المنشور

الشيخ جابر الذي‮ ‬كان طبالاً‮!‬

هناك في‮ ‬جمهورية مصر العربية،‮ ‬بمنطقة‮ “‬إمبابة‮”‬،‮ ‬كانت أصابع جابر تلاعب الطبل خلف‮ “‬العوالم‮” ‬في‮ ‬الأفراح والليالي‮ ‬الملاح،‮ ‬فجأة تغير سلوك جابر،‮ ‬اختفى فترة من الزمن،‮ ‬وعاد كث اللحية،‮ ‬يمشي‮ ‬خلفه ثلة من‮ “‬البلطجية”،‮ ‬حينها عرف أهالي‮ “‬إمبابة‮” ‬ان‮ ‬يد تيار الإخوان امتدت إليه،‮ ‬فتحول الطبال الى شيخ‮ ‬يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‮.‬
جابر الشيخ الطبال لم‮ ‬يكن‮ ‬يحفظ من القران إلا آيات معدودات،‮ ‬كما ذكر تقرير نشرته قناة العربية،‮ ‬وهذا ما لم‮ ‬يخفَ‮ ‬على قادة الاخوان المسلمين الذين لم‮ ‬يكن‮ ‬يعني‮ ‬لهم تدين جابر بقدر ما كان‮ ‬يهمهم ان‮ ‬ينفذ جابر أوامرهم،‮ ‬مقابل ان‮ ‬يكون جابر أميراً‮ ‬لـ‮ “‬إمبابة‮”.‬
أول ما قام به الامير الشيخ الطبال هو تكسير محلات بيع أشرطة الموسيقى والغناء،‮ ‬وألغى مراسم الزواج المعتادة في‮ ‬منطقتهم التي‮ ‬كانت لا تضاء شوارعها إلا في‮ ‬مراسم الزواج،‮ ‬لأنها كانت منسية من الخدمات‮.‬
استمر بطش جابر حتى اتسع اسمه ونشرت صحف‮ ‬غربية عنه،‮ ‬فبدأ التحرك الرسمي‮ ‬للسيطرة على هذا‮ “الأمير”‬،‮ ‬وتم محاصرة القرية وسط مقاومة شديدة حتى تم اعتقال جابر،‮ ‬فكانت النتيجة ان عم الفرح أهالي‮ “‬إمبابة‮”‬
يشير التقرير الى ان جمهورية مصر بادرت بعد اعتقال جابر الى تحسين البنية التحتية في‮ ‬هذه المنطقة وتم إنارة الشوارع وبدأ الاهتمام‮ ‬يصب على هذه المنطقة‮. ‬
ان امتدادات التيارات المضلة والمتطرفة التي‮ ‬بدأت تسود شيئاً‮ ‬فشيئاً‮ ‬في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬يدعو القوى المجتمعية والرسمية الى ان تتضافر جهودها من اجل حماية الشباب من الأفكار التي‮ ‬تشوش العقول،‮ ‬وتصدأ القلوب،‮ ‬فالمجتمع عليه ان‮ ‬يرفض كل فكر مظلم،‮ ‬وعلى الدولة ان تهتم بكل شبر في‮ ‬أرض الوطن لكي‮ ‬لا‮ ‬يتم استغلال الشباب الفقراء الذين لا‮ ‬يملكون قوت‮ ‬يومهم الى العنف والإرهاب والتطرف،‮ ‬هرباً‮ ‬من النسيان والإهمال‮. ما‮ ‬يدعوننا الى التوقف جدياً‮ ‬هو خشيتنا من تغلغل فكر التيارات التي‮ ‬كان‮ ‬ينتمي‮ ‬اليها جابر الى بلادنا ظناً‮ ‬ان التحالف معهم قد‮ ‬يحمي‮ ‬الظهر،‮ ‬بل على العكس تماماً‮ ‬هؤلاء لا‮ ‬يؤمنون إلا بحزبهم وتيارهم،‮ ‬فهم‮ ‬يعطونك من طرف اللسان حلاوة ويروغون منك كما‮ ‬يروغ‮ ‬الثعلب‮. ‬

صحيفة الايام
18 مايو 2008

اقرأ المزيد

ضمير أكثر من متحجر‮.. ‬إنه متواطئ

ماذا لو أن قذيفة الدبابة الإسرائيلية التي‮ ‬اخترقت منزل عائلة‮ ‘‬أبو عتيق‮’ ‬وقتلت أربعة أطفال أشقاء‮: ‬صالح‮ (‬4‮ ‬أعوام‮) ‬وهناء‮ (‬5‮ ‬أعوام‮) ‬وردنية‮ (6 ‬أعوام‮) ‬والرضيع مصعب‮ (‬عام واحد‮)‬،‮ ‬ووالدتهم ميسَّر التي‮ ‬كانت انتهت للتو من إعداد وجبة الفطور لهم‮ ‬‭-‬‮ ‬ماذا لو أن هذه القذيفة لم تكن إسرائيلية،‮ ‬عربية مثلاً،‮ ‬والضحايا ليسوا عرباً‮ ‬فلسطينيين،‮ ‬وإنما‮ ‬غربيين مثلاً؟
‮… ‬ماذا لو أن الذين قضوا من الفلسطينيين نتيجة عدم توفر الدواء بسبب الحصار الإسرائيلي‮ ‬المحكم المضروب على سكان قطاع‮ ‬غزة‮ (‬5‭,‬1‮ ‬مليون نسمة‮) ‬وعددهم‮ ‬134‮ ‬مريضاً‮ ‬‭-‬‮ ‬ماذا لو كان بينهم مريض‮ ‬غربي‮ (‬بشرط ألا‮ ‬يكون المتسبب إسرائيل وإلا بطلت الفرضية)؟
ويمكن للمرء أن‮ ‬يستطرد في‮ ‬سرد مثل هذه الفرضيات المؤسسة تأسيساً‮ ‬واقعياً‮ ‬متيناً‮ ‬قاعدته‮ ‘‬الخزين‮’ ‬المتجدد للجرائم والفضائح الأخلاقية الإسرائيلية المدوية‮. ‬إنما عينة منها تكفي‮ ‬للإيفاء بغرضها وهو مواجهة العقل والضمير الغربيين ومساءلتهما أخلاقياً‮ ‬أمام التاريخ،‮ ‬وهما اللذان ما انفكا‮ ‬يتبجحان ليل نهار بمعزوفة حقوق الإنسان التي‮ ‬يدعيان ملكيتها حصرياً،‮ ‬ناهيك عن الوصاية عليها‮.‬
لا نشك للحظة لو أن واحداً‮ ‬بالمائة من المحرقة‮ (‬بحسب تعبير نائب وزير الدفاع الإسرائيلي‮ ‬في‮ ‬توصيفه لما تفعله حكومته بسكان‮ ‬غزة‮) التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة،‮ ‬أصاب مجموعة صغيرة لا تتعدى العشرات من الأوروبيين أو الأمريكيين،‮ ‬أننا كنا شهدنا رد فعل مغايراً‮ ‬تماماً‮ ‬للسكوت واللامبالاة اللذين‮ ‬يميزان موقف الغرب عموماً‮ ‬من جريمة الخنق الجماعي‮ ‬التي‮ ‬ترتكبها إسرائيل ضد سكان‮ ‬غزة‮.‬
ولعلنا نتذكر هنا قصة السفينة اكيلي‮ ‬لاورو التي‮ ‬اختطفتها منتصف الثمانينيات مجموعة من نشطاء جبهة التحرير العربية التي‮ ‬كان‮ ‬يتزعمها أبو العباس،‮ ‬وهو فصيل فلسطيني‮ ‬عرف بتوجهاته البعثية العراقية‮. ‬يومها أسفرت تلك العملية عن وفاة رجل عجوز أمريكي‮. ‬بيد أن هذه الضحية اليتيمة كانت كافية لإطلاق صفارات الإنذار في‮ ‬الإعلام الغربي‮ ‬وتوجيه وتسليط الأضواء صوب‮ ‘‬الإرهاب‮’ ‬الفلسطيني‮ ‬وإطلاق شرارة الثأر للضحية،‮ ‬وهو ما تحقق لهم بعد نيف وعشرين عاماً‮ ‬عندما احتلت القوات الأمريكية العراق في‮ ‬2003‮ ‬وألقت القبض على زعيم جبهة التحرير العربية أبو العباس وأخضعته لظروف اعتقال لا‮ ‬يمكن إلا أن تنتهي‮ ‬بالموت لا محالة،‮ ‬لم تُمَكَّن خلالها ذويه من زيارته ولا من معاينته ومعالجته طبياً‮ ‬من المرض العضال الذي‮ ‬كان‮ ‬يعانيه‮. ‬فتركته‮ ‬يعاني‮ ‬في‮ ‬زنزانته إلى أن وافته المنية هناك‮.‬
هذه الشيزوفرانيا‮ (‬ازدواجية الشخصية‮) ‬التي‮ ‬يُظهرها المشتغلون والمتمرسون في‮ ‬عالم السياسة والدبلوماسية من المنتمين للطبقة الغربية الحاكمة،‮ ‬منذ مطلع القرن العشرين الماضي،‮ ‬هل تمكن نسبتها إلى أوساط تلك النخبة الأوروبية التي‮ ‬أنجبت تلك الكوكبة من عظماء فلاسفة ومفكري‮ ‬عصر النهضة الذين وضعوا الأساس الحقوقي‮ ‬والتحرري‮ ‬للمجتمعات الأوروبية المعاصرة؟
ليس هنالك ما‮ ‬يبعث على الاعتقاد بذلك‮.‬
الأرجح أن هذه‮ ‘‬الأوروبا‮’ ‬في‮ ‬حلتها‮ ‘‬المعاصرة‮’ (‬ذات الإحدى وعشرين مئويةً‮) ‬ليست وريثة عصر النهضة وحده‮ ‬‭(‬Renaissance‭)‬،‮ ‬بكل ما حفل به من نزعات تنويرية ورومانسية وإنسانية،‮ ‬وإنما هي‮ ‬خلاصة عملية إعادة الاصطفافات الفكرية والفلسفية التي‮ ‬شهدتها القارة الأوروبية منذ نهاية القرن التاسع عشر وعلى مدى القرن العشرين المنصرم،‮ ‬لصالح المذاهب والاتجاهات الفلسفية الحداثية،‮ ‬النازعة نحو النفعية والتجريد البراغماتي،‮ ‬والتي‮ ‬علا كعبها بفضل صعود الرأسمالية الصناعية والرأسمالية المالية مع توالد المصارف وقيام المؤسسات التمويلية المختلفة، ‬واتحاد هذين العملاقين‮ (‬رأس المال والصناعة‮) ‬فيما عرف بعد ذلك بالرأسمالية الاوليغارشية التي‮ ‬نجحت في‮ ‬تأمين كامل سيطرتها على مسارات التقدم الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والثقافي‮.‬
وحتى المشيخة الفكرية التي‮ ‬وضعت في‮ ‬ما بعد الأسس النظرية والأيديولوجية للنظام الرأسمالي‮ ‬المعاصر والتي‮ ‬مازالت تمد النظام إلى اليوم بدماء جديدة منعشة،‮ ‬ليست مقطوعة الصلة عن مورث القرون الأخيرة من المذاهب والنظريات الفلسفية المتمحورة حول مذهب الغاية تبرر الوسيلة الميكافيلي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يتسع للبعد الإنساني‮ ‬في‮ ‬بناء وإدارة وتشكيل وإعادة تشكيل المجتمعات‮.‬
ولذلك عندما‮ ‬ينظر المرء اليوم إلى الهيكل المؤسسي‮ ‬للنظام الدولي‮ ‬وضمنه منظمة الأمم المتحدة باعتبارها إنجازاً‮ ‬رائعاً‮ ‬للأسرة الدولية بما تمثله من مبادئ مسطرة في‮ ‬ميثاقها وفي‮ ‬مقدمها حماية السلم العالمي‮ ‬والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان المدنية والاجتماعية عبر العالم وتكريس ثقافة التعاون الدولي‮ ‬متعدد الأطراف،‮ ‬فإنه لا شك سيحار في‮ ‬هذا اللبس الإشكالي‮.‬
إلا أنه لو أمعن النظر وتفكر ملياً‮ ‬فسوف‮ ‬يجد أن إنشاء الأمم المتحدة جاء نتيجة ولادة عسيرة أملتها ظروف نشوء وتمكن فكر تدميري‮ ‬هو الفكر النازي‮ ‬الذي‮ ‬كاد‮ ‬يستولي‮ ‬على العالم ويحيله إلى روما العبودية‮.‬
ولذلك أيضاً‮ ‬لم‮ ‬يعد الغرب‮ ‬يعير كثير اهتمام للأمم المتحدة‮ (‬باستثناء مجلس الأمن الذي‮ ‬يشكل عمودها الفقري‮ ‬ويتحكم في‮ ‬مسارها‮)‬،‮ ‬وهو ما‮ ‬يجد تفسيره في‮ ‬الإتيان بشخوص‮ ‬يفتقرون إلى ملكات القيادة الناجعة الحازمة والشجاعة،‮ ‬لتولي‮ ‬مهام رئاسة أمانتها العامة وقيادتها وسط بحر من تلاطم وتضارب المصالح،‮ ‬كما هي‮ ‬الحال بالنسبة للأمين العام الحالي‮ ‬الكوري‮ ‬الجنوبي‮ ‬بان جي‮ ‬مون وقبله الغاني‮ ‬كوفي‮ ‬أنان‮.‬
فالأمين العام الحالي‮ ‬مثلاً‮ ‬تراه‮ ‬يفزع ويتحمس أشد الحماس لنفرة الغرب في‮ ‬دار فور ولا‮ ‬يتردد في‮ ‬زيارة السودان والتوجه من هناك إلى دار فور لتفقد أحوال السكان‮. ‬فيما‮ ‬يظهر بؤسه وضآلته وهو‮ ‬يستنكف عن التوجه إلى قطاع‮ ‬غزة لمعاينة المحرقة الحقيقية التي‮ ‬هو أجبن من مجرد التأشير عليها‮!‬
على أن الجانب الإداري‮ ‬ليس هو التجسيد الوحيد للامبالاة الغربية بالمنظمة،‮ ‬فهنالك القرارات الصادرة عنها بشأن القضية الفلسطينية وخاصة قرارات‮ ‬242‮ ‬و338‮ ‬و194‮ ‬التي‮ ‬بقيت حبيسة أدراجها منذ اتخاذها قبل عشرات السنين،‮ ‬فقط لأن الأمريكيين والأوروبيين‮ ‬يقفون بالمرصاد أمام تنفيذها‮.‬
الأمر بطبيعة الحال‮ ‬يختلف في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بالقوى الاجتماعية الغربية الواقعة خارج سلطة ومؤسسات النظام الرأسمالي،‮ ‬خصوصاً‮ ‬تلك المنتظمة في‮ ‬إطار منظمات المجتمع المدني‮ ‬التي‮ ‬يلعب كثير منها أدواراً‮ ‬مشرفة في‮ ‬مجالات الحريات وحقوق الإنسان على الصعيد العالمي،‮ ‬تتطابق مع مناقبيات المذاهب الفلسفية الإيجابية الغربية للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر‮.‬
 
