المنشور

ثورات كيسنجر الثلاث

درس الفلسفة،‮ ‬ليس محبة في‮ ‬أرسطو أو سقراط أو أفلاطون،‮ ‬وإنما لأن الفلسفة،‮ ‬كما‮ ‬يقول،‮ ‬لا تترك خلية واحدة في‮ ‬الدماغ‮ ‬عاطلة عن العمل‮. كان بوسعه أن‮ ‬يكون رئيساً‮ ‬للولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬لولا أن الأقدار أصابته بنقطة ضعف قاتلة،‮ ‬حين جعلت مولده في‮ ‬ألمانيا،‮ ‬لا في‮ ‬أمريكا ذاتها ما حال بينه وبين أن‮ ‬يكون‮ ‬يوماً‮ ‬سيداً‮ ‬للبيت الأبيض‮.‬ مع ذلك لم‮ ‬يكن بوسع الرؤساء الأمريكان الذين تعاقبوا على هذا البيت خلال السنوات الماضية أن‮ ‬يتجاهلوا ما‮ ‬يقول،‮ ‬وكثيراً‮ ‬ما لجأوا إلى استشاراته وخبرته المديدة في‮ ‬العلاقات الدولية،‮ ‬وهم‮ ‬يضعون استراتيجياتهم‮.‬ كلمته ظلت مسموعة،‮ ‬رغم مضي‮ ‬سنوات طويلة منذ أن كان وزيراً‮ ‬لخارجية الولايات المتحدة،‮ ‬ويجري‮ ‬التوقف أمام المقالات التي‮ ‬يكتبها والآراء التي ‬يطلقها،‮ ‬كونها تقدم قراءة راصدة لما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬العالم من تحولات‮.‬ لم‮ ‬يخف‮ ‬يوماً‮ ‬نزوعه اليميني،‮ ‬لا بل والرجعي،‮ ‬في‮ ‬دفاعه عن السياسة الامبريالية للولايات المتحدة،‮ ‬لا بل ومشاركته في‮ ‬هندسة هذه السياسة‮.‬
مؤخراً‮ ‬تحدث كيسنجر عن ثورات ثلاث تجري‮ ‬في‮ ‬مواقع مختلفة في‮ ‬عالم اليوم في‮ ‬الوقت ذاته‮.‬ واحدة في‮ ‬أوروبا حيث تتخلى الدولة الأم عن بعض وظائفها وصلاحياتها السيادية لصالح إطار عابر للدول،‮ ‬وثانية في‮ ‬العالم العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬حيث تتخلى الدولة الوطنية،‮ ‬مرغمة‮ ‬غير طائعة،‮ ‬عن مجالات نفوذها الحيوي‮ ‬التقليدية لصالح الأصوليات الناهضة التي‮ ‬لا تعترف بشرعية الدولة ولا القانون الدولي،‮ ‬وثالثة تتمثل في ‬انتقال مركز ثقل القرار الدولي‮ ‬من المحيط الأطلسي‮ ‬إلى المحيطين الهادي‮ ‬والهندي،‮ ‬مع بروز كل من الصين والهند واليابان كأقطاب دولية كبرى،‮ ‬اقتصادياً‮ ‬وسكانياً‮ ‬وعسكرياً‮.‬
لا‮ ‬يمكن أن ننجو من المفارقة المرة التي‮ ‬يشي‮ ‬بها حديث كيسنجر،‮ ‬حين نعقد مقارنة بين تضاؤل دور الدولة في‮ ‬أوروبا وبين الظاهرة نفسها في ‬عالمنا العربي‮ ‬الإسلامي‮.‬ في‮ ‬أوروبا تتم هذه الظاهرة لصالح تعزيز مكانة ودور الاتحاد الأوروبي،‮ ‬كأن مفهوم السيادة الوطنية بات ضيقاً‮ ‬ها هنا على كيان أكبر‮ ‬يوحد المصالح ويصهر المكونات المتعددة في‮ ‬بنية أشمل وأوسع وأكثر مهابة‮.‬ أما عندنا فإن فشل الدولة الوطنية في‮ ‬إنجاز ما كان مناطاً‮ ‬بها من مهام في‮ ‬تحديث مجتمعاتها وتحقيق التنمية المتوازنة،‮ ‬قد دفع بها نحو الإخفاق‮. ‬ للحديث تتمة‮.‬

صحيفة الايام
9 يونيو 2008

اقرأ المزيد

الدكتور فايز رشيد يحاور كريم مروة حول الذكرى الستين لنكبة فلسطين


س(1): بعد ستين عاماً على إنشائها… ما الذي تغيّرَ في النظرة الإسرائيلية بالنسبة لوجودها في المنطقة بالمعنى الاستراتيجي، وبالنسبة لرؤية السلام مع الفلسطينيين والعرب؟

 
كريم مروة: لا أعتقد أن بالإمكان الحديث اليوم عن احتمال تغير جوهري في استراتيجية إسرائيل في المنطقة. فإسرائيل تستمر محتفظة بالموقف وبالموقع ذاتيهما اللذين رافقا قيامها منذ التأسيس، سواء في طبيعتها كدولة عنصرية، أم في وظيفتها السياسية والإقتصادية والعسكرية في المنطقة، المكملة لسياسات الدول التي تدعمها وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأميركية. لقد كنا، منذ البدء، نعتبر إسرائيل جمساً غريباً في المنطقة. ولا أرى فيما شهدناه من سياساتها خلال الأعوام الستين الماضية ما يجعلنا نعدّل في موقفنا منها كجسم غريب في المنطقة. ربما يكون العكس هو الصحيح. ذلك أن حكامها، إضافة إلى كل من طبيعتها ووظيفتها المشار إليهما، ما زالوا يمارسون سياسة التنكر للحقوق القومية للشعب الفلسطيني المتمثلة بإقامة دولة له كاملة السيادة على أرض وطنه التاريخي فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية. هذا فيما يتعلق بالوقائع التي تعبّر عن ذاتها. وهي وقائع لا تحتاج منا إلى أي تفسير إضافي لها. لكن لهذه الوقائع دائماً أسبابها التي قادت وتقود إلى توليدها في صورة متواصلة. وإذا كانت بعض تلك الأسباب تعود في أساسها إلى تاريخ قديم سابق على قيام دولة إسرائيل، وإلى تاريخ متصل بالسنوات الستين من وجودها، فإن بعض تلك الأسباب تعود في مصادرها الأخرى إلى المواقف العربية. الموقف الأول يتمثل برفض العرب، منذ البدء، لمبدأ وجود دولة إسرائيل، كواقع مفروض بالقوة ومشرع من قبل الأمم المتحدة. الموقف الثاني يتمثل برفضهم ، منذ البدء أيضاً، لقرار الأمم المتحدة الذي نص على قيام دولتين في فلسطين، عربية وعبرية.  والموقف الثالث يتمثل بالإستمرار برفض الإعتراف بالكيان الإسرائيلي، مع الإعتراض المبدئي عليه، كدولة فرضت نفسها على العالم العربي من خلال انتصاراتها في الحروب التي قامت ضدها منذ التأسيس، بفعل العجز العربي المتواصل، وانتهت تلك الحروب بسيطرة إسرائيل على كامل الأرض الفلسطينية، لا سيما بعد حربي حزيران في عام 1967 وتشرين أول في عام 1973. وبالطبع فليس من المنطق وضع هذين النوعين من الأسباب في مستوى واحد. لكن من المنطقي، في الوقت عينه، أن نرى، نحن العرب أصحاب الحقوق المسلوبة، بعين واقعية، وبنظرة نقدية، كيف أننا قدمنا لإسرائيل في الماضي، وما نزال نقدم لها اليوم، بمواقفنا السياسية وبممارساتنا العملية، وبهزائمنا العسكرية المتواصلة، وبشعاراتنا التي لا أساس واقعياً لها، وبتخلف بلداننا في ظل أنظمة الإستبداد السائدة فيها، ما يساعد الحكام فيها، والقوى العنصرية المهيمنة على مجتمعها وعلى مؤسساتها السياسية والعسكرية، بتقديم كل ما يحتاجون إليه لجعل الدولة الإسرائيلية متمسكة بعنصريتها الصهيونية، وبعدوانيتها المتواصلة التي تتخذ طابع إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. ومن موقعها هذا بالذات تستمر إسرائيل اليوم في التنكر الأعمى والهمجي لحقوق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته كاملة السيادة على أرض وطنه فلسطين. كما تستمر في بقائها أمينة لوظيفتها في المنطقة، في خدمة القوى الخارجية، المتمثلة خصوصاً بالولايات المتحدة الأميركية المعادية لشعوبنا ولبلداننا، الطامحة إلى تحقيق حريتها وتقدمها، والممنوعة، من داخلها ومن خارجها، من تحقيق هذا الطموح.
في ظل هذه الوقائع القائمة، التي تزداد تعقيداً وحدّة، سيكون من الصعب تصوّر سلام حقيقي مع إسرائيل قائم على العدل الحقيقي. فللسلام العادل شروط لا بد من توفرها عند طرفي الصراع. وهي شروط تصعّب توفرها حدّة الصراع، في ظل السياسات القائمة، إسرائيلياً وأميركياً، من جهة، وفلسطينياً وعربياً، من جهة ثانية. لذلك فإن الحديث عن السلام اليوم هو وهمٌ أكثر مما هو حقيقة. ولكي يصبح السلام حقيقة، لا بد من تغيير جوهري في سياسة إسرائيل وفي سياسة الفلسطينيين والعرب. أما من سيبدأ في تقديم الدليل على أنه يريد السلام، فتلك أيضاً إشكالية لا بد من إيجاد حل لها، إذا ما توفرت، من حيث المبدأ، الرغبة الحقيقية في ذلك السلام عند جميع الأطراف، أعني السلام القائم على العدل، الآن وفي المراحل التاريخية اللاحقة، وفي شروطها. إلا أن رفض إسرائيل للمبادرات العربية، منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر حتى المبادرة الأخيرة التي أقرت في قمة بيروت، والتي ما يزال يجري تداولها، إن رفض إسرائيل لهذه المبادرات يجعلها تتحمل المسؤولية الأساسية عن عدم الوصول إلى ذلك السلام المنشود، القائم على العدل.
 
