المنشور

الأزمة أم الفرصة‮..‬؟‮!‬

الأزمة عند أهل الصين لها معنيان،‮ ‬فهي‮ ‬قد تعني‮ ‬المصيبة أو الورطة،‮ ‬وقد تعني‮ ‬الفرصة‮.‬
هي‮ ‬مصيبة إذا استسلمت لها ولم تعرف كيف تتعامل معها،‮ ‬وهي‮ ‬فرصة اذا تعلمت منها واعتبرت واتعظت واستفدت‮.‬
من هذه الزاوية نتمنى أن نكون قد وعينا واستوعبنا الدرس جيداً‮ ‬لأبعاد وخطورة الأزمة التي‮ ‬تمثلت في‮ ‬اللغة التي‮ ‬تداولها والتي‮ ‬كانت تطالعنا بها بعض الصحف المحلية كل‮ ‬يوم تقريباً،‮ ‬تصريحات وخطابات وردود وبيانات نستطيع إذا أردنا أن نجردها وأن نستكملها بإحصاء أسماء مستخدميها وكلها خلت من السياسة والمنطق بل ومن أدب المخاطبة،‮ ‬وانحدر الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك،‮ ‬إلى الشتيمة والسخرية والتسفيه والتحقير،‮ ‬وغيبت كل لياقات التخاطب من قبل‮ “‬مقاولي‮ ‬التأزيم‮” ‬والشحن الطائفي‮ ‬من الذين‮ ‬يقفون في‮ ‬الواجهة أو خلفها من‮ “‬مقاولي‮ ‬الباطن‮”، لهذا فإننا نتمنى أن نكون بتدخل جلالة الملك وتوجيهاته قد دخلنا مرحلة تطوي‮ ‬نهائياً‮ ‬صفحة المبارزات والبازات والمزايدات الممتلئة هراءً ‬التي ‬رغم سطحيتها أحدثت قدراً‮ ‬كبيراً‮ ‬من التلوث في‮ ‬واقعنا من الخطأ الجسيم التهوين من شأنه،‮ ‬وكأننا كما قال الشيخ صلاح الجودر على وشك حرب بسوس جديدة،‮ ‬وكدنا أن ندخل إلى نفق تنعدم فيه الرؤية والبصيرة كما قال الشيخ حميد المبارك‮.‬
وما دام نداء جلالة الملك بضرورة الالتزام بكل ما‮ ‬يحفظ الوحدة الوطنية،‮ ‬والحوار الوطني‮ ‬الراقي،‮ ‬والتلاحم الوطني،‮ ‬ووقف العبث بمحتويات خطاب الجمعة في‮ ‬المساجد،‮ ‬والتسامي‮ ‬بالمنابر الدينية فيما هو بعيد عن رسالتها السامية ويؤكد على ثوابت العيش المشترك وقطع دابر الفتنة‮.‬
ما دام هذا النداء قد حظي‮ ‬بتأييد كل أطياف وقوى المجتمع،‮ ‬رجال الدين والخطباء أيدوا،‮ ‬والبرلمانيون أيدوا،‮ ‬والسياسيون أيدوا،‮ ‬والصحافيون أيدوا،‮ ‬وجمعية الصحافيين أيدت،‮ ‬والحكومة أيدت وأعلنت التزامها بأجهزتها المختلفة بالعمل على ترسيخ المبادئ والقيم التي‮ ‬وردت في‮ ‬التوجيهات الملكية بالحفاظ على السلم الاجتماعي‮ ‬والأمن الوطني‮ ‬والاقتراب من كل ما‮ ‬يرتقي‮ ‬بمستوى الخطاب الذي‮ ‬يقرّب وينأى بنا عن كل ما‮ ‬يثير الفتنة ويعمق الخلاف‮. ‬وفي‮ ‬هذا السياق سارعت وزارة التنمية الاجتماعية إلى إعلان تبنيها مبادرة هدفها تقوية الوحدة الوطنية ونتوقع مبادرات مماثلة من جهات أخرى عديدة،‮ ‬والمرجو ألا‮ ‬يكون ذلك في‮ ‬خانة البهرجة الإعلامية فحسب التي‮ ‬تطلق لمجرد إثبات تجاوب هذه الجهة أو تلك مع التوجيهات الملكية،‮ ‬بل على هذه الجهات أن تدرك أنها أمام التزام حقيقي‮ ‬وعمل مضنٍ‮ ‬وأمام مسؤولية بجعل الطريق سالكة للالتزام الفعلي‮ ‬المعبر عن التقيد بمضمون تلك التوجيهات وخلق أجواء إيجابية دائمة تقطع الطريق على كل من‮ ‬يريد أن‮ ‬يجرنا إلى منزلق طائفي‮ ‬يدفع ثمنه جميع البحرينيين دون استثناء‮.‬
لقد وجدنا أنفسنا في‮ ‬الأيام الماضية،‮ ‬بل الفترة الماضية،‮ ‬أمام نظرة خاطئة،‮ ‬بل جاهلة للسياسة،‮ ‬والعمل السياسي،‮ ‬جعلت المنطق‮ ‬ينسل إلى مؤخرة العقل،‮ ‬وأصبح مفهوم السياسة‮ ‬يضلل أكثر مما‮ ‬يضيء،‮ ‬ويكذب أكثر مما‮ ‬يصدق،‮ ‬ويشتت أكثر مما‮ ‬يوحِّد،‮ ‬وكم هو مؤسف وشديد الاستفزاز أن من‮ ‬يفعلون ذلك لا‮ ‬يترددون في‮ ‬طرح حيثيات تتلفع برداء الوحدة الوطنية،‮ ‬وتتحصن بدفاعات توظف الدين وتمسك بكتاب المولى العلي‮ ‬القدير،‮ ‬والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية وأخبار الصحابة‮ ‬يقتطعون منها ما‮ ‬يريدون،‮ ‬ويوظفون منها كيفما‮ ‬يشاءون دعماً‮ ‬لأفكارهم وتأكيداً‮ ‬على صحة آرائهم التي‮ ‬تزعم وبشكل فج بأنها تصب دوماً‮ ‬في‮ ‬الدعوة إلى الوحدة الوطنية،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬لم نشهد ولم نلمس من هؤلاء على أرض الواقع سوى كل ما‮ ‬يشحن النفوس ويجعل الطائفية بأبشع أنواعها وألوانها تزداد رسوخاً‮ ‬على حساب المجتمع والدولة بافتعال النعرات والتجاذبات حول مسائل الهدف منها خلق الاصطفافات والاستقطابات الطائفية والمذهبية،‮ ‬وعشنا بسبب ذلك أجواء قلقة وحالة من المآزق والتمزقات والإفلات من كل منطق وعدم فهم حقيقي‮ ‬لمعنى المسؤولية‮.‬
إن المسؤولية تدعو أول ما تدعو إلى ولوج طريق التغيير الحقيقي‮ ‬للحياة السياسية وتطويرها على أسس ديمقراطية سليمة تنقلنا إلى رحاب المواطنية الصادقة المخلصة للوطن والشعب‮.‬
‮ ‬هذا أولاً‮…‬
المسؤولية تقتضي‮ ‬ثانياً‮ ‬التزام كل تلك الأطراف بترجمة توجيهات جلالة الملك إلى عمل وطني‮ ‬وبكل ما‮ ‬يجعل المزاج العام ساخناً‮ ‬أو منفلتاً‮ ‬أو مشحوناً‮ ‬بالنفس الطائفي،‮ ‬وقبل ذلك لا بد من توافر إرادة الالتزام الحقيقي‮ ‬بهذه التوجيهات‮.‬
وثالثاً‮ ‬فإن المسؤولية مشتركة بين الحكومة وأعضاء مجلس النواب،‮ ‬وقوى ومؤسسات المجتمع المدني،‮ ‬والمساجد والمآتم،‮ ‬والصحافة والإعلام،‮ ‬والتربية والتعليم،‮ ‬والمؤسسات الشبابية،‮ ‬فالمتراكم‮ ‬يحتاج إلى جهد من الجميع،‮ ‬جهد استثنائي‮ ‬حقيقي‮ ‬فاعل ومؤثر إلى أبعد الحدود‮.‬
فالحكومة مثلاً‮ ‬ليس عليها أن تكتفي‮ ‬بالإعلان بأنها لن تسمح بأي‮ ‬تجاوز في‮ ‬القيم والثوابت الوطنية،‮ ‬أو أن تشكل لجنة لمراقبة المنابر والصحف والمواقع الإلكترونية لضمان تحقيق ذلك الهدف،‮ ‬بل عليها أن تكون حقاً‮ ‬هي‮ ‬القدوة والمثل في‮ ‬إرساء القيم والثوابت الوطنية بالممارسة والفعل والتشريع،‮ ‬وفي‮ ‬هذا السياق لا بد من تجريم الطائفية والتمييز وعدم‮ ‬غض النظر عن التجاوزات،‮ ‬وأن تتوقف عن دعم الطائفيين الموتورين الذين خلقوا هذه المناخات التي‮ ‬تطأفن كل جهد وعمل وطني،‮ ‬ولا بد أن‮ ‬يقترن ذلك بإشاعة مبدأ الجدارة والكفاءة في‮ ‬اختيار الموظف المناسب للمكان المناسب،‮ ‬ويصبح ساعتئذ ولاء الموظف للوطن لا لهذا المسؤول أو ذاك،‮ ‬أو لهذه الزعامة الطائفية أو تلك،‮ ‬أو لهذا التكتل النيابي‮ ‬أو ذاك‮.‬
أما مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬وقواه الفاعلة فبمقدورها أن تفعل الكثير حيال كل ما‮ ‬يحفظ النسيج الاجتماعي‮ ‬ويعزز الوحدة الوطنية،‮ ‬وما الحملة التي‮ ‬دشنتها جمعية‮ “‬وعد‮” ‬قبل أيام تحت شعار‮ “‬نداء من أجل الوحدة الوطنية‮”‬،‮ ‬إلا صورة من صور التحرك الايجابي‮ ‬المعبر عن القلق من الاحتقان الطائفي‮ ‬المتفاقم الذي‮ ‬ينذر بعواقب وخيمة على الوحدة الوطنية ومصالح المواطنين المشتركة جراء الشحن الطائفي‮ ‬الذي‮ ‬يمارسه بعض المحسوبين على الدين والسياسة ممن تخصصوا في‮ ‬توجيه التهم والإساءات والسباب والتخوين والتكفير للأفراد والجماعات والتيارات والكتل‮.‬
وبالنسبة للصحافة ووسائل الإعلام فما عليها الآن على الأقل إلا أن تثبت تمسكها والتزامها بميثاق‮ “‬صحفيون ضد الفساد‮”،‮ ‬وأن تمتنع عن نشر كل ما‮ ‬يقسم ويشرذم ويذكي‮ ‬الشحن الطائفي‮ ‬والعصبيات الضيقة،‮ ‬وحتماً‮ ‬هذا لا‮ ‬يعني‮ ‬أن المطلوب التلكؤ أو التخاذل،‮ ‬والتراجع في‮ ‬موضوع احترام الحريات،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها حرية التعبير،‮ ‬فهذا الاحترام‮ ‬يجب ألا‮ ‬يكون بديهياً‮ ‬فحسب،‮ ‬بل لا بد أن‮ ‬يتخطى ذلك ليصبح مبدأ مدروساً‮ ‬بجدية وعمق هادفين إلى الارتقاء بكل ما‮ ‬يخدم مصلحة الوطن والمواطن،‮ ‬ولكن لا‮ ‬ينبغي‮ ‬تحت زعم هذه الحريات أن نحولها إلى أعباء جسيمة هي‮ ‬في‮ ‬كل الأحوال تمنع تطور الشعب والوطن‮.‬
هناك أيضاً،‮ ‬خصوصاً‮ ‬النواب وكتلهم،‮ ‬فذاكرتنا لا تزال عالقة بتلك الأصوات الناشزة منهم والناطقة بكل ما هو‮ ‬غير مقبول في‮ ‬لغة التخاطب السياسي،‮ ‬وبذلك الهرج والمرج الذي‮ ‬طأفن العمل النيابي‮ ‬وأذكى الطائفية،‮ ‬ولا ننسى دور أصحاب السماحة والفضيلة من رجال الدين،‮ ‬والجمعيات والقوى السياسية،‮ ‬الجميع دون استثناء عليهم دور وواجب حمل عبء المسؤولية في‮ ‬وقف تأجيج المشاعر الطائفية التي‮ ‬تشتد خطورتها عندما تتسرب آثارها إلى قلوب الأجيال الجديدة،‮ ‬والمواطن عليه أن‮ ‬يحتكم إلى العقل حتى لا‮ ‬يكون وقوداً‮ ‬لأي‮ ‬فتنة تدفع بنا إلى المجهول أو تفضي‮ ‬بنا إلى ما‮ ‬يحمّل مجتمعنا المزيد من الأورام والأمراض ما‮ ‬يكفي‮ ‬لتكبيله وتجميده‮.‬
بقي‮ ‬أن نقول للجميع‮: “‬الفضيلة ليست بإطلاق الحكمة وإنما الفضيلة تكون بالعمل بالحكمة‮”.‬

