المنشور

النهضة والصناعتان الثقيلة والخفيفة


كان العديد من أنصار المعسكر الاشتراكي يُصدمون حين يرون منتجات الصناعة الخفيفة فيها، فيذهلون من حجم الفرق بين الحديث عن إنجاز الاشتراكية والتقدم الباهر، وبين تواضع تلك الصناعات والعديد من الخدمات الأخرى.
ولكن ذلك لا يستدعي الدهشة لو كان ثمة تفكيرٌ تاريخي، فصناعة تلك الدول المسماة اشتراكية لم تهبط من علٍ ولم تـُخلقْ بإرادةِ ساحر، بل هي نتاجُ دولٍ متخلفة صعدتْ إلى الصناعة في ظرف قياسي. في روسيا جرى ذلك عبر خمس وسبعين سنة، وانقصْ منها الحروبَ الأهلية والتدخلات الأجنبية والحرب العالمية الثانية، فكم يبقى من سنوات للصناعة؟ وفي الصين جرى ذلك خلال نصف قرن وبلغت مستوىً مذهلاً. 
 
وكان لهذا التسريع منجزاته وسلبياته، فهو لم يأت بقوانين التصنيع الرأسمالية المعتادة بل جرى بإرادة التصنيع الحكومي.
لقد قامت النهضة الأوروبية الغربية على أسس التدرج الطويل، فمهدت سنواتُ النهضة لتلك القفزة الصناعية عبر انتشار الثقافة العلمية وخروج النساء من المنازل، وهذه النهضة بدأت من القرن الخامس عشر الميلادي، ثم جاءت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، محولة الورش والمعامل اليدوية إلى مصانع تعمل بالمحركات، وتوجهت للصناعات الثقيلة والخفيفة في ترابطات وتداخلات معقدة.
وكم جرى في هذه النهضة من جرائم مثل سلب القبائل والشعوب البدائية الكنوز والذهب، وتشغيل العمال عشرين ساعة وأكثر، مع غياب الخدمات الصحية والتعليمية للعمال وأسرهم!
حتى إذا جئنا للقرنين التاسع عشر والعشرين تكون هذه الدول قد بلغت مبلغ الدول الواسعة الصناعة، وهذا جعل قدراتها على إقامة مصانع الحديد والصلب والفولاذ والمحركات والقطارات والكهرباء مقياسا عالميا، وفي ذات القرون كانت تنمي صناعاتها الاستهلاكية والخفيفة، وهي التي تعيش على الأولى وتنمو وتتوسع بها.
ويترابط مع هذا كله نظام استغلال مطلق للمواد الخام من بقية دول العالم، حيث تلعب الأساطيل الحربية دورها في شحن الموز والذهب والنفط والكاكاو، وتقوم بدور فتح الأسواق وفرض تجارة الأفيون وتغيير مسار اللؤلؤ والبهارات.
هذا النمو الاقتصادي الواسع الطويل الأمد لابد أن ينتج سلعاً أكثر جودة، فقد نشأت صناعات عديدة للسلعة الواحدة، في الدولة الواحدة وفي الدول الغربية كلها، فكانت الأسواق تلعب دور صقل السلع وتجويدها، ثم تبدلها وتنتج سلعاً جديدة من المواد الخام نفسها.
في حين إن الرأسماليات الشرقية الحكومية خاصة وجدت نفسها تفرضُ حدوداً جمركية ظهرت بشكل سياسي، وراحت تنشئ صناعات ثقيلة بنفسها، وتوفر الفوائض من أجل مصانع الصلب ومحطات الكهرباء والسكك الحديدية خلال سنوات طويلة مع الحصارات الاقتصادية والسياسية، وتعهدت برعاية الأسر المنتجة بمختلف المؤسسات الصحية والتعليمية.
وحتى في أزمنة الثورة الصناعية فيها كانت بعض السلع رديئة، مثلما قامت الثورة الصينية بتوسيع وتعميم مصانع الحديد في كل مناطق الصين، فجاء بعض الإنتاج سيئاً، وكانت الفؤوس تتحطم في الأرض الزراعية.
لكنها حين بلغت هذا المستوى من خلق الصناعات الثقيلة بدأت بالتوجه العلني للرأسمالية، فقد انتهت المهمة الكبرى، وهي المهمة الأسهل نسبياً من تشكيل الصناعات الخفيفة، فالصناعات الثقيلة تحتاج إلى إمكانيات علمية واقتصادية أبسط، كما تحتاج إلى عمالة واسعة رخيصة متوافرة بكثرة في بلدان مثل الصين وروسيا.
لقد كانت الدول الشرقية منذ فجر التاريخ تعتمد على حشود العمال مثل بناء الأهرام، فهذه الكثافة اليدوية تصنع المعجزات الاقتصادية، لكنها لا تفيد كثيراً في صنع الساعات والكاميرات.
فهذه تحتاج إلى مهارات عمالية كبيرة وإلى تطور الأسواق وتنافسيتها، أي إلى سلسلة من التغيرات في نمط العمالة والمناهج الدراسية وتعددية الأحزاب والصحافة (الحرة).
انظرْ كيف تعجز الدول العربية عن صنع مكيف أو ساعة أو سيارة رغم ضخامة بعض منشآت الصناعة الثقيلة كأفران الحديد، والصناعات البتروكيماوية، وهي تجلب العمالة الأجنبية الرخيصة أو تحول الريفيين إلى عمال لكي تشيد هذه المعامل الضخمة، لكن كل هذه الحشود لا تستطيع صنع ساعة واحدة.
إنها بذات النمط من الدول الشرقية ولكن بشكل أسوأ، فهي إضافة إلى شروط التخلف الشرقية المشتركة تحجر على النساء، وتعيش مدارسها في عالم قديم، وتغلب العمالة اليدوية والأمية عليها، أو تستورد العمالة الأجنبية كدول الخليج، أو ترحل عمالتها التقنية العالية إلى بلاد الغرب نظراً لتخلف هياكلها الاقتصادية والعلمية كالعديد من البلدان العربية.
إن مهمات الديمقراطية السياسية والثقافية تترابط مع عمليات التصنيع، وتقوم الدول الشمولية الشرقية بنقل الجاهز من الصناعات الملوثة من دون رقابة من الرأي العام أو تنشئ الصناعات الثقيلة وبعجز كبير عن إنتاج صناعات خفيفة، فتهرب الفوائض الاقتصادية للخارج من مختلف المسام.
والدول العربية أقرب إلى النمط الغربي في القرن السابع عشر، لكن التدخلات الحكومية في بعض السنوات خلقت بعض الصناعات الثقيلة وبدأت تعجز عن تطويرها وعن الانتقال للصناعات الاستهلاكية، في حين ان الفئات الوسطى تتوجه نحو الخدمات المالية والعقارية بشكل كبير، وقد بينت الأزمة المالية الراهنة خطورة سيادة هذا الاتجاه.