س(2): بالمعنى الفعلي، هل يوجد من عوامل وعناصر في البنيتين، المجتمعيةوالمؤسساتية الحاكمة في إسرائيل ما يمكن المراهنة عليه لما بعد عشرات ومئات السنين بإمكانية قيام تعايش حقيقي بين دولتين: فلسطينية وأخرى إسرائيلية، وبخاصة أن إسرائيل تضع على رأس أولوياتها الإستراتيجية، طموحها الأساسي بوصول كيانها إلى الدولة اليهودية؟
 
كريم مروة: أعتقد، في ضوء الوقائع القائمة، أن البنيتين المجتمعية والمؤسساتية في إسرائيل ليستا مؤهلتين في الظروف الراهنة لامتلاك الدولة الإسرائيلة مشروعاً حقيقياً لسلام حقيقي قائم على العدل، أي على الإعتراف الواضح والصريح بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته كاملة السيادة على أرضه وعاصمتها القدس الشرقية. أما الحديث عن الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية، الذي برز في الخطاب الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، فهو، في تقديري، إنذار لفلسطينيي 1948 بالدرجة الأولى. غير أنني أزعم، وقد أكون مخطئاً في تقديري، بأن إسرائيل لا تستطيع البقاء زمناً طويلاً في حالة عداء مع العرب، إذا كانت تريد أن تعيش في المنطقة كجزء منها، وليس كجسم غريب. لكنني أرى، بالمقابل، أن المؤسستين السياسية والعسكرية لإسرائيل ما تزالان عاجزتين عن امتلاك سياسة حقيقية، وثقافة حقيقية، تقومان على فكرة السلام الحقيقي مع عرب فلسطين خصوصاً، ومع العالم العربي عموماً، السلام القائم على الإعتراف المتبادل بوجود دولة إسرائيلية مختلفة في وظيفتها وفي أهدافها عما كانت عليه عند التأسيس، وعما هي عليه الآن، ودولة فلسطينية كاملة السيادة، مستقلة بالكامل عن إسرائيل، ومتعاونة معها، بالتدريج، في أمور معينة، وذلك على أساس الندية وإحترام كل منهما استقلال الدولة الأخرى في معالجة شؤونها الوطنية الخاصة بها، وفي خياراتها فيها. وإذا ما تحقق ذلك الإعتراف المتبادل ذات يوم فإن إسرائيل تكون قد التزمت بروح قرار التقسيم الذي يقضي بأن تـقوم على أرض فلسطين الدولتان العربية والعبرية، بعد تأسيسهما، عندما تتوفر الشروط لذلك ، وأن تنشأ بين الدولتين علاقات تقود بالتدريج إلى تشكيل اتحاد فيدرالي بينهما، مع احتمال ضعيف بأن يتحول ذلك الإتحاد إلى ما يشبه دولة فلسطينية ثنائية القومية، في مستقبل لا يمكن تحديد زمانه. وفي الواقع، وكما ثبت ذلك في المرحلة التي أعقبت اتفاقيات أوسلو، فإن دولة فلسطينية مستقلة قائمة على العداء لإسرائيل لا إمكانية حقيقية لقيامها. من هنا ضرورة أن يقترن الإعتراف المتبادل بين الدولتين، عندما تقوم دولة فلسطين المستقلة، بمبدأ التعاون بينهما، في الأمور الممكن الإتفاق عليها، لكي يكون السلام الذي يجري الحديث عنه بين العرب وإسرائيل سلاماً حقيقياً. هذا إذا اعتبرنا أن ثمة رغبة حقيقية لدى إسرائيل ورغبة حقيقية لدى العرب والفلسطينيين، أو على الأصح لدى بعضهم، بالـسلام. وقبل أن نتحدث عن “رغبة” إسرائيل علينا أن نتحدث عن “رغبة” الفلسطينيين والعرب بالسلام. ذلك أن انقساماً كبيراً وعميقاً ما يزال قائماً في صفوف القوى السياسية الفلسطينية والقوى السياسية العربية حول موضوع الإعتراف بإسرائيل، كواقع، وليس كحتمية. والقوى الرافضة لهذا الإعتراف بإسرائيل لا تنحصر بحماس وبالجهاد. فهناك قوى أخرى عربية وإقليمية نافذة، قادرة على تعطيل أية دعوة للسلام مع إسرائيل وأية رغبة من أي طرف في تحقيق هذا السلام معها. وهو ما يتمثل اليوم، ومنذ أعوام، في رفض المبادرة العربية للسلام، من قبل قسم من الفلسطينيين وقسم من العرب، متزامناً ومترافقاً مع رفض إسرائيل لها. وقد تمكنت هذه القوى، العربية والإسرائيلية، حتى الآن، من تعطيل كل المبادرات، الحقيقي منها، إذا وجد، والوهمي، وهو السائد، حول السلام. وجاء التعطيل من الجانب الفلسطيني والعربي تحت شعار تحرير كامل أرض فلسطين من النهر إلى البحر، حتى ولو استمر الكفاح لتحقيق هذا الهدف قروناً بكاملها. وهو ما تعبّر عنه المقولة التي سادت في أزمنة سابقة عند بعض القوى الثورية: “كل شيئ أو لا شيئ”! إذ يرفض القائلون بها، قديماً وحديثاً، الإقرار باختلاف المراحل، وباختلاف شروط النضال في كل من هذه المراحل لتحقيق الهدف المبتغى. وقد عبّر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن هذه المرحلية في النضال بشعاره الشهير: “خذ وطالب”، مستعيراً إياه من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبه الذي تجرأ في أواسط ستينات القرن الماضي، لوحده ومن دون سواه من القادة العرب، بالدعوة إلى مفاوضات لتطبيق قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين.  وافق الرئيس عبد الناصر، استناداً إلى هذا الشعار، على قرار مجلس الأمن 242، الذي صدر في أعقاب حرب حزيران 1967، وهزيمة العرب فيها، مرفقاً موافقته عليه ببرنامج طويل المدى تحت شعار “إزالة آثار العدوان”. وأقرن ذلك بالإعداد الحقيقي لحرب محتملة كانت حرب الإستنزاف الشهيرة البداية العملية لها. لكنه غادر الحياة قبل أن يستكمل العدة لتلك الحرب الموعودة، من أجل استعادة الأراضي وإزالة آثار العدوان. فأكمل الرئيس أنور السادات تلك المهمة التاريخية لاستعادة الأرض من خلال حرب عام 1973، التي استعاد فيها الأرض ووقع، ضد إرادة الشعب المصري وسائر الشعوب العربية معاهدة سلام مع إسرائيل. لكل ذلك ، وفي ضوء ما تشير إليه الوقائع القوية، لن يكون بالإمكان إحداث أي تغيير في موقف إسرائيل من السلام، هذا إذا اعتبرنا أن ثمة إمكانية فعلية لتكوّن رغبة حقيقية عند إسرائيل بمثل هذا السلام. بل إن ذلك الموقف العربي والفلسطيني سيجعل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والمؤسسة العسكرية خصوصاً، والقوى العنصرية المهيمنة على المجتمع الإسرائيلي، أكثر تمسكاً بسياساتها العدوانية ضد عرب فلسطين وضد العالم العربي عموماً. وهو ما نشهد أمثلة عنه في السياسة اليومية لإسرائيل ضد الفلسطينيين، من دون أن تكون بحاجة دائماً إلى مبررات، عسكرية أو سياسية. وستظل إسرائيل تمارس قدرتها الفائقة في القتل والتدمير والتشريد، وتمارس قدرتها، في الوقت ذاته، على استيعاب الضربات التي توجه إليها من هنا ومن هناك، الضربات التي لا يقاس تأثيرها الهزيل على إسرائيل بالتأثير الذي تحدثه آلة التدمير الإسرائيلية في الرد الهمجي عليها، سواء في فلسطين أم في لبنان، ساحتي المواجهة الساخنة الدائمة. وباستطاعتنا أن نفسر، من دون أن نبرر، معنى ودلالات المخاوف الإسرائيلية المعلنة من جراء العمليات العسكرية ضدها، ومن المواقف السياسية التي ترفض الإعتراف بها. فالهدف الأساسي من الضجيج المفتعل الذي تقوم به إسرائيل بوسائلها وأدواتها في الداخل وفي الخارج، في مواجهة تلك العمليات والمواقف، هو تجنيد وتجييش للعالم من أجل التضامن معها عندما تقرر الرد بأعنف وأشرس الوسائل ضد الفلسطينيين، وضد اللبنانيين الذين يشكلون اليوم لوحدهم، من دون العرب أجمعين، قوة الصراع المسلح ضدها.
س(3): هل تمثل الديموقراطية الإسرائيلية، ديمقراطية حقّة في المنطقة؟
 
كريم مروة: لا جدال في أن دولة إسرائيل تتميز عن بلداننا العربية بنظام ديمقراطي شبيه بالأنظمة الديمقراطية السائدة في البلدان الرأسمالية. في إسرائيل لا يستطيع الحكام أن يتجاوزوا النظام والقوانين. وقد بينت الوقائع ذلك على الدوام. وطاولت المحاسبة رؤساء الدولة ورؤساء الحكومات ووزارء وقادة عسكريين. وكان آخر مثل على ذلك تقرير فينوغراد حول الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. في إسرائيل مساءلة تصل إلى حد إقالة رئيس الدولة من منصبه عندما تثبت الإتهامات الموجهة إليه بمخالفة القوانين. أما في البلدان العربية فإن أنظمة الإستبداد هي التي تتحكم بمصائر شعوبنا. والبديل من القوانين وحقوق المواطنة، في ظل هذه الأنظمة، هو الإعتقال والقتل، وكمّ الأفواه، والتحكم بكل ما يتصل بشؤون الأفراد والجماعات وبالمجتمع كله. نعم في إسرائيل ديمقراطية في التعامل مع مجتمعها ومع مواطنيها. لكن إسرائيل “الديمقراطية” هذه تتعامل بوحشية وبربرية مع خصومها الفلسطينيين، أصحاب الحقوق المسلوبة والمنتهكة في وطنهم. وتبرر ذلك أمام العالم، وتجد من يقبل تبريراتها ويتضامن معها في وحشيتها وبربريتها ضد الفلسطينيين. أما في العالم العربي فالإستبداد هو السائد المسلط على المجتمع والمتحكم بمكوناته أفراداً ومجموعات. علينا أن نقرّ بذلك، ونقرّ، في الوقت عينه، بأننا لن نستطيع تحقيق حريتنا وقدرتنا في خوض المعركة الحقيقية من أجل الإنتصار على إسرائيل، ما دامت بلداننا تخضع لهذا الإستبداد ولنتائجه الكارثية على بلداننا، في كل المجالات، بما في ذلك عجزنا عن نصرة الشعب الفلسطيني، وعجزنا عن مواجهة حقيقية وفاعلة للعدوان الإسرائيلي المتكرر على الشعبين الفلسطيني واللبناني. بل إن هذا الإستبداد العربي هو الذي يتحمل المسؤولية عن إبقاء بلداننا متخلفة في كل المجالات، مقابل إسرائيل التي تزداد تقدماً في كل المجالات. لن نستطيع الإنتصار على إسرائيل ما دمنا عاجزين عن خلق قوى قادرة على تحريرنا من هذا الإستبداد ومن مفاعيله ومن نتائجه الكارثية.
لكن لغياب الديمقراطية في بلداننا، وتغييبها وقمعها، ومنعها من أن تحتل مكانها في دولنا وفي مجتمعاتنا، وظيفة أساسية، هي الوظيفة التي تؤسس لتأبيد هذا الإستبداد في بلداننا، في أماكن إقامته المعروفة، وتأبيد التخلف، الذي يجعل شعوبنا عاجزة عن مواجهة هذا الإستبداد والتحرر منه. بل إن من “فضائل” هذا النمط من الإستبداد أنه حين يوقع بلداننا في الهزائم، وما أكثرها، الهزائم السياسية والعسكرية، يتهرب من المسؤولية عن هذه الهزائم، ويقمع من يذكره بمسؤولياته، ويحيل المسؤولية عن وقوع هذه الهزائم إلى الإمبريالية والصهيونية. الهزيمة في بلداننا يتيمة، دائماً يتيمة.  أما الإنتصار، وقد تحقق ثلاث مرات، مرة في حرب 1973، ومرة في عام 2000، ومرة ثالثة في حرب عام 2006 في لبنان، فإن التعامل معه كان دائماً خاطئاً بنسب متفاوتة. فقد بدد الإنتصار في حرب 1973 سياسياً وعسكرياً في مصر وبدد عسكرياً في سوريا. وتحول هذا الإنتصار الذي كان الأول من نوعه إلى هزيمة، أضيفت إلى الهزائم السابقة. إنتصار العام 2000 الذي لعبت مقاومة حزب الله الدور الحاسم فيه كان عظيماً وكان موضع إعتزاز وفرح عند اللبنانيين الذين كانوا قد ساهموا فيه جميعهم، كل على طريقته. في حين أن انتصار حزب الله في مقاومة عدوان إسرائيل عام 2006 كان باهظ الثمن، في السعي إليه، وفي صنعه، وفي الطريقة التي جرى التعامل فيها معه، وفي النتائج التي ترتبت عليه. إذ جرى القفز فوق الأسباب التي قادت إلى الحرب، وفوق الكلفة الباهظة للإنتصار، وفوق الآلام الكبيرة التي لا تزال عميقة الجذور في وجدان شعبنا، وتركز الإهتمام بالإنتصار ليبقى هو وحده الطاغي ومالئ الدنيا وشاغل الناس.
وأسمح لنفسي، في هذا الصدد، وتعليقاً على تقرير فينوغراد الإسرائيلي، أن أتساءل عن الأسباب التي حالت وتحول دون قيام حزب الله بنقد ذاتي، شبيه بتقرير فينوغراد، حول حرب تموز التي قادها لوحده، من دون القوى السياسية الأخرى، بمن فيها حلفاؤه، ومن دون الدولة كذلك. وهو نقد ذاتي كان يفترض به، لو حصل، مقترناً بالحديث عن النصر وعن كلفته، أن يشكل استكمالاً طبيعياً وغير مفتعل لما ورد في أول خطاب لأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله الذي قال فيه: لو كنت أعلم… ومثل هذا النقد الذاتي الشجاع كان سيكون مكملاً حقيقياً لتقييم الدور البطولي لمقاومي الحزب في مواجهة العدوان الإسرائيلي. وهو الدور الذي كان موضع اعتزاز كل اللبنانيين. وكنت من بين الذين أشادوا بذلك الدور البطولي لأولئك المقاومين الشجعان، في الوقت الذي كنت أوجه فيه النقد لسياسة حزب الله في احتكار المقاومة، وفي احتكار قرار الحرب والسلم. كان ذلك النقد الذاتي من قبل حزب الله، لو حصل بالطريقة التي أشرت إليها، سيساعد في تعزيز الوحدة الوطنية الحقيقية في الداخل اللبناني بدل الإنقسام الذي ساهم كل طرف سياسي بدوره فيه، في شكل فعل ورد فعل وفي تخوين متبادل من قبل كل فريق للفريق الآخر، الأمر الذي أدى إلى هذا التعطيل المتواصل لمؤسسات الدولة ولسائر مرافق الحياة في البلاد وإلى توترات أمنية كادت تهدد باندلاع حرب أهلية جديدة. وقد دفع لبنان، الثمن الباهظ لتلك التوترات السياسية والأمنية لاستمرار السياسيين في هذين الفعل ورد الفعل، وهم يتصارعون فيما بينهم على تحديد أحجامهم في الدولة وفي مؤسساتها، فضلاً عن الصراع حول النظام وطبيعته، وحول طبيعة ووظيفة الدولة فيه.
أقول ذلك من أجل استخلاص العبر، في هذه اللحظة التاريخية التي بدأ ينتقل فيها لبنان، بعد اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، الإنتقال من حقبة مليئة بالأزمات وبالتوترات، إلى حقبة جديدة واعدة، سيتحمل فيها الفرقاء السياسيون المختلفون في اتجاهاتهم السياسية وغير السياسية، والمختلفون في تحالفاتهم الإقليمية والدولية، يتحملون المسؤولية عن تحقيق ذلك الإنتقال بأفضل الطرق، وبأكثرها احتراماً للدستور وللديمقراطية ولخصوصية لبنان المتعدد والمتنوع.
 