صحيفة الايام
27 يوينو 2008

اقرأ المزيد

كتابة تاريخنا الوطني (1 – 2 )

كنت قد أشرت عرضا قبل ايام في هذه الزاوية الى اتصال هاتفي قد تلقيته من أحد الاخوة الأعضاء في مجلس الشورى السعودي يثني فيه على الحلقة الماضية من هذه السلسلة التاريخية “حكايات من تاريخنا” والتي تناولت فيها بالعرض والتعليق كتاب الأخ الدكتور محمد حميد سلمان “حكايات من زمن البرتغاليين”، وعلى الأخص فيما ذكرته عن حكاية بطل أوال مقرن بن زامل الجبري التي هي حكاية مجهولة في الغالب في مناهجنا التعليمية التاريخية، ومن ثم تطرقنا الى الحاجة الى تفعيل النشاط البحثي والكتابي عن تاريخ بلداننا الخليجية، بمنهجية علمية موضوعية بعيدا عن العواطف والعصبيات على اختلاف أنواعها من سياسية وقبلية ودينية وطائفية وحزبية ومناطقية وخلافها.
وأيد محدثي ما ذكرته من ان الحساسيات السياسية الزائدة لدى صناع القرار في بلداننا الخليجية عامة هي السبب الأول الذي يحول دون تدوين تاريخنا بمنهجية علمية امينة، وان هذه القضية تكاد تكون قضية مشتركة في حقل البحث العلمي التاريخي في كل دول مجلس التعاون دون استثناء. وضرب لي بدوره امثلة ونماذج من وأد محاولات مهمة عديدة جرت لكتابة تاريخ بلاده وكأن لسان حاله يقول “كلنا في الهم شرق”.
 النقطة الأخرى التي ذكرها محدثي السعودي خلال محادثتنا الهاتفية التي امتدت زهاء نصف ساعة هي نقطة جديرة بالذكر وتتمثل في ما اعتاد عليه الحكام العرب والمعارضات العربية من محاولات عبثية لمحو كل ما هو ايجابي في العهود التي سبقتهم ارضاء لنزواتهم السياسية، ومن ثم تصوير كل فترة الحكم السابق، سواء أكانت لحاكم أو نظام سياسي، بأنها شر مطلق، فكأنما التاريخ لم يبدأ إلا بمجيء هذا الحاكم او ذاك الحاكم، او لكأنما التاريخ انتهى بنهاية الحاكم او النظام السابق، سواء جاء الحاكم العربي الجديد الى سدة الحكم بالقوة ام جاء على نحو سلس توارثي او انتخابي صوري بعد وفاة الحاكم السابق، كما في الجمهوريات العربية، والتي غدت بدورها جمهوريات وراثية.
وحتى فترات العهود العربية التي لم يعلن خلالها حكامها العرب مشاريع وشعارات “اصلاحية” لم تكن انجازات هذه العهود معدومة تماما، لا بل تثبت تجارب السنوات القليلة في اكثر من بلد عربي كم تفتقد هذه البلدان الآن لكفاءات تنفيذية ادارية عليا من طراز ومستويات تلك العهود السابقة في اكثر من حقل اداري وفني وعلمي داخل الدولة، وبخاصة في ظل التلاشي السريع لتلك الشعارات الاصلاحية وخفوت اشعاعات بريقها بعد استنفاد اغراضها هي التي لطالما دغدغت مشاعر العامة، لا بل انطلت على النخب السياسية المعارضة.
كما من المسائل الجدير التوقف عندها فيما يتعلق بكتابة التاريخ والتي اختتمت بها حلقة الاسبوع الماضي الخاصة بكتاب الأخ الدكتور محمد سلمان هي مسألة الاسلوب او المنهج المتبع في جل كتاباتنا التاريخية الخليجية بشكل خاص والعربية بوجه عام، حيث يغلب على هذه الكتابات والدراسات التاريخية اسلوب السرد الأجوف الأشبه بسرد الاخبار والوقائع دون الغوص في عمق التحليل السياسي والاجتماعي للفترة التاريخية التي يتناولها الباحث او المؤلف، بما في ذلك تحليل العلاقات الاجتماعية السائدة في الفترة التاريخية موضع البحث والقوى السياسية والاجتماعية المؤثرة والمشهد الثقافي السائد، واوضاع الفئات والطبقات الاجتماعية، وادوار كل منها في حركة التغيير الاجتماعي.
مما لا شك فيه ان ثمة لونا من الكتابات التاريخية لها نكهتها الخاصة المميزة وهذه لا خلاف عليها، لكنها تختلف عن الكتابة او الدراسة التاريخية التي ينبغي ان تقوم على منهجية علمية رصينة بعيدا عن كتابات الخواطر الادبية او السرد او الطريقة “الحكواتية” ان جاز القول. ومن المؤسف ان كل تاريخنا العربي، سواء على الصعيد القطري ام على الصعيد القومي، لم يقيض له بعد ان يكتب على هذه الاسس المنهجية العلمية، اللهم الا محاولات فردية متقطعة من قبل قلة من الباحثين في التاريخ، وما كل ذلك الا لغياب الهامش الكافي لحرية التعبير والديمقراطية، بما في ذلك حرية الحصول على المعلومات وحرية البحث العلمي في كل دولنا العربية.

