المنشور

لا توجد بطالة‮.. ‬‮”‬ كلام ماخوذ خيره ‮”!! ‬


لا أعرف لماذا يلجأ بعض المسؤولين إلى الاحتفاء بالأرقام الكبيرة كلما واجههم أحد بسؤال رقمي أو واجهتهم مشكلة تتعلق بقضية رقمية اضطرارية. ولعل أكثر الوزارات التي تحتفي بهذه الأرقام الهائلة وزارة العمل، فما إن يتعلق الموضوع بالبطالة والعاطلين عن العمل، إلا وتأتي الإجابة سريعة لا تحتاج تدقيقاً أو إعادة نظر، (وظفنا خمسة آلاف عاطل ولدينا -مثلاً- عشرة آلاف وظيفة شاغرة)، ولكن لم يذكروا مثلاً نوعية الوظائف التي وظفوا فيها هؤلاء العاطلين أو الرواتب التي يتقاضونها، هل هي معقولة أم دون الحد الأدنى؟ هل هي موقتة أم دائمة؟ بعقود أم دون عقود؟ وهل هي مضمونة على المدى البعيد؟ المهم بالنسبة إليهم ‘أننا وظفنا وخلاص وإن شاء الله لا يوجد عاطل في البحرين’.
 مجرد فرقعة إعلامية كي يعلم الكل أن البحرين لا يوجد فيها عاطل وأن المسؤولين عن شؤون العمل ‘قايمين’ بواجبهم تجاه العاطلين خير قيام، ولكن لو اقتربت من أغلبهم لاستمعت إلى ما يوجع القلب أو يفطر الفؤاد، فتخيلوا مثلاً خريجي جامعات يعملون في بعض الفنادق والمجمعات ‘سكيورتيه’ وباعة ملابس بأجر زهيد، ولا علاقة للوظيفة التي يشغلونها بتخصصهم، وقس على ذلك كثيراً من خريجي الجامعات، ولعل ابنة أختي واحدة من هؤلاء، فهي خريجة علوم سياسية من جامعة العين بالإمارات منذ خمس سنوات ولم يبق باب في البحرين إلا وطرقته بما فيها جهة الاختصاص وزارة الخارجية ولكن لم تجد أية استجابة من أحد على رغم المساعي ‘اللي اتقشر الوجه’، كما لو أنك تتسول حقك، بينما هناك من جاء بعدها بسنوات وبالتخصص نفسه وحصل على وظيفة بسهولة شديدة. وأمثالها كثيرون طبعاً، إذ اضطرت في نهاية الأمر إلى أن تعمل في أرشيف إحدى صحفنا المحلية، وهي وظيفة خارج الاختصاص تماماً ولكنها اضطرت إلى أن تتقنها بامتياز حتى ‘تاكل عيش منها’ وتقتل الفراغ أولاً وأخيراً. وما أكثر الوعود يا وزارة العمل ويا مؤسساتنا الحكومية والخاصة!
القضية ليست في الكم الهائل الذي نعلنه في كل سانحة إعلامية أو اضطرارية، القضية أكبر من ذلك بكثير، وأولها سؤال: ‘كم من الخريجين الجامعيين وظفوا في تخصصاتهم؟ وكم منهم وظف في غير تخصصه؟’، فلو اقتربنا بصدق من الواقع لوجدنا أن أغلب الخريجين -إن وظفوا- يعملون خارج تخصصاتهم وبأجور متدنية.
وأعتقد بأن صاحب الأجر المتدني لا يختلف في وضعه كثيراً عن العاطل أو الباحث عن عمل، فالراتب المتدني لا يمكن أن يحقق أدنى مراتب العيش الكريم للإنسان، فما بالك الآن مع ‘بركان’ ارتفاع الأسعار والغلاء المروع في كل شيء، هل يمكن والحال هذه الحديث عن أجر أو احتفاء رقمي بحل مشكلة البطالة؟ ولو اقتضى الأمر منا -من باب الاطمئنان ليس إلا- جمع الرواتب الكلية لمن تم تعيينهم وفق برنامج وزارة العمل، لاكتشفنا أن أجور خمسة آلاف وظيفة تعادل في حجمها الطبيعي أجور 200 وظيفة وربما من دون ضمان، فهل يعقل ذلك؟
 إلى من يتجه أبناؤنا إذا استمرت الحال على ما هي عليه؟ هل قدرهم البحث عن وظائف خارج البلد؟ هل هذا هو الحل؟ إذن لماذا الحديث عن التطور أو النمو الاقتصادي في البلد وزيادة الشركات والمؤسسات التي ستستوعبها البحرين وتحل قضية البطالة؟
لننظر إلى المشكلة بواقعية شديدة وبمسؤولية كبيرة من دون التذرع ‘اللي ماله لزوم وصار بايخ جداً’ بأن مشكلة البطالة عالمية وليست البحرين هي الوحيدة التي تعانيها، هذا ‘كلام ماخوذ خيره’، فالمؤسسات التي احتملت وغصت بكثير من غير البحرينيين بإمكانها أن تستوعب أضعاف أضعاف ‘عيال هالبلد’.
أعتقد بأننا بحاجة ماسة لدراسة ‘سوق العمل’ في المملكة وواقع البطالة وسوء توزيع الوظائف وانحشار كثيرين في مواقع وظيفية غير مناسبة لهم وحرمان آخرين من هذه الوظائف التي تتناسب وتخصصاتهم واهتماماتهم.
نحتاج دراسات ميدانية فعلية من الجهات ذات الشأن الرسمي العام تحصي عدد العاطلين عن العمل وأسباب البطالة والتخريجات التي تقود العاطلين إلى بر الوظيفة.
 نحتاج قراءة دقيقة لا تسمح لأحد بأن يكذبها أو يشكك فيها أو يعطي نتائج مغايرة لها. نحتاج إجابات عن الأسئلة التي يلهج بها أبناء بلدنا يومياً: لماذا نحن عاطلون؟ لماذا أصحاب الأجور المتدنية يتساوون مع العاطلين؟
في إحدى تصريحات وزير العمل لموقع ‘بي بي سي’ الإلكتروني قال: ‘إن البطالة قنبلة موقوتة وانفجرت ونحن مهمتنا مواجهتها’، كلام جميل، ولكن كيف نواجه هذه المشكلة إذا كانت التبريرات التي تساق بين فينة وأخرى تنأى عن معالجة المشكلة وتكتفي بالتعامل مع العاطلين من منطلق ‘سد الفراغ’، فما أسهل أن توفر للكل وظائف! ولكن ما أصعب أن تؤمن لهم ضمانات لاستمرارهم في هذه الوظائف! والبحريني بطبيعته يسأم الوعود بسرعة شديدة من كثرة عدم وفاء أهلها بها، فهل نركن الوعود جانباً ونعمل وفق ما تقتضيه الأمانة منا تجاه أبناء الوطن، وأقله العيش الكريم؟
 