 
أخبار الخليج 24 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

شـــهادات روســـية عـن حــرب أكتــوبر (3 ــ 3)


تكمن أهمية الشهادة الثالثة الأخيرة التي نتناولها من شهادات شخصيات عسكرية قيادية روسية عن حرب اكتوبر 1973 من أهمية صاحبها والمكانة الرفيعة التي كان يتمتع بها في الجيش السوفيتي وما يمتلكه من مؤهلات وخبرات قتالية في المعارك التي خاضتها بلاده دفاعا عن أراضيها، ولاسيما خلال الحرب العالمية الثانية في مواجهة الهجوم النازي الألماني على الاتحاد السوفيتي. فقد بدأ الجنرال نيكولاي ايفليف حياته العسكرية عام 1942، وعمل في الملحقية العسكرية البحرية بالسفارة السوفيتية في لندن أثناء الحرب وشارك في واحدة من أخطر وأهم العمليات العسكرية للحلفاء ضد المحور، ألا هي عملية إنزال جيوش الحلفاء (الإنجليز والأمريكيين خصوصا) على الشاطىء الغربي لأوروبا لفتح جبهة ثانية.
وهو بهذا كان مؤهلا تماما، كمستشار كبير، لمساعدة المصريين على عملية العبور والنزول على الضفة الشرقية المحتلة للقناة. وكان من ضمن القلة القليلة من الخبراء الذين أبقاهم السادات من المستشارين الروس بعد ان طرد غالبيتهم العظمى عشية حرب أكتوبر. وأوفد الى مصر عام 1970 وظل فيها حتى عام  1976.  وهو يعد حينذاك عميدا للسلك الدبلوماسي العسكري في القاهرة.


