المنشور

حال الخدمات الصحية العربية (2 ــ 4)


لعل من الدول العربية القريبة منا التي نجحت في تبني نظام للتأمين الصحي العام المتطور دولة الإمارات، وتفيد الأنباء الأخيرة حيث من المتوقع ان يصل عدد المسجلين في الشركة الوطنية للتأمين “ضمان” أكثر من مليون نسمة في أبوظبي وحدها. وتقوم هذه الشركة بتسديد 70 مليون درهم شهريا الى المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة نظير علاج حاملي وثائق التأمين الصحي الصادرة عن شركة “ضمان”، ويحدد الاشتراك الشهري طبقاً لمستويات مرتبات الموظفين، وبعد ان تم تطبيق النظام بشكل تجريبي وناجح في المرحلة الراهنة فمن المتوقع الدخول في المرحلة الأخيرة لتطبيق النظام بشكل الزامي.
لا تتوافر بين أيدينا بطبيعة الحال المعلومات المفصلة حول مزايا أنظمة التأمين الصحي العام المطبقة في بعض البلاد العربية كما في الإمارات وكما تزمع مصر تجريب نظام جديد نموذجي من أنظمة التأمين الصحي. لكن وبغض النظر عن مزايا وسلبيات كل نظام فإننا نعتقد أنه حري ان نتدارس على صعيدنا المحلي البحريني الفكرة تمهيداً لتبني نظام صحي جديد يلائم خصائص وظروف مجتمعنا، وعلى الأخص من حيث اقتصادنا وأوضاع ومستويات الغالبية العظمى من فئات شعبنا المعيشية.
ولربما ساهم نظام جديد كهذا على الأرجح في تخفيف الوضع المأساوي الكارثي الذي تشهده خدماتنا الصحية التي هي الآن على حافة الانهيار الشامل بفعل عوامل عديدة متشابكة في مقدمتها الضغوط المتزايدة بفعل زيادة السكان وزيادة أعداد الممنوحين الجنسية البحرينية على هذه الخدمات، في مقابل بقاء هذه الخدمات على حالها من حيث أحجامها الاستيعابية ومن حيث مستوى تطورها تقريبا، وذلك منذ نشأة مؤسسات الخدمات الصحية منذ نحو سبعة عقود اللهم الزيادات الطفيفة في أعداد هذه المؤسسات وفي تطورها بما في ذلك أعداد الأطباء وهي زيادات لا تتفق على أي حال مع الطفرات السكانية المتتابعة، ناهيك عن ان أغلبها محصورة في المراكز الصحية الصغيرة لا في اعداد المستشفيات بشتى أنواعها وتخصصاتها.
ولعل من مظاهر هذا الوضع الكارثي في الخدمات الصحية الذي ينذر بالانهيار والذي برزت محاولات برلمانية خجولة وغير جادة لمواجهته مافيات الفساد المستفيدة من وضع تداخل وتشابك الطب الخاص مع الطب العام على وجه الخصوص والتي يدخل في عدادها أيضا التلاعب في صرف الأدوية بمختلف أشكاله سواء من خلال حصول أعداد كبيرة هائلة من “المواطنين” على أدوية دونما حاجة إلى ذلك وقيام أعداد هائلة منهم ببيع كميات هائلة في مواطنهم الأصلية العربية، أم من حيث اختفاء العديد من الأدوية المهمة بل الاعتيادية بسبب ليس ذلك النزيف في ضبط النزيف والذي تشهده صيدليات المؤسسات الصحية العامة فحسب، بل تعمد الأطباء والمسئولين النافذين عدم استيراد الكثير من الأدوية المهمة الغالية الثمن كوسيلة لاحتكارها وترويجها في السوق المحلية والتي لا يقدر على دفع أثمانها سوى الطبقات الميسورة.
وبسبب هذا الوضع المتردي للخدمات الصحية من جراء الفساد المزدوج الإداري والتجاري الصحي داخل المؤسسات العامة الصحية نفسها تدنى مستوى الخدمات الصحية داخل هذه المؤسسات نفسها وازدادت الأخطاء الطبية على نحو غير مسبوق والتي يذهب ضحاياها العديد من المرضى المواطنين والمقيمين، في مقابل عدم وجود اعتراف بهذه الأخطاء والتقليل من شأنها من قبل الإدارة الصحية، وبخاصة في ظل تواطؤ أطباء نافذين يفترض فيهم الدفاع عن حقوق الأطباء والمرضى معاً مع الإدارة في تبرير هذه الأخطاء والتهوين من شأنها حتى سمعنا بعضهم يرفض النعت الذي أطلقه الزميل النائب عبدالله الدوسري على أكبر هذه المؤسسات وأقدمها بـ “المقصب” وكأن لو لم يصفه بهذا الوصف على بشاعته يغير من حقيقة الوضع المأساوي الكارثي الذي تشهده الخدمات الصحية في هذه المؤسسة الصحية الكبرى التي تعالج الغالبية الساحقة من مواطني البلاد والوافدين والمقيمين فيها وهي تنوء عن حمل الجبال، حتى انه آن الأوان لتكريم مصاعدها الشحيحة المتقادمة المتهالكة.
ومن مظاهر التلاعب في صرف الأدوية والتجارة فيها أيضا ضلوع أطباء عديدين في كتابة روشتات أدوية بعينها لأغراض ترويجية تسويقية يتقاضون اتاوات عليها من شركات الأدوية ووكلائها وهي قضية سبق ان تناولتها صحافتنا المحلية، أو قيام أكثر العيادات الخاصة بتجزئة العلاج على مراحل متعددة لغرض استنزاف المريض ماليا من خلال رسوم دخوله المتكرر على هذه العيادات، ناهيك عن استنزافه بالأدوية والعلاجات كالعمليات الجراحية المختلفة التي لا ضرورة لها، وكل ذلك يجري بالطبع في ظل غياب سلطة رقابية صحية صارمة على مؤسسات الطب الخاص نظراً لأن القائمين على أكثر هذه المؤسسات هم أنفسهم أو أقاربهم من إداريي وأطباء المؤسسات الصحية العامة.
وإذا كانت دولة متقدمة مثل نيوزيلندا يقر تقرير رسمي صدر عنها هذا العام أن الأخطاء الطبية أدت الى مقتل 40 مريضا وإصابة 142 مريضا بأمراض أخرى من جراء تلك الأخطاء خلال عام واحد وفي هذه الدولة التي تمتلك مثل هذه الشفافية يتمتع مواطنوها بحقوق للتقاضي والتعويض فهل يعقل أن خدماتنا الصحية أكثر تطوراً من نيوزيلندا؟ مهما يكن فإننا نعتقد أنه آن الأوان وبصورة سريعة ملحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لانتشال خدماتنا الصحية العامة من حافة الانهيار العمل على: أولا: فصل تداخل وتشابك الطب العام عن الطب الخاص بكل صوره وأشكاله ولنا في الأردن وربما دول عربية أخرى عديدة قدوة في ذلك، فالأردن كما صرح مسئول صحي كبير زار البلاد منذ بضعة شهور بأن الطبيب يخير إما العمل في الطب الخاص وإما في الطب العام وعدم الجمع بين الاثنين بأي صورة من الصور. ثانيا: التوسع في إنشاء المراكز والمستشفيات الحكومية الكبرى وزيادة أعداد الأطباء والممرضين. ثالثا: إيجاد مؤسسات رقابية فاعلة داخل الإدارة العامة الصحية لضبط صرف الدواء ومتابعة مستويات العلاج وأداء الأطباء وتشجيع الكفوئين ومنحهم الحوافز على نحو نزيه شفاف ومحايد. رابعا: دراسة وضع مشروع للنظام الصحي العام للمساهمة في ضبط وتطوير الخدمات الصحية التي من شأنها أن يستفيد منها جميع المواطنين والمقيمين بمختلف فئاتهم طبقاً لخصائص وظروف البلاد الاجتماعية.
 
