المنشور

حول التيار الديمقراطي‮- ١‬


كـثر الحديث في الآونة الأخيرة عن وحدة التيار الديمقراطي في البحرين، وجاء ذلك، بصورة خاصة، على خلفية الاتفاق الأولي بين قيادتي المنبر التقدمي وجمعية وعد على عقد لقاء قريب بينهما، هو الأول منذ فترة طويلة. والحق أن الدعوة لوحدة التيار الديمقراطي، أو على الأقل التنسيق بين أطرافه، دعوة لم تنشأ اليوم، وإنما هي تمتد إلى عقود إلى الوراء، إذا ما عدنا إلى المراحل السابقة، وشهدت بعض الفترات أشكالأ من التنسيق بين مكونات هذا التيار، اتخذت في الغالب  شكلاً ثنائياً بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية، باعتبارهما الفصيلين الرئيسيين في هذا التيار، حيث جمعت المنافي والسجون والمعتقلات بين كوادرهما ومناضليهما، وفي حالات مُعينة اتخذ هذا التنسيق شكلاً ثلاثياً، كان طرفه الثالث منظمة حزب البعث في البحرين، خاصة على الصعيد الطلابي، حيث كانت قيادة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين فترة صعوده تضم ممثلين عن الاتجاهات الثلاثة. لكن العلاقات بين مكونات التيار الديمقراطي، خاصة بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية، شهدت أيضا فترات من القطيعة والتوتر وسوء الفهم المتبادل، وهي أمور تركت ظلالها السلبية الثقيلة على إمكانيات وآفاق التعاون بين التنظيمين.
أتاحت الظروف الجديدة التي نشأت في البحرين بعد المشروع الإصلاحي مناخات مختلفة في البلاد على صعيد كل شيء، بما في ذلك على صعيد العمل السياسي والحزبي، الذي أصبح وللمرة الأولى علنياً، حيث أصبح المنبر التقدمي ممثلاً لتيار جبهة التحرير، فيما أصبحت جمعية العمل الوطني الديمقراطي ممثلة لتيار الجبهة الشعبية، وجمعية التجمع القومي ممثلةً لتيار البعث، ومع صدور قانون الجمعيات السياسية اتخذ هذا العمل صورة مقننة. لكن علنية العمل الحزبي، في صيغة الجمعيات السياسية القائمة اليوم، جاءت في ظرفٍ مغاير عما كان عليه العمل السياسي في البحرين قبل عقود، فالتحولات الاجتماعية والسياسية في البحرين، دفعت إلى الواجهة بقوى سياسية وحزبية جديدة، هي القوى الإسلامية، الشيعية منها خاصة، إذا ما تحدثنا عن مكونات المعارضة البحرينية.
 وبالنظر إلى طبيعة الحراك السياسي في البحرين الذي عشناه بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني، وخاصة بعد صدور دستور ٢٠٠٢، واختلاف التكتيكات حيال أسلوب التعاطي مع الوضع المستجد، فان مسألة التنسيق بين مكونات التيار الديمقراطي توارت لصالح صيغ تحالف وتنسيق أخرى أوسع، رباعية التكوين تارة، كما هو حال التحالف الرباعي، وسداسية تارة أخرى، كما هو حال ميثاق التنسيق السداسي.
 ورغم ان لقاءات عدة جرت خلال تلك الفترة بين قيادتي المنبر التقدمي ووعد، بغية كسر حالة الجمود في العلاقة بين التنظيمين والدفع بها إلى درجة من التنسيق، ألا أن الاختلاف حول أولوية التحالفات في تلك الفترة، حال دون تحقيق نقلة تُذكر، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي الذي كان قائماً، في الفصل التشريعي الأول، بين خيار المشاركة في الحياة النيابية الذي تبناه المنبر التقدمي، وبين خيار المقاطعة الذي تبنته جمعيات التحالف الرباعي، التي كانت جمعيتا العمل الديمقراطي والتجمع القومي طرفين فيه، مما حال فعليا دون أي تنسيق ثنائي أو ثلاثي يذكر، بين مُكونات التيار الديمقراطي. غداً نتابع

صحيفة الأيام
24 أغسطس 2008
 
 

اقرأ المزيد

هل تحقق‮ “‬مالية‮” ‬النواب هدفاً‮ ‬جديداً؟

استطاعت اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب خلال الفصل التشريعي‮ ‬الأول،‮ ‬أن ترفع ميزانية وزارة الإسكان إلى ‮٠٣ ‬مليون دينار،‮ ‬وهي‮ ‬أعلى ميزانية في‮ ‬تاريخ الوزارة،‮ ‬وهذا بعد جهد كبير بذله أعضاء اللجنة المالية حينها والتي‮ ‬كانت تضم كوادر اقتصادية مهمة من بينهم وزير الإعلام الحالي‮ ‬والنائب السابق جهاد بوكمال الذي‮ ‬أبلى بلاء حسناً‮ ‬خلال مناقشة الميزانية،‮ ‬بالإضافة إلى عبدالنبي‮ ‬سلمان وجاسم عبدالعال،‮ ‬بوصفهما رجال اقتصاد من الدرجة الأولى،‮ ‬وبدأنا نشعر حاجة اللجنة المالية إلى خبرتهم خلال دور الانعقاد المقبل،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن الشهرين المقبلين من المرجح أن تحيل الحكومة مشروع الميزانية إلى البرلمان‮.‬
كيف سيتعاطى مجلس النواب وبالتحديد اللجنة المالية مع مشروع الميزانية؟ إن نجحوا في‮ ‬تضمين الميزانية المقبلة علاوة الغلاء أو ما‮ ‬يعادلها بحيث لا‮ ‬يشعر المواطن أن قطرة العسل كانت لسنة واحدة فقط،‮ ‬فسيصفق لهم الجمهور،‮ ‬رغم ان وجهة نظرنا أن زيادة الرواتب خير من علاوة الغلاء،‮ ‬وإن لم‮ ‬يستطع النواب أن‮ ‬يجعلوا من مشروع الميزانية نعمة ظاهرة على المواطن فسوف لن‮ ‬يرحمهم الناس،‮ ‬والسبب ان الجميع‮ ‬يعرف أن ميزانية الدول مريحة جداً‮ ‬بسبب الارتفاع المتواصل لأسعار النفط‮.‬
الوزارات الخدمية تحتاج إلى ميزانية أكبر بكثير مما هو مرصود لها،‮ ‬ومن بينها وزارة الإسكان رغم ان ميزانيتها تاريخية،‮ ‬ولكنها تحتاج الى المزيد في‮ ‬ظل‮ »‬تسونامي‮« ‬ارتفاع أسعار الأراضي،‮ ‬حتى صار المواطن لا حول له ولا قوة،‮ ‬بل راح‮ ‬يعتبر أن السكن في‮ ‬وحدة سكنية ضرب من الخيال،‮ ‬إلا بعد أن‮ ‬يمضي‮ ‬على زواجه ‮٠٢ ‬عاماً‮.‬
نتفهم جيداً‮ ‬ان وزارة الإسكان تلتزم بما لديها من مخصصات تحددها ميزانية الدولة،‮ ‬ولكن لن نتفهم من النواب إن لم‮ ‬يناوروا ويجادلوا ويضغطوا من أجل زيادة ميزانية وزارة الإسكان‮.. ‬وإن فعلوا فإن هدفاً‮ ‬جديداً‮ ‬ستحققه اللجنة المالية والاقتصادية على صعيد الملف الإسكاني‮… ‬أتمنى ذلك‮.‬