الوطن 9 يوليو 2008

اقرأ المزيد

الفضائيات الحكومية العربية


على الرغم من مرور اكثر من عقد ونصف العقد على انطلاقة الفضائيات الحكومية العربية فإنها مازالت تعاني اشد المعاناة من محاولات تطوير برامجها لتتسق مع المرحلة الجديدة بعد تحولها من البث الارضي الذي يقتصر التقاطه على القطر صاحب المحطة التلفزيونية الى البث الفضائي الذي يُعد بمثابة نافذة عالمية لاطلالة الدولة على العالم واطلالة العالم على الدولة. وعلى العكس من ذلك فإن البرامج التلفزيونية العربية بعد ان تحولت محطاتها الى فضائيات تسير من سيئ الى أسوأ في مختلف المجالات السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية إلخ، واذا كان يمكن قبول اسفاف هذه البرامج وتخلفها في المرحلة الارضية باعتبار ان فضائح هذا الاسفاف والتخلف مستور بالبث الارضي الداخلي فإن ما لا يمكن فهمه او قبوله  استمرار ذلك في المرحلة الفضائية حيث عيون المشاهدين في العالم العربي بوجه خاص وفي العالم بوجه عام ستكون مصوبة على هذه البرامج مما يلحق أبلغ الضرر ليس بسمعة المحطة الفضائية العربية المعنية فحسب بل بسمعة الدولة صاحبة المحطة والشعب الذي ينتمي إليها بوجه عام بدءاً من المستوى اللغوي والثقافي للمذيع، بما في ذلك سلامة القائه اللغوي، ومروراً بمستوى البرامج المقدمة السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية وليس انتهاء بمدى سعة هامش حرية التعبير المتاح التي تعكسه كل هذه البرامج بمختلف انواعها.
 واذا كان ثمة تطور نسبي تمتاز به بعض القنوات الفضائية العربية الخاصة في البرامج السياسية والثقافية والفنية فما ذلك إلا لان حجم البيروقراطية الادارية والتخفف الى حد ما من المركزية الادارية الحكومية المشددة والامكانيات المالية الاكبر نسبياً في هذه القنوات، كل ذلك أخف من المحطات الفضائية العربية.
 ومن المؤسف ان الاموال التي تغدق على الفضائيات العربية الحكومية هي أموال طائلة وبلا حساب، لكن من دون ان ينعكس ايجاباً على مستوى تطورها. كما ان الاعراف المتقادمة المسيرة لبرامج البث المحلي الارضي هي هي لم تتغير مع متطلبات المرحلة الجديدة من تحولها الى البث الفضائي، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر واحداً من أهم البرامج السياسية لا بل أهمها على الاطلاق الا هو نشرة الاخبار التي تبث عدة مرات في اليوم تبعاً لتطور الاحداث المحلية والعالمية اذ مازالت على حالها من الطابع الرتيب الذي لم يتغير في سلم اولويات ترتيب قراءة الاخبار التي تبدأ من المحلية أي حتى لو كانت انباء روتينية عادية ثم بالانباء العربية فالدولية حتى لو كانت ثمة اخبار طارئة فائقة تعلوها أهمية فانها لا تعلو على تلك الاخبار المحلية. وفي هذا الصدد اعجبني مقال انتقادي كتبته الكاتبة الصحفية المصرية امينة خيري في جريدة الحياة السعودية عدد 19/12/2007م تقول فيه: «الى أي مدى تطورت نشرات الاخبار؟ في البداية كانت نشرة أخبار الحاكم: أين ذهب؟ ومن قابل؟ ومن هاتفه؟ ومن ارسل له بطاقة معايدة؟ ومن أشاد به؟ ومع اخبار الحاكم كان هناك كم لا بأس به من الأخبار، أو بالاحرى «البيانات« التي يود النظام ان يسقيها للشعب. وفي هذه الآونة، كانت الاذاعات الغربية الناطقة بالعربية متنفساً لكثير من الباحثين عن المعلومة، وليس مجرد البيانات الرسمية. ثم كانت البشائر الأولى للمعلومات من خلال الفضائيات الغربية الناطقة بلغة اهل بلادها، ثم أتى عهد الانفجار الفضائي، وبزوغ نجم الفضائيات العربية الاخبارية التي حققت الحلم المعلوماتي للملايين. فها هي المعلومة منطوقة ومصورة داخل ملايين البيوت. انها تنقل الحدث ملبية الغالبية العظمى من عناصر الخبر. ها هو الخبر ينقل لنا: من؟ وماذا؟ وأين؟ ومتى؟ وكيف؟ ولكن يبقى «لماذا« الحاضر الغائب في كل الاخبار وفي كل الاحوال. «لماذا« التي يبحث عنها المشاهد العربي منذ عقود طويلة مازالت غائبة، بل هي غائبة الآن أكثر من أي وقت مضى«.
 ولعل احد الاسباب الرئيسية لاستمرار هذه الحالة المتخلفة في اسلوب تقديم نشرات الفضائيات العربية يعود الى وصاية الحكام العرب على نشرات الاخبار، فالحاكم العربي يتوهم بأن شعبه كله مشغول بمتابعة كل شاردة وواردة فيما يتعلق بأنشطته اليومية وليس لدى شعبه أي اهتمام آخر سوى بمتابعة هذه اليوميات. ولاتزال عقلية اختيار اجمل المذيعات بغض النظر عن مدى كفاءتهن اللغوية والسياسية والثقافية العامة هي المعيار الذي يحكم خيارات معظم الفضائيات العربية. والحال ان اوضاع الفضائيات العربية الحكومية المأساوية لهي انعكاس صادق أمين للحالة السياسية الداخلية الناجمة عن القبضة الشمولية الحديدية على وسائل الاعلام من قبل الغالبية العظمى من الانظمة العربية وان بدرجات متفاوتة.
أخبار الخليج 9 يوليو 2008

اقرأ المزيد

الفشل حين يُعد نجاحا باهرا


 
 
 


قضيـة ساخنـة..!
 
 
 

ما عدَّته الحكومة انجازا باهرا في مشروع انشاء منطقة جنوب الحد الصناعية نعده نحن اخفاقا ذريعا يتعين محاسبة الحكومة عليه لمسؤوليتها عن نفقات التأخير الاضافية، حيث كان يفترض ان ينفذ هذا المشروع الذي يشمل انشاء منطقة صناعية إلى الجنوب من الحد وميناء بحري تابع لها ومصانع جاهزة خاصة بصناعات معينة، قبل ما يربو قليلا على العشرين عاما، ومسؤوليتها أيضا عن الاموال التي لم يعرف مصيرها والتي كانت اقترضت ضمن حزمة قروض تمويلية لمشاريع انمائية منذ أيام وزير المالية الأسبق من صناديق تنمية وبنوك استثمارية ومنها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبنك الاسلامي للتنمية.   