صحيفة اخبار الخليج
11 مايو 2008

اقرأ المزيد

درس من الفساد الإسرائيلي


سيتبارى المتبارون من‮ “‬عتاولة‮” ‬السياسيين والكتاب العرب في‮ ‬هجاء إسرائيل من بوابة القضية المرفوعة ضد رئيس الحكومة أولمرت لتورطه في‮ ‬قضية فساد تتصل بتمويل حملته الانتخابية من رجل أعمال من‮ ‬يهود أمريكا‮.‬ فحوى الحملة السياسية‮ – ‬الصحافية التي‮ ‬سيشنها هؤلاء ستتركز في‮ ‬القول التالي‮: ‬انظروا كيف أن الفساد‮ ‬ينخر في‮ ‬دولة العدو،‮ ‬وكيف أن كبار السياسيين فيها،‮ ‬بمن فيهم رئيس الحكومة شخصيا‮ ‬غارق في‮ ‬الفساد حتى أذنيه،‮ ‬أو في‮ ‬تعبير آخر حتى قمة رأسه‮.‬
وسياسيو إسرائيل وقادتها‮ ‬يستحقون أكثر من هذا القول؛ بسبب السياسة العدوانية التوسعية التي ‬يتبعونها منذ تأسيس هذه الدولة التي‮ ‬قامت على مصادرة حق الشعب العربي‮ ‬الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬أرضه،‮ ‬وفي‮ ‬تقرير مصيره،‮ ‬والحيلولة دون قيام دولته الوطنية المستقلة،‮ ‬واحتلال الأراضي‮ ‬العربية الأخرى طوال أكثر من ستين عاما،‮ ‬جرت فيها مصادرة أراضٍ‮ ‬فلسطينية ومصرية وسورية ولبنانية وأردنية‮.‬
ويمكن لنا أن نتشفى في‮ ‬إسرائيل كلما وقعت في‮ ‬أزمة سياسية داخلية،‮ ‬كتلك التي‮ ‬هي‮ ‬فيها الآن،‮ ‬بسبب قضية الفساد التي‮ ‬قد تطيح بأولمرت،‮ ‬ولكن‮ ‬يظل السؤال‮: ‬وماذا بعد؟‮!‬ سواء أُطيح بأولمرت بالاستقالة أو الإقالة،‮ ‬فان دولة العدو هي‮ ‬نهاية المطاف دولة مؤسسات،‮ ‬قادرة على تدبر أمورها ولا تخشى أن تقع في‮ ‬كارثة سياسية‮.‬ فالائتلاف الحكومي‮ ‬الحالي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتدبر أمره باختيار رئيس جديد للوزراء من بين شخصياته إن أراد، ‬وإذا أخفق في‮ ‬ذلك،‮ ‬لهذا السبب أو ذاك،‮ ‬فان هناك آليات دستورية مرسومة وصارمة للدعوة لانتخابات مبكرة،‮ ‬قد تعيد بالائتلاف الحاكم إلى السلطة،‮ ‬وإذا لم تعد به،‮ ‬فان مجيء المعارضة إلى الحكم لن‮ ‬يقلب الأمور عاليها سافلها‮.
السياسات والرؤى الاستراتيجية في‮ ‬بلدٍ‮ ‬تحكمه آليات ديمقراطية لا تتغير لأن رئيس الوزراء تغير،‮ ‬أو أن حكومة ذهبت وأخرى جاءت‮.‬ ليس هذا هو الدرس الوحيد الذي‮ ‬يمكن تعلمه من دولة العدو‮.‬ هناك درس آخر أكثر أهمية‮ ‬يتصل بمسألة الموقف من الفساد‮. ‬فبوسعنا أن نتشفى من إسرائيل ما شاء لنا لأن رئيس وزرائها ملاحق بتهمة فساد،‮ ‬لكن‮ ‬يجب أن نمتلك الجرأة لنقول‮: ‬أعطونا اسم مسؤول عربي‮ ‬واحد‮ ‬يُساءل،‮ ‬لكي‮ ‬لا نقول ‬يلاحق قضائياً،‮ ‬وهو على رأس السلطة في‮ ‬قضية فساد‮.‬
لقد نفى أولمرت أن‮ ‬يكون قد أخطأ،‮ ‬وهو أمر‮ ‬يمكن أن‮ ‬يفعله أي‮ ‬متهم في‮ ‬الدنيا،‮ ‬لكنه قال انه سيستقيل عندما‮ ‬يقرر المدعي‮ ‬العام مقاضاته،‮ ‬لأنه لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يثقل المنصب الذي‮ ‬هو فيه،‮ ‬بصفته رأس الحكومة ولا‮ ‬يحرج أعضاء فريقه الحكومي‮ ‬في‮ ‬قضيةٍ‮ ‬تعنيه هو شخصياً‮.‬ عندما نبلغ‮ ‬هذا المبلغ‮ ‬الذي‮ ‬بلغته دولة العدو‮ ‬يحق لنا ساعتها أن نهجوها ما شئنا ونتشفى فيها ما طاب لنا،‮ ‬لأن لدينا ما نتباهى به أمامها وهو حكم القانون والمؤسسات‮.‬ وبيننا وبين ذلك برازخ طويلة لأننا حتى اللحظة أعجز من أن نسمي‮ ‬الفساد فساداً،‮ ‬ونتحايل على اللغة،‮ ‬كما على القانون،‮ ‬في‮ ‬قول ما‮ ‬يجب قوله‮.‬
 