صحيفة اخبار الخليج
26 يونيو 2008

اقرأ المزيد

حواس لا تنقصها شهادة‮!!‬

لماذا كلنا نلهث؟‮ ‬
‮- ‬الفقير الجائع‮ ‬يلهث‮ ‬
‮- ‬والمترف‮ ‬يلهث أيضاً‮ ‬كلما كشفت عورة الفقير القرش الأسود المنحشر في‮ ‬جيبه المفتوق‮.. ‬
؟؟؟
لماذا كلنا‮ ‬يسيل لعابنا؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يسيل لعابه إذا تخيل‮ -‬فقط تخيل‮- ‬وجبة لم‮ ‬يأكلها منذ زمن‮.‬
‮- ‬والمترف‮ ‬يسيل لعابه كلما ارتفع رصيده البنكي‮ ‬ولم‮ ‬يصرف منه قرشاً‮ ‬واحداً‮ ‬لإطعام نفسه‮.. ‬وكلما تمكن من الاستيلاء على جيوب الفقراء دفعة واحدة لإرضاء معدته بوجبة واحدة‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نعرق؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يعرق من أجل قوت‮ ‬يومه‮. ‬
‮- ‬والمتاجر بالضمائر‮ ‬يعرق من أجل خطف هذا القوت من فمه‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نغضب؟
‮- ‬الفقير‮ ‬يغضب على كل شيء فيه وحوله إذا ضاقت به الحال في‮ ‬كل الأحوال‮. ‬
‮- ‬والمترف إذا‮ ‬غضب‮ ‬يبحث عن سبب لغضبه،‮ ‬لأنه اعتاد أن‮ ‬يكلف من‮ ‬يغضب عنه إذا استاء حاله من أحد‮. ‬
؟؟؟
لماذا كلنا نضحك؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يضحك لأنه‮ ‬يخشى أن‮ ‬يموت في‮ ‬أي‮ ‬لحظة‮. ‬
‮- ‬والمترف‮ ‬يضحك إذا اختل توازن أحد من الفقراء أمامه‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نبكي؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يبكي‮ ‬على نفسه في‮ ‬الغالب لأنه‮ ‬يشكو من حزن لا‮ ‬يعرف سببه منذ ولادته‮.. ‬
‮- ‬المترف‮ ‬يبكي‮ ‬كي‮ ‬يبكي‮ ‬الكل معه ومن أجله‮. ‬
؟؟؟
لماذا كلنا نعطس؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يعطس لأنه معرض لكل أنواع الجراثيم والفيروسات في‮ ‬حياته‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يعطس إذا استاء أنفه من عطر لا‮ ‬يعجبه‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نشعر بالبرد؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يشعر بالبرد لأنه‮ ‬ينام جوعاناً‮ ‬ولا‮ ‬يجد بطانية تدفئ جسده‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يشعر بالبرد لأنه‮ ‬يحتاج إلى الدفء فيجده‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نشعر بحرارة الصيف؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يشعر بحرارة الصيف لأنه جربها في‮ ‬مواسم أخرى‮ ‬غير الصيف‮. ‬
‮- ‬المترف‮ ‬يشعر بها لأن جسده مكيف في‮ ‬المواسم الأخرى‮. ‬
؟؟؟
لماذا كلنا تقشعر أبداننا؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يقشعر بدنه كلما رأى‮ ‬غنياً‮ ‬يشتري‮ ‬بالجملة ولا‮ ‬يدع له حاجة واحدة كي‮ ‬يشتريها‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يقشعر بدنه كلما رأى فقيراً‮ ‬يدنو من طبقه‮. ‬
؟؟؟
لماذا كلنا نفغر أفواهنا؟
‮- ‬الفقير‮ ‬يفغر فاه إذا صادف سلوكاً‮ ‬غير متوقع تجاهه أو تجاه الفقراء من رجل أو شخص جبل على امتصاص دماء البشر لا على منحها إياه‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يفغر فاه إذا رأى فقيراً‮ ‬تعافى في‮ ‬حينه بعد أن أوسعه ضرباً‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نصرخ؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يصرخ كي‮ ‬يسمعه الله‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يصرخ كي‮ ‬يكف الله عن استماعه للفقير‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نرتجف؟
‮- ‬الفقير‮ ‬يرتجف لخلل فيزيولوجي‮ ‬سيكولوجي‮ ‬قهري‮ ‬لازمه منذ كان نطفة في‮ ‬رحم الفقر‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يرتجف إذا دنا أجله وإذا لم‮ ‬يستجب أحد ممن حوله للارتجاف عوضاً‮ ‬عنه‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نبصق؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يبصق‮ ‬غالباً‮ ‬في‮ ‬وجه الفقر وفي‮ ‬وجه من أوجده‮. ‬يبصق حتى تهلك رئتاه فيسأم‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يبصق كي‮ ‬يختبر هيبته فحسب‮.‬
؟؟؟
لماذا كلنا نومئ بأصابعنا؟‮ ‬
‮- ‬الفقير‮ ‬يوميء بإصبعه كي‮ ‬يشهد الله أنه وحيد دونه‮.‬
‮- ‬المترف‮ ‬يوميء بأصابعه كي‮ ‬يشهد الله وحدانيته‮.‬

‮❊ ‬ملاحظة‮: ‬المترف المقصود في‮ ‬هذه المفارقة عديم الضمير،‮ ‬إذ ليس كل مترف ليس لديه ضمير‮!‬

