المنشور

الوجه الآخر من العمالة الأجنبية‮!‬


طالعتنا الصحافة المحلية في مملكة البحرين عن كل ما دار حول مقتل المواطن البحريني على يد العامل البنغالي وبسبب نوعية الجريمة البشعة الإرادية أو غير الإرادية في نمطها وظروفها فان النتيجة أمامنا غياب إنسان من الحياة والوطن كان بمثابة خسارة إنسانية في نهاية المطاف وألم كبير لعائلته.
 وبسبب نوعية الجريمة عادة يهتز أي مجتمع هادئ بطبيعته وصغره كما هي الجرائم في القرى الصغيرة النائية في البلدان الكبيرة التي عادة تعج بمظاهر الجريمة كبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها.
وبسبب تزايد حجم العمالة في العقود الأربعة الأخيرة فقد قدمت لنا الدراسات الاجتماعية والنفسية في منطقة الخليج وغير الخليج  أن العمالة الوافدة لكل مجتمع لا تحمل معها فقط عملية تنمية ومؤثرات عديدة ايجابية وحسب بل وهناك مظاهر سلبية كثيرة للغاية بما فيها قضايا الجريمة، ولكننا عادة لا نهتم بحجمها لكونها لا تهمنا حالما تدور في وسط تلك العمالة أو فيما بين جنسيات مختلفة داخل تلك العمالة الأجنبية.
ما قدمته ويقدمه منطق الأرقام والإحصائيات خلال تلك العقود حول الجريمة وعن أنماطها يدلل على حقيقة وجودها وعن تصاعد أرقامها؛ فثقافة تلك العمالة تنقلها لنا تلك العمالة ليس بسبب ما تتميز به من ملامح سوسيو-ثقافية وحسب، وإنما في اغلب الحالات كونها تنتمي لشرائح دنيا من تلك العمالة؛ فمن يعيشون أوضاعا رغيدة في بلادنا من العمالة الأجنبية لا يشكلون رقما كبيرا في عالم الجريمة إن لم نقل إنها نادرا ما تحدث على الرغم من أن أعدادهم كبيرة نسبة لنخبة مجتمعات معينة وجنسيات معينة، بل كونها تنافس النخب المحلية أيضا، وتتفوق عليها لكونها تمنح امتيازات خاصة لا يجدها المواطن المحلي، فيما تعيش العمالة الأجنبية الدنيا حياة العبيد والضغوط اليومية النفسية والاقتصادية والإنسانية التي نعرفها، فتنتج احتكاكا يوميا فيما بينها في المسكن والمعيشة، فتتعارك بعنفوان، تصبح عملية القتل سهلة جدا، فلا قيمة للحياة وسط بشر يعيشون عيشة البهائم والدونية. وبذلك لا نستغرب من أي عمالة أجنبية شبيهة أن تمارس الممارسات ذاتها مع نفسها ومع عمالة أجنبية مماثلة لها أو مواطنين من بلادنا.
فكيف العمل إزاء عمالة نحن كنا بالأمس نخشاها ونحذر منها وفي وقت ما قمنا بتعاطف معها وبررنا وجودها الإنساني والديني، فما كان من الاتجاهات الدينية إلا بالدفاع عنها ثم نجدها اليوم تهرول بسرعة لترحيلها بصورة لا إنسانية !! فلا نفهم تلك المواقف ومن جهة أخرى هناك أصوات إنسانية وتقدمية بدت تدرك بشكل أعمق أن المسألة ليست في الصدامات والاحتكاكات الإنسانية والاجتماعية بين فرد وآخر وإنما هناك دوافع ومسببات أعمق من ظواهر شكلية كالمشاجرات التي تدفع شخص بقتل شخص آخر لمجرد منازعات بدت بالانفعال وانتهت بالقتل فصارت تلك الجالية برمتها في عين المجتمع امة وحشية دفعة واحدة !!
فيما نصمت عن جنسيات أخرى كثيرة في إمكانها أن تنتج قضايا مشابهة إذا ما وقعت لها ظروف مماثلة فليست الجريمة غريزة قومية أو أثنية أو دينية وغيرها. ندرك بعمق مرارة مجتمعنا الطيب الذي يفزع بسرعة لكل الم ويتعاطف لما هو عميق إنسانيا وهذه صفة حميدة لمكونات العلاقات الطيبة بين شعبنا. ولكن إذا ما هدأنا قليلا بعد أيام من المحنة لوجدنا أن ما مارسه من قتل يومي مقاولونا وتجارنا وكل الملاكين الصغار الراكضين وراء الأرباح باستغلال العمالة الأجنبية تبلغ أحيانا الصفع والمهانة التي يكتمها ذلك الإنسان ولكنها تتراكم في داخله بصمت حتى تتحول إلى وحشية البهيمة في أقفاصها إذا ما قمنا بتجويعها حد الانفجار.
 من مارسوا يوميا لذة الكسب من وراء تلك العمالة لم يلتفتوا حقيقة لمعنى الدراسات حول الوجه الآخر للعمالة الأجنبية متناسين أن لذة الكسب والربح ليست وحدها الدافئة على مدى سنوات طويلة، وإنما النتائج المؤلمة أيضا تخزينا وتحرك ضميرنا واحتجاجنا الصحي والسلبي في بعض الأحيان.
أسعدت كثيرا بظاهرة جديدة وهي ثمار الانفتاح في رحلة المناخ الديمقراطي والصحافة الحرة هو بكثرة الكتابات والحوارات حول ظاهرة “القاتل البنغالي”! وزيادة حراك المجتمع المدني والمنظمات المرتبطة بحقوق الإنسان وتبادل العائلات والأفراد بجدية أو لا مبالاة لكل ما يدور في المجتمع من ظواهر تهز وجدانه.
 فالمهم أن نعمق رؤية الرأي العام ونزيد من وعيه للحوار ولكل ما يجعل مجتمعنا يؤسس لدولة القانون بل وينتقد حتى الوزارات بكل إجراءاتها المستعجلة حتى وان كانت إجراءات وزارة الداخلية التي فسرت الإجراء بأنها بدأت تهتم بمستوى العمالة، ولعلنا نجد ذلك إجراء حقيقياً فعالاً إزاء كل الجنسيات فليست وحشية البنغالي قادمة من كوكب آخر! وليست البحرين وحدها تعيش هذه الظاهرة بل كل البلدان التي تستقبل العمالة الأجنبية في بلدها وتحولها إلى سوق سوداء للدعارة والنخاسة ابتداء من المكسيك مرورا بشرق آسيا وانتهاء بأوروبا الشرقية وأفريقيا المهاجرة نحو نعيم الغرب، كل هؤلاء في مجتمع ما بعد الحداثة والعولمة يقدمون لنا نماذج تراجيدية للبؤس والفقر والمجاعة موازية لعصر الفضاء والثورة المعلوماتية.
 فهل نكون وحدنا العالم المهتز الذي يبحث عن الحصانة المثلى في وقت تقدم بلدان مجلس التعاون نفسها كظاهرة استثنائية لاستيراد العمالة الأجنبية بدرجة هزت كيانها السكاني وهويتها الثقافية؟!
 فلماذا نستغرب الجريمة “الأجنبية” بيننا ؟! هل نجحنا في بناء الغيتو السكاني بجدار عنصري لكي نعزل حياتنا الهادئة عن مجتمع الجريمة؟
 مع كل محبتي وألمي الإنساني العميق لفقدان عائلة الدوسري لابنها إذ كان بالإمكان أن يكون شخصاً آخر مكانه فيما لو حدثت ظروف وشروط مماثلة.
 