يصف نيكولاي ايفليف حرب أكتوبر بأنها أول حرب عربية ــ إسرائيلية يخوضها الطرفان بأسلحة متطورة تجرب لأول مرة، سواء الأسلحة السوفيتية التي لدى الجانب المصري، أم الأمريكية التي لدى الجانب الإسرائيلي. ويضيف ايفليف أن هذه النقطة تشكل واحدة من أهم أسباب اهتمامهم بالحرب لمعرفة كيفية فاعلية هذه الأسلحة وأداء وتعامل المصريين معها كأسلحة متطورة، ضد خصم يملك هو الآخر أسلحة أمريكية متطورة.
ويشير الجنرال ايفليف إلى أنه كلف أثناء حرب اكتوبر بدراسة ومراقبة العمليات الحربية، وانه شارك في الحرب عندما ركب عبارة مع مستشارين سوفيت لا يتجاوز عددهم خمسة برفقة عدد من القادة العسكريين المصريين وعندما نزلوا على الضفة الشرقية للقناة وشاهدهم مجموعة من الجنود المصريين من الجرحى وغير الجرحى وعلموا بأنهم سوفيت، وتناهى الى مسامعهم بأنهم فوج روسي عسكري وان أفواجا روسية أخرى قادمة هللوا فرحين بقدوم الروس لتعزيز صمودهم مما يؤكد حسب قوله “شعبيتنا والمكانة التي يكنها لنا الجنود والشعب المصري”.


وباعتباره مكلفا بتسلم نماذج من غنائم القوات المصرية من الأسلحة والمعدات الإسرائيلية المتطورة المصابة، يقول ايفليف إن أثمن هذه الغنائم دبابة أمريكية “ام – 60” وطائرة تجسس استطلاعية أمريكية بدون طيار أسقطها المصريون ببنادق عادية. وانه وجد صعوبة شديدة في إقناع القيادة العسكرية المصرية بتسليمه كلتا الغنيمتين لإرسالهما إلى موسكو لدراستهما وتطوير الأسلحة السوفيتية اللازمة المضادة التي تشل فاعلية كل منهما. ذلك بأن السادات، حسب تعبيره، كان يخشى إغضاب الأمريكيين وهو يبيت النية لتوسيع علاقاته وتحالفه معهم بعد الحرب.
ويصف عملية العبور بأنها كانت عملية بطولية رائعة، وأن اختيار توقيت شن الحرب (يوم عيد الغفران لدى إسرائيل) كان اختيارا موفقا وذكيا، لكنه يأسف لعدم استغلال هذا التوقيت بشكل أكبر لتطوير الهجوم المصري والتوغل نحو العمق داخل سيناء مما أثار دهشته ودهشة القادة الميدانيين المصريين في الجبهات الأمامية. وكان السادات يبرر في البداية عدم التقدم بأنه تاكتيك لدفع القوات الإسرائيلية للتقدم الى الأمام نحو القوات المصرية وإيقاعهم بعدئذ في مصيدات لسحقهم.
ويضيف: “وكنا في البداية مع هذا التاكتيك الذي شاركنا المصريين في التخطيط له، ولكن لم يكن الأمر كذلك في النصف الثاني من الحرب إذ تحول التاكتيك لمخطط استراتيجي للسادات لجعل الحرب محدودة لا تتطور أكثر من ذلك”. وأشار الى أنه حتى وزير الحربية أحمد اسماعيل وعدد من القادة العرب طلبوا منه الاستمرار في التوغل بالتقدم داخل سيناء لكن السادات رفض ذلك. وهذا الموقف اتخذه السادات منذ ما قبل ثغرة الدفرسوار.


كما يكشف المستشار، الجنرال ايفليف، أنه بعد ثغرة “الدفرسوار” بدأت القوات الإسرائيلية تتقدم وتكسب عددا من المعارك المهمة، وانه لولا مباحثات الزعيم السوفيتي بريجينيف وضغطه على الرئيس الأمريكي نيكسون وتهديد موسكو بالتدخل في الحرب عسكريا إلى جانب مصر ليوقف الإسرائيليون تقدمهم ويقبلوا بوقف إطلاق النار لتمكن هؤلاء من الوصول الى شواطىء البحر المتوسط المصرية ولتمكنوا أيضا من قطع القوات المصرية في سيناء عن العمق المصري وبخاصة في ضوء تشدد جولدا مائير (رئيسة الحكومة الإسرائيلية حينذاك) التي كانت مع التقدم داخل العمق المصري من خلال “الثغرة” ومن خلال ساحل البحر المتوسط.
وحينما سئل ايفليف عن سر وقوف روسيا الى جانب مصر بالرغم من كل الإهانات التي ألحقها السادات بهم، كطرد الخبراء السوفيت والتشهير بهم في خطبه السياسية، أجاب بما مفاده أن مبدئية السياسة السوفيتية هي التي تفسر هذا الموقف، فلم يكن هذا الموقف من أجل سواد عيون السادات وإنما من أجل قضية شعب مصر الصديق العادلة لمساعدته على تحرير أراضيه المحتلة، كائنا من يكون رئيسه، السادات أو غير السادات.