صحيفة الوطن
25 يونيو 2008

اقرأ المزيد

الصّفْعةُ الأيْرلَنْدية

الأيرلنديون شعب صغير وقديم، بلدهم عبارة عن جزيرة أصغر من الجزر البريطانية، واقعة بمحاذاتها؛ مكملة لها، في الركن الشمالي الغربي من القارة العجوز. يتسم الايرلنديون بمزايا وطباع لايمكن دائما التنبؤ بما قد يقومون به .. هذا ما يفيدنا تاريخهم العريق والملتبس ، القديم والحديث !  كانوا جزءًا لا يتجزأ من المملكة المتحدة ، المتكونة  من انجلترة / اسكتلندة / ويلز/ ايرلندة.  ثاروا على التاج البريطاني لقرون طويلة وقامت حروب طاحنة ، عُرفت نهاياتها بحرب الاستقلال ، حتى فرضوا استقلالهم على أعتى قوة استعمارية عرفها التاريخ بالرغم من أن الدهاء البريطاني المشهور أبى إلا أن يترك لهم مشكلة قائمة أشبه بمسمار جحا (مشكلة أيرلندة الشمالية) كعادة هذا الاستعمار العتيق ، الذي خلق في كل ركن من الكرة الأرضية مشكلة مستعصية على الحل.. والشواهد كثيرة، لعل على رأسها مشكلة فلسطين ! 
جمهورية أيرلندة التي أنشئت في سنة 1922 بعد الثورة وحرب الاستقلال الأيرلنديتين دامت لقرون ، هي ليست نفسها في العقود الأخيرة ، على مختلف الصّعُد.. استقرت الأوضاع الاقتصادية فيها إلى درجة أصبحت أيرلندة المعاصرة من أفضل الدول الناجحة اقتصاديا وان كان على حساب تاريخها وثقافتها وطيبة أهلها ودفئهم الإنسانيّ ، التي أصابها كلها الفتور والانحسار.. وها هي اللغة الايرلندية تموت تدريجيا- إن لم تمت بالفعل- لتحل محلها اللغة الانجليزية!  جاءتها الاستثمارات المالية الضخمة من القارة الأم ومن شقيقتها الكبرى ، خلف المحيط ؛ الولايات المتحدة الأمريكية ، التي يعيش فيها عشرات الملايين الأمريكيين من أصل أيرلندي ، كانوا قد هاجروا إليها بأفواج وموجات عديدة ومتتابعة ، في القرون والعقود السابقة هاربين من القحط والمجاعة والحروب 
صفع الشعب الأيرلندي المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي ، حينما صوّت برفض “اتفاقية لشبونة” في الأسبوع الفائت بأكثرية اقتربت من 54 % ، محدثا دويا سياسيا هائلا ، مدخلا الزعامة الأوروبية والأيرلندية المتحمسة والمستعجلة لتصديق وتنفيذ بنود الاتفاقية ، في دوامة لا تعرف كيفية الخروج منها ، ومرد ذلك أن الاتفاقية المذكورة والمعدلة عن الاتفاقيات السابقة هي  بمثابة الدستور الأوروبي الذي سينظم كل دقائق الحياة في القارة الأوروبية المعاصرة..  فلماذا حدث غير المتوَقّع هذا؟!  
هناك خطان سياسيان متعارضان فيما يتعلق بمسألة الوحدة الأوربية ، تعبران عن مصالح متباينة وتجسدان الصراع القائم الآن في المجتمعات الأوروبية وتداعياته المركّبة والمتناقضة؛ خط رسمي وشبه شعبي يعبر عن الشعور الأوروبي الموحد في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسيكولوجية وغيرها، حيث يرى ضرورة الاندماج والتصديق الفوري على التشريعات الموحدة ، من قِبَل كل الدول الأعضاء، الذين وصل عدهم الآن 27 دولة أوروبية . هذا الخط ، الموصوف بالليبرالية الجديدة “نيوليبراليزم”، ذو نزعة يمينية برجماتية (بجناحيه المحافظ والمتحرر) ، يصب في مصلحة الصفوة الحاكمة،  لمدّ النفوذ والهيمنة والتحكم في بلدان العالم . واستمرار الهيمنة الداخلية على الناس من خلال خلق مجتمع استهلاكي شرِه كمّيّ لا كيفيّ ، تزداد فيه ظاهرة “الاغتراب” المرضية ، غير عابئ للخصوصيات الثقافية والقومية لكل شعب ، له ميل شبق للربح السريع بأي ثمن حتى لو كان على حساب النظافة البيئية والتشريعات والحقوق التي تمتع بها مواطنو البلدان الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومحاولة التملص عن الضمانات الاجتماعية وتقليصها ، بل حتى التراجع عن الحريات الديمقراطية الأساسية !   وخط معارض شعبي راديكالي لا يلغي صيغة التعاون الضروري بين البلدان الأوروبية، لكنه يرى أن الصيغة الحالية المطروحة تعبر عن مصالح الرأسمال الكبير الذي يريد في الواقع تأسيس دولة مركزية كوزموبوليتية (فوق قومية)، شبه عسكرية ، تجنح للنفوذ والسيطرة، بأدواتها غير المرئية والمتحكمة في الرأي العام عبر سلاح “الميديا” الرهيب ، وإيجاد مجتمعات يتحول فيها المواطنون إلى “مستهلكين” فحسب ، تذوب فيها كل السمات الوطنية والثقافية للناس . ولذك فان هذا الخط  يناضل من أجل تحقيق شعاره : “الرفض لأوروبا الصفوة ونعم لأوروبا الشعب”! 
وصفت تحليلات قوى المعارضة الأيرلندية هذا الرفض بمثابة مسمارٍ رئيسٍ في نعش منظومة الوحدة الأوروبية بمفهومه التعسفي والمركزي، مبتهجة بالنتيجة هذه، على الرغم من الفارق الكبير في القوة والنفوذ وسطوة المال وميزان القوى السياسي ، حيث ساندت وغذت الأحزاب السياسية الأربعة الرئيسة ؛ الفيانا فيل (الحزب الأكبر في الحكومة الائتلافية) ، الفين غيل (المنافس الأول للحكومة) ،  حزب العمال ، التقدمي الديمقراطي (عضو الحكومة الائتلافية) معسكر الموافقين!  أما أحزاب المعارضة للاتفاقية فهي : الشين فين (أقدم حزب سياسي والجناح السياسي للجيش الأيرلندي السري) ، حزب الخضر (عضو الحكومة الائتلافية)، الحزب الاشتراكي ومجموعات أخرى من أحزاب راديكالية صغيرة منتظمة جُلّها في  بلاتفورم “حركة الشعب”، الذي يسيطر عليه الشيوعيون بالتعاون مع الاشتراكيين ،التروتسكيين والمستقلين. فقد رأت المعارضة للاتفاقية انه وبالرغم من المصادر المالية الجبارة وقوة “الميديا “الهائلة لمعسكر ” نعم” ، بجانب القدرة والجبروت لعمليات الابتزاز السياسية التي برع فيه ذلك المعسكر دائما . أما معسكر “لا ” المعبّر عن ما يجيش في وجدان  رجل الشارع العادي ، العامل والمثقف والمزارع الصغير، فقد كان صوتا ضد المركزية المفرطة للقوة والهيمنة ، بل كلمة تعبّر عن رفض الناس لسلطة نخبة “الايليت” السياسية الفاسدة والمرتشية ، المستعدة لخدمة أسيادها في تنفيذ سياسات فوق قومية لمصلحة صفوة الطبقة الحاكمة  “السوبر كلاس”. 
 وكدليل على هذا الرأي من قبل المعارضة ، التي اعتبرت “اتفاقية لشبونة” ميتة الآن ، مشيرة إلى درجة الاستهانة التي وصلت لدى السياسيين المتحكمين في البرلمان الأوروبي ، حيث رأت في تصريحات رئيس المفوضية العليا للوحدة الأوروبية البرتغالي “مانويل بروسو” (قبل وبعد نتيجة التصويت ) حينما قال: “أنهم سيمضون قدما لتنفيذ بنود الاتفاقية، التي مازالت موجودة وهي هنا لتعيش” ، دليل على الاستخفاف الشديد  للرأي العام الأوروبي ، غير عابئ للأصول الديمقراطية ،التي عادة ما يتشدق بها هذا النوع من القياديين، خدم رأس المال العالمي ! 
يبقى السؤال ..  هل ما فعله الأيرلنديون ومن قبلهم الفرنسيون والهولنديون والدنماركيون ، سيُجبر نخبة “الايليت” السياسية من إعادة حساباتها ، لتعديل بنود “اتفاقية لشبونة” بشكل يعبر عن مصالح الأكثرية أو لمراضاتهم على الأقل؟  أو أن الحكومة الأيرلندية ستعيد الاستفتاء مرة أخرى كما فعلت في السابق ويعيد التاريخ نفسه ؟!  .. على أية حال ، سيظل الصراع مستمراً بين نهجين سياسيين مختلفين في القارة الأوروبية ، التي تعتبر مركزا أساسا للمنظومة العالمية المعاصرة .. ولا يستطيع احد أن يتنبأ بما ستستقر عليه طبيعة ومصير الاتحاد الأوروبي المرتجى. 