الأيام 22 يونية 2008

اقرأ المزيد

إصلاح وتنظيم سوق العمل

الجميع‮ ‬يعلم ان اصلاح وتنظيم سوق العمل مهمة صعبة لأن مشاكل هذه السوق كثيرة مزمنة وبالتالي‮ ‬فالتحدي‮ ‬الذي‮ ‬قبلت به البحرين بين دول المنطقة هو ان اصلاح هذه السوق‮ ‬يقابلها بالدرجة الاولى اصلاحات اخرى اقتصادية وعمالية واصلاح التعليم‮.‬
واعتقد اذا ما اردنا الحديث عن هذا الاصلاح لا بد من التأكيد على ان هذا المشروع لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعطي‮ ‬نتائج مشرقة أو بعبارة أخرى لا‮ ‬يمكن أن‮‬يتحقق بإصدار القوانين فقط وانما أيضاً‮ ‬بإسهامات القطاع الخاص الذي‮ ‬هو الآخر عليه التزامات نحو أهداف هذا المشروع الوطني‮ ‬ونحو آفاقه التي‮ ‬ينبغي‮ ‬ان تسخر له الامكانيات‮. ‬ما‮ ‬يجرى الآن من إصلاحات لسوق العمل اعطت نتائج متواضعة طالما نحن في‮ ‬البداية،‮ ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬ان معالجة التحديات القادمة تتوقف بشكل أساسي‮ ‬على إزالة العقبات الذاتية والموضوعية التي‮ ‬لاتزال قائمة،‮ ‬فهذه قضية تتطلب الكثير من المراجعة بغية عدم الوقوع في‮ ‬الارتجال والعشوائية والخطأ،‮ ‬ولنا تجربة ماضية ماثلة في‮ ‬الأذهان،‮ ‬مشروع خطة العشرة آلاف والمشروع الوطني ‬للتدريب والتوظيف الذي‮ ‬كانت خسارته تقدر بـ‮ “٥٢” ‬مليون دينار‮!!‬
نحن لا نشكك في‮ ‬اهداف اصلاح وتنظيم سوق العمل الوطنية كما تفعل بعض القطاعات الانتاجية الخاصة التي‮ ‬تقف ضد مستقبل هذا المشروع الذي‮ ‬اذا ما نجح فإن البحرين سوف تحتل مكانة رائدة ومتقدمة على الصعيدين الاقليمي‮ ‬والعربي‮.‬
ومع ذلك ستظل ملاحظات المؤسسات الانتاجية الصغيرة والمتوسطة مشروعة،‮ ‬وخاصة فيما‮ ‬يتعلق بالرسوم الجديدة المحتسبة على العمالة الوافدة،‮ ‬وسيظل ايضاً‮ ‬قلق المواطن مشروعاً‮ ‬خوفاً‮ ‬من زيادة الاسعار على السلع الاساسية والاستهلاكية ومواد البناء التي‮ ‬سوف‮ ‬يفرضها القطاع الخاص تعويضاً‮ ‬عن التزاماته المالية التي‮ ‬يتوجب دفعها كرسوم مستحقة للمشروع‮.‬
وعند الحديث عن إصلاح وتنظيم سوق العمل ندرك أن ثمة فرقاً‮ ‬بين هيئة تنظيم سوق العمل وبين صندوق العمل ونظام التأمين ضد التعطل،‮ ‬وكل هذه المشاريع الثلاثة تصب في‮ ‬خدمة اصلاح وتنظيم هذه السوق‮.‬
ولأهمية هذه المشاريع نقول صراحة هناك إيجابيات في‮ ‬المدى البعيد او على صعيد المستقبل،‮ ‬ولكن المردود الآني‮ ‬الذي‮ ‬سيضاعف من رصيد البحرين هو نظام التأمين ضد التعطل الذي‮ ‬بدأ مرحلته الثانية،‮ ‬وفي‮ ‬هذه المناسبة لا بد من الاشارة الى تصريح وكيل وزارة العمل المساعد لشؤون العمل جميل حميدان‮ “‬مع دخول شهر‮ ‬يونيو ‮٨٠٠٢ ‬ستبدأ الوزارة بالتعاون مع الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬صرف التعطل للعاطلين عن العمل الذين سددوا اشتراكات لمدة‮ ٢١ ‬شهراً‮ ‬متصلة طبقاً‮ ‬للمادة‮ ٥١ ‬من قانون التأمين ضد التعطل،‮ ‬ويبلغ‮ ‬مقدار التعويض ‮٠٦‬٪‮ ‬من أجره الشهري‮ ‬خلال‮ ٢١ ‬شهراً‮ ‬السابقة على تعطله وبحد اقصى‮ ٠٠٥ ‬دينار وبحد ادنى‮ ٠٥١ ‬ديناراً‮ ‬ولمدة اقصاها ستة اشهر شريطة الالتزام بالمعايير‮”. ‬
من دون ريب ان نظام التأمين ضد التعطل رغم ضرورته ورغم أهميته القصوى فإن قضية البطالة والفصل التعسفي‮ ‬قضية علاجها‮ ‬يعود الى قانون العمل الجديد وإلى صندوق العمل تحديداً‮ ‬لأن رؤية هذا الصندوق تسعى الى اعداد مسار وظيفي‮ ‬متميز لمستوى معيشي‮ ‬مزدهر للمواطن،‮ هذا ما قاله مدير تطوير الموارد البشرية بالصندوق في‮ ‬احدى ندواته‮.‬
مرة اخرى نعود ونقول‮: ‬ان اصلاح وتنظيم سوق العمل ليس بالمهمة السهلة،‮ ‬وان هذه المهمة الصعبة تحتم وتتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص،‮ ‬والأهم من ذلك تتطلب قوانين ملزمة للجميع لأن اهداف وغايات المشروع الوطنية هي‮ ‬في‮ ‬مصلحة المواطن أولاً‮ ‬واخيراً‮.‬

صحيفة الايام
21 يونيو 2008

اقرأ المزيد

نواب إسلاميون وإنجازات متواضعة للبرلمان

لقد انفض دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الثاني في 17 مايو 2008م وأبدى كل واحد من أولئك النواب كامل استعداداته، وهيأ ظروفه الذاتية والموضوعية كافة، من أجل استمتاعه هو وأفراد اسرته بقضاء اجازة صيفية في ربوع دول أوروبا ودول جنوب شرقي آسيا والعديد من الدول العربية.. وذلك بعد عنتريات الاستعراضات الموارية الكلامية والمفرغة من كل محتوى ومضمون ما بين النواب الاسلاميين في ظل تسليط الاضواء الاعلامية تحت قبة البرلمان..
وبعد انتهاء صراع الديكة الذي تمثل في الصراعات الطائفية والاصطفافات المذهبية بين أروقة البرلمان، ما بين نواب تيار الاسلام السياسي المؤمن بعضهم بالنص والحاكمية، والمنتمي البعض الاخر إلى ولاية الفقيه والمرجعية الدينية.. ولكن هؤلاء النواب الاسلاميين جميعهم يلتقون في بوتقة واحدة من الفكر الديني المشترك النقيض لمفاهيم الديمقراطية والمعارض لمبدأ التعددية.. وبالتالي سعي اصحاب هذا الفكر الى افراغ البرلمان من مهماته التشريعية ومسئولياته كافة في المساءلة والمحاسبة واستجواب السلطة التنفيذية.. لكون اصحاب هذا الفكر الاسلامي قد عكسوا موقفا متخلفا بالغ الهشاشة والسلبية فيما يتعلق بمهماتهم النيابية، وكشفوا عن ماهيتهم بأنهم ليسوا كفئا ولا أهلا للمسئولية التشريعية والرقابية ومساءلة السلطة التنفيذية.
غني عن البيان أنه حينما جاء أداء نواب تيار الاسلام السياسي خلال دور الانعقاد الاول للفصل التشريعي الثاني هشا وهزيلا ودون المستوى المطلوب، بحسب ما صرح به المحللون والمراقبون.. فان “انجازات البرلمان في دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الثاني، هي صفر” بحسب ما عبر به النائب الوفاقي علي سلمان. هذه التصريحات لم تأت من فراغ، طالما تداعيات الحقائق وماهية الوقائع بين أروقة البرلمان لا يحجبها الغربال.. ولكون تلك الحقائق والوقائع قد تجسدت في مدى الاستجوابين الفاشلين، اللذين اكتنفتهما الاصطفافات الطائفية والانتماءات المذهبية والولاءات العشائرية لنواب تيار الاسلام السياسي (الوفاق والاصالة والمنبر الاسلامي).. كل طرف أراد ان يعزز طائفته ويفخر بمرجعيته، التي جاءت على حساب المهمات الرقابية والمسئوليات التشريعية.. ناهيك عن ضياع وقت السلطة التشريعية سدى من دون استغلال الوقت الثمين لمناقشة ومداولة القضايا الثمينة. ولكن ما يؤسف له القول: ان نوابا كهؤلاء قد انشغلوا بهواجسهم الطائفية وأفكارهم المذهبية فانهم يظلون خارجين عن طبقات الشعب بعيدين عن أحلام المواطنين والناخبين.. ونوابا كهؤلاء دفعوا جل اهتماماتهم لأتفه القضايا الشكلية، بل النقيضة للديمقراطية، كقضايا حظر الاختلاط في الجامعات، ومحاربة ربيع الثقافة، والغلق الاجباري للمحال والصيدليات يوم الجمعة، ومحاكمة الصحافة وحبس الصحفيين و مسألة المنقبات في القضايا المرورية، وقانون الحشمة، وما شابه ذلك من القضايا .. فإن هؤلاء النواب قد لا يستحقون هذا الموقع الشعبي.. فضلا عن فشلهم في تقديم (المقترحات بقانون) التي لا يقارن عددها الضئيل، بالكم الهائل من تقديم (المقترحات برغبة).. ليحولوا البرلمان الى برلمان خدمات.. ويفرغوه بالمقابل من مهماته الرقابية والتشريعية والمحاسبية..
أما القضايا الساخنة والمهمة كملفات الاشكالية الدستورية والاسكان والبطالة والصحة والتعليم والتجنيس وقوانين الاحوال الشخصية والفساد والاختلاسات فهي سادرة بمزيد من التجاهل والاهمال، تئن طول الانتظار ما بين أدراج البرلمان وأدراج الحكومة. انه من الاهمية بمكان القول: إن هشاشة ووهن انجازات النواب الاسلاميين قد اقترنا باستياء المواطنين وامتعاضهم من اداء النواب، بقدر ما اعلنوا عدم رضاهم بمستوى هؤلاء النواب الاسلاميين، مثلما انتقدوا انحيازاتهم الطائفية والمذهبية.. ولعل عملية الاستبيان التي اعدتها جريدة اخبار الخليج مؤخرا قد اكدت ذلك.. ومن هنا فإننا سننقل ما ورد في هذه العملية الاستبيانية للجريدة حيث “اعرب 76% من المواطنين عن عدم رضاهم بمستوى وأداء النواب خلال الدور الثاني من الفصل التشريعي الثاني.. وأكد 51% ان البرلمان لم ينسجم وطموحات الشعب، بينما أكد 70% ان الطائفية سيطرت على الاستجوابين.. في حين اعلن 87% استياءهم من التسييس”.
هذه النسب المئوية الكبيرة التي جاءت من خلال عملية الاستبيان الذي اجرته جريدة أخبار الخليج، تؤكد بدلالات جلية ان المواطنين قد طفح بهم الكيل ونفاد الصبر مما وجدوه من بذور الانقسامات المذهبية والتمسوه من الاصطفافات الطائفية المستشرية تحت قبة البرلمان، بحسب ما ابدى الناخبون بالغ استيائهم لمدى ضعف وتدني اداء نواب تيار الاسلام السياسي بين أروقة البرلمان خلال الفصلين التشريعيين الاول والثاني، ومثلما أماط الشعب البحريني اللثام عن نواب افتقدوا ادنى معايير ممثلي الشعب، وصفات ومميزات النائب الذي ينشده الناخبون، بقدر ما سوف يفتقد مرشحو قوى تيار الاسلام السياسي خلال الانتخابات النيابية القادمة والمستقبلية نجاحاتهم وفوزهم بوصولهم الى البرلمان.. حينما يخاطب المواطنون والناخبون هذه القوى الاسلامية “إذا استطعتم خداع الشعب بعض الوقت، فإنكم لم تستطيعوا خداعه في كل الاوقات”.
 