وعلى الرغم من أن الرئيس الحالي حسني مبارك يعتبر نفسه امتدادا لسياسة السادات في التمسك بكامب ديفيد والحفاظ على «الصداقة« القوية مع أمريكا، فإن ذلك لم يمنع ايفليف من أن يكون موضوعيا في الإشادة به منوهاً بصداقته القديمة معه منذ أيام دراسته العسكرية في روسيا.
والحال ان شهادات القادة العسكريين الثلاثة تكاد تتوافق مع شهادات الضباط العسكريين المصريين الذين اختلفوا مع أسلوب إدارة السادات السياسية والعسكرية لحرب اكتوبر وفي مقدمتهم رئيس هيئة الأركان وقت المعركة الفريق سعدالدين الشاذلي.


وإذا كان الجيش المصري قد حقق كل تلك البطولات والانتصارات في حرب اكتوبر حتى في ظل الإدارة العسكرية والسياسية السيئة للرئيس الراحل أنور السادات فلك أن تتخيل كم كان سيحقق من بطولات أعظم، وصولا إلى تحرير سيناء بكاملها، لو كانت المعركة قد جرت في ظل قيادة الفقيد الرئيس الراحل عبدالناصر، ولو كان جميع المستشارين الروس لم يطردوا وشاركوا مثلا في معركة العبور. وسبق ان ذكرت ذات مرة أن توريط أو تورط موسكو عسكريا في هذه الحرب يجعل ضغوطها الدولية، كقوة عظمى، أكثر فاعلية وبخاصة حينما تخسر عددا من القتلى من مستشاريها مثلا، لكن السادات ما كان يعبأ أصلا لمعركة تحريرية شاملة من هذا النوع كما تأكد ذلك مقدما قبل الحرب ثم اتضح ذلك خلال مجريات الحرب ومواقفه وأسلوب إدارته لمعاركها.


أخبار الخليج 23 أكتوبر 2008

اقرأ المزيد

مـن‮ ‬يمـلك الإنتــرنت؟


السؤال أعلاه سؤال معقد ينجمُ عن المقدرة الهائلة التي تمتلكها هذه الشبكة على اختراق الحدود والحواجز، والوصول إلى مختلف شرائح المتلقين في كل القارات وبلغات مختلفة.  هناك دراسات مُوثقة عن أن الانترنت، كما هي سوق المعلومات كلها، خاضعةٌ للأقوى في مجال الإعلام والمعلومات، خاصةً وان حجم المادة المبثوثة بالانجليزية هي الطاغية على شبكة الانترنت مما يجعل الغلبة للثقافة الانجلوسكسونية. لكن هذا ليس بالضبط هو الموضوع الذي نحن بصدده، والذي فجرته منذ سنوات معركةٌ دارت بين القضاء الفرنسي وبين موقع ” ياهو” على الانترنت، وهو في الواقع اكبر من موقع لأنه يقدم خدمات عدة بينها البريد الالكتروني والإعلانات وحتى المزادات العلنية.  وهذه الأخيرة بالذات هي ما فجر المعركة، حين تقدمتْ لجانٌ ناشطةٌ ضد الدعاية النازية في فرنسا بدعوى أمام محكمة فرنسية ضد الموقع لقيامه بتقديم مزاد للتذكارات النازية، وبينها نماذج من الصليب المعقوف والبذلات الرسمية والميداليات، وطالب المدعوون القضاء بان يمنع مستخدمي الكمبيوتر الفرنسيين من الدخول إلى موقع” ياهو” الذي يقدم هذه المزادات.


أوروبا المُثقلة بذاكرة جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية وسنوات الاحتلال الألماني ما زالتْ مرعوبةً من أية دعاية جديدة للنازية، فكرةً وسلوكاً، لكن المشكلة نشأت حين استجاب القضاء الفرنسي للدعوى المرفوعة أمامه وأمهل شركة ” ياهو” ثلاثة شهور لإيجاد وسيلة تمنع بموجبها المستفيدين الفرنسيين من دخول الموقع الذي تُباع عليه تذكارات النازية، وإلا فإنها ملزمة بدفع غرامةٍ عن كل يوم تأخير بمبلغ ثلاثة عشر ألف دولار أمريكي.  وقد ردت “ياهو” مُتسائلة عن مدى صلاحية محكمة فرنسية في الحكم على موقع أمريكي، ومُبينة صعوبة بل واستحالة تنفيذ هذا الحكم، خاصة وان الولايات المتحدة لا تضع قيوداً على حرية إنشاء المواقع على شبكة الانترنت أياً كانت طبيعة هذه المواقع.  وحتى قبل سنوات كانت هناك إحصائية تشير إلى وجود حوالي ألفي موقع تروج للعنصرية والنازية الجديدة وتَفوق الجنس الأبيض وتحض على كراهية الأجناس الملونة، مستفيدةً من نطاقِ الحرية حيث ترفض الولايات المتحدة حتى الآن المشاركة في أية آلية لفرض نوعٍ من الرقابة على الانترنت. هذه القضية أثارت أسئلةً لها طابع قانوني وأخلاقي وثقافي وسياسي، وتساءل مدير “ياهو” عما إذا كان هذا الحكم القضائي يُشير إلى رغبة في جعل الانترنت قاصرةً عن تجاوز الحدود، كما هو حال الإعلام التقليدي الذي كان خاضعا لرغبات وحسابات الحكومات.