صحيفة الوطن
17 مايو 2008

اقرأ المزيد

العقلانية والعمران‮.. ‬هل‮ ‬من توازن في‮ ‬الزمن العاقر؟‮ »‬2‮/‬2‮«‬

لقد دخل العمران مجال السياسة،‮ ‬وأول من أدخل كلمة العمران ابن خلدون،‮ ‬وتعني‮ ‬في‮ ‬لغة الحداثة البنى الاجتماعية،‮ ‬وفي‮ ‬لغة السياسة‮: ‘من ‬يملك من العمران أكثر‮ ‬يسوس أكثر ويساوم أكثر وأكثر‮’. ‬العولمة حولت الكرة الأرضية إلى‮ ‬غرفة صغيرة وحولت الغرفة إلى نملة وحولت النملة إلى ذرة تحتاج إلى ميكروسكوب إلكتروني‮ ‬مقدار تكبيره خمسة آلاف مرة كي‮ ‬تراها‮. ‬
الأمكنة الآن هجرت أصحابها كما هجرت الناس الأمكنة،‮ ‬يتذكر المرء نفسه،‮ ‬ومنذ فترة وجيزة كيف كان‮ ‬يجلس على عتبة داره من الخارج ويراقب المارة،‮ ‬وربما‮ ‬يضع البذور في‮ ‬صحن ويتسلى بأكله ويسلم على كل من‮ ‬يمر عليه،‮ ‬كيف كان‮ ‬يملك تلك العتبة ويجلس بحرية‮. ‬لكن الآن أصبح الوضع مختلفاً‮.. ‬الإنسان‮ ‬يحلم بشقة مغلقة النوافذ والأبواب‮ ‬يسمع طنين جاره ويشم رائحة السجاير المتطايرة على رغم ضيق المكان‮. ‬40‮ ‬
ألف دينار قرض شراء سكن متوفر من الناحية الراقية لكنه‮ ‬يبدو وكأن‮ ‬40‮ ‬ألف فلس تتحول إلى افتراضية‮! ‬والبركة ترجع إلى انخفاض الدولار الأمريكي‮ ‬الذي‮ ‬أكرمنا من فضله ومن فضل من ربط عملتنا به إلى‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬40‮ ‬ألف دينار أصبحت في‮ ‬زمن العولمة دريهمات‮ ‬يشتكي‮ ‬الناس من ثقلها وكأنها كابوس‮ ‬يلاحق الشباب في‮ ‬المنام وفي‮ ‬اليقظة كابوس لأنها لا تغطي‮ ‬نفقات البناء،‮ ‬تحول القرض إلى مشكلة بدلاً‮ ‬من كونه‮ ‬يحل المشكلة،‮ ‬بناء منزل تحول إلى ترف من الأمنيات والأدعية والأحلام ترافق الإنسان إلى القبر،‮ ‬اللهم‮ ‘‬أسكنه من ضيق القبور إلى سعة الدور والقصور‮’. ‬لهذا‮ ‬يكثر الخيال والسحر والشعوذة في‮ ‬العالم الثالث ويتبعها الغاوون من كل مكان كما تقول الآية‮ ‘‬الشعراء‮ ‬يتبعهم الغاوون‮’‬،‮ ‬لقد حقق السماسرة والمعماريون نبوءة ماركس وأصبحت الفوارق الطبقية حقيقة لا مفر منها‮. ‬
لم تكن هذه الفوارق محسوسة إلا في‮ ‬الشعر والنثر واللوحات ولكنها أصبحت متجسدة عملياً‮ ‬نتناولها مع كل وجبة سواء في‮ ‬الصحافة اليومية مع إشراقة كل شمس أو نتناولها في‮ ‬أحاديث المجالس‮. ‬المجتمعات التي‮ ‬ما فتئت تحبو وتحبو،‮ ‬أصبحت تزحف على بطنها،‮ ‬لقد صودر منها العريش وصودرت الساقية والزريبة،‮ ‬صودرت حتى الدهاليز‮ ‘‬والطيارة‮’ (‬فضاء صغير مغطى بالخوص‮) ‬والبرستج والحوش،‮ ‬والسؤال‮ ‬يبقى معلقاً ‬كمعلقات الكعبة‮: ‬كيف نخلق التوازن المطلوب؟ كيف نعيش على أرض واحدة؟ كيف نوزع الثروة؟ كيف‮ ‬يحترم الصغير الكبير؟ كيف نحافظ على عقولنا من التدمير والمصادرة؟ نحن بحاجة إلى عقلانية وعقلاء في‮ ‬خلق مجتمع متكافئ متوازن‮.
‬نحتاج إلى من‮ ‬يفكر في‮ ‬بناء مجتمعات‮ ‬يسودها التضامن‮. ‬لسنا بحاجة إلى عائلة ماكندوا في‮ ‬أمريكا اللاتينية التي‮ ‬تحدث عنها‮ ‬غابريل ماركيز في ‬قصة‮ ‘‬مائة عام من العزلة‮’ ‬وهي‮ ‬قصة قال عنها إنها حقيقية لعائلة عاشت عزلة عن مجتمعها تحلم بعيداً‮ ‬عن الواقع إلى أن جاءها طوفان وحصدها‮. ‬إنه التناقض مع النفس والضمير على رغم تقدم الزمن‮. ‬وعلى رغم الإنجاز العظيم الذي‮ ‬تحقق بفضل التطور الهندسي‮ ‬إلا أنها أصبحت حمى بغيضة كونها تجاوز عن الواقع وتعال لا‮ ‬يصدق،‮ ‬تتطابق تماماً‮ ‬مع عجرفة الشركات العولمية‮.
‬نعم،‮ ‬إن الإنجاز المعماري‮ ‬الشاهق‮ ‬يتناقض مع نفسه بدأ متأخراً‮ ‬مع بداية العام‮ ‬1930‮ ‬في‮ ‬نيويورك،‮ ‬ثم انتشر في‮ ‬أنحاء العالم الذي‮ ‬يسير في ‬طريق صناعة السياحة والتجارة الذي‮ ‘‬يحسبه الظامئ ماءً‮’. ‬يقول تيري‮ ‬وهو فيلسوف في‮ ‬العمران المدني‮: ‘‬لقد شيد أول مبنى مرتفع في ‬نيويورك العام‮ ‬‭.‬1848‮ ‬وبات تعبيراً‮ ‬بامتياز عن الرأسمالية‮’. ‬لكن في‮ ‬البحرين لا توجد رأسمالية بل رأسماليون ومع زحف الحداثة بات العمران تعبيراً‮ ‬عن الحرمان‮.‬

