المنشور

حاول لاحقاً…!


من بين أكثر من 30 اتصالاً أجريتها لقسم العلاقات العامة في ديوان الخدمة المدنية على مدى ثلاثة أيام، لم يتم الرد إلا على ثلاثة اتصالات فقط في حين كان الرد الآلي يأتي في كل مرة:

– “لقد تم تحويلك للبريد الصوتي للرقم المطلوب”.. ومن ثم:

 - للأسف فإن البريد الصوتي ممتلئ سيتم تحويلك إلى المأمور… ومن بعد انتظار:

 - ” لم يتم تحديد رقم صحيح للمأمور…. لا يمكن الاستمرار الآن في هذه العملية، حاول لاحقا» ( انتهى الاتصال(  .

كيف يمكن أن يكون البريد الصوتي لأي مسئول أو موظف في الديوان ممتلئاً لأكثر من ثلاثة أيام من دون أن يتم تفريغه، ألا يعني ذلك أن الموظف المعني ليس مهتما بالرد على اتصالات المواطنين، وكيف يمكن أن يكون البريد الصوتي لجميع أرقام الديوان ممتلئة.

ثم إن كان الرد الآلي لا يمكنه تحديد الرقم الصحيح للمأمور فلماذا تمت إضافة هذه الجملة، هذا إن كان ديوان الخدمة المدنية يمكنه أن يفسر من هو «المأمور» أصلا.

فيما يخص الرد على مكالمات المواطنين فإن ديوان الخدمة المدنية ليس استثناء، فغالبية الوزارات والمؤسسات الحكومية تتجاهل الرد على الاتصالات، ويمكن ملاحظة ذلك عند زيارة أي منها، إذ يمكن لأي زائر لهذه المؤسسات أن يلاحظ أن الهواتف تظل تصيح وتصيح وتصيح إلى أن تصمت لوحدها في حين أن أحداً من الموظفين لا يعيرها أدنى اهتمام، وإن وجدت أحدا من الموظفين يتحدث في الهاتف فمن المؤكد أنه إنما يتحدث مع صديق له أو أحد أفراد عائلته، وكأنما وضعت الهواتف في هذه المؤسسات لكي يستخدمها الموظفون لأمورهم الخاصة.

غالباً ما يريد المواطنون الاستفسار عن أمور بسيطة قد لا يتطلب الرد عليها أكثر من دقائق معدودة لو تم الرد على مكالماتهم، ولكنهم قد يضطرون إلى ترك أعمالهم والذهاب إلى الوزارات المعنية وقد يقضون أكثر من ساعتين في سبيل ذلك بدلا من عذاب الاتصالات  .
 