 

اقرأ المزيد

أحمد الذوادي .. حقك باق


في مثل هذا اليوم قبل عامين لم يصح الديك معلنا فجر السبت، 8 يوليو 2006. صاح المنبر الديمقراطي التقدمي ناعيا أمينه العام، أمين عام جبهة التحرير الوطني البحرانية، الشخصية الوطنية والعربية البارزة، المناضل الأممي من أجل نصرة قضايا الشعوب العادلة أحمد الذوادي.


خلال ساعات تردد صدى الفاجعة في كل أنحاء البحرين والخليج وخارجهما. رنين هاتفي لم يتوقف من التساؤلات التي لا تريد تصديق الخبر الذي عرفناه ليلتها قبل حدوثه، ولم يكن علينا، للأسف، سوى إنتظار وقوعه بأسى.


“رحل .. لا .. لم يرحل” – قالها المناضل الكبير عبد الرحمن النعيمي رده الله إلينا معافى، مستحضرا رفيق درب نضاله في حاضر ومستقبل العمل الوطني الديمقراطي في البحرين.


مساء ذلك اليوم، وبعد أن ودعت الجماهير الغفيرة القائد الذوادي لاحظ المناضل إبراهيم شريف غياب بعض الرموز الوطنية المهمة ، قال ضاغطا على يدي : “هذا هو الحال في “حزة الحزة” نحن لبعضنا”.


إذا كان الذوادي قد غاص في تراب الأرض التي يعشقها وانكسر جناح النعيمي ليكف عن الطيران مرابضا على هذه الأرض، فإن من يحملون رسالتهما يعون اليوم أنه لا زالت على الطريق صفحات كثر من تاريخ هذا الوطن على الوطنيين الديمقراطيين أن يكتبوها ويمضوها بإمضائهم الخاص.


 فليس غير هذا منقذ للبلاد من شرور الطائفية البغيضة، وليس غير هذا ضمان للسير على طريق الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.


المنبريون كرموا رفيقهم وقائدهم الذوادي بأن رسخوا وحدة تنظيمهم وسمعوا في الذوادي فهدا المقدام يناديهم : ” قووا تنظيمكم .. قووا تنظيم الحركة الوطنية”. وسيظل الصدى مترددا، فما أحوجنا اليوم إلى الوحدة الوطنية.


مسؤولون كثيرون عبروا عن حزنهم بخسارة البحرين لابنها الذوادي، وقالوا في أكثر من مناسبة أنه يجب تخليد ذكراه. وجرى الحديث عن تسمية مدرسة أو شارع أو مشروع باسمه. لكن فعلا لم يتبع الوعود، بينما حق الذوادي على الوطن باق.
 
لقد علا أبو قيس بقضية الوطن وبأبي قيس علا الوطن، فلنوف أبا قيس حقه على الجميع.  
  
 8 يوليو 2008
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

الإرهاب لايزال مخيفاً‮!‬


 
لم تكن منطقة الخليج تتعاطى مع مسألة اسمها بيانات اليقظة والتحذير لمواطنيها والرعايا الأوروبيين المقيمين فيها إلا في أوائل التسعينات، وتحديدا بعد الانتهاء من تحرير العراق وبدء تصاعد لهجة التهديد بالضرب والتصعيد والملاحقات ومعاقبة كل الدول التي وقفت ضد جيش صدام المقبور.
ومنذ تلك الحقبة ونحن نسمع بين شهر وآخر تحذيرات وروائح متصاعدة من أجهزة الأمن والإعلام تحذرنا باحتمال وإمكانية حدوث أعمال إرهابية في هذا البلد أو ذاك.
 وازدادت تلك الرائحة مع تنامي ظاهرة الإسلام السياسي وبروز التيارات المتشددة التي دشنت عصر المواقع الالكترونية بثقافة الموت والدمار، فأخذت تبعث ببياناتها ومنشوراتها لكل جهة تقف ضدها وتنذر بملاحقتها.
 وقد برزت بشكل واضح في الفترة ما بين عامي 1993-1994 مجموعة يقودها بن لادن، حيث أخذت تهدد بملاحقة الأمريكان والمواقع العسكرية الغربية ومواقعها الحيوية كالقواعد ومناطق النفط، فكانت عملية الخبر باكورة كبيرة لتلك الأعمال. ولا يمر صيف إلا ونسمع تحذيرات تبثها السفارات الغربية في تحذير رعاياها بعدم الاقتراب من الأماكن التي تهدد حياتهم وعليهم اليقظة والحذر من تلك الأعمال الإرهابية، بل وكانت توصيهم أحيانا بالمغادرة لكونها جمعت معلومات استخباراتية حول إمكانية قيام التنظيمات الإرهابية بأعمال قتل وتخريب.
 فتزايد شعور الرعب والخوف بين مواطني تلك الدول خاصة مواطني الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين بدأتا تتفننان في مستويات التحذير بتلك الخطوط والألوان الخضراء والبرتقالية والحمراء فنتذكر مرحلة بيكاسو اللونية الثلاث التي مرت بها لوحاته.
وتصاعدت حدة ذلك الخطاب المرتجف بعد تشكل جماعة القاعدة وقيامها بالمزيد من الأعمال ابتداء من أعمال غينيا ودار السلام والبرجين في نيويورك حتى أعمال مترو لندن وقطار مدريد.
 وانتقلت تلك الحساسية الأمنية والإعلامية لبلدان الخليج ومواطنيها فوجدنا الصيف أكثر سخونة بالتحذيرات لمواطني هذه البلدان كلما قرروا حمل أمتعتهم لوجهات صيفية،  وكلما توترت العلاقات بين ذلك البلد الخليجي وتيارات إسلامية لا تخفي عداءها المقابل للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وفي مقدمتهم بريطانيا وجدنا الإنذارات والتحذيرات المتلاحقة بعبارات “تنصح المواطنين بالمغادرة وعدم الاقتراب واليقظة” إلى آخره من عبارات الفوبيا المفتعلة أو القائمة على حسابات سياسية بغطاء امني وإعلامي مضخم..
 فمنذ صيف أغسطس وغزو الكويت حتى يومنا هذا ومناخ وروائح الإنذارات تلاحقنا وتلاحق مواطني سفارات غربية تعيش في بلدان الخليج فنشعر من خلالها أهداف ودوافع لا تسر كثيرا أحيانا، إذ يتم زج البلدان في مشاكل وخلافات قائمة ومصالح عدة بين طرفين متنازعين حول قضايا خلافية.
 فلماذا صار صيفنا – والذي اعتبره يبدأ من شهر يونيو إلى سبتمبر – مخيفا، تتطاير فيه التفجيرات، وكأن الأعمال الإرهابية صارت موسمية وجغرافية وسياسية مرهونة بتوتر خفي ومعلن بين تلك القوى الكبرى والتيارات المتشددة التي لا تخفي كراهيتها ومواقفها إزاء العالم جميعا لمجرد كونها تندد بالأعمال الإرهابية وتضيق الخناق على حركتها.
 ما أثار انتباهي هذا الصيف وهذه المرة ليس عادة التحذيرات الصيفية المرتقبة من بعض السفارات مع ابتداء تحضير الناس حقائب السفر وحسب، بل وتشكل خطاباً لا يعبر إلا عن روائح كريهة تنثرها وكالات الأنباء كلما تمعنا النظر فيه جليا . فنقلت لنا تعبيرا من موقع للسفارة البريطانية مفاده “نعتقد إن الإرهابيين ربما يخططون لتنفيذ هجمات في دولة الإمارات العربية المتحدة” وبذلك رفعت السفارة البريطانية درجة التحذير من “عام إلى عام” وهي بذلك تستخدم مصطلحات لغوية بدلا من المرموز الاشاري كالألوان، وهي في المحصلة نتيجتها واحدة، وفي الوقت الذي عودتنا السفارة البريطانية بلكنتها وغمغمتها الانجليزية بعبارة ربما ومن المحتمل ومن المتوقع وعرضه للتغير، في عملية مستويات التحذير في السفر وغيرها، يبدو إن اللعبة ابعد من ذلك، إذ تم دس عبارات ملتوية تهدف إلى الاتهام بنوع من التواطؤ مع تنظيم القاعدة كنوع من اتفاق غير مكتوب، هو غض الطرف عنهم في تحركهم مقابل عدم مهاجمة تنظيم القاعدة لهم، ومن يقرأ بدقة ما جاء في البيان يكتشف بكل سهولة الرائحة الكريهة من ذلك، بل وابعد من هذا، وكأنهم يشددون على الإمارات بضغوطهم تلك من اجل العمل حسبما يريدون بالكامل.
 والأبعد من ذلك إن هذا التحذير جاء مباشرة بعد الإعلان عن قرار أوروبي بتصعيد سقف العقوبات على إيران بتجميد ودائعها البنكية، في وقت تتصاعد في بلدان الخليج روائح الاحتمال الممكنة لضربات استباقية لإيران، وعلى مواطني المنطقة ومن يعيشون فيها الاستعداد لمثل ذلك الاحتمال، بل وبإمكان أن تمارس إيران عبر خلاياها النائمة – والتي كنا نسمع بحكايتها بعيدا وقريبا – كرد فعل لذلك الضغط الاقتصادي وإمكانية المواجهات العسكرية.
 ما تمارسه بعض السفارات وإعلامها على لسان حال رجال امن سابقين مثل “كليف كنوكي” تكمن فيه رائحة خبيثة كالعادة. فإذا كان من المهم اليقظة لكل شيء في ظروف صعبة، فان إخافة الآخرين وإدخالهم في حلقة الرعب ليست ظاهرة حميدة، فلكل شعب ودولة اقتناعها وعلاقاتها بكيفية التعاطي مع الإرهاب الدولي وإيران والملف النووي فليس لكل دولة وجهها الابتزازي والمراوغ في السياسة.
 