س(4): ماهي نظرتكم بالنسبة لمستقبل إسرائيل في المنطقة؟
كريم مروة: لا أستطيع الإجابة عن مثل هذا السؤال. فالقضية لا تتعلق برغبتي وبرغبتنا جميعنا. القضية تتعلق بموازين القوى في المنطقة وفي العالم، من جهة، وتتعلق بالسياسة التي تسلكها بلداننا، في مواجهة السياسة التي تسلكها إسرائيل، من جهة ثانية. وفي قراءتي للسياستين لا أرى أفقاً حقيقياً لحل حقيقي للصراع في الوقت الراهن وفي الزمن المنظور. في حين أنني أرى، من دون جهد، وبالإستناد إلى الوقائع، ومن دون أوهام تعارض ذلك، أن إسرائيل باقية في الموقع الأقوى، وأننا باقون في الموقع الأضعف. وللتغيير في هذه المعادلة شروطه التي لا تتوفر لا في الأنظمة الحاكمة، ولا في القوى المكافحة بالسلاح فلسطينياً ولبنانياً وعربياً.  والحديث هنا عن القوة والضعف في صفوفنا كعرب وفي صفوف إسرائيل، يتطلب تحرير سياساتنا ومواقفنا، في المواقع المختلفة لكل منا، تحريرها من الشعارات التي لا تفيد معنى، والتي لا ترتكز إلى أسس واقعية تبرر إطلاقها. هذا أولاً. ثم أن هذا النوع من الحديث يتطلب، من جهة ثانية، أن تنطلق الأطراف العربية التي تحمل السلاح باسم المقاومة، في فلسطين أولاً، وفي لبنان كذلك، في سياساتها وفي ممارساتها، من أن حقنا المشروع في النضال لتحرير أرضنا واستعادة حقوقنا المستلبة ينبغي أن يراعي الشروط التي تختلف من مرحلة إلى أخرى، وأن يؤخذ في الإعتبار فيه أن نضالنا هو نضال طويل، وأن لشعوبنا، وللإنسان في بلداننا، حقوقاً علينا، لا يجوز أن نغفلها، باسم ذلك النضال المشروع الطويل الأمد. علينا أن ندرك بوعي كامل أن نضالنا هذا الذي نهدف من ورائه إلى تحقيق الحرية لشعوبنا لا يعطينا الحق بأن نستسهل التضحيات، وألا نحسب حساباً لحجمها، وللجدوى من تعظيمها، في ظل موازين للقوى ليست لصالحنا. إن الإندفاع في النضال وتقديم الخسائر من دون حدود، بدآ يشيران إلى أننا ندفع شعوبنا للموت من أجل تحقيق حياة أفضل لها! وأخطر الأمثلة على ذلك تلك العمليات الإنتحارية التي نسوق إليها زهرة شبابنا. إذ أن هذه العمليات الإنتحارية، بالنسبة إلى الذين يعتبرونها وسيلة نضالية أساسية، إنما تشير إلى مدى الإستهتار بحياة البشر، إذ تحولهم إلى قنابل موقوتة.
لا بد من تغيير جوهري في سياساتنا وفي طرائق نضالنا وفي أدوات وأشكال هذا النضال. وعندما نبادر إلى تغيير هذه الطرائق والأدوات والأشكال، سيكون للحديث عن الضعف والقوة بيننا وبين إسرائيل معنى آخر مختلف. هل هذا التغيير ممكن؟ ربما. لكنني أرى أنه لا بد لعرب فلسطين أولاً، وللعرب عموماً على اختلاف مكوناتهم ومواقعهم، أن يفكروا فيما يعود لهم في تأمين الشروط لإحداث التغيير في المعادلة، حتى ولو اقتضى ذلك تغييراً جوهرياً في السياسة بشقيها، ما هو تكتيكي منها وما هو استراتيجي، وتغييراً جوهرياً في أشكال النضال، كما أشرت إلى ذلك قبل قليل. وفي رأيي، الذي أتمسك به اليوم وأدافع عنه بحزم، بعد تلك التجارب الغنية بالدروس التي مررنا بها في لبنان وفلسطينين وفي العالم العربي عموماً، هو أن زمن استخدام السلاح قد ولّى، بعد أن أثبت عدم جدواه، وأثبت فداحة الثمن الذي تدفعه شعوبنا من جراء الإستمرار في استخدامه، وأن زمن السياسة بكل أشكالها هو الذي يجب أن يحل محل زمن السلاح. لقد قام الكفاح المسلح بواجبه على أفضل وجه في بعض المراحل. وكان لنا نحن شيوعيي لبنان دور كبير في استخدامه. وكنا يومذاك على حق، وكان أشقاؤنا من الشيوعيين العرب، الذين اعتبرونا مغامرين، على غير حق… اليوم تغيرت الظروف وبات علينا أن نستفيد من دروس تجاربنا. كلا، لم يعد استخدام السلاح صالحاً للزمن الذي نحن فيه، وبالطريقة القديمة ذاتها التي أدت وظيفتها على أفضل وجه. وحان وقت استبدال هذا الشكل من النضال بأشكال جديدة أكثر جدوى وأقل خسائر، لكي نحقق ما نريده لبلداننا، وللشعب الفلسطيني خصوصاً الذي يستحق أن يعيش بسلام، وبحرية، وباستقرار، ويختار طريقه إلى التقدم والحرية، ويتابع نضاله في شكل متوازن وطويل المدى، تحترم فيه المراحل وتحترم فيه الشروط التي بالإستناد إليها يجري تحديد أشكال النضال في كل واحدة منها بخلاف الأخرى. وهذا الحق بالإستقرار والسلم والحرية هو أيضاً حق لبنان وشعبه بعد أن أنجز تحرير أرضه. أليس هذا ما فعلته سوريا من دون أن تحرر أرضها المحتلة في الجولان، بعد أن عجزت عن إنجاز تلك المهمة بالحرب وبالمقاومة؟ إذ هي قررت، منذ خمسة وثلاثين عاماً، الإلتزام بالهدنة الكاملة الطويلة المدى مع إسرائيل مع بقاء الجولان محتلاً، وذلك من دون معاهدة من النوع الذي وقعته كل من مصر والأردن مع إسرائيل، بعد استعادة أرضهما المحتلة!  والمفارقة في هذا الأمر هو أن سوريا، في الوقت الذي تحترم هي هذه الهدنة مع إسرائيل وأرضها محتلة، تخوّن اللبنانيين الذين يطالبون باحترام الهدنة ذاتها، من دون توقيع اتفاق سلام، بعد تحرير الأرض، وتشجع، أي سوريا، حزب الله على الإستمرار بالمقاومة بعد أن أنجزت مقاومته تحرير أرض الوطن، خلافاً لما فعلت هي! وللمفارقة هنا دلالاتها السياسية. إذ المطلوب، بالنسبة إلى الأشقاء السوريين، كما تشير إلى ذلك السياسة الرسمية للدولة، أن يبقى لبنان ساحة صراع مع إسرائيل إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً! فإما أن يتم تحرير الجولان بالمقاومة اللبنانية، أو تعم الفوضى في لبنان الساحة. ويستحيل الخلاص من تلك الفوضى إلا بعودة الوصاية السورية إلى هذا البلد المعذب، العاجزة قواه السياسية عن حل مشاكلها وانقساماتها وصراعاتها بنفسها. أما القول، من قبل سوريا ومعها حزب الله، بأن وظيفة الإستمرار في المقاومة هي استكمال تحرير ما تبقى من الأرض في مزارع شبعا، وتحرير الأسرى في سجون العدو، فالجواب الملائم عن هذا القول هو أن هذه المهمة صارت مهمة الدولة، وأن شكل النضال لتحقيق هذه المهمة صار مختلفاً، وأن اللبنانيين، والجنوبيين منهم خصوصاً، صاروا بحاجة لأن يتمتعوا بالإستقرار والسلم والحرية بعد كل التضحيات الجسام التي قدموها بسخاء على امتداد الأعوام الستين الماضية.
 