صحيفة الايام
24 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

حيرة ستالين في‮ ‬أولمبياد بكين‮!‬

ارتجف قبر جوزيف ستالين وهو‮ ‬يستمع إلى القاذفات الروسية تدك تبليسي‮ ‬عاصمة جمهورية جورجيا وبعض المواقع الحيوية أرضا وجوا،‮ ‬بما فيها القوات العسكرية الجورجية في‮ ‬اوسيتيا الجنوبية‮. ‬في‮ ‬تلك اللحظة نهض ستالين من‮ ‬غفوته العميقة،‮ ‬وتذكر انه لا‮ ‬يعرف هذا العالم الذي‮ ‬يدور حوله،‮ ‬ولا‮ ‬يستوعب كل ما‮ ‬يدور في‮ ‬تلك اللحظة،‮ ‬فهو نتاج مرحلة قيصرية وإمبراطورية تحكمت في‮ ‬بلاده،‮ ‬كجزء من توابع تلك الإمبراطورية الروسية،‮ ‬وكل ما كان‮ ‬يفهمه هو ذلك الإرث البلشفي‮ ‬وهو شخص ملاحق وابن المنافي‮ ‬في‮ ‬سيبيريا وسجونها،‮ ‬وشخص عاش باسم مستعار بعد أن تخلى عن اسمه الجورجي‮ »‬دزاكاشفيلي‮« ‬نتيجة عمله الحزبي‮ ‬السري‮ ‬مستعينا بستالين،‮ ‬الذي‮ ‬سيكون اسمه للأبد حتى آخر‮ ‬يوم من حياته‮. ‬وعندما التحق عام ‮٨٩٨١ ‬بحزب العمال الديمقراطي‮ ‬الاشتراكي‮ ‬الروسي،‮ ‬تحول ذلك الفتى القومي‮ ‬النزعة إلى شخص أممي،‮ ‬يتنقل بين الجمهوريات والملحقيات التابعة للقيصرية،‮ ‬كمنظم ومحرض عمالي‮ ‬وسياسي‮ ‬نشط،‮ ‬وكاتب وسياسي‮ ‬مثقف داخل كوادر الحزب وقياداته‮.‬
‮ ‬ومع انتصار الثورة البلشفية سيصبح دزاكاشفيلي‮ ‬الجورجي‮ ‬روسيا وامميا أكثر من الأممية ذاتها،‮ ‬وسيمارس ألوانا شتى من المواقف العصبية إزاء الاثنيات والأعراق المختلفة في‮ ‬منطقة القوقاز،‮ ‬بل وسيضع بصماته على كل تلك المقترحات التي‮ ‬تدعو إلى تحريك السكان ونقلهم من مناطق عدة بهدف إذابة الجوانب القومية وخلق مجتمع واحد أكثر اهتماما بما‮ ‬يسمى بالإنسان السوفيتي‮ ‬الجديد،‮ ‬مواطن الوطن الاشتراكي،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يسعى الاتحاد الأوروبي‮ ‬لفعله بخلق ما‮ ‬يسمى‮ »‬المواطن الأوروبي‮« ‬أو أوروبة شعوب وثقافات تلك الدول في‮ ‬هيكلية وبنيان سياسي‮ ‬واحد،‮ ‬معتمدا على التعددية الثقافية العرقية،‮ ‬بشرط أن تصبح المواطنة الجديدة للكيان الأرقى والاهم هو الاتحاد الأوروبي،‮ ‬كما هو اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية،‮ ‬والذي‮ ‬تمت انطلاقته الأولى عام ‮٢٢٩١‬،‮ ‬ثم تواصلت حتى الحرب العالمية الثانية،‮ ‬عندما التحقت دول البلطيق بالمنظومة الاشتراكية‮. ‬في‮ ‬فضاء أممي‮ ‬تجاوز الأفق القومي‮ ‬والشوفينيات العرقية والعصبيات الدينية‮. ‬
حاول ستالين كخليفة إلى لينين المريض تحقيق ما‮ ‬يدور في‮ ‬رأسه،‮ ‬فتولى مهمات إدارة الحزب منذ عام ‮٢٢٩١ ‬حتى وفاته ‮٣٥٩١‬،‮ ‬وبذلك البقاء الطويل في‮ ‬سدة السلطة والحزب،‮ ‬اتضحت كل ممارسات وسلبيات ستالين في‮ ‬محاولات الصهر والإذابة القومية للشعوب تحت إطار أرقى ومن أجل حياة أفضل‮. ‬ونحن هنا لا نناقش مدى فاعلية ومبدئية وصحة تلك التوجهات وإنما في‮ ‬نتائجها،‮ ‬إذ بقت تلك الاثنيات والأقليات القومية،‮ ‬تمارس نهجين متناقضين،‮ ‬معلن وخفي،‮ ‬ففي‮ ‬داخل بنية مغلقة واصلت تلك الكيانات ثقافتها ونهجها،‮ ‬فيما عاشت علنا نمطا رسميا في‮ ‬ثقافة المدرسة والمؤسسة والحزب وكل منظمات المجتمع المدني‮. ‬
ذلك التناقض الداخلي‮ ‬تم استثماره وتغذيته من القوى الخارجية أيضا،‮ ‬بحيث تم تحريض تلك القوميات والأقليات بنعرة أن السلطة السوفيتية تحاول أن تصهركم داخل قوميات اكبر ومهيمنة كالقومية الروسية والسلطة الاشتراكية‮ »‬المروسنة‮« ‬وفق التعبير الانجليزي،‮ ‬القادم من خلف أدراج وزارة الخارجية ومراكز البحوث الاستراتيجية،‮ ‬حيث تم النفخ في‮ ‬داخل تلك التجمعات والدفع بها للمواجهات والصدام،‮ ‬والتي‮ ‬كانت تبرز مع أية أخطاء وممارسات من بعض الشخصيات،‮ ‬الحزبية المتعصبة والممنهجة على فكر التصلب والجمود العقائدي‮ ‬يوم ذاك،‮ ‬وكان‮ »‬بطل‮« ‬تلك المرحلة ستالين نفسه والذي‮ ‬أحاطه مجموعة من الرفاق،‮ ‬ولكنهم لم‮ ‬يسلموا أنفسهم من الاغتيالات والتصفيات والمنافي‮ ‬والسجون‮. ‬
ما فعله ستالين من فلسفة ديمغرافية وسكانية وثقافية،‮ ‬لم تنجح ليس لكونها مستحيلة وحسب بالطرق الآلية والتعسفية،‮ ‬وإنما لكونها لم تترك لعنصر الوقت والخيارات السلمية الديمقراطية في‮ ‬تذويب كل سلبيات العلاقات القومية بين شعوب عاشت تحت النير القيصري‮ ‬وثقافته،‮ ‬وتلمست مدى العسف الروسي‮ ‬لقرون،‮ ‬ما خلق حاجزا نفسيا عميقا بين المركز الروسي‮ ‬للسلطة الفتية والأطراف القومية المتنوعة،‮ ‬وان رفعت الثورة البلشفية شعارات المساواة بين القوميات في‮ ‬وطن ونظام جديد‮. ‬في‮ ‬تلك الأجواء الداخلية والخارجية ستصبح رؤية ستالين أكثر هيمنة إلى درجة بروز ما‮ ‬يسمى بالظاهرة‮ »‬الستالينية‮« ‬في‮ ‬مؤسسات الدولة والمجتمع وفي‮ ‬الحياة الحزبية الداخلية‮. ‬وقد كان ستالين احد أطراف التشدد والصراع مع القيادة الصينية حول المسائل الاستراتيجية والتكتيكية والتنظيمية‮ »‬للكومنترن‮«‬،‮ ‬خاصة وان ستالين كان‮ ‬يصر على أن تكون موسكو معنية بإدارة وتنظيم تلك الأممية،‮ ‬من كونها تقدم للكومنترن كل التسهيلات الفنية والمالية والسياسية‮. ‬بدأ الطلاق بين موسكو وبكين بستالين وانتهى بموته‮.‬
‮ ‬ومع مؤتمر العشرين للحزب الشيوعي‮ ‬السوفيتي‮ ‬تم على‮ ‬يد خرتشوف الأمين العام الجديد،‮ ‬إعادة العلاقات الدافئة مع‮ »‬الرفاق الصينيين‮« ‬والتي‮ ‬سرعان ما انهارت وتوترت ولكنها لم تبلغ‮ ‬حجم القطيعة والعداء كما هو الزمن الستاليني،‮ ‬فقد أوصمت قيادة موسكو قيادة بكين‮ »‬بالقوى التحريفية والانتهازية‮« ‬ما دفع بالصينيين أن‮ ‬يصموا السوفييت والحزب والنظام‮ »‬بالامبريالية الاشتراكية‮«. ‬ترى كيف ستكون محنة ستالين اليوم لو عاش،‮ ‬كما هي‮ ‬حياة ميخائيل‮ ‬غورباتشوف،‮ ‬الذي‮ ‬يشاهد عن كثب،‮ ‬كيف تلتقي‮ ‬جمهوريات الوطن الواحد بتسابق محموم وأنانية رياضية،‮ ‬فالجميع‮ ‬يمثلون بلدانا وشعوبا ودولا مختلفة،‮ ‬وستصبح أزمة ستالين‮ »‬الاممي‮« ‬أعمق عندما‮ ‬يرى الجورجيين أبناء وطنه‮ »‬يحصدون‮« ‬ميداليات ذهبية من رفاقهم الروس،‮ ‬بينما‮ »‬تحصد‮« ‬الدبابات الروسية الجورجيين في‮ ‬اوستيا الجنوبية،‮ ‬وتدمر الطائرات الروسية مواقع حيوية في‮ ‬جورجيا‮. ‬لسنا بحاجة لتفسيرات ستالينية اليوم،‮ ‬فالصراع الداخلي‮ ‬والخارجي‮ ‬على مناطق النفوذ بات هو الأكثر وضوحا،‮ ‬ولن تستطع الروح النضالية للماضي‮ ‬امتصاص الكراهية المعلنة أو إيقاف حقن الدم الغزير،‮ ‬بين شعبين قاتلا بالأمس بكل ضراوة ومؤازرة الفاشية المدمرة عشية الحرب‮!! 
 