 
الأيام 8 يوليو 2008

اقرأ المزيد

جديد صدمة النفط الثالثة

 
إشارة جديدة وجدية أخرى أرسلها سوق النفط يوم الخميس الماضي إذ سجل رقماً قياسياً تاريخياً جديداً: 145.29دولارا للبرميل (د/ب). ومع أنه في العام الماضي فقط كان يصعب تصور مثل هذا السعر، إلا أن الوضع يكشف عن مفارقتين تستحقان التمعن: الأولى، أن سعر النفط في يونيو/ حزيران من العام الماضي كان قد بلغ 70 د/ب فقط، وقد اعتبر ذلك عاليا جدا[1]. الثانية، أن سعر 130 د/ب حاليا يعادل، وفق حسابات بعض الدول الأعضاء في أوبك، ما بين 70 – 80 دولاراً في العام الماضي فقط بسبب انخفاض سعر صرف الدولار المستمر[2]. وفي بداية هذا الأسبوع قدم مدير وكالة الطاقة الدولية نوبوا تاناكا، في خطابه أمام مؤتمر الطاقة الدولي في مدريد اقتراحا سحر الجميع: يمكن على وجه الدقة القول بأن العالم اليوم يعيش حالة ‘صدمة النفط الثالثة‘.
ولعل رئيس أوبك شكيب خليل، أكمل فكرة الأول عندما توقع بأن سعر برميل النفط سيضرب رقم 170 دولارا في صيف هذا العام. ورغم المفارقات إلا أن هذه الأحاديث الدرامية تنبئ بأن التزايد المتسارع في أسعار النفط يعني بأن أسعار النفط الرخيصة قد ولت إلى أمد غير منظور، كما أنها تؤشر إلى حقبة جديدة، ربما أعمق أساسا من صدمتي النفط في سنوات السبعينات.
صدمتا النفط في السبعينات تعود إلى أسباب سياسية. الأولى بعد حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 واستخدام الدول العربية والأخرى المنتجة للنفط إياه كسلاح للضغط على الغرب. حينها قفز السعر في أيام فقط من 3 إلى 5 د/ب ، وإلى 12 د/ب في السنة التالية. الصدمة الثانية جاءت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران. في 22 سبتمبر/ أيلول 1980 قام دكتاتور العراق مدفوعاً من حلفائه الغربيين آنذاك بمهاجمة إيران التي لان عودها. أدى ذلك إلى انخفاض الإنتاج، فقلل العرض الأمر الذي صعد السعر إلى 38 د/ب.
صدمة النفط الثالثة’ تختلف جذريا إذ إنها ذات طبيعة اقتصادية وليست سياسية. ولم يعد من اللائق اتهام دول أوبك بأن سياستها الإنتاجية هي السبب ولا من العدل إجبارها على هذه الزيادة. لقد أشارت وكالة Bloomberg إلى أن أوبك زادت إنتاجها من النفط بنسبة 1% في شهر يونيو/ حزيران.
 الإنتاج السعودي ارتفع الشهر الماضي بمقدار 280 ألف ب/ي ليبلغ 9.53  مليون ب/ي مسجلا أعلى قدر منذ مارس/ آذار 2006. وتبلغ حصة السعودية 88% من قدر الزيادة التي حققتها بلدان أوبك في يونيو/ حزيران الماضي.
 
