المنشور

مشرف… والحالة الباكستانية


جاء إعلان الرئيس الباكستاني برويز مشرف أمس بالتنحي عن منصبه بعد أسابيع من الضغط السياسي وعزم قادة الائتلاف الحاكم بعزله من منصبه بسبب سوء إدارته وخرقه للدستور.

اتخاذ مشرف لهذا القرار وضعه على قائمة أول رئيس باكستاني يتم عزله بهذه الصورة في تاريخ باكستان. لقد جاء تصرف مشرف فقط من أجل «حفظ ماء الوجه» وخاصة مع تدني شعبيته منذ اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو في نهاية العام الماضي وتخلي أصدقائه في البيت الأبيض عنه.

وعلى رغم ما يحدث من مداولات كثيرة على الساحة الباكستانية، فإن الوضع الباكستاني يعتبر حالة تستحق الدراسة، ولاسيما أن العرب هم الذين غيّروا توجهات الباكستانيين في ثمانينيات القرن الماضي وذلك عبر تمويل مدارس التطرف وتحويل الساحة الباكستانية من ساحة اعتدال إلى قتال وتكفير.

كما أن باكستان كانت في سنوات سابقة أفضل من الهند من الناحية الاقتصادية، أما اليوم فالمارد الاقتصادي الهندي أصبح يشكل قوة بسبب تطور التعليم والاستقرار السياسي إضافة إلى عدم تدخل العسكر في شئون الحكم. وعليه فإن باكستان لا تختلف فرصها عن الهند شريطة التخلص من تدخل العسكر في الحكم وتنظيف النظام التعليمي من مدارس التطرف والتكفير التي أنشأتها الأموال الخليجية لهم.

إننا نأمل في أن تنتصر الإرادة الباكستانية المنتخبة على بقايا الدكتاتورية العسكرية، وأن تصدر لنا باكستان نموذجاً لاستعادة الحياة السياسية بل ونهجاً ديمقراطياً تنموياً بعيداً عن قبضة جنرالات الجيش. ولعل هذا ينفع العرب في اتخاذ موقف رافض للانقلاب العسكري الموريتاني ضد الرئيس المنتخب.

ويكفي أن نرى الهند التي تضم 150 مليون مسلم وهم يشاركون في إنجاح أكبر ديمقراطية في العالم، وهو ما يعني أن الباكستانيين المسلمين بإمكانهم إنتاج الديمقراطية في بلادهم وتصديرها لاحقاً عندما تنجح.

الهند اليوم تفتخر بمواردها البشرية المتعلمة وتفتخر أيضاً بتعدديتها الثقافية وتسامحها بين فئات المجتمع، إضافة إلى أنها لم تسمح للإقطاعيين الفاسدين التغلغل في كل مكان وأن المدنيين المنتخبين هم الذين يسيطرون على الجيش وليس العكس.



الوسط    19 أغسطس 2008

اقرأ المزيد

أزمة القوقاز والحسابات الخاطئة


استحوذت أزمة القوقاز الجديدة على اهتمام مختلف وسائل الإعلام ومنها العربية التي يبدو أنها أعلنت انحيازها التام لصف الإعلام الغربي بعيدا عن الحيادية ودون قراءة متأنية للوضع الذي هو واقع قريب من أوضاعنا في المنطقة العربية.

ورغم أن الصحف البريطانية تكاد تجمع على أن الحرب الجورجية الروسية ما هي إلا فصول حرب باردة جديدة خسر معركتها «الغرب»، إلا انه من الضروري اخذ الحكمة والروية في كيفية التعامل مع الوضع المتفجر بالمنطقة.

فالغرب وكعادته تعود على بناء حسابات خاطئة عن الشعوب بل وعلى فهم الواقع الحضاري، ولعل مثالي أفغانستان والعراق اكبر دليل على ذلك وهما اللذان جاءا ضمن سيناريو شرق أوسط جديد، في حين ان ما يحصل بين روسيا وجورجيا يأتي ضمن سيناريو القوقاز الجديد عبر زرع شوكة تلو الأخرى في خاصرة روسيا وذلك من اجل محاصرتها عسكريا بدءا بمشروع الدرع الصاروخية في كل من بولندا والتشيك والآن كرواتيا، وصولا إلى جبال القوقاز المعروفة بارتباطها العضوي والحضاري بروسيا الفيدرالية.

هذا السيناريو يدفع إلى القول إن ما أقدم عليه حاكم تبليسي من حماقة هو بإيعاز من المحافظين الجدد في البيت الأبيض وحكام تل أبيب، من بعد تسليحه لشن عدوان غاشم ضد شعب استييا الجنوبية المطالب بالاستقلال، متجاهلا بذلك جميع اتفاقياته مع روسيا وأطراف أخرى بوعده عدم الاعتداء وإيجاد حل سلمي بالحوار.

إلا انه وكما يبدو فإن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكا شفيلي خذل من قبل محرضيه الذين تبين لهم على ارض الواقع بان موازين القوى لم ولن تكون في صالحهم كما هو الحال في أفغانستان والعراق، لان الجيش الروسي هو وريث الجيش الأحمر السوفيتي الذي دك في يوم معاقل الفاشية في برلين ملحقا الهزيمة بالنازيين في عقر دارهم وهذا ما برهنت به روسيا أمام الغرب ومن مناطق نفوذها في فترة زمنية قصيرة، فكما للولايات المتحدة مناطق نفوذ ودول تعتمد عليها، فإن روسيا مازالت كذلك. وهو أمر أزعج واشنطن كثيرا مما دفع إلى خلط أوراق من هو الغالب والمغلوب في هذه الأزمة التي تتلخص في سيناريو أميركي يبدأ بعمليات عسكرية ضد استييا الجنوبية ومن ثم نقلها إلى ابخازيا والأخيرة تداركت الأمر بسرعة بشن هجوم على القوات الجورجية ومطاردة فلولها إلى خارج حدودهم…

هذه الأزمة تذكرنا بصيف 2006، فهي نسخة معدلة من العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان!
 