الوسط 2 أغسطس 2008
 

اقرأ المزيد

بعض الأسئلة‮ ‬في‮ ‬صفقة التبادل

الآن وقد انزاحت العواطف وعادت بهدوء إلى مستقرها،‮ ‬نستطيع أن نتداول بتجرد‮ (‬بعيداً‮ ‬عن العواطف‮) ‬في‮ ‬شأن عملية تبادل الأسرى التي‮ ‬تمت‮ ‬يوم الأربعاء الموافق للسادس عشر من‮ ‬يوليو‮ (‬تموز‮) ‬الماضي‮ ‬بين حزب الله وإسرائيل‮.‬
لا مجال للشك إطلاقاً‮ ‬في‮ ‬أن هذه الصفقة جاءت في‮ ‬نتيجتها خسارة لإسرائيل ومربحة على نحو واضح لحزب الله‮. ‬فمرة أخرى‮ ‬يسجل حزب الله تفوقاً‮ ‬صريحاً‮ ‬في‮ ‬صراعه مع إسرائيل عكسته حالة الوجوم والحزن التي‮ ‬خيمت على الأخيرة في‮ ‬يوم إتمام الصفقة،‮ ‬مقابل نشوة الانتصار والزهو والاحتفال الكبير الرسمي‮ ‬والشعبي‮ ‬الذي‮ ‬ميز الحالة اللبنانية في‮ ‬ذلك اليوم‮.‬
إذ لم‮ ‬يسبق في‮ ‬تاريخ الصراع العربي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬أن لف الحزن الدولة العبرية على المستويين الرسمي‮ ‬والشعبي‮ ‬مقابل ذيوع وانتشار مشاعر الفرح والحبور في‮ ‬عواصم العرب إثر نجاح مؤزر في‮ ‬النيل من مصادر قوة إسرائيل مادياً‮ ‬ومعنوياً‮.‬
هي‮ ‬صفقة بطعم الهزيمة النكراء لإسرائيل التي‮ ‬شنت حرباً‮ ‬فاشلة ضد لبنان صيف عام‮ ‬2006‮ ‬لاستعادة أسيريها لدى حزب الله فإذا بها تضطر مكرهة لتسلمهما عن طريق التفاوض‮ ‬غير المباشر مع حزب الله الذي‮ ‬أجبرها في‮ ‬نهاية المطاف على إطلاق سراح عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار الذي‮ ‬كانت صدرت بحقه أربعة أحكام بالسجن المؤبد‮ ‬يزيد مجموعها على خمسمائة سنة قضى منها ثلاثين عاماً‮ ‬في‮ ‬السجون الإسرائيلية‮.‬
وهي‮ ‬هزيمة لا تقدح فيها شنشنات العجوز الفاشل شيمون بيريز الذي‮ ‬ذهب بعقله الغيض والكمد لحد الزعم بأن صفقة التبادل تعد انتصاراً‮ ‬أخلاقياً‮ ‬لإسرائيل‮ (!) ‬متناسياً‮ ‬أن الأخلاق لا‮ ‬يجمعها أي‮ ‬جامع مع الإجرام والفاشية،‮ ‬فما بالك إجرام وفاشية إسرائيل التي‮ ‬لا تضاهى‮.‬
إلى ذلك،‮ ‬ورغم أهمية وقيمة ودلالة نتائج صفقة التبادل هذه،‮ ‬فإنها ما كانت لتمر من دون أن تنال حقها من التغطيات والقراءات والتحليلات الإعلامية الواسعة،‮ ‬سواء هناك في‮ ‬البلدان الغربية‮ (‬نظراً‮ ‬لكون أحد طرفيها إسرائيل‮) ‬أو هنا في‮ ‬الشرق العربي‮ ‬خصوصاً‮ ‬والشرق الأوسط عموماً‮.‬
فلابد للمهتمين والمتابعين للشأن العربي‮ ‬العام من أن‮ ‬يكونوا قد تابعوا عبر هذه الوسائط،‮ ‬الحوارات والنقاشات المتنوعة التي‮ ‬رافقت عملية التبادل‮ ‬يوم إتمامها واليوم الذي‮ ‬تلاها،‮ ‬والتي‮ ‬وإن تخللتها بعض الذاتية المُطوَّعة،‮ ‬إلا أن أغلبها طاول الاستراتيجيات المحلية والإقليمية والدولية المتداخلة بكل عناصرها المادية والنفسية‮.‬
فالحقيقة أن صفقة التبادل بما بدت عليه من لا تكافؤ في‮ ‬الحصاد الذي‮ ‬خرج به طرفاها منها‮ (‬خمسة أسرى أحياء لحزب الله بينهم سمير القنطار المحكوم الذي‮ ‬صدرت به خمسة أحكام مؤبد وحكم سادس مدته‮ ‬47‮ ‬سنة إلى جانب‮ ‬199‮ ‬جثاماً‮ ‬ورفات مقاتلين لبنانيين وفلسطينيين وعرب آخرين بينها رفات المناضلة دلال المغربي،‮ ‬مقابل استعادة إسرائيل جثتي‮ ‬جندييها المخطوفين على‮ ‬يد حزب الله صيف عام‮ ‬2006‮) -‬نقول إن صفقة بهذا اللاتكافؤ لاشك في‮ ‬أنها تثير بعض التساؤلات،‮ ‬خصوصاً‮ ‬أن أحد طرفيها إسرائيل المعروفة بلؤمها السياسي‮ ‬و‮’‬جشعها التفاوضي‮’ ‬إن جاز التعبير‮.‬
كثيرة هي‮ ‬التحليلات التي‮ ‬تناولت هذا الحدث والتي‮ ‬حاولت من خلال قراءاتها المختلفة إعطاء تفسيرات وتأويلات لطبيعة وملابسات وحصيلة هذه الصفقة التي‮ ‬أُديرت مفاوضاتها في‮ ‬سرية تامة انحصرت أطرافها المباشرة،‮ ‬بالإضافة إلى طرفيها الأساسيين إسرائيل وحزب الله،‮ ‬في‮ ‬أمين عام الأمم المتحدة بان كي‮ ‬مون والوسيط الدولي‮ ‬الذي‮ ‬انتدبه بان كي‮ ‬مون للتوسط بين الطرفين وإنجاز الصفقة‮.‬
وذهبت معظم التحليلات إلى اعتبار الوضع السياسي‮ ‬الهش لرئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت،‮ ‬كسبب رئيس لتهافت حكومته على إبرام الصفقة وذلك ضمن حزمة نجاحات خارجية‮ ‬يخطط لها لتعزيز موقعه الداخلي،‮ ‬داخل حزبه‮ ‘‬كاديما‮’ ‬ولدى أوساط الرأي‮ ‬العام الإسرائيلي،‮ ‬وهو ما‮ ‬ينطبق حكماً‮ ‬كمثال على المفاوضات التي‮ ‬كُشف عنها النقاب والدائرة،‮ ‬بوساطة تركية،‮ ‬بين فريق تفاوضي‮ ‬إسرائيلي‮ ‬وفريق آخر سوري‮ ‬بشأن هضبة الجولان السورية‮.‬
ولكن حتى هذا التأويل،‮ ‬يعوزه المنطق الداخلي‮ (‬لمعادلته‮) ‬المتماسك‮. ‬فضعف أولمرت لا‮ ‬يوفر له حرية ومرونة الحركة الكافية،‮ ‬خصوصاً‮ ‬حين‮ ‬يتعلق الأمر بانسحاب إسرائيل من الأراضي‮ ‬التي‮ ‬احتلتها في‮ ‬عدوان‮ ‬يونيو‮ (‬حزيران‮) ‬‭,‬1967‮ ‬حتى وإن استخدم الابتزاز مع شركائه في‮ ‬الحكومة من حزب العمل بالتلويح لهم بورقة الانتخابات المبكرة‮ ‬غير المضمونة النتائج لهم إن هم فكروا بالانضمام إلى أطراف الضغط التي‮ ‬تحاول محاصرته لإجباره على الاستقالة‮.‬
هذا‮ ‬يعني‮ ‬أن المسألة تتجاوز أولمرت وقدرته المتاحة للتحرك‮. ‬إنها سياسة دولة وطبقتها السياسية المجمعة،‮ ‬على ما‮ ‬يبدو،‮ ‬على الكليات بمعزل عن صراعاتها على الفرعيات‮.. ‬سياسة تحاول شراء الوقت ليس في‮ ‬لبنان وحسب وإنما مع حركة حماس في‮ ‬الأراضي‮ ‬الفلسطينية المحتلة ومع سوريا‮. ‬وهو أمر لم‮ ‬يكن ليتحقق من دون التوافق والتنسيق بين تل أبيب وواشنطن‮.‬
أما الهدف،‮ ‬وكما توضحه المعطيات‮ ‘‬السطحية‮’ ‬والمتوارية‮ -‬بفعل فاعل مقصود‮- ‬فهو التفرغ‮ ‬لإيران ومقابلة تحديها لإرادة الطرفين،‮ ‬الأمريكي‮ ‬والإسرائيلي،‮ ‬المتجهة لوضع حد لطموحاتها النووية،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك استخدام القوة العسكرية إذا تطلب الأمر ذلك‮.‬
إنما اللافت للنظر تلك اللغة الدبلوماسية‮ ‬غير المعهودة التي‮ ‬تحدث بها أمين عام حزب الله في‮ ‬خطابه‮ ‬يوم أُطلق سراح القنطار ورفاقه من السجون الإسرائيلية‮. ‬فلقد كانت الكلمات تشي‮ ‬بأن شيئاً‮ ‬ما‮ ‬غير معلن قد انطوت عليه الصفقة مضمرٌ،‮ ‬فيما بدا وكأنه إسدال للستار على أحد مصادر الصراع مع إسرائيل وهو ملف الأسرى من خلال ترديد القول بأن لبنان هو أول بلد عربي‮ ‬يغلق ملف الأسرى مع إسرائيل،‮ ‬ومن خلال ما أفصح عنه السيد حسن نصرالله في‮ ‬خطابه آنف الذكر من أنه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة في‮ ‬خطاب مكتوب العمل على إطلاق جزء من الأسرى الفلسطينيين في‮ ‬السجون الإسرائيلية وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن وإنه طالب الدول العربية والإسلامية بالضغط من أجل إطلاق‮ ‬11‮ ‬ألف أسير فلسطيني‮.‬
مع إن المفهوم أنه مادام الصراع العربي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬مستمراً‮ ‬باستمرار أسبابه فسيكون هناك دائماً‮ ‬معتقلون،‮ ‬حتى ولو أسدل الستار نهائياً‮ ‬على ملف هنا أو ملف هناك للمعتقلين‮.‬
ثم إن المنطق‮ ‬يدعو الجميع لأن‮ ‬يشحذوا هممهم لممارسة الضغط نفسه على الحكومات العربية لإطلاق سراح الآلاف من معتقلي‮ ‬الرأي‮ ‬العرب الذين مضى على كثير منهم أكثر من ثلاثين عاماً‮ ‬في‮ ‬سجون الأنظمة العربية،‮ ‬وكثير منهم أصيب بعاهات مستديمة جراء عمليات التعذيب الوحشية التي‮ ‬تعرضوا لها وظروف الاعتقال المزرية التي‮ ‬يوضعون فيها،‮ ‬والتي‮ ‬تتجاوز مدة التوقيف والتحقيق إلى فترة السجن الممتدة وغير المعلومة بالنسبة لغالبية المعتقلين،‮ ‬وكثيرون منهم من حملة الدكتوراه والتخصصات العليا‮.‬
حتى صح القول على بعض أشهر معتقلاتنا العربية بأن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود‮. ‬ولعلي‮ ‬هنا أحيلكم إلى بعض الشهادات الحية التي‮ ‬سجلها في‮ ‬روايات مرعبة بعض مَن كتبت لهم تلك الولادة من جديد‮.‬

