزيرة سيناء.
وفي تقديري الشخصي لم يكن يضاهي الحركة الطلابية المصرية خلال هذه الفترة التاريخية في التأثير والقوة على مسرح الحياة السياسية من الحركات الطلابية العربية سوى الحركة الطلابية البحرينية، وعلى الأخص بعد تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج بدمشق فبراير عام 1972 وحتى أواخر الثمانينيات. وخلال الاسابيع والايام القليلة الماضية جال بخاطري هذا الدور الوطني الكبير الذي لعبته الحركة الطلابية البحرينية في الحركة السياسية البحرينية في عدة مناسبات: المناسبة الأولى: لدى تهيئي للإدلاء بوجهة نظري في برنامج لتلفزيون البحرين خلال ابريل الماضي عن الحركة الطلابية ابان الاتحاد الطلابي السابق.
وكنت قد أدليت بشهادتي مبينا الأخطاء التي وقع فيها الاتحاد كمنظمة طلابية يفترض بأنها مهتمة بالدرجة الأولى بالدفاع عن حقوق ومصالح أعضائها، وليس مجرد الانغماس في السياسة فقط، كما بينت في نفس الوقت الايجابيات والمكتسبات العظيمة التي حققها هذا الاتحاد. ولكن للأسف فوجئت بعدئذ باجتزاء شهادتي هذه لتقتصر اعادة بث تسجيلها على الجزء المتعلق بالاخطاء التي وقع فيها الاتحاد.
علما بأنني ممتنع شخصيا عن المشاركة في البرامج السياسية التلفزيونية وإلقاء المحاضرات السياسية منذ نحو 4 سنوات، لولا شعوري بالحرج الشديد هذه المرة مع الصديق المخرج راشد الجودر بالنظر لتكرر اعتذاري له عن المشاركة مرات عديدة سابقة وتكرار وعدي له بالمشاركة في المرات القادمة، فضلا عن تأكيد الأخت المتصلة بي أن البرنامج سيسجل في المكان الذي ارغب فيه ولن يستغرق أكثر من خمس دقائق ولن يبتر منه شيء!
المناسبة الثانية: كانت على اثر ما نشر في صحافتنا المحلية عن اخلاء سكن الطالبات البحرينيات في القاهرة لخطورة المبنى وتعرضه للتشققات والتصدع، حيث جالت بخاطري ومخيلتي وانا أتابع الأخبار الأخيرة المتعلقة بهذا السكن في الصحافة المعارك التي خاضها اتحاد الطلبة “فرع القاهرة” في أوائل سبعينيات القرن الماضي لمطالبة الحكومة بتخصيص مبنى خاص بطالبات البحرين وهو المطلب الذي تم تحقيقه عام 1974 (المبنى الحالي نفسه)، الى جانب انتزاع مكسب توفير التأمين الصحي المجاني في مصر المدعوم من الحكومة البحرينية ومكسب توفير المواصلات الخاصة بالطالبات الى جامعاتهن وهما ما تحققا ايضا في نفس العام تقريبا. ولطالما ذكّرت معارفي من الطالبات الجدد بعد أفول الاتحاد بهذه المكاسب التي يحظين بها ولم يعشن معارك المطالبة بها. ولعل فرع القاهرة، وعلى الرغم من انغماسه المفرط في العمل السياسي، هو من أكثر فروع الاتحاد في الالتفات إلى مشاكل وحقوق اعضائه الطلبة.
المناسبة الثالثة: وقد راودتني خلال الايام الماضية على اثر ما افرزته انتخابات مجلس طلبة الجامعة الأخيرة من نتائج قائمة على التحشيد الطائفي للأسف الشديد، فلأول مرة في تاريخ الحركة الطلابية البحرينية يحدث ذلك على النقيض تماما من تاريخها المجيد على امتداد نصف قرن حيث كانت الحركة الطلابية من أرقى التجمعات البحرينية في تجسيد وحدتنا الوطنية ونسيجنا الوطني، ولم تكن تعرف البتة أي شكل من أشكال التحشيدات الطائفية البغيضة. فكم في تاريخ هذه الحركة الطلابية المجيد من عبر ودروس لجيلنا الطلابي الحالي في عصر ضياع بوصلته الوطنية.