 
الوسط  18 أغسطس 2008

اقرأ المزيد

كادر التمريض


كما تعاملت الحكومة مع تحركات المدرسين لتعديل أوضاعهم، تتعامل ألان مع الممرضين. إن ما تتعرض له جمعية التمريض البحرينية من مضايقات وحرب حكومية بهدف إجهاض تحركها لإقرار كادر التمريض، يهدف بشكل أساسي إلى عدم حصول الجمعية على مطالبها بزيادة الرواتب وإلحاق الممرضين بالدرجات التخصصية بدلا من الدرجات العمومية ما يؤدي إلى انتشار عدوى التحركات لتحسين أوضاع الموظفين الحكوميين لتشمل وزارات ومؤسسات حكومية أخرى.

تحرك الحكومة جاء هذه المرة من خلال ثلاثة محاور هي أولا، ديوان الخدمة المدنية الذي تجاهل جميع المرئيات التي تقدمت بها الجمعية واصدر كادرا لم تتم مناقشته مع ممثلي الجمعية. ووزارة الصحة التي هددت عبر عدد من مسئولي ومشرفي التمريض كل من يلبس الشارة التي اعتمدتها الجمعية كأسلوب حضاري للمطالبة بإطلاق الكادر، وأخيرا وزارة التنمية الاجتماعية التي قامت بحل مجلس إدارة الجمعية وتعيين مدير للجمعية.

وعلى الرغم من أن الممرضين في البحرين يقومون بثلاثة أضعاف العمل الذي يقوم به أمثالهم في الدول التي تعتمد المعيار القياسي الذي يحدد 90 ممرضا لكل ألف نسمة حيث عدد الممرضين والممرضات العاملين في وزارة الصحة في حدود 3100 ممرض وممرضة في حين يجب أن يكون عددهم 9000 ممرض وممرضة لخدمة المليون و46 ألف نسمة الساكنين في البحرين إلا أن ما يحصلون عليه من رواتب تقل بشكل كبير عما يحصل عليه زملاؤهم في المهنة في الدول الخليجية المجاورة.

ومع أن متوسط الرواتب في القطاع الحكومي يزيد عن متوسط الرواتب في القطاع الخاص بما يساوي 400 دينار شهريا إذ تبلغ متوسط الرواتب في القطاع الحكومي ما يقارب من 757 دينارا في حين أن متوسط الرواتب في القطاع الخاص لا يزيد عن 358 دينار، إلا أن الحكومة مطالبة بأكثر من ذلك وخصوصا مع ارتفاع عوائد النفط وتسجيل فوائض مالية يجب أن يستفيد منها المواطنون بشكل أساسي ما يدفع القطاع الخاص لمسايرة مستوى الرواتب في المملكة.

الدول الخليجية الأخرى قامت بزيادة رواتب مواطنيها بشكل كبير وصل في بعض البلدان لأكثر من 50 في المئة وذلك من اجل الحد من مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار، وان أرادت البحرين أن توقف من عملية تآكل الطبقة الوسطى التي بدأت بالانقراض في الوقت الراهن فليس هناك من حل آخر سوى رفع أجور المواطنين للحد الذي يسمح للكوادر المتخصصة كالأطباء والمدرسين والمهندسين وحتى الممرضين من العيش في مستوى مادي مريح من دون الحاجة للخمسين دينارا التي تصرف لهم كعلاوة للغلاء.
 
الوسط 16 أغسطس 2008

اقرأ المزيد

البترول رأس مال العرب (14)