صحيفة الوطن
2 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

البشير والقضاء الدولي

أثار إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير ردود فعل قوية متباينة على الصعيدين العربي والدولي. فبينما نددت واستنكرت بشدة الحكومات العربية بالمذكرة واعتبرتها تدخلا في شئون السودان الداخلية وتعديا على سيادتها الوطنية ومن ثم أعلنت تضامنها مع الرئيس البشير في هذه القضية وسارعت أيضاً إلى عقد اجتماع استثنائي طارئ على مستوى وزراء الخارجية في إطار الجامعة العربية، فإن هذا القرار القضائي الدولي أثار انقساماً في الموقف حوله فيما بين قوى المعارضة العربية، وبضمنها المنظمات الحقوقية، أما على الصعيد السوداني فقد نددت بعض قوى المعارضة على نحو عابر وعلى استحياء بالقرار فيما التزم بعضها الآخر بالصمت في حين لقي ترحيباً من بعض القوى الدارفورية والجنوبية. وبالمثل فقد لقي إعلان اوكامبو على الصعيد الدولي ترحيبا قويا لدى المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها منظمتا «امينستي« و«هيومن رايتس ووتش« أما على المستوى الرسمي فقد تفاوتت درجات ردود الفعل الرسمية المرحبة بقرار المحكمة، وأبرز موقف مؤيد للقرار تمثله غربياً فرنسا فيما عارضته بعض الدول الكبرى الأخرى كروسيا والصين. أما الموقف الأمريكي فقد تميز بالترحيب الضمني المخفف وذلك لما هو معروف عن واشنطن من موقف متحفظ لنظام المحكمة الجنائية الدولية حيث لم توقع على اتفاقية نظام المحكمة التي بلغ عدد الدول الموقعة عليها 107 دول، فضلاً عن ان الولايات المتحدة نفسها منذ دخول اتفاقية إنشاء المحكمة حيز التنفيذ سعت إلى عقد سلسلة من الاتفاقيات مع مجموعة كبيرة من الدول (90 دولة) من ضمنها إسرائيل والأردن، لحمل هذه الدول على الالتفاف ونفض اليد من الالتزامات المترتبة عليها في حال سعت المحكمة إلى ملاحقة مواطنين أمريكيين متهمين في قضايا انتهاكات وجرائم انسانية. واللافت في الموقف الرسمي العربي على مستوى الجامعة العربية هو سرعة تحرك الدول العربية للتصدي لهذا القرار الذي أصدره المدعي العام أوكامبو على نحو غير مسبوق في القضايا والأحداث العربية الجسيمة الطارئة ولاسيما تلك المتعلقة منها بالقضايا المصيرية كما في فلسطين والعراق ولبنان. علما بأن الاتهامات التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية إلى الرئيس البشير، كما هو معروف، تتعلق بتورطه في حرب إبادة جماعية في إقليم دارفور المضطرب، وخمس جرائم ضد الانسانية وجريمتي اغتيال. وإذا كانت دول العالم الثالث التي تحكمها أنظمة شمولية، ومن ضمنها معظم دولنا العربية قد اعتادت منذ سنوات بعيدة أن تتعرض لانتقادات شديدة دولية من قبل المنظمات الحقوقية الدولية لسجلها في حقوق الإنسان ومع ذلك فإن هذه الانتقادات تثير انزعاجها وسخطها وتسعى بكل السبل إلى نفيها والتنديد بها فمن باب أولى أن يثير سخطها وقلقها بشدة إعلان صدور مذكرة دولية لإلقاء القبض على رئيس أو قائد دولة من رؤسائها وقادتها بناء على اتهامه شخصياً بارتكاب انتهاكات وجرائم أو إبادة بحق شريحة كبيرة من أبناء شعبه. وهكذا فلئن كان بالامكان بصورة أو بأخرى إخلاء مسئولية أي رئيس أو قائد دولة عن ارتكاب جرائم بحقوق الانسان على أيدي أجهزة دولته الأمنية والعسكرية على اعتبار يمكن القول في أسوأ الأحوال دفاعاً عن سجل الدولة في حقوق الإنسان انها مجرد تجاوزات فردية لا علم للرئيس أو القيادات التنفيذية بها فإنها في الحالة الجديدة المستجدة التي استحدثتها محكمة الجنايات الدولية يواجه فيها الرئيس الاتهامات مهما كانت دقتها أو درجة صحتها وجهاً لوجه أمام القضاء الدولي ويتحمل المسئولية الأولى عن وقوعها. وهنا يمكن فهم سر الانزعاج الشديد الذي بدا عليه الرئيس السوداني على نحو لم يكن عليه البتة في كل الاتهامات الدولية السابقة التي طاولت حكومته بارتكابها انتهاكات لحقوق الانسان، لا بل حتى لدى اتهام المحكمة لاثنين من كبار المسئولين في حكومته الا هما علي كوتشيب (أو القشيب) وأحمد هارون بارتكاب جرائم حرب في دارفور وطلبها من الحكومة السودانية تسليمهما وهو ما رفضه البشير وحكومته بشدة وأدى إلى تعقيد الموقف بعدئذ. فمع ان الرئيس البشير يدرك جيداً استحالة مقدرة محكمة الجنايات الدولية على المضي قدماً في ملاحقته واعتقاله وذلك لما لهذا القرار من أبعاد وتعقيدات سودانية ودولية خطيرة غير مسبوقة ولما يمثله القرار من تعدٍ فعلي على سيادة السودان، أيا تكن السلطة الحاكمة فيه، فإن مغزى القرار انما يتمثل في قوته المعنوية التي تلحق أشد الضرر بهيبة وسمعة رئيس أي دولة يتعرض لمثل هذا الاتهام المباشر الصريح كمجرم حرب أو سفاح مستبد تطارده «العدالة الدولية«. والتنديد بالقرار ورفضه بشدة أو طرح حلول بديلة للملاحقة القضائية لا يحول البتة في واقع الحال من الآثار المعنوية والنفسية التي لحقت بأي رئيس دولة تطاوله اتهامات محكمة الجنايات الدولية بعد أن وقعت الفأس في الرأس، وهنا بالضبط مكمن انزعاج البشير الشديد وسائر الأقطاب العرب.
 
صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

السياحة من منظور ديني

لم يعرف المسلمون السياحةَ بمفهومها المعاصر، رغم أنهم أكثر الشعوب القديمة سياحةً في الأرض، وقد خرجوا من بواديهم ووصلوا إلى الجزر الاندونيسية كتجار وتزوجوا واختلطوا ووضعوا بصماتهم عليها. وكانت المدنُ الإسلامية المزدهرة قد عرفت جميع أشكال السياحة الداخلية ودور اللهو، ورغم أن الفقهاءَ وقتذاك لم يكونوا مؤيدين لها فإنهم لم يدخلوا في معركة ضدها، وقد عرف الأئمة الكبار وقتذاك كجعفر الصادق وأبي حنفية ومالك والشافعي هذه الحداثة لكنهم لم يجعلوها ميدانَ صراعِهم بل حددوا بدقة الميدان في كيان الدولة ووظائفها، لكن مع تدهور الحياة الاقتصادية بسببِ الاسرافِ الحكومي على البذخ وإهدار الثروة العامة، ظهر فقهُ الحرب ضد الحداثة، من دون أن يوجه هذا الفقهُ أصابعَ الاتهام للمسئولين عن تدهور الأخلاق العامة ونظم الإنتاج. فتوجه للشكلانية الفقهية بأن يرفضَ العصرَ وحداثته، وعمم الشر والفسوق من الأفكار إلى العادات، ولم تكن له دقة فقهية تشخيصية، فدفعه اليأسُ وقلةُ التبصر إلى الانسحاب من الحداثة، ثم إلى خلق عالمٍ موهوم ضيق لجماعة المسلمين لا تغادره قيد أنملة كما كانوا يقولون. وكان قصدهم نبيلاً لحماية المسلمين من التغلغل الأجنبي الغازي، لكن كان فهمهم محدوداً، وأدت أفكارهم على العكس إلى سيطرة الأجانب على المسلمين. وهذا المخزون الثقافي لايزال العقلُ الديني المحافظ يستخرجُ منه أحكاماً وشعارات، وهو يرفض قراءة الظواهر(المشبوهة) فما بالك بالتعامل النقدي التغييري لها؟ وهو أمرٌ لا يصدها ولا يغير منها، بل يفاقم من انتشارها ومن أمراضها. وهكذا لا يمكن إيقاف الموسيقى الغربية الزاعقة الشبابية، لأن العقلَ المحافظَ يرفضُ الموسيقى عامة، عوضاً أن يوجه الشباب لموسيقى جميلة تغرسُ أرجلَهم الضعيفة الهشة أرضنا وقضايانا، لكونه لم يستطع حتى أن يفهم الفنون في ضوء الإسلام، حاشراً إياها في رسوم وموسيقى (عبادة الأصنام) التي انقرضتْ منذ قرون. ولهذا فإن مسائل السياحة شديدة التعقيد، ولهذا فإن جلب الأجانب إلى عالم المسلمين يغدو كارثة، وتكون السياسة الوحيدة هي المنع وهي مستحيلة حتى في الماضي فما بالك الآن؟ وتكون الحجة لديهم: «انظروا البلدَ المغلقَ وكيف تستتبُ فيه الأخلاقُ«، في حين ان البلد المغلق ينتظر انفجاراً رهيباً. إن البلدانَ المغلقة هي أسطورة بحتة. فلا يحدثُ حقيقة أي درس للظاهرة الشائكة، ولماذا يجرى هذا الجلب، وأي رؤوس أموال في البلد المصدر هي التي تصنع ذلك وما هي الرؤوس المالية التي تستقبل، وبأي شروط اقتصادية واجتماعية مجحفة يحدث هذا التبادل؟ وكيف أن هؤلاء الأجانب يعيشون في شقق ضيقة بأعداد كبيرة، وتترتب على وجودهم مخاطر صحية لهم وللبلد، فلابد من توفير المساكن الصحية ومعرفة الأمراض وفحص الأجانب، وتحديد هذا الاستغلال الفاحش وتغييره. ولكن دفن الرؤوس في الرمال أسهل طريقة لعدم المعالجة، وهو أمرٌ يترك لفئات أخرى استغلال الموقف، عبر الاقتحام والكمائن والتغريم وشفط أموال أخرى من هؤلاء البؤساء المعرضين لشتى الشباك. وتحدث المداهماتُ والمصادراتُ من دون إذن من النيابة ومن دون عرض القضايا بوضوح على الرأي العام. وبدلاً من مناقشة هذه المسائل بوضوح وتقنينها تـُترك للإدارات الحكومية كلٌ في اختصاصه أن يتصرف على ما يهوى ويستفيد، في حين يعجز رجالُ الدين عن التدخل العقلاني والوطني والأخلاقي في مثل هذه القضايا الكبيرة، بدعوى البعد عن تحليل ما حرمهُ الله، ولكن إذا كان هذا صحيحاً فلا يمنع ذلك من تخفيف الآثار الوبيلة لما هو مُحرم، وكذلك التدرج في محاربته وبث الوعي وتقديم البدائل الإسلامية منعاً لاستفحاله، فانتشار الأمراض الخطيرة أهم من تحريم الفقه الشكلاني. فهو شكلاني لأنه لا يعالج الظاهرة بل يدفن رأسَهُ في الرمال الاجتماعية المعقدة، أو يرفعُ لافتة براقة من دون معالجة المصائب على الأرض الملموسة. إنه فقهُ المنع والمصادرة القائم على ماضي جماعة المسلمين المعزولة المسيطرة على عالمها، وهو فقهٌ سهلٌ، لكن هذا لا ينفع في هذا العصر، حيث ان البناية الواحدة الآن تجمعُ بشراً من مختلف الديانات فهذا يحرمُ لحمَ البقرة وجارهُ يأكلها. ومن جهةٍ أخرى فلا نوافق على حجج جماعة الحرية المطلقة وجلب كل شيء من دون رقابة وإخفاء المعلومات والظاهرات بسبب الخجل أو التهرب من الحقوق الاقتصادية، ويغدو بعض أصحاب هذه الحجج هم المستفيدون من جلب العمالة السياحية، وهم يؤيدون الحرية هنا فقط ويمنعونها في مناطق أخرى.
 