صحيفة الوطن
17 مايو 2008

اقرأ المزيد

النكبة والوعي القومي

بالرغم مما هو ثابت أن جذور وبدايات الوعي القومي العربي المعاصر تعود الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر والتي تتجلى في كتابات وجهود طائفة من رواد النهضة العربية، فإن هذا الوعي لم يتبلور وينتشر بين صفوف اوسع فئات الشعوب العربية وقواها السياسية إلا مع مطلع النصف الثاني من القرن العشرين أي منذ غداة نكبة 1948م مباشرة.
نعم ثمة نهوض قومي وثمة تبلور للوعي القومي نجده خلال النصف الأول من القرن العشرين وقد عبر عن نفسه بوجه خاص في اشكال التضامن مع قضية الشعب قبل ان تبلغ ذروة مأساته في مايو 1948م مع اغتصاب وطنه وتشريد الجزء الاعظم من ابنائه، كما عبر عن نفسه في الدعوات الى الوحدة العربية والتي كان لها الاثر البالغ في الضغوط على الانظمة العربية السائدة حينذاك بالاستجابة الى تلك الدعوات الشعبية والسياسية الى صيغة اقل من الوحدة السياسية تتمثل في اقامة جامعة الدول العربية ثم في دخول جيوش دولها فلسطين لنصرة شعبها خلال حرب .48 لكن كل اشكال ذلك النهوض والوعي القوميين على الصعيدين الشعبي والرسمي كانت اشكالا جنينية ولم تتبلور وتتسع كما تبلورت واتسعت خلال النصف الثاني من القرن العشرين والذي أعقب النكبة مباشرة.
ويمكن القول ان نكبة فلسطين 1948م كانت عاملا مغذيا ومفجرا للوعي القومي سواء فيما بين معظم القوى والحركات السياسية العربية وبضمنها حتى تلك التي تنتمي الى تيارات ذات طابع اممي يساري او ذات طابع “اممي اسلامي” اذا جاز القول، ام فيما بين اوسع الجماهير العربية، صحيح ان كلا هذين التيارين وبدرجات متفاوتة حاولا ان يميزا نفسيهما عن الفكر القومي العريض لكن كلاهما تأثرا بدرجات متفاوتة بالافكار القومية ولم يستطيعا نفيها او الانعزال عنها كلية وان كان التأثير المتبادل بين التيار القومي من جهة والتيار اليساري اكثر مما هو بين كليهما من جهة والتيار الاسلامي العريض من جهة اخرى.
ولعل الظهور والنهوض العارم للأحزاب والحركات القومية العربية خلال خمسينيات القرن الماضي ساهم بدور محوري كبير في نشر الفكر والوعي القومي جنباً الى جنب مع قيام انظمة قومية خلال الخمسينيات والستينيات وعلى الاخص نظام ثورة 23 يوليو بقيادة الرئيس المصري والزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر. ويمكن القول ان ثورة يوليو وحركة القوميين العرب كان لهما نصيب الاسد في نشر وبلورة الفكر والوعي القومي العربي على اوسع نطاق من الوطن العربي. وقد تجسد هذا الدور على نحو خاص في قيام اول وحدة اندماجية في تاريخ العرب الحديث وذلك بين مصر وسوريا عام 1958م. لقد كان عقدا الخمسينيات والستينيات هما بامتياز ذروة صعود المد القومي، في حين ومنذ نكسة يونيو 1967م، وعلى الاخص منذ وفاة الزعيم القومي الراحل جمال عبدالناصر بعد ثلاث سنوات من النكسة، بدأ تدريجياً افول وانحسار هذا المد القومي حتى بلغ ما بلغه على النحو المأساوي المريع الذي نتابع فصوله على امتداد اربعة عقود تقريباً.
بطبيعة الحال ثمة عوامل عديدة موضوعية وذاتية لهذا الانكسار القومي ليس هنا موضع تناولها وان كان من المهم التأكيد ان العامل الديمقراطي يأتي في مقدمتها، إلا انه يمكن القول ان العرب مهما اغتربوا عن وعيهم القومي، حركات وشعوباً، لن يستطيعوا التخلص منه. فهو كامن في اللاشعور سواء لدى الحركات والقوى السياسية التي تنفي شكلاً ومضموناً وجود شعور ووعي قومي مشترك بين العرب، كالقوى الاسلامية واغلب القوى اليسارية، ام لدى القوى التي هجرت هويتها القومية جملة وتفصيلاً واستبدلتها بهويات ليبرالية او يسارية موغلة في اغترابها الاممي. بيد ان كمون هذا الوعي في المرحلة الانكسارية الراهنة، سواء في اللاشعور او في مظاهر التباسه بأفكار او ايديولوجيات اخرى، وعدم قدرة العرب على التخلص من هذا الشعور – الوعي الملازم لهم لا يعني البتة أنه سيتفجر من جديد من تلقاء نفسه مرة اخرى، وذلك ما لم تتمكن القوى والحركات السياسية العربية، وعلى وجه التحديد الوطنية والقومية، من اعادة بناء نفسها ومعالجة كل العوامل التي أفضت الى تراجع المد القومي العربي وانكسار المشروع القومي. لقد شهد التاريخ العربي المعاصر مفارقة نادرة لم تشهد مثلها امة من الامم او شعب من الشعوب في الهزائم التي تعرض لها.
فلم تعرف امة من الامم هذا التداعي والتأثر البالغ لهزيمة شعب من شعوبها كما عرفت الامة العربية تجاه هزيمة 1948م المعروفة بـ “النكبة” والتي لعبت بعدئذ كما ذكرنا دوراً محفزاً في تغذية الوعي القومي وتناميه، وكانت على الدوام عاملاً رئيسياً من عوامل التناقضات والصدامات بين شعوب هذه الامة وانظمتها السياسية وسبباً من الاسباب الاساسية لثوراتها وانتفاضاتها على تلك الانظمة، بنفس قوة الاسباب الاساسية الداخلية من سياسية واقتصادية واجتماعية التي دفعتها الى الثورة (ثورتا يوليو/ تموز المصرية والعراقية ابرز شاهد على ذلك).
وما هذه المفارقة الا اكبر دليل على قوة الشعور القومي سواء المتبلور ام الملتبس والكامن في الوعي لدى كل الشعوب العربية والذي لا نجد ما يضاهيه قوة لدى هذه الشعوب ذاتها تجاه كل قضايا العالم، وبضمنها قضايا الشعوب الاسلامية وان بدرجات متفاوتة. وعلى العكس من ذلك جاءت هزيمة 1967م المعروفة بـ “النكسة” لتسهم في تراجع وانكماش المد القومي وما ذلك الا بسبب صدمة الجماهير العربية واحباطها من غروب المشروع القومي وهي الجماهير التي مازالت تنتظر من ينتشلها من محنتها المديدة ليضعها على سكة الخلاص الحقيقية التي تستعيد من خلالها وعيها القومي الذي طال اغترابها عنه بفعل اخفاق الحركات القومية واليسارية معاً.