طبيعة الخدمة في شبكة الانترنت تجعل من المستحيل التَقيدْ بقوانينِ جميع الدول في آنٍ واحد، ودار حديث أيضاً انه في حال قُدر للحكم الفرنسي أن يُنفذ، فان ذلك سيشُجع حكومات الأنظمة القمعية على اللجوء إلى نفس الأسلوب لتعويق أداء مواقع الانترنت التابعة للمنظمات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. يطرح ذلك للبحث سؤالاً جوهرياً عمن يملك الانترنت، وقد تتعدد الأجوبة على هذا السؤال، لكن تبقى نقطةٌ جوهريةٌ ثابتة مفادها أن هذه الشبكة قد أنهتْ عهوداً بكاملها، ودشنت عصراً جديداً لم يعد بوسع أحد التحكم في سهولة وسلاسة تدفق المعلومات فيه، بصرف النظر عن طبيعة الرسالة التي تتضمنها هذه المعلومة أو تلك.
 
الأيام 23 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

هل ثمة إمكانية لاستعمار هندي للخليج العربي؟


أجيبُ عن سؤال (هل ثمة إمكانية لاستعمار هندي للخليج العربي؟)، بالقول إنه ممكن، ولابد هنا من النظرة الواسعة لتاريخينا السابق والراهن، ولتطور العالم المعقد.
فقد استأجرتُ بريطانيا في السابق درة مستعمراتها وهي الهند في التحكم عن بُعد في الخليج والجزيرة العربية، وهو تاريخ مشهورٌ معروف، ثم حين رأتْ الخيرَ الوفير في المنطقة استفردتْ هي بنفسها في هذه المنطقة واعتبرتها حكراً عليها.


ودارت الأيامُ الرأسمالية وتضعضعتْ بريطانيا وراحت درتها أو ضرتها القارة الهندية تصعدُ مزيحة سيدها القديم عن منصب التفرد في قارة آسيا، وتغلغلت جيوشُها السلمية في أمكنة الفراغات السكانية والسياسية والاجتماعية، ومضت تحتلُ المناصبَ التقنية والعمالية الواسعة وتبدل نسيجَ الخليج الذي كان عربياً رويداً رويداً، حتى سادت فيه من دون إطلاق رصاصة واحدة. 
 
ثم تبدل طابع التغلغل السلمي الهادئ وتغيرت المسكنة فإذا العمالة الهندية تمر من إضرابات وتحديات ولافتات تطالب بتغيير الحياة الاقتصادية في الخليج طبقاً لمن يعمل وليس لمن يسترخي في فلله وقصوره.
قال كاتبٌ عربي من دولة الإمارات المتحدة (العربية) إن الإضرابات العمالية الهندية وراءها تنظيمٌ يساري متطرف هدفه الدفاع عن حقوق العمال الهنود المستغـَلين في المنطقة بأشكال بشعة.
وأن يستطيع تنظيمٌ هندي ويساري متطرف كذلك أن يدبر كل هذه الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات فهو أمر خطر، وألا يكون معروفاً كتنظيم هندي بارز وأن يعبر حدود الخليج وأقطاره كلها بهذه البساطة والتوقيت المتزامن فهو أمر أخطر.
ولكن المسألة ليست مسألة تنظيم فهذا تنظيم خارق بالفعل، ولكنها دوائر النفوذ الحكومية والخاصة الهندية وقد بدأت تفرض أجندة جديدة على دول الخليج، وتستغل مساحات الحريات النقابية والاجتماعية في هذه الدول لكي تغير طابع العمالة الهندية في الخليج.
ولقد وُجِدت الظروف السيئة غير الإنسانية للعمالة الأجنبية منذ زمن بعيد، وكانت المنظمات اليسارية العربية في الخليج هي التي تصدت لمثل هذه الظروف من دون أن تحصل على أي تشجيع من الحكومات الهندية والباكستانية والبنغلاديشية وغيرها من أجل عمالها الوطنيين.
وتأخذ المسألة أبعاداً أكبر مع تبدل مراكز الرأسماليات العالمية في قائمة النفوذ الدولي، فلم تعد الرأسماليات الشرقية في روسيا والهند والصين وإيران وإسرائيل، بقابلة لحصصها من الأسواق والمواد الخام ومن الأرباح.
ويحدث ذلك خاصة في الرأسماليات الشرقية الكبرى كروسيا والهند والصين المتسمة بإمكانيات تصديرية كبيرة، وتأخذ الهند موقعاً خاصاً في هذا، فهي بلاد عملاقة من حيث عدد السكان، وهي تستقبل الشركات العابرة للقارات التي أحدثت ثورة صناعية وتقنية هائلة في هذا البلد الذي كان فقيراً، وهي قد امتصت مدخرات العمالة الهندية في الخليج بقوة، ولكن لم تعد هذه المداخيل كافية، وتتطلع إلى أهدافٍ أخرى مثل توطين العمالة الهندية، وتحويل العمال المهاجرين إلى مواطنين ومؤثرين في سياسات هذه الدول الصغيرة المحدودة السكان وغير المتعاونة مع بعضها والمضطربة سياسيا واجتماعيا.