صحيفة الايام
2 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

٢ ‬أغسطس ‮٠٩٩١‬ التـــاريخ ماكــر‮! ‬ ‮ ‬

لذلك فإنه سيذكر هذا اليوم طويلا،‮ ‬سيذكره بمقدماته وبنتائجه المدمرة وبالملابسات الكثيرة التي‮ ‬أحاطت به ودفعت إلى واحدة من الكوارث الكبرى في‮ ‬التاريخ العربي‮ ‬المعاصر التي‮ ‬لا تزال امتداداتها وذيولها مستمرة على صورة تمزقٍ‮ ‬عربي‮ ‬لم نشهد له مثيلاً،‮ ‬وعلى صورة مرارات نفسية استقرت في‮ ‬الأعماق،‮ ‬وعلى صورة وعي‮ ‬مهتز اختلطت فيه المفاهيم والقناعات،‮ ‬وانزاحت الخطوط عن مواقعها وتداخلت القيم‮.‬ ‮ ‬وبدا أن ما بذلته أجيال سابقة من تضحيات في‮ ‬سبيل ترسيخه قد انهار في‮ ‬غمضة عين‮.  ‬ولم‮ ‬يسبق وأن كان العالم العربي‮ ‬مكشوفاً‮ ‬على الخارج أو مطوقاً‮ ‬بالقيود المرئية وغير المرئية ومحاصراً‮ ‬في‮ ‬حركته وفي‮ ‬خياراته من قبل الآخرين كما هو الآن،‮ ‬ولم‮ ‬يسبق أن تضاءل هامش المناورة أمام العرب حتى كاد‮ ‬ينعدم كما هو حادث اليوم‮.‬ في‮ ‬جو صيفي‮ ‬حار ومحموم وسط تعبئة نفسية محمومة وتنطح لأدوار الزعامة التي‮ ‬هي‮ ‬فوق طاقة مدعيها،‮ ‬كانت القوات العراقية تتقدم إلى الكويت،‮ ‬فيما كانت تباشير النظام الدولي‮ ‬الجديد قد لاحت في‮ ‬الأفق بعد أن اتضح أن أفول القطب الدولي‮ ‬الآخر بات قاب قوسين أو أدنى‮. ‬

كانت المغامرة تذهب إلى أقصاها وسط قراءة ساذجة لمتغيرات الوضع الدولي‮ ‬محفوفة بجنون العظمة وغطرسة القوة ووسط صمت مر،‮ ‬ونكاد نقول تواطوء خارجي‮ ‬مستتر لدفع الجميع إلى المصيدة الكبرى‮.. ‬ولا داعي‮ ‬لإعادة سرد فصول المشهد التي‮ ‬أصبحت مُملة لكثرة ما سردت‮.‬ لقد وقعت الواقعة،‮ ‬ودفع الجميع ثمنها ولا‮ ‬يزالون‮ ‬يدفعون‮.  ‬

حري‮ ‬بنا اليوم أن نتذكر ضحايا الكارثة،‮ ‬نتذكر عذابات الشعب الكويتي‮ ‬فترة الاحتلال ونتذكر أسراه،‮ ‬ونتذكر الأسير الأكبر‮: ‬الشعب العراقي‮ ‬الشقيق الذي‮ ‬يدفع الأثمان مضاعفة على جرم اقترفه من جاءت بهم سوء الأقدار ليحكموه،‮ ‬ويسام سوء العذاب لأن اللعبة الدولية الكبرى التي‮ ‬دفعت لحرب الكويت ونتائجها أفرزت الوضع الحالي‮ ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬الذي‮ ‬استباحته الديكتاتورية لعقود،‮ ‬ثم جاء أوان الاحتلال وهيمنة زعماء الطوائف والمذاهب وميليشيات التكفير وعصابات الإرهاب المصدر من خارج الحدود‮.‬

 لقد وقعت الواقعة‮! ‬ودفعت أثمانها مضاعفة وطال أمد النفق الذي‮ ‬أدخلت العراق والمنطقة فيه،‮  ‬بحيث بات الخروج منه ضرورة ليس فقط لاستعادة العراق ومكانته ودوره ومهابته الإقليمية والعربية،‮ ‬وإنما أيضا استخلاص الدروس الضرورية من هذه الكارثة،‮ ‬وهو أمر لا‮ ‬يبدو أن بعض الأنظمة العربية في‮ ‬وارد الانتباه إليه،‮ ‬حيث أنها تكرر الحماقات ذاتها،على نحو ما نشهده الآن في‮ ‬ملف دارفور بالسودان‮  ‬غير آبهة بمكر التاريخ‮  ‬الذي‮ ‬إذ‮ ‬يأتي،‮ ‬فانه‮ ‬يأتي‮  ‬في‮ ‬صورتين،‮ ‬واحدة على شكل سخرية والثانية على شكل مأساة‮.‬
 