صحيفة اخبار الخليج
17 مايو 2008

اقرأ المزيد

الأنامل الناعمة

سأقرأ عليكم هذا النص الوجداني‮ ‬الجميل أولاً‮:  “‬أخذت قطعة قماش ناعمة،‮ ‬حريراً‮ ‬أبيض متورداً‮ ‬نقياً‮ ‬كالجليد،‮ ‬صنعت لك مروحة من الوئام والفرح،‮ ‬مستديرة كالبدر المطل،‮ ‬تتموج في‮ ‬كُميك سيدي،‮ ‬يمكنك الآن هفها،‮ ‬إثارة هبة باردة،‮ ‬غير أني‮ ‬أخشى الخريف إن أتى،‮ ‬وشتت القيظ هفيفاته الباردة،‮ ‬أن توصد عليها في‮ ‬صندوق قصب،‮ ‬وفي‮ ‬منتصف الطريق‮ ‬يذوي‮ ‬حبك لها”.‬ لعلكم خمنتم ان النص كتبته امرأة‮. ‬هذا واضح من ذلك الوهج الذي‮ ‬يثيره اشتعال الكلمات التي‮ ‬تفيض بالمشاعر،‮ ‬والمرأة التي‮ ‬كتبت هذا النص هي‮ ‬من بلد بعيد‮ ‬يثير في‮ ‬نفوسنا الفضول والدهشة، ‬من بلد كبير مترامي‮ ‬الأطراف تمتد حضارته بعيداً‮ ‬في‮ ‬أعماق التاريخ‮: ‬إنه الصين‮: ‬والنص جاء في‮ ‬كتاب‮ ‬يتضمن مختارات من شعر النساء في‮ ‬الصين،‮ ‬ترجمه إلى العربية صلاح صلاح وصدر عن دار الانتشار العربي‮.‬
جاءت النصوص تحت هذا العنوان الموحي‮: ‬الأنامل النحيلة،‮ ‬وهو عنوان‮ ‬يأخذنا إلى مناخ القصيدة الأنثوية الرقيقة،‮ ‬التي‮ ‬تقول حباً‮ ‬وعتاباً‮ ‬مراً‮ وشكوى من الفراق والبعد‮. يقال إن المرأة في‮ ‬الصين اعتادت تقليدياً‮ ‬على بُعد الرجل عنها،‮ ‬ففي‮ ‬بلد مترامي‮ ‬الأطراف وفي‮ ‬طبيعة قاسية‮ ‬غالباً ما يذهب الرجال إلى الخدمة العسكرية أو إلى العمل في‮ ‬مدن أخرى تتوفر فيها أسباب الرزق،‮ ‬وتبقى النساء وحيدات،‮ ‬لذلك فإن النصوص المكتوبة تحت وقع مشاعر الوداع والفراق والبعد كثيرة‮. ‬ لنقرأ ما تقوله إحدى الشاعرات‮:  ‬إن كنت ‬لا تصدق اني‮ ‬دائمة البكاء،‮ ‬من ذاك الحين، ‬افتح خزانة ملابسي،‮ ‬وتفحص ثوبي‮ ‬الرمادي‮ ‬الرُماني‮. ‬أو ما تقوله أخرى‮:  ‬لِمَ‮ ‬تبللين وسادتك بالدمع سراً،‮ ‬لِمَ‮ ‬تخفين أساك في‮ ‬الزهور‮. ‬أو هذا النص المدهش لثالثة‮: ‬ما أكثر الأشياء تقارباً‮ ‬وتباعداً‮: ‬الشرق والغرب،‮ ‬ما أكثر الأشياء عمقاً‮ ‬وضحالة‮: ‬الجدول الصافي،‮ ‬ما أكثر الأشياء علواً ‬ولمعاناً‮: ‬الشمس والقمر،‮ ‬من أكثر أجماً‮ ‬وبُعداً‮: ‬الرجل والزوجة‮.‬ هل للنساء لغة‮ ‬غير تلك التي‮ ‬لدى الرجال؟ ثمة جدل طويل حول هذا الأمر‮. ‬لكن الشعر النسائي‮ ‬الصيني‮ ‬الذي‮ ‬في‮ ‬متناولنا الآن‮ ‬يؤكد أن للمرأة العاشقة لغة آسرة خاصة بها‮.
‬إن البوح هنا‮ ‬يشف عن نفسه بعذوبة متناهية،‮ ‬وهو‮ ‬يلتبس بتعابير حسية واضحة تعبر عن التوق الحقيقي‮ ‬للحب الذي‮ ‬غالباً‮ ‬ما‮ ‬يصطدم بظروف قاسية تجعله متعذراً‮ ‬أو مؤجلاً‮ ‬أو مقصياً،‮ ‬لذا تبدو المفردة الشعرية الأنثوية أشبه بزفرة القتيل النابعة من أعمق الأعماق‮.‬ وينتصر الحب لنفسه بقصائد خالدات ما كان‮ ‬يمكن أن تقال إلا من نساء بقلوب كبيرة‮ ‬يعرفن قدر الحب ويمنحنه نفوسهن حتى لو كان ذلك من دون رجاء،‮ ‬كما في‮ “الملامة” ‬التالية لإحداهن‮: ‬يُقال أن البحر عميق،‮ ‬إلا انه ليس بنصف عمق الحب،‮ ‬للبحر على الأقل سواحل،‮ ‬الحب الكبير بلا شواطئ، ‬خُذْ ‬قيثارتك،‮ ‬تَسلق برجاً،‮ ‬حيث‮ ‬يملأ ضوء القمر الحُجر الخاوية،‮ ‬اعزف أغنية شوق الحب،‮ ‬لتتقطع الأوتار والقلب معاً‮!‬ ولنختم بهذا النص المبهج‮: “لم أشد نطاق عباءتي،‮ ‬حين طلبت مني‮ ‬أن أطل من النافذة،‮ ‬إن رفرف ثوبي‮ ‬وطرتُ‮ ‬إليك،‮ ‬نلقِي‮ ‬على ريح الربيع باللائمة‮”.‬

صحيفة الايام
17 مايو 2008

اقرأ المزيد

من أين نبدأ؟‮!‬

من اليوم تبدأ اجازة النواب الخمسة شهور‮.. ‬ومن اليوم لو أمعنا في‮ ‬مراجعة سريعة لاداء النواب طيلة الانعقاد البرلماني‮ ‬الثاني‮ ‬لاستوقفتنا عدة محطات لا نعرف من اين نبدأ الحديث عنها،‮ ‬هل نبدأ من تلك التجاذبات والملاسنات التي‮ ‬صاحبت الاستجواب الذي‮ ‬يعد نموذجاً‮ ‬للطائفية ولإهدار الوقت ولإثارة الكراهية في‮ ‬مزاودات الخطب السياسية التي‮ ‬كانت تسعى إلى كسب ود الناخبين عبر مسرحية تسمى بالاستجواب الطائفي؟‮! ‬
أم نبدأ من تلك الاشكالية المتمثلة في‮ ‬نواب فوق النقد ونرى ذلك بوضوح في‮ ‬اصطدام كتلة المنبر الاسلامي‮ “‬اخوان المسلمين‮” ‬مع الصحافة لمجرد ان السلطة الرابعة مارست حقها بل واجبها نحو تسليط الاضواء على كل ممارسات نيابية خاطئة وما اكثرها،‮ ‬وهي‮ ‬تستغل المؤسسة التشريعية لمآرب شخصية وسياسية‮!! ‬او نبدأ بلجان التحقيق التي‮ ‬تركت الفساد والمفسدين من دون رقابة ومحاسبة وانشغلت بالتحريض ضد الرأي‮ ‬الآخر وباجتهادات دينية متطرفة على أثرها اعلن الجهاد تجاه الثقافة والابداع والمبدعين والحريات عامة،‮ ‬في‮ ‬حين كان بودنا ان‮ ‬يكون هذا الجهاد المقدس موجهاً‮ ‬لتحسين اوضاع الناس المعيشية التي‮ ‬تزداد كل‮ ‬يوم سوءاً‮ ‬لا تنفع معها‮ “لا الخمسين دينارا ولا المائة”؛ لان ما‮ ‬يحدث اليوم على صعيد الاسعار‮ ‬يفوق كل تصور فيكفي‮ ‬ان‮ ‬يراجع اصحاب السعادة اسعار السلع الاستهلاكية،‮ ‬ولكن صدق مثلنا الشعبي‮ “‬شوط الشبعان على اليوعان بطي”.‬
من المعروف ان مجلس التنمية الاقتصادية بادر باقرار تحرير السلع من الاحتكار وهي‮ ‬خطوة تؤدي‮ ‬إلى عدم التلاعب بالاسعار او مضاعفتها بين وقت وآخر،‮ ‬كما هو حاصل اليوم ومن المعروف ايضاً‮ ‬ان احدى الوسائل والطرق لتخفيف وطأة الاسعار المرتفعة جداً‮ ‬الجمعيات التعاونية التي ‬يجب ان تلاقي‮ ‬دعماً‮ ‬حكومياً‮ ‬ومآزرة نيابية حتى‮ ‬يستفيد المواطن البائس من اسعارها المنخفضة،‮ ‬ومع ذلك لم نسمع عن اهتمام نيابي‮ ‬يذكر لا بتحرير السلع من الاحتكار ولا بالجمعيات التعاونية ولا حتى بمقترح عن خطة وطنية لمقاومة التضخم وانخفاض قيمة الدينار وارتفاع تكاليف المعيشة والاسعار‮!!‬
او نبدأ‮ ‬يا جماعة من تردد الاداء النيابي‮ ‬غير المشجع للاستثمارات في‮ ‬مجال صناعة السياحة سواء كانت عائلية او علاجية او ترفيهية وبالتالي‮ “دلونا‮” ‬على تشريعات تبناها اصحاب السعادة تدعم هذه الصناعة،‮ ‬أي‮ ‬تدعم الاستثمارات في‮ ‬مشاريع سياحية كبيرة رغم ما تتمتع به البحرين من موقع استراتيجي‮ ‬مهم وكفاءات وخدمات مالية ومصرفية واتصالات،‮ ‬ولا‮ ‬يعني‮ ‬هذا ان البحرين لم تشهد تطوراً‮ ‬ملحوظاً‮ ‬على مستوى هذه الصناعة والدليل على ذلك انها في‮ ‬عام ‮٧٠٠٢ ‬احتلت المركز الثالث في‮ ‬الاستثمارات الخليجية في‮ ‬مجال المشاريع السياحية التي‮ ‬وصلت إلى 273 ‬مليار دولار اي‮ ‬بلغت استثماراتها‮ (٦) ‬مليارات دولار،‮ ‬ولكن كان بالامكان ان تتبوأ موقعاً‮ ‬استثمارياً‮ ‬افضل مما هي‮ ‬عليه لولا التعقيدات الادارية والقوانين التي‮ ‬يجب تحديثها بما‮ ‬يواكب حرية الاستثمارات،‮ ‬نعم احتلت المركز الثالث بعد الامارات التي‮ ‬بلغت نسبة استثماراتها ‮٥٨‬٪‮‬وتلتها عُمان بواقع‮ (٧١) ‬مليار دولار والكل‮ ‬يعرف‮ ‬يعود الامر إلى مشاريع حكومية وخاصة لا لمجلس النواب‮!!‬
والكل‮ ‬يعلم ان العالم اليوم‮ ‬يتجه إلى هذه الصناعة الرائجة؛ لانها احدى المصادر لتعدد الدخل وخاصة ان النفط معرض للنضوب ولا اعتقد ان اصحاب السعادة لا‮ ‬يدركون هذه الحقيقة؟‮!‬
ما عرضناه‮ ‬يا سادة من محطات برلمانية سلبية هي‮ ‬ليست كل المحطات السلبية وبلا شك هناك محطات ايجابية ولكنها محدودة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإذا سار الانعقاد الثالث بعد خمسة شهور‮ – ‬يا طولها‮ – ‬على منوال الانعقادين السابقين‮  ‬لا نقول الا‮ “‬كان الله في‮ ‬العون‮”.‬

صحيفة الايام
17 مايو 2008

اقرأ المزيد

صراع المحورين في البحرين


لا تزال جذور المحور الإيراني – السوري – حماس وبقية القوى الدينية والقومية المُنضمة إليه بحاجةٍ إلى تحليلٍ أوسع، حيث بدا أن هذا المحورَ محاصرٌ ومعرضٌ للضربات في حين أنه يتقوى ويتعاظم.
وإذا كانَ يبدو رسمياً حكومياً متوطداً كما في جمهوريتي إيران وسوريا فهو ذو طابع شعبي في لبنان وفلسطين الخ..