ادت الصراعات المتنوعة ضد شركات النفط إلى تغير العلاقة بين الدول المنتجة وهذه الغوريلات العالمية، فتنوعت صيغ الكفاح والمشاركة في مصادر الإنتاج وأشكال الملكية، حتى تم انتقالها إلى ملكية الدول المنتجة كلياً أو جزئياً. لكن تبدل(شكل) الملكية ليس هو بالضرورة تحويل عميق في علاقات الإنتاج البترولية، التي ليست هي السيطرة على ملكية الآبار بل وحتى تملك الفائض بصورة كبيرة، فتظل الملكية شكلية، كما أن الفائضَ هو مجموعةُ نقودٍ سائلةٍ أو مجمدة، قيمتها الكبرى العميقة في مدى عودتها لرأسِ المال المُنتج وتوسعهِ، وبتغلغلِ أشكالهِ في الأرض والاقتصاد. وحتى عملية التملك كانت متدرجة صعبة حيث انتقلت من المشاركة إلى المناصفة، فأدى مبدأ المناصفة إلى توسيع دخل البلدان المنتجة،(فزادت مداخيل بلدان الشرق الأوسط من تصدير النفط من 24 سنتاً للبرميل سنة 1950 إلى 66 سنتاً في عام 1954 و 82 سنتاً في 1967) ويضيف بريماكوف(لكن أصحاب الأراضي الأمريكية والتي لا تقارن بالأراضي الواقعة في الشرق الأوسط يحصلون ريع مقداره 63 سنتاً). علينا هنا أن نرى العملة ليس كشكل خارجي بل كجزءٍ من المضمون السلعي، فهنا ليس التومان الإيراني ولا الريال السعودي ولا الدينار الكويتي، بل السنت الأمريكي. وستكون العملةُ، وهي مستوى آخر معقد من التركيب الاقتصادي، لها حصتها في عملية الاستغلال. لقد مثل عقد السبعينيات من القرن الماضي العقد الذي جرى فيه الصراع الطويل والمرير لتغيير الاتفاقيات القديمة المجحفة، التي لم يكن من الممكن تغييرها إلا عبر صراعات طويلة بين الدول النفطية والاحتكارات النفطية، فكان قيام منظمة أوبك لوحده مسألة معقدة وصعبة، وحين تكونت اتفقت على قواعد هزيلة لكنها كانت تبدو في ذلك الحين سياسة ثورية، فقد اتفقت على الحد من سيطرة الرأسمال الأجنبي، وحق الدول في مشروعات مشتركة مع شركات النفط، وإعادة كافة الأراضي التي لم يتم فيها التنقيب، وأن تحدد أسعار الأساس من قبل حكومات دول النفط وأن تحدد الحكومات النفطية أشكال المحاسبة الخ..، ورفضت شركات النفط هذا بعداء قوي، ثم تدرجت الحكوماتُ في انتزاع حقوق الدول المنتجة، فطالبت السعودية برفع حصتها في ارامكو من 25 إلى 51، ورفضت أرامكو مس آبارها القديمة، وتكتلت دول أوبك لتغيير أحجام ملكيتها وفي بيع النفط المستخرج وتوصلت إلى اتفاقيات جزئية إلا أن الصراع ازداد حدة. خلال الفترة الواقعة بين عامي 1974 ـ 1976 قامت كل من الجزائر والكويت والعراق والامارات العربية المتحدة وقطر بتأميم أهم الامتيازات الاجنبية على أراضيها تأميماً كاملاً، فبدأت حقبة جديدة من التاريخ النفطي في المنطقة، ومن التطور السياسي ومن التطور الاجتماعي كذلك. لكن ثمة هوةٌ كبيرة بين شركات وبراميل نفط الدول المنتجة المملوكة كلياً أو جزئياً لدول المنطقة وبين شركات النفط التي أقامت بُنى اقتصادية وعلمية وتقنية كبرى، فهذه الشركات تسيطرُ على إنتاج النفط في أغلب الكرة الأرضية، ولهديها قدرات تقنية لا تنافس، وشبكة توزيع هائلة تسيطر على 40% من شبكة التوزيع الدولية، ونصف أسطول الناقلات، كما أن تعدد مراكزها بين شركات محلية وشركات عالمية وهي كلها جزءٌ من كارتل واحد يتيح تقديم قوائم أسعار مختلفة وبيع متنوع يجعلها رابحة، كما أنها تسيطر على بيع المشتقات. وعلى الرغم من هذا كله فقد تصاعدت قوة الدول المنتجة وغدت قوة اقتصادية هامة أخذت تفرض قواعدها على شركات النفط، وعملت سوق النفط الحرة بالبيع القصير المدى أو بالعقود الطويلة على خضوع الأسعار للعرض والطلب، فأخذت الأسعار تخضع لحاجات الدول المستهلكة وإمكانياتها وعلى عرض الدول المنتجة، ولعبت الولايات المتحدة دوراً في تصعيد الأسعار عبر طلبها المتزايد للنفط وتخزينه، والضغط على حلفائها الأوربيين وعلى اليابان، كذلك شكلت تعاوناً مع بعض الدول المنتجة للحفاظ على استراتجيتها النفطية السياسية. وبهذا كله فقد تغيرت مداخيل دول النفط تغيراً كبيراً، ولكن كما قلنا تظل المسألة هنا مسألة كم نقدي خاضع للسيطرات الحكومية في كل بلد، الذي سوف يوظفُ هذه الأموالَ لسياسته التي تتنوع بين كل بلد وآخر، رغم خضوعها للبنية الاجتماعية السائدة، التي سوف تخضع تلك الأموال إلى أوضاعها وسوف نرى كيف يتم ذلك، وهل تحول الكم النقدي إلى رأس مال وفي أي النواحي الاقتصادية.
 