صحيفة اخبار الخليج
20 يونيو 2008

اقرأ المزيد

استراتيجيــــــــــــات‮ ..!‬

لحكمة‮ ‬يعلمها الله قفز مصطلح‮  “‬الاستراتيجية‮” ‬إلى بؤرة اهتماماتنا فجأة،‮ ‬وأصبح لهذا المصطلح جاذبية أخاذة تغري‮ ‬كثيرين بتداوله بكثرة هذه الأيام،‮ ‬وهو في‮ ‬حد ذاته أمر له دلالة إيجابية،‮ ‬رغم أن البعض‮ ‬يتعامل ربما لأسباب استراتيجية مع المصطلح كشعار إعلامي‮.‬
لم‮ ‬يتوانَ‮ ‬كثيرون عن الدعوة أو المطالبة أو الإعلان عن وضع أو تبني‮ ‬استراتيجيات في‮ ‬عدد مهم من مجالات إدارة شؤون المجتمع والدولة،‮ ‬والهدف هو توفير أفضل الفرص لتطوير قدرات المجتمع في‮ ‬اطار حزمة من السياسات التي‮ ‬يفترض أن تتوقف على حسن التقدير والتدبير من حيث الإجراءات والتوقيت السليم‮.‬
في‮ ‬الآونة الأخيرة شهدنا مناخاً‮ ‬هيأ الجو لتداول ربما‮ ‬غير مسبوق لمصطلح‮ “‬الاستراتيجية‮” ‬ويكاد أي‮ ‬حديث عن مجريات الأمور في‮ ‬البلاد من قبل أي‮ ‬مسؤول‮ ‬يقترن بالإعلان عن استراتيجية هنا،‮ ‬أو دعوة إلى وضع استراتيجية هناك،‮ ‬وصرنا نسمع ونقرأ عن مسعى هنا،‮ ‬واتفاق هناك،‮ ‬ورصد ميزانيات عن استراتيجياتنا وخطط استراتيجية للتأكيد على أننا نمضي‮ ‬في‮ ‬الاتجاه السليم‮.‬
‬واذا تتبعنا بعض الذي‮ ‬أثير في‮ ‬هذا الشأن فسوف نجد المشهد ممتلئا بصور كثيرة ربما منها ما‮ ‬يلي‮ :‬
‮- ‬مجلس الوزراء وجه إلى وضع استراتيجيات في‮ ‬أكثر من مجال،‮ ‬أحدها لتوفير مخزون استراتيجي‮ ‬للسلع والمواد الغذائية،‮ ‬وثانية لتوفير مخزون استراتيجي‮ ‬من مواد البناء وإقامة تحالفات وشراكات استراتيجية وصناعات في‮ ‬القطاعين المذكورين‮.‬
‮- ‬مجلس التنمية الاقتصادية أعلن أنه‮ ‬يتبنى وضع استراتيجية للنهوض باقتصاد البحرين فيها عناصر ومحاور وخيارات ضرورية تؤثر على شكل الاقتصاد الذي‮ ‬نريده حتى عام ‮٠٣٠٢.‬
‮- ‬شركة ممتلكات القابضة الحكومية التي‮ ‬تمتلك ‮٤٣ ‬شركة منها ما تشكل نسبة الحكومة فيها ‮٠٠١‬٪،‮ ‬أعلنت عن استراتيجية استثمارية للتوسع الدولي‮.‬
‮- ‬بعض الوزارات والأجهزة الرسمية أعلنت عن تبني‮ ‬استراتيجيات في‮ ‬عدة مجالات،‮ ‬منها استراتيجية وطنية للشباب،‮ ‬وأخرى استراتيجية وطنية لتمكين المرأة،‮ ‬واستراتيجية لتطوير التعليم،‮ ‬واستراتيجية لإصلاح التدريب‮.‬
‮- ‬غرفة التجارة طالبت باستراتيجية قصيرة الأجل ومتوسطة وبعيدة لضمان إمدادات البحرين من المواد الغذائية،‮ ‬ومواد البناء والإنشاء وتشجيع إقامة صناعات محلية وبناء تحالفات استراتيجية في‮ ‬القطاعين المذكورين بين أصحاب الأعمال البحرينيين ونظرائهم من الدول الشقيقة والصديقة‮.‬
لعل ذلك‮ ‬يتيح لنا الحديث على مصراعيه عن مجموعة الاستراتيجيات التي‮ ‬كنا ولا نزال في‮ ‬حاجة إليها،‮ ‬والتي‮ ‬يؤمل أن تجعلنا في‮ ‬وضع أفضل فيما‮ ‬يتعلق بمجريات أمور كثيرة من جوانب إدارة شؤون المجتمع وقضاياه التنموية والاقتصادية،‮ ‬ومن منطلق فهمنا بأن الاستراتيجيات‮ ‬يفترض أنها تستهدف التعامل مع المتغيرات المحورية التي‮ ‬يراد تحريكها أو مزجها أو التعاطي‮ ‬معها لتكوين مدخل متناسق العناصر‮ ‬يحدد الأهداف والمحاور والأولويات وآليات التنفيذ،‮ ‬وبأن الاستراتيجية تعتبر أداة من أدوات التخطيط واستشراف المستقبل المستهدف الذي‮ ‬ينطوي‮ ‬على مرتكزات إبداعية في‮ ‬الرؤية والقدرة على التحليل والتشخيص والتصدي‮ ‬والمعالجة وتحديد نقاط القوة والضعف‮.‬
اذا فهمنا الاستراتيجية على ذلك النحو وبأنها نقيض الغفلة والتخبط،‮ ‬فإننا وبعد أن وجهنا قدراً‮ ‬كبيراً‮ ‬من مواردنا إلى مشروعات لا‮ ‬يمكن أن تحتل المرتبة الأولى في‮ ‬سلم الأولويات،‮ ‬فإننا وبمنتهى البراءة وحسن النية نريد أن نبحث في‮ ‬الاستراتيجيات التي‮ ‬نحتاجها،‮ ‬وفي‮ ‬أي‮ ‬مجالات نحتاج،‮ ‬ودعونا نطلق العنان لمخيلتنا ونمضي‮ ‬في‮ ‬السؤال‮ :‬
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مواجهة المشاكل المزمنة التي‮ ‬تحتاج إلى معالجات مبرمجة بعيداً‮ ‬عن الارتجال والتهوين من حجم التحديات الراهنة والمقبلة؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة لتحقيق الاستغلال الأمثل لمواردنا الوطنية،‮ ‬واستثمار الزيادة الكبيرة في‮ ‬الفوائض النفطية؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬جذب رؤوس الأموال التي‮ ‬تشكل قيمة مضافة إلى اقتصادنا وتضيف إلى الطاقات الإنتاجية وإلى التوظيف؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة لمواجهة التضخم الجامح الذي‮ ‬يعصف بحياتنا ويثير الخوف من المستقبل،‮ ‬وهو التضخم الذي‮ ‬قال عنه الاقتصادي‮ “‬كينز‮” ‬بأنه أسوأ ما‮ ‬يصيب أي‮ ‬مجتمع؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مواجهة تزايد حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬ومكافحة الفقر،‮ ‬وتحويل الأيدي‮ ‬المتسولة إلى أيدٍ‮ ‬منتجة،‮ ‬وحماية الطبقة الوسطى التي‮ ‬تعيش حالة‮ “‬اندمار” ‬غير مسبوق؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مجال ربط الإصلاح الاقتصادي‮ ‬بالإصلاح الاجتماعي‮ ‬والسياسي،‮ ‬وتعزيز الديمقراطية؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجية الدولة في‮ ‬مجال التصدي‮ ‬للتجاوزات وتفكيك منظومة الفساد والتربح من الوظائف العامة؟
‮- ‬ما هي‮ ‬استراتيجيات الدولة في‮ ‬مجالات مثل حماية الجبهة الداخلية،‮ ‬ومواجهة مظاهر ومخاطر الطأفنة وكل ما‮ ‬يكرس الانقسام بين أبناء البلد الواحد،‮ ‬رفع كفاءة الجهاز الحكومي‮ ‬عبر الإصلاح الإداري،‮ ‬السياحة،‮ ‬توفير الموارد المائية،‮ ‬البيئة،‮ ‬الخصخصة،‮ ‬والعلاقة مع السلطتين التشريعية والقضائية وتطوير النظام القضائي،‮ ‬ومع تفعيل الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني،‮ ‬وفي‮ ‬مجال التكنولوجيا والبحث والتطوير، ‬والثقافة والفنون والآداب،‮ ‬وفي‮ ‬مجال تعزيز الإنسان والحريات،‮ ‬وفي‮ ‬مجالات أخرى عديدة‮.‬
هل لدينا استراتيجيات في‮ ‬أي‮ ‬من تلك المجالات؟ استراتيجيات معلنة،‮ ‬وواضحة في‮ ‬أهدافها ومنطلقاتها وأولوياتها وبرنامجها الزمني،‮ ‬استراتيجيات تنطلق من معرفة لما‮ ‬يعانيه واقعنا من مظاهر ضعف وخلل وهي‮ ‬كثيرة وأوجه قوة وهي‮ ‬كثيرة أيضاً،‮ ‬استراتيجيات تشكل نهجاً‮ ‬يعكس عقلية نيّرة توجه العربة نحو سكة السلامة التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى تشييد الدولة على أساس أقوى في‮ ‬كل المجالات والقطاعات‮.‬
السؤال مطروح،‮ ‬آملين من المعنيين بالأمر أن‮ ‬يفيدونا أفادهم الله‮.‬