ومن هنا كانت سفرات وزراء العمل الخليجيين على بساط الريح السحري للبحث عن عمالات أخرى في الدول المجاورة للهند وكان هذا أقوى اجتهاد رسمي خليجي.
وستكون للرأسمالية الهندية بعد سنوات أو عقود مكانة عالمية كبرى، لن تقل عن نفوذ الولايات المتحدة في عز قوتها السابق. فهي دولة نووية ومسلحة وجيوشها كثيفة العدد، وهي لا تتمدد بالقوة المسلحة بل بقوة العمل الهائلة الساكنة ثم بقوى السلع المتطورة عما قريب.
ومع تغير موازيين القوى الدولية واحتلال الهند مقعدها في الأعضاء الدائمين ورفض الشعوب الغربية المتنامي للنزهات العسكرية المؤلمة في الخارج، ووجود أعداد سكانية هائلة في الهند يمكن الاستغناء عنها لمصلحة التقدم الإنساني الخير، حينذاك يصبح الاستعمار الهندي لمناطق النفوذ وللبلدان التي تمتعت فيها بصداقات قوية حقيقة واقعة.
وسوف تظهر قوانين جديدة من الأمم المتحدة تتوجه لردع تلك الدول ذات النمط غير الإنساني التي تعامل العمالة الأجنبية بفظاظة وقهر وظلم، ويتم تغيير القوانين والجوازات والمواطنة.
لقد قامت دول الخليج باقتطاع نفسها من محيطها العربي، ثم وسعت السياحة في المحيط الهندي ووصلت في ذوبانها إلى بحر الصين.
وجلبت هذه الأعداد الكثيفة من المهاجرين حتى صارت جزءاً من تضاريسها.
وتقوم قواها السياسية والاجتماعية بصراعات يومية حول تبليط الشوارع ووضع المصابيح ولبس النعال ولعدم التهام الشواطئ من قبل حيتان البحر والبر، ثم تخسر المليارات من الدولارات في غمضة عين من واشنطن.
وهي تضخم أجهزة دولها بالعاطلين وترعى الرفاه الواسع للنساء ليجثمن مستقرات في بيوتهن، والعالمان البعيد والقريب يغزوانها وينهبانها ويحتلانها فإلى متى تظل في هذه الصراعات السياسية اليومية وفي الخطط الوهمية بالتطور والعصرنة؟
نعم هناك احتمال لاستعمار هندي وربما حتى بنغلاديشي وصيني.


أخبار الخليج 23 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

ثلاث شهادات روسية عن حرب أكتوبر ( 2 -3 )


الشهادة الروسية الثانية عن جوانب من خفايا وأسرار حرب أكتوبر التي خاضتها مصر وسوريا ضد إسرائيل عام 1973 جاءت على لسان الجنرال الروسي الكسندر… (لم يتسن لي التقاط اسمه الثاني) وذلك ضمن مقابلة أجرتها قناة «روسيا اليوم« معه ومع الدكتور ناصر قيدان، وهو أستاذ سوري متخصص في العلوم السياسية. وقد انصبت أغلب ردود هذا الأخير على الدور الذي لعبه الجيش السوري في حرب أكتوبر التي خاضها إلى جانب الجيش المصري، بما في ذلك الجاهزية القتالية العالية، والاستعدادات التي جرت لهذه الحرب، وبضمنها التدريب واختيار وتحديد مواقع الاقتحام.