صحيفة اخبار الخليج
19 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

أمريكا عطشى للتغيير

بحسم من‮ ‬يكون مُرشحاً‮ ‬للحزب الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬انتخابات الرئاسة‮ ‬يكون الأمريكيون قد برهنوا على عدم جاهزيتهم بعد لأن تكون رئيستهم القادمة امرأة‮. ‬ فإذا كان المزاج الليبرالي،‮ ‬المتفتح نسبياً،‮ ‬لقاعدة الديمقراطيين،‮ ‬بالقياس للمزاج المحافظ للغرماء في‮ ‬مؤيدي‮ ‬الحزب الجمهوري،‮ ‬لم‮ ‬يكن كافياً‮ ‬للدفع بخيار أن‮ ‬يكون ممثلهم في‮ ‬انتخابات الرئاسة امرأة،‮ ‬حتى لو كانت بقوة وخبرة هيلاري‮ ‬كلينتون،‮ ‬فيمكن القول إن أمريكا،‮ ‬في‮ ‬مجموعها،‮ ‬بحاجة إلى وقتٍ‮ ‬أطول لتبلغ‮ ‬مثل هذه الجاهزية‮.‬ مع ذلك أثبت الأمريكيون،‮ ‬أو قطاع واسع منهم على الأقل،‮ ‬أنهم في‮ ‬وارد قبول أن‮ ‬يكون الرئيس القادم لبلادهم مُلوناً‮.‬ اوباما وكلينتون كسرا قاعدةً‮ ‬متبعةً‮ ‬حتى الآن،‮ ‬فلو‮ ‬يحدث أن تجاسر أسود أو امرأة على أن‮ ‬يتقدما لمثل هذا التحدي،‮ ‬وأكثر من ذلك أن‮ ‬يتقابلا في‮ ‬معركةٍ‮ ‬فرضت على الحزب الديمقراطي‮ ‬أن‮ ‬يختار احدهما‮.‬ في‮ ‬كلمات أخرى كان على مناصري‮ ‬الديمقراطيين لا أن‮ ‬يفاضلوا بين المعتاد والمألوف وما هو‮ ‬غير مألوف،‮ ‬وإنما بين مُرشحين‮ ‬يمثل كلٌ‮ ‬منهما حالاً‮ ‬جديدة،‮ ‬أو فلنقل كان عليهم أن‮ ‬يفاضلوا بين الجديد والجديد‮.‬ وفي‮ ‬هذا أيضاً‮ ‬انحاز هؤلاء الناخبون لمن‮ ‬يرونه أكثر جدة من الآخر‮.‬ إذا كانت كلينتون تُمثل الخبرة والنضج،‮ ‬فإن اوباما‮ ‬يُمثل الوعد بالتغيير،فهو في‮ ‬المحصلة سيكون،‮ ‬في‮ ‬حال فوزه أمام خصمه الجمهوري‮ ‬هذه المرة،‮ ‬من أصغر رؤساء الولايات المتحدة،‮ ‬إن لم‮ ‬يكن أصغرهم على الإطلاق‮.‬ وهو خاض معركته مع منافسته تحت عنوان التغيير،‮ ‬كأنه‮ ‬يقول للناخبين،‮ ‬لا جديداً‮ ‬ستأتي‮ ‬به كلينتون،‮ ‬فلقد خبرتم نهجها من قبل،‮ ‬وإن من الأفضل لكم ولأمريكا أن نطرق درباً‮ ‬جديدة،‮ ‬أعدكم بأن أقودكم نحوها‮.‬ وأمريكا عطشى للتغيير،‮ ‬وفاقم من هذا الشعور السياسة الرعناء لجورج دبليو بوش خلال السنوات الماضية،‮ ‬التي‮ ‬جعلت من أمريكا رجعية أكثر،‮ ‬وعدوانية أكثر،‮ ‬وعلى تضادٍ‮ ‬مع رغبات شعوب العالم الأخرى بصورة‮ ‬غير مسبوقة‮.‬ أوباما التقط هذه الرغبة،‮ ‬لكن ما زالت أمامه معركة كسر عظم مع المرشح الجمهوري،‮ ‬حين‮ ‬يتعين على الأمريكيين لا أن‮ ‬يفاضلوا بين برنامج مُغرق في‮ ‬رجعيته وعدوانيته،‮ ‬وآخر‮ ‬يعدهم بالتغيير،‮ ‬وإنما‮ ‬يظهروا،‮ ‬أيضاً،‮ ‬أنهم قد تحرروا من عنصريتهم،‮ ‬وباتوا مستعدين لأن‮ ‬يكون قاطن البيت الأبيض أسود‮.‬
 
صحيفة الايام
19 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

تنظيم مطالب القطاع العام (1)