صحيفة الايام
21 يونيو 2008

اقرأ المزيد

بين الوعي القومي والوعي الديمقراطي

إذا كانت نكبة 1948 الفلسطينية افضت موضوعيا إلى تنامي الشعور القومي المشترك وتعمقه جنبا الى جنب مع صعود التيارات والحركات القومية العربية التي حظيت بشعبيات عربية متفاوتة لاتكائها على النكبة ذاتها كعامل رئيسي من عوامل اذكاء الشعور القومي ورفع شعار تحرير فلسطين كمهمة قومية عربية ملحة لا مهمة فلسطينية فقط، فان نكسة يونيو 1967 ايضا وتحت مبرر هذا الشعار ذاته اضحت موضوعيا اداة من ادوات كبح الوعي والتطور الديمقراطي في البلدان وبقدر ما كانت النجاحات التي حققتها التيارات والحركات والقيادات القومية في استقطاب الجماهير العربية وبناء شعبياتها متكئة على “النكبة” وتحت شعار تحرير فلسطين العربية من المحتل الصهيوني الغاصب هي نجاحات تؤكد على نحو قاطع وجود هذا الاحساس القومي المشترك تجاه القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية قاطبة وان هذا الشعور الكامن ليس سوى احساس غريزي بحاجة الى بلورة وصقل وتثوير، بقدر ما استغلت غالبية التيارات والحركات والقيادات القومية تلك النجاحات لتبرير الاستمرار في تغييب الحقوق الدستورية والديمقراطية بعد هزيمة 67، وهي لطالما نجحت في خداع الجماهير والشعوب في هذا التبرير.
وكان تغييب الديمقراطية يأخذ شكلين متوازيين: تغييب الديمقراطية عن حياة الاحزاب والحركات القومية الداخلية حيث يكون زعيم الحزب هو صاحب السلطة الابوية المطلقة في اتخاذ القرارات المصيرية وحيث بسبب هذا التغييب لطالما تعرضت تلك الاحزاب والحركات للانشقاقات المتعاقبة وبموازاة هذا التغييب يأتي تغييب الديمقراطية والحكم الدستوري في الانظمة التي قادتها احزاب او قيادات قومية. ان نجاح الاحزاب والحركات القومية في اعاقة وتشويش نمو الوعي الديمقراطي لدى الجماهير العربية بتسييد شعارات “تحرير فلسطين” و”الوحدة العربية”، كشعارات ملحة، على شعارات ومطالب الديمقراطية والحقوق الدستورية لهو يؤكد بجلاء في ذات الوقت ان الوعي والاحساس القومي هو حقيقة موضوعية وجدانية مستقرة، ان غريزيا وان على نحو ملتبس كامن في وجدان الشعوب العربية كافة. وما واحد من ابرز اخطاء الاحزاب والحركات اليسارية والاسلامية سوى عدم ادراكهم المعمق البعيد النظر لهذه الحقيقة ونفيها بالمطلق.
فلو لم يكن الاحساس القومي قويا ومؤثرا في افئدة قطاعات عريضة من الشعوب العربية فيم نفسر نجاح الحركات والقيادات القومية في استقطاب قطاعات واسعة من جماهير هذه الشعوب؟ ألم يكن واحدا من أبرز العوامل التي استطاعت بموجبها الانقلابات العسكرية القومية المتعاقبة تحقيق التفافات شعبية حولها بهذا القدر أو ذاك لانها رفعت شعار “تحرير فلسطين” وتحقيق الوحدة العربية وطعنت في الانظمة التي انقلبت عليها لانها خانت هذه الشعارات، أو لانها كانت وراء الاسلحة الفاسدة التي حاربت بها جيوشها في فلسطين؟
ومن المفارقات في خصائص التطور الاجتماعي والسياسي في التاريخ المعاصر للبلدان العربية انه إذا كانت نكبة 1948 هي الذريعة التي تذرعت بها الانظمة القومية لتأجيل الاستحقاقات الديمقراطية والدستورية فان هذا التأجيل هو الذي افضى لاحقا الى وقوع كارثة يونيو/ حزيران .1967 وحتى بعد وقوع هذه الكارثة رفعت شعارات “ازالة آثار العدوان” و”لا صوت يعلو على صوت المعركة” لتبرير استمرار تأجيل الاستحقاقات الاصلاحية الدستورية والديمقراطية.
وهكذا نرى ان التطور الديمقراطي في المجتمعات العربية أو على الادق تنمية وتطوير الوعي الديمقراطي في هذه المجتمعات يمر بخصوصية وسمات متفردة لا وجود لها او مثيلها في أي مجتمعات اخرى وهذه الخصوصية تتمثل على وجه التحديد في تداخل وتشابك المهمات التحررية الوطنية، وبضمنها ذات الابعاد القومية، بالمهمات والقضايا الديمقراطية، وحيث كثيرا ما يؤدي هذا التشابك الملتبس الى نجاح القوى القومية الى اكساب الاولى (المهام التحررية والقومية) أولوية ملحة على الثانية (المسألة الديمقراطية) وفي المرحلة الراهنة تقوم القوى الدينية بنفس الدور عبر محاولة التلاعب بوعي الجماهير من خلال تزييف وعيها القومي والديمقراطي معا بالشعارات الاسلامية.
ولعل واحدا من ابرز مهام الاصلاحات الفكرية الراهنة الانية لقوى التغيير العربية هو بناء واعادة ترتيب اولوية المهام الانية بكل شعاراتها وعدم فصل بعضها عن بعض، أو تبرير ارجاء الاصلاحات الدستورية والديمقراطية تحت أي ظرف كان باعتبار هذه الاصلاحات هي الاداة وهي القاعدة وهي المنطلق لبلوغ تحقيق سائر الاهداف التحررية والقومية والاجتماعية في حزمة واحدة مترابطة.
 