صحيفة اخبار الخليج
21 مايو 2008

اقرأ المزيد

تحذير محمد العسومي

منذ أكثر من عشر سنوات تقدم صديقنا الباحث والخبير الاقتصادي‮ ‬الدكتور محمد العسومي‮ ‬بورقة علمية في‮ ‬مؤتمر اقتصادي‮ ‬عُقد في‮ ‬دولة الإمارات العربية المتحدة،‮ ‬نبه فيها إلى أن من‮ ‬يحدد حجم الاحتياطات النفطية في‮ ‬بلدان الخليج والآماد المتبقية على نفاذها ليست رغبات الدول المنتجة،‮ ‬ولا معدلات الإنتاج القائمة،‮ ‬وإنما حجم الطلب في‮ ‬السوق العالمي‮ ‬على النفط،‮ ‬الذي‮ ‬يُنظر إليه اليوم لا بصفته ثروة وطنية للبلدان المصدرة،‮ ‬وإنما بصفته مُلكا مشاعاً‮ ‬للدول المُستهلكة‮!‬ ‮ ‬قريبا من هذا،‮ ‬علينا ملاحظة أن إحدى أهم القضايا التي‮ ‬بحثها الرئيس الأمريكي‮ ‬جورج دبليو بوش في‮ ‬زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية كان الوضع الراهن لسوق النفط العالمي‮.‬
فمع موجة ارتفاع الأسعار التي‮ ‬دفعت بسعر برميل النفط إلى مستويات خيالية وغير مسبوقة،‮ ‬أدت إلى قفزات مخيفة في‮ ‬الغلاء والتضخم،‮ ‬فان الغرب،‮ ‬وجبهته الرئيسية الولايات المتحدة،‮ ‬يمارس ضغوطاً‮ ‬مستمرة على الدول المنتجة برفع سقف إنتاجها اليومي‮ ‬من النفط الخام‮.‬ وطبيعي‮ ‬أن الأنظار في‮ ‬هذه الحالة تتوجه إلى دولة مثل المملكة العربية السعودية،‮ ‬كما إلى دول خليجية أخرى منتجة للنفط،‮ ‬تحتوي‮ ‬في‮ ‬جوف أراضيها على احتياطات كبرى منه،‮ ‬حيث تبدو هذه الدول هدفاً‮ ‬رئيسياً‮ ‬للجهود التي‮ ‬تبذل من الدول الصناعية مستهلكة الطاقة من أجل حثها على الاستمرار في ‬زيادة إنتاجها‮.‬
الولايات المتحدة استبقت وصول بوش للسعودية بالقول إن رفع إنتاج النفط الخام سيكون محور نقاش بين بوش والمسؤولين السعوديين،‮ ‬أما وزير النفط السعودي‮ ‬علي‮ ‬النعيمي‮ ‬فقد صرح بأن السعودية رفعت الإنتاج ‮٠٠٣ ‬ألف برميل‮ ‬يومياً‮.‬ ينبهنا ذلك مجدداً‮ ‬إلى التحذير الذي‮ ‬كان الدكتور العسومي‮ ‬أحد أوائل مُطلقيه،‮ ‬وهو تحذير لم‮ ‬ينل بعد الاهتمام الكافي‮ ‬حين‮ ‬يجري‮ ‬الحديث عن مستقبل ثروة النفط في‮ ‬بلداننا،‮ ‬فغالبا ما نقوم بتقدير العمر الافتراضي‮ ‬لهذه الثروة بمستويات الإنتاج الراهنة،‮ ‬أو التي‮ ‬كانت عليه قبل سنوات وربما عقود فائتة،‮ ‬لذلك‮ ‬يجري‮ ‬وضع آماد بعيدة لنفاد هذه الثروة،‮ ‬حين‮ ‬يتحدث البعض أن الاحتياطات النفطية كافية لمدة مائة عام أو أكثر في‮ ‬هذا البلد أو ذاك من بلداننا‮.‬
لكننا نغفل عن أننا لسنا من‮ ‬يحدد آماد نفاد هذه الثروات،‮ ‬وإنما الاحتياجات الفعلية للسوق العالمي،‮ ‬وتحديداً‮ ‬حاجات البلدان المتطورة التي ‬تتضاعف حاجتها إلى الطاقة،‮ ‬ومع هذا التضاعف تتضاعف كميات النفط المصدر‮ ‬يومياً‮ ‬من بلداننا إليها،‮ ‬وتمارس تلك الدول ضغوطاً‮ ‬مختلفة من أجل بلوغ‮ ‬ذلك‮ ‬غير آبهة بمستقبل هذه الثروة وبحق أجيالنا القادمة فيها‮.‬ من الناحية العملية فان الدول المنتجة للنفط تصدر‮ ‬يومياً‮ ‬أكثر بكثير من الحصص المتوافق عليها لتغطية الطلب المتزايد في‮ ‬السوق العالمية،‮ ‬وهي‮ ‬مسألة مرشحة للاستمرار،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإن المدة المتبقية حتى‮ ‬ينفد النفط من بلداننا بحاجة إلى إعادة تقييم‮.‬ وعلى إعادة التقييم هذه‮ ‬يفترض أن تترتب مراجعات شاملة لخطط التنمية الراهنة والمقبلة،‮ ‬كي‮ ‬لا نوهم أنفسنا بما هو‮ ‬غير حقيقي.
 