إنتاج دول أوبك، فيما عدا العراق، ارتفع بمقدار 380 ألف ب/ي ليصل إلى 3.09 مليون ب/ي. أما الإنتاج العراقي فقد انخفض بمقدار 60 ألف ب/ي ليصل 2.34 مليون ب/ي في يونيو/ حزيران بعد أن سجل مستوى قياسياً في مايو/ أيار الماضي.
إيران، وهي ثاني أكبر منتج في أوبك تنتج حالياً، حسبما أعلنه وزير النفط الإيراني في مؤتمر مدريد، 4.35 مليون ب/ي وتخطط لزيادتها إلى 5.3 مليون ب/ي حتى العام 2014 أما انخفاض إنتاج نيجيريا الشهر الماضي بمقدار 20 ألف ب/ي فقد عوضه ارتفاع إنتاج فنزويلا بالقدر نفسه (20 ألف ب/ي). ومع ذلك فإذا كان سعر النفط قد ارتفع بنسبة 9.6% في يونيو/ حزيران فإنه الخميس الماضي سجل ذلك الرقم القياسي التاريخي الجديد.
يكمن السبب في صدمة النفط الثالثة في طبيعة المتغيرات الاقتصادية الدولية وفي احتلال عدد من الدول النامية مكانها الجديد والمتقدم في التقسيم الدولي للعمل. فمع أن معطيات وكالة الطاقة الدولية تشير إلى أن الدول الصناعية المتقدمة تمر بفترة تراجع في الطلب على النفط بمقدار 0.1%، لكن ذلك على أية حال لا يقارن بارتفاع الطلب من قبل الصين والهند. الدول النامية تنمو بوتيرة متسارعة جداً. وهي لحد الآن تبدو قادرة على استيعاب موجات ارتفاع أسعار النفط المتعاظمة. وحسب وكالة الطاقة الدولية سينمو هذا الطلب بنسبة 3.7% رغم صدمة النفط. وهذا فارق جوهري وحاسم عما كان عليه الوضع في السبعينات.
العامل الثاني في ارتفاع أسعار النفط وفي عدم قدرة البلدين الرئيسين في أوبك على تلبية تزايد الطلب هو أن التوسع ممكن أساساً في إنتاج النفط ذي المحتوى العالي من الكبريت (الثقيل) الذي لا يجد طلبا في السوق، بينما أهملت الدول المستهلكة لسنوات طوال الاستثمار الفعال في الاستكشافات النفطية الجديدة وفي بناء مصانع التكرير الإضافية. ولهذه الأسباب اضطرت إيران مثلا إلى إعادة حقن ما يعادل 70 ألف برميل من إنتاجها اليومي في شهر مايو/ أيار الماضي إلى المخزون لكونه من النفط الثقيل.
العامل الثالث الذي لا يقل أهمية عن سابقيه هو الأزمة الاقتصادية – المالية الأميركية. فهي بشكل مستمر تضعف الدولار الذي يشكل الآن الوحدة الحسابية لغالبية معاملات النفط الدولية. ويربط الخبراء بضعف الدولار 25% من مقدار الارتفاع في أسعار النفط عملياً. لقد عمد المصرف المركزي الأوربي الخميس الماضي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية ليصبح 4.25% توقعا من خبراء المصرف بأن النقابات، وخصوصا الألمانية، ستبدأ العمل من أجل تعويض الأسعار العالية على مواد الطاقة بالمطالبة برفع الأجور، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى حلزون ‘الأجور – الأسعار’، كما حدث في السبعينات. ويريد المصرف أن يستعد للحدث قبل وقوعه فيمتص من السوق جزءاً كبيراً من السيولة تفادياً لزيادة معدلات التضخم المرتفعة أصلا بضعف الحد المرسوم بـ 2% فقط[3]. لكن هذا الإجراء الأوربي يعزز من دور العامل الثالث في ارتفاع أسعار النفط. بل أن الارتفاع الأخير حدث قبيل إعلان المصرف المركزي الأوربي إدراكاً من السوق أن ذلك سيؤدي تلقائياً إلى انخفاض جديد في سعر صرف الدولار الأميركي، وبالتالي إلى انخفاض دخل البلدان المصدرة للنفط.
وهكذا فأسعار النفط في ارتفاع مطرد. لكن آثارها السلبية أصبحت محسوسة على الدول الخليجية أكثر مما على الاقتصاد العالمي بسبب عدم الاستعداد لهذه الحقبة.. كالعادة. 

 
المصادر
 
[1]      جريدة “زيوديتشه تشايتونغ” البافارية الألمانية، 04.07.2008،  http://www.sueddeutsche.de
2    ”روسيسكايا غازييتا” الروسية، 04.07.2008 
3     بالمناسبة نشير إلى أن دولنا الخليجية تفعل العكس تمام. إذ أن زيادات الأجور الأخيرة جاءت متوازية وزيادة هائلة في الإنفاق   الحكومي وفي خفض نسبة الفائدة تبعا للسياسة النقدية الأميركية.
 
 
 

 
الوقت 7 يوليو 2008

اقرأ المزيد

الاتفاقية الأميركية العراقية.. معضلة وشرّ لابد منه

 

العراقيون بمختلف مشاربهم وطبقاتهم وفئاتهم وتوجهاتهم السياسية منشغلون هذه الأيام بمسألة الاتفاقية الأمنية المزمع تصويبها وتوقيعها من قِبَل الطرفين الرسميين على الأرض العراقية؛ حكومتهم والمحتل الأمريكي.. فمن الأهمية بمكان ذكر أن هذه الاتفاقية ، المفترض أن ترى النور قريبا ، ستكون عنصراً آخراً  من العناصر العديدة التي فرّقت شعوب المنطقة والرأي العام العربي من جرّاء تخندقهم واستقطابهم في السنوات الأخيرة بين مؤيدٍ ومعارضٍ للدور الأمريكي في العراق وفي شرق المتوسط عامة وللوضع الجديد الذي بدأ يتكون على أرض الرافدين بسبب تداعيات الحدث التاريخي الكبير المتجسّد في العملية الجراحية غير الاعتيادية التي قامت بها الولايات المتحدة قبل خمس سنوات، لتغيير النظام العراقي السابق بالقوة للتخلص من أعتى نظام استبدادي، سيتذكر مساوئه المواطنون العراقيون وغيرهم من شعوب المنطقة لفترة طويلة من الزمن!
 
 
أما بقية القصة المتعلقة بالأسباب الحقيقية لدوافع اختيار الولايات المتحدة الأمريكية للنهج الحربي بالذات لإسقاط النظام السابق فهي من البديهيات التي لا يختلف عليه شخصان ، من أن المصالح الحيوية والإستراتيجية الغربية والأمريكية خاصة ، كانت وراء ذلك الغزو الحربي أكثر من الحجج المبرّرة واحتمالات ما إذا كان العراق يملك أسلحة الدمار الشامل أم لا ؟! ولو أن النظام السابق – على أية حال -  كانت بحوزته أسلحة الدمار الشامل الكيماوية ، التي لم تكن بحاجة إلى برهان، حين استعملها في إبادة قرى كردية كاملة عن بكرة أبيها إضافة إلى استخدامه لتلك الأسلحة إبان حربه مع  إيران ! 
 