صحيفة اخبار الخليج
17 يونيو 2008

اقرأ المزيد

الموقوفون الثمانية

في‮ ‬الصحافة أمس أكثر من‮  ‬تصريح لمسؤولين بحرينيين وسعوديين تنفي‮ ‬ما جرى تداوله عن تهمٍ‮ ‬وجهت للموقوفين الثمانية في‮ ‬المملكة العربية السعودية‮.‬ وزير الدولة د‮. ‬نزار البحارنة نفى ما تردد عن توجيه اتهامات للموقوفين‮ ‬،‮ ‬ومثله فعل سفير البحرين في‮ ‬الرياض محمد صالح الشيخ الذي‮ ‬أكد انه لا صحة لما نشر من أن تهماً‮ ‬وجهت للثمانية،‮ ‬وأمراً‮ ‬مشابهاً‮ ‬قاله السكرتير الأول في‮ ‬سفارتنا بالسعودية موسى النعيمي،‮ ‬والقائم بأعمال السفير السعودي‮ ‬بالبحرين عبد الرحمن الخلف‮.‬
هذه التصريحات تعيد طرح موضوع هؤلاء المواطنين،‮ ‬الذي‮ ‬قيل فيه وكتب عنه الكثير،‮ ‬وسط قلق متزايد عند أهاليهم بعد أن طالت فترة توقيفهم‮.‬ والواضح من التصريحات الرسمية،‮ ‬خاصة البحرينية منها،‮ ‬أنه لا صحة لما‮ ‬يشاع عن تهمٍ‮ ‬وجهت لهؤلاء الشباب،‮ ‬مما‮ ‬يرجح صحة الرواية المعروفة من أنهم ضلوا طريقهم وهم‮ ‬يقودون سياراتهم في‮ ‬أراضي‮ ‬المملكة العربية السعودية الشقيقة،‮ ‬بحيث وجدوا أنفسهم على مقربة من مواقع عسكرية‮ ‬يُحظر الاقتراب منها لدواعٍ‮ ‬أمنية‮.‬ وتقتضي‮ ‬الاعتبارات الإنسانية،‮ ‬وخاصة مع حالة القلق التي‮ ‬يعيشها أهاليهم أن‮ ‬يُصار إلى تسوية قضيتهم بأسرع وقت،‮ ‬وعودتهم إلى وطنهم وأهلهم،‮ ‬وحتى ذلك الحين فمن المؤمل أن تنظم مواعد مقابلتهم لأهاليهم للاطمئنان على أحوالهم‮.‬
إن الأمد الطويل الذي‮ ‬قضاه هؤلاء المواطنون قيد التوقيف،‮ ‬والذي‮ ‬بلغ‮ ‬نحو ثلاثة شهور،‮ ‬دون أن توجه لهم تهمة ترك الباب مفتوحاً‮ ‬لبعض الإشاعات التي‮ ‬نالت من سمعتهم،‮ ‬مما‮ ‬يقتضي‮ ‬تحركاً‮ ‬رسمياً‮ ‬من الجهات المعنية في‮ ‬البحرين لدى أشقائنا في‮ ‬السعودية لتسوية الموضوع بأسرع وقت ممكن،‮ ‬وإغلاق هذا الملف الذي‮ ‬يؤدي‮ ‬استمراره مفتوحاً‮ ‬إلى المزيد من القيل والقال‮.‬
ونحن على ثقة من أن الجهات المعنية في‮ ‬المملكة العربية السعودية الشقيقة على ذات الدرجة من الحرص على هؤلاء الموقوفين،‮ ‬فكل بحريني‮ ‬لا‮ ‬يرضى إلا الخير والأمن للسعودية باعتبارها عمقاً‮ ‬تاريخياً‮ ‬وجغرافياً‮ ‬لنا،‮ ‬ولأن أمن هذه المنطقة واحد،‮ ‬ومصالحها الوطنية العليا هي‮ ‬مصالح واحدة،‮ ‬بحيث‮ ‬يبدو الحرص على أمن السعودية هو حرص على أمن البحرين وسلامتها‮.‬ ووفق هذه الروحية نتمنى معالجة مسألة استمرار توقيف الشباب الثمانية،‮ ‬ليعودوا إلى بيوتهم ووطنهم وتقر أعين أمهاتهم وأهاليهم برؤيتهم في‮ ‬القريب العاجل‮.‬
 
صحيفة الايام
17 يونيو 2008

اقرأ المزيد

مهزلة طلابية في‮ ‬الحرم الجامعي

عاشت الحركة الطلابية الجامعية البحرينية في‮ ‬الخارج منذ الخمسينات وقبلها عندما لم تكن تعرف البحرين،‮ ‬ماذا تعني‮ ‬حقا الجامعة بصورة وطنية،‮ ‬فقد تعلم طلبة البحرين في‮ ‬الخارج قيم ومفاهيم سياسية مختلفة،‮ ‬فإلى جانب انخراطهم في‮ ‬حياة سياسية مؤدلجة مناهضة للاستعمار حتى وان انقسموا إلى تيارات وأجنحة ولكنهم احتفظوا بمسألة واحدة لم تتبدل لعقود لاحقة وهو شعورهم الوطني‮ ‬وانتماؤهم الحقيقي‮ ‬إلى وطن واحد،‮ ‬فوضعوا فوق كل الاعتبارات والاختلافات العرقية والمذهبية مسألة تجانسهم وتلاحمهم الوطني‮ ‬في‮ ‬الغربة‮.‬
‮ ‬واستمرت تلك الروح النضالية فلم تختلف حتى فترة الستينات إلى‮ ‬غاية الثمانينات محتفظا الاتحاد الوطني‮ ‬لطلبة البحرين بقضية دفاعه عن خطين أساسين‮ “‬وحدة الحركة الطلابية ووحدة النضال من اجل الوطن ومناهضة الاستعمار وحلفائه‮” ‬محتفظا خط النضال الطلابي‮ ‬في‮ ‬ظروفه السرية والعلنية بمبادئ وقيم وطنية لم تنحرف نحو المفاهيم الدينية المتزمتة ولا المفاهيم الطائفية والعصبيات إلى أن شهدنا تدريجيا تنمو في‮ ‬بلادنا الجامعات تلو الجامعات،‮ ‬وتتكاثر جموع الطلبة التي‮ ‬بدأت ترضع من ثدي‮ ‬القيم والمفاهيم الطائفية،‮ ‬فانسحب ذلك الوباء إلى صفوف الشباب وهم رافد مهم لحركتنا الوطنية ومستقبله الوطني‮.‬
‮ ‬ولكن ما حدث في‮ ‬التسعينات من تزايد في‮ ‬الفرز والانحياز إلى الانتماءات الطائفية جعل من الحركة الطلابية البحرينية تعيش‮ ‬غمام الرؤية وضياع بوصلة دورها الطلابي‮ ‬والوطني‮  ‬فانغرست داخل الوحل الطائفي‮ ‬بدلاً‮ ‬من انتشال صفوف الطلاب من ذلك الوعي‮ ‬الضيق بمسألة النزاعات الطلابية على مقاعد في‮ ‬مجلس اتحاد الطلبة وغيرها من أنشطة‮. ‬وبدلاً‮ ‬من تكريس قيم الديمقراطية داخل الطلبة والشباب لكي‮ ‬يكونوا درسا للمستقبل كبديل عن أولئك الذين لم تتشبع روحهم بفضاء العلنية ومشروع الإصلاح الذي‮ ‬قدم للحركة الطلابية مساحات من حرية الاختيار والاقتناع بأفكار نقابية وسياسية ومطلبيه‮. ‬وبدلاً‮ ‬من أن نكون مرآة للتجربة الطلابية الجامعية الحالية كونها‮ “‬نموذجا للوطنية الحالية والقادمة‮” ‬إذ من الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يتنافس الطلاب على المقاعد ويتقاسمون فرص النجاح والفشل كمسألة طبيعية بين تيارات طلابية معاصرة تنظر للعالم برؤية متباينة في‮ ‬عصر الثورة المعلوماتية والتجربة الديمقراطية في‮ ‬المملكة‮  ‬وتتعايش كل أجنحة الطلبة في‮ ‬قاعات الجامعة وأروقتها وفي‮ ‬كل مساحة من مساحات وأنشطة الجامعة كإخوة طلابية رأينا العكس من ذلك،‮ ‬فهناك نماذج طلابية بدأت تتبادل بعنفوان وكراهية خطابات طائفية فأخذت الإثارة تبرز والنعرات تتصاعد،‮ ‬وكأنما النجاح والفشل قيمة نهائية بلغت ذروة المجد متناسين طلبتنا أنهم في‮ ‬مرحلة متغيرة في‮ ‬الحياة والعمر والأمكنة،‮ ‬فاليوم‮ ‬يتخاصم الفتية بروح مثيرة للشفقة بينما سيجدون أنفسهم في‮ ‬الغد القريب‮ ‬يخرجون للحياة والعمل وهناك تتبدل كل الأمور والأشياء فيصبح الوطن والتنمية وكل ما‮ ‬يربطنا من اجل وحدة وطنية أكثر أهمية،‮ ‬نجد العكس من ذلك حاليا في‮ ‬حرم الجامعة إذ بنا نسمع هتافات تتميز بنعرات طائفية تجعلنا نتساءل‮:‬
‬هل فعلا هؤلاء نموذجنا الذي‮ ‬نتطلع إليه؟ وهل بات حرم الجامعة مكانا لمثل هذه القيم السيئة والسلوك الخاطئ؟ ما الذي‮ ‬سيفعله أساتذة الجامعة عندما‮ ‬يسمعون طلبتهم‮ ‬يتغنون بهتافات‮ “‬شيلات‮” ‬لا تتفق وروح الانتخابات الطلابية والوطنية ولا تناسب ما تنوي‮ ‬كل حركتنا الوطنية وجمعياتها السياسية من رغبة في‮ ‬الحوار الوطني‮ ‬والقضاء على روح العصبيات العمياء؟‮ ‬
ما سمعته من أصوات مقززة للروح لم نعتدها لعقود طويلة ولم نسمع قط أي‮ ‬حركة طلابية بحرينية سواء في‮ ‬الخارج أو الداخل تلهج ألسنتها بتلك العبارات‮. ‬ماذا‮ ‬يعني‮ ‬نجاح طلابي‮ ‬في‮ ‬انتخابات مجلس الطلبة؟‮! ‬ولماذا صار الفرز الطلابي‮ ‬حالة من التوتر وكأنها انتصارنا الأبدي‮ ‬في‮ ‬مواجهة عارنا العربي‮ ‬والإنساني‮ ‬إزاء ما تراه الانسانية من شرور وانتهاكات؟‮! ‬هل بلغت بنا نشوة مقاعد طلابية المجد والانتشاء إلى حد التغني‮ ‬والتمجيد بالانتماء الطائفي‮ ‬بطريقة لم تحدث من قبل ؟‮!‬
إن ترك الجمعيات برمتها والاتحادات النسائية والشبابية والنقابية وكذلك الإعلام وإدارة الجامعات لمثل تلك الحالات المريرة،‮ ‬المرور دون توقف ومناقشة جادة هي‮ ‬جريمة سياسية فمن‮ ‬يتغنون بمثل هذه الترهات هم جيلنا القادم وأولادنا المعنيون نحن بتربيتهم سياسيا وأخلاقيا؛ فخوض المشاحنات السياسية أو الطلابية لا‮ ‬يتم بخطاب بهذا المستوى‮. ‬
أستبيحكم عذرا‮ ‬يا أبنائي‮ ‬فما فعلتموه جعلني‮ ‬اشعر بمرارة الماضي‮ ‬وحياتنا وظلالنا الطلابية حيث لم نكن نعرف تلك الهتافات لا في‮ ‬جامعاتنا ولا مدارسنا ولا في‮ ‬المحافل الدولية،‮ ‬فقد كنا نتغنى بخطاب أغنى مما تتغنون حيث كنا ننشد خلاف ما تنشدون فكانت أصواتنا تحمل رسائل أعمق للعالم ولوطننا وللإنسانية فقد كنا نردد‮: “‬عاش السلام العالمي‮ ‬وعاشت حماماته‮.. ‬وحيوا السلام العالمي‮ ‬وعاشت راياته‮.. ‬ويسقط الاستعمار هو وعصاباته‮” ‬فهل كنا نمجد طوائفنا وعالمنا الضيق لمجرد مقاعد عابرة أم نعّلم الأجيال القادمة الروح الوطنية والتقدم؟‮! ‬وقفة تأمل في‮ ‬كل ما قلتموه وعليكم بشجاعة تقديم نقد ذاتي‮ ‬لسلوك لم‮ ‬يكن جديرا بحرمنا الجامعي،‮ ‬ومبروك لكل تيار ما حصده ومبروك لكل تيار لم‮ ‬ينجح؛ ففي‮ ‬النهاية على الطلبة أن‮ ‬ينشطوا في‮ ‬كيانهم وجسمهم الطلابي‮ ‬المعني‮ ‬بالدفاع عن مصالحهم جميعا وليس العمل فقط على الركض وراء‮ “‬الاستعراض‮ / ‬الشو‮” المراهق سياسيا أحيانا لإعمار لا تزال‮ ‬غظة وطرية في‮ ‬التجربة والسلوك السياسي‮ ‬والنقابي‮.  ‬