وأضاف الدكتور قيدان أن سوريا بالرغم من أنها كانت مجبرة على وقف إطلاق النار في 22/10/1973 فإنها ظلت في حالة حرب استنزافية مع العدو الإسرائيلي لمدة 82 يوماً، أي حتى توقيع اتفاقية فك الاشتباك على الجبهة السورية مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقية مماثلة على الجبهة المصرية.
كما تحدث الدكتور قيدان عن البطولات التي حققها الجيش السوري خلال حرب تشرين مع إسرائيل، بما في ذلك تحرير القنيطرة ومواقع عند أو على “جبل الشيخ”. وأشار إلى أمثلة من تلك المعارك التي انتصر فيها الجيش السوري، بما في ذلك تمكن الدبابات السورية من اختراق العديد من المواقع الإسرائيلية وتحريرها.


أما الشهادة التي أدلى بها الجنرال الروسي الكسندر في هذه المقابلة التلفزيونية، وهي موضع حديثنا فقد تضمنت إشارات وتوضيحات عن الحالة التي كان عليها الجيش السوري غداة هزيمة 67 مقارنة بالحالة والجاهزية العالية التي أصبح عليها عشية حرب أكتوبر 1973. وضرب الكسندر مثلاً بكيفية مساعدة موسكو الجيش السوري في تطوير دفاعاته الجوية وبضمنها المعدات والآليات الصاروخية المضادة للطائرات والتي لم تكن متوافرة لدى هذا الجيش أثناء حرب نكسة يونيو 67م.


ورداً على سؤال عما إذا كانت موسكو على علم بموعد الحرب، أجاب هذا الجنرال الروسي بالإيجاب مؤكداً أن السوفيت لديهم علم مسبق بموعد شن الحرب. وأن المستشارين الروس أبلغتهم قيادتهم في موسكو باتخاذ أقصى الاستعدادات والتعاون الممكن مع المصريين والسوريين، إذا شنت الحرب، بل ان بعض هؤلاء المستشارين شارك في الحرب، وهذا نفس ما سبق أن أكد عليه كبير المستشارين العسكريين الروس في مصر الجنرال محمود جارييف في شهادته التي استعرضناها يوم أمس. كما تتطابق شهادة الجنرال الكسندر مع شهادة جارييف فيما يتعلق بثغرة الدفرسوار التي أعاقت تقدم القوات المصرية حيث أكد أن المستشارين السوفيت حذروا القيادة العسكرية المصرية من خطورتها وترجيح تمكن الجيش الإسرائيلي من اختراقها للتوغل داخل العمق المصري غربي القناة والبحر الأحمر.


وأشاد الكسندر بأن التضامن العربي الرسمي الذي ظهر خلال الحرب كان أروع أشكال التضامن العربي في تاريخ العرب الحديث ضد احتلال أجنبي حيث قطعت الدول العربية النفطية البترول عن أمريكا وأرسلت قوات عراقية وجزائرية وأردنية وسعودية وكويتية لمساندة مصر، ناهيك عن بعض الفرق العسكرية العربية الموجودة قبل الحرب. وأشاد الكسندر بالدور الكبير الذي لعبه التنسيق المصري ــ السوري المشترك للتحضير للمعركة، بما في ذلك اختيار توقيت شن الحرب. وأبدى أسفه لانفراد السادات بالتحكم في مسار العمليات العسكرية وغياب التنسيق الكافي بين القيادتين المصرية والسورية في تطوير المعركة التحريرية لسيناء وللجولان، بما في ذلك انعدام هذا التنسيق في موضوع قبول وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر .1973
وأشار الكسندر إلى الدور الذي لعبه الجسر الجوي الأمريكي لإمداد الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية وتعويض خسائرها الفوري في الحرب من خلال هذا الجسر. وهو الجسر الذي قابله جسر إمدادات سوفيتي مضاد لتعويض الجانبين المصري والسوري عن خسائرهما في المعركة. كما أكد هذا الجنرال الروسي في شهادته أنه لولا هذه الحرب التحريرية المصرية ــ السورية المظفرة حتى بالرغم من كل ما اعتورها من أخطاء قاتلة أدت إلى الحد من زخم انتصاراتها بسبب سوء إدارة الرئيس المصري السادات السياسية والعسكرية لها، عدا عن عدد من الأخطاء العسكرية التي وقع فيها كلا الجانبين المصري والسوري، لما كان يمكن لمصر استرداد سيناء بعدئذ حتى بتلك التنازلات المجحفة التي قدمها السادات في “كامب دافيد” عام 79م.