لم تمض سوى أيام قليلة معدودة على التعميم الذي اصدره ديوان الخدمة المدنية والقاضي بمنع موظفي القطاع العام من المشاركة في أي مظاهرات أو اعتصامات أو تجمعات غير مرخصة، وهو التعميم الذي أثار زوبعة من الاحتجاجات التي لم تهدأ بعد في صفوف الأوساط والمؤسسات النقابية والسياسية المعارضة.. نقول لم تمض سوى أيام معدودة على ذلك حتى حدث تطوران متزامنان تقريبا داخل اثنتين من مؤسسات القطاع العام نفسه: التطور الأول: ويتمثل في حدوث سلسلة من الاجتماعات والتجمعات التي قامت بها جمعية التمريض للمطالبة بالاسراع في اصدار كادر وظيفي خاص بالممرضين والممرضات ينصف ما يرونه اوضاعهم وطبيعة عملهم ويحقق لهم حدا أدنى من العدالة والمساواة تتفق وخصوصيات طبيعة مهنتهم، وقد تطور هذا الحدث، كما نعلم، الى قيام ما يقرب من ثلاثة آلاف ممرض وممرضة بلبس «شارة احتجاجية« أثناء الدوام لعدة أيام. التطور الثاني: يتمثل في قيام مجموعة من موظفي هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهي من أكثر مؤسسات الدولة حساسية، باعتصام احتجاجي سلمي للمطالبة أيضا بما يرونه من أوضاع ومستجدات تمس حقوقهم الوظيفية تتصل بطبيعة عملهم داخل الهيئة، ولعل من ابرزها ضمان عدم إلغاء العمل الاضافي، وتدوير عدد من الموظفين والعلاوات وغيرها من المطالب الأخرى. قبل هذين التطورين – الحدثين شهدت العديد من مؤسسات القطاع، كما هو معلوم، العديد من الاحتجاجات المطلبية من هذا القبيل كالتي جرت في وزارتي الصحة والإعلام المتقدم ذكرهما ولكن كانت متفاوتة في حدتها وحجمها، أي لم تكن بحدة وحجم ما جرى في الوزارتين المشار إليهما ولربما الاستثناء من ذلك وزارة المواصلات وتحديدا «إدارة البريد« والتي تطورت الاحتجاجات المطلبية فيها كما نعلم إلى فرض تشكيل نقابة غير معترف بها رسميا لكنها استطاعت ان تنال تمثيلها داخل اتحاد العمال المعترف به رسميا، والاهم من ذلك فقد تطور الأمر إلى قبول تمثيل لهذه «النقابة« غير المرخص لها ضمن وفود اتحاد العمال إلى مؤتمرات العمل الدولية التي تشارك فيها الدولة نفسها دونما اعتراض من هذه الأخيرة. وفي كلتا الحالتين المتقدم ذكرهما كنموذجين للاحتجاجات المطلبية في القطاع العام واللتين وقعتا، كما ذكرنا، بعد أيام قليلة من تعميم ديوان الخدمة المدنية بمنع موظفي القطاع العام من التجمعات والاعتصامات غير المرخص بها، تقتضي الامانة الموضوعية القول ان القيادات العليا الادارية في كلتا الوزارتين تصرفت على الاقل بحد ادنى من المسؤولية وضبط النفس، فلم يجر فض الاعتصامات والتجمعات والاجتماعات الاحتجاجية بالقوة، ولم يتعرض أحد من المعتصمين أو المتجمهرين أو المتجمعين إلى الفصل أو الانذار بالفصل أو الخصم من الراتب والاهم من ذلك لم يتعرض احد منهم إلى تطبيق عقوبات تعميم الخدمة المدنية الصادر منذ أيام عليه. وإذ يسجل لكبار المسؤولين الإداريين في الوزارتين تعاملهم بحد ادنى من التحلي بالحكمة وضبط النفس في التعامل مع المطالب الوظيفية للفئتين المعنيتين داخلهما، فانه يسجل بالمقابل ما اظهره المحتجون في كلتا الوزارتين أيضا من انضباط ومرونة والظهور في إعلان احتجاجاتهم المطلبية بمظهر حضاري سلمي وصبور، وبطبيعة الحال هذا لا ينفي ظهور بعض المواقف السلبية من قبل كلا الجانبين الإداري والوظيفي، لكنها بالتأكيد لم تصل إلى درجة من الخطورة أو الصدام بين الجانبين، فالعبرة بالنهايات والقدرة على تجاوز المشكلة بالاسلوب الودي والحضاري. وابادر من جانبي لأقول بكل صراحة حتى وان اغضبت الاخوة في جمعية التمريض وهذا ما ذكرته حرفيا لعدد من الممرضين ومنهم ممرضون قريبون جدا مني إن لبسهم «الشارة الاحتجاجية« خلال الدوام الرسمي وعلى مدى أيام طوال ساعات العمل لم يكونوا موفقين فيه، لأنه يؤثر بصورة أو بأخرى على مناخ العمل ويضفي عليه جوا نفسيا من الشحن أو المشاحنات بقصد أو من دون قصد، وكان ينبغي إما لبسها خلال الساعة الأولى من الدوام وإما خلال الساعة الأخيرة لا ساعات الدوام كلها وبخاصة ان المؤسسات التي يعملون بها من أكثر المؤسسات التي يرتادها مرضى وزوار ومسؤولون ضيوف من مختلف البلدان. أما لبسها أثناء التجمهرات والاعتصامات خارج أماكن العمل بما في ذلك باحات المؤسسات التي يعملون فيها فلا حرج في ذلك في تقديري الشخصي. وللحديث صلة.
 
صحيفة اخبار الخليج
18 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

البترول رأس مال العرب (13)