صحيفة الايام
17 يونيو 2008

اقرأ المزيد

أهداف وآفاق تيارات “الإسلام السياسي” المعاصرة

استكمالاً لما طرحناه في الأسبوع الفائت حول ظاهرة تيارات”الإسلام السياسي” المعاصرة ، وسرّ  قوتها المستمدة أصلاً من احتضان الأنظمة العربية الرسمية لها (خاصة الأنظمة التقليدية المشرقية) واستخدام الأخيرة للأولى متكأ وسندا لها لتمديد أمد أنظمتها الاستبدادية الشرقية المزمنة ، وسدّاً منيعا يحول دون دخول العرب- ولو متأخراً- إلى عصر التنوير والتقدم والانضمام إلى المنظومة المعاصرة في عالم اليوم، مما يُسهّل لهم –بالطبع- من استخدام مصادر ثرواتهم المادية والبشرية الثريّة ( أهمها النفط والغاز بجانب معادن وثروات باطنية أخرى بالإضافة إلى المحاصيل الزراعية) والاستفادة من الموقع الجغرافي المهيّأ للبلدان العربية وتاريخهم العريق، بُغية تشييد منظومة اقتصادية متكاملة ومجتمع مدني ديمقراطي ومؤسساتي ، يتمثّل جوهره الأساس في مبدأ فصل الدين عن الدولة ، الأمر والسبيل الوحيد الذي سيفضى في نهاية المطاف إلى الوحدة العربية المأمولة على أساس أسْلَم وأضمن من المحاولات القومية “الفوقية” المتعثرة وغير الديمقراطية السابقة ! 
على أنه وفي معرض تحليلنا للعوامل الكثيرة والعديدة التي ساعدت في هذا الانتشار “السرطاني” المخيف للقوى “المتأسلمة ” أو “الإسلام السياسي” وخاصة أجنحتها المفصليّة ، المتزمتّة والإرهابيّة . كان بالطبع على رأسها السند الغربي/ البريطاني ( في العقود الوسطية من القرن العشرين) والأمريكي منذ سبعينات القرن المنصرم ، في أتون الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي / الرأسمالي والشرقي / الاشتراكي، بالإضافة إلى الفورة الكبرى التي حصلت عليها قوى “الإسلام السياسي” بعد تأسيس جمهورية إيران الإسلامية . حدث كل ذلك  قبل سقوط المنظومة الدولية للقطب الثنائي . أما بعد ذلك ، تحديداً في الألفية الثالثة فان التناقض التاريخي، الذي كان مؤجلا بين المنظومة الرأسمالي/الليبرالية والمنظومة الإقطاعية القديمة في الشرق الأوسط ، ما لبث إلاّ وطفح على السطح مفصحا ، بكل وضوح عن بروز التناقض الأساس في عصرنا ولحظتنا التاريخية الراهنة، في المكان والزمان المحددين . هذا بشرط أن لا يؤخذ هذا الأمر المُركّب والمُعقّد بشكل ميكانيكي ، بمعنى ضرورة فهمنا لايجابيات وسلبيات محصّلة النتائج المترتبة من صراع القطبين الجاري الآن، والمنبثقة من مبدأ المصلحة الواقعية (الاقتصاد) أكثر من مبدأ الإنصاف والعدل الرغبوية (الأخلاق) .. وهنا نتجرأ قليلا لنقول لمن يريد أن يفهم حركة الواقع المعاصر، في منطقة شرق المتوسط الحيوية ، ولا يأخذ في حسبانه هذه الحقيقة الموضوعية /التاريخية/المرحلية وتجلياتها من صراعات ومصالح ، ستفضي فروضه التحليلية إلى نتائج غير سليمة!  
فمن باب أولى في هذا الصدد أن نحدد مصطلحات ؛ “الإسلام السياسي / اسلاميزم ” و”الأصولية” ، المتعلقة بحركة سياسية شمولية ، منتشرة في كل بقاع الأرض ، تتخذ من الدين الإسلامي مرجعية شاملة لها ولا تتعامل مع الدين الإسلامي كأحد الأديان التوحيدية السماوية بجانب المسيحية واليهودية فحسب، بل كنظام سياسي شمولي هدفه ومنهاجه الأساس إعادة تأسيس الثيوقراطيا / الدولة الدينية ، على شكل دولة الخلافة العثمانية. يدعي العلماء والمريدون الإسلاميون ؛ العودة إلى صحيح الدين وأصول الشّرع والتطبيق الحَرْفي والنصّي الثابت والمطلق، لتحقيق هدف استراتيجي ملزم لكل مسلم للجهاد والاستشهاد ، بُغية سيادة النظام العالمي الإسلامي ، بكل السّبل المتوفرة ، بينها الإرهاب وقتل النفس ، لتحقيق “العدل الإلهي” و”شرع الله” لبني البشر قاطبة ! 
كما أن “الأصولية” أيضا مفهوم ملتبس في الفكر المعاصر، ومرد ذلك أن كبار المفكرين الإسلاميين يعتقدون بيقينية غريبة من ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها في كل الدول الإسلامية والتخلص من القوانين الوضعية والمدنية، غربية المنشأ وبترها من دار الإسلام.  ويرون استحالة هذين التشريعين أن يتعايشا معاً.. بل وضرورة  العودة إلى الأصول ، إلى عهد النبي المصطفى (صلعم) والخلفاء الراشدين ! ولكن مقارنة بسيطة بين صدر الإسلام والعصور الوسطى نجد بكل وضوح أن مفاهيمهم أقرب إلى دول الاستبداد”الإسلامي” في العصور الوسطى ، مستلهمين من منبعهم الأول ؛”الغزالي” ، الذي أوقف الاجتهاد الإسلامي المبدع ، منهلين زادهم من اجتهادات وتفاسير علماء الدين ، المتّصفين بالنصّية والتزمّت أكثر من العلماء المعتدلين أمثال؛ الأفغاني ، محمد  عبده ، حسين عبد الرزاق وغيرهم . فركنوا إلى مرجعيات عتيقة في التقاليد والتزمّت والنصّية والنهج المطلق، حتى في الأمور الدنيوية العادية كالملبس (الحجاب الإسلامي) والمأكل وغيرهما من الأمور الشخصية البحتة والمتغيرة أبداُ ، أمثال ؛ السوري “ابن تيمية” (القرنين 13 و 14 ) الذي حدّد  كُليانية الشريعة الإسلامية وعدم جواز تجزئتها ، وأستهجن الاحتفال بالمناسبات الدينية وغيرها ، منها المولد النبوي الشريف!  والباكستاني “سيد أبو الأعلى المودودي” الذي أسس تيار الجماعة الإسلامية في سنة 1941  وكان وراء الانفصال عشية استقلال شبه القارة الهندية وتأسيس دولة باكستان على أساس ديني(بتحريض من بريطانيا)، حين لخّص القضية الإسلامية المقدسة في ندائه الشهير: ” الهدف النهائي للإسلام هو هزيمة الكفر والقضاء على كل الدول وتشييد الخلافة الإسلامية الموحدة في كافة بقاع الأرض ! “. والمفارقة هنا أنه لم يكن في التاريخ الإسلامي أبداً دولة دينية بالمعنى الحقيقي للكلمة لمتابعة مهام ” الثورة المحمدية”، باستثناء فترة سلطة المدينة في عهد الرسول الأعظم (صلهم) وسلطة مكة في عهد الخلفاء الراشدين. أما بعد ذلك، منذ “الأمويين” مروراً “بالعباسيين” وغيرهما من الممالك الاستبدادية المتتابعة وانتهاءً بالخلافة العثمانية، التي كانت كلها نماذج سيئة لدول استبدادية، لم تعرف من الإسلام إلاّ الإسم والشكل وليس الجوهر، المسيرة التاريخية التي أفضت إلى مختلف أشكال الدول والأنظمة الإسلامية الحديثة والمعاصرة! 
على أن الظاهرة المستحدثة التي يجب على أصحاب القرار والنفوذ ، الذين يهمهم استمرار مصالحهم بشكل أكفأ وأقل تكلفة وضرراًُ ، في الدول المعنيّة ، هو أهمية استشعارهم لخطورة الأنشطة الشاملة ” للإسلام السياسي” الآن وليس بعد خراب البصرة وضرورة أن يدركوا أن لعبة “الروليت الإسلامي” الخطرة التي يتلهون بلعبها ، ستنقلب عليهم كانقلاب السحر على الساحر ويُسهّل من قفز “الإسلاميين” إلى مقاليد السلطة والحكم. حينئذٍ ستزول كل منجزات التقدم والعلوم والحضارة، كما حدث في أمارة طلبان البائدة ، ويحدث الآن شيئاً من ذلك، أمام أعيننا في بلدان “اسلاموية” أخرى . بل أن جدّية وخطورة “المتأسلمين السياسيين” وصلت إلى درجة لا تطاق، بدا فيه السلطات الرسمية في البلدان العربية /الإسلامية تحسب لهم ألف حساب من مغبة ما لا تحمد عقباه! 
وها هو رجل الدولة العتيد  في مملكة البحرين سمو رئيس الوزراء، قد شخّص خطورة هذه الظاهرة في الوقت المناسب قبل الكثيرين من رجالات الدولة والسياسة الكُثُر في منطقتنا ، المتّسمة بالتحديات الجدّية من كل حدب وصوب، في معرض مقابلة حصرية ومقاربة للتقرير السنوي “البحرين2008 “، الخاص عن مملكة البحرين  المزمع إصداره عن ؛ شركة الأبحاث والنشر والاستشارات الاقتصادية المتخصصة “أكسفورد بزنيس جروب”  حيث قال في سياق تحليله العميق عن تجربة البحرين الديمقراطية : ” من المعلوم أن الديمقراطية تدعم عملية التطور السياسي وتعمل على تحقيق الاستقرار جنبا إلى جنب مع النمو الاقتصادي ، ويبدو ذلك واضحا في البحرين من خلال الارتقاء بقيمة المواطن البحريني بغض النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي وفصل الدين عن المؤسسات الحكومية وكذلك في الإعلام الرسمي وغير الرسمي وزيادة المشاركة في الحياة العامة والسياسية  وقبول التعددية السياسية واحترام الاختلاف في الرأي حول مختلف القضايا “  -  ( المرجع صحيفة أخبار الخليج البحرينية العدد  11035  صفحة 2   يوم الاثنين 9 يونية 2008 م ) . 
وبقت الأسئلة المحورية التي تؤرق”الانتلجنسيا” والمواطن العادي على السواء .. ما إذا كانت هناك فروق بين تيارات “الإسلام السياسي” ؟ .. وهل هناك معتدلون، وسطيون ومتطرفون إسلاميون ؟!  وهل ممكن للمعتدلين منهم أن يغضّون الطرف عن تأسيس الدولة الدينية وقبولهم بالتعدية السياسية والموافقة على الولاية العامة للمرأة والمسائل الأساس مثل قانون الأحوال الشخصية وحل إشكالية “الحجاب”، الذي هو الآن أشبه بركن سادس للإسلام لدى جُلّ التيارات الإسلامية؟!  وأخيراًُ.. هل سيتطور”الإسلام السياسي” مع مرور الزمن ، وستتمخض عنه أحزاب سياسية عصرية ، ذي خلفية فكرية إسلامية فحسب ، تركن أساسا لمفهوم المواطنة الحديثة ، الخاضعة للقوانين البشرية الوضعية العلمانية ، تقبل بمبدأ تبادل السلطة، أسوة بظاهرة الأحزاب الدينية المسيحية في أوروبا أو على الأقل حزب الرفاه التركي الحاكم(مع الفارق) ؟!  أسئلة تبحث عن أجوبة شافية، سنحاول التطرق إليها في فرصة سانحة أخرى.
 