وأصبح تمسك هذا الخط بالملكية العامة الرئيسة في الاقتصاد وطرح الصراع مع الاستعمار كخطٍ استراتيجي، وتحجيم الليبرالية والديمقراطية وهي من سماته كذلك، فإنه لا يعني ذلك عدم وجود شعبية كبيرة له في بلدانه.
وإذا أضفنا بأن جماعة الأخوان المسلمين في مصر هي أقرب لهذا المحور من المحور الغربي الليبرالي التابع وكذلك منظمات(النهضة) في تونس والجزائر، فمعنى هذا بأن أغلبية قوية راحت تنمو وتعارض، مستعيدة شكل حركة التحرر العربية بشعاراتٍ وأهداف متعددة مختلفة، بوعيها غير القادر على تمثل سياسة مركبة جدلية بالجمع بين الديمقراطية والتحرر، بين الحداثة والتمسك بالجذور.
وهي تتفقُ على شعاراتٍ سياسية كبيرة كتحرير فلسطين كلياً أو القضاء على إسرائيل، والتصدي للاستعمار، كما أنها ترتكز على الجماهير العربية الذكورية والنسائية المحافظة وهي أغلبية السكان المسلمين التي تعيشُ في الغيبيات وذات الظروف الاقتصادية الصعبة أو المتردية. وبطبيعة الحال فإن تجربة الجمهور في حال هذه الأنظمة مغايرة لأحوال بلدان لم تذق فيها الجماهيرُ الشموليةَ الدينيةَ والسياسيةَ المطبقة. لكن بقاء النظامين الإيراني والسوري لا يعتمد على القمع وحده ولكن أيضاً على المؤسسات العامة التي تريحُ الجمهورَ من العصفِ الكامل للسوق الرأسمالي.
إن ذلك يوضح بأن سنوات الردة على الحركة القومية العلمانية والفكر التقدمي قد انتجت موجة شعبية محافظة كبيرة، ولكنها مع ذلك استجابت للتناقض الرئيسي الذي لا مهرب منه في كل البُنى الاجتماعية العربية وهو التناقض بينها وبين الغرب المسيطر.
وهذا بسببِ تغيرِ خريطة توزيع الموارد والسكان في المشرق العربي الإسلامي، حيث انتقلت بؤرتهُ المركزيةُ من مصر إلى الخليج والعراق وإيران، بحكم تدفق النفط وقيامه بإعادة توزيع الثروة والسكان فخلق ذلك قيادات إقليمية مغايرة لزمن الناصرية والتحرر القومي السابق.
وقد تفاقم ذلك التناقضُ الرئيسي بفعلِ جملةٍ من العوامل السياسية والاقتصادية المتعددة المتداخلة، كالحروب التي تـُشن ضد العالم العربي الإسلامي، والتي تـُؤخذ غالباً في الوعي الشعبي الُمبسّط بصورةٍ دينية(أي أنها حروب صليبية جديدة)، ثم هناك عملياتُ استنـزافِ الموارد النفطيةِ وإبقاءِ الخليج والجزيرة العربية كبقرةٍ حلوب، ليس للغرب فقط بل لشركائهِ وتابعيهِ في الهند وجنوب شرق آسيا، ثم هناك سياساتُ ضربِ القطاعات العامة وتفاقم الفساد والبيروقراطية وهي كلها تعبرُ على تضادِها عن صعودِ القوى البيروقراطية الاستغلالية في كل هذه الأنظمة والذي يعبرُ عنهُ الوعيُّ الديني غير العقلاني بل النصوصي الغيبي الفقهي الجزئي، فلا يجد هذا الوعي أمامه سوى انقساماته الطائفية.


ونرى إن هذه العواملَ تعبر عن غزو رأسمالي غربي واسع النطاق على الأسواق، ومترافق مع العولمة واتساع نفوذ الشركات العابرة للقارات.
وقد قاد إلى تكونِ تياراتٍ شعبية معادية للهيمنة، لم تتبلورْ على مستوى البرامج الاقتصادية والاجتماعية الدقيقة، ولكنها عكست نفسها في شعاراتٍ كالعداء لأمريكا ومحاربة إسرائيل وفي ظل مناخٍ ديني غيبي يتصور الحلولَ السحريةَ عبر القائد الملهم والجماعات المؤمنة النقية الخ..
فالبرامجُ الليبرالية الهزيلة المطروحة من قبل الأنظمة المؤيدة للغرب لم تتحولْ إلى برامج تقفُ ضد الخصخصة والبطالة ومص الأموال العامة والخاصة للمحافظ النقدية والأسواق الغربية والشرق آسيوية.
كما أن هجومَ هذه(الحداثة) الشكلانية غالباً والمعتمدة على الأزياء ووجبات الأكلاتِ السريعة والثقافة الغربية غير الرفيعة(خاصة ما تجسده أغلبية أفلام السينما الأمريكية)، أدت إلى الكثير من الجوانب السلبية في حياة الشباب وخلقت العديد من مناطق الصراع مع الثقافة الدينية التقليدية.


وهكذا فإن المحورَ الإيرانيَّ السوري ازدادَ اتساعاً بخلاف ما تقولهُ الدعايةُ العربيةُ والغربية الموالية للأنظمة، فإن دخول غزة واليمن ولبنان على هذا الخط بشكلٍ متقاربٍ متفجرٍ قد أوضحَ بأن هذا المحورَ هو الذي يقومُ بالهجوم الاستراتيجي، وأنه يزعزعُ حلفاءَ الغرب ويوسعُ دائرةَ مؤيديه بين الجمهور العربي والإسلامي.

هل يعني هذا بأن المحور على صواب؟

نحن لا نرصد الصواب والخطأ، بل نقرأ اللوحة الموضوعية المتشكلة أمامنا، فالمسألةُ ليستْ مسألةً أخلاقية مجردة، ففي جوهر هذه الأنظمة والحركات هناك دكتاتوريةٌ كبيرةٌ كما سبق القول، وقد قامت حركاتُ التحرر العربية والإسلامية على هذه الدكتاتوريات غالباً، لكونها بحاجة إلى قوى شعبية متحركة على الأرض وإلى أجسام بشرية صلبة تصطدمُ بالأنظمة وتجعلها تتراجع او تـُهزم، فهذه الأنظمة والقوى الغربية لا تأبه بالكلام.
أما الأجسامُ الليبراليةُ فهي لم تقدر أن تشكل قوى ضاغطة مهمة إلا في أزمنة المد الوطني الكبير السابق البعيد، أما الآن فهي تهتم بعيشها الخاص وبترحيلِ فوائض الرساميل العامة والخاصة للغرب والشرق، وظلت الدولُ المعتمدة على القطاعات العامة ونفوذ البيروقراطيين والعسكريين هي القادرة على تعبئة الناس حولها بالحق أو بالباطل، من أجل أن تقرر سياساتها كما تريد.
وهو أمرٌ يجعل هذه الدول والحركات تقوم بتفعيل الميراث الديني والقومي والأسطوري والخرافي، ولهذا نجد طوابير من البشر مثل الآلات مستعدة للموت في أي بقعة، وقد قامتْ هذه الطوابيرُ بأعمال مخيفة لتنفيذ سياسات دينية طائفية أو نضالية.
ولكن لا يعني ذلك بأن مثل هذه الأشكال صحيحة أو باقية ولكنها في لحظتنا السياسية الراهنة تلعبُ دوراً كبيراً.
وإذا أخذنا بعيِن الاعتبار بأن هذه الموجات تتشكلُ حتى من أقسام سياسية متصارعة وكيانات طائفية متناحرة، كتداخل المحور الإيراني السوري بالقاعدة وظلالها الشبحية، فإن المدى يبدو شديد الاتساع ومتنامٍ.



التداخل المحلي


وفي هذه الظروف المؤديةِ لتفاقم المحور الإيراني السوري ولبروز القاعدة والتصدي لظروف التبعية بوسائل أرهابية وسياسية مختلفة، فإن النظامَ في البحرين وهو يقوم بعمليات(الإصلاح) لم يستوعب الدروس ولم يقرأ بجدية خريطة المنطقة وأخطارها المتصاعدة.
فقد اعتبرَ (الإصلاحَ) بأنه ضربٌ للطائفة الشيعية بدرجة أولى، ويتمظهرُ ذلك بحشود كثيرة من الأدلة والحثيثات المتراكمة في خلال هذه السنوات القليلة الماضية.
أي أن تفكيك الطائفة الشيعية وخلق صراعات داخلها وشراء المنسلخين السياسيين منها واستعمالهم التكتيكي وإثرائهم، وتصعيد الهجوم على هذه الطائفة وخلق جريدة خاصة لهذا الغرض، إضافة للأصواتِ الأخرى السابقة، وخلق برامج تلفزيونية تصبُ في هذا الاتجاه وغيرها من المظاهر تثبت اتجاه السهم الحكومي الأساسي.
ونكادُ أن نقولَ بأن خلق النقابات والجمعيات السياسية الحديثة لم يكن من أجل وجودها الحقيقي الجيد الفاعل!، بل كان من أجل تحجيم المنظمات الشيعية السياسية بدرجة أساسية.
ومن هنا نجد هذا التسارعَ لشراءِ أي صوت (شيعي) مرتد أو متحول إليهم، وبذل الملايين في سبيل ذلك كما حدث لوزراء وكتاب!


أن الأجهزةَ الحكومية لا تنقضُ على المتمرد الشيعي فقط بل هي أيضاً(تنقض)على السياسي الذي يوجهُ سهامَ نقدهِ لطائفتهِ وجماعته، فيتم احتضانَهُ وتصعيدهُ بطريقةٍ مثيرة، وهو تخريبٌ مزودج، ففي داخل الطائفة تقومُ هذه التكيتكاتُ بتوسيعِ الحزازات وتشكلُ سياجاً طائفياً ضد أي انفتاح وديمقراطية فتسهمُ في تصعيد الدكتاتورية داخل الطائفة الشيعية، ومن خارج الطائفة تفسدُ هؤلاءَ المثقفين الدينيين أو اللادينيين كذلك الذين كانوا يتحسسون طريقـَهم الفقهيَّ والفكري المستقل فتم اقتناصهم ورشوتهم وتم منع تطورهم الفكري الموضوعي.
وإذا كان ذلك يدلُ على هشاشةِ هؤلاء المثقفين وضحالةِ استقلالهم، وعدمِ إنجازهِم لفكر ديني تحديثي وديمقراطي، فإنه يدل كذلك على جمود المرجعيات داخل الطائفة الشيعية وعدم مرونتها في هذه المعركة المزدوجة، لتوسيع حلفائها وجذب المفكرين والباحثين والمعارضين من القوى الأخرى ومن الطائفة الأخرى لتكون سياج وطني قوي ضد هذا التمادي في استخدام الثروة الوطنية للشر والفساد، وهو سياجٌ لا يشكله سوى وعي وطني ديمقراطي يصنعُ ويبثُ بين الناس.
فالبنية الفكرية السياسية الدينية هي ذاتها، في كلا الفريقين، ولكن في حالة الطائفة الشيعية فإنها تدافعُ عن جماعة كبيرة يُراد تذويبها في بحر التجنيس والأجانب المنهمر والإصلاح الموظف للهيمنة، والبنية الفكرية السياسية الدينية هي السلاحُ المهمُ القوي الذي تملكهُ في حين تملكُ السلطةُ كلَ أدوات التذويب والعنف بل وحتى تغيير الخريطة السكانية بمجملها.
في حين تقوم الأجهزةُ التنفيذيةُ بعرضِ سياستها الطائفية على الملأ دون أي خجل أو أحساس بالمسئولية، فهناك المشروعاتُ الحقيقيةُ أو المزعومة التي تتدفق على المحرق وكأن (المسئولين) يمضون إلى دولة أخرى، في حين يتجاهلون المناطق القروية الكبيرة الفقيرة وحاجاتها كالمدينة السكنية الشمالية التي مضت سنوات عديدة دون بناء شيء فيها، وكل هذا من أجل إذكاء الحقد عند الطرف الوطني الآخر، فأية سياسة طفولية هذه؟! وكذلك اهمال الأحياء الشعبية في المنامة كالمخارقة والحمام والحورة التي تحولت إلى ما يشبه المقابر والمناطق المحاصرة!