صحيفة الايام
11 مايو 2008

اقرأ المزيد

الأول من مايو بمذاق بحريني

أثناء متابعتي‮ ‬لأخبار الأول من مايو وطريقة الاحتفاء به عالميا،‮ ‬فإن كل بلد وحركة عمالية لها مذاقها الخاص ونكهتها المميزة‮. ‬ففي‮ ‬الوقت الذي ‬يموت فيها العمال من رصاص الشرطة ويواجهون مصيرهم المجهول بعناوين مختلفة،‮ ‬كانت البحرين تحتفل هذا العام بنكهتها الجديدة منذ أن أصبح الأول من مايو حقا ثابتا وعطلة وطنية ورسمية في‮ ‬البلاد،‮ ‬وتمتع الناس بالتسوق والنوم العميق بل واللامبالاة في‮ ‬اغلب الأوقات،‮ ‬دون أن‮ ‬ينسوا في‮ ‬ضمائرهم وقلوبهم أنهم في‮ ‬هذا اليوم‮ ‬يتمتعون بيوم‮ ‬يخص الطبقة العاملة،‮ ‬وبأن الأول من مايو حدث عالمي‮ ‬له تاريخه وقصصه النضالية المريرة‮.‬
وسيأتي‮ ‬اليوم الذي‮ ‬يتحول فيه الأول من مايو إلى كرنفال مختلف المذاق بدلاً‮ ‬من النار والرصاص؛ فليس بالضرورة أن‮ ‬يكون العمال عنواناً ‬للعنف والشغب والمواجهات عندما‮ ‬يجدون حقوقهم ومطالبهم تم تحقيقها،‮ ‬بل وتمت بعض المنجزات التاريخية،‮ ‬فالعجلة الإنتاجية والنهضة والتنمية لا تشاد إلا على أكتاف منتجة وصادقة،‮ ‬فلماذا لا تسعد هذه الطبقة المنتجة والفاعلة في‮ ‬رفاهيتنا وتنميتنا بيوم ترقص وتغني‮ ‬فيه،‮ ‬بل وترسل برقياتها وهتافاتها للسماء ولإسماع كل من‮ ‬يسرقون الخبز من أفواه الناس،‮ ‬لمن‮ ‬يحفرون في‮ ‬ضلوع مجتمعنا الفساد والسرقات‮.  ‬كانت النكهة البحرينية حلما لم أشهده لأكثر من ثلاثين سنة أو تزيد،‮ ‬وكنت أتمنى أن أكون حاضرا بين تلك اللوحة الواقعية الجميلة من دون رتوش مصطنعة ولا أصابع سوداء مقيتة تشوهه‮. ‬في‮ ‬هذا العام من شهر مايو كانت الصدفة قضاء عطلة سياحية في‮ ‬البحرين،‮ ‬فصارت عطلتي‮ ‬عطلتين والمناسبة مناسبتين،‮ ‬الأولى حضوري‮ ‬في‮ ‬الوطن،‮ ‬والثاني‮ ‬أن زوجتي‮ ‬رغبت أن ترى الأول من مايو في‮ ‬بلد خليجي،‮ ‬وكانت البحرين تعنيها دائما ورائحتها في‮ ‬قلبها وكيانها،‮ ‬فذهبنا معاً‮ ‬للمشهد الجميل،‮ ‬وهناك رأيت أصدقاء برائحة القدم وبزيتهم وعرقهم الأقدم والجميل،‮ ‬كان التاريخ حاضرا والألم مجسدا في‮ ‬نماذج لم‮ ‬يتعبها الحلم من ملامسة قوس قزح في‮ ‬يوم مغبر احجب حموة الشمس إلا شمس الحرية المشتهاة منذ زمن الرواد الأوائل في‮ ‬أوال الوطن الذي‮ ‬لا‮ ‬يحب الجعجعة والمزايدة‮. ‬
كان هناك جليل عمران‮ ‬يجرجر عصاه كما كان‮ ‬يجرجر حلمه،‮ ‬وعندما ذهبت لأعانقه قائلا‮ »‬إن هذا هو‮ ‬يومك وعرسك وأنت الأجدر بالاحتفال به،‮ ‬فكثيرون لا‮ ‬يعرفون كيف قاسيت من اجل هذا الفرح‮«‬،‮ ‬فقال لي‮ »‬نحن لم نفعل شيئا إلا من اجل هؤلاء الصغار،‮ ‬ولم نفعل شيئا من اجل أنفسنا‮«‬،‮ ‬طال الحديث بيننا وقلت له الكثير كما كان‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يقال بين مساحة الحلم واللحظة التي‮ ‬نعيشها‮. ‬كان هناك العواجي‮ ‬يجرجر‮ “‬كرشه‮” ‬ولكنه كان خلف جسده‮ ‬يحتضن قلبه ويستعيد الساحات والألم وكل ألوان الهتاف التي‮ ‬قيلت ولم تقل بعد،‮ ‬ولكن الصغار سيحتفلون بها‮ ‬يوما‮. ‬
رأيت بناتنا اللاتي‮ ‬أصبحن أمهات وتركت لنفسي‮ ‬الصمت دون أن اذهب لهن جميعا لكونهن منشغلات بولادة أخرى الأهم في‮ ‬حياتهن من كل مخاض،‮ ‬فمخاض الأول من مايو ولادة عظيمة،‮ ‬فهل‮ ‬يغفر لي‮ ‬إسماعيل العلوي‮ ‬إن لم أتكلم معه كثيرا؟‮! ‬لكوننا منشغلين باللحظة الجميلة وكان علينا أن نتبادل عبارات خاطفة كنا نتبادلها سرا‮ “‬كل عام وأنت بخير‮”‬،‮ ‬مفردة ظلت سرا في‮ ‬جلسات الأمس المكتوم بالظلام والاستبداد،‮ ‬ولكن تبقى في‮ ‬الوجدان دون إباحة واستباحة وهتك للدم‮. ‬
كان مذاق الأول من مايو‮ ‬يبكي‮ ‬زوجتي‮ ‬وهي‮ ‬تسلم على من تعرفهم،‮ ‬فقلت لها لماذا هذه الدموع؟ فقالت انك تعرفني‮ ‬ولا تنظر في ‬عيني، ‬فدعني ‬ابكي‮ ‬كما أشاء فليس للفرح مواعيد كهذه اللحظة بأن أرى البحرين تحتفل بحق تأخر كثيرا ولكنه جاء مع الزمن،‮ ‬هذا الزمن الذي‮ ‬جعلنا نجر شعرنا الأبيض وعكازاتنا ونظارتنا فلا نرى إلا الفرح ولا نسمع إلا أصواتاً‮ ‬تهتف‮ “‬يا مسؤول‮ ‬يا مسؤول‮.. ‬اسمع الملك شيقول”، وقد قال الملك كثيرا للذين‮ ‬يواصلون الفساد ويفصلون النقابيين ويمارسون العسف والتهديد مع‮ ‬غيرهم ويلعبون بالأوراق ببيروقراطية متطورة وخبيثة بهدف إنهاك إرادة العمال لكي‮ ‬يجبروهم على التراجع والتنازل عن حقوقهم التاريخية،‮ ‬بل ويمارس المسؤولون ضغوطا خلف مكاتبهم ظنا منهم أنهم‮ ‬يعيشون الليل القديم واستبداده‮. ‬وعلى الرغم من أن الأول من مايو أصبح عطلة رسمية وعلى الرغم من كل القوانين والإجراءات والتشريعات المعلنة لصالح العمال وعلى الرغم من ولادة نقابات عمالية الواحدة تلو الأخرى،‮ ‬يواصل السرطان فعله في‮ ‬هتك جسد الطبقة العاملة سعيا منه لتفتيت وحدتها،‮ ‬فإن الوعي‮ ‬الجديد‮ ‬ينمو ويتعلم ويمضي‮ ‬في‮ ‬مجراه ويتعثر،‮ ‬ولكنه‮ ‬ينهض كما هو الفجر الجديد‮. ‬
لم‮ ‬يتعلم الطغاة الصغار من تجارب الماضي‮ ‬ويواصلون عنتهم،‮ ‬ولكن الإرادة والوعي‮ ‬والصبر مفتاح للدخول للقلاع المغلقة التي‮ ‬لا ترغب في ‬قراءة الواقع البحريني‮ ‬الجديد،‮ ‬الواقع الذي‮ ‬كانت نكهته هذا العام‮ “‬مايو ‮٨٠٠٢” ‬أن‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬مناسبة مهمة هي‮ ‬تأسيس الاتحاد العام لعمال البحرين،‮ ‬ويأتي‮ ‬مع ميثاق جمعية الصحفيين البحرينية التي‮ ‬رفعت شعاراً‮ ‬مناهضاً‮ ‬لكل من‮ ‬يحاول تمزيق نسيجنا الاجتماعي‮ ‬الوطني،‮ ‬شعار في‮ ‬يوم الاحتفال العالمي‮ ‬لحرية الصحافة‮ “‬صحافيون ضد الطائفية‮”‬،‮ ‬وترافق مع حدثين رائعين‮ ‬يهمان الطبقة العاملة البحرينية قبل‮ ‬غيرها،‮ ‬فمع صحافة حرة عادلة ستجد طبقتنا العاملة حجرا أساسيا‮ ‬يدافع عنها فوق مسرح الإعلام،‮ ‬والحدث الآخر على لسان وزير العمل حول التوجيه السامي ‬بإقامة نصب تذكاري‮ ‬للعامل البحريني‮ ‬في‮ ‬احد الميادين الرئيسية في‮ ‬البلاد،‮ ‬وبذلك‮ ‬يحمل الخبر من الدلالات والمغزى الجديد في‮ ‬مسيرتنا التنموية وبوضع الطبقة العاملة أمام خياراتها الجديدة وبتأكيد الجهات الرسمية أن عمال البحرين هم عنوان نهضتنا،‮ ‬وبأن سواعدهم هي‮ ‬سواعد الوطن الحقيقية‮. ‬
هتافات هنا وهناك ورسائل بعثتها طبقتنا العاملة لكبار المسؤولين كان جوهرها وأغلبها هو مكافحة الفساد ومواجهة الغلاء وبضرورة النظر في ‬الأجور وكل ما‮ ‬يهم معيشة الناس المثقلين بأعباء الخبز وشبح الغلاء،‮ ‬ولكن أجملها الصالح لمطلع أغنية شعبية تلك المفردة الجميلة عندما وصلت مسيرة الأول من مايو لمجلس النواب هتف العمال باعثين للنواب‮ “يا نواب السيارات‮”،‮ ‬فتذكرت الأغاني‮ ‬والمسرحيات الرحبانية بل وتخيلت النواب على‮ “‬سياكل‮” ‬فمازحت بعض الأصدقاء لحظتها‮ “‬يا هيفاء‮ ‬يا هيفاء رقصتينا‮ ‬يا هيفاء جننتينا‮ ‬يا هيفاء‮”،‮ ‬فقد كانت هيفاء حاضرة، وكان النائب عادل العسومي‮ ‬يمازح النائب المرزوق بسخرية‮ “اسمع ماذا‮ ‬يقولون عنك‮ (‬يا نواب السيارات‮)”،‮ ‬فرد عليه‮ “‬أنت عندك سيارة”؟؟ وفي‮ ‬الحقيقة لم اعرف نوعية السيارة فأنا متخلف في‮ ‬هذا المجال‮. ‬نشكرهم أنهم حضروا المسيرة ولكننا نتمنى أن‮ ‬يدافعوا عن أصحابها وهو المهم،‮ ‬فالبروتوكول الاستعراضي‮ ‬وظيفة انتخابية،‮ ‬ولكن الدفاع عن مصالح الناس واجب نيابي‮. ‬ومع اختلافي‮ ‬معهم‮ ‬يبقون هم خيار الناخبين‮! ‬أليست هذه هي‮ ‬الديمقراطية؟
 