صحيفة الوقت
15 يونيو 2008

اقرأ المزيد

ماذا ستقدم «أوبك» في لقاء جدة؟

ستجتمع في 22 الشهر الجاري مجموعتا الدول المصدرة والمستهلكة للنفط في مدينة جدة السعودية لمناقشة السبب الحقيقي لارتفاع أسعار النفط والبحث عن حل. لكن ما هي الأسباب الحقيقية، وما الذي تستطيع أوبك أن تقدمه؟
الارتفاع الحاد منذ بداية يونيو/ حزيران الجاري، حيث بلغ من جديد 135 د/ب سمح للمحللين أن يتكهنوا بارتفاعه حتى 150 د/ب في يوليو/ تموز المقبل. وسواء حدث ذلك أم لا فإن جميع الأرقام القياسية السابقة قد ضربت. وبترجمتها إلى أسعار اليوم السعر القياسي لعام 1973 سيصبح 59 دولارا ولعام 1981 سيصبح 98 د/ب فقط. وفي مايو/ أيار الماضي عندما زادت الأسعار على 135 وارتفعت البيوع المستقبلية إلى 140 د/ب تحدث كل من مصرف غولدمان ساكس الاستثماري ووزراء بلدان أوبك عن إمكان سعر 200 د/ب. وقد لا يتحقق ذلك، إلا أن الواضح أن النفط لن يعود رخيصا. ولنتذكر أنه قبل بدء الارتفاع المحموم لأسعار النفط منذ العام 1999 كان الاقتصاد العالمي قد تعود على نطاق سعري تراوح بين 20 – 35 د/ب (بأسعار اليوم). أهي الفقاعة أم احتكار أوبك أم ذروة الإنتاج أم الطلب العالمي أم طاقات التكرير ما يقف وراء ارتفاع الأسعار؟
منذ الارتفاع الحاد الذي اخترق حاجز المئة د/ب في بداية العام الحالي انتعش رتل كامل من النظريات، ابتداء من الفقاعة وحتى «الذروة» النفطية. رجل المال الأميركي جورج سوروس قال أمام الكونجرس إن أسواق النفط والخامات الأخرى تشهد تشكل الفقاعة لأن المؤسسات الاستثمارية في الدول المتقدمة تنظر إلى مؤشرات الخامات على أنها أصول وطيدة. وكما يرى سوروس فإن قراراً مشابهاً لذلك أدى في السابق إلى فقاعة سوق العقار الأميركي، وبالتالي إلى الأزمة الراهنة. وقال إن الاستثمارات الحالية في مؤشرات الخامات تذكر بالحمى التي اجتاحت أثناء شراء المحافظ التأمينية التي أدت إلى انهيار السوق العام .1987 ويصر آخرون على أن الأسعار ارتفعت بسبب مؤشرات أصولية – أي النمو السريع في الطلب من جانب الدول النامية وعدم كفاية زيادة العرض، وخصوصاً بسبب اختلال الإمدادات الدورية أو عدم الاستقرار في مناطق مختلفة. لكن هذا التفسير لا يصمد لأن كل العوامل الأصولية المذكورة كانت ناشطة قبل عام من الآن. أكثر من ذلك فإن الطلب كان قد ارتفع في الفترة بين العامين 2004 – 2005 بأسرع مما هو حاليا. فما الذي تغير؟
الارتفاع الحاد لأسعار النفط مع بقاء وتيرة الزيادة نفسها في الطلب والعرض ولد نظرية أخرى – «الذروة» النفطية. ويبدو أن أنصار هذه النظرية واثقون من أن زيادة الأسعار ناجمة عن أن العالم يقترب، إن لم يكن قد اقترب، من ذروة الإنتاج النفطي. ويزعمون بأن حقول النفط الجديدة الضخمة، لكن القليلة، لن تغطي حاجات الاقتصاد العالمي المتزايدة. وأن لاعبي السوق يدركون هذا الوضع ويستعدون إليه. إذن، فوراء الأكمة تصعيد جديد للأسعار. ولهذا فإن توقع محلل غولدمان ساكس أرجونا مورتي، عن 150 – 200 د/ب يمكن أن يصبح حقيقة واقعة في 6 – 24 شهرا مقبلة. منتجو النفط يقولون إن المتسبب هم المضاربون الماليون. فأوبك تقول إن الارتفاع لا يمت بصلة لسلوكها. وأحد كبار مديري ExxonMobil أخبر مجموعة من مجلس الشيوخ أن «المضاربات والدولار الرخيص هو ما خرج بأسعار النفط عن اتجاهاتها السابقة». صحيح أنه في السنوات الخمس الماضية، وحسب الكونجرس الأميركي، ارتفعت الاستثمارات في المؤشرات النفطية من 13 إلى 260 مليار دولار، وصناديق الطاقة من 180 العام 2004 إلى 630 حالياً، وأن غالبية المستثمرين يراهنون على ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يسخن السوق ويجتذب إليها مستثمرون جدد. لكن اقتصاديين أكثر تمعناً يرون أنه لا تجب المبالغة في أهمية الصناديق. فهي تستثمر في البيوع المستقبلية وليس في الصفقات المتحققة فعليا. وهم في كل شهر يضطرون إلى مبادلة العقود التي اقتربت مواعيد تحقيقها بتلك التي لم تحن بعد. وهذا ما يجعلهم من المشترين والبائعين في الوقت ذاته. وأيا كانت مبالغ تلك الصفقات لا يجب أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، إذ لا أحد يقتني نفطاً طبيعياً. وأنه مهما بلغ حجمها (225 مليار)، فهي لا تقارن بالقيمة الإجمالية للمعاملات الجارية في سوق النفط البالغة نحو 50 ترليون دولار سنويا[1]. وإلى ذلك أيضا فإن قرابة نصف الزيادة في قيمة صناديق المؤشرات النفطية يتحقق بفضل زيادة الأسعار ذاتها، وليس كتدفقات استثمارية صافية إضافية[2].
ومنذ الآن ظهرت دلائل بأن شهر مايو/ أيار الماضي سجل تراجعاً (إلى النصف) في قيمة تلك الصناديق إثر التحريات الرسمية في واشنطن عن دور المتاجرين والمضاربات في سوق النفط.
أنصار المضاربات ينوحون بلائمة ارتفاع أسعار النفط على أوبك من حيث كفاءة أدائها ككارتيل نفطي، قادر على تحديد الطاقات والاستخراج والتصدير. لكن الطاقات الاحتياطية الممكنة لدى البلدان المصدرة للنفط لا تزيد اليوم على 2 مليون ب/ي، أي %3,2 من الإنتاج العالمي للنفط. بينما في عام كان هذا المؤشر قد شكل 5,5 مليون برميل، أي 3,7 % من الإنتاج العالمي ما يعزز فكرة «الذروة» النفطية.
ويتعمق عدم استقرار أوضاع سوق النفط بسبب التغيرات البنيوية في استهلاك النفط، وخصوصاً بالنسبة لمنتجات نفطية محددة. لكن من ذا الذي سيضخ مليارات الدولارات في صناعة تكرير النفط إذا كانت النظرية القائلة بقرب تراجع استخراج النفط تكتسب انتشارا أوسع؟
نظرية «الذروة» النفطية التي لامسناها أعلاه جاءت بناء على فرضية جيولوجي شركة Royal Dutch/Shell ماريون هوبرت، الذي تنبأ منذ العام 1950بأن استخراج النفط العالمي سيبلغ ذروته مع نهاية القرن العشرين ليأخذ بعد ذلك منحى هبوطياً نظراً لنفاذ الموارد. لم تنل تلك الفرضية قبول الكثيرين في السابق، لكنها وسط الارتفاع الكبير في أسعار النفط أصبحت تستحق الاهتمام العالمي. ونأمل أن نأتيها في مقال لاحق.