وهكذا فإن الشعارات التي تطرحها السلطةُ عن الوطنِ الواحد والشعبِ الواحد هي كلامٌ فارغٌ بامتياز.
ففي محاولاتهم لخلط الأوراق والنأي بأنفسهم عما هم فيه من طائفية فاقعة ومن إستغلال أسطوري لموارد الشعب والبلد، يوجهون تهمة الطائفية للجماعات الدينية السياسية الشيعية فقط، ليس لشيء سوى أنها تمثل ثقل المعارضة الكبير والمتماسك خلافاً لبقية القوى والقادر على فعل شيء في هذا الزمن الطائفي بامتياز، ولو كانت هذه القوى الدينية الشيعية تقفُ مع الحكم في محاربةِ قوىً أخرى لبدلوا رأيهم فيها، كما فعلوا قبل عقود حين تم استخدامها ضد الوعي التقدمي، فمقياسهم هو في مدى تحول المواطنين إلى خدم وليس المقياس هو وطنيتهم ومنقابهم الأخلاقية والسياسية!
ونحن إذ نرفضُ الطائفية عند كلا الفريقين المتعاركين طويلاً جداً، والذين مروضوا المجتمع بأمراضهم، نذهل أشد الذهول حين تطرح الجماعة السياسية والإعلامية الصانعة للطائفية بأنها وطنية!
لقد تشكلت الطواقمُ الحاكمة الارستقراطية القبلية عبر التسلط على الموارد على مدى قرنين مديدين فتكاد أن تكون الطبقة شبه الوحيدة في هذا العصر التي قامت بمثل هذا الاحتكار في هذا المدى الزمني الطويل حتى بخلاف عائلة آل صباح التي لم تقم على مثل هذا التجبر، وهم يضعون شعار (السنة) الفضفاض الخادع من أجل أن يفرقوا الشعب.
واستطاعت هذه الارستقراطية أن تفرق بين الناس فعلاً وتكرس الطائفية بشكلها المتعالي المتخلف، وجعلت من الموارد العامة وأغلبية الوظائف، خاصة في الأجهزة العسكرية والسياسية، لها وللمقربين منها.
وهناك (ثقافة) بث طائفي خاصة، وأجهزة حكومية سرية مخصصة في نشر هذه القذارة وخلق التشويش والمعارك بين الشعب الواحد، وعملاؤها موجودون في كلا الجسمين الاجتماعيين من أجل خلق هذا الصراع المحموم!


فإذن لا تحدثونا عن الدولة(الوطنية)وعن الثقافة(الوطنية) ولاعن شعارتكم لمحاربة الطائفية، فأنتم مؤسسو الطائفية ومنتجوها والمرجون لها، وإذا هي لم تكن موجودة فأنتم راحلون مع رحيلها، واذا زالت طارت المليارات التي تسرقونها من موارد الطائفتين اللتين يجب أن تبقيا دائماً متصارعتين.
وتبلغ الأمورُ الغريبةُ حداً كبيراً حتى إنه لم يعد الأمر إزالة الطائفة الشيعية بل إزالة الطائفة السنية كذلك، فهناك إغراقٌ للبلد بالأجانب من كل حدب وصوب، فلم يشهد أي مجتمع في التاريخ المعاصر شرقاً وغرباً مثل هذه الحملة الرهيبة على شعب صغير وإغراقه بكل الجنسيات، وتدمير عاصمته(المنامة) وتحويلها إلى ماخور وأسطبلات بشرية، حتى محيت أحياء وظلت أحياء المواطنين الفقراء خرابات!
هل هي مذمة للشيعة أنهم تماسكوا وتضامنوا واتحدوا في طوفان تذويبهم فقط لأنهم معارضون؟
إلى أين تقودنا هذه العقلية الاستئصالية؟



الداخل والخارج


واذا قرأنا الآن علاقة هذا كله ببعضه البعض، بمعنى أن ندرس نمو المحور السوري الإيراني الغزاوي اليمني المصري القاعدي، بالعمليات الاجتماعية والسياسية في البحرين فكيف سنرى الأمور؟ هل سنشهد إندراج البحرين الكبير في هذا ويكون لدينا حزب الله القوي؟
إن الآراءَ المبسطةَ تقولُ بهزيمة إيران الحتمية في المواجهة مع أمريكا وإسرائيل وهو قول غير مؤكد، بسبب أن الدولتين نفسيهما تعلنان بصراحة بأن معركتيهما محدودة ومركزة على المجال التجريبي النووي، ولا تستطيع أن تكون أبعد من ذلك.
فإيران قوة إقليمية كبيرة والجمهور الملتف حولها والقوى الشعبية المسلحة التي تملكها كبيرة، ولا تستطيع المعارضة الإيرانية وكراهية الشعب لحكم رجال الدين أن تصلا إلى شيء مهم من هذه القوة.
كما أن التورطات الأمريكية في المنطقة جعلت قدميها عالقتين في مستنقعين كبيرين لا قرار لهما، كما أن هذه الدول المشرقية الدينية (المتخلفة) طالما غلبتْ غزاةً أقوى منها وأشد علماً و(حضارة).
وهكذا فإننا يمكن أن نرى الصورة معاكسة فماذا لو تغلبت إيران على القوة الأمريكية؟ ماذا سيحدث؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة في مثل ذلك؟
ربما يُعتبر هذا الكلام مثل شطح الخيال، لكن لا شيء يمنع تحققه.


إن ما يمنع من الهجوم النووي على إيران هو حصولها على القنابل النووية، فيغدو السلاح النووي خارج المعركة. والسلاح النووي هو سلاحٌ حيادي أكثر منه حقيقي، فإيران لا تستطيع استعماله فإذا استعملته حكمت على نفسها بالزوال لكنه يبقى لها بمثابة سلاح ردع. وهذا هو تفكير المجموعات الحاكمة في حين أننا نرى إن المنطقة بحاجة لنزع السلاح النووي من جميع الأطراف.

فلا تبقى إذن سوى القوى البشرية المقاتلة ومدى صلابتها وتضحياتها.


ونحن نعرف طبيعة القوى الأمريكية وكيف تفر من كثرة الضربات البشرية عليها، في حين إن القوى الخليجية العربية العسكرية وصلابتها القتالية هي أمورٌ لم تجُربْ وقد فشلتْ في حروب لم تقع أصلاً وقد كرست هذه القوى للقمع الداخلي ولهدر الميزانيات، خاصة في البحرين التي تعددت فيها القوى العسكرية المختلفة مستنـزفة الموارد كذلك.
وهكذا فإن مصيراً قاتماً يواجه الأنظمة الخليجية في تبعيتها للسياسة الأمريكية، وخاصة النظام (البحريني) الذي شذ حتى عن الأنظمة الخليجية نفسها في تذويب الشعب وإحلال جيوش العمالة الأجنبية محل المواطنين وقام بإفقاره وإذلاله.
أما في وقت هذا السلام الهش الراهن الذي نرجو أن يدوم ويتدعم بإجراءات سلام فعلية وأن يحدث حوار بين حكومة الولايات المتحدة وإيران، فإن الحوارات بين الدول المتنفذة والتحولات السياسية الحالية لا لا تبشر بسلام وخير.
هناك صدام على مستوى إقليمي وعلى مستوى وطني، فسياسة الحكومة الأمريكية الراهنة هي الصدام مع إيران وتغيير الوضع فيها، وهذا ما يمثل سياسة النظام في البحرين، ولكن هنا يجري على شكل تفتيت مبرمج للشيعة كما أوضحنا سابقاً، ونظراً لهدف المشروع الأمريكي بضرب تجربة إيران تجري عمليات أصغر في البلدان الأخرى التي فيها الطائفة الشيعية فيجري تحييدها وتغييرها بحيث تتم عمليات سيطرة مجزأة ولكن متكاملة على المستوى الإقليمي.
إن قدرة الطوائف على حشد المجموعات الكبيرة ودفعها في الصراع هو ما يثير قلق الدوائر الأمريكية والعربية المحافظة، وهذا الحشد يكبرُ ويتصاعد متجهاً للأدوات العسكرية.
ويقدم النظامُ في البحرين مادةً جديرةً بالدرس في هذا الجانب، فقد عارض انخراط أفراد الطائفة الشيعية في التشكيلات العسكرية الكثيرة:قوة دفاع، وحرس وطني، وشرطة، وقوات شغب وقوة نواطير. وهذا المنع يصيبُ الشبابَ الريفيَّ بدرجةٍ خاصة، فإمكانيات التعليم وحياة الفقر لم تسمح بمهن متطورة، مثل ابناء السنة الفقراء في المدن، وقد أدى رفض إلحاق شباب الشيعة في المجموعات العسكرية إلى انخراطهم الكبير في المعارضة. خاصة مع سياسة التجنيس وإعطاء المجندين المهاجرين العرب والباكستانيين امتيازات عديدة تمثل استفزازاً للمشاعر الوطنية وتهييحاً اجتماعياً أحمق، ولا يجد الشباب الشيعي مجالاً إلا في المخابرات حيث يتحولون إلى عدو يومي لأبناء شعبهم.
ومع اشتداد الأزمة السياسية وبقاء قوى الفساد في الحكم واستمرار سياسة التذويب وفشل الحقن الاجتماعية والاقتصادية المنشطة للهيكل الشعبي البحريني المصاب بأنيميا الفقر والبطالة، والتي تعبر عن بقاء مؤسسة الفساد الوزاري في حين تمثل الحقن سياسة القصر، فإن عملية الإصلاح التي تجري في مستشفى الجنون السياسي هذا، جرت كتخدير مؤقت لحين تقومُ السياسة الأمريكية بتنفيذ ضربتها تجاه إيران، مثلما لها أهداف أخرى عديدة.
وهكذا فإن السياسة الأمريكية الإصلاحية تعطي القوى الشعبية إمكانيات تكتيكية محدودة بعيدة عن الهيكل العظمي للنظام، كما أن النظام استغل ما يجري للحصول على أرباح كبيرة مالية لأقطابه ومن أجل تدفق الرساميل التي يقتطع منها باعتباره إقطاعاً سياسياً.
وهذه السياسة تُنفذ في السعودية على شكل بطئ وعلى مراحل، وقد جُعلت البحرين كمختبر لدول المنطقة الخليجية من أجل تطبيق نظام السيطرة العالمي – الإقليمي. 
وهذه(الإصلاحات) الأمريكية المرتبطة بمنطقة الدولار ومشكلاته وبنـزول القوة الأمريكية عالمياً، وبالاعتماد على سياسة القوة والقواعد والحكومات المحافظة المبهرجة بشيء من المكياج الديمقراطي، من شأنها تفاقم المشكلات على الجمهور خاصة الشيعي منه، فتؤدي إلى زيادة فاعلياته وحركاته ضدها، ويؤدي أبعاده عن الحياة العسكرية إلى تحوله إلى عسكر شعبي، فيقومُ بابتكارِ أسلحته الخفيفة. وليست (قضية المولوتوف) سوى بداية الغيث الحارق.