س(5): هل من إمكانية للتعايش الفلسطيني-الإسرائيلي في ظل دولة علمانية ديموقراطية واحدة؟
 
كريم مروة: شعار الدولة الديمقراطية العلمانية الذي طرحه الفلسطينيون في أواخر ستينات القرن الماضي استهلكته الأحداث والصراعات والأحقاد. لذلك فإن طرحه اليوم هو مضيعة للوقت. ربما يكون ذلك ممكناً بعد عقود من الزمن، عندما يتحقق السلام العادل، ويتم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
 
س(6): هل من إمكانية لأن تكون الولايات المتحدة في غير الصف الإسرائيلي وحكماً نزيهاً في الصراع العربي-الصهيوني؟
 
كريم مروة:  لا توجد مثل هذه الإمكانية في الوقت الحاضر، حتى ولو سمعنا الكثير على ألسنة المسؤولين فيها عن ضرورة قيام دولة فلسطينية. فالولايات المتحدة الأميركية ستظل لزمن طويل تعتبر إسرائيل ركيزتها في المنطقة. ربما يتغير الموقف إذا ما تغيرت الظروف. لذلك يجب ألا يعوّل على دور نزيه من قبل الولايات المتحدة في التعامل مع العرب بنفس المستوى من تعاملها مع إسرائيل.
 
س(7): بالمقابل: هل تصل الإستراتيجيتان الحاليتان…الفلسطينية والأخرى العربية إلى مستوى مجابهة الخطر الذي تمثله الإستراتيجية الإسرائيلية؟ وما هي اقتراحاتكم لتعديلهما، إن كانت (كلاهما أو أحدهما) من وجهة نظركم لا تصلان إلى مستوى المجابهة؟
كريم مروة:  الواقع الراهن في الداخل الفلسطيني مأساوي بكل المعاني. وهو، في حقيقته، استمرار لسياسات سابقة دفع الشعب الفلسطيني ثمنها على الدوام. الحديث هنا يطول. ولست مستعداً للخوض في قضايا تتعلق بالماضي. وقد كتبت كثيراً حولها. توجد في فلسطين سلطة وطنية هي استمرار للسلطة التي نشأت في أعقاب اتفاقيات اوسلو، التي رفضتها منظمات فلسطينية وأحزاب ودول عربية، وأيدتها وتعاملت مع موجباتها منظمات أخرى، وفي طليعتها حركة فتح بقيادة الرئيس ياسر عرفات، وأيدتها دول عربية. بالمقابل توجد اليوم حكومة حماس التي استولت على قطاع غزة بالعنف المسلح، وأقالها رئيس السلطة الوطنية الحالي أبو مازن، معتبراً أنها قامت بانقلاب دموي، قسمت الشعب الفلسطيني إلى قسمين متحاربين بأعنف الأشكال، وبأشدها تدميراً.
لست هنا في معرض التقييم من بعيد لوقائع وأحداث، أشقاؤنا الفلسطينيون هم المعنيون بها وبتقديم الإجابات عنها.  لكنني، بمعزل عن صحة هذا الموقف أو ذاك في الخلاف القائم بينهما، لا أستطيع إلا أن أكون في السياسة مع موقف السلطة، استناداً إلى موقفي المبدئي من الكفاح المسلح، باعتباره تحوّلاً في الممارسة إلى نقيض الهدف المبتغى منه. وفي رأيي الذي أعلنته في مقالات عديدة نشرتها على امتداد الأعوام التي تلت انتفاضة الحجر، فإن تحويل تلك الإنتفاضة إلى انتفاضة مسلحة كان خطأ فادحاً دفع الشعب الفلسطيني، ولا يزال يدفع، ثمناً باهظاً له. وهو الموقف الذي أعلنته، بعد تحرير الأرض اللبنانية في عام 2000، بضرورة تسليم حزب الله سلاحه إلى الدولة، والتحول إلى الإسهام مع القوى السياسية الأخرى في إعادة بناء الدولة التي كانت الحرب الأهلية قد أحدثت فيها وفي مؤسساتها خللاً كبيراً.  وكنت أستند في موقفي هذا إلى ما حصل في كل البلدان التي استطاعت بالمقاومة أن تحرر أرضها. إذ تحولت فيها المقاومة بعد التحرير إلى رمز وطني، وتحول المقاومون إلى بناة للدولة.
بالنسبة إلى الوضع في فلسطين الأمر مختلف عما هو عليه الحال في لبنان. لكن ذلك الإختلاف على أهميته لا يغير من جوهر الموقف إزاء واقع صعب، يستحيل تغييره بالعنف، وفق ما أشارت إليه ودلت عليه الأعوام الستون التي مرت على قيام إسرائيل. السياسة الواقعية التي تقوم على احترام المراحل، واحترام موازين القوى، هي التي يمكن أن تقود إلى تحقيق الأهداف، هدفاً هدفاً، حتى ولو طال الزمان. فالمهم، بالنسبة إلى الوطنيين ، هو أن يدركوا على الدوام أن كل نضال يخوضه شعب من الشعوب من أجل حريته إنما يهدف في الأساس إلى تأمين الشروط التي تجعل الإنسان حراً وسعيداً. في حين أن ما نشهده في فلسطين، وفي لبنان كذلك، مع اختلاف الظروف، يتعارض مع ذلك الهدف السامي. إذ أن السياسة التي تعتمد الكفاح المسلح طريقاً وحيداً ودائماً إلى التحرير قد حولت هذا الكفاح إلى هدف قائم بذاته، وحولت الإنسان، الذي يرمي النضال إلى تحريره، وقوداً دائماً لذلك الكفاح، وموتاً وبؤساً متواصلين من دون أفق.
هذا هو موقفي المبدئي. وانطلاقاً منه أعتقد أن على الصراع القائم بين سلطتين في فلسطين ينبغي أن يتوقف وأن يحل محله اتفاق جديد مبني على سياسة مختلفة عن السابق، سياسة تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، حتى ولو لم تكن حدود تلك الدولة في المرحلة الأولى هي الحدود التي ينص عليها قرار التقسيم. فالوصول إلى الأهداف المبتغاة اليوم، في ظل الواقع القائم، هو صعب ومعقد محلياً وإقليمياً ودولياً، ويتطلب زمناً طويلاً. فلنفاوض بكل ما لدينا من إمكانات، ولنوحد جهودنا، فلسطينيين وعرباً وأصدقاء لنا في العالم، وأصدقاء لنا في إسرائيل بالذات على قلة عددهم. فلعلنا نحقق، في ظل مثل هذه السياسة الجديدة، بعض ما يطمح الشعب الفلسطيني إلى الحصول عليه. وهو ما يتمثل بحل سياسي يخرج هذا الشعب المكافح من النفق المظلم الذي هو فيه، وينقله إلى حياة فيها بعض الإطمئنان وبعض الإستقرار. وهما اطمئنان واستقرار ما زال يبحث عنهما هذا الشعب المعذب منذ عقود، قبل قيام إسرائيل وبعدها. وفي مثل هكذا سياسة يمكن أن يكون النضال أكثر جدوى، وأقل كلفة، حتى ولو طال الزمن الذي سيحقق فيه الشعب الفلسطيني الأهداف الكاملة لنضاله الطويل والشاق المليء بالآلام والمآسي. 
كريم مروة
 

اقرأ المزيد

نلوم الدولة أم نلوم المجنسين..

عندما نزلنا في مطار جدة كان طابور المعتمرين بمدّ النظر، ورغم أن المطار لا يفرد رسمياً معبراً خاصاً للخليجيين إلا أن موظفاً ارتأى تخصيص كشك لهم لما رأى الزحام. وفي ثوان معدودات تدافعت عشرات العائلات الخليجية للمعبر الجديد ومن بينهم عائلة آسيوية تكتسي بالبنجابي التقليدي. تنبه الشرطي لهم بالطبع وسارع لإبعادهم ولكنهم لم يفهموه لمَّا كلمهم بالعربية كما لم يفهموه حتى بالإنجليزية -لرداءة لفظه على الأرجح- وما إن استوعبت الأسرة مقصده حتى رفعت جوازاتها البحرينية في عين الشرطي الذي فغر فاه وتولى عنهم متبرماً وسط تعليقات الخليجيين الموجودين الساخرة!!
هذا الموقف يتكرر إجمالاً في كثير من المطارات؛ أناس منحوا الجنسية البحرينية حديثاً ولازالوا متمسكين بأزيائهم ولغتهم وكثيرا منهم لا يتكلم العربية أصلاً؛ رغم أن قانون الجنسية يشترط بشكل واضح ‘ فقرة ج-6 من القانون’ أن يجيد المجنس اللغة العربية ولكنه بند يتم القفز عليه -تماماً- كما يتم القفز على غيره من البنود!!
منعتني الكياسة من ذكر الموقف أعلاه للفاضل الذي زار ‘الوقت’ أخيراً مطالبا بعدم ذكر كلمة مجنس أو مواطن من أصول عربية -بأي شكل- في الصحافة مشدداً على ما في هذا اللفظ من تمييز غير دستوري وملوحاً بإمكانية مساءلة الصحف التي لا تلتزم قضائيا.. الفاضل تجاهل ، أو ربما لم يكن يعرف، أن لفظة المجنس وردت في القانون البحريني نصاً تحت بند المسميات إذ ورد:
المتجنس: تعني كل شخص منح الجنسية البحرينية بمقتضى أحكام المادة 6 من قانون الجنسية.
في حديثنا سألته بوضوح إن كان – كمجنس نخبوي- يشعر بالتمييز فأكد بأنه لم يشعر به إلا في السنوات الـ 3 الأخيرة.. ما قاله يتوافق بشكل كامل مع الواقع ويبرهن عليه.. فقبيل العام 2001 كان التجنيس انتقائيا؛ كنا ننظر لمن مُنح الجنسية أنه من ذوي المكانة والحظوة.. كانت الجنسية عندئذ تمنح للأطباء والصحافيين والمستشارين ورجال الأعمال.. أما بعد أن أصبحت تمنح لمن هب ودب فقد اختلفت النظرة تماماً..
قبل سنوات لم يكن التمييز ضد المجنسين واقعا.. أما اليوم فهو واقع وله استحقاقات مؤجلة الدفع.. فالاحتقانات والأحقاد التي تتولد في نفوس هؤلاء جراء النظرة الدونية لهم ستتضح -لا في جيل الآباء- بل في جيل الأبناء والأحفاد الذين سيولدون مؤمنين بأنهم كاملو المواطنة ولن يقبلوا بما دون ذلك؛ ما سيحولهم لبؤر توتر لا للشعب فحسب.. بل للحكومة والسلطات أيضاً.!!
ذاك الوضع -للأمانة- ليس ذنب هذا الغريب الذي قدمت له الحكومة البحرينية فرصة حياة أفضل له ولأبنائه فاقتنصها. ولو تأتى لبحريني عاطل مطحون أن يهاجر ويستقبل بالسكن والعمل والجنسية لما عاف ذاك.. وعليه فاللوم على من جنسهم بعيداً عن سدة القانون.. يتبع ..
 