صحيفة الايام
21 مايو 2008

اقرأ المزيد

السينما وحقوق الإنسان

تلعب السينما دورا في غاية الأهمية بالصوت والصورة الحية في توعية الناس والشعوب بحقوقها الانسانية الموثقة في الدساتير والتشريعات الوطنية والدولية، والتي جلها كما نعلم مازالت حبرا على ورق تزيّن تلك الدساتير والتشريعات وتتباهى بها الدول للدلالة والتأكيد على ديمقراطيتها ومراعاتها لحقوق الانسان، ولاسيما في العالم الثالث، دونما أن تترجم على حيز الواقع. لا بل ان الواقع لطالما يشهد ممارسات مخزية وانتهاكات فظة لحقوق الانسان على النقيض تماما مما تنص عليه دساتير البلدان التي تجرى فيها تلك الانتهاكات ولعل بلداننا العربية هي خير شاهد على ذلك.
وبهذا فإن الافلام السينمائية مثلما هي تلعب دورا مهما مؤثرا في توعية الناس بحقوقها الانسانية فانها في ذات الوقت تلعب دورا كبيرا في غاية الاهمية بفضح انتهاكات حقوق الانسان. وليس من قبيل المبالغة القول إن السينما هي أكثر الوسائل الاعلامية المؤثرة تأثيرا هائلا في تعرية الممارسات والانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان على اختلاف اشكالها، سواء ارتكبت بحق المرأة أم بحق الطفل ام بحق العامل ام بحق السجين ام بحق العجوز ام بحق الجندي المحارب، أم بأي حق من الحقوق الانسانية المقرة في دساتير الدول الحديثة والمواثيق والتشريعات الدولية المعاصرة.
 ولهذا المعنى فلئن أمكن لأي جهة رسمية، او غير رسمية، نفي أي معلومة عن واقعة من وقائع اتهامها بانتهاكات لحقوق الانسان او تكذيب وثيقة من الوثائق او الشهادات التي تدينها بذلك فانه من العبث والاستحالة بمكان تكذيبها الصور الموثقة بالكاميرا السينمائية فهي الدليل الدامغ الحي على جرائم الانتهاكات ومثلها سائر انواع الكاميرات المعاصرة.
لكل هذه الاعتبارات المتقدم ذكرها سعدت أيما سعادة بالفكرة التي استحدثتها الجمعية البحرينية للحريات العامة هذا العام بإقامة مهرجان البحرين الدولي لأفلام حقوق الانسان والذي تم تنظيمه في اوائل شهر مايو الجاري ورعى حفل افتتاحه جلالة الملك الذي اناب عنه في ذلك وزير الاعلام جهاد بوكمال وحضره وزير البلديات منصور بن رجب ولفيف من الشخصيات الحقوقية البارزة، وعرض في نهايته فيلم وثائقي عن حياة الزعيم الوطني الهندي المهاتما غاندي، هذا الى جانب معرض لصور جرائم الاحتلال الاسرائيلي.
وبناء على دعوة كريمة وملحة من الصديق الدكتور محمد الانصاري رئيس جمعية الحريات العامة حرصت رغم انشغالاتي العديدة على حضور ذلك الحفل بصحبة ابنائي رغبة مني في أن تكون الفعالية وسيلة من وسائل توعيتهم وتثقيفهم بحقوق الانسان. وكان الدكتور الأنصاري قد طلب مني ان اعبر عن رأيي وانطباعاتي عن هذا المهرجان، وبطبيعة الحال لم يتسن لي لظروف موضوعية طارئة خارجة عن الارادة متابعة افلام المهرجان التي عرضت تباعا في الايام التالية، وإن كنت قد قرأت بعدئذ عن انطباعات بعض الكتاب الصحفيين عنها، ولكن يمكن القول بوجه عام ان فكرة هذه الفعالية جيدة ومهمة وينبغي استغلالها كتقليد وعرف سنوي بالشراكة إن أمكن مع سائر جمعيات حقوق الانسان واللجان المعنية في الجمعيات السياسية.
وأرى من الأهمية بمكان لتطوير هذه الفعالية الا تقتصر افلام المهرجان على الافلام الدولية بل ان تطعم بأفلام بحرينية وعربية وخليجية ودولية سواء الوثائقية منها ام الدرامية. وفي هذا الصدد فان الاستعانة بالافلام العربية الدرامية الشهيرة التي تتناول جوانب من حقوق الانسان في اعتقادي لا تقل اهمية عن الافلام الوثائقية، ولاسيما مع وجود لجنة تحكيم نقدية تسهم في التعليق الموضوعي السياسي التوعوي على الفيلم بعد انتهائه مباشرة فضلا عن دورها التحكيمي بعدئذ في تقييم الافلام المعروضة. نشد على أيدي اداريي واعضاء جمعية الحريات العامة على هذه الفعالية الجميلة وعلى أيدي جميع من تعاونوا معها في احيائها، آملين لها المزيد من التطور في السنوات المقبلة.
 
صحيفة اخبار الخليج
20 مايو 2008

اقرأ المزيد