صحيفة الايام
24 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

الشراسة الإقطاعية.. الممرضون مثالاً..


ما هي المطالب التعجيزية الفاحشة التي طلبها الممرضون ليستحقوا هذه الحرب الشعواء التي تشنها الحكومة عليهم ممثلةً في مؤسساتها الثلاث ‘الصحة والتنمية وديوان الخدمة المدنية’ من زهاء الشهرين؟!
حقاً.. أطلبوا تخفيض دوامهم لساعتين!! أطالبوا بمساواتهم بالأطباء والمديرين!! أم طالبوا بزيادة قدرها 400% كدول الجوار.. أم ماذا؟!!

أيعقل كل هذه الضجة لأنهم طالبوا بتحسين أوضاعهم المعيشية؛ وبإعطائهم درجة تخصصية لا تساويهم بالكتبة والسكرتارية الذين يتقاضون الأجر ذاته رغم تباين جهد العمل وطبيعته؟! أكفر هؤلاء عندما قالوا إننا نمتهن مهنة شاقة محفوفة بمخاطر الإصابة بالأمراض المعدية ونطلب كادراً يراعي هذه الجزئية؟!

جميعنا يرقب -ومنذ أسابيع- تراشق التصريحات بين الطرفين؛ ويشهد تعسف الجهات المعنية في التعامل مع مطالب الممرضين.. فبين تعريض رئيسة الجمعية رولا الصفار لتحقيق كيدي ومن ثم إقصاؤها من الرئاسة.. وبين استهداف وعقاب كل من يعبر عن مطالبه بلبس شارة أثناء العمل بتعطيل ترقيته أو ابتعاثه؛ وبين تأليب مشرفي التمريض ودعم مساعيهم لحل وهدم الجمعية.. بين هذا وذاك وما تلاه، نقول: تبدو الوزارة كمن يخوض معركة كسر عظم.. متجاهلةً أن هذا الكسر سيُجهز على أحد أعمدتها كوزارة.. وأن الإحباط الذي تزرعه في صفوف الممرضين، إحباطٌ هي من ستجني قطوفه التي ستنعكس على مستوى الأداء؛ المتخلخل أصلاً!!

بالطبع ليس ذاك بتوجه الصحة كوزارة بل هو توجه حكومي عام ضد كل المطالب العمالية في صفوف الوزارات.. دليل ذلك أن وزارة التنمية دخلت على خط المواجهة مع الممرضين بشراسة.. فعينت، بقرار فوقي تفردي لا مثيل لعنجهيته، السيدة الفاضلة فخرية الديري كمدير مؤقت للجمعية دون وضع أي اعتبار لرغبة أعضاء الجمعية المعنية.. شخصياً فاجأتني فجاجة القرار في ضربه للأساس الذي بنيت عليه ومن أجله الجمعيات المهنية والأهلية؛ أفلا يكفينا أننا ندار كالقطيع في كل شيء؛ ليتم التدخل حتى في تفويضنا لممثلينا!!