صحيفة الوقت
24 يونيو 2008

اقرأ المزيد

وزارة الصحة ومشكلة الأدوية

لعل من نافلة القول ان أوضاع الخدمات الصحية في معظم البلدان العربية تشهد تدهورا غير مسبوق، وهذا على عكس ما هو مفترض بأنه مع تقدم وسائل العلاج، بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية، ومع تزايد الموارد البشرية الطبية المدربة يزداد تقدم هذه الخدمات الصحية طرديا. هنالك بطبيعة الحال عوامل موضوعية وذاتية متعددة لهذه النتيجة الكارثية العكسية المتمثلة في هذا التدهور المريع في الخدمات الصحية العربية ليس هنا مجال الخوض فيها، وان كنت أحسبها معروفة كلها أو جلها لذوي الألباب في البلدان العربية المعنية كافة.
وعلى صعيدنا المحلي فلعل هذا التدهور بدأ يأخذ منحاه التصاعدي بشكل لافت محسوس منذ ما يقرب من سبع أو ثماني سنوات وعلى نحو غير مسبوق منذ تأسيس وزارة الصحة غداة الاستقلال 1971، ويمكن لأي امرئ بحريني من دون استثناء أن يعدد ببساطة ما يشاء أوجه ومجالات القصور المتصاعد وتراكم الاخطاء والمشاكل والمقارنة بين حقبتين مميزتين: حقبة الثلاثة العقود الأولى التي اعقبت الاستقلال، وحقبة ما بعد هذه العقود الثلاثة. فما من مواطن أو مقيم على وجه ارض البحرين بأكملها إلا وله ما لا يقل عن خمس تجارب كبيرة مريرة مع مستشفى السلمانية من الأخطاء الفادحة خلال السنوات السبع الماضية التي يصعب عليه ان يلتمس عذرا لها، مهما ردت ادارة المستشفى من المبررات، دع عنك الأخطاء والتقصيرات المتوسطة أو الصغيرة التي يمكن للمواطن التماس الأعذار للوزارة، لعل وعسى.
لكن دعونا نأخذ في هذا المقام على سبيل المثال وكنموذج محوري مهم واحدا من المجالات الصحية المتعددة التي ما فتئت تشهد تدهورا في الخدمات العلاجية والطبية الا هو قطاع الأدوية، ففضلا عن الارتفاعات المتوالية في أسعار الأدوية فان الأدوية ذاتها أضحت اليوم ليست تحت متناول جيوب السواد الأعظم من المواطنين، اللهم الأدوية البسيطة المرتبطة بالأمراض غير الخطيرة الاعتيادية اليومية والتي بدورها ارتفعت أسعارها ارتفاعات قياسية متوالية، فما بالك بالأدوية الفائقة الأهمية التي قد يتسبب عجز المريض عن الحصول في تعرضه لأمراض خطيرة أو مضاعفات تفضي به الى الهلاك المحتوم. فهل كانت الخدمات الصحية في قطاع الادوية خلال حقبة عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات على هذا النحو من التدهور والقصور؟
واذا كانت مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية هي مشكلة عالمية فإن ذلك لا يعني البتة انتفاء أي دور لوزارة الصحة للتخفيف منها ولو نسبيا عبر ليس تشديد الرقابة الميدانية على الصيدليات التجارية فحسب من حيث الاسعار، بل عبر رقابة مدى صلاحية الادوية، سواء فيما يتعلق بانتهاء عمرها الافتراضي او فيما يتعلق بكونها مزورة، علما بأن صيدليات الوزارة نفسها شهدت حالات عديدة – كما نشرت صحافتنا – من وجود ادوية في مخازنها ورفوفها انتهى عمرها الافتراضي أو فاسدة، دع عنك غياب العديد من الادوية في كثير من الحالات.
وأستميح القارئ هنا بأن أشير على سبيل المثال لا الحصر الى واحد من هذه الادوية الفائقة الضرورة الا هي حبوب «الوارفرين« التي تساعد المريض على تدفق الدورة الدموية في جسمه، وتعطى لفئة من مرضى القلب لتفادي تعرضهم الى جلطات مميتة. فمن واقع تجربة شخصية فقد اعتدت منذ نحو عشر سنوات أو أكثر أن اصطحب الوالدة الى مستشفى السلمانية كل اسبوعين او ثلاثة اسابيع لإجراء تحليل لدمها وبناء على التحليل تعطى حبوب «الوارفرين« بالمقياس المناسب حسب نتيجة التحليل، ولكنني فوجئت في احدى المرات الاخيرة باختفاء هذه الحبوب الفائقة الاهمية من صيدلية المستشفى باستثناء بضع حبات مما عرضها لاحقا الى انتكاسة مرضية بالغة الخطورة شارفت بسببها على الموت لولا عناية الله سبحانه وتعالى وتدارك بعض اطباء قسم الطوارئ والخيرين الذين قرروا على الفور ترقيدها، ولم تتوافر الحبوب هذه الا بعد فترة لاحقة.
وخذ على سبيل المثال هذا الازدحام المتزايد غير المسبوق في الصيدلية المركزية الوحيدة في الدور الارضي بمستشفى السلمانية من دون توسيع لا محلها ولا اقامة صيدلية اضافية واحدة أو اثنتين أخريين في المستشفى ذاته وزيادة كذلك عدد العاملين في هذه الصيدلية، هذا على الرغم من ضخامة مستشفى السلمانية وما شهده من توسعات عمرانية متعددة في مرافقه، وهكذا يتحتم على العديد من المرضى ان يتجشموا مشقة السير من مسافات طويلة من مرافق وردهات المستشفى الطويلة والمتباعدة لبلوغ الصيدلية المركزية ثم انتظار دورهم الرقمي الآلي بالمئات لفترة لا تقل عن ساعة واحدة في معظم الحالات. أما فيما يتعلق بمشكلة الأدوية المزورة، فلا أعتقد ان البحرين خالية تماما من هذه المشكلة، فاذا كانت هذه المشكلة لا تعاني منها دول العالم الثالث فحسب، بل حتى الدول المتقدمة المعروفة بتقاليدها في الديمقراطية والشفافية، وإن بنسبة تصل الى 1% فقط فما بالنا بالبلدان العربية ومنها بلادنا حيث تقدر نسبة الادوية المزيفة في العالم الثالث، حسب «الفاينانشيال تايمز« بـ 10%؟ وبالتالي فمن الاهمية بمكان تشديد الرقابة في هذا الشأن حتى لو كانت نسبة المزوّر من الادوية لدينا متدنية.
وأخيرا فمن الأهمية بمكان ان يتعاون اهل الخير وكل الجهات الخيرة من مؤسسات تجارية وأثرياء مع وزارة الصحة لإقامة مشاريع خيرية كإقامة جمعيات صيدليات تعاونية بأسعار مناسبة ان لم تكن رمزية فعلى الأقل معتدلة غير مبالغ في ارتفاعها، كما من الأهمية بمكان ان تتعاون هذه الاطراف للحاق بركب دول مجلس التعاون في اقامة مشاريع لتصنيع الأدوية.