 
لقد جاء البناءُ التحوليُّ بدون أسس تغيير جادة بعيدة المدى وأقيمَ فوق سياسةٍ طائفية ارستقراطية متعالية مانحة بأبوية، فلم يصل إلى جذور الفساد والطائفية، ومثلَّ بشكلٍ موضوعي تكتيكاً أمريكياً للتهدئة ولفصم الحلقات الشيعية والدينية المختلفة تمهيداً للسيطرة على المركز في إيران.
أي أن المستوردين البحرينيين الحكوميين للخطة الأمريكية لم تكن لديهم القدرة على صناعة دولة وطنية. وهذا أمر سوف تستفيد منه الحكومةُ الإيرانية عبر استثمار هذه التناقضات وتصعيدها في أي لحظة هجومية أمريكية أو إسرائيلية، وقد يصل جنون التاريخ إلى احتلال إيراني لبعض مناطق الخليج والجزيرة العربية، بحكم القوى السكانية الحربية الكبيرة، كما أن السعودية مقبلة على تفكك وتصاعد قوى القاعدة وانفصام نجد واستقلال الإقليمين الآخرين هو أمرٌ وارد. ولا نستبعد حرباً جديدة تحشد لها أمريكا وتهدر مليارات أخرى من ميزانيات المنطقة بعد فترة من تعملق المحور الديني القومي.


إن العام في التكون السياسي العربي الراهن هو تصاعد القوى الدينية المحافظة وهذا التصاعد له آثاره السياسية، وخاصة بالقرب من الصفيحتين القاريتين السنية والشيعية في الجزيرة العربية وإيران، ويمكن أن تكون هناك أيضاً تبعاً لهذا علاقة بين إيران والقاعدة من أجل تقاسم الدويلات والنفوذ في بركان التحول القادم.
إن قدرة الدول الغربية على تحطيم هذه الموجة الكبيرة تبدو ضعيفة كما يجري في النموذج الأفغاني الذي سيكون له دور التصعيد في هذا السيناريو الجهنمي. فماذا تمثل أفغانستان بالنسبة لإيران؟
يُفترض عبر قراءة هذه الاحتمالات أن تتجه الحكومة في البحرين إلى تغييرات جذرية حقيقية، وإلى إصلاح فعلي وليس إلى تكتيكات سياسية ومراضاة لقوى الفساد والتسلط الفردي والقبلي، ووقف سياسة التجنيس وغمر البلد بالفيض السكاني العالمي وتقزيم المجلس المنتخب الخ..
بطبيعة الحال إنني لا أرى إمكانية ذلك وسوف تتصاعد قوى المواجهة كما تتصاعد في بقية المنطقة إلى أن تأتي لحظات الصراع الخطيرة، فلا أحد من المتسلطين يتعظ حتى تأتي ساعته.

اقرأ المزيد

جروح نازفة‮..!‬


 
أرجو أن يؤذن لنا في الإلحاح بدعوة أصحاب السعادة النواب إلى أن يكون تعاملهم القريب مع تقرير ديوان الرقابة المالية تعاملاً مسؤولاً له قيمة، وله اعتبار، وله معنى، وله صداه، وله نتيجة.
وأياً كان تقييمنا، ومهما كان قدر إحباطنا من الملابسات والأجواء التي أحاطت بتناول النواب في الفصل التشريعي السابق مع التقارير الثلاثة التي أصدرها ديوان الرقابة المالية، فإن الثابت والمعلوم أن أسوأ ما في ذلك التناول أنه تحول إلى قضية للمزايدة، والإثارة، ولكثير من التجاذبات والمناورات والحسابات التي جعلت بالنهاية النتيجة غير محمودة، وغير معتبرة.
لا نريد أن نرجع في هذا الشأن إلى وقائع يعرفها الجميع أشاعت بين الناس درجات متفاوتة من الحيرة والدهشة، وبوسع المرء أن يستخرج من أرشيف أي جريدة ما لا حصر له من هذه الوقائع التي تبين أن تلك التقارير لم تؤخذ على محمل الجد، ولا نبغي الآن أن نوجه اللوم إلى النواب الذين لم ينهضوا بمسؤولياتهم ولم يفعّلوا دورهم الرقابي الحقيقي على النحو المرجو، خاصة إزاء التوقعات المعروفة سلفاً، وإنما كل الذي نريده الآن أن يكون النواب في المرة المقبلة في مستوى المسؤولية وفي مستوى التوقعات.
إن تقرير ديوان الرقابة المالية للسنة المالية 2005 والحساب الختامي للدولة عن السنة المالية نفسها الذي سيكون على جدول أعمال الجلسات المقبلة لمجلس النواب الذي ينتظر أن يعقبه لاحقاً مناقشة تقرير عام 2006 والحساب الختامي عن هذه السنة، هذا التقرير أو ذاك، وتقارير الديوان بشكل عام، هي جزء من دور الديوان في الرقابة على الأموال العامة والتحقق من سلامة هذه الأموال ومشروعيتها وحسن إدارتها على جميع الوزارات والجهات التي ترد حساباتها ضمن الحساب الختامي الموحد للدولة، الذي نرى بأن الهدف المفترض من تقديمه الى النواب هو تمكينهم من ممارسة دورهم الرقابي على أموال الدولة، وأنه في حال التأخير يجعل هذه الدورة بلا قيمة من الناحيتين الاقتصادية والمالية، وهذا موضوع آخر لا بد من التنبه له ومعالجته إذا كنا جادين فعلاً في تفعيل هذا الدور الرقابي للنواب.
في كل الأحوال يبقى التقرير الجديد القديم في الحدود المتاحة الآن على الأقل بمثابة امتحان جديد للنواب الذين عليهم أن يؤكدوا على جديتهم وأن يثبتوا بأنهم لن يتخلوا عملياً عن أمانة المسؤولية في التعامل مع هذا التقرير، ولن يفرطوا في دورهم في الرقابة والمساءلة، وبأن أداءهم لن يغلب عليه هذه المرة الطابع الكاريكاتوري، ولن يجرونا إلى طرائق ودروب ملتوية لا فائدة منها وفي أحسن الأحوال لا تثمر سوى وهم بالإنجاز.
لن نذهب بعيداً في الطموح، وأن نعلل النفس بأن النواب سيقومون بمجهود جدي هذه المرة في التعامل مع التقرير لن يقف بنا عند حصيلة متشائمة، وذلك لحين موعد الامتحان الذي سيكون عسيراً على النواب.. كل النواب، وحتى ذلك الموعد سيكون وارداً في الحسبان بأن ثمة قراءتين في شأن التقرير، بل وفي كل تقارير ديوان الرقابة المالية السابقة واللاحقة، قراءة إيجابية ترى في هذه التقارير فرصة للنواب لاستخدام إحدى أدوات تفعيل دورهم الرقابي في الحدود المتاحة حتى الآن للتحقق من سلامة استخدام المال العام ومشروعيته وحسن إدارته وسد الثغرات التي تستغل في ارتكاب المخالفات وتفشي مظاهر الخلل والانحراف والفساد.
أما القراءة المتشائمة فهي ترى في هذه التقارير بأنها من النوع الذي يمكن أن يقال عنها إن فيها كل شيء وليس فيها أي شيء، أو إنها في أحسن الأحوال لا تطمئن أحداً ولا تقلق أحداً، خاصة إذا كان التعامل مع هذه التقارير على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء أبسط ما يقال عنه إنه بلا لون ولا طعم، وإن مضامين هذه التقارير لم تكن في يوم من الأيام منطلقاً لأي اتجاه أو لأي إجراء ملموس؛ فالسلطة التنفيذية لم تتعامل بالجدية الكافية مع هذه المضامين، والوزارات المعنية كل ردودها تبريرية تصر فيها بأن الجروح النازفة من المخالفات والتجاوزات والخروقات المالية والإدارية الصريحة والواضحة، ما هي إلا مجرد ملاحظات ستخضع للدراسة والتقييم والمعالجة، الأمر الذي يجعل كثيرا من التجاوزات تتكرر في كل تقرير، والمؤسف جداً أننا لم نسمع أن أحداً حمّل مسؤولية أي تجاوز، أو أن مخالفاً خضع للمحاسبة، أو أن فاسداً قدم للعدالة، أو أن أنظمة رقابية داخلية جديدة أكثر فاعلية على إدارة العمليات المالية قد فرضت، أو أن تدابير اتخذت لمواجهة أي مخالفات، بل إن التقرير الجديد القديم يشير صراحة إلى تكرار العديد من الملاحظات والمخالفات الصريحة التي وردت ضمن تقرير ديوان الرقابة المالية لعام 2004، والأدهى أنه يؤكد أن ليس هناك مؤشرات على أي تحرك من الوزارات والجهات المعنية في معالجتها.
نعلم أن كل تقرير من تقارير ديوان الرقابة المالية يكشف عن كثير من التجاوزات والانتهاكات سواء مالية أو ادارية، ويطرح ملاحظات جوهرية على الحسابات الختامية للوزارات والجهات الحكومية، منها تلكؤ العديد من هذه الوزارات والجهات في التحضير للبيانات اللازمة لإعداد الحسابات الختامية المدققة وعدم تقديمها لوزارة المالية في الموعد المحدد خلافاً لما نص عليه قانون الميزانية العامة للدولة، وعدم الالتزام بالمعايير والأسس والسياسات المحاسبية التي تغطي كل جوانب الأنشطة المالية وبطريقة تضمن إفصاح أشمل للبيانات المالية الحكومية، بل إن التقرير يطالب وزارة المالية باعتبارها معنية بوضع المعايير المحاسبية وهي التي تشرف على الحسابات الحكومية، وهي التي تملك الحسابات الحكومية، وهي التي تصدر التقارير المالية، يطالبها بمشاركة جهات أخرى في وضع المعايير والأسس المحاسبية لكي لا تكون الوزارة هي من يضع المعايير للحسابات الحكومية وهي من يمسك الحسابات وهي من يشرف على التنفيذ.
إن التقرير يشير في ثناياه إلى مخالفات صريحة للوائح والنظم المالية والمحاسبية وفي أسلوب العمليات في وزارات عديدة، وفي هيئتي التأمينات والتقاعد، وفي شركتي “ألبا” و”بابكو”، ويؤكد التقرير على مدى اهتمام ديوان الرقابة المالية بهاتين الشركتين بسبب كبر حجم استثمارات الدولة في كل منهما والدور الاقتصادي والاجتماعي لهما.
وإذا كانت بعض الجهات الوارد ذكرها في التقرير سوف تستنفر طاقتها في تفنيد ما جاء بشأنها وإنكار الحقائق المتصلة بسير العمل بها، فقد ألفنا ذلك كرد فعل على كل تقرير خلال تسليط الضوء على كل تقرير.
 وسوف يتكرر السيناريو، وتتكرر التبريرات، وتستمر المخالفات والتجاوزات وسيبقى الحال على ما هو عليه رغم اليافطات التي رفعت والعناوين التي نشرت، والتصريحات التي بشرتنا بسياسات وضوابط وإجراءات للمحافظة على المال العام، وأن هناك محاسبة سوف تأخذ طريقها العادل حيال كل مقصر أو مهمل أو مخطئ أو فاسد، وإن كنا على قناعة بأن تقارير ديوان الرقابة المالية هي في نهاية المطاف لا تبين إلا بعض جوانب التردي في واقعنا، لأن المخفي والمسكوت عنه أكبر وأعمق من هذا الذي ظهر وبان، فإن المطلوب الآن إصلاح إداري ومالي وإعطاء ديوان الرقابة المالية المزيد من الصلاحيات التي تجعله قادراً على تقديم المخالفين والفاسدين للعدالة، أما نوابنا فكل المرجو منهم أن لا ينتقلوا في التعاطي مع التقرير من السيئ إلى الأسوأ..!
 