صحيفة الايام
11 مايو 2008

اقرأ المزيد

هناك ما‮ ‬يمكن تعلمه


منذ نحو شهرين نشرت مجلة الثقافة العالمية الكويتية ملفاً قيماً عن أحوال التعليم العالي في العالم بعنوان: “التضخم العالمي في التعليم الجامعي”. ومن العنوان يمكننا ملاحظة أن الحديث يدور عن تضاعف أعداد الطلبة والطالبات الذين يتخرجون من الجامعات، بالقياس لما كان عليه الحال في الماضي عندما كان التعليم الجامعي مقصورا على أبناء الذوات أو الفئات الوسطى.
ومع أن نقاشا معمقا ما زال يدور في الكثير من البلدان عما إذا كان صحيحا التوسع في هذا التعليم الجامعي الذي يغرق المجتمعات سنوياً بأعداد هائلة من الخريجين الذين لا يجدون مكاناً لهم في أسواق العمل في بلدانهم، إما بسبب تشبع هذه الأسواق بالأيدي العاملة، وإما لأن التخصصات التي يختارها ملايين الطلبة في العالم لا تؤمن لهم فرص عمل. وهناك آراء تربوية واقتصادية  ينادي أصحابها بالتوسع في فرص الإعداد والتدريب المهنيين، لأن الجامعة لا تجعل، بالضرورة، من كل الذين يلتحقون بها، جامعيين جيدين، وأن الكثير من هؤلاء يمكن أن يجد فرص التحقق في المهنة وفي الحياة لو التحق بأحد المعاهد أو المدارس المهنية، التي تُدربه على إتقان مهنةٍ ما.
 أثار انتباهي، في الملف المذكور، قراءتان في تجربتي التعليم في بلدين يلفتان النظر في تجربتهما التنموية هما الصين والهند. الحديث في السنوات الماضية يدور عن معدلات النمو العالية التي يحققها هذا البلدان سنوياً، على الرغم من اختلاف الفلسفة الاقتصادية والتنموية المتبعة في كلٍ منهما، وهو أمر يشير إلى انه ما من نموذج اقتصادي بعينه تتجمع فيه مفاتيح النجاح، وأن على كل مجتمع أن يجترح الأساليب والطرائق المؤدية إلى تطوره بما يفيد من تجارب الآخرين ويناسب خصائصه الثقافية والتاريخية.
 وعلى خلاف ما يتبادر إلى الأذهان، فان الدراستين اللتين تتناولان نظامي التعليم في البلدين تتوقفان أمام أوجه قصورٍ فادحة فيهما. رغم ذلك، فان صُناع القرار ومهندسي خطط التنمية في الهند والصين ما كان بوسعهم إغفال حقيقة أن إصلاح نظام التعليم الجامعي هو أحد مفاتيح النجاح، حيث بدأت مراجعات جدية لأوجه القصور والبيروقراطية، و”الأدلجة” المفرطة في حال الصين، خاصة إبان ما عُرف بالثورة الثقافية.
في الهند اليوم أفضل معاهد العالم في المعلوماتية، ويُنظر إلى ذلك بوصفه أحد مؤشرات، لا بل أسباب، النهضة التي يشهدها هذا البلد، لكن منظومة التعليم بكاملها لازالت مثقلة بالكثير من المعوقات، وهو ما يُدرك الهنود أهمية التغلب عليه.
ففي تفاعل جدلي، فان حاجات التطور الاقتصادي تفرض مراجعات دائمة لأنظمة التعليم كي تواكب هذا التطور دون الركون إلى نجاح بعينه. هناك ما يمكننا، نحن العرب، تعلمه من كل ذلك إذا أردنا الإفادة من التجارب الناجحة لا في التعليم وحده، وإنما في التنمية أيضاً.
 
الأيام 10 مايو 2008
 

اقرأ المزيد

عن خطوة لا بد‮ ‬يتبعها خطوات


خطوة جميلة تلك التي أقدم عليها الصحافيون في البحرين. نبذ الطائفية ووقف الصحافة المذهبية مطلب مجتمعي في منطقة تعاني من التمزق على خطوط العرق والدين والمذهب. غير مريح الكلام لكن لابد من الاعتراف بوجود “حروب أهلية صغيرة” في غير دولة عربية.
 قد تأخذ تلك “الحروب” صفة الاعتداءات الفردية على مسجد أو كنيسة “كما في اليمن ومصر” أو بين شباب مولع بحياة الليل “في لبنان ليلة الاثنين” أو حروب تقليدية كما هو الحال في العراق.
من دون تنظير كثير في مخاطر درب المزالق هذا، لا بد من التأكيد على أن مبادرة جمعية الصحافيين تبقى خطوة أولى في طريق يزداد وعورة. طريق سيكون أيضا طويلا ومتعبا ما لم تقابل تلك الخطوة خطوات مجتمعية أكبر. تشترك فيها في شكل رئيسي الدولة ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك الجوامع والمآتم. 
يحب أنصار الحداثة وما بعدها تقليل الكلام عن دور الدولة العربية. يودون لو تقلص دورها إلى منظم لدورة الاقتصاد ومنفذ للقوانين الاشتراعية.
 لا بأس من أن تتسلم زمام أمور المجتمع منظماته الأهلية. لكن ذلك لا يعفي الدولة “وخاصة في الخليج” من مسؤولية التقليل من الاحتقان الشعبي. لا يزال في يد الدولة الكثير من الأوراق التي “تحرك اللعبة” السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية.
لا يزال في يد الدولة الخليجية، إلا في ما ندر، سن القوانين النافذة. وهي قوانين لا تعالج عادة الحساسيات المجتمعية.
تتحدث عن عموميات وتسهب في كلام إنشائي عن مجتمع الأسرة الواحدة وهو مجتمع افتراضي بدا قابلا للتشرذم عند أول محطة خلاف سياسي، “كان واضحا ذلك في الكويت خلال أزمة تأبين عماد مغنية المسؤول العسكري في حزب الله اللبناني، أو في البحرين خلال حوادث متعددة في السنوات القليلة الماضية”.
مطلوب قوانين تحمل في روحها صيغة للتأهيل المجتمعي التي يمكن عبرها “ربما بعد سنين، لا بأس” إذابة الفروق بين فئات المجتمع أفقيا  ”بين طوائفه وأعراقه” وعموديا “وطبقاته”. هناك قوانين نافذة وإن كانت غير مكتوبة في بعض دول الخليج لابد من إزالتها. ويبنى محلها هيكل قوانين تجرم الممارسة العملية لسياسة التفرقة غير المكتوبة أو حتى التصنيف الفئوي المتوارث. ومثل هذه القوانين موجود في معظم دول العالم الديمقراطية. 
أكثر من هذا، فلا يمكن التغيير من خلال القوانين فقط. وإن كان الإطار القانوني أساسي في تشكيل وعي مجتمعي يؤمن بسيادة الدستور والقانون.
 ولكن يجب تأصيل تلك القوانين عبر ممارسة الدولة نفسها لتلك القوانين عمليا. فلا يمكن للدولة أن تسن القوانين وتعاقب مخالفيها فيما لا تزال هي تمارس فصلا بين مواطن وآخر على أي أساس. يعن للدولة العربية أن تنفي دائما. وتقسم أغلظ الإيمان أنها لا تعرف التمميز ولم تسمع به. لكن متى كان للفقير في معظم الدول العربية الحق في ممارسة حياته كذي الوفرة من المال والجاه. أليس السؤال التقليدي في أي مخفر عربي “الخليجي بالتحديد”: ابن من أنت؟
منظمات المجتمع المدني عليها مسؤولية لا تقل أهمية. وربما أكثر تعقيدا. فهي مطالبة بالسهر على عملية الاندماج المجتمعي. كما هي مطالبة قبل ذلك بتغيير بناها التنظيمية بحيث تمارس عملية الإدماج تلك قبل غيرها.
 مقزز أن تفرز جمعيات أو حتى نقابات على اللون الطائفي. فتنحصر العضوية في الطائفة هذه أو تلك. ويتهيب “الآخر” من التقدم إلى العضوية. أو حتى المشاركة في فعالية ما. لكن المقزز أكثر أن تنشأ جمعيات ومؤسسات على الأساس الطائفي ذاك. أو تزعم الدفاع عن حق ما مفترض لتلك الجماعة، وأخرى مقابلها لحماية مصالح الجماعة الأخرى.
وكذا الأمر عند رجال وشيوخ الدين. رحمة بنا أوقفوا النفخ في النار. ويكفي بيانات لا تغني أو تسمن غير التفرقة والمذهبة.
الصحافة البحرينية قامت بالخطوة الأولى. وإن ينتظر الالتزام بها من قبل مسؤولي الصحف ووسائل الإعلام. الواجب الآن أن تقابل هذه الخطوة بالتي هي أحسن منها. خطوات أكثر جرأة ونفوذا. من قبل المجالس التشريعية والحكومات.
 وأخرى أكثر تأثيرا وقربا من الواقع من قبل منظمات المجتمع المدني. فالسكين لم تصل العظم بعد صحيح. لكنها توشك. ولكم في القريب المنهار والمفكك عبرة.
أما جمعية الصحافيين فلا يسعها اليوم أن تغمض عينا. مطلوب من عيسى الشايجي وزملائه مراقبة التزام من وقع العهد بما جاء فيه. لابد من المحاسبة.
 حتى لا يذهب الجهد هباء. ولا يستهان بأي خطوة أخرى، لابد من التنفيذ الأمين لما جاء في الميثاق. والله من وراء القصد.
 