بالطبع لا نبتغي من ذلك الانتقاص بأي شكل من الراقية فخرية الديري فكلنا يرى أنها بيدق تستخدمه الوزارة لخلق حالة من الإرباك في صفوف الجمعية في هذه المرحلة الحرجة.. وليس منا من يلومها على ذلك، بل اللوم على الوزارات التي تتعامل وكأنها إقطاعيات تدير عبيداً عليهم أن يقبلوا بالقنانة وشروطها وإلا فما لهم إلا السياط والجلد!!

إن ما جرى مع الممرضين- نقول- ليس بحالة شاذة؛ ولا يمكننا النظر لها بمعزل عن الطريقة التي تم التعامل بها مع التحركات الاحتجاجية للمعلمين والأطباء والمهندسين وغيرهم.. ببساطة دولتنا – كما دول الخليج- تملك فوائض ووفورات مالية وتريد أن تحجبها – قدر المستطاع- عن موظفيها ولا تريد أي مطالبات تنادي بغير ذلك..

فالحكومة لا تريد أن تشغل نفسها بالتفكير عمّا سيفعله الممرض أو الموظف الذي يتقاضى 400 دينار في دولة لا يقل إيجار أرخص شققها عن المئتين.. فقط تريد موظفين طيعين؛ يعملون بصمت.. واستكانة..
 
الوقت 19 أغسطس 2008
 
 

اقرأ المزيد

المعارضة والمساهمة في لجم العنف


تتشكل حركة التطرف العنيفة على خلفية تشجيع دائم من قبل أطراف لم تسهم في العملية التحولية السياسية الراهنة. وهي تغذي هذه العملية على الإحباط المنتشر بين بعض الأوساط الشعبية المأزومة كما هي الحال خلال السنوات الماضية، ووقفت حركة الوسط السياسية الكبيرة المكونة من بعض القوى الحكومية والشعبية دون السيطرة المستمرة على مشروع التحول هذا، بسبب ضعف الأداء الحكومي وعدم تنفيذ بعض المشروعات الكبرى التي وعُد الناسُ بها كالمدينة الشمالية، ودون القضاء الحاسم على البطالة، وعدم السيطرة على انفلات الأسعار وتدني الأجور وغيرها من المشكلات الجماهيرية الكبيرة. وبدا من الواضح ان المعارضة الوطنية واليسارية خصوصاً وجدت نفسها خارج اللعبة السياسية التي تمركزت على النشاط البرلماني فتغلغل فيها يأسٌ سياسي عميق، رغم النشاط الظاهري المركز على
الدعوة والتأثير الفكري التنويري والنقدي المفيد. وتصورت في باطنها أنها خارج اللعبة السياسية تماماً، وأن على الحكومة والدينيين أن ينفردوا بالساحة، ثم تكشف الوضع بأن الجانبين الحكومي والديني سواء أكان معارضاً أم موالياً، لا يملكان الرؤية المتسعة الموضوعية المرتكزة على تحليل العلاقات الاقتصادية والسياسية المركبة، فكل منهما يأخذ جانباً واحداً، ولا يقرأ اللوحة السياسية الشاملة داخلياً وخارجياً، واقتصادياً وسياسياً وفكرياً. ولهذا كان (الزخم) الوطني الذي تشكل بحركة الوسط الحكومية والشعبية السابقة الذكر، والذي لعب فيه الوطنيون واليساريون دور التبشير والرؤية به، قد وصل إلى مداه ثم تراخى عاجزاً عن القيام بمبادرات سياسية واقتصادية تحولية كبيرة أخرى تنزع الإحباط كلياً من الأوساط الشعبية المحبطة، وتسحب البساط من تحت أرجل قوى التطرف. ولهذا فإن اليأس العميق الذي تسرب للقوى اليسارية من الوضع الهامشي ومن اللامبالاة بساحة سيطر عليها الحكوميون والدينيون، على نحو شبه كلي، يأسٌ غير مبرر ولا يرى إمكانيات الحياة القادمة بكل احتمالاتها الغنية. ولهذا حدث تراخ تجاه مسائل تغيير كان ينبغي الدعوة للاستمرار بها، ولكن الدعوات السياسية الفكرية لا تكفي، إذا لم تسندها قوة عمل شعبية تكشف التباطؤ الحكومي أو الأداء السيئ وتقيّم الأعمالَ الحكومية الإيجابية وتبرزها، وتكشف النواقصَ لسدها وتغييرها وليس للتشهير بها. وقد انقسم الوسط الوطني كعادته بين السكوت عن العنف وبين الصراخ والتنديد بالأخطاء الرسمية، وبين الأصوات القليلة التقدمية عادة التي أمسكت الخيطَ الشامل لهذه الجوانب كلها، ولكن كان الاكتفاء بالدعوات والبيانات، ومن دون لجان عمل سياسية مشتركة تكرس برنامج تصعيد الوسط الوطني وتعري الأخطاء وتقدم الحلول وتوصل رأيها للجمهور الواسع، وتشرك بقوة القوى السياسية الدينية لعزل القوى وسواء المعرقلة للمشروعات الحكومية والقرارات الجيدة التي تتوهم بين الدهاليز البيروقراطية، أم الدينية الرافضة لأي حوار وطني جماعي كلي، أقول إن تجسيد هذا الخيط الفكري القيم لم يحصل. ولهذا فإن مواجهة هذه القوى للجمهور المشكل للعنف ضروري عبر نقد أعماله بقوة، وتبيان خطورة أفعاله هذه على مستقبله الاجتماعي، كما لا تحابي الوسط الحكومي الذي لا يفي بوعوده وتبين ذلك في هذا الخط المتكامل الذي ينبغي أن يصل لأوسع القوى الشعبية، من أجل أن يتم تغيير الوعي السياسي الفوضوي بخطوط سياسية مسئولة سواء أكانت تؤيد الوضع الراهن أم ترفضه. وإذا كانت هذه القوى السياسية قد أمكنها في الماضي القريب أن تحشد الأغلبية من المواطنين لتأييد مشروع التغيير فيمكنها الآن أن تعمق هذا التأييد عبر الدرس الموضوعي لكل خطوة سياسية وتحولية مقيمة إياها من خلال تأثيرها في مصالح الأغلبية الشعبية التعبة. إن الطرق السياسية الأدائية الوحيدة النظر، التي لا ترعى سوى مصالحها أو مصالح جماعتها، من دون أن ترى مصالح الكل الوطني، وهي التي تتبدى في الكثير من النظرات والبيانات التي تنهمر على مشاعر الناس قبل عقولهم، هذه الطرق ما أجدر أن تعيد النظر في عملها وتحسن أداءها لكي تسهم في التغيير الممكن الجيد، لا أن تزيد الطين بلة وتشيع اليأس، أو أن تبشر بتفاؤل كاذب وتدعي أن كل شيء ممتاز. وإن وعي السيطرة على الشرارات الصغيرة ومنع تحولها إلى حريق، هذا الوعي ترفدهُ معرفة لحظات الكوارث الكبرى التي مرت على بلدنا والمنطقة، والتي كانت هذه الشرارات الصغيرة تحول بلدنا إلى حطام، وقبل ذلك كان يُنظر لهذه الشرارات باستهزاءٍ وتصغير، لكن ذلك يظهر لدينا بقوة لصغر حجم البلد في حين كانت البلدان الكبيرة تمر بكوارث لا تؤثر فيها مثلما تؤثر فينا هذه الشرارات.