صحيفة الوقت
8 يونيو 2008

اقرأ المزيد

ملاحظــات أوليـة حـول ظاهـرة “الإسـلام السـياسي” المعاصرة

طغت ظاهرة “الاسلاميزم” (الإسلاميون) أو”الإسلام السياسي” في العقود الأخيرة على الساحة الفكرية والسياسية وسيطرت على قلوب وعقول الناس في المجتمعات الإسلامية، بل تحولت إلى ظاهرة أو حركة عالمية أينما وجد مسلمون، جاء ذلك على حساب التيارين القومي واليساري واللذين انكمشا إلى حد ملحوظ في الوقت الحاضر، بعد أن تعثرت تجاربهما في تأسيس دولة مدنية مؤسساتية وقانونية قابلة للتطور والنمو.
بل إن مهمات حركة التحرر العربية التي كانت على أجندة الأنظمة “الثورية” تلك قد أصيبت بخلل مبكر من جراء عدم سلوك سكة المؤسسات الديمقراطية لنمط الحكم، على اثر نيل اغلب الدول العربية استقلالها السياسي، حيث لم تستطع الأنظمة ما بعد الاستقلال بلوغ انجازات اقتصادية/ اجتماعية/ ثقافية حقيقية مما حدا بالجماهير في تعرضها لخيبة أمل حادة، خصوصاً منذ نكسة حزيران وبالتدريج، حيث انفضت الناس عن القوى التقدمية والوطنية متجهين وببركات “البتر ودولارات الإسلامية” إلى كنف “الإسلام السياسي” بُغية حل مشكلاتها الاجتماعية والمعيشية السيئة انطلاقا من الوعود “العسلية”..
وفي هذا السياق لعله من الأهمية بمكان أن نوضح مسألة مهمة جداً للقارئ الكريم حتى لا يصيبنا سوء الفهم والالتباس.. فلا بد أن نبين هنا قصدنا الواضح في الفرق بين عموم المسلمين و”الإسلاميين”، بين الإسلام نفسه كدين محبة وسلام ومعايشة مع سائر الأديان والملل و”الإسلام السياسي” كأيدلوجية وحركة سياسية عنيفة، تهدف إلى القفز إلى الحكم بأحد الأسلوبين، إما باحتقان الوضع السياسي للوصول إلى العصيان المدني الشامل أو عن طريق صناديق الاقتراع والسيطرة التدريجية على مفاصل الأنظمة الحالية والشروع في تأسيس الثيوقراطية أو الدولة الدينية المعاصرة والعودة إلى الخلافة الإسلامية وتنفيذ “الشريعة الإسلامية” على الكل بالقوة والعنف، وهي في طريقها لهزيمة الغرب الرأسمالي شر هزيمة للوصول إلى اليوتوبيا الخيالية المتمثلة في تشييد “الخلافة الإسلامية” العالمية!
على أن جذور المسألة ترجع إلى مرحلة خضم الصراع الشديد في فترة الحرب الباردة ولجوء الغرب للاتكاء على التركيبة والمنظومة ما قبل الرأسمالية، أي الإقطاعية الحاضنة للقبلية والعشائرية والطائفية والتخلف من جهة، والاستفادة من الثقافة “الدينية” التقليدية السائدة من جهة أخرى، لمحاربة عدوها اللدود “الاشتراكية”. ظهرت تجليات هذا الحلف الثلاثي المقدس بين الغرب والأنظمة التقليدية ومبشري “الإسلام السياسي” الذين تحولوا إلى جهاديين في سبيل “تحرير” أفغانستان من “الملحدين”!، حيث كان المصنع الذي أنتج فيه آلاف مؤلفة من الشباب المغرر بهم والمشحونين بلواء “الشهادة” والخلود، الأمر الذي تسبب في تفريخ ما نراه الآن من ظاهرة “الإرهاب الأصولي”!.
ظل الوضع على حاله حتى زلزال بداية التسعينات من القرن الماضي عندما اختفت بسرعة البرق منظومة كاملة عن الوجود، معطيا التاريخ المعاصر ميلاً فجائياً غير متوقع، غير مسبوق، من مرحلة الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية وتبعات ذلك الانقلاب وتداعياته، الذي كان من باكورته، الانتفاء العملي لدور قوى التركيبات القديمة – ما قبل الرأسمالية – وعدم ضرورتها الموضوعية للغرب الرأسمالي، حيث انفجر الصراع بين المنظومة الرأسمالية وحليفتها السابقة “الفكر الإقطاعي” المغلف بالغلاف “الإسلامي”، ما لبث إلا وتحول إلى صراع دامٍ حتى الموت بين المنظومتين، تجسد عمليا في غزوة نيويورك الإرهابية (11 سبتمبر/ أيلول 2001)، التاريخ الذي بدا فيه الطلاق النهائي بين الغريمين وانقطع الحبل السّري وانكسرت قاعدة المثلث السابق (الامبريالية/ الرجعية/ التيار “الإسلامي” المتطرف)، حين استفحل الصراع المستمر تجلياته حتى هذه الساعة.
وكما رأينا في حينه، دخلت منظومتان اجتماعيتان اقتصاديتان ثقافيتان ندّان والمقصود هنا المنظومة الرأسمالية/ الليبرالية والمنظومة الإقطاعية/الإسلامية، في صراع مرير يبدو انه لا مخرج من هذه الحرب إلا بانتصار احدهما على الآخر، إلى درجة أن المنظرين الغربيين الموضوعيين باتوا لا يتفقون جميعهم على طبيعة هذا الصراع ونتائجه، لكنهم متفقين – حسب تحليلاتهم – على أن: ظاهرة تيار “الإسلام السياسي” كقوة اجتماعية سياسية واسعة ستظل لفترة طويلة، سواء قفزوا إلى الحكم أم لم يفلحوا، بسبب أن الناس والأجيال المتعاقبة متشربة من هذه الثقافة وهذا النمط من التفكير. ولابد للمجتمعات الغربية أن تتعامل مع هذه الظاهرة بسلاسة ودهاء بُغية عصرنتها وتغييرها، وذلك لأن السّبل العنيفة والحروب لا تؤدي إلى نتائج ايجابية بل العكس من ذلك، حيث ستزيد من تأثير المتطرفين على بسطاء القوم من المسلمين.
أيضاً يجب على الغرب الإسراع في ترتيبات جديدة قائمة على المؤسسات الدستورية، وإيجاد حلول للمشكلات المستعصية والمزمنة بدل الوقوف مع الأنظمة الاستبدادية الحالية، التي تعتبر المصدر الأساس للفقر والتخلف ومراوحة الأوضاع المتردية في الدوران في مكانها. بعيداً عن الدخول في تفاصيل العوامل التي ساعدت “الإسلام السياسي” على النمو الهائل والانتشار السرطاني، في هذه العجالة، ممن المكن الإشارة إلى أهمها: التغير الكبير الذي حدث في تركيبة المنظومة العالمية والانتقال الفجائي من الثنائية إلى الأحادية للمنظومة العالمية.
(أولاً): تعثر وفشل الأنظمة الوطنية والثورية العربية، في حينه، من انجاز مهمات المرحلة الوطنية الديمقراطية وتأسيس المجتمع المدني.
(ثانياً): تحول تلك الأنظمة الوطنية التي جاءت جُلّها عن طريق الانقلابات العسكرية المستمدة من استعجال رافدها الاجتماعي المتمثل في فئات البرجوازية الصغيرة إلى نمط فريد من الحكم الاستبدادي والاستقطاب الشديد بين مكوناتها القومية بين بعضها البعض (البعث والناصريين) وبينها وبين الماركسيين مما سبب خسارة جمة للتطور المرجو، المنطلق من الفواصل المشتركة، مثال سقوط عبدالكريم قاسم في العراق على يد القوميين وبمساعدة عبدالناصر وغيرها من الأمثلة الكثيرة.
(ثالثاً): عسف الأنظمة العربية الرسمية والتقليدية للقوى التقدمية والعصرية وركونها لـ”لإسلام السياسي”في محاربتها لتلك القوى، بآلية علاقة وظيفية ومصلحية بينهما تعيد على الدوام إنتاج استمرارية الحكم الاستبدادي غير الدستوري وغير القانوني من جهة والعمل على نشر ثقافة متزمتة سلفية ذكورية متخلفة من جهة أخرى، بشكل بدا وكأنهما وجهان لعملة واحدة.
(رابعاً): استمرار المشكلات القومية المزمنة (القضية الفلسطينية) والوطنية المستعصية واستفحالها وانسداد أفق حل المشكلات الاجتماعية والحياتية في كل بلد.
(خامساً): فشل الغرب حتى الآن لإيجاد معادلة قابلة للتطبيق أو برنامج حقيقي للتطور الديمقراطي والمؤسساتي الشامل لتحديث الأنظمة العربية الحالية.
(سادساً): الهوان الشديد للقوى التقدمية والتنويرية وفشلها من فهم سمة العصر واستنتاج التناقض الأساس في المنطقة العربية، في اللحظة التاريخية الحالية، مما أثر على الاصطفاف والاستقطاب السياسي الغريب وغير المبدئي.
(سابعاً): المال “الإسلامي” القادم من مختلف السّبل القانونية وغير القانونية أو من قنوات ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي غير الربويّ (البنوك الإسلامية) ومن المصادر الكثيرة العائدة لقوى “الإسلام السياسي” مثل الجمعيات الخيرية وعشرات غيرها من القنوات.