غيبتْ شركاتُ النفطِ الحكوماتِ في المنطقة إلى درجةٍ شبه كلية، ويقول الباحث الانجليزي تيورنر (خلال القسم الأكبر من القرن الحالي (يقصد العشرين) كان دور الدول المنتجة ضعيفاً في إدارة صناعة النفط). كيف لا والشركات غدت تتحكم في العمالة المحلية كيفما شاءت سواء بالسكن لديها أم في مضاربها أم مدنها أم إذا وضعتْ لها عششاً قربها كما فعلتْ شركةُ بابكو في الثلاثينيات في البحرين، وبأي أجور حددتها الشركات وأي مدة رأتها وبأي معاشات تقاعد زهيدة فرضتها. كما يحق لها القيام بكل العمليات الجيولوجية والاستخراجية سواء في البر أم البحر، في البادية أم في عمق الصحراء، وفي أي زمن ومكان، وتستطيع أن تحدد حجم رأسمالها ومدة وجودها وطرق مواصلاتها وأن تبني مدناً لها وتصممها كما تشاء وتسكن فيها من تريد، وزاد بعض الشركات قوة فشكلتْ قوى مسلحةً!
ويحق لها كذلك الاحتفاظ بالمعلومات الثمينة عن الأرض وجيولوجيتها الخاصة، وحتى الآن في سنة 2008 لم تفصحْ شركاتٌ كثيرةٌ عن خرائطها الجيولولجية وبقيت الأعماقُ الأرضيةُ العائدة لدولٍ عديدة وشعوبٍ كبيرة لا تـُعرف من قبل أهلِها وماذا يجري في باطن تربتها! كان امتياز شركة بترول العراق يغطي كل أراضي الجمهورية، وكانت أراضي دولتي الكويت والبحرين خاضعتين لتصرف كل من الشركتين المتصرفتين في حقولهما النفطية، وكانت شركة أرامكو تسيطر على 880 الف كلم متر مربع من أراضي المملكة العربية السعودية. وبطبيعة الحال كان لهذا الوجود الاقتصادي الهائل المتغلغل في باطن الأرض آثاره على سطحها فظهرت مدنها الخاصة بموظفيها المميزين الذين يعيشون في بيئة غربية حيث المدينة الملأى بالأشجار الغابية والخدمات الترفيهية العالية التي تضارع ما يجري في بلدانهم الأصلية في حين يجاور هذه المدن خيام البدو أو عشش العمال! وازداد نفوذُ الشركات النفطية فرأت أن من الخطورة ألا تكون لها حماية عسكرية وسياسية عالية، فعملَ بعضُها على توثيق علاقة بلدها الأصلي ببلد الموقع، فأوجد بعضها قنصليات خاصة قرب المدن النفطية أو سبّب في نشوء قواعد عسكرية، وهذه العملية لم تجر إلا بعد سنوات، ففي البدء لم تدركْ حكوماتُ الغرب الأهميةَ الحيويةَ للنفط العربي وضخامته، ودوره المستقبلي العالمي الكبير، فامتنعت عن توثيق العلاقات السياسية والعسكرية وتوسعها، ثم انقلب الحال بعد نجاح الشركات النفطية في جلب المليارات من الدولارات، فغدت شركة أرامكو مثلاً أكبر شركة خارج الولايات المتحدة نفسها من حيث ارتفاع نسبة الأرباح، فبدأت حكوماتُ الولايات المتحدة المتعاقبة تغيرُ سياستها، منذ إعلان كون الخليج العربي والجزيرة العربية منطقة حيوية للولايات المتحدة، إلى أن تنامى نشوء القواعد العسكرية وتدفق الأساطيل. هذا التفرد الغربي المالي والسياسي لم يكن مطلقاً، فقد بدأت حركة التحرر العربية والإسلامية في دك هذه الجدران الخراسانية الهائلة التي صنعتها الشركات، بسبب هزالة ما تقبضهُ الشعوبُ العربية والإسلامية من هذه الثروة الفاحشة، فحتى سنة 1961 كانت هذه الشعوب لا تحصل من مشتقاتها النفطية المُباعة على أوروبا الغربية سوى على 5،6% وكان هذا نموذجٌ باهرٌ للطمس والتحايل. بدأت العاصفة من إيران بثورة مصدق التي فشلت بعد تآمر شركة النفط عليه، ثم عبر تصاعد حركة التحرر الوطني العربية التي وجدت لها شكلاً حيوياً بحركة العمال واضرباتهم في السعودية في سنوات الخمسينيات ثم في الحركة العمالية البحرينية خلال الفترة نفسها والتي توجت بانتفاضة 1965 المطالبة بعودة عمال بابكو المفصولين، وحدث انعطاف بعد ذلك بإعلان الحكومة العراقية تأميم النفط، ثم تبعتها الحكومة الليبية، ثم تصاعد دور الحكومات العربية والإسلامية وبعض حكومات أمريكا اللاتينية في الصراع مع الكارتل النفطي الدولي، والذي تجسد في قيام منظمة أوبك التي راحت تفاوض شركات النفط على حلول وسط، ثم جاءت حربُ أكتوبر المصرية واستخدام العرب لسلاح النفط، هذا القار المهمل الذي غدا فجأة سيفاً على رقاب العواصم الغربية! وبعدها تغير التاريخُ النفطي الظاهري في المنطقة كلها والعالم، ولم تعد عشش العمال وبيوتهم الصغيرة ولا القيم الزهيدة المعطاة للدول ولا الاتفاقيات المعقودة في زمن الظلام بمقبولة وآن لكل شيء أن يتغير! ولكن إلى أي مدى حققت هذه الانتفاضةُ الوطنية من الحكومات العربية والعمال والشعوب دورها في إعادة النظر في هذه البضاعة التاريخية المؤقتة؟ وهل إعادتْ النظرَ جذرياً في دورها أم أن البناء الاجتماعي التقليدي سوف يلعبُ دوره كما لعب خلال القرون الماضية في تكييف هذه البضاعة الحديثة لتضاريسه العتيقة ويجيرها للتخلف والتبعية كما هي عادته؟ وتغدو العماراتُ الشاهقة زائفةً في علوها ومادتها، والفيضُ النقدي يأبى إلا أن يصلي للغرب. هذا ما سنقرأه لاحقاً.
 
صحيفة اخبار الخليج
18 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

لولا لطف الله ..