أخبار الخليج 22 أغسطس 2008

اقرأ المزيد

ظاهرة ذات دلالة


من يتابع البرامج الحوارية الإذاعية التي تبثها محطات البث الإذاعي الناطقة بالعربية ، لاسيما البي بي سي، سوف يلاحظ تزايد مشاركات مجنسين بحرينيين من أصول عربية في هذه البرامج التي تناقش قضايا ساخنة مثل الإرهاب والأوضاع المتقلبة والمستجدة في البقاع العربية المختلفة.



 


المشاركات بحد ذاتها ليست ذات بال ، إنما المشكلة في طبيعة هذه المشاركات، ذلك أن الآراء التي يطرحها المشاركون المجنسون في هذه البرامج الحوارية هي آراء مؤيدة على نحو صريح لا لبس فيه للتوجهات والأعمال الإرهابية لتنظيم القاعدة.



 


ولكم أن تتصوروا أي نوع خطير من التجنيس ذلك الذي يجري في الخفاء ليفاجأ الناس “ببعض شذراته العطرة” بعدما تنجلي العتمة ! 

 

اقرأ المزيد

صراع الدولة مع ما قبلها‮ ‬في‮ ‬العالم العربي

ما حدث في‮ ‬موريتانيا الثلاثاء الخامس من أغسطس‮ (‬آب‮) ‬من انقلاب عسكري‮ ‬أطاح بالرئيس الذي‮ ‬لم‮ ‬يمضِ‮ ‬على انتخابه سوى عام ونصف،‮ ‬أجمعت النخب الموريتانية على أنها الانتخابات الأكثر ديمقراطية وشفافية في‮ ‬موريتانيا‮.‬
وما حدث في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة قبل ذلك بحوالي‮ ‬أسبوع من اقتتال بين عشيرة حلس الموالية لحركة فتح وبين ميليشيات حركة حماس،‮ ‬والذي‮ ‬انتهى باكتمال بسط سيطرة حماس على كامل ما تسميه المربعات الأمنية لقطاع‮ ‬غزة بعد معارك شرسة خلفت وراءها خمسة عشر قتيلاً‮ ‬وأكثر من مائة جريح‮.‬
وما حدث قبل ذلك‮ (‬في‮ ‬مايو‮ (‬أيار‮) ‬الماضي‮) ‬في‮ ‬لبنان من اقتتال طائفي‮ ‬بين الموالاة والمعارضة في‮ ‬بيروت أولاً‮ ‬والجبل تالياً‮ ‬وطرابلس في‮ ‬ما بعد‮.‬
وما‮ ‬يحدث في‮ ‬العراق منذ احتلاله من قبل القوات الأمريكية ربيع العام‮ ‬2003‮ ‬من أعمال عنف رهيبة مصحوبة بعمليات تطهير طائفي‮ ‬وعرقي‮ ‬وديني‮ ‬متبادلة بين ما اخترعته لنفسها قوى‮ ‘‬العراق الجديد‮’ ‬من توصيف‮ ‘‬قشيب‮’ (‬ومضلِّل‮: ‬مكونات الشعب العراقي‮).‬
ويمكننا الاسترسال استدلالاً‮ ‬بما حدث قبل ذلك في‮ ‬اليمن وفي‮ ‬بقاع عربية أخرى جرى فيها ما جرى على الشاكلة نفسها أو أقرب‮.‬
هذه الحوادث ومعطياتها وتداعياتها إن دلت على شيء فإنما تدل على بعض مظاهر أنماط حياة وعلاقات ما قبل الدولة،‮ ‬ذات سطوة وطغيان على ما عداها من أساليب إنتاج‮ (‬عوامل وعلاقات إنتاج‮) ‬حديثة أنتجتها وتوافقت عليها الأسرة الدولية أخذاً‮ ‬بالاعتبار اختلافاتها الثقافية ومنابعها الحضارية‮. ‬ولعله الحرص على نيل‮ ‘‬الشارة الدولية‮’ ‬من خلال الحصول على عضوية منظمة الأمم المتحدة والمنظمات والاتفاقات والمواثيق الدولية،‮ ‬لاكتساب صكوك المشروعية وبطاقة الانتماء إلى النظام الدولي‮ ‬الذي‮ ‬لا تُقبل فيه سوى الدول المستوفية لشرط العضوية الأساسي‮ ‬وهو السيادة المستقلة‮. ‬
أما مؤهلات الانتماء لهذا النظام الدولي‮ ‬فقد تُركت‮ ‘‬لاجتهادات‮’ ‬وإرادات الدول التي‮ ‬يفترض أن تمارس سيادتها على قراراتها وتوجهاتها المحلية فهي‮ ‬‭-‬‮ ‬أي‮ ‬هذه المؤهلات‮ ‬‭-‬‮ ‬لم ترق بعد إلى مرتبة الشروط‮.‬
إن حصول أية دولة على بطاقة عضوية النظام الدولي،‮ ‬لا‮ ‬يجعلها في‮ ‬الحال وبصورة آلية،‮ ‬مستوفية لمقومات الدول القومية الحديثة التي‮ ‬نشأت بدايةً‮ ‬في‮ ‬أوروبا على أنقاض البنى والنظم القبائلية والعشائرية،‮ ‬وأركانها المؤسسية القائمة على حكم القانون والتعددية الثقافية والحريات المدنية‮.‬
فالانتقال من حالة ما قبل الدولة إلى حالة الدولة المنظّمة والمؤسَّسة،‮ ‬يتطلب السير في‮ ‬طريق طويلة ووعرة‮ ‬يستلزم التضحية بالبنى القديمة المعيقة لحركة السير في‮ ‬هذا الطريق،‮ ‬لامتهان أساليب المراوحة والمراوغة لإعاقة حركة التاريخ والركون إليها كسبيل للحفاظ على الحال البنيوية السائدة والاحتفاظ بهالة المجد التليد‮(!).‬
ومن نافلة القول إن قصر وحصر النظام العربي‮ ‬جهوده الرامية اكتساب الشرعية في‮ ‬الداخل من خلال الائتلاف والتآلف مع المؤسسة الدينية وأركانها،‮ ‬وفي‮ ‬الخارج من خلال تملق كبار وجهاء النظام الدولي‮ ‬ومؤسساته وهيئاته الأممية الفاعلة ومراوغتهم ببعض العروض الديكورية الصقيلة والمعسولة المذاق،‮ ‬إن قصر العمل على هذا المنوال،‮ ‬يعوق بطبيعة الحال استمرار جريان تدفق المد التحديثي‮ ‬باعتباره المقوّم الأساس لتكامل عناصر مؤسسة الدولة المعاصرة ونضجها‮.‬
وهل هناك تفسير لهذه الحالة المراوحة للدولة العربية‮ ‘‬المعاصرة‮’ ‬أفضل من ذلك الذي‮ ‬توفره لنا تجربة توالد الانقلابات في‮ ‬موريتانيا والموقف السلبي‮ ‬الأخير الذي‮ ‬اتخذته جامعة الدول العربية من آخرها وعبَّرت فيه عن تفهمها الانقلاب الذي‮ ‬قاده خبير وصانع الانقلابات محمد بن عبدالعزيز وأطاح فيه بالرئيس المنتخب محمد بن ولد عبدالله وأودعه السجن هو ورئيس الحكومة ونصب نفسه حاكماً‮ ‬للبلاد في‮ ‬تحد سافر لإرادة الشعب الموريتاني‮ ‬وللدستور وللأسرة الدولية ومواثيقها وتوافقاتها الجديدة التي‮ ‬لا تقر أسلوب الانقلابات‮.‬
فقد كان موقف الجامعة العربية الذي‮ ‬عبر عنه أحمد بن حلي‮ ‬في‮ ‬أعقاب زيارته موريتانيا واجتماعه مع الانقلابيين،‮ ‬بمثابة طعنة في‮ ‬الظهر للديمقراطية الناشئة في‮ ‬موريتانيا حتى وإن جاء منسجماً‮ ‬مع‮ ‘‬روح‮’ ‬العمل العربي‮ ‬الرسمي‮ ‬المشترك‮. ‬فهو الموقف الوحيد المتفهم لما أقدم عليه الانقلابيون من إطاحة بالشرعية‮ (‬أين هو مثلاً‮ ‬من موقف الاتحاد الأفريقي‮ ‬الذي‮ ‬علق عضوية موريتانيا في‮ ‬الاتحاد إلى أن‮ ‬يعود العسكر إلى ثكناتهم وتعود الشرعية؟‮).‬
مثلما هو مخجل ومعبِّر أيضاً‮ ‬موقف ثلث أعضاء البرلمان الموريتاني‮ ‬الذين أحالوا الأسود أبيض بتغيير مسمى الانقلاب إلى‮ ‘‬التغيير‮’ (‬يا سبحان الله‮)‬،‮ ‬فلقد اختار هؤلاء الانحياز إلى كيدياتهم وعصبياتهم القبائلية والعشائرية‮ (‬حتى لو توارت وراء أداة السياسة‮) ‬على حساب مؤسسة الدولة الحديثة‮. ‬فهل بعد هذا‮ ‬يستحقون شرف العضوية التمثيلية البرلمانية؟
 