صحيفة اخبار الخليج
24 يونيو 2008

اقرأ المزيد

القواعد الأمريكية في‮ ‬العراق وكوابيس الجوار

حمل الوفد العراقي‮ ‬الكبير برئاسة نوري‮ ‬المالكي‮ ‬رئيس وزراء العراق ملفين أساسيين وكلاهما لم‮ ‬يقنعا الطرف الإيراني‮ ‬بقدر ما اعترى اللقاء فتور وبروتوكول بارد،‮ ‬ففي‮ ‬ذهن الإيرانيين‮ ‬يعيش كابوس اسمه الجيش الأمريكي‮ ‬المحاذي‮ ‬لحدودهم منذ اللحظة الأولى التي‮ ‬دخل فيها ذلك الجيش،‮ ‬وقام بإسقاط نظام صدام معلنا انه جاء للمنطقة من اجل الحرية وإزالة كل الأنظمة الاستبدادية وإرساء الحريات والديمقراطية فيها فكانت تلك الرسالة موجهة لأنظمة عدة تفقد للمفاهيم والمصطلحات الأمريكية للحرية والديمقراطية حتى وان كانت قائمة على أسنة الرماح‮. ‬
منذ تلك اللحظة الكابوسية وإيران تواصل بناء ترسانتها العسكرية إلى أن بلغ‮ ‬بها الأمر ذروة المشروع النووي‮ ‬الذي‮ ‬بات موضوعا‮ ‬يقض مضجع دول الجوار مثلما‮ ‬يقض مضجع إسرائيل بشكل هستيري،‮ ‬فقامت قيامة المنطقة ولم تقعد حول ذلك الملف خوفا من انتشاره وبلوغه قمة الخطر ولكن الوفد العراقي‮ ‬لم‮ ‬يكن معنيا بالاستماع أو تقديم النصح للطرف الإيراني‮ ‬وإنما إيصال نقطتين هامتين هو طمأنة الإيرانيين بان الاتفاقية بوجود قاعدة أمريكية دائمة ليست موجهة إلى أحد‮. ‬هذا التطمين لم‮ ‬يقنع الجانب الإيراني‮ ‬مثلما الملف الثاني‮ ‬الذي‮ ‬قدمه العراقيون حول تورط الإيرانيين بمساعدة ميليشيات عراقية بالأسلحة وبكل أشكال الدعم‮. ‬
وعلى الرغم من أن الجميع‮ ‬يعرف من هي‮ ‬تلك الميليشيات التي‮ ‬ضبطت داخل العراق كجماعة جيش المهدي‮ ‬غير أن الإيرانيين لم‮ ‬يعترفوا بكلا الملفين لا التطمينات ولا التورط ولكن من حق الطرف العراقي‮ ‬أن‮ ‬يحمل الملفات إلى دولة مجاورة وصديقة تدرك أنها تؤيد تنظيما كحزب الدعوة،‮ ‬وهو جزء مكون وأساسي‮ ‬في‮ ‬الحكومة العراقية،‮ ‬ولكنه في‮ ‬الوقت ذاته‮ ‬يرتبط بالإدارة الأمريكية ارتباطا قويا فكيف إزالة تلك الثنائية المتناقضة ثنائية العلاقة بطهران وواشنطن بينما ظلت الحوارات متمحورة دون زحزحة بأن مشاكل العراق هو الاحتلال وهو خطاب حافظ،‮ ‬ولا‮ ‬يزال الإيرانيون‮ ‬يواصلون التشبث به دون أن‮ ‬يفصحوا مباشرة أن هذا الاحتلال قاب قوسين أو أدنى من حدودهم وهو بمثابة إنذار‮ ‬يدق نظامهم باستمرار،‮ ‬حيث تعلن دوما واشنطن إزاء الملف النووي‮ “‬أن خيار الحرب قائم‮” ‬حتى وان لم تستنفذ خيارات الحوارات السلمية وتقديم كل الحوافز إلى طهران شريطة التخلي‮ ‬عن برنامجه النووي‮.‬
‮ ‬لقد كان لقاء طهران‮ – ‬بغداد الأخير ليس إلا لقاء استهدف كل طرف منه الدفاع عن نفسه بشتى السبل دون الحاجة إلى الاقتناع بمعرفة رد الطرف الآخر وإقناعه فلدى صقور طهران قناعات ثابتة في‮ ‬حربها الأيديولوجية مع الشيطان الأكبر،‮ ‬وزاد من قناعتها عندما وصل إلى بلد الرشيد وسحب تمثال صدام في‮ ‬شوارعه،‮ ‬حيث فرحت طهران بذلك‮ “‬التمثيل للتمثال‮” ‬في‮ ‬الشوارع وحزنت بعمق لشعورها المرير بوجود الاحتلال وانتشار الجيش الأمريكي‮. ‬وبحوار بغداد مع القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية حول توقيع الاتفاقية العسكرية الطويلة الأمد والثابتة بوجود القاعدة زالت كل التخمينات والتخرصات عن مسألة وجود الجيش الأمريكي‮ ‬مؤقتا وأهمية انسحابه التدريجي‮.‬
فكل تلك الأوراق الانتخابية أو الدعاية لا تلغي‮ ‬البعد الاستراتيجي‮ ‬لأهمية المنطقة ونفطها وثرواتها،‮ ‬خاصة وان وجود القاعدة الحيوية في‮ ‬العراق استكمال للطوق الخليجي‮ ‬والتركي‮ ‬لدول الجوار المستعصية على الرضوخ‮. ‬من رفضوا وجود القاعدة الأمريكية في‮ ‬الداخل والجوار لا‮ ‬يعني‮ ‬ان آخرين لم‮ ‬يفرحهم حضورها الدائم فإسرائيل بحاجة لطوق من الأمان العسكري‮ ‬في‮ ‬ظل التصعيد الإيراني،‮ ‬وفي‮ ‬ظل القوى الإسلامية التي‮ ‬تعلن باستمرار ضرورة إزالتها وتراها إسرائيل تهديدا لوجودها وللسلم في‮ ‬المنطقة في‮ ‬وقت ترى جميع الأنظمة المختلفة والمتفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل،‮ ‬ان محاربة الإرهاب والتشدد الإسلامي‮ ‬مسألة أساسية كما هو تنظيم‮ “‬القاعدة‮” ‬الذي‮ ‬تجد الحكومة العراقية شوكة هددت أمنها وكان من الضروري‮ ‬أن تبدأ القوات الأمريكية التمشيط المركز على القاعدة من جهة وميليشيات الصدر من جهة أخرى‮. ‬لهذا كان على حكومة المالكي‮ ‬أن تغلق منفذا لذلك القلق بإبلاغ‮ ‬الإيرانيين أن‮ ‬يكفوا عن تزويد تلك الميليشيات بكافة أشكال الدعم تحت حجة مقاومة الاحتلال الأمريكي،‮ ‬فكان على وفد بغداد أن‮ ‬يوصل إلى المرجع الأعلى وحكومته بأن القاعدة الأمريكية صيانة للنظام وحدوده من كافة أنواع الاعتداءات الداخلية والخارجية‮. ‬
فإذا كانت هناك أطراف تقلقها تلك الاتفاقية فان هناك أطراف أخرى تباركها،‮ ‬ففي‮ ‬دول الجوار‮ ‬يوجد العديد من القواعد الأمريكية فلماذا تتدخل إيران وغيرها في‮ ‬الشأن الداخلي‮ ‬لسياسات الدول؟ في‮ ‬وقت تواصل من وراء الكواليس تدخلها الدائم بينما تردد من جهتها اسطوانة حق الشعوب والأنظمة اختيار نظامها السياسي‮.. ‬فهل كل مكونات الشعب العراقي‮ ‬وأحزابه ونظامه متفقة على فهمها لطبيعة القواعد الأمريكية في‮ ‬بلدانها؟‮! ‬
عجيب أمر طهران فيوم دخول حزب الدعوة القادم من طهران متجاورا مع جحافل الجيش الأمريكي‮ ‬لإسقاط صدام باركته في‮ ‬الخفاء وتعاونت معه،‮ ‬أما اليوم فإن ميزان تلك السياسة أصبح خنجرا في‮ ‬الخاصرة خاصة وان إيران تدرك ما هي‮ ‬طبيعة تلك القاعدة وكيف ستدور الرادارات وتحلق طائرات التجسس ليلا ونهارا في‮ ‬فضاء مفتوح حولها من كل الجهات ابتداء من تركيا وآسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وانتهاء بمياه الخليج حتى قمم كردستان‮. ‬فهل بات‮ ‬يقلق إيران تنظيم القاعدة في‮ ‬لبنان بقيادة العبسي‮ ‬وتعكر صفوها وتقض مضاجعها أم تنظيم‮ »‬القاعدة‮« ‬والقواعد الأمريكية في‮ ‬العراق فقط؟‮!
 
صحيفة الايام
24 يونيو 2008

اقرأ المزيد

نحن الطائفيون وأنتم الوطنيون !…”ودئي يامزيكا”


المشهد  الأول:


مجموعة من الشباب يرتدون البرتقالي والأحمر صبية وفتيات تجمعوا معا وهم يصفقون و ينادون بصوت واحد “وحدة وحدة وطنية.. نحن ضد الطائفية”، وتعلى أصواتهم أكثر فأكثر حتى إذا خرجت من دائرتهم تلك تتكسر حول حلقة أكبر ذكورية بحته تهلل وتنادي “شيليلاه” أي شيء إلى الله، وتتزاحم الأصوات والتهاليل والمناشدة لتنتهي أذنك لإلتقاط صوت يخرج من مجموعة ذكورية أخرى تلبس “الثوب الشعبي” ويعلوا صوتها بالتكبير والتهليل تارة وبألحان “الليوة” الجميلة تارة أخرى…




المشهد الثاني:


المجموعة التي نادت “شيليلاه” هي نفسها تجمعت مرة أخرى بعشرات الآلاف في مسيرة سلمية بحتة ونادت بالوحدة الوطنية الإسلامية، ولكننا لم نر فيها أياً من لَبسة القمصان الحمراء أو البرتقالية أو حتى لبسة الثوب الشعبي، وظل التساؤل حائراً،أين الخلل ؟!!
إنه لشيء ملفت جداً ويفتح ألف سؤال وسؤال على أمل التوصل إلى الإجابة المقعنة والحقيقية وغير الزائفة. 


 إذا كانت المسيرة “الألفية” تنادي بالوطنية وبنبذ الطائفية، وتقابلها أصوات أخرى من جماعة “الثوب الشعبي” بنبذ الطائفية والتأكيد على الوطنية، وفي مكان آخر من البحرين هناك كما هو معتاد منهم جماعة القميص الأحمر والقميص البرتقالي، يدعون في كل مناسبة ومن دون مناسبة بوأد الطائفية وقتلها في مهدها، ولكنها للأسف تكبر وتكبر وتكبر في الوقت الذي يطالب الجميع بقتلها، فهل الطائفية تكبر وتستعر في عقولنا فقط وما هي إلا تهيئات وهلوسات نعيشها ؟


إن لم تكن ” شيليلاه” طائفية وإن لم تكن “الثوب الشعبي” طائفية، فذلك يعني حتماً أن جماعة القميص الأحمر وجماعة البرتقالي هم الطائفيون والبقية هم الوطنيون، وبذلك تنتهي ملاحقة الاجابات ويكون أصل الطائفية حمراء وبرتقالية على حد سواء وانهم من يغذونها، صحيح؟!! بالطبع لا.


فلتسمعوها من النهاية، القناع الذي لبستموه وتنادون به عن الوطنية  ونبذ الطائفية “صار بايخ” والنكتة “بصقت” فلم يعد أحد يضحك عليها، فأنتم يا جماعة “شيليلاه” وجماعة “الثوب الشعبي” جماعتان طائفيتان بالتساوي لا تعلى إحداكما على الأخرى.


 ليس هناك ما يسمى بالوطنية الإسلامية إنها خدعة جديدة يراد لها التسويق بين الشارع فالوطنية خلقت على التعددية وبمعنى أصدق الوطنية من أم علمانية، وأنتم دائما ما تسبون العلمانية وكأنها “مسخ”، فإن كنتم تريدون أن تتبنوا “الوطنية” يجب عليكم أن تقرونها ب ” العلمانية”.


 وما لنا سوى أن نضحك ،مجدداً وبتصنع، على مهرجان “النكت الصاروخية” التي تطلقونها بين الفينة والأخرى حول الوطنية والطائفية، وحتى لا يمل الجمهور من كثر “النكت البايخة”.


 أنصح بتواجد فرقة موسيقى لإزاحة الملل تبدأ بالعزف بين كل نكتة وأخرى.

خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

من اللاطائفية نحو المستقبل

هل تتصورون أن أحدا يمكن أن يغبط اليوم شعب العراق الشقيق ويتمنى أن يحدث في بلده ما يحدث لديهم؟ أعترف بخجل: أنا هو ذاك. لقد حدثتكم عن زيارتي لبغداد في بداية الشهر الحالي. وهناك، وسط آثار مآسي كارثتين تاريخيتين، الدكتاتورية والاحتلال البغيضين، وجدت لدى العراقيين ما يُغبطون عليه: فيض ونوع العطاء الثقافي الوطني والتقدمي في تحد ضد التوحش، وإصرار كل القوى العراقية تقريبا على استعادة اللحمة الوطنية ومحاربة الإرهاب وإطفاء بؤر الطائفية، الجدل الإيجابي الساخن حول الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية والابتعاد بالعراق عن أن يصبح ساحة للمواجهة العسكرية بين أميركا وإيران. ومع ذلك شهدتُ تعابير عدم الرضا عن بطء هذه التحولات. حضرت عرض فيلم قصير جدا تدور أحداثه في باص نقل دخل ركابه في جدل بيزنطي بينهم: هل اليوم هو السبت، الأحد،.. أم الجمعة. وكل بطريقته حتى ‘’ضاعت الطاسة’’. فهمت أنهم يعكسون الحال في البرلمان وبين القوى السياسية العراقية حكما ومعارضة، بينما الباص هو العراق الذي لم يستقر في محطة بعد.
تعالوا وانظروا لما يجري في واقعنا البحريني: أزمة ربيع الثقافة المتفاعلة منذ عامين بكل ما حوته من عداء رجعي للثقافة والتقدم، التنابز الحاصل بين قيادات الطائفتين الذي تطور إلى مواجهات في المجلس النيابي وانتقلت عدواه إلى تعبئة وتعبئة مضادة من على المنابر وفي الصحافة ثم إلى الشارع، بما رش الملح على الجرح الطائفي، تعاظم الوجود والبناء العسكري الأميركي وسط أخطار تهدد الأمن والسلم الإقليميين، بينما جلسات البرلمان العقيمة لا تلد إلا خداجا كالوعود وعجاجا كالذي يلوث أجواء البحرين هذه الأيام. وفي كل هذه الأمور وجدنا أن القوى الطائفية التي تختلف فيما بينها اختلافا مريرا قد ‘’اتفقت’’ على إلهاء الناس وتعطيل مصالحها المادية والروحية في الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والأمن والسلام.
الفترة الماضية منذ بدء الإصلاحات أثبتت أن القوى الطائفية لا تستطيع أن تقدم للشعب من داخل البرلمان وخارجه غير هذا الذي تقدمه الآن. ولشديد الأسف فإن لديها القدرة على تطويره نحو الأسوأ.. ومهما تطور الأمر، فهذه القوى لا يمكن أن تشكل أحزابا سياسية وطنية ديمقراطية حقيقية حتى وإن أرادت ذلك. وهي بطبيعة تركيبتها الطبقية وعقائديتها وآليات عملها المقيدة بمرجعياتها لا تتنافى ومقتضيات التطور الديمقراطي فقط، بل وتعيش مآزق سياسية متتابعة في إطار أزمة سياسية عامة. وهي تكمن في أن الطائفة، أية طائفة ليست سوى نموذجا مصغرا للمجتمع نفسه وتعيش ذات التناقضات المعتملة فيه. بمعنى آخر هي ليست سوى جسم مفتوح أمام ديناميات سياسية فيما بين الطوائف وفيما بين القوى السياسية غير الطائفية على وجه الخصوص. إنها ليست أحزابا بقدر ما هي صيغ متعددة للعمل الطائفي، بما في ذلك في داخل الطائفة الواحدة، التي تعكس حالة الوعي الموروث والتبعية والعصبية التي ترفض النقد والمحاسبة الجدية. أكثر من ذلك أنه لا توجد وحدة طائفية في الأصل وبشكل عام. وتعدد القوى السياسية في داخل الطائفة الواحدة يؤكد هو الآخر أنها لا يمكن أن تشكل كيانات سياسية بذاتها، بل هي مكررة لتناقضات المجتمع. وبالتالي لا يمكن تركيب دولة ومجتمع ما على أساس بناها الطائفية على المدى البعيد. إن من مصلحة المشروع الإصلاحي أن يضع حدا لهذه الأزمة بتجاوزها. فإذا كان من الممكن الخروج من كل مأزق سياسي على حدة بالعودة عنه، فإن الخروج من الأزمة لا يمكن إلا بتجاوزها نهائيا.
إذن، فالطائفية غير قابلة للإصلاح إلا بتجاوزها. وهذا الكلام صحيح حتى عندما يصح القول بإمكانية استثمار ذلك القليل الإيجابي فيها من باب أن ‘’العصبية كثيرها يدمر وقليلها يعمر’’.
هناك من القادة الطائفيين من ارتقى إلى هذه الدرجة من وعي الأشياء. الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة ‘’أمل’’ اللبنانية اعتبر أن الحزبية الطائفية ليست من المختبر الديمقراطي الليبرالي. أما سماحة السيد محمد حسين فضل الله فرأى أن ‘’كل المشاكل التي عاشها لبنان تنبع من الذهنية الطائفية التي تسحق الكفاءة وتمنع البلد من أن يخطط ليكون هنالك شعب لبناني، إن واقع لبنان هو واقع ولايات غير متحدة، فلكل طائفة مجلسها الديني وسياسيوها ورجال دينها ومناطقها التي لا تسمح فيها لأية طائفة أخرى أن تتدخل فيها، لذلك فليس هناك مواطن لبناني في لبنان، هناك طائفي هنا وطائفي هناك. هذا هو لبنان اليوم’’.
القوى الديمقراطية الحقيقية في البحرين لا تريد لبلدها أن يغدو يوما على هذه الشاكلة. ولذلك جاءت العريضة الشعبية التي أطلقتها القوى والشخصيات الوطنية الديمقراطية والنداء السامي الذي وجهه جلالة الملك لتعبر عن الإرادة الشعبية والرسمية الواعية لمخاطر الطائفية ومن أجل تحويل مسارات البلاد بعيدا عنها متجهة صوب بناء الدولة العصرية. إن هناك بالتأكيد من قادة القوى الطائفية من يرفض هذه الشبهة، وهو بالتالي مطالب بأن يناضل من موقعه من أجل ذات الأهداف النبيلة عاملا على توجيه الجماهير التي يقودها وجهة تخدم هذه الجماهير.
على مفترق الطرق هذا يكون خيار قوى التيار الوطني الديمقراطي الصحيح هو خيار وحدة صفه وبرنامجه للخروج بشعبنا من هذه الأزمة، وطرحه لنفسه بديلا عن القوى الطائفية أو التي تعيش على حسابها، وخيار رجال الدين والقادة الطائفيين المتنورين الصحيح هو الالتحاق بركب التيار الوطني الديمقراطي ونصرته إلى أبعد الحدود. إن من مصلحة بلادنا وشعبنا أن تتداعى كل هذه القوى والشخصيات، وقوى الحكم ذات المصلحة في استكمال بناء المشروع الإصلاحي لصياغة الفكرة الوطنية التي تقوم عليها وحدة البلاد والمجتمع وتقدمه بعيدا عن الطائفية المذهبية والسياسية والقبلية. القضية هنا تدور حول الدولة والمواطنة. الدولة القائمة على القانون والمواطنة المتساوية أمام القانون بغض النظر عن الطائفة أو القبيلة أو الأصل أو الثروة أو المركز الاجتماعي أو غير ذلك. أي أن يكون الانحياز للدولة القادرة والعادلة كمرجعية.