الأيام 10 مايو 2008

اقرأ المزيد

هنيئاً‮ ‬لصحافتنا


عند الحديث عن حرية الصحافة في بلادنا لا بد من الإشارة إلى كلمة جلالة الملك التي ألقاها في مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، ولا سيما عندما قال: يمثل احتفالنا بالصحافة الحرة المسؤولة تجسيداً حقيقياً لروح البحرين التي تقوم على الحرية والانفتاح، وتجديداً لعهد وثيق ووعد دائم بأن تظل الحريات الأساسية وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير مصانة بموجب الدستور والقانون في ظل وطن يتسع للجميع على مختلف الآراء والاتجاهات..
وهذا معناه إن هذه الحرية المسؤولة هي حق دستوري لكل مواطن وبالتالي لأي سبب من الأسباب لا يمكن التراجع عنه أو انتقاصه لمصالح شخصية أو عقائدية ضيقة.
على مدى السبع السنوات الماضية استطاعت صحافتنا المحلية أن تتفاعل مع المتغيرات السياسية التي شهدتها البلاد واستطاعت أيضا وفي إطار هامش الحرية المتاح أن تمارس دورها في حرص شديد، ومع ذلك كانت التحديات كبيرة ولعل أهمها قانون الصحافة والطباعة والنشر الذي تمثل بعض مواده إعاقة للعمل الصحفي ناهيك عن الجماعات الاسلاموية التي كانت تعطي أولوية قصوى لحبس الصحفي ولا ندري لماذا كانت هذه الجماعات وعلى صعيد العمل البرلماني تزعم بانها مع حرية الصحافة في حين أنها ومن حيث الممارسات العملية لا تكف عن القيـام بدور “الشرطي” في تعقب الصحفي، وما يحدث اليوم من تحقيق النيابة العامة مع رئيس تحرير “الأيام” ورئيس جمعية الصحفيين البحرينية الأستاذ عيسى الشايجي وكذلك مع الصحفية بتول السيد، وما حدث أيضا لعدد من الصحفيين والكتاب قبلهم يجـعلنا نضـع علامة استفـهام كبيرة حول هذا السلوك الذي يتنافى مع توجهات البلاد الإصلاحية وخصوصاً في هذا الوقت الذي تم فيه إلغاء عقوبة حبس الصحفيين والكتاب!!
طيلة الدورتـين البرلمانيـتين السابقتين تجربتنا مع بعض الكتل النيابية الإسلامية مريرة وخـاصة فيما يتـعلـق بحرية الصـحافة والكل يعتقد إن إزاحة العراقيل والقيود من أمام هذه الحرية يتـمثل في إقرار مجلس النواب التعديلات المهمة التي اقرها مجلس الوزراء على قانون الصحافة والطباعة والنشر والتي استبعدت حبس الصـحفي تماماً بما فيه الاحتياطي، وكذلك ألغت الرقابة المسبقة على المطبوعات المحلية، وهو ما يعد إضاءة مشرقة على هذا القانون، وهذا يعني إن حرية صحافتنا اتسعت وتضاعفت مسؤوليتها والأهمية هنا أيضا أن تمنح صحافتنا الحزبية حريتها.
وبكل تأكيد حينما أكد جلالة الملك على أن الصـحافة هي الشريك الوطني يفهم من ذلك إن هذه الشـراكة ينبغي منـها أن تـدعم التوجه الديمقراطي وان تدفع في اتجاه التعددية والتسامح والوحدة الوطنية، والتأكيد على الالـتزام بحقوق متكافئة للجميع.
فإذا كانت جمعية الصحافيين البحرينية دشنت في يوم حرية الصحافة العالمي ميثاق “صحفيون ضد الطائفية” فإن هذه الوثيقة التـي تتـطلب ممارسات عمـلية بالـدرجة الأولى دعوة يفتخر بها كل شريف حريص على وحدتنا الوطنية، نعم دعوة ينبغي الالتفاف حـولها بمـسؤولية كاملة لان الـولاء للوطن فوق كل اعتبار.
واليوم ونـحن نحتفي بحرية صحافتنا المحلية الحلم الذي لا يفارق الصحفيين والكتاب ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة طيـلة عـقود من الزمـان لا يسعـنا إلا أن نقول: هنيئاً لصحافتنا هذا الانجاز الذي يقوم على احترام حريتها.. هنيئاً للبحرين التي حققت حلم السلطة الرابعة.. هنيئاً لكل صحافي او كاتب حريص على هذه الحرية وعلى مستقبل الصـحافة عـمـوماً..
 فهل يعـقل ونحـن نعـيش هذا الحلم وهذه الحرية التي لم تكتمل إلا بانسـياب المعـلومات دون حواجز أو هلع أو تأويلات تعـود إلى حقبة ما قبل الإصلاحات، وان تخضع صحافتنا إلى التبعية والاملاءات والوصاية وفتاوى تحريم إبداء الرأي والنقد والنشر.. لا والله لا يعقل.
 