صحيفة الوطن
23 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

الشرق والديمقراطية

تحتاج المجتمعاتُ الشرقيةُ إلى عشرات السنين للاقتراب من الحالة الديمقراطية، فباستثناء المجتمعين الهندي والياباني فليس ثمة إمكانية حالياً لتشكيل ديمقراطيات في آسيا وإفريقيا. المجتمع الهندي مجتمع فريدٌ من نوعه، عرف تعايش الأديان والقوميات، فأضفى عليها حزبُ المؤتمر في صراعه مع الاستعمار البريطاني صفة قانونية عميقة. بينما المجتمع الياباني أعطتهُ العزلةُ والتحولاتُ الداخلية الصناعية إمكانيةَ الاقتراب من الديمقراطية فتشكلت فيه بصورة فاشية كما بدا ذلك في الحرب العالمية الثانية، حتى جاء الاحتلالُ الأمريكي فجعله في ظل الديمقراطية الغربية وبهيمنة الطبقة الرأسمالية فيها. نحن نفهم الديمقراطية باعتبارها حالةً سياسيةً تعني سيطرة الطبقة الوسطى على السلطة، فهي كذلك دكتاتورية، لكنها دكتاتورية تقدمُ للطبقات الشعبية مستوى من الحريات أفضل من المجتمعات الاستبدادية، لكن ما عدا ذلك فممنوع، وهذا تعبير عن مستوى تطور. وبطبيعة الحال تنشأ فتراتٌ استثنائيةٌ تغدو فيها الطبقاتُ متقاربةً حينما يسقطُ نظامٌ استبدادي قديم، أو يواجه المجتمع مستعمراً ما فتتوحدُ الجهود، فتنشأ حالةُ نهوضٍ اجتماعية كبيرة، لكن تكون مؤقتة بطبيعة البناء الاجتماعي البشري المحدود في ظلِ إنتاج راهن عاجز عن خلق مساواة حقيقية، وفي ظل تنامي مصلحة طبقة عليا من دون بقية الطبقات. إن الانفراجات الشرقية والتبدلات السياسية التحديثية ليست هي حتى بمستوى الديمقراطية الرأسمالية الغربية، فهي صراعاتٌ داخليةٌ بين قوى اجتماعية تقليدية لم تصل احداها لتكون قوة ديمقراطية، وكل مجتمع يحمل بصمته الخاصة في ذلك، فليس ثمة فورمة لوصف مثل هذه الصراعات المختلفة. فهناك قوى تقليدية ربما تريد وراثة قوى تقليدية حاكمة سابقة، للحصول على بعض امتيازاتها الاقتصادية ومواقع نفوذها، ويبدو ذلك في نوعية الأحزاب المناطقية أو المذهبية عادةً التي تعبرُ عن الاختلاف مع النظام السابق، غير أنها لا تختلف معه في تشكيل جماعة جديدة تقبض على مفاتيح السلطة. ولعل هذا القبض يتم في مناطق جغرافية مبعدة عن التأثير في السلطة السابقة، فتظهر بصفة حكم أقاليم أو جمهوريات أو قوميات كما حدث ذلك في سقوط النظام السوفيتي أو العراقي، لكنها تظل سلطات شمولية جديدة، اتاح لها التحول السياسي المغمور بعاطفية قومية أو دينية شديدة، أن تحصل على أصوات كبيرة للوصول للحكم. بطبيعة الحال هناك لحظة تقدم حتى في هذا التحول، فالنظام الشديد المركزية لم يلتفت إلى مشكلات الأقاليم أو المناطق المحرومة، أو الاثنيات المغبونة، فتأتي الأنظمةُ الجديدةُ لتعدل مثل هذه السياسات إلى حين، وهذا يعتمد على مهارة القيادة السياسية، لكنها لا تستطيع أن توجد ديمقراطية، فهي ترتب الأوضاع ترتيباً خاصاً لكي تسيطر وتبعد الآخرين، معتمدة على الحماس القومي أو الديني. إن المستوى الغربي الرأسمالي الديمقراطي صعب على الدول الشرقية، فغالباً ما يكون (الديمقراطيون) الشرقيون اصحاب نفوذ كبير في الدولة، يريدون إعادة توزيع حصص الامتيازات الاقتصادية، في حين ان الديمقراطيين الغربيين يكونون ممثلي طبقة رأسمالية غنية لا يحتاجون إلى أجهزة الدولة لكي يثروا من خلالها، بل إنهم جاءوا ليكرسوا حكم طبقتهم كلها وربما يقدمون انجازات للطبقات الشعبية في بعض جوانب الأجور والأسعار والخدمات، وتكريس حكم طبقتهم يعني وضع سياسات اقتصادية تتعلق بمستوى الضرائب أو بحفز التصدير، حسب وضع الطبقة الاقتصادي الصراعي، مع طبقات أخرى في بلدان منافسة، أو لحفز الطبقة المنتجة في بلادها أو دفعها لمزيد من العمل، وهذا البرنامج المؤقت قد ينجح وقد يفشل وقد يُكرس في انتخابات جديدة أو يُهزم، ليظهر برنامجٌ آخر أكثر مقاربة للوضع ولمصالح المجموعات السكانية الأوسع، وهذا ما يفسرُ التناوبَ المستمر بين أحزاب اليمين واليسار في الغرب. لكن الجماعة التي تحكم في الشرق أو القوة السياسية التي تصل للسلطة في الدول الشرقية، لم تكرس نظاماً لحكم طبقة معينة من خلال الإرادة الحرة للسكان، وهذا ما يجعلها دائماً في تحالف مع العسكر، ومن هنا فليس ثمة ديمقراطية شرقية بل عمليات طبخ سياسية تقوم بها القوى المؤثرة على الساحة. وللوصول إلى مستوى الغرب أو الاقتراب منه يلزم الكثير من الثقافة العلمية والسياسية مع وجود قطاع خاص قوي ووطني، فليست الديمقراطية الهندية بلا عوامل موضوعية، فمن دون القطاع الخاص الصناعي والتجاري الكبير الذي تكون والمعتمد على قوى عمالية هائلة، لم يكن بالإمكان جعل التعددية الفسيفسائية السياسية لتدخل في منافسات ضارية من أجل الحكم. ولهذا كل ما يُرجى في مثل هذه الأوضاع والحالات التخفيف من قبضات الدول والجماعات القومية والدينية وإيجاد قطاعات خاصة لا تعتمد على الإثراء الحكومي، ترافقها ثقافة تحررية ودينية مستنيرة، توجه الجمهور لانتخاب الأفضل فهماً للظرف السياسي والقادر على دعم مثل هذه التحولات باتجاه الديمقراطية. إن تكريس مرحلة انتقال للديمقراطية هي مسألة أجيال ومعارك وتنوير وتثقيف هائل، لتفكيك سيطرة الدول عن المال العام، ومنع أي قوة أخرى من الانقضاض على هذا المال العام، فهي عملية صراع مع كل القوى الشمولية.
 