هل سأل من رخص لبناء أبراج ترتفع بطول 30 و50 طابقاً نفسه إن كان جهاز الدفاع المدني يملك معدات تصلح لإخماد أي حريق قد يطال مباني بهذا العلو؟! وهل يعلم أولئك أن رافعات ومعدات الإطفاء الموجودة حالياً تستطيع – بالكاد – إطفاء مبنى من 8 طوابق؟!
إن حريق مبنيين تحت الإنشاء بمنطقة جبل علي.. وحريق برج النخلة ومبنى حدائق القبة وغيرها من الحرائق المشابهة في قطر ودبي – بل الحريق المحدود الذي أصاب أبراج اللؤلؤ في البحرين حديثاً – يجعلنا نتساءل مجدداً ما درجة جهوزيتنا للكوارث والملمات؟! وهل نملك خطة لمواجهة الطوارئ؟!
لا نريد هنا أن ننبر الجراح الغائرة ولكنَا لا نستطيع التحدث عن الكوارث من دون أن نستشهد بالفشل الذريع الذي حاق التعامل مع سقوط طائرة الـ «أيرباصA320 » التي تمر ذكراها الثامنة علينا هذا الشهر.
أذكر حينها أن جرّاحاً أسر لي بحقيقة صادمة «حمداً لله أنهم وصلونا ميتين، وإلا لكانوا قد فارقوا الحياة بين أيدينا وتحملنا وزرهم»!
ورغم فظاعة قوله إلا أنه محق.. فالصحة آنذاك تخبطت في التعامل مع جثامين الضحايا التي كُدست في شاحنة معراة لشمس أغسطس/ آب الحارقة «وهو ما دهور حالة الجثث أكثر» وعجزت عن حفظهم في مشرحة السلمانية فعمدت إلى نقلهم لثلاجات شركة بانز للأغذية؛ ناهيكم عن أنها خلطت الجثامين حتى بعد أن تم التعرف على هوياتهم، وهو ما أثار استياء أهاليهم المنكوبين.. فإن كانت الصحة قد عجزت عن التعامل مع 143 جثة دفعة واحدة، فكيف كان لها أن تتعامل مع 143 حالةً حرجة تحتاج لعناية طبية فورية؟!
وماذا عن حادثة غرق بانوش الدانة؟! الكل يعرف أن بعض الضحايا الـ 58 لربما نجوا لو لم تستغرق عملية الإنقاذ ما لا يقل عن 45 دقيقة!
أسأل دوماً ماذا سيجري – لو لا قدر الله – وتعرضت حافلة مدرسية لحادث مروري بليغ واقتضى إنقاذ حياة الصغار مباشرة علاجهم فوراً؟!
وحدة العناية المركزة (الـ «icu») الخاصة بالأطفال لا تسع إلا لخمسة مرضى! أما وحدة العناية الخاصة بالكبار فلا يتجاوز عدد أسرتها 25 سريراً.. فما العمل عندئذ؟!
وماذا عن استعدادات الحريق؟! هل رأيتم مدرسة أو مبنى يقوم المسؤولون فيهما بتجربة إخلاء تأهباً للحرائق.. هل يعرف الموظفون أين توجد خراطيم المياه وإن كانت تلك الخراطيم تعمل أصلاً أم لا؟
فيما يتعلق بالإسعاف نسأل: منذ متى والوزارة تعد بمروحيات للإسعاف؟! أيستطيع المصاب بجلطة أو ارتجاج أن ينتظر «تمختر» سيارة الإسعاف ذهاباً وإياباً في شوارعنا المختنقة بالزحام؟!
إن تواضع الاستعداد.. وسوء التصرف وتدني الجاهزية؛ هو ما يرفع عدد ضحايا الملمات في بلادنا لأكثر مما يجب. فنحن شعوب تؤمن بالسير على البركة؛ لذا فإننا لا نشغل أنفسنا كثيراً بالتعاطي مع المشكلة إلا بعد أن يقع البلاء..!
لولا العناية الإلهية – نقول – لضعنا جميعاً.. فهناك 50 كارثة متأهبةً للوقوع يومياً لا يردعها عنا إلا لطف الله.. الذي يعلم بالحال فيكفينا شر المآل!
 