الأيام 10 مايو 2008

اقرأ المزيد

في ذكرى رحيل المفكر جمال حمدان


مرت الذكرى الخامسة عشرة لرحيل المفكر المصري جمال حمدان بصمت مطبق، وبسكون كسكون القبر.. ومثلما غضت الدولة الطرف والنظر في احياء ذكرى رحيل خيرة مفكريها وعباقرتها الدكتور الراحل جمال حمدان، فان مؤسسات المجتمع المدني لم تكلف نفسها عناء القيام بأبسط الواجبات الوطنية والمبدئية والاخلاقية ازاء هذا الحدث المهم. ومن هنا ظلت ذكرى رحيل المفكر والعالم جمال حمدان متسمة بالتجاهل والنسيان.. ولعل الادهى من ذلك كله هو تجاهل الدولة فداحة تلك الاخطاء التي ارتكبتها ادارة الجامعة في حق المفكر جمال حمدان الذي كان استاذا يحاضر فيها.. فداحة العسف والتعسف والمظالم التي لحقت به.. حينما همشته الجامعة ولم تنصفه في حقه ومكانته.. ولم تضع مؤهلاته وشهاداته على كفتي ميزان العدالة انسجاما مع كفاءته وتماشيا واستحقاقه وجدارته، في الوقت الذي جاءت فيه الكفة الراجحة في استئثار المنافع والمغانم لأولئك الاساتدة غير الاكفاء، الذين لا يخضعون لمعايير الكفاءات، وانما بمعايير المكافآت.. كما ان حصولهم على الترقيات والمناصب والامتيازات والدرجات، لم تأت بمقاييس المواطنة الحقة طبقا لمبدأ الحقوق والواجبات، بقدر ما جاءت تحت تأثير مظاهر الوجاهة والمحسوبية في تقريب المتملقين والمتسلقين والانتهازيين.
من هذا الواقع الموجع للجامعة، أبى الاستاذ جمال حمدان أن يرتضي المهانة، ورفض استلاب الكرامة، محافظا على عزة النفس ونزاهة المهنة وشرف المكانة العلمية والادبية والانسانية والاكاديمية.. الامر الذي دفع به إلى ان ينطوي على نفسه في شقته وفي صومعته طوال عشرين عاما، منذ عام 1973م حتى رحيله في منتصف ابريل 1993م. ولكن على الرغم من رحيل هذا المفكر العملاق الذي رفع راية وطنه وهامات شعبه بشموخ.. فإن الدولة لم تعِد حساباتها في البحث عن أسباب رحيله.. بقدر ما تجاهل مجلس الشعب المصري (البرلمان) بفتح أي ملف للتحقيق مع ادارة الجامعة التي كان يعمل لديها الراحل جمال حمدان، من أجل اخضاعها للاستجواب والمساءلة، لما تمخض عن استشراء الفساد الاداري والاخلاقي في أوساط الجامعة آنذاك، الذي راح ضحية هذا الملف من الفساد خيرة أبناء مصر وأحد عظمائها ومفكريها وعباقرتها (جمال حمدان).
ولعل ما يبعث على القول: اسفا انه بمرور الذكرى الخامسة عشرة لرحيل المفكر والعالم الدكتور جمال حمدان، فان الدولة، بل جامعاتها الاكاديمية ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لم تشعل حتى شمعة واحدة من بين الخمس عشرة شمعة، من أجل احياء ذكرى رحيل هذا الانسان العظيم.. هذا المفكر بمصداقية مواقفه وشفافية افكاره واستنارة عقله، الذي حمل حقيبة وطنه في قلبه ووجدانه وما بين جوانحه.. لم يغره المنصب العلمي أو الشهرة أو السمعة الشخصية أو دائرة الاضواء الاعلامية.. ولم يستقطب بعوامل الجذب والهجرة للخارج من أجل العائد المادي والاقتصادي والمنصب العلمي، أو من أجل الامتيازات والتسهيلات الاجتماعية والعلمية والسياسية.. بقدر مواجهته عوامل الدفع، حينما تجاوز عذاب القهر السياسي داخل الوطن بمعاناة الاغتراب الاجتماعي، وتشظي الاغتراب الذاتي وآلام الاغتراب الداخلي، مثلما ناضل ضد سياسة المضايقة و”التطفيش” التي تضاربت فيها بشاعة القهر والاستلاب بمصادرة حرية الرأي وحرية الفكر وحرية الكلمة، وامتهان الكرامة وكسر القلم.. فخرج هذا المفكر الكبير بالتالي منتصرا على مستبديه، شامخا على جلاديه، بحسب ما استحوذ بالمقابل على حب وتقدير شعب مصر، بل شعوب الوطن العربي قاطبة بهالة من التبجيل والتعظيم.. حينما ابدع هو في عزلته وانتج في صومعته اعظم موسوعة حملت في جوهرها خلاصة افكاره العلمية والانسانية التي كشفت عن نهج علمي وسياسي وأدبي وجغرافي وايديولوجي، وهي موسوعته (شخصية مصر) التي من خلالها سعى إلى ارتقاء شخصية مصر وحضارة مصر ببصمات مشرفة واستشراف مستقبل شعب مصر بعلامات مضيئة.. فجسدت بالتالي تداعيات ومفاهيم وفلسفة موسوعته (شخصية مصر) ولاء صاحبها ومؤلفها، لوطنه (جمهورية مصر العربية).. وعكست شهرته بولائه لمواطنيته، وارتباطه بتراب أرضه، والوفاء لوطنه.
من هذا المنطلق استحق المفكر والعالم الدكتور جمال حمدان ان يكون احد عظماء الانسانية، وواحدا من عباقرة البشرية.. طالما تجلى بأمانة رسالته المهنية والاخلاقية.. ولكون الصفات الانسانية والمبدئية والوطنية والقومية والفكرية المميزة توافرت فيه، وتجلت في اغواره ومكنوناته وبين ثنايا عقله وجنبات تفكيره.. التي هي صفات تمثل استخلاص النتائج لآرائه ومعتقداته الفلسفية والسياسية وقيمه الاخلاقية والسلوكية الرفيعة نحو السمو والارتقاء.. فسلام على هذا الانسان العظيم برحيله، الذي ترك فراغا فكريا وعلميا وانسانيا لمفكر قلما يجود الزمان به في الزمن الصعب.. تلك الانجازات العلمية والمكتسبات الانسانية لجمهورية مصر العربية خاصة والوطن العربي قاطبة، التي دونها التاريخ بين صفحاته بأحرف من نور.. بحسب ما يظل اسم صاحبها المفكر والعالم (جمال حمدان) مضيئا في سجل الخالدين.
 