 
والآن وبعد مرور خمس سنوات ونيف على ذلك الغزو فإن الولايات المتحدة ، نتيجةً لمعارضةٍ شديدةٍ لاستمرارية تواجدها العسكري وبضغطٍ هائلٍ من الرأي العام العالمي والأمريكي إضافة إلى متطلبات وضرورات البنيوية الداخلية للمجتمع الأمريكي ، تعدّ العُدّة للانسحاب التدريجي لقواتها(لاتفصح عنه) ولكن بشروط المحتل كالعادة وبفرض معاهدة أمنية والحصول على قاعدة عسكرية دائمة ، محاولةً الاستئثار بحصة الأسد من زاد المصالح القادمة، المصاحبة لعملية البناء وتشييد البنية التحتية للعراق ، التي يفرضها الطرف القويّ عادة بشروطه على الطرف الأضعف والمحتاج. وليس للأخير من خيارِ عدا محاولة التقليل من ضرر تلك الشروط ، بواسطة أداة فن التفاوض لمجابهة أدوات الضغوط الأمريكية المتلخّصة في ملفات عديدة أهمها ؛ صيغة “إتفاقية” وليست “معاهدة” حتى لا تكون عرضة للمحاسبة من قبل الكونجرس الأمريكي/ التهديد في موضوع الـ  50 مليار دولار المجمّدة من الفترة السابقة ، لدى البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي / الوعيد الأمريكي بقدرتها التسبب في خسارة فادحة للعراق في مسألة الـ  80  مليار دولار، قيمة الاحتياطات العراقية من العملات الصعبة في البنوك العالمية والغربية .. بجانب عناصر ضغط  عديدة أخرى. 
 
 
والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل بإمكان الحكومة العراقية والقوات العسكرية العراقية لوحدها ، وهي في هذا الضعف المبين وفي طور إعادة التكوين والتحسّن التدريجي البطيء للعودة إلى الوضع الأمني وتأسيس هياكل الدولة من جديد، ومحاصرة من جراء تدخل وعداء سافر من أطراف دول الجوار وما حولها . إضافة إلى الإرهاب الداخلي المستميت، هل بإمكانها لوحدها استتباب الأمن للمواطن وتشييد الجمهورية العراقية الثالثة بدون مساعدة القوات الأمريكية ؟!   لابد أن جُلّ العراقيين متفقون على ضرورة الوجود الأمريكي في الوقت الحاضر بل إن أي عاقلٍ على دراية بالوضع العراقي لا يمكنه أن يفكر بشكل آخر.
 
 
من الواضح أن ميزان القوى الداخلي لا يسمح البتّة في هذا الرفض العدميّ المطلق من قبل البعض للاتفاقية المزمعة والمفروضة بواسطةِ قوةٍ مناط بها أصلاً حماية الوضع الأمني للمواطن وهي بمثابةِ طرفٍ مشارِكٍ أساسٍ في عملية البناء ، إلا إنه كان بإمكان الشعب العراقي والحكومة العراقية مقاومة الوجود والاحتلال الأمريكي ، الأمر الذي يتطلب الرضوخ لقوى الإرهاب المتمثل في فلول النظام السابق ومتطرفي القاعدة ، المؤدي بالضرورة لفرض إمارة طلبان العراقية أو نظام حكم يشبه النظام البائد ، على أقل تقدير ..
 لذلك لا توجد إمكانية فعلية على الأرض لرفض إتفاقيةٍ ، معدّةٍ من قِبَل جهة تدافع عن الوجود العراقي الحالي ووحدته ، إلا بسلكِ جادّة التفاوض للوصول إلى اتفاقيةٍ أقل ضرراً لعراق المستقبل ، على أمل تحويل روح الاتفاقية النهائية إلى “صيغة وسط “، تعطي بالطبع مكتسبات عديدة للأمريكان ولكن تحفظ  فوائد جمّة لعراقٍ جديد!
   نعم .. ستحتوي الاتفاقية على بنودٍ قاسيةٍ تمسّ الاستقلال والإرادة الحرة للدولة العراقية وتحدّ من السيادة العراقية.. كالإشراف الأمريكي على وزارتي الدفاع والداخلية لعشر سنوات قابلة للتمديد ، وحق القوات الأمريكية باعتقال أي مواطن عراقي دون العودة إلى الحكومة أو القضاء العراقي ، وخضوع القوات الأمريكية لدستور وقوانين الولايات المتحدة وليس للقضاء العراقي ، وطلب 15 مليار دولارا أمريكيا سنوياً من الحكومة العراقية باعتبارها نفقات سنوية تصرف على القوات الأمريكية الجالبة للأمن والحامية لوحدة التراب العراقي، وغيرها العديد من المطالب، التي يجب على المفاوض العراقي العمل على إنزال أسقفها.
 
 
الوضع العراقي الاستثنائي لا يسمح بوجود حالتي ؛ السيادة الوطنية المطلقة وضرورات الحماية الأمنية الماسّة ، التي يحتاجها المواطن العراقي من قِبَل القوات الأمريكية المحتلة .. ومن هنا وكما يقول وزير الخارجية العراقية “هوشيار زيباري” المقتدر في إمكانياته ووطنيته ، في آخر تصريح له في بغداد قبل أيام ، معلقا على التحسّن التدريجي للأوضاع وعودة الدبلوماسيين العرب وغيرهم إلى العراق ، مجنحا إلى الموضوع الشائك ؛ “الاتفاقية الأمنية”  قائلا : ” إنها مازالت قيد التفاوض بين بغداد وواشنطن ، مستندةً إلى”إعلان مبادئ”، وُقّع سابقا بين بوش والمالكي. ومن المتوقع الانتهاء من الاتفاقية في نهاية يولية / تموز القادم ليدخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني من العام القادم” ، مؤكدا.. عدم الوصول إلى إتفاق بين الطرفين حتى الآن عدا قبول الجانب الأمريكي للآراء العراقية بضرورة إسقاط الحصانة عن الشركات الأمنية الأجنبية العاملة في العراق.
 اختتم “زيباري” تصريحه قائلا : ” يجب العمل بكل ما أوتينا من قوة ومنطق تفاوضي بُغية حفظ السيادة والكرامة العراقيين . ولعل المرجعية العراقية للتصويب النهائي للإتفاقية تتجسد في المجلس السياسي للأمن الوطني العراقي ومجلسي الوزراء والنواب وإلاّ  فهناك بدائل في حالة عدم الوصول إلى إتفاق في الوقت الحاضر ، تتلخص في استمرارية التفاوض وإعطاء فترة زمنية أطول بُغية تغييرها ، أو مدّ الوضع القانوني الحالي لسنة أخرى عن طريق مجلس الأمن”.       
 