[1] حسب تقدير بول هورسنيل، اقتصادي أسواق النفط في مصرف باركليز كابيتال لمجلة «أكسبرت» الأسبوع الماضي.
[2] في الربع الأول من العام 2008 ازداد حجم هذه الصناديق بمقدار 13 مليار دولار، منها 11 مليارا بسبب زيادة أسعار النفط، بينما ملياران فقط من الزيادة تحققا بفضل تدفق استثمارات جديدة.

صحيفة الوقت
16 يونيو 2008

اقرأ المزيد

الثانوية العامة بين الأمس واليوم


على الرغم من مرور نحو مائة عام على العمل بنظام الثانوية العامة منذ قيام التعليم النظامي العربي، فإن موسم ظهور نتائج الثانوية العامة مازال له بريقه الخاص المميز، ويحظى بالاهتمام الكبير المنقطع النظير على المستويين الحكومي والشعبي، وهو اهتمام يتفرد عن سائر الاهتمامات بنتائج المراحل الدراسية المختلفة فمن نافلة القول إن شهادة اتمام الثانوية العامة هي أهم الشهادات على الاطلاق التي تحدد مصير الطالب العلمي والمهني وتحدد وجهته العلمية والمعرفية المتوائمة مع ميوله ومجالات نبوغه طبقا لمستوى تحصيله العلمي وما أحرزه من نسبة عالية في الامتحانات النهائية.
وإذ الدول بدورها تهتم بهذه الفئة العمرية لكونها القاعدة العلمية الشابة لتأسيس وبناء جيل جديد من الموارد البشرية التي يعتمد عليها في النهضة التنموية والحضارية فإلى أي حد تعبر نسب ودرجات الثانوية العامة المرتفعة عن التفوق الحقيقي والتي ظهرت على نحو غير مسبوق خلال عقدين ونيف في عدد من البلدان العربية وبضمنها الخليجية؟ قبل هذه الفترة التاريخية، كما نعلم، كان أقصى ما يصل إليه الطالب المتفوق من خريجي القسم العلمي 98% وفي حالات نادرة يصل فيها الطالب إلى نسبة 99% أما متفوقو القسم الادبي فلا يصل الاول منهم الى أكثر من 90% بأي حال من الاحوال، وهنالك بالطبع اسباب عديدة ذاتية وموضوعية وراء هذا التحول في نتائج الثانوية العامة بالدولة العربية ولا تقتصر هذه الاسباب بالطبع على التغير الذي طرأ على المناهج والنظم التعليمية بل تتشابك مع عوامل اجتماعية وادارية واقتصادية ليس هنا موضع استعراضها او الغوص فيها.
لكن من الثابت ان هذه النسب العالية في الدرجات التي تلامس نسبة “المائة في المائة” ليست دليلا على ان اجيال الثانوية العامة الذين برزوا خلال العقدين الماضيين هم اكثر اجتهادا او اكثر نبوغا من الاجيال التي سبقتهم. على العكس من ذلك فقد عرف عن الاجيال السابقة نبوغهم ومثابرتهم واجتهادهم وانكبابهم على الدراسة، هذا في الوقت الذي لم يكن متاحا لديهم كل هذه الوسائل والوسائط التقنية البالغة التطور المسخرة لتحصيلهم العلمي، ولم يكن كل هذا الكم الهائل من المغريات المادية والتكنولوجية متوافرا لاغوائهم وانشغالهم عن الدراسة كالتي متوافرة لدى اجيال اليوم.
والاهم من كل هذا وذاك فمن اللافت ان اعداد من يتمتعون بثقافة عامة في اجيال الماضي هم اكبر بكثير من اجيال اليوم، بل ان مستوياتهم هي أعلى من مستويات من يتمتعون بهذه الثقافة في اجيال الحاضر. ومن المؤسف ان البحوث العربية لدراسة هذه الظاهرة التعليمية وتحليل ما طرأ من تحول كبير في شهادة الثانوية العامة العربية، والخليجية على وجه أخص، مازالت قليلة او معدومة. وقد اطلق العديد من الباحثين على ظاهرة التضخم في درجات الامتحانات بـ “المرضية الجديدة” وهي اضحت اليوم لا تقتصر على شهادات الثانوية العامة فقط بل تمتد الى الجامعات العربية والعالمثالثية، لا بل وحتى الامريكية، واصبحت هذه الظاهرة مقلقة لعلماء وخبراء التربية الامريكيين الذين باتوا يرون من المستحيل على أرباب العمل وكليات الدراسات العليا الحكم على مستويات الطلاب اعتمادا على مجرد ارتفاع نسبهم العليا في الدرجات العلمية.
وفي هذا الصدد لم يتوان الاستاذ ستيوارت روستا وهو استاذ جامعي في واحدة من اشهر الجامعات الامريكية الا هي جامعة ديوك بولاية نورث كارولينا عن التعليق على هذه الظاهرة بالقول: “عندما يكون الجميع تقريبا حاصلين على معدل درجات يتراوح بين “الامتياز والجيد جدا” تغدو التقديرات كمؤشر لقياس مستويات الطلبة لا معنى لها ويصبح من الظلم مكافأة المتفوقين لانتفاء المصداقية مادام الجميع متشابهين على الورق. ويضيف: ان هذه الظاهرة برزت في الثمانينيات مع بروز ثقافة استهلاكية جديدة داخل الجامعات تنظر الى الطلبة كزبائن ومن الضروري ارضاؤهم في تقدير الدرجات لتسهيل متطلبات التحاقهم بمرحلة الدراسات العليا بدلا من التشدد في التقدير الذي يؤدي الى عزوف الطلبة عن الالتحاق بهذه الجامعات”.
ويخلص هذا الاستاذ الامريكي الى التساؤل الاستنكاري التالي: “كيف يسمح المسؤولون عن الجامعات والهيئات التدريسية بهذا الانعكاس غير المباشر لتوازن القوى بحيث يصبح رضا الطلاب وهو المعيار الاساسي الذي يعلو فوق كل المعايير الأخرى؟” وهو سؤال يصح تماما على الاوضاع والمعايير التي آلت اليها الثانوية العامة العربية.
 
صحيفة اخبار الخليج
16 يونيو 2008

اقرأ المزيد