صحيفة اخبار الخليج
9 مايو 2008

اقرأ المزيد

إنتاج الموقف‮..!‬

لا أحد‮ ‬يختلف على أن الاستجواب الوزاري،‮ ‬باعتباره أداة للرقابة والمساءلة السياسية،‮ ‬حق كفله الدستور بقصد بسط الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية وأنشطتها‮.‬ ونعلم أن الاستجواب الوزاري‮ ‬يعد من أهم أدوات الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية،‮ ‬لما قد‮ ‬ينتهي‮ ‬إليه من طرح الثقة بالوزير المعني‮ ‬بالاستجواب،‮ ‬وسحب الثقة في‮ ‬حال ثبوت إدانته‮.‬
ونعلم بأنه أمام أهمية الاستجواب وخطورته فإن الدستور قد أحاطه بالعديد من الضوابط والقيود التي‮ ‬لا تجعله حقاً‮ ‬مطلقاً،‮ ‬بل حقاً‮ ‬مقيداً‮ ‬كسائر الحقوق،‮ ‬مقيداً‮ ‬بمراعاة شروطه الموضوعية وبصفة خاصة أن‮ ‬يكون منصباً‮ ‬على الأمور الداخلة في‮ ‬اختصاصات الوزير،‮ ‬وألا‮ ‬يكون متعلقاً‮ ‬بمصلحة خاصة بالمستجوب أو بأقاربه حتى الدرجة الرابعة،‮ ‬أو بأحد موكليه،‮ ‬ومقيداً‮ ‬بجوانبه الإجرائية التي‮ ‬رسمها المشرع والتي‮ ‬لا تجعل الاستجواب وسيلة شخصية للتهديد والانتقام،‮ ‬وإنما للرقابة وتحقيق الصالح العام‮.‬
من تلك الزاوية،‮ ‬فإننا نرى بأن هذا الذي‮ ‬جرى في‮ ‬مجلس النواب على صعيد استجواب الوزيرين الشيخ أحمد بن عطية الله،‮ ‬وتالياً‮ ‬منصور حسن بن رجب‮ ‬،‮ ‬أمر لا‮ ‬يمكن تجاهله،‮ ‬لأن ما جرى لم‮ ‬يعبر فقط عن تقاطع بلغ‮ ‬مداه بين أعضاء مجلس النواب لا نراه مسبوقاً،‮ ‬ولا نحسبه ملحوقاً،‮ ‬ولا نظنه فاعلاً،‮ ‬وإنما لكون ما قيل وما زال‮ ‬يقال في‮ ‬شأنهما وفي‮ ‬تداعياتهما لم‮ ‬يكن في‮ ‬الحسبان على الأقل عند من‮ ‬يحسنون الظن،‮ ‬لأن ذلك القدر الهائل من الضجيج المفتعل،‮ ‬والبلبلة التي‮ ‬خيمت علينا وما زالت جرّاء هذين الاستجوابين،‮ ‬لم‮ ‬يجعلنا نعرف بالضبط ما اذا كان هذا الذي‮ ‬جرى قد استهدف عن سابق اصرار وترصد خلخلة دعائم مبدأ الاستجواب الوزاري‮ ‬ومسلماته‮.‬
قد نتفق أو نختلف حول دوافع وحيثيات ومحاور وتوقيت هذا الاستجواب أو ذاك،‮ ‬وقد تتباين الرؤى وتتفاوت التقييمات حول جدية وصدقية ودوافع المستجوبين والصياغات المختلفة في‮ ‬التعامل مع الاستجوابين،‮ ‬ولكن من المؤكد أن هناك وقائع مؤسفة قرأناها ورأيناها وسمعناها وشعرنا بها أثارت قدراً‮ ‬كبيراً‮ ‬من الاشمئزاز والقلق،‮ ‬فانسياق كثير من النواب لمنطق التشويش والضوضاء،‮ ‬ولكثير من المزعجات من اجتراء وافتراء وتطاول ومناكفات شخصانية،‮ ‬ومناورات ومراوغات ومواقف جموحة في‮ ‬الإجمال‮ ‬غاب عنها العقل والمنطق في‮ ‬التعامل مع الاستجوابين وأهدرت قيمتهما،‮ ‬في‮ ‬صورة انشطار مفجعة بحد ذاتها بين النواب وكتلهم،‮ ‬خطيرة في‮ ‬دلالاتها وأبعادها،‮ ‬ومكمن الخطورة أنها جعلت الثوابت المتعلقة بالدور الرقابي‮ ‬للمجلس النيابي‮ ‬موضع جدل ومنازعة،‮ ‬وجعلت النواب‮ ‬ينزلقون مجدداً‮ ‬إلى ما‮ ‬يكرّس ويوظف الاصطفاف الطائفي ‬البغيض رغم الشعارات والرايات والمسميات والأساليب التي‮ ‬اتسمت بمناورات ومراوغات واضحة‮.‬
من حق أي‮ ‬كتلة من الكتل النيابية أن تستهدف وزيراً‮ ‬بعينه لا ترى فيه أهلاً‮ ‬للثقة والمسؤولية،‮ ‬ومن حق أي‮ ‬نائب أو كتلة أن تعارض،‮ ‬أو تؤيد وأن تثني‮ ‬على دفوعات أي‮ ‬من الوزيرين،‮ ‬وأن ترى في‮ ‬أي‮ ‬منهما ما تراه من مآخذ وتحفظات وتجاوزات وإدانات،‮ ‬ومن حقها كذلك أن تثير مواقف ‬يختلط فيها سوء الفهم مع سوء القصد‮.‬
ولكن ليس من حق أي‮ ‬نائب أو كتلة أن تدفع بمسار أي‮ ‬استجواب إلى منحى‮ ‬ينتهك حقوق أي‮ ‬نائب في‮ ‬الاستجواب،‮ ‬أو‮ ‬يجعل الاستجواب فاقدا ‬لقيمته ومضمونه،‮ ‬أو‮ ‬يدفع بالاستجواب الى الشخصنة أو الطأفنة أو فزعات تعصبية‮ ‬غير مبررة،‮ ‬فقد بدا واضحاً‮ ‬أن مجريات الأمور تجاه الاستجوابين لم تتسم بالبراءة المفترضة،‮ ‬بل بالمماحكات السياسية التي‮ ‬ضاعت فيها الفواصل بين الخطأ والصواب،‮ ‬بين الحق والباطل واللغة التي‮ ‬افتقدت في‮ ‬كثير منها اللياقة واللباقة،‮ ‬وجعلت الهواجس والـظنون البائسة تحط رحالها علينا لتغرقنا في‮ ‬العلل الوهمية والفعلية والمفتعـلة التي‮ ‬ارادت أن تئد هذا الاستجواب أو ذاك وهو في‮ ‬مهده،‮ ‬ودونمـا حاجة هنا إلى استعادة شريط الوقائع والمفاصـل التي‮ ‬جـرت بشأن الاسـتجوابين،‮ ‬إلا أن تداعياتهما كانت وما زالت مستفزة حقاً‮.‬
‮ ‬ليس لأن نواباً‮ ‬كثراً‮ ‬ظهروا وكأنهم في‮ ‬خصـومة وعداء لنـواب كثر آخرين في‮ ‬حـالة فريـدة‮ ‬غير مسبـوقة في‮ ‬أي‮ ‬برلمان آخر،‮ ‬صرفوا جهودهم وانشغلوا وشغلوا أنفسهم بانتقاد الفريق النيابي‮ ‬الآخر،‮ ‬وافتعلوا الكوابح لإعاقة استجوابهم،‮ ‬بل سفّهوا آراء زملائهم وباتوا‮ ‬يفتعلون معارك لا جدوى منها ولا طائل من ورائها ولا نهاية لها،‮ ‬وظلوا‮ ‬ينقبون عن الثغرات والفجوات والنواقص وكأنهم فريق دفاع رسمي‮ ‬عن الوزير المستجوب،‮ ‬ووقعوا بذلك في‮ ‬ذات الخطأ الذي‮ ‬يأخذونه على الفريق الآخر من مآخذ وإثارة الضجيج واستثارة المشاعر والغوغائية والاتهام بعدم الفهم الصحيح لمبدأ وحق الاستجواب‮.‬
واذا قبلنا ذلك على مضض،‮ ‬فإننا لا نقبل ولا نفهم اطلاقاً‮ ‬ذلك الفرح الغامر وروح الشماتة التي‮ ‬انتابت بعض النواب في‮ ‬كلا الاستجوابين، ‬مصورين لنا بأن ما حدث كان انتصاراً‮ ‬لكل وزير،‮ ‬وأن ردود كلاً‮ ‬منهما أصابت الاستجواب في‮ ‬مقتل،‮ ‬وإقرارهم مسبقاً‮ ‬ببراءة هذا الوزير أو ذاك وكأنهم ليسوا نواباً‮ ‬للشعب عليهم واجب تكريس مبدأ الاستجواب كحق دستوري‮ ‬رقابي‮ ‬للنواب نواجه به الفساد والمفسدين‮.‬
وسواء أكان وقوف نواب الوفاق مع الوزير بن رجب،‮ ‬أو ردة فعل الكتل النيابية الأخرى في‮ ‬حالة استجواب الوزير عطية الله قبل وأثناء وبعد الاستجواب،‮ ‬فإن كلا الاستجوابين أظهرا لنا خطأ ارتكبه النواب في‮ ‬عملية إنتاج الموقف السليم لا‮ ‬يليق بنواب في‮ ‬أي‮ ‬برلمان‮ ‬يحترمون عقول الناس أن‮ ‬يرتكبوه‮.‬
الظروف والأوضاع الراهنة تفرض على الذين‮ ‬ينتسبون إلى شرف تمثيل شعب البحرين أياً‮ ‬كانت كتلهم،‮ ‬ورؤاهم،‮ ‬وخلافاتهم الفكرية والسياسية، ‬أن‮ ‬يستعلوا فوق أي‮ ‬حسابات أو اعتبارات،‮ ‬وليس لأي‮ ‬نائب الحق في‮ ‬أن‮ ‬يقرر شروط اللياقة على الآخرين،‮ ‬أو‮ ‬يعطي‮ ‬لنفسه حق منحهم شهادات حسن سير وسلوك‮.‬
‮ ‬وأن لا‮ ‬يتعامل مع العمل النيابي‮ ‬بمنطق هذا معنا وهذا ضدنا،‮ ‬كل ما هو مطــلوب من كـل النـواب دون استـثناء أن‮ ‬يمـثلوا شعب البـحرين خير تمثيل،‮ ‬وإن كنا على قناعة تامة بأنه بات ملحاً‮ ‬نقل الاستجوابات من الغرف المظلمة إلى قاعة البرلمان لأسباب لا تخفى على ذوي‮ ‬الفطنة،‮ ‬فإننا كما كنا وما زلنا سنبقى على‮ ‬يقين بأن المجلس النيابي‮ ‬الذي‮ ‬يطالب بالإصلاح هو الآن أحوج ما‮ ‬يكون إلى إصلاح حاله‮..!‬

صحيفة الايام
9 مايو 2008

اقرأ المزيد

من المسؤول عن تدهور اوضاعنا المعيشية؟



قضية ساخنة!