 
لعل المقاربة الحق لفهم هذا الوضع المعقّد للواقع العراقي الحالي يجب أن تنبع أساسا من الضرورات الاستثنائية للواقع الموضوعي غير الاعتيادي وغير المسبوق، بدل الاستسلام للعواطف الذاتية والرغبات الشخصية المجلوبة من النظرة الأخلاقية والمثالية للأمور، وفلسفة المبادئ المطلقة والمقدسات الأبدية !  بل يتطلب اعتماد النهج الواقعي والإدراك الجدلي لنسبية اللحظة التاريخية (المكانية والزمانية) المتحولة أبدً ، وفهم محصّلة حساب الأرباح والخسائر، التي سوف تفرضها بنود الاتفاقية المزمعة .
 فلا تفيد هنا كثيراً المحاججات القانونية والنقاشات السفسطائية المجردة مثل فكرة أن الاتفاقية تلك تُحاك في الظلام والخفاء وتُفرض تحت حراب سلاح الاحتلال. أوالمقارنات العقيمة غير المنهجية بين الاتفاقيات الجائرة التي فرضها الانجليز إبان استعمارهم للعراق والواقع الحالي ، إلى آخر تلك المعزوفات والأطروحات التي يبديها بعض المحللين الرافضين من جهة ، أو”الميوعة” التامة التي يبديها المحللون المصفقون للاتفاقية من جهة أخرى!  ومرد ذلك عدم قدرة هؤلاء وأولئك اعتماد منهجية علمية متوازنة بين القبول التام والرفض المطلق للاتفاقية القادمة وذلك بسبب سيادة مدرستي ومنهجي التحليل، المنعكسين لوجهي العملة الواحدة؛ القبول أو النفي/ الزيادة أو النقصان/ الشيء أو عدمه !

اقرأ المزيد

المنبر الديمقراطي‮ ‬والمقر‮.. ‬والكتاب الجديد لأحد نشطائها


باعتراف كل المؤرخين المنصفين لتاريخ البحرين السياسي، فإن جبهة التحرير الوطني البحرينية منذ تأسيسها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي كانت الحركة الوحيدة التي صبت كل جهودها على تصحيح الأوضاع الداخلية ولم تنشغل بهموم الخارج والقضايا القومية مع كل تعاطفها مع القضية الفلسطينية وقضايا التحرر من الاستعمار في كل أرجاء الوطن العربي، من خلال وقوفها بجانب تلك القضايا دون المشاركة الفعلية فيها خوفاً من تشتيت جهودها.
 وهي الجبهة أو الحركة التي تم تأسيسها لتحرير البلاد من الاستعمار البريطاني وتحسين أوضاع المواطنين وإنهاء الظلم الواقع على العمال والطبقات الفقيرة الأكثر تضرراً من بقية الطبقات الأخرى، فهذه ليست منة على شعبنا بل أردت كشفها لمن لا يعرفون عنها.
وهذا ما شهد به أكثر من مؤرخ  لنضالات شعبنا البحريني في مرحلة هيمنة البريطانيين على بلادنا. وقد عُرف عن الجبهة اعتدال توجهاتها والبعد عن راديكالية المواقف، وتشكيلة عضويتها البعيدة عن الروح العنصرية. ولم يسجل لها منذ تأسيسها أي عمل عنيف سوى التخلص من رئيس جهاز الأمن ‘بوب’ ومساعده ‘أحمد محسن’ اللذين تجاوزا في عملية تعذيب المعتقلين ما لم تتحمله قيادة الجبهة.
هذا لا أشهد به أنا، وشهادتي مجروحة لأني من أعضائها، لكن المؤرخين شهدوا بذلك، ومن بينهم المؤرخ المعروف الدكتور عيسى أمين، رئيس جمعية الآثار والتاريخ البحرينية في إحدى محاضراته.
وجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي المنبثقة من الجبهة، والوريثة الشرعية، من الجمعيات المعتدلة ذات التوجه الوطني بعد ولادتها في مرحلة بروز بقية الجمعيات السياسية في البحرين.
ومنذ تأسيسها كذلك، سواء في مرحلة العمل السري أو العلني بعد السماح الرسمي بقيام هذه الجمعيات، تثبت أنها بالفعل جمعية لم تتأسس لمشاغبة النظام والدفع باتجاه الفوضى في الشارع البحريني، بل من أجل دفع العمل الإصلاحي إلى الأمام وتشجيعه.
وكانت في مقدمة الجمعيات المعتدلة عند المواجهة مع الحكومة بالوقوف ضد أخطائها سلمياً لا من خلال التجييش وتوجيه الشارع في مرحلة إصلاحية أعقبت صدور مرسوم العفو العام الذي نتج عنه عودة المنفيين من الخارج وتبييض السجون من المعتقلين والسجناء السياسيين.
ويسجل المؤرخ المنصف أنها منذ خروجها كجمعية بارزة على سطح العمل السياسي ذات أعصاب هادئة، واختيارها لقيادتها يأتي من منطلق البحث عن عناصر ذات توجه وطني لم يعرف عنها التطرف دون تساهل في حق المواطن ودون مزايدة أو ارتباط بأية أجندة خارجية، خصوصاً بعد قطيعتها مع موسكو عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، الراعي الحقيقي للاشتراكية في العالم.
 لهذا نجد أن من يتم اختياره للأمانة العامة والرئاسة شخص مثل الكاتب حسن مدن. وحتى في مرحلة النضال السري كانت قيادتها بعيدة عن التطرف، من أمثال المرحوم أحمد الذوادي الذي كان أميناً عاماً للجبهة حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، وهو الذي اشتهر باسمه الحركي ‘سيف بن علي’. وكان المرحوم في أحلك فترات النضال لا تفارقه الابتسامة.
أذكر ذلك بمناسبة إصدار أحد عناصرها النشطة في مرحلة النضال السري كتابه الجديد عن البدايات الحقيقية للعمل الوطني للجبهة في الساحة البحرينية تحت عنوان ‘يوميات من انتفاضة مارس”1965 وهو المحامي محمد السيد الذي يذكر في بدايات يومياته: ‘لم تكن انتفاضة مارس 1965 برتقالية ولا بنفسجية ولم تكن من أجل تداول السلطة أو من أجل الاستيلاء عليها بشكل مباشر وغير مباشر مسكوت عنه. وهذا ما سنكتشفه من خلال أهدافها ومطالبها المشروعة التي أعلنتها القوى الوطنية أثناء الانتفاضة أو بعدها. ومع ذلك نستطيع أن نقول إن هذه الانتفاضة كانت ثورة لكن من نوع خاص، ثورة قوامها العمال وعمادها الجماهير الكادحة من جميع فئات شعب البحرين المسحوقة’.
 وبمناسبة القرار الذي اتخذته مؤخراً إدارة المنبر بشراء مقر متواضع لها من خلال تبرعات الأعضاء أدعو كل الشرفاء والمتمكنين من المواطنين إلى دعم الجمعية للخروج من حياة البدو الرُحل إلى الاستقرار. وكما ساعد عدد من قياديينا بعض الجمعيات الأخرى، فمن حق جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي أن تحظى بمثل هذا الدعم إن لم تكن أولى منها، أليس من حقها ذلك؟
وأود لو ألفت القراء إلى أهمية كتاب اليوميات؛ لأنه يمثل جانباً حساساً من التاريخ.
 