صحيفة الوقت
8 يونيو 2008

اقرأ المزيد

هذا البخل المفضوح.. إلى متى؟

مازال العرب يتفاخرون إلى يومنا هذا بكرمهم وسخائهم وتميزهم بهذه القيمة الإنسانية ما بين شعوب وأمم العالم، كما يتباهون بأن هذه القيمة تضرب بجذورها في تاريخهم وتراثهم منذ نشأتهم التاريخية في الجزيرة العربية.. لكن الى أي مدى يصح القول بوجود هذه الظاهرة – القيمة في عصرنا الراهن؟ وبتعبير آخر الى أي مدى تنطبق هذه الصفة عليهم بمختلف شرائحهم الاجتماعية وبمختلف بلدانهم ومناطقهم؟ غني عن القول إن خاصية الكرم كواحدة من قيم المنظومة الأخلاقية الاجتماعية هي من أبرز القيم التي تعرضت للاهتزاز أو الضمور في عصرنا لدى مختلف الشرائح الاجتماعية بوجه عام ولدى الشرائح العليا والميسورة بوجه خاص.
وإذا كان يمكن فهم الأسباب المختلفة لتقتير وتدني كرم الطبقات الفقيرة والمعدمة، فإن ما لا يمكن فهمه هو أن يزداد هذا البخل لدى الطبقات الثرية والميسورة، لا بل من المدهش والمفارقة معاً ان تقتير هذه الطبقات أخذ يزداد على نحو ملحوظ كلما جنت أرباحا طائلة، وهذا على النقيض مما كانت تتميز به من كرم نسبي في السنوات الخوالي لأيام البساطة في بدايات انطلاق مشاريعها الاستثمارية وصعودها الطبقي. وللتأكيد على ذلك يمكن لأي باحث أن يقارن هذه النزعة بين مرحلتين تاريخيتين: مرحلة ما قبل صعود الطفرة النفطية في السبعينيات، ومرحلة ما بعد صعود الطفرة النفطية والتي بلغت أوجها خلال السنوات القليلة الماضية.
ولعل ما هو أغرب من ذلك ان يستمر هذا التقتير تجاه المجتمع والوطن من دون أي إحساس بالمسئولية الوطنية حتى في أحلك الظروف ضنكاً التي تمر بها شرائح واسعة من شعبنا، كالظروف الحالية تحديداً حيث تتوالى موجات ارتفاع الأسعار الجنونية في المواد الغذائية وغيرها، وحيث الكثير من التجار ورجال الأعمال لا يكتفون ببخلهم فحسب بل يستغلون الغلاء العالمي للمبالغة في رفع الأسعار بغرض تحقيق فائض مضاعف من تراكم الأرباح الخرافية. لا بل ان واحدة من هذه المفارقات ان مليارديرية ومليونيرية الغرب الذين لطالما تفاخر العرب عليهم بكرمهم هم أكثر سخاء تجاه شعوبهم في فضيلة الكرم والجود بالتبرعات لصالح الفقراء والأعمال الخيرية لمجتمعاتهم وأوطانهم. وأنت خذ على سبيل المثال أشهر منطقة غربية عرفت ببخل أهاليها ألا هي اسكوتلندا فقد حملت لنا أخبار العام الماضي نبأ تبرع السير توم هنتر بما لا يقل عن ملياري دولار للقضاء على الفقر في افريقيا وخلق كفاءات لقيادات إدارة الأعمال وتطوير الكفاءات العلمية الشبابية.
أما في تركيا فقد ظهر جيل جديد من المليونيرات المهتمين بتخفيف العبء على فقراء بلادهم مثل حسنو أوزجين الذي انفق 50 مليون دولار لبناء 36 مدرسة وإسكان طالبات في أفقر أحياء تركيا. وفي المكسيك تبرع الملياردير كارلوس حلو الى الصندوقين الخيريين المختصين بالصحة والتعليم. وفي روسيا تبرع أغنى رجل فيها ألا هو رومان ابراموفيتش لبناء مجموعة من المدارس والمستشفيات في منطقة تشوكوتكا بالقطب الشمالي. وخذ على سبيل المثال أيضا الهند، وهي من أكثر بلدان العالم الثالث التي توجد فيها نسبة كبيرة من الفقراء، فقد أسس أزيم برمجي مؤسسة خاصة لدعم التعليم الابتدائي، أما في الولايات المتحدة قلعة الرأسمالية، والتي لطالما تناولنا في مناسبات عديدة ما يجود به مليارديريتها من تبرعات فإن حتى المذيعة التلفزيونية الشهيرة أوبرا وينفري عرفت بتبرعاتها السخية الخيرية داخل بلادها وفي افريقيا.
واذا كان البعض لا يتوانى عن البحث عن الشهرة من خلال تبرعاته فإن في الولايات المتحدة نفسها ثمة أثرياء لا يبتغون من التبرع سوى وجه الله ويكرهون المن بتبرعاتهم الخيرية، وهذا ما فعله مليونير مجهول حينما تبرع بـ 50 مليون دولار لجامعة سانت توماس لمساعدتها على تطوير برامجها التعليمية وأبحاثها الأكاديمية. وفي دراسة ميدانية لكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد تبين ان أكثر من 630 ثرياً وميسوراً شعروا بالسعادة حينما تبرعوا الى أعمال الخير. ولربما أنت لو تقصيت عن حقيقة شعور بضعة من رجال أعمالنا بعد أن وجدوا أنفسهم مضطرين للتبرع بحفنة من أموالهم لكان جوابهم الصادق هو احساسهم بالتعاسة والأرق والقلق من جراء خسارة تلك الحفنة، ناهيك عن الدعاية الإعلامية الكبيرة التي يحيطونها مقابل تبرعات تافهة.
أما إذا أتينا على مستوى مجلس التعاون الخليجي فالراجح أيضا أننا البحرينيين في ذيل قائمة دول المجلس من حيث تبرعات الأثرياء والمليونيرية للعمل الخيري سواء من حيث نسبة عدد المتبرعين من إجمالي عدد الأثرياء والمليونيرية أم من حيث نسبة الأموال المتبرع بها قياسا الى أحجام ثرواتهم مقارنة بمليونيرية ومليارديرية دول الخليج. وعلى الرغم من ان النساء يعرف عنهن أنهن أكثر رقة وإرهافا وتعاطفا مع مشاكل مجتمعاتهن، وعلى الأخص مشاكل المرأة، وعلى الرغم أيضا من ان ثريات الخليج يملكن 246 مليار دولار (القبس 22/1/2008م) فإن لا أحد يسمع بتبرعاتهن تجاه الأعمال الخيرية عامة والمؤسسات النسوية بخاصة اللهم ما ندر.
وأخيراً، ها هي الإمارات التي لطالما شهدت مزادات في الأسعار على أرقام السيارات المميزة بغرض توظيفها لأعمال خيرية فعلى الرغم من سخافة فكرة كهذه للبحث المتعمد للتمايز عن سائر الخلق فإنها تظل وسيلة لا مناص من توظيفها لاستقطاب جود أصحاب الملايين والمليارات للأعمال الخيرية. فأين أثرياء البحرين من كل هذه الفعاليات الخيرية؟ وإلى متى سيستمر بخلهم اللاوطني المفضوح؟!
 
صحيفة اخبار الخليج
8 يونيو 2008

اقرأ المزيد

المذهب والعشيرة‮: ‬ التمـــــاثل والتمــــــايز

ليس جديداً‮ ‬التكتيك الذي‮ ‬لجأت إليه القوات الأمريكية في‮ ‬تسليح العشائر السنية وتقويتها لتصبح قوة ضاربة تستعين بها في‮ ‬مواجهة أفراد‮ “‬القاعد‮” ‬المسلحين،‮ ‬وسواهم من تشكيلات ترفع السلاح في‮ ‬وجه الجيش الأمريكي،‮ ‬عبر ما باتت تعرف بقوات‮ “الصحوة”.‬‭.‬ قراءة فاحصة في‮ ‬التاريخ السياسي‮ ‬للعراق المعاصر ستكشف ذلك‮.‬ ففي‮ ‬مطالع القرن الفائت،‮ ‬وفي‮ ‬مواجهة ثورة العشرين التي‮ ‬قادها رجال الدين الشيعة ضد الإنجليز، ‬عمدت السلطات البريطانية إلى تقوية العشائر في‮ ‬مواجهة المؤسسة الدينية في‮ ‬النجف،‮ ‬لتقيم قوة موازية تضعف من نفوذ رجال الدين،‮ ‬وتعمق انقسام المجتمع،‮ ‬بحيث لا‮ ‬يغدو كتلة واحدة في‮ ‬مواجهة الانجليز‮.‬
ينطوي‮ ‬هذا التكتيك على مهارة،‮ ‬تنم عن قراءة جيدة للبنية العشائرية القائمة أساساً‮ ‬على التفكك لا على الوحدة؛ فالعشيرة إذ توحد أفرادها حول نواة قوية راسخة باعثة على الولاء المطلق،‮ ‬لا بل والأعمى لها،‮ ‬فإنها تكرس انقسام هذه العشيرة عن بقية العشائر‮.‬ بمقدار ما تقوى العشيرة تزداد عزلة عن سواها من عشائر،‮ ‬وتسمح هذه العزلة باستخدام كل عشيرة في‮ ‬وظيفة التضاد مع عشائر أو قوى أخرى‮.‬ وعلى خلاف المرجعيات الدينية التي،‮ ‬بحكم وظيفتها،‮ ‬قادرة على‮ “توحيد” ‬قطاعات واسعة حولها،‮ ‬لأن باعث الولاء هنا مختلف وأكثر تعقيداً،‮ ‬فإن بنية العشيرة قائمة على التجزيء‮.
‬الأولى قائمة على التماثل أما الثانية فقائمة على التمايز‮.‬ في‮ ‬كلمات أخرى،‮ ‬فإن المذهب السني‮ ‬يجمع السنة،‮ ‬وربما‮ ‬يوحدهم،‮ ‬ومثله‮ ‬يفعل المذهب الجعفري‮ ‬مع الشيعة،‮ ‬أما العشيرة فإنها تخترق الانتماء المذهبي‮ ‬لتقيم ولاء أضيق منه،‮ ‬وربما‮ ‬يكون أكثر فاعلية‮.‬ استعار الأمريكان من حلفائهم الإنجليز هذا التكتيك،‮ ‬وأعادوا توظيفه للتصدي‮ ‬للمواجهة المسلحة ضدهم في‮ ‬المناطق ذات الكثافة السنية،‮ ‬وهو تكتيك أثبت نجاعته،‮ ‬ولو إلى حين،‮ ‬حين شهدنا عمليات تقوم بها‮ “‬جماعات الصحوة‮” ‬ضد المقاتلين الذين‮ ‬يشهرون السلاح ضد القوات الأمريكية،‮ ‬بالنيابة عن هذه الأخيرة أو بالتعاون معها‮.‬ وهي‮ ‬نجاعة تغري‮ ‬بالمضي‮ ‬قدماً‮ ‬فيه،‮ ‬لاستخدام العشائر الشيعية ضد نفوذ رجال الدين الشيعة إذا اقتضى الأمر في‮ ‬مرحلة لاحقة، ‬قد لا تكون بعيدة‮.‬ لكن هذا التكتيك‮ ‬يعيد إنتاج آلية الولاءات التقليدية ويُقويها،‮ ‬وهي‮ ‬ولاءات سابقة للدولة المدنية وكابحة لتطورها،‮ ‬بل معيقة لبنائها من الأساس‮.‬
 
صحيفة الايام
8 يونيو 2008

اقرأ المزيد

الجمعيات أصابها الملل

كتبنا مرات عدة في‮ ‬هذه الصفحة بالتحديد كونها المعنية بتغطية فعاليات الجمعيات السياسية،‮ ‬بان هذه الجمعيات دخلت في‮ ‬سبات،‮ ‬ولكن كنا نتوقع انها ستكون لفترة محددة،‮ ‬نتيجة لصدمة نتائج الانتخابات النيابية،‮ ‬وبعدها سيتم تجاوز هذه المرحلة وستعاد صياغة عمل سياسي‮ ‬جديد،‮ ‬مختلف تماماً‮ ‬عن ما كان هو عليه في‮ ٢٠٠٢.‬
تصريحات لقادة جمعيات سياسية ملأت أجزاء عديدة من هذه الصفحة،‮ ‬سنقوم،‮ ‬وسنفعل،‮ ‬وسنتبنى،‮ ‬وتكتشف انها فقط تصريحات تسد فراغات في‮ ‬الصحف اليومية‮.‬
بعض الجمعيات نظم العديد من ورش العمل وخرجت هذه الورش بتوصيات ولكن أين تنفيذ هذه التوصيات؟ اين المطابخ السياسية التي‮ “دوشونا‮”‬بها؟ اين تبني‮ ‬ملفات الفساد ومنها‮ “‬ألبا”،‮ ‬اين اللجنة المشتركة بين الجمعيات السياسية لتقديم رؤية موحدة في‮ ‬ملف الدوائر الانتخابية،‮ ‬كلها ذهبت هباء منثورا‮.‬
ولذلك نقول انه‮ ‬يبدو ان الجمعيات خصوصاً‮ ‬تلك التي‮ ‬لم‮ ‬يكن لها نصيب تحت قبة البرلمان أصابها الملل وكأن العمل السياسي‮ ‬مرتبط فقط بالبرلمان،‮ ‬ولعل سبب آخر‮ ‬يجعل من بعض الجمعيات التراجع عن العمل السياسي‮ ‬من خارج البرلمان ان الجمعية الكبرى وبجماهيرها لا تعير القوى السياسية التي‮ ‬لم تصل للبرلمان أي‮ ‬اهتمام،‮ ‬فلا لجنة تنسيق ولا تحالف‮ ‬يجدي،‮ ‬وزواج المتعة السياسي‮ ‬الذي‮ ‬قالوا عنه انقطعت مدته،‮ ‬برفع الجماهير التي‮ ‬تصفق في‮ ‬الندوات للشخصيات الوطنية خلال فترة المقاطعة،‮ ‬وعبر توجيه الاسلام السياسي‮ ‬بسقوط تيار هذه الشخصيات،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإن أي‮ ‬آمال منعقدة حول بعض الشخصيات الوطنية والديمقراطية بعودة زخمها أمام الجماهير هو وهم،‮ ‬وبالتالي‮ ‬يكون على هذه الجمعيات التي‮ ‬أصابها السبات وخصوصاً‮ ‬الديمقراطية والعلمانية ان تعيد قراءتها للواقع السياسي‮ ‬مرة أخرى وان تقدم لجماهيرها خدمة عبر توحدها ولو لمرة واحدة،‮ ‬في‮ ‬ظل هيمنة مغضوض النظر عنها لتيار الإسلام السياسي‮ ‬الذي‮ ‬يسيطر على مفاصل مهمة من مؤسسات حيوية وخدمية‮.‬