الأيام 16 مايو 2008

اقرأ المزيد

مأزق مجلس النواب


الطريقة التي دارت بها، واليها انتهت، الجلسة الأخيرة لمجلس النواب في دور الانعقاد الثاني، لخصت، في أبلغ الصور وأكثرها تعبيراً مأزق هذا المجلس، وهو مأزق آيل إلى التفاقم لا إلى الانفراج.
كل ما دار في هذه الجلسة يدل على أن لا شيئا يرتجى من مجلسٍ بهذا التكوين، ويمكن الذهاب بهذا التأكيد حتى أقصاه، فنقول أن مثل هذا التكوين أُريد لهذا المجلس، كي يصبح مجلساً لا يرتجى منه أمر.
أوجه مأزق المجلس كثيرة، أكثر من أن تُحيط بها عجالة مثل هذه، ولأن في الإعادة إفادة كما يُقال، فلنبدأ بانتقاص صلاحيات المجلس، لا بحكم النصوص الدستورية وحدها، وإنما أيضاً بحكم اللائحة الداخلية التي فُرضت فرضاً على المجلس من قبل السلطة التنفيذية.
ومن بين الثغرات الكثيرة للائحة الداخلية أنها حصرت استجواب الوزراء في إطار اللجان المختصة، والمجلس الذي لم ينتفض مرة واحدة دفاعاً عن الحق في أن يكون هذا الاستجواب في جلسة عامة من جلساته بأن يغير من نص لائحته الداخلية بهذا الخصوص، أراد أن يتجاوز هذا النص،قبل تغييره، بأن تصرف على خلاف ما ينص عليه بإدانة الوزير منصور بن رجب في جلسة الثلاثاء الماضية، ناقضاً ما انتهت إليه اللجنة المختصة بعدم إدانة الوزير.
لم تأت هذه ” النخوة” الطارئة من باب حرص النواب الذين خرقوا نص اللائحة الداخلية على مقارعة الفساد، ممثلا في هذه الحالة في شخص الوزير المعني، وإنما من باب استعراض الفزعة الطائفية المقيتة، كأن للفساد مذهب أو طائفة.
ستستنفر هذه الفزعة الطائفية فزعة طائفية أخرى، والفزعات الطائفية هي من معدنٍ واحد في كل الأحوال، حين يكون باعثها حس طائفي يريد أصحابه أن يظهروا لجمهورهم المسكين أنهم ينتصرون لمصالح الطائفة، السنية منها أو الشيعية، تبعاً للموقع الذي ينطلق منه المعنيون.
 جلسة مجلس النواب الأخيرة، التي استحقت بجدارة وصف “مسك الختام”، ولكن في دلالة معكوسة، ساخرة، كانت بامتياز جلسة تشفي نواب الطوائف من بعضهم بعضاً، في تجلٍ نموذجي للمصيدة التي قُيد إليها هذا المجلس، حين صُمم توزيع المقاعد فيه وفق القسمة المذهبية، وأسندت للبعض من النواب أدوار استثارة النعرات الطائفية فيه، ليغرق المجلس في متاهة هذه التجاذبات المُدمرة.
أما القضايا الحيوية التي تعني المواطن ومستقبل الإصلاح في هذا الوطن فهي مركونة جانباً، وليس أدل على ذلك من أن الحد الأدنى من التعديلات الدستورية التي يفترض أن الكتل توافقت عليها، رُكنت في جلسة المجلس الأخيرة جانباً، فيما القوم منصرفون لمعارك التشفي المذهبي.
سيذهب النواب إلى إجازتهم الطويلة، ولعل لسان المواطن البسيط يقول غيابهم كحضورهم سواء.
أُسدل ستار المسرح منذ يومين، انتظروا استئناف العرض بعد نحو خمسة شهور يكون فيها المتبارون قد استجمعوا قواهم ليعودوا للعراك المذهبي بحماسٍ أشد
.

اقرأ المزيد

تسونامي الرغيف هذه المرة


 


إنها الحنطة التي صنعت تقاليد الحضارة فنونها وكتاباتها، أغاني أعراسها، دبكات فلاحيها، وأعياد القرى الخيرة التي تفوح روائح خبزها مع شروق الشمس وغروبها كل مساء… وهي أيضا صانعة حروبها الأولى وطقوسها وقوانين القوة فيها وشروط التفوق الأولى على أرضها منذ تفاتيح البذرة الإنسانية البكر ذات فجر موغل.

وهي ذاتها التي تطل الآن من مشهد نوستالجيا البيادر الى أزقة الفقر وأحزمته ومدنه العشوائية المتزايدة إلى حد الانفجار… فعلى مشارف أسوار منازلنا التي تضيق مساء تلو آخر اليوم، هناك مئة مليون شخص جديد يزلقون بسرعة إلى ما تحت أعماق الفقر وصخوره القاتلة كنتيجة لهذه الأزمة الحادة.

التاريخ يشهد وللمرة الأولى ارتفاعا جنونيا في أسعار قوته التي جاءت على كل شيء، وبالذات سلعه الرئيسية لحوالي 40%… فقمحه الذي يصنع ليس فقط رغيف العالم بل خط دفاعه الرئيسي ضد الجوع بمعانيه المباشرة والضمنية … فتحت أية شريعة ترتفع أسعاره لأكثر من120% خلال السنة الماضية و181% خلال السنوات الثلاث السابقة.

الأمر ليس قاصرا على قارات القمح وشعوب الخبز التاريخية، فلم تسلم شعوب الأرز من ارتفاع رغيفها بمعدل 74% والحنطة بمعدل 130% والحليب ومشتقاته بمعدل 80%… فيما شهدت السنوات الثلاث الماضية ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية عموم بمعدل 83% حسب البنك الدولي.

الأخطر أن أكثر من 33 دولة تنفق على الغذاء من 50-75% قد بدأت تشهد هزات اجتماعية وأمنية كاسحة وأن طوابير الملايين الجديدة من جياع العالم سوف تأكل منجزات العالم أجمع في لحظة جوع متفردة في كمها وكيفيها الإنساني.

المسألة تتعدى الآثار المباشرة لتراجع المقومات الغذائية لمعظم سكان الأرض وانعدامه لعشرات الملايين الأخرى، بل أن متلازمة الجهل والمرض ستتسع كحفرة غائرة سينزلق العالم بأسره إلى مستنقعها، ليسحق بملايين الأسر إلى جهنم معيشية جديدة، وليقذف بملايين الأطفال الجدد نحو الشوارع وأزقة العصابات والجريمة المبكرة، وبيع الأطراف والتحول إلى الدروع البشرية الأولى لمجرمي تجارة الأطفال والسلاح والمخدرات.

وسواء كان البترول الفلكي الأسعار هو المتسبب، أم تحويل الكثير من غذاء العالم إلى وقود، أم تزايد حجم الثقافة الغذائية اللاحمة وتزايد الطلب على الحيوانات التي تنافس البشر على الحنطة. ويحتاج إنتاج الكيلو غرام الواحد من لحومها إلى إبادة 70 كيلو جراماً من الأعلاف والحبوب.

ام تنامي اقتصاديات أكبر مستودعين لبشر العالم “الهند والصين” واتهامهما بإحداث الخلل الفظيع في أسعار الغذاء كنتيجة لتزايد استهلاك شعوبها المليارية للغذاء بسبب تحسن أوضاعها.

مهما كانت الأسباب فإن الجوع لن يأبه بكافة الأسباب المنطقية والتحليلات المختلفة، ولن يقف دقيقة صمت ليسمع خطبنا وتقاريرنا، بل سيرى العالم وجها جديدا لم يعرفه من قبل، وسيأخذنا جميعا مخفورين إلى غياهب ألم لا تصدق.



* كاتبة أردنية
 

اقرأ المزيد