الوطن 21 يونيو 2008

اقرأ المزيد

ليس احتقاناً‮ ‬طائفياً‮ ‬شعبياً


 
حظي موضوع الخلاف بين نفر من مشايخ الدين السنة والشيعة في البحرين باهتمام الأوساط السياسية والوسائط الإعلامية في المنطقة وخارجها.
فقد تناولته في موضوع التنازع الطائفي بعض الفضائيات العربية والعالمية. كما تناولته بعض الصحف العربية.
وكما هو العهد بها دائماً، اهتمت جريدة الخليج الإماراتية بالموضوع وتناولته في إحدى افتتاحياتها (السبت 21 يونيو 2008) انطلاقاً من حرصها في الحفاظ على استقرار البحرين وصيانة وحدتها الوطنية، وللالتزام الثابت والمبدئي ‘للخليج’ في الانحياز للمصالح الوطنية والقومية العربية.
وهذا بلا شك أمر له دلالته وأهميته بالنسبة لممارسة ضغط معنوي وأخلاقي على تلك الأطراف المتورطة في أعمال الشحن والتنابذ اللفظي الطائفي المغرد خارج السرب الوطني البحريني العريق، والمستهجن شعبياً ونخبوياً بأشد عبارات الاستنكار والاستهجان.
ونحن لا نبالغ إذا قلنا إن كل المتورطين والمتسببين بحذلقاتهم الجاهلة في إثارة هذا الغبار الكريه، يفتقدون حس الاتصال بالمزاج العام للشعب البحريني الذي بدا وكأنه غير معني وغير مهتم بالمشاحنات الطائفية التي اختص بها أولئك المتشنجون وجهدوا أنفسهم طوال الفترة التي تلت المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، فأساؤوا توظيف أدواته وأجواء التعبير الرحبة التي أشاعها، من أجل إنشاء بورصة رائجة لتسويق ‘بضاعتهم’ بعد تهيئة الأجواء المناسبة لها، وذلك في إطار تنافس صريح وعجيب على فرض ونشر وتثبيت رموز الدولة الدينية التي ينشدها طرفا الصراع، في مقابل تضييق الخناق على الدولة المدنية والمجتمع الحضري والمدني الذي شيدته سواعد البحرينيين كافة منذ ما قبل الاستقلال.
حتى بدا جلياً أن تلك القوى التي لا تجـد نفسها وتحقق ذاتها (Self actualisation) إلا من خلال الهبوب فزعة للطائفة التي لم تنتدبها أو تفوضها التحدث نيابة عنها، تريد أن تفبرك معطيات توحي بوجود حالة احتقان وصراع طائفي، وذلك في استعارة متبادلة، وبائسة، لحالات مشابهة في غير ساحة عربية، وفي مسعى حثيث لإلحاق البحرين وتوريطها في المخطط الإقليمي التفتيتي، المندرج في إطار إبقاء الأمة العربية ومجتمعاتها مكبلة ومنشغلة باستمرار بمشكلاتها وخلافاتها الداخلية.
بينما الحقيقة ليست كذلك، نعم هناك احتقان يخبو ويطفو مداً وجزراً، بل يتصاعد أحياناً إلى الذروة متجسداً في تراشقات كلامية ومظاهر استعراض وتحشيدات تحريضية. ولكنه ليس احتقاناً طائفياً شعبياً، وإنما هو احتقان سياسي.. أي بين زعامات دينية ذات خلفيات سياسية فاقعة.
ولذلك فإن غالبية أهل البحرين، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية، تبدو غير مكترثة بهذه الزوبعات المتقافزة، الإيديولوجية في العمق والمذهبية في الظاهر، لأن هذه الغالبية لا تجد ببساطة لها أية مصلحة أو إغراء للالتحاق بذلك الخطاب المنفر والمؤذي لمشاعرها ومزاجها البحريني الفطري الوطني الذي لم تلوثه يوماً تلك المساجلات القروسطية.
وقد عُرف البحرينيون على مر التاريخ الحديث بحسهم الوطني العالي، وبوقوفهم في طليعة المد العروبي وارتباطهم بعمقهم القومي العربي، لا تعرف النزعات الجهوية والفئوية والطائفية إلى نفوسهم سبيلاً، فإنهم متحصنون في ذلك بإرثهم الحضاري النيِّر وشمائل شخصيتهم المتسامحة والمنفتحة على الآخر بكل ما يمثله من خلفيات ثقافية ومناقبية، ما جعلها دوماً عصية على الاختراق من جانب قوى التجهيل والغوغاء.
وإلى ذلك، فإننا لو ألقينا نظرة متفحصة على مصادر تلك الإثارات ذات النفحات الطائفية والجهوية، فسنجد أن مصدرها هو تلك الجمعيات (الأحزاب) والكيانات الدينية التي أطلت برأسها بعد المشروع الوطني للإصلاح، إذ دأبت على ترديد خطابات والإتيان بممارسات تختزل الوطن في الفرعيات الجهوية المستحضرة من زمن الجاهلية الأولى ومن قيعان تاريخ قديم غير ذي صلة بالحاضر المعاش والمستقبل الذي سيظل مجهولاً بالنسبة لمجتمعات لا تريد مغادرة أمكنتها التي غادرها الزمن نفسه منذ أمد بعيد.
وما من شك في أن مجريات الأحداث على الساحة العربية وتداعيات المنهج التجريبي البراغماتي متمثلاً في تطبيقات استراتيجية ‘الفوضى الخلاقة’ لصاحبتها الحصرية الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما تطبيقاتها المريعة والمدمرة في العراق ولبنان، لها انعكاساتها السلبية على الأوضاع العامة في معظم الساحات العربية للأسف الشديد. إذ كان هناك على الدوام قوى سياسية بلبوس ديني أو عرقي، قابلة للاستدراج إلى الأفخاخ المنصوبة، بوعي أو من دون وعي.
وهذه على أية حال إحدى المصائب التي نكبنا بها منذ ما قبل الاستقلالات الوطنية لبلداننا وما بعدها. في هذه الإشكالية تحديداً، كانت القوى الوطنية والديمقراطية العربية، ومازالت، تشكل الضمانة والستار الواقي الحائل دون تمكن محاولات التسلل للكتلة المجتمعية العربية المندمجة والمؤتلفة، من تحقيق مراميها الخبيثة، على رغم الحصارات والضغوطات والتحديات التي تواجهها من أطراف العملية التنموية وإداراتها الكلية والجزئية.
ومن الطبيعي، والحال هذه، أن تفرز القوى الديمقراطية والليبرالية البحرينية بكل أطيافها، نفسها كقوى مناهضة، خطاباً وممارسة، للعصبيات بجميع أشكالها الطائفية والمذهبية والعرقية، ولكل محاولات إضفائها على حركة الصراع التاريخية بين القديم والجديد، بغية جرف المجتمع والدولة عن مسارهما التنموي الطبيعي والأصيل.
ولذا يبقى الرهان في الحفاظ على اللحمة الوطنية الشعبية، معلقاً على كل أطياف التيار الليبرالي الواسع وامتداداته التنويرية الحية التي ما بخلت يوماً في تقديم العون والمدد للوطن ليكون على الصورة الحداثية التي هو عليها اليوم
 
الوطن 5 يوليو 2008

اقرأ المزيد