صحيفة الايام
8 يونيو 2008

اقرأ المزيد

لماذا حرمان الأعزب من علاوة‮ ‬غلاء المعيشة؟

تصدر القرارات كالعادة بصورة‮ ‬غير مكتملة في‮ ‬أوضاع تبدو مهمة كحياة المواطنين،‮ ‬خاصة الذين‮ ‬يعانون من أوضاع معيشية صعبة ويضغطون على حياتهم ويصمتون كالعادة،‮ ‬ويحملون معهم التذمر على تلك القرارات إزاء مواطنين هم أكثر إلحاحا وحاجة إلى تلك العلاوة‮. ‬ولا اعرف من الذي‮ ‬صمم تلك التخريجة بفرز المواطنين بتلك الصورة ووضع سقف أعلى للدخل،‮ ‬وحدد فئات مجتمعية،‮ ‬من حقها أن تنال تلك العلاوة، ‬ونسي ‬بكل سهولة شريحة واسعة من السكان هم المواطنون البحرينيون العزاب الذين بالفعل دخولهم لا تتجاوز الألف والخمسمائة دينار بحريني‮. ‬
كان الأجدر بقسم الإحصاء والمعلومات أن‮ ‬يفرز تلك الشريحة،‮ ‬ويقدر حجمها بين السكان،‮ ‬وان‮ ‬يرى عددها حتى وان بلغت بحجم النملة أو بحجم سكان الصين؛ فهم في‮ ‬النهاية مواطنون‮ ‬يستهلكون مثل‮ ‬غيرهم،‮ ‬ويقفون في‮ ‬الطوابير الطويلة،‮ ‬ويدفعون الفواتير حالهم حال خلق الله‮. ‬بل ولا نراهم‮ ‬يحملون بطاقات خاصة معفية عن دفع تكاليف البنزين الذي‮ ‬يدفعونه لسياراتهم البسيطة التي‮ ‬معنية بتنقلهم اليومي‮ ‬في‮ ‬مدينة ومجتمع اعتاد على حياة الاستهلاك والمواصلات الخاصة‮. ‬
وقد صار الخبز والحليب وكل المستلزمات مرتفعة إذ ليس بإمكان هؤلاء العزاب أن‮ ‬يتحاشوا تلك البضائع،‮ ‬ولن‮ ‬يجدوا رفوفا في‮ ‬المخازن مكتوبا عليها عبارة أسعار مخفضة خاصة للعزاب،‮ ‬ولن‮ ‬يجدوا مطاعم تستضيفهم ببطاقات كتب عليها أهلا وسهلا بإخوتنا العزاب تفضلوا في‮ ‬مطاعمنا فإنها تعاونيات خاصة بكم،‮ ‬وإنما سيدخلون حالهم حال‮ ‬غيرهم جحيم الأسعار،‮ ‬وعليهم أن‮ ‬يتحسسوا جيوبهم ومحافظهم التي‮ ‬تنضب من ثلث الشهر؛ فبعضهم راتب تقاعده شحيح لم‮ ‬يعد كافيا لمصاريف كامل الشهر‮. ‬هذا إذا كان الأعزب‮ ‬يعيش بمفرده،‮ ‬وقادرا على تقبل المعاناة بصمته وكرامته،‮ ‬ولكن ماذا‮ ‬يفعل ذلك الأعزب المعني‮ ‬بمسؤولية عائلة صغيرة في‮ ‬مجتمع كمجتمعنا تصبح للتقاليد قيمة أخلاقية في‮ ‬عدم التخلي‮ ‬عن الأم والإخوة؛ فعادة هناك أفراد تركهم الإخوة والأخوات خلفهم فباتوا في‮ ‬عنق ذلك‮ “‬الأعزب” ‬بسبب روابط عائلية‮.. ‬فهو بهذه الحالة ليس أرملا ولا هم‮ ‬يحزنون،‮ ‬وأيضا الأطفال هم ورثة تركها الأخ أو الأخت خلفهما؛ فكيف تتم معالجة وضع ذلك الأعزب المثقل بمصاريف حالة عائلية بل حالات عائلية متنوعة بحاجة إلى قسم للمراجعة والحوار مع كل الحالات المتنوعة لمناقشة ظروفها الصعبة ثم البحث عن حلول مرضية‮. ‬
ولكن‮ ‬يبقى الأعزب في‮ ‬كل الحالات مواطنا مستهلكا سواء دخل مرحلة التقاعد أو لم‮ ‬يدخل،‮ ‬ووضعه وحاله من حال كل مواطن،‮ ‬إذ لا‮ ‬يوجد فرد في‮ ‬المجتمع لا‮ ‬يمسه الغلاء بهذه الدرجة أو تلك‮. ‬وإذا ما كان‮ ‬غلاء المعيشة في‮ ‬بلدان كثيرة‮ ‬ينالها كل مواطن دون استثناء كونهم دافعي ‬ضريبة، ‬ولا‮ ‬يمكن استبعادهم،‮ ‬وإنما‮ ‬يتم تنظيم تلك العلاقة والعلاوة وفق المؤسسات ومستوى أرباحها وإدارتها وحوارات النقابات مع تلك الإدارات،‮ ‬وتدخلها في‮ ‬أوضاع تلك الزيادة‮ “العلاوة‮”. ‬ولأننا مجتمع لا‮ ‬يدفع ضرائب على دخله؛ فإن تقسيم المجتمع‮ ‬يتم على أسس ومعايير‮ ‬غريبة أهمها الاهتمام بأوضاع الفئات الدنيا والدخول المتدنية،‮ ‬بل وتوزع تلك العلاوات بوسائل لا‮ ‬يفهمها المواطن على الرغم من ضغوطات الحياة المعيشية،‮ ‬ومضطر للتعامل معها كونها حقا اجتماعيا ضمن العديد من حقوقه المنتقصة‮. ‬
ما نراه في‮ ‬مقالتنا‮ ‬يستدعي‮ ‬إعادة البت في‮ ‬المسألة والتدقيق في‮ ‬أوضاع شريحة واسعة من العزاب الذين‮ ‬يعتبرون مواطنين لهم كامل الحقوق ولكن وضعوا على‮ “‬هامش الحياة‮!!” ‬فتم إخراجهم من المعادلة وكأنهم طارئون على وطنهم وعلى أوضاع السوق والبضائع المتزايد سعرها ‬يوميا، ‬في ‬وقت لا‮ ‬يجد الأعزب نفسه إلا مضطراً‮ ‬على الدفع من رصيد راتبه المتدني‮ ‬أو راتبه التقاعدي‮ “‬المنكوب‮”‬،‮ ‬فهو ليس إلا مجرد دنانير فقدت قوتها الشرائية في‮ ‬سوق لا تعرف الرحمة،‮ ‬وقد زاد عدم الرحمة أولئك الذين صمموا القرار بطريقة استثنت هذه الشريحة التي‮ ‬مهما صغر حجمها السكاني‮ ‬أو تعاظم فهم في‮ ‬النهاية مواطنون لهم حقوق مثلما عليهم واجبات،‮ ‬يلاحقهم القانون في‮ ‬فعلها لو امتنعوا عن دفع الفواتير، ‬وكل المستلزمات الضاغطة كالماء والكهرباء فلا‮ ‬يوجد أعزب عاقل بإمكانه أن‮ ‬يعاند نفسه في‮ ‬ذلك الصيف القاتل،‮ ‬ويكابر ويضرب عن دفع الفواتير‮. ‬يبدو أن جمعية العزاب جمعية تستحق أن تجتمع وتناقش أوضاعها في‮ ‬ظل ظروف جديدة فلا احد‮ ‬يسمع صوت‮ “‬الشرائح الصامتة‮” ‬إلا عندما‮ ‬يم التعبير عنها على الطريقة البوذية‮!‬