صحيفة الايام
2 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

حول حقوق المرأة البحرينية

اذا ما تحدثنا عن مصادرة حقوق المرأة البحرينية من المهم جداً‮ ‬ان نستشهد بموقف بعض الكتل البرلمانية الاسلامية المتشددة التي‮ ‬لاتزال ترفض رفضاً‮ ‬قاطعاً‮ ‬حق المرأة في‮ ‬الترشح للبرلمان في‮ ‬حين ان هذه الكتل لا تعارض شرعية تصويت المرأة في‮ ‬الانتخابات وهذا الموقف في‮ ‬الحقيقة‮ ‬يتضمن تهديداً‮ ‬لحقها السياسي‮ ‬الذي‮ ‬حصلت عليه بعد نضال مرير لم‮ ‬ينتهِ‮ ‬إلا بالانفراج السياسي‮ ‬او بالاحرى إلا باقرار الدستور الذي‮ ‬كفل حقوقها السياسية‮.‬
مادام الدستور والقانون كفل للمرأة هذا الحق من دون تجزئة‮.. ‬ومادامت هذه الكتلة او‮ ‬غيرها من الكتل البرلمانية الاخرى اقسمت على العمل بهذا الدستور دون الاخلال بأية مادة من مواده اذن‮ .. ‬لماذا كل هذا التناقض في‮ ‬الموقف من حقوق المرأة السياسية؟؟ نعم‮ .. ‬لماذا هذا التناقض بدعوى ان هذا الرفض الذي‮ ‬تتستر وراءه هذه الكتلة‮ ‬يرجع اساساً‮ ‬إلى اجتهادات شرعية تستبعد اهلية المرأة بحكم الفتاوى الشرعية التي‮ ‬تعتبر الترشح للبرلمان ولاية كبرى لا‮ ‬يجوز للمرأة توليها‮.‬
ولن نكون مخطئين اذا ما قلنا ان المصالح السياسية هي‮ ‬سبب كل هذا التناقض الواقع بين قبولها بالدستور الذي‮ ‬لا‮ ‬يفرق بين حقوق المرأة والرجل وبين موقفها الحقيقي‮ ‬الرافض لحق المرأة في‮ ‬الترشح‮.‬
ولا‮ ‬يملك كل حريص على حقوق المرأة إلا ان‮ ‬يتخوف من الرغبات البرلمانية المتشددة،‮ ‬تلك الرغبات والتشريعات التي‮ ‬ربما تسلبها هذا الحق أي‮ ‬حق الترشيح الى تلك السنوات‮ »‬العجاف‮« ‬التي‮ ‬كانت المرأة حينذاك تئن تحت وطأة فتاوى التحريم التي‮ ‬منعت المرأة هناك من التصويت ناهيك عن الترشح‮!!‬
ولذلك ألا‮ ‬يحق لنا ان نتساءل‮: ‬لماذا كل هذا الحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان في‮ ‬حين لا تتردد هذه الكتل عن مصادرة ركن من اركان حقوق المرأة السياسية؟ عن اية تنمية نريد لهذه البلاد ان تتحقق من دون مشاركة المرأة في‮ ‬القرار السياسي؟‮! ‬أليست هذه اللعبة المزدوجة المكشوفة تضيف إلى اضطهادها من قبل السلطة الذكورية عنفاً‮ ‬سياسياً‮ ‬منافياً‮ ‬لكل القيم والحقوق السياسية والاجتماعية؟ فإذا كان هذا العنف السياسي‮ ‬نموذجاً‮ ‬واضحاً‮ ‬لعدم مساواتها بالرجل سياسياً‮ ‬فإن معناتها ومعاناة الاسر البحرينية من‮ ‬غياب قانون احكام الاسرة او الاحوال الشخصية جعل هذه المعاناة تتضاعف اكثر فاكثر ولا شك ان تلكؤ السلطة التشريعية بعدم مساندة قانون تنظيم الاسرة وخاصة بعد ان أحالت الحكومة هذا القانون إلى النواب له تفسير واحد وهو بالرغم من التزام الحكومة بالاتفاقية الدولية‮ »‬سيداو‮« ‬للقضاء على كافة اشكال التمييز الواقع على المرأة فإن الكتل البرلمانية والدينية التي‮ ‬جيشت آلاف النساء ضد اصدار قانون الاحوال الشخصية‮ ‬يعد هو الآخر وفي‮ ‬جميع الاحوال عنفاً‮ ‬اجتماعياً‮!! ‬وعليه فلم‮ ‬يتبقَ‮ ‬امام المنظمات النسائية المستنيرة والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬التي‮ ‬تؤمن بإزالة هذا العنف لضمان حقوقها كاملة إلا العمل على انهاء هذا العنف ولا‮ ‬يتحقق هذا إلا بتشكل معارضة تسعى بالارادة والعمل السلمي‮ ‬للقضاء على العنف السياسي‮ ‬الذي‮ ‬يمنعها من الترشح وكذلك من العنف الاجتماعي‮ ‬المعارض لاحكام قانون الاسرة‮.‬