صحيفة الوقت
18 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

«النيت» الروسية تستعيد وقعها العالمي

بدأت كلمة ‘نيت’ الروسية (وتعني بالعربية لا) تستعيد شيئا من وقعها السياسي السابق، حيث كان يهتز لها العالم عندما ينطقها ممثل الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة أو أي محفل دولي آخر، أو حتى في مؤتمر صحافي.
رغم التزام الولايات المتحدة ودول الغرب والناتو مبدئيا بنصرة جورجيا في مواجهة روسيا، إلا أن جميع هؤلاء قد شعروا بضعف حليفهم الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي في تقدير الأوضاع السياسية والأمنية في، وحول بلاده وفي العالم. لقد نفذ صبر ساكاشفيلي من انتهاج الوسائل الدبلوماسية التي عجزت عن حل مشكلة جمهورية أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا طيلة الخمسة عشر عاما الماضية. واعتقد بأن تطهيرا لأوسيتيا الجنوبية من خصومه الأوسيتيين بعملية خاطفة أسماها ‘بالحقل النظيف’ سيضع روسيا والعالم أمام معطى جديد قد يكرره مع أبخازيا ليحل بالطرق العسكرية وبشكل نهائي مشكلة هاتين الجمهوريتين. وكما لم يتوقع الغرب من ساكاشفيلي هذا التهور، كذلك لم يتوقع ساكاشفيلي من روسيا هذه ‘النيت’ الروسية والرد العسكري الحاسم الذي انتهى بالمشكلة إلى مسار آخر بغير ما تشتهيه جورجيا. اضطر الرئيس الجورجي في نهاية المطاف إلى التوقيع على الوثيقة التي أعدها نظيراه الروسي والفرنسي حول وقف إطلاق النار ببنودها الست. ورغم أن وزير الخارجية الفرنسية برنير كوشنار (بصفة فرنسا رئيسة للاتحاد الأوروبي) قد صرح بأن اتفاقية السلام بين روسيا وجورجيا التي تمت بوساطة فرنسية لا تتطلب توقيعا من أحد. وهي تعمل على أساس تأكيدات شفوية، إلا أن الذي أقنعه بالموافقة على ذلك هي السيدة كونداليزا رايس، وزير الخارجية الأميركية التي وصلت إلى تبيليسي خصوصا لهذا الغرض. صحيح أن ساكاشفيلي أوضح بشكل حاد أنه لن تكون هناك أية مساومات بشأن الوضع القانوني لأوسيتيا الجنوبية وجورجيا وأن رايس أيدته في ذلك عمليا، إلا أن الرئيس الروسي وحتى كتابة هذا المقال يوم الجمعة لم يوقع الاتفاقية التي كان أحد معدي نصها والتي وقعها أيضا رئيس أبخازيا سيرغي باجالش ورئيس أوسيتيا الجنوبية إدوارد كوكويتي. وقال ميدفيديف أنه سيوقعها بعد توقيع تلك الأطراف كوسيط.
البنود الست تنطق كالتالي: عدم اللجوء إلى استخدام القوة، الوقف النهائي لكل العمليات العسكرية، ضمان الوصول الحر للمساعدات الإنسانية، عودة القوات المسلحة الجورجية إلى مواقعها الدائمة قبل الحرب، القوات المسلحة الروسية تنسحب إلى ما وراء الخط المحدد قبل بدء العمليات العسكرية، إلى أن يتم إيجاد آليات دولية تقوم قوات حفظ السلام الروسية باتخاذ تدابير أمنية إضافية، كما يبدأ بحث دولي في مستقبل الوضع القانوني لأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وطرق ضمان أمنهما الوطيد.
استمر المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس ساكاشفيلي ووزير الخارجية الأميركية رايس ثلاث ساعات بدا فيها ساكاشفيلي غاضبا كثيرا من الغرب الذي وقف في مؤتمر الناتو الأخير في بوخارست أبريل/ نيسان الماضي ضد قبول عضوية جورجيا وأوكرانيا في الناتو. وبدت رايس في محاولة لحفظ ماء الوجه تحاول بالدبلوماسية تعديل ما تغير على أرض الواقع بسبب العمليات العسكرية.
الرئيس بوش قال أن أميركا وحلفاءها يقفون إلى جانب جورجيا ورئيسها المنتخب ديمقراطيا كتفا لكتف، وأن على روسيا أن توف بتعهداتها. لكنه هو الآخر تحرك خطوة باتجاه موسكو حين قال أن ‘العلاقات السيئة بين روسيا والولايات المتحدة لا تتوافق ومصالح أي من البلدين’.
ولم تبد أوروبا موحدة في مواقفها. المستشارة الألمانية ميركل بعد محادثاتها مع ميدفيديف في سوتشي أوضحت بأن أعمال روسيا غير مقبولة وأن سلامة الأراضي الجورجية تبقى غير قابلة للمساس ليس بالنسبة لأميركا فقط. كانت ميركل وميديفيديف قد اتفقا على هذا اللقاء الرابع بينهما منذ قمة ‘الثمانية الكبار’ لحل كثير من القضايا المعمقة بينهما، لكن أحداث أوسيتيا الجنوبية فرضت نفسها على اللقاء.
ميديفيديف أكد من جديد على موقف روسيا بأن كامل المسؤولية جراء انتهاكات الحقوق الفظة تقع على عاتق القيادة الجورجية. وقال بأن ‘روسيا اتخذت من الإجراءات ما سيعلم ساكاشفيلي بألا يحلم بمثل هذا السيناريو في المستقبل أيضا’. بذلك كان الرئيس الروسي يشير إلى ضرورة التقيد بالمبادئ الستة التي تضمنتها اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة.
ومع ذلك ظلت ميركل أقرب إلى الوقف الأميركي معتقدة بأن رد الفعل الروسي لم يكن على قدر الوضع حتى حسبما وصفته روسيا نفسها. واعتبرت مسألة وحدة الأراضي الجورجية مبدأ أساسيا لحل النزاع. ومع مطالبة ألمانيا بانسحاب روسيا مما أسمته بالحدود ‘النووية’، إلا أنها لم تطالب بانسحاب قوات حفظ السلام الروسية من أراضي الجمهوريتين غير المعترف بهما. ودعت إلى زيادة دولية لهذه القوات بحيث تراعي الموضوعية.
وإذ لم يعترض ميديفيديف على ما قالته ميركل، وأكد استعداد روسيا لتزويد الأوروبيين بكل الوثائق الحية التي تبين حجم الكارثة، لكنه بدد أمل الأميركيين والأوروبيين حين أكد، فيما يتعلق بالقوات الدولية، على أخذ رأي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في ذلك. فهما، وعلى أساس خبرة الخمسة عشرة عاما الماضية، لا تثقان بغير الروس كما قال. واستشهد بمسألة استقلال كوسوفو حين رفضت الأخيرة مشاركة قوات منتدبة من قبل الأمم المتحدة لحفظ السلام وطلبت تشكيلها على أساس انتداب من قبل الاتحاد الأوروبي، وتمت الاستجابة لطلبها.
ومرة أخرى اتخذت ميركل وجهة النظر الأميركية فيما يتعلق بتوقيع بولندا والولايات المتحدة على اتفاقية بشأن الدفاعات المضادة للصورايخ معللة بأنها موجهة ضد أخطار محتملة من جانب إيران وبلدان أخرى. وأشارت إلى موقف سابق بأهمية اجتذاب روسيا أيضا إلى هذه العملية.
ميدفيديف رد بحدة مؤكدا أن هذا النظام ومجمل نظام الدفاعات المضادة للصواريخ الأميركية في اوروبا موجه ضد موسكو مباشرة، وأنه قد تم اختيار اللحظة المناسبة لهذه الإجراءات. إن أية حجج حول بلدان مارقة ما لا تبرر هذه الإدعاءات. لكن ‘النيت’ الروسية الحاسمة كانت من قبل القيادة العسكرية الروسية التي أكدت على أن العقيدة الروسية تعني أن بولندا أصبحت بذلك في مرمى ضربة نوية روسية إن هي مضت على الطريق.
اللاءات الروسية القوية آخذة في التزايد، وهي تعني بأن حقبة جديدة من التوازنات الدولية قد بدأت، وأن على بقية دول العالم أخذ ذلك في الاعتبار.
 
صحيفة الوقت
18 اغسطس 2008

اقرأ المزيد