صحيفة الايام
8 يونيو 2008

اقرأ المزيد

أوليس‮ ‬غريباً؟‮!‬

ازداد في‮ ‬الآونة الأخيرة تداول الأنباء بشأن فتح خط مفاوضات بين إسرائيل وسوريا بوساطة تركية‮.‬
التداول بدأ بتسريبات صحافية‮ ‬غير ذات بال لعدم تعليق الطرفين المعنيين عليها،‮ ‬بل إن بعض المصادر السورية حرصت على نفي‮ ‬وجود مثل هذه المفاوضات بالقول إن سوريا‮ ‬غير معنية بنهج المفاوضات السرية وإنها مع مفاوضات تجري‮ ‬بين الطرفين في‮ ‬العلن‮.‬
لكن سرعان ما بدأت تتكشف خيوط هذه الاتصالات،‮ ‬وتطور عمليات نقل الرسائل بين دمشق وتل أبيب والدور المحوري‮ ‬الذي‮ ‬يلعبه رئيس الوزراء التركي‮ ‬رجب طيب أردوغان،‮ ‬شخصياً،‮ ‬في‮ ‬هذه العملية‮. ‬وما لبث الأمر أن أخذ منحى جديداً‮ ‬بإقرار الطرفين السوري‮ ‬والإسرائيلي‮ ‬على أعلى المستويات بوجود مثل هذه المفاوضات‮.‬
وفي‮ ‬اليوم الذي‮ ‬أعلن في‮ ‬الدوحة عن اتفاق المعارضة والموالاة في‮ ‬لبنان على إنهاء الأزمة اللبنانية بوساطة قطرية ناجحة ولافتة،‮ ‬ازدادت سيولة الأنباء المتعلقة بالمفاوضات السورية الإسرائيلية‮. ‬إذ أعلن الطرفان‮: ‬السوري‮ ‬على لسان وزير الخارجية وليد المعلم،‮ ‬والإسرائيلي‮ ‬على لسان الناطق باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي‮ ‬إيهود أولمرت،‮ ‬بأن مفاوضات‮ ‬غير مباشرة تجري‮ ‬بين الطرفين بوساطة تركية في‮ ‬اسطنبول منذ الإثنين‮ ‬19‮ ‬مايو الماضي‮.‬
إنها مفاجأة بلا شك تبعث على الحيرة والارتياب‮. ‬فكيف‮ ‬يمكن أن تجري‮ ‬مفاوضات على أحد أهم مسارات التفاوض العربية الإسرائيلية،‮ ‬وهو المسار السوري‮ ‬الإسرائيلي،‮ ‬من دون مشاركة الطرف الذي‮ ‬نصَّب نفسه،‮ ‬بكل الأمر الواقع،‮ ‬وكرسها كراع وحيد للمفاوضات بين العرب وإسرائيل،‮ ‬وهو الولايات المتحدة‮!‬
فهل تكون هذه المفاوضات تجري‮ ‬من وراء ظهرها؟ أو هل من المعقول أن إسرائيل لم تطلع الولايات المتحدة على سير هذه المفاوضات من قبل وأثناء انطلاقها؟
وهل‮ ‬يعقل أن تأتي‮ ‬ردة الفعل الأمريكية على هذا النحو من الحذر وكأنها بوغتت بإعلان سوريا وإسرائيل المتزامن عن وجود هذه المفاوضات مع أن الرئيس السوري‮ ‬كان قبل حوالي‮ ‬شهر أكد في‮ ‬مقابلة صحفية بريطانية أنه فعلاً‮ ‬تلقى عرضاً‮ ‬من إسرائيل عبر تركيا بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران‮ (‬يونيو‮) ‬1967؟
الأدهى أن واشنطن،‮ ‬بخلاف فرضية المباغتة،‮ ‬أبدت ما‮ ‬يشبه الاعتراض على استمرار التفاوض بقول وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إن واشنطن معنية بالمسار الفلسطيني‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬للتفاوض وحسب‮!‬
ثم إن هذا الموقف الأمريكي‮ ‬الغامض لا بد أن‮ ‬يسحب نفسه على مسألة توقيت الإعلان‮. ‬فالوقت ليس وقتاً‮ ‬لإطلاق مبادرات سلمية من الوجهة الإسرائيلية والأمريكية،‮ ‬أي‮ ‬إن سوق السياسة الشرق أوسطية هذه الأيام ليس سوق‮ ‘‬بولييش‮’ ‬‭(‬Bullish‭)‬‮ ‬بمفهوم أسواق المال،‮ ‬بل سوقاً‮ ‬متراجعة‮ (‬كاسدة‮). ‬لذلك من المستغرب أن تجد صفقة بحجم صفقة إعادة الجولان السوري‮ ‬إلى سوريا طريقها للإبرام في‮ ‬ظل ميزان القوى‮ (‬قوى السوق مجازاً‮) ‬الحالي،‮ ‬أيضاً‮ ‬من وجهة المصلحتين الأمريكية والإسرائيلية‮.‬
بالنسبة لواشنطن الوقت هو وقت تشديد الضغوط السياسية والاقتصادية على دمشق وليس وقت تنفيس أوضاعها المضغوطة‮. ‬هذا على الأقل ما تطالعنا به المعطيات السارية منذ الغزو الأمريكي‮ ‬للعراق واحتلاله في‮ ‬العام‮ ‬‭.‬2003
وهنالك سؤال آخر‮ ‬يطرح نفسه من باب الشك‮ ‘‬الديكارتي‮’ ‬المشروع،‮ ‬وهو لماذا بادر الطرفان الإسرائيلي‮ ‬والسوري‮ ‬إلى الإعلان عن وجود مثل هذه المفاوضات،‮ ‬أي‮ ‬بفتح أبواب التشويش عليها من قبل أطراف ثالثة،‮ ‬ناهيك عن اضطرار الطرفين في‮ ‬هذه الحالة إلى اتخاذ مواقف علنية للاستهلاك المحلي‮ ‬قد تضر بسير المفاوضات؟
فالإعلان عن المفاوضات قد‮ ‬يكون بمثابة تحرير شهادة وفاة للمفاوضات وهي‮ ‬في‮ ‬المهد‮.‬
وماذا عن سوريا؟
الخناق،‮ ‬كما هو ملاحظ‮ ‬يزداد على سوريا‮. ‬ولم‮ ‬يعد‮ ‬يقتصر على مبادرات وفعاليات أمريكا وإسرائيل،‮ ‬وإنما صار‮ ‬يشمل بعض الأنظمة العربية الرئيسة التي‮ ‬بادرت إلى إحداث قطيعة مع دمشق ودخلت معها في‮ ‬نوع من الحرب الباردة‮.‬
ويبدو أن دمشق بدورها وقد‮ ‬يئست من استعادة مكانتها داخل النظام العربي‮ ‬ومن التعويل عليه،‮ ‬اتجهت للبحث لها عن بدائل لدى تركيا،‮ ‬وإيران بطبيعة الحال،‮ ‬وربما مراكز ثقل أخرى بديلة‮.‬
وليس أفضل من فتح نافذة صغيرة في‮ ‬سور مسار التفاوض مع إسرائيل على موضوع هضبة الجولان السوري‮ ‬المحتل،‮ ‬وسيلة لشراء بعض الوقت وخلق مساحة من حرية الحركة داخلياً‮ ‬وخارجياً‮ ‬ريثما تتبلور أوضاع مواتية لدمشق للعودة إلى الساحتين الإقليمية والدولية‮.‬
وعلى ذلك،‮ ‬فإن كل الأطراف المنخرطة في‮ ‬هذه العملية،‮ ‬لاسيما سوريا وإسرائيل،‮ ‬لها حساباتها الخاصة التي‮ ‬لا‮ ‬يبدو أن التوصل إلى حل‮ ‬يدخل ضمنها،‮ ‬لأن الأطراف المعنية ذاتها‮ ‬غير مستعدة،‮ ‬حتى اللحظة على الأقل،‮ ‬للإقدام على خطوة دفع الثمن المطلوب لإنجاز صفقة التسوية بصورة نهائية‮.‬
في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بإسرائيل،‮ ‬فإن حكومتها الضعيفة ليست في‮ ‬وضع‮ ‬يؤهلها لخوض هذه المجازفة‮ ‘‬الاستثمارية‮’ (‬السياسية‮) ‬ناهيك عن أن المزاج في‮ ‬إسرائيل ليس مزاج سلام بصورة عامة‮.‬
ولذلك فإن الاعتقاد السائد،‮ ‬والراجح على ما نزعم،‮ ‬هو أن لا تسفر هذه العملية برمتها عن شيء ملموس،‮ ‬إلا إعادة تعرّف طرفيها،‮ ‬سوريا وإسرائيل،‮ ‬على المواقع والمواقف المستجدة بشأن موضوع التسوية‮.‬

صحيفة الوطن
7 يونيو 2008

اقرأ المزيد

هزيمة حزيران كما‮ ‬يراها صادق جلال العظم

يبدأ صادق جلال العظم‮ – ‬الكاتب والناقد السوري‮ – ‬كتابه‮ ‘‬النقد الذاتي‮ ‬بعد الهزيمة‮’ ‬بحادث تاريخي‮ ‬هو هزيمة روسيا أمام اليابان،‮ ‬رغم التفاوت التقليدي‮ ‬بين البلدين سواء في‮ ‬المساحة أو المعدات الحربية والسكان والطاقات الكامنة التي‮ ‬كانت تتفوق بها روسيا على اليابان‮. ‬أحرزت اليابان نصراً‮ ‬ساحقاً‮ ‬في‮ ‬يناير‮ ‬‭,‬1904‮ ‬عن طريق المباغتة؛ وشنت هجوماً‮ ‬على الأسطول البحري‮ ‬في‮ ‬المحيط الهادي‮ ‬وحطمته وشلت فعاليته،‮ ‬ويرجع العظم هذا النصر إلى تخلف روسيا القيصرية وتقدم اليابان،‮ ‬وشبَّه هذه الهزيمة بهزيمة العرب أمام إسرائيل في‮ ‬5‮ ‬يونيو‮ (‬حزيران‮) ‬العام‮ ‬‭,‬1967والسبب كان ثقة الروس الكبيرة إلى درجة أنهم كانوا‮ ‬يهزؤون بدولة اليابان‮. ‬ومن أقوالهم‮: ‘‬إذا تجرأت اليابان على ضرب روسيا سنرمي‮ ‬بها في‮ ‬البحر،‮ ‬وسندفن اليابانيين تحت قبعاتنا‮’. ‬ويضيف‮: ‘‬هذه‮  ‬كلمات فيها نوع من الاستهتار بالعدو وقوته،‮ ‬والثقة الجوفاء تشبه ما كتبه محمد هيكل في ‬اليوم الثاني‮ ‬من حرب حزيران،‮ ‬إذ قال إن إسرائيل مقبلة على عملية انكسار تكاد تكون محققة من الداخل ومن الخارج‮’. ‬
ومثل هذا القول كرره مراسلو‮ ‘‬الجمهورية‮’ ‬و‮’‬الأهرام‮’‬،‮ ‬ووصفوا عدوهم بأنه حفنة من شراذم‮. ‬ويردف العظم‮: ‘‬تمكنت روسيا من تحويل الهزيمة إلى نصر عبر قيامها بالنقد والنقد الذاتي‮ ‬على لسان مثقفيها وكتَّابها ومفكريها وفنانيها وأحزابها وقياداتها،‮ ‬وتمثل ذلك بثورتين‮: ‬1917‭ ,‬1905‮ ‬والأخيرة هي‮ ‬ثورة أكتوبر التي‮ ‬قلبت التفكير والأنماط الاتباعية المتوارثة في‮ ‬الإنتاج والتنظيم والحكم،‮ ‬ووضعت على المحك كل شيء متهرئ بالنسبة للحضارة الحديثة والمعاصرة،‮ ‬وتحولت هزيمة روسيا من محنة إلى تجربة ومن كارثة إلى درس،‮ ‬لقد تقبلت مسؤولية الهزيمة ووضعتها على نفسها ولم تحاول لوم أحد إلا ذاتها وواقعها وتنظيمها وحقيقتها القائمة وخصوصاً‮ ‬عند قياسها بواقع العدو وحقيقته‮’. ‬
وبعد أن شابه العظم هزيمة روسيا بهزيمة العرب حدد نقاط الاختلاف في‮ ‬تقبل الهزيمة عند الروس وعدم تقبلها عند العرب،‮ ‬وأنها لا تتلخص في ‬كونها مجرد فشل عسكري‮ ‬عابر جاء نتيجة تحالفات سياسية وتقلبات دبلوماسية لم تكن في‮ ‬صالحهم،‮ ‬بل جاءت في‮ ‬معظمها في‮ ‬صالح إسرائيل‮. ‬وهذه الأسباب مرتبطة ارتباطاً‮ ‬مباشراً‮ ‬بالأوضاع الاقتصادية والثقافية والعلمية والحضارية السائدة في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬التي‮ ‬جاءت الهزيمة انعكاساً‮ ‬لها وتعبيراً‮ ‬عن حقيقتها القائمة‮. ‬يقول العظم‮: ‘‬إن الفارق الرئيسي‮ ‬بين هزيمة روسيا وهزيمة حزيران هو التملص من مسؤولية الهزيمة التي‮ ‬لحقت بنا وإسقاطها على أمور خارجية لا دخل لنا فيها،‮ ‬ما‮ ‬يسمح لنا بتسويغ‮ ‬ما وقعنا فيه من مواقف محرجة وتقصير في‮ ‬واجباتنا،‮ ‬تجاه القضية العربية الأولى وتجاه تحديات الحضارة الحديثة،‮ ‬إننا نحاول أن نراعي‮ ‬المشاعر ونهتم باللياقة والمعنويات والمجاملات والخواطر‮’. ‬
يلوم صادق جلال العظم العرب في‮ ‬إزاحتهم مسؤولية الهزيمة عن أنفسهم ووضعها على الطائرات البريطانية والأمريكية التي‮ ‬شكلت مظلة واقية فوق إسرائيل وشاركت مشاركة فعالة في‮ ‬ضرب المواقع القتالية‮. ‬والنقطة الثانية وضع مسؤولية الهزيمة على الاتحاد السوفيتي‮ ‬والدول الاشتراكية التي‮ ‬كانت في‮ ‬جانب مصر ضد إسرائيل‮. ‬ويرد على ذلك بأن مصر استعادت كل السلاح الذي‮ ‬دمر في‮ ‬حرب حزيران خلال شهرين بسبب مساندة الدول الآنفة الذكر لها‮. ‬ويتعجب العظم من تفسير الهزيمة عبر تحميل الاستعمار مسؤوليتها،‮ ‬ثم سحب ذلك على الآلهة والغيبيات،‮  ‬إذ ذكر صلاح الدين المنجد في‮ ‬كتابه‮ ‘‬أعمدة النكبة‮’: ‘‬لقد تخلى العرب عن إيمانهم بالله فتخلى الله عنهم‮’. ‬وكأن العلاقة بالله عز وجل علاقة مصالح متبادلة ومنافع مشتركة‮. ‬واستشهد العظم بتصريح مفتي‮ ‬الأردن لصحيفة الدستور في‮ ‬23‮ ‬أكتوبر‮ ‬1967‮ ‬الذي‮ ‬قال فيه‮: ‘‬ليس في‮ ‬اليهود من القوة ولا من البأس ما‮ ‬يستطيعون أن‮ ‬يفعلوا،‮ ‬ولكن الله أراد أن‮ ‬يسلط علينا هذه الفئة نتيجة بعدنا عن ديننا‮’. ‬ويضيف العظم‮: ‘‬لقد بلغ‮ ‬الأمر حده لدرجة الترحم على الدولة العثمانية وخلافتها‮’.‬… يتبع
 
صحيفة الوطن
7 يونيو 2008

اقرأ المزيد