صحيفة الوقت
23 يونيو 2008

اقرأ المزيد

قضايا حقوقية وبيئية

ما أسهل أن تنشرح صدور كل البحرينيين على اختلاف فئاتهم، وعلى الاخص ممن يعانون من البطالة وتدني الاجور، لسماع قرار حظر استقدام واحدة من شرائح العمالة الوافدة الاجنبية الكبيرة، الا هي العمالة البنغالية والتي يصل تعدادها في البلاد إلى ما يقرب من مائة ألف عامل تستفيد من خدماتهم عشرات الشركات والمؤسسات الكبيرة والصغيرة فضلا عن الدولة والمواطنين في أعمال وخدمات فردية وصغيرة متعددة الحرف والمهن، نقول: ما اسهل ان تنشرح صدور البحرينيين لهذا القرار كما يبدو ويفترض للوهلة الأولى وذلك لمجرد ارضاء نزوات الحساسيات المتراكمة ضد “الاجانب” لدى فئات غير قليلة من عوام الناس بل ولدى حتى نسبة من نخبة المثقفين والسياسيين انسياقا وراء دوافع العاطفة أو نتيجة للوعي السياسي المبسط، أو لوعي ذي نزعة عنصرية..
لكن ما اصعب تفهم خطأ معالجة جريمة ارتكبت من أحد ابناء تلك الجالية بحق مواطن بعقوبة جماعية ضد شعب برمته حتى لو وصلت نسبة من يرتكب مثل هذه الجرائم أو غيرها من الجنح إلى 1% من اجمالي عدد الجالية البنغالية في البحرين، فما بالنا بأن نسبة من ارتكبوها لا تصل بأي حال من الاحوال حتى إلى هذه النسبة؟ يستطيع البحرينيون ان يهللوا لقرار مثل هذا لكن لن يربحوا بأي حال من الاحوال مصداقية ضميرهم وشرفهم الاخلاقي وسمعتهم الانسانية أمام العالم.
ولذا فمن حسن الحظ أن انتقدت هذا القرار الخاطئ، رموز وقوى سياسية واجتماعية وحقوقية عديدة من مختلف فئات شعبنا دفاعا عن ضميرنا الاخلاقي ولكي لا نبدو أمام العالم كمن يحمل جينات نزعة عنصرية، وبهذا يثبت شعبنا في موقفه من القرار انه لا يقل تحضرا عن الشعوب الاوروبية الديمقراطية التي لطالما سمعنا وقرأنا عن تحرك منظماتها الحقوقية وقواها الحية الشريفة للتظاهر ضد أعمال العنف ضد المهاجرين، وبضمنهم العمال العرب، ووقف هؤلاء الشرفاء بكل قوة ضد البرامج والشعارات اليمينية والعنصرية المطالبة بطردهم تحت ذرائع شتى من بينها أن هؤلاء الاجانب هم المتسببون في البطالة ببلدانهم الأوروبية، وان الجرائم تتفشى في صفوفهم.

اعتصام الصيادين
فيما تتزايد مخاطر الشحن الطائفي ويتم تغذية هذا الشحن بوسائل ومناسبات متعددة يبدع فيها تجار الطائفية وأبواقها اليومية لإشغال السواد الأعظم من الناس بمختلف فئاتها عن همومها ومشاكلها الآنية وزجها في اتون نيران النعرات المذهبية التي لا تنتهي، فيما كل ذلك يحدث غابت معظم صحافتنا عن ابراز واحد من الاحداث اليومية الذي يشي بالكثير من العبر والدلالات المهمة على الصعيدين البيئي والوحدوي معا ففي يوم الاربعاء الفائت اعتصم عشرات الصيادين عند فرضة المحرق بمشاركة نواب وأعضاء بلديين وأعضاء في جمعية الصيادين من مختلف الفئات التي تمثل نسيجنا الاجتماعي في المحرق وخارجها للاحتجاج على اعمال التدمير المنهجية المتواصلة لسواحل الجزيرة الجميلة التي اصبحت اثرا بعد عين. ويأتي ذلك في ظل غياب كلي لأي دور يذكر لجمعياتنا البيئية للتضامن مع هذه الاحتجاجات ومساندتها .

أخبار “الثمانية”؟
سعدت قبل ايام لقيام أحد أعضاء مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية بالاتصال بي تلفونيا مثنيا على احدى حلقات كتاباتي التاريخية، وبعد ابدائي الامتنان الشديد لشعوره الطيب وانخراطنا في تجاذب اطراف الحديث والدردشة، اغتنمت هذه الفرصة من جانبي للاستفسار منه عما إذا تم شيء في مجلس الشورى بخصوص المواطنين الثمانية المحتجزين والذين مر على احتجازهم ما يقرب من 4 أشهر، ففوجئت بقوله إن الموضوع لم يعرض على المجلس حسب علمه أو لم يتلق أي إخطار بحريني لطلب بذل المساعي الحميدة حول هذا الموضوع. وحاول محدثي أن يخفف من وطأة مفاجأتي وذهولي وخيبة أملي بالقول إن الموضوع لربما مطروح في إحدى لجان المجلس وليس لديه علم بذلك. وبقدر ما تثير تصريحات بعض المسؤولين في البلدين الشقيقين بنفي وجود تهم محددة ضد المتهمين المحتجزين الثمانية الارتياح في نفوس البحرينيين، ولعل آخرها تصريح وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي نفى فيه ما يشاع عن اتهام الثمانية بالتجسس لصالح إيران، وتعزز هذا النفي بابلاغهم مؤخرا بأن التهمة الوحيدة التي تم توقيفهم بسببها منذ فبراير الماضي تنحصر في ضلهم الطريق بالاقتراب من منطقة عسكرية محظورة، فإن غياب جمعياتنا الحقوقية وبرلماننا بغرفتيه عن لعب دور فاعل ملموس حول هذه القضية الإنسانية بما في ذلك تكثيف الاتصال بمجلسي الشورى وحقوق الانسان بالسعودية، لأمر يدعو حقا للأسف والاستغراب.
 
صحيفة اخبار الخليج
23 يونيو 2008

اقرأ المزيد

ابن خلدون .. وجهة نظر أخرى


احتل اسم عبد الرحمن ابن خلدون مكانة كبيرة في التاريخ، وذاع صيته لا في العالمين العربي والإسلامي فحسب، وإنما خارجهما أيضاً، فهو من أشهر من ترددت أسمائهم وطبعت مؤلفاتهم واهتم بهم الشرق والغرب، ولا احد يجاريه في هذه الشهرة أو ينتقد نظرياته على أساس أن مقدمته لكتاب العبر تعتبر دراسة متقدمة في عصرها على غيرها من الدراسات مع انه واضح التناقض بينها وبين الكتاب نفسه فالمقدمة كانت شيئاً جديداً في علم الاجتماع بينما التاريخ نفسه في كتاب العبر كان هزيلاً لا يجاري المقدمة، وقد لاحظ الكاتب المصري سلامة موسى هذا التناقض فشكك في مقدمة ابن خلدون.
 
ألا أن أحدا لم يلتفت إلى ما قاله سلامة موسى إلى أن جاء كاتب آخر كان في البداية من المتحمسين لابن خلدون واكتشف حقيقة هذه المقدمة التي قال عنها بأنها مسروقة من إخوان الصفا وخلان الوفا وهو الكاتب الدكتور محمود إسماعيل، ولا يسعنا هنا إلا استعراض ما يقوله في ابن خلدون دون أن نأخذ برأيه بسبب أن الموضوع يحتاج إلى دراسات معمقة لكتاب كبار وليس مجرد قراء . انه يرى في ابن خلدون سياسياً متقلباً ووصولياً انتهازياً يميل إلى الغالب على المغلوب وهو الذي رحب بالمغول ومدحهم وانضم إليهم .
يقول الكاتب محمود إسماعيل: اعتبر الدارسون مقدمة ابن خلدون أروع انجاز علمي عرفه التاريخ وكم من رسائل وأطروحات علمية نال بها أصحابها مكانة أكاديمية مرموقة وعلى الجانب الآخر اعتبر الدارسون معارف إخوان الصفا قصص إشراق وعرفان صوفي، ويقول اعترف أنني أسهمت من قبل في الترويج لتلك الأسطورة .. تعاظمت شكوكي في ابن خلدون ومقدمته حين درست تاريخه العبر وديوان المبتدأ والخبر وأدركت البون الشاسع بين المقدمة والتاريخ.. وقفت على حقيقة أن سائر النظريات التي نسبت إلى ابن خلدون منقولة عن رسائل إخوان الصفا.. وعلى كثرة ما ذكر من أسماء آلاف الأعلام وآلاف الكتب لم يشر ولو مرة لأخوان الصفا .
 نقل ابن خلدون عن الرسائل المصطلحات وأسماء العلوم وكانت قد اندثرت .. ما عرف عن ابن خلدون من فساد السيرة و حوك المؤامرات حتى لأقرب أصحاب الفضل عليه .. وقد رفعه كل الدارسين عرباً ومستشرقين إلى مصاف الفلاسفة وكبار المفكرين .
يستعرض الكاتب فقرات  نقلها أو كما يقول سرقها ابن خلدون من إخوان الصفا كما هي بدون تغيير كما يذكر أن العالم الإسلامي التفت لابن خلدون وأعطى ظهره لأخوان الصفا المتهمين بالزندقة وغيرها لأسباب مذهبية .
يقول الكاتب أن هذا الطرح السياسي خلال عصر الانحطاط قاد ابن خلدون إلى اختيار الانتهازية والوصولية حتى لو اقتضى الحال الاتصال بالغزاة والمعتدين وهو يشير هنا إلى اتصاله بالمغول وعلاقته بتيمورلنك وما قدمه له من معلومات عن مصر والمغرب أعجب بها تيمورلنك وقدم له الجوائز عليها
.

اقرأ المزيد