صحيفة الايام
2 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

المعارضة التقدمية وتداعيات الضرورة المجتمعية

إن دعوة الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي الدكتور حسن مدن إلى التنسيق والتفاهم الثنائي ما بين (المنبر التقدمي و«وعد«).. هي دعوة صادقة نابعة من الأعماق، تمثل «حجر الزاوية في وحدة وفعالية هذا التيار« بحسب ما جاء على لسان الدكتور حسن مدن. ولعل هذه الدعوة في حد ذاتها جاءت تعبيراً وترجمة للاتصالات، وامتداداً وتواصلاً للقاءات التي جرت ونظمت ما بين قيادات الجمعيتين (المنبر التقدمي والعمل الوطني) ما قبل ستة أعوام خلت.. وذلك من أجل تلاشي العقبات والعثرات، وإزالة الصعاب والعوائق، التي كانت تمثل حجر عثرة أعاقت التقارب، وأبعدت اللقاءات ما بين الجمعيتين.. ولكن «هذا التنسيق سيوجد استنهاضاً واسعاً للقوى الكامنة لهذا التيار« حسبما صرح به الدكتور حسن مدن في الصحافة المحلية.
ونستطيع القول بهذا الصدد: ان بروز الخلافات السياسية والاختلافات الفكرية ما بين الجمعيات السياسية عامة، وما بين الفصيل ذاته بشكل خاص، والمشروطة هذه الخلافات والاختلافات بوحدة وصراع الأضداد، ومبدأ نفي النفي، ومفهوم التراكمات الكمية وتحولها إلى تراكمات كيفية.. هي ظاهرة صحية وحضارية، لكونها تسد النواقص وتعالج موطن الخلل ومواطن الثغرات، بقدر ما تنهض بالجوانب السلبية نحو الجوانب الايجابية، وتضيف شيئاً من الجدل المعرفي الديالكتيكي من أجل نضج الفكرة بماهيتها ومفاهيمها، واكتمال الموضوع بجوهره ومحتواه. إنه من الأهمية بمكان القول: إن اللقاءات والتنسيقات ما بين جمعيتي (المنبر التقدمي والعمل الوطني «وعد«) من أجل تشكيل تكتل سياسي، أو بالأحرى معارضة سياسية متماسكة متطورة في الفكر وناضجة في النهج والمنهج.. معارضة سياسية تنهض بـ (الدولة والمجتمع والوطن ومؤسسات المجتمع المدني) هي معارضة ليست «وليدة« اليوم أو الوضع الطارئ.. وانما هي معارضة قد أكدت وجودها وحضورها بالأمس، بقدر صمود بقائها وصيرورتها في الوقت الراهن والمستقبل على حد سواء، من معين نضالاتها وتضحياتها، ومثلما استنهضت هممها وعزائمها من إرادة شعبها وجماهيرها على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، فإن هذه المعارضة تجسدت حقائقها ومفاهيمها في تشكيل أول حزب سياسي تمثل في جبهة التحرير الوطني البحرانية، التي خاضت أروع نضالاتها الوطنية ضد الاستعمار البريطاني بجانب نضالات (هيئة الاتحاد الوطني) في عقد الخمسينيات حسبما تجلت جبهة التحرير بتقديم الغالي والنفيس بأقدس تضحياتها المبدئية، قابضة على الجمر وعبر اللحظات التاريخية العصيبة مرحلة الاستعمار ومرحلة قانون الطوارئ ومرحلة قانون أمن الدولة، بجانب العديد من التنظيمات السياسية وفي مقدمتها جبهة تحرير الخليج والجبهة الشعبية في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات إذ إن جميع هذه التنظيمات خاضت أتون المعارك الوطنية والقومية والأممية.. وناضلت من أجل الحرية والديمقراطية، والقضايا العمالية والنقابية وعلى رأس هذه التنظيمات (جبهة التحرير الوطني البحرانية) التي تميزت بـ (البرنامج السياسي المتكامل فكريا واجتماعيا واقتصاديا) أضف إلى ذلك تبني الجبهة مشروع التحالفات للقوى الوطنية عام 1962م. ولعل ما يبعث على القول فخراً: إن «المنبر الديمقراطي التقدمي« في عهد الإصلاحات العامة في الألفية الثالثة، قد حرص على أمانته التاريخية والمبدئية بتبنيه وإيمانه بالعمل الوطني والنضالي والمبدئي كمصب سياسي ينساب من المنبع المبدئي، وكذراع للجبهة بمواصلة العمل الوطني من أجل النهوض بالمجتمع البحريني ونضجه سياسيا واجتماعيا وفكريا، بقدر السعي إلى ترسيخ التجربة الديمقراطية في أرضية الواقع الملموس، ورفع سقفها وتوسيع رقعتها بين أروقة مؤسسات المجتمع المدني والتعددي، وترسيخ ديمقراطية فعلية وحقيقية مرهونة بمعارضة مؤهلة ومخضرمة امتلكت الخلفية التاريخية لدعائم نضالات الدرب الصعب والطريق الطويل وتتمثل هذه المعارضة في وحدة التيار الديمقراطي التقدمي.. ووحدة المعارضة السياسية جمعيتي (المنبر الديمقراطي التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي) في ظل قيادات هي على درجة الجدارة والاستحقاق لتداعيات أقدس التضحيات المنشودة، واعتماد كوادر مستعدة للتضحية وبذل أقصى العطاءات وذروة الإبداعات إيماناً من قناعاتها ومهماتها ومسئولياتها وبما تحتمه القضايا المجتمعية والوطنية. وانطلاقا من وعيها السياسي والاجتماعي والواقعية السياسية والتجربة النضالية. إن هذه المعارضة السياسية، هي المعارضة العقلانية المؤهلة، لاستيعاب مختلف المراحل التاريخية، بقدر استيعابها مبدأ الحوار ولغة العقل ومنطق الجدل الديالكتيكي، من أجل عملية اللقاء والتنسيق وطرح البدائل الايجابية، والسعي إلى تحقيق مفاهيمها وحقائقها المنشودة، بقدر تحقيق أجندة البرنامج السياسي المستنير لهذه المعارضة السياسية، التي تحمل ضمن برنامجها السياسي (الحد الأدنى والحد الأقصى) من الأهداف الشعبية والمجتمعية والوطنية. ومن هنا فإن هذه المعارضة الديمقراطية التقدمية، تمثل الضرورة المجتمعية والحتمية التاريخية، لتميزها بالآفاق الفكرية المستنيرة، والأبعاد السياسية الواقعية والمدروسة، بحسب ما تبوأت هذه المعارضة التاريخ الوطني والنضالي والمبدئي المشرف الذي تجاوز نصف قرن من الزمان.
 