صحيفة اخبار الخليج
23 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

حــــول الطائفــــــــــية

سيظل الاحتقان الطائفي‮ ‬وملفات اخرى عالقة ترهق هذا الوطن في‮ ‬مسيرته الديمقراطية وستظل تطلعات كل المخلصين الداعين إلى سلامته ووحدته الوطنية مبعث تفاؤل وخاصة ان هذا الاحتقان او هذا المرض الاجتماعي‮ ‬الخطير مسألة ابعد ما تكون عن الاحتقان الطائفي‮ ‬في‮ ‬العراق البلد الواقع بين مطرقة الارهاب وسندان الطائفية ومع ذلك فان مخاوفنا كثيرة لان هذا الوطن الذي‮ ‬نحبه كثيراً‮ ‬مثل ما عليه حقوق تجاه المواطنين علينا نحن واجبات تجاهه وابسط هذه الواجبات الدفاع عن سيادته وعن وحدته الوطنية التي‮ ‬هي‮ ‬ليست شعاراً‮ ‬بقدر ما هي‮ ‬هدف راسخ وتعايش اجتماعي‮ ‬وديني‮ ‬وانساني‮ ‬كنا ولا نزال نفتخر به اينما كنا‮.‬
مجتمعنا البحريني‮ ‬التعددي‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬يوماً‮ ‬طائفياً‮ ‬يكره الآخر لا‮ ‬يقبل المزايدات السياسية ولا الصفقات الخارجية مدفوعة الثمن سلفاً‮ ‬ولا السلوك المتهور الذي‮ ‬يعبث بامنه واستقراره‮.‬
صحيح ان التجاذب الطائفي‮ ‬الذي‮ ‬تعيشه البحرين وفي‮ ‬هذا الوقت بالذات‮ ‬يشكل قلقاً‮ ‬لم‮ ‬يسبق له مثيل‮.. ‬وصحيح ايضاً‮ ‬ان اللقاءات والحوارات السياسية والحقوقية والدينية تبذل مجهوداً‮ ‬كبيراً‮ ‬للحد من الطائفية المتفشية الا ان المهم بالنسبة لنا هنا هو تفعيل كل القرارات والتوصيات والرغبات المتمخضة عن تلك الحوارات واللقاءات على صعيد الواقع وبكلمات اخرى ان كسر حدة الطائفية لا‮ ‬يأتي‮ ‬بالتمنيات وانما‮  ‬بمجموعة خطوات عملية تتصدرها القبول بالآخر والنية الصادقة والثقة المتبادلة بين كافة اطراف المجتمع والامر الاخر وبقدر ما نطالب بتحسين الاحوال المعيشية والقضاء على كل الاسباب الكامنة وراء أزماتنا الداخلية وترسيخ العدل والمساواة وحقوق المواطنة الاخرى كأولوية‮ ‬ينبغي‮ ‬ان تصان وفق قوانين وتشريعات وممارسات عملية تطالب وفي‮ ‬جميع الاحوال الكف عن نشر ثقافة العنف وبث الكراهية ولم‮ ‬يعد ادنى شك ان تشدد الفكر الديني‮ ‬وتطرفه في‮ ‬كلتا الطائفيتين من الاسباب الرئيسة التي‮ ‬تقف وراء ذلك وما المواقع الالكترونية الطائفية التي‮ ‬تستغل مناخ الحريات إلا نتاج لتلك الثقافة ولا تختلف هذه المواقع عن المنابر الدينية المتطرفة فهي‮ ‬لعبت دوراً‮ ‬خطيراً‮ ‬يهدد السلم الاهلي‮ ‬والتعايش الاجتماعي‮ ‬بالتصدع،‮ ‬شأنها شأن تلك المنابر التي‮ ‬تعمق الطائفية وتعمل على التفرقة بين الشعب الواحد وبالتالي‮ ‬فالمطلوب من هذه المواقع الالتزام بميثاق‮ »‬مواقع ضد الكراهية‮« ‬الذي‮ ‬يدعم الارتقاء بالحوار انطلاقاً‮ ‬من الاعلان العالمي‮ ‬لحقوق الانسان‮. ‬واذا كان هذا الميثاق دعوة حضارية تعزز القبول بالآخر والحفاظ على وحدتنا الوطنية فإن الالتزام بميثاق‮ »‬صحفيون ضد الطائفية‮« ‬يشكل هو الآخر انطلاقة لمحاربة الطائفية وخاصة ان هناك من الاقلام الصحفية اصبحت متخصصة في‮ ‬تبرير ثقافة العنف وفي‮ ‬ترويج الكراهية في‮ ‬المجتمع‮!!‬
على العموم في‮ ‬تقديرنا المتواضع ان مكافحة الطائفية وكراهية الآخر لا تعالج بوصفات سحرية على‮ ‬غرار وصفات المشعوذين والدجالين الذين احكموا سيطرتهم على بعض الفضائيات العربية وانما العلاج‮ ‬يتم عبر استراتيجية وطنية تناهض الطائفية قولاً‮ ‬وفعلاً‮ ‬وتدعم دولة المؤسسات والقانون وتجرم كل الطائفين ومثيري‮ ‬الكراهية وتلتزم بالحقوق والواجبات وتعمل عل تطوير مناهجنا التربوية والتعليمية ضمن الثقافة الوطنية والديمقراطية التي‮ ‬تنتج وعياً‮ ‬ومعرفة تؤمن بالتعددية واحترام الآخر‮.‬