نفهم ان تتدهور
الاوضاع المعيشية لعموم السكان (والفئات الكادحة والفقيرة على وجه التخصيص) في
البلدان النامية الفقيرة التي تعتبر مستوردا صافيا للنفط، نتيجة لارتفاع فاتورة
واردات بلدانها بسبب موجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

ولكن ما هو عصيٌ
على الفهم أن تصاب بعدوى هذا التدهور جموع الكادحين البحرينيين وهم الذين ينتمون
زعما إلى دول نفطية تنعم خزينتها بايرادات نفطية غير مسبوقة نتيجة لتسجيل سعر
برميل النفط البحريني رقما قياسيا على مدى العام الماضي والشهور الاربعة المنتهية
من هذا العام، فاق ضعف السعر المدرج في مشروع الموازنة العامة للدولة لعامي
2007-2008.


فهل يكفي أن نحمل
الحكومة التي أبدعت في تكييف نفسها مع المرحلة الجديدة بمزيد من الانغماس في
الفساد دون حياء، مسؤولية تردي الاوضاع المعيشية للبحرينيين؟ أو نشرك معها هذا
البرلمان الطائفي المتواطئ معها عمليا في تمرير سياساتها المالية المثيرة لعلامات
الاستفهام، أو أن المسؤولية تطال أيضا أولئك النفر من التجار الجشعين الذين يعوضون
فقدانهم لملاكات الرأسماليين المبادرين باقتناص فرص الاثراء السريع غير المشروع!

اقرأ المزيد

مدارسنا.. والعمل التطوعي

قبل نحو عامين تقريباً كنت قد كتبت عن أهمية تفعيل العمل التطوعي العام في المجتمع وذلك في ضوء ما تشهده هذه القيمة الإنسانية الدينية من منظومة قيمنا الاجتماعية من تآكل وانقراض وبخاصة في ظل ما مر به مجتمعنا من تحولات ومتغيرات على مدى ثلاثة عقود كإفراز من إفرازات الطفرة النفطية وتنامي النزعات الاستهلاكية والروح الأنانية بين فئات وشرائح واسعة في المجتمع لتحل محل روح العمل الاجتماعي الواحد وقيم التعاون والتكافل الاجتماعي التي عرف بها مجتمعنا حقبا زمنية طويلة.
وأتذكر أنه من ضمن ما اقترحته في هذا الصدد أن تبدأ إعادة غرس هذه القيم تربوياً في صفوف الأطفال والناشئين من المدرسة وبالتعاون والتفاعل مع الأسرة وأولياء أمور الطلبة. وبطبيعة الحال لن تتم إعادة غرس قيمة العمل التطوعي بداية من مجرد إلقاء المواعظ والنصائح النظرية الدينية والأخلاقية على الناشئين والطلبة، فهذا التراجع الطويل لهذه القيمة وكغيرها من القيم الاجتماعية والتي أضحت القيم الفردية التي حلت محلها بمثابة نزعات وطبائع جديدة يصعب اقتلاعها بين عشية وضحاها، فهي بحاجة الى نفس طويل وعمل صبور لكن شريطة ان يمتلك آليات تحفيزية وإلا فإن هذا العمل الصبور سيكون طويلا أكثر من اللازم وأشبه بمن يؤذن في خرابة.
وأتذكر أني اقترحت أيضا أن تكون من آليات تحفيز العمل التطوعي لدى الناشئين والطلبة أن يمنح الطلبة درجات على مدى اسهامهم في العمل التطوعي العام في خدمة المجتمع أو داخل المدرسة سواء في مدارس البنات أم في مدارس البنين، وذلك تبعاً لطبيعة الأعمال التي تناسب أعمارهم وجنسهم، على أن يكون ذلك مصحوبا مع غرس قيمة حب العمل التطوعي من تلقائية ورغبة الذات لا أن يكون فقط طلبا للحصول على الدرجة العلمية. قبل أيام قليلة سرني جدا وأنا أتابع بالخبر والصورة في صحافتنا مشهدين رائعين من مشاهد العمل التطوعي العام لمجاميع من الشباب والأطفال: المشهد الأول: يتمثل في قيام نحو مائة شخص من أبناء قرية كرباباد التي اشتهرت بنخيلها وساحلها الجميل على امتداد قرون وبإبداع فلاحيها في فن صناعة السلال الملونة، وحيث الآن ساحلها أضحى في خبر كان، بتنظيف ساحل دفان الضاحية الجديدة التي أصبحت على بعد عدة كيلومترات من موقع ساحلهم الطبيعي الأصلي.
وقد نظم هذه الحملة الكربابادية مركز القرية الثقافي الرياضي تحت شعار “من أجل بيئة نظيفة” وبالتعاون مع بلدية المنامة. المشهد الثاني: ويتمثل في قيام مجموعة من أهالي حي سرايا (1)، وهي مجموعة أطفال وشباب، بحملة لتنظيف حيهم السكني شارك فيها أطفال وكبار أجانب من المقيمين وذلك من أجل المحافظة على بيئة الحي نظيفة صحية ومجملة تسر الناظرين. غني عن القول ان مثل هذين المظهرين ــ المشهدين من صور العمل التطوعي العام الجميلة يوجد ما يماثلها من نماذج أخرى معلومة إعلاميا أو غير معلومة، لكنها تبقى جميعها في المرحلة الراهنة من تطورنا الاجتماعي محدودة ونادرة قياسا بما كان يزخر به مجتمعنا حتى سبعينيات القرن الماضي متعددة تمثل ظاهرة اجتماعية شائعة أضحت أشبه بالمنقرضة حالياً.
وهذان النموذجان المذكوران من حملات التطوع بحاجة إلى آليات رقابية من الحماية والمتابعة من قبل الدولة والمجتمع على السواء، بمعنى أنه لا ينبغي أن تُضحي هذه المجاميع المتطوعة بوقتها وجهدها لتجد في اليوم التالي مباشرة أن ما فعلته من تعمير وتنظيف عاد الى وضعه السابق من تخريب وتلويث، وإلا أصبح عملهم بمثابة أشبه بمن “ينفخ في قربة مقضوضة” أو كأنك يا زيد ما غزيت. كما من الأهمية بمكان أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية دور تثقيفي توعوي ودور آخر تنفيذي في تحفيز الشبيبة والمجتمع نحو العمل التطوعي العام باعتبارهما أكثر المؤسسات الأهلية والسياسية معنية بالعمل العام بدلا من الاقتصار فقط على نقد قصور الدولة في هذا الشأن، اذ ينبغي العمل على خطين متوازيين معاً في آن واحد: نقد تقصيرات الحكومة وأخطائها فيما يتعلق بصيانة البيئة من جهة وتحفيز واستنهاض العمل التطوعي في صفوف مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية من جهة أخرى.
وفي تقديرنا أن واحدا من أهم الأعمال التطوعية التي ينبغي إعطاؤها أولوية بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة القيام بحملات التشجير في الشوارع والسواحل وداخل المدارس والأحياء السكنية ومحيطات المؤسسات العامة والخاصة ولاسيما بالنظر لما تشهده البحرين من تقلص غير مسبوق في رقعتها الزراعية، وخلو معظم شوارعها ودواراتها وأرصفتها من الأشجار والحشائش ولاسيما بعد إزالة أغلبها بغرض التوسعة المرورية وحل الاختناقات المرورية.
أخيراً فإننا نأمل بقوة ان تتبنى وزارة التربية والتعليم وعلى رأسها الأخ الوزير الدكتور ماجد النعيمي اقتراح إضافة مادة دراسية للعمل التطوعي العام، وهو اقتراح سبق لي أن تحدثت معه شخصيا عنه لدى التقائه بمكتبه قبل 3 سنوات ووعدني حينها خيراً، ولاسيما أن دولة الإمارات الشقيقة قررت أخيراً أنها بصدد الأخذ به وتجريبه في مدارسها. كما نأمل من جميع إدارات مدارسنا، بنين وبنات، الدفع نحو اتخاذ القرار والتهيئة له ابتداء من العام القادم بإذن الله تعالى.

صحيفة اخبار الخليج
8 مايو 2008

اقرأ المزيد