صحيفة اخبار الخليج
1 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

أرباب الطائفية‮.. !‬

في‮ ‬المناخات السائدة الآن في‮ ‬الساحة المحلية المنطلقة من وحي‮ ‬توجيهات ودعوة عاهل البلاد حفظه الله فيما‮ ‬يخص موضوع الوحدة الوطنية والثوابت الوطنية،‮ ‬وأمن واستقرار البلاد،‮ ‬ونبذ آفة الطائفية والابتعاد عن كل ما‮ ‬يبث روح الفرقة والانقسام وإثارة المشكلات ودعوة علماء الدين إلى الحوار في‮ ‬سبيل الوصول إلى خطاب‮ ‬يدعم ثوابت وأولويات الوحدة الوطنية،‮ ‬ويبتعد بنا عن منزلقات الفتن والشحن الطائفي‮ ‬والأعراف الطائفية،‮ ‬والنصوص الطائفية،‮ ‬ويوقف تسويق الحجج والأعذار التي‮ ‬تعمق الطائفية في‮ ‬النفوس‮.‬
في‮ ‬هذه المناخات،‮ ‬فإن أخشى ما نخشاه أن نعطي‮ ‬الفرصة لهؤلاء الذين عرفناهم بأنهم‮ ‬ينتجون الفرقة ويبثون كل ما‮ ‬يكرس الانقسام ويخلق التجاذبات والخصومات والمعارك الوهمية والشحن الطائفي‮ ‬بأن‮ ‬يستغلوا ويستثمروا هذه الأجواء،‮ ‬ويسارعوا من دون خجل أو حياء إلى تغيير جلدهم ليحملوا رايات وطنية نبيلة ويصبحوا من دعاة الوحدة الوطنية،‮ ‬ورفض كل ما‮ ‬يؤجج نار الأحقاد باسم الطائفية والمذهبية وكأنهم استفاقوا من نوم عميق في‮ ‬صورة مفاجئة بالغة الفجاجة قد تستعصي‮ ‬على الفهم ولكنها تحمل كل ما‮ ‬يمكن حشده من علامات الاستفهام والتعجب‮.‬
هؤلاء المشهود لهم وبامتياز بأنهم وقفوا وراء الكثير من الاحتقانات الطائفية وشجعوا قدرتها الفائقة على التناسل،‮ ‬وعمقوا الجرح الطائفي،‮ ‬وطأفنوا كل قضية وطنية،‮ ‬وحولوا كل عمل وطني،‮ ‬وكل شأن عام إلى قضية طائفية عن علم أو‮ ‬غير علم،‮ ‬عن قصد أو‮ ‬غير قصد،‮ ‬والذين كلما ضاعت منهم حجة جاءوا بغيرها،‮ ‬وكلما طاش لهم سهم سارعوا‮ ‬يبحثون عن سهم آخر،‮ ‬ويصوبون ولا‮ ‬يهم أين‮ ‬يستقر هذا السهم في‮ ‬جسد مواطن أو في‮ ‬قلب الوطن،‮ ‬وأصبحوا بلا منازع من أرباب الطائفية،‮ ‬هؤلاء لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقنعوننا اليوم في‮ ‬تصريحاتهم وكتاباتهم وأحاديثهم وخطبهم بأنهم اليوم أصبحوا فجأة ضد العقلية الطائفية ومن حماة المجتمع،‮ ‬ولن نصدق قدحهم وذمهم للطائفية،‮ ‬ويتعذر علينا أن نعير انتباهاً‮ ‬لدعوتهم المجتمع البحريني‮ ‬بتفادي‮ ‬شباك الطائفية وتخطي‮ ‬الحالة الطائفية واعتبارها جريمة بحق الوطن وبحق المواطن وبحق المستقبل،‮ ‬حيث لم‮ ‬يسقط من ذاكرتنا عراكهم ونزالهم الطائفي‮ ‬وتسخير أدواتهم في‮ ‬سبيل كل ما‮ ‬يكرس التناقضات والتوترات المذهبية،‮ ‬ويشرّع الأبواب لجعل الناس المنفتحين والمتسامحين والمتآخين إلى جماعات تتبادل الشكوك والاتهامات وتفتعل المعارك الوهمية‮.‬
هؤلاء الذين أعطى بعضهم لنفسه الحق في‮ ‬التحدث باسم المواطنين،‮ ‬وظهروا لنا وكأنهم مفوضون بالحديث باسمنا رغماً‮ ‬عنا،‮ ‬صالوا وجالوا في‮ ‬أكثر من مشهد عبثي‮ ‬لم‮ ‬يتورعوا فيه عن بث كل ما‮ ‬يسيء ويضرب الوحدة الوطنية في‮ ‬الصميم،‮ ‬وباتت الكلمات التي‮ ‬ينطقون بها عن الوحدة الوطنية،‮ ‬والوفاق الوطني،‮ ‬والحرية والديمقراطية والمصلحة العامة،‮ ‬والتسامح وتماسك المجتمع،‮ ‬والنسيج الوطني‮ ‬فاقدة لمضامينها ومعانيها لكثرة تداولهم لها ولكثرة ما أساءوا استغلالها في‮ ‬غير مواضعها الصحيحة،‮ ‬ولم تعد تجد صداها في‮ ‬نفوسنا أو تجد تأثيراً‮ ‬في‮ ‬أحاسيسنا،‮ ‬وصرنا نتجاهل سماعها أو ننفر من وقعها اذا تطرقت إلى أسماعنا لأن من‮ ‬يتبنونها‮ ‬يفتقدون المصداقية وغير جديرين بالثقة وغير مؤهلين بأن‮ ‬يحملوا تلك الرايات التي‮ ‬في‮ ‬رأينا تأخذ الطابع المناسباتي‮ ‬الذي‮ ‬يتبارى فيه الكل إلى نقد ورفض الطائفية،‮ ‬يكتبون ويحاضرون ويناقشون مخاطرها وتداعياتها على الأمن والاستقرار والوضع الاجتماعي،‮ ‬وكأن لا دور لهم في‮ ‬احتضان ورعاية الطائفية،‮ ‬وفي‮ ‬امتدادها إلى كل شأن من شؤوننا السياسية والثقافية والاجتماعية والنقابية والإدارية وحتى الاقتصادية‮.‬
هل‮ ‬يمكن أن نكون سذجاً‮ ‬إلى حد لا‮ ‬يصدق ونقبل هذا التحول المفاجىء لهذه الفئة من الناس التي‮ ‬من الواضح أنها تتلون مع كل ظرف،‮ ‬وتحاول مع كل وضع أن توجد لها دوراً‮ ‬وحضوراً،‮ ‬وهمها أن تضفي‮ ‬المشروعية على تحركاتها وأقوالها ومواقفها رغم أنف الجميع،‮ ‬وكل واحد من هؤلاء‮ ‬يظن أنه نجح في‮ ‬خداعنا لكي‮ ‬نصدق أنهم حقاً‮ ‬فرسان الوحدة الوطنية،‮ ‬ورموز المنطق والعقلانية في‮ ‬شؤون الوطن والعباد‮.‬
سيكون من الخطأ الفادح أن نسمح لأكثر الناس إثارة للنعرات الطائفية،‮ ‬وأكثر الناس لعباً‮ ‬على أوتار الانقسامات والحساسيات المذهبية والطائفية والمناطقية،‮ ‬وأكثر الناس اختراعاً‮ ‬للأعذار والتبريرات التي‮ ‬تسمم الأجواء وتنفث السموم والأحقاد والعصبية،‮ ‬أن نسمح لهم بخداعنا وأن نقبل ما‮ ‬يطرحونه بالحفاوة والارتياح والقبول،‮ ‬وسيكون الخطأ الأفدح اذا قبلنا أن‮ ‬يمر علينا هذا العبث وكأن شيئاً‮ ‬لم‮ ‬يكن،‮ ‬وسمحنا لهؤلاء بأن‮ ‬يظهروا لنا حاملين رايات الوحدة الوطنية والنابذة للطائفية وكل أشكال الفرقة والانقسام،‮ ‬فيما هم في‮ ‬حقيقة الأمر من رواد صناعة الطائفية ولازال كل واحد منهم مشروع فتنة تؤسس لخلاف واختلاف على طريق الصراط الطائفي‮ ‬المستقيم‮.‬
لاشك أن هناك شخصيات من علماء دين وسياسة ونواب وأعضاء في‮ ‬مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬تحظى بكل الاحترام والثقة والمناقبية ونظافة الكفة والكفاءة على المستوى الوطني‮ ‬العام،‮ ‬مؤهلة أن تأخذ على عاتقها مسؤولية التصدي‮ ‬لكل من‮ ‬يريد أن‮ ‬يركض بنا ركضاً‮ ‬شديداً،‮ ‬ولكنه ركض لا‮ ‬يتقدم بنا خطوة إلى الأمام،‮ ‬وسيكون مأزق كبير،‮ ‬لا بل وخطير اذا لم‮ ‬يدرك أرباب الطائفية أن الطائفية فخ‮ ‬يجب تجنبها لا فرصة‮ ‬يمكن استغلالها،‮ ‬كما سيكون المأزق أكبر اذا سمحنا أو تساهلنا بأن‮ ‬يكون أرباب الطائفية هم الذين‮ ‬يقودون أو‮ ‬يشاركون معنا في‮ ‬محاربة الطائفية،‮ ‬لأن حصاد هذا الجهد الوطني‮ ‬سيكون عندئذ قشاً‮ ‬فارغاً‮ ‬بلا محصول،‮ ‬ونجد أنفسنا ساعتئذ أمام قش بمواجهة العواصف تائهين وسط شعارات كبيرة وصغيرة نرفعها لنخفي‮ ‬عجزنا ولا نعرف على أي‮ ‬أرض نقف ومن أجل أي‮ ‬هدف نستهدف،‮ ‬وأي‮ ‬سبيل‮ ‬يجب أن نسلك‮.‬

صحيفة الايام
1 اغسطس 2008

اقرأ المزيد