صحيفة الايام
23 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

نجوم الإدارة في‮ ‬الأولمبياد‮!!‬


حال البحرين الرياضية في أولمبياد بكين، حال غريبة وعجيبة وأعتقد بأنها استثنائية جداً إذا ما قورنت بالدول المشاركة الأخرى، إذ إن وفدنا الرياضي البحريني هو الوحيد تقريباً الذي يفوق عدد الإداريين والمرافقين فيه من المؤسسة العامة للشباب والرياضة واللجنة الأولمبية عدد اللاعبين المشاركين الأساسيين في الأولمبياد ربما بثلاثة أضعاف، كما لو إن الإداريين والمرافقين هم من يتصدى لمسابقات الأولمبياد واللاعبين هم من ينبغي أن يشرفوا عليهم، أو كما لو إن العناية ‘الإدارية’ بلغت بسخائها الإنساني إلى الحد الذي خصصت فيه سبعة إداريين لكل لاعب.
حالة تثير الغرابة فعلاً، فالمتابع لهكذا حالة أو وضع سيوقن بأن ملاعبنا الرياضية وجدت من أجل إنتاج ‘الإداريين’، واللاعبين هم خط ‘الاحتياط’، والدليل المباني الإدارية التي أوشكت أن تخلو من القائمين على الشأن الرياضي من أجل عين الأولمبياد!!
أليس من الأجدى بهذه ‘الوفرة’ الإدارية في المؤسسة واللجنة الأولمبية زيادة عدد المشاركين في مسابقات الأولمبياد حتى إن لم يحصدوا شيئاً، على الأقل المتابعة والاستفادة من تجارب وخبرات الضالعين في المجال الرياضي الأولمبي وجهاً لوجه، بدلاً من تركهم يلعقون حسرتهم ويندبون حظهم وهم يتابعون الأولمبياد من خلال الفضائيات والصحف؟ أليس من الأجدى بهم التفرغ لتدشين مسبح متميز (مثل الناس) لهواة السباحة؟ وما أكثرهم في هذه الجزيرة التي لا يوجد فيها للأسف مسبح للتدريب، الأمر الذي يضطر بعضهم للبحث عن مسبح (الله عاد له) في المنطقة الشرقية! هل يعقل أن البحرين التي تتوافر على طاقات متميزة إناثاً ورجالاً في ألعاب القوى، لا يستثمر منها إلا واحد أو اثنين في مجال معين وغالباً ما يكون الجري؟! أين مشاركة البحرين في تنس الطاولة والتي توفرت (حسب العلم) على طاقة عربية في هذا المجال وينفق عليها كثير من الأموال، أين هي من هذه المشاركة الأولمبية؟! كيف يمكننا تهيئة صفوف رياضية أولمبية ونحن لم نزل بعد نقف عند طاقات معينة (يعطيهم الله العافية) لم ترفد بطاقات أخرى ولو من باب الاحتياط أو الحالات الطارئة؟
متى يكون للمؤسسة بناها الخاصة بهذه الألعاب؟
رياضات الأولمبياد كثيرة وهائلة ومشاركاتنا لا تتجاوز حدود ما تعارفنا عليه في بلدنا ووفق الرياضات التي أصبحت تقليدية في مجتمعنا، فأين المؤسسة واللجنة الأولمبية من هذه الرياضات الأخرى؟ هل وجدت للفرجة فحسب؟ متى تهيأت الفرصة للوفد الإداري والأولمبي أو متى تمت دعوتهم لأحد الأولمبيادات الآسيوية أو العالمية؟
من يعرف في الوسط الأولمبي رياضيين أو رياضيات آخرين غير رقية الغسرة ومريم جمال ورشيد رمزي؟ أين منجز المؤسسة واللجنة الأولمبية على هذا الصعيد؟ ماذا لو سأل الرياضيون هناك في الأولمبياد عن غياب الرياضيين البحرينيين عن الرياضات الأخرى؟ ماذا سنقول لهم؟ ماذا سنجيب هؤلاء لو سألوا عن اختصاص كل شخص في الوفد ومدى علاقته بالرياضة التي يتولى شأنها؟ أين الصحافيون الرياضيون عن المشاركة في هذه الأولمبياد؟ على من تقع مسؤولية دعوتهم لمثل هذه المناسبات الرياضية؟
هل هي دعابة أو نكتة حين تعرف الأوساط الرياضية الإداريين والمرافقين أكثر من معرفتها اللاعبين الأساسيين البحرينيين في الأولمبيادات؟ هل نحن بصدد خلق نجوم الإدارات وتهيئة اللاعبين الأساسيين كي يكونوا مرافقين لهم في المستقبل، مهمتهم متابعة شؤونهم وحمل حقائبهم وتوضيب غرفهم وحجز مواعيد اللقاءات بهم؟!
تستوقفني كثيراً اللقاءات التي تجرى مع بعض اللاعبين الأولمبيين ومع المشرفين على تدريبهم وعلى صحتهم الجسدية والنفسية ومع الإداريين المعنيين بشؤونهم الإدارية، فعندما يتحدثون يتكلمون عن تجربة وخبرة ومعرفة وكلها تنصب في ‘خانة’ اللاعب نفسه وفي كيفية رفع معنوياته وتنجيمه، إضافة إلى عرضهم أفلاماً وثائقية عنه حتى لو لم يقدم من التجربة والخبرة الكثير، بينما نحن لم نجد بعد، لا من المؤسسة ولا من اللجنة الأولمبية من يتملك هذه الخبرة والتجربة والدراية للحديث عن نجومنا الرياضيين في البحرين، كل ما نعرفه هو أن اللاعب سافر أو فاز في هذه المسابقة أو تلك، ولكن ماذا عن الباقي؟
الباقي سيتحدث فيه اللاعبون عن تجربة وخبرة ودراية عن ‘نجومية’ الإداريين في ‘ساحتنا’ البحرينية، داخل البحرين وخارجها.
 
الوطـن 22 أغسطس 2008

اقرأ المزيد