وأخيراً فقد تطابقت شهادة الجنرال الروسي الكسندر مع شهادة كل من محمود جارييف التي تناولناها يوم أمس وشهادة الملحق العسكري نيكولاي ايفلييف التي سنتناولها غداً من أن السادات كان يخطط منذ البداية لأن تكون هذه الحرب التحريرية حرباً محدودة لكي يستغلها لمواصلة خططه للتقارب الكامل والمراهنة على الحلول التسووية برعاية أمريكا والابتعاد نهائياً عن الاتحاد السوفيتي حيث اعتبر الأولى هي التي تملك 90% من أوراق الضغط في حل الصراع العربي الإسرائيلي.
 
أخبار الخليج 22  اكتوبر 2008
 

اقرأ المزيد

مؤتمــر الأجـــور


يُسجل للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين تنظيمهُ لمؤتمرٍ حول موضوع الأجور، والذي انعقدَ يومي السبت والأحد الماضيين، ويأتي هذا المؤتمرُ في سياقِ نشاطٍ نوعيٍ ملحوظ للاتحاد في تبني قضايا الطبقة العاملة في البحرين والدفاع عنها.  وحرصَ الاتحادُ على مشاركةِ أطراف الإنتاج الثلاثة ومنظمة العمل الدولية وعددٍ من الخبراء المهتمين بقضايا العمال، وذلك بهدفِ فتح ملف الأجور في مواجهة ما يُعانيه عُمالنا والفئات الكادحة والشرائح الأقل دخلاً في المجتمعِ من تدنٍ في الأجور، خاصةً أمام موجات الغلاء والارتفاع الجنوني في الأسعار، وهو ارتفاعٌ لم تؤدِ ولن تؤدي الأزمة المالية العالمية إلى تخفيضه.

 الأمين العام للاتحاد سلمان المحفوظ اعتبر، مُحقاً، موضوعَ الأجور ملفاً لا يخصُ العمالَ وحدهم، وإنما هو ملفٌ وطني بالمعنى الشامل للكلمة، ينطوي على أوجهٍ اقتصادية واجتماعية، وحتى سياسية، وبالتالي فان مسؤولية مقاربتهُ تقعُ على عاتق جهات عدة: نقابية وتشريعية وحكومية أيضاً، بهدف وضعِ إستراتيجية لرفع مستوى المعيشة، كما هو ملف أصحاب العمل والشركات والمجتمع المدني الذين يهمهم تحسين القوة الشرائية والنهوض بالوضع المعيشي للمواطنين.  

لقد عُرضتْ في المؤتمر المذكور تصورات الجهات المعنية بموضوع المؤتمر، وقُدمتْ أوراقٌ لباحثين ومختصين سلطت الضوء على خطورة وأهمية مسألة الأجور في تحقيق الحدود الضرورية من العدالة الاجتماعية، وإشراك أطراف الإنتاج، وبصورة أساسية العمال من خلال أدواتهم النقابية، ممثلة في الاتحاد العام لنقابات العمال في تحديد الأجور. وحَظيَ المؤتمرُ برعايةٍ رسميةٍ من قِبل سمو نائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وجرى النظر إلى هذه الخطوة على أنَ الدولة مهتمةٌ بالموضوع الذي يناقشهُ المؤتمر، لذلك فان التطلعَ هو ألا ينحصرَ هذا الاهتمام في متابعة مناقشات المؤتمر، وإنما يتعداه نحوَ الالتفات الجدي إلى التوصيات الصادرةِ عنه، ليس فقط لكونهِ المؤتمر الأولَ من نوعهِ بهذا الاتساع والأهمية، وإنما أيضاً لأن الحركة النقابية، وهي تنظمهُ، تتطلع إلى أن يكون رافعةً لتصحيحِ الخلل الواقع في مسألة الأجور، والذي ما انفك النقاشُ يدور حولها منذُ سنوات، دون أن نصلَ إلى معالجةٍ جادةٍ ورشيدةٍ لهُ من قِبل الدولة. وقد آن الأوان لان تسوى هذه المسألة وسواها من مسائل ذات صلةٍ بالضمانات الاجتماعية للفئات الكادحة، والالتفات إلى الأبعاد الاجتماعية للموضوع ممثلاً في المصالح الحيوية للناس، حتى يستقيم النمو الاقتصادي، خاصةً مع سطوة الغلاء، ومع التداعيات الآتية لا ريب فيها للأزمةِ المالية التي تعصفُ بالعالم، والتي أظهرتْ أن التمادي في اقتصادِ السوق الخالي من الضوابطِ الاجتماعية لا يمكنْ أن يؤدي إلا إلى الخراب.


الأيام 22 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

العلوي‮ ‬يستحق الإشادة


 
لابد لأي منصف أن يوجه شكره إلى وزير العمل د. مجيد العلوي على الجهود التي قام بها منذ توليه لحقيبة وزارة العمل، والإشادة التي وردت في الخطاب الملكي السامي لوزير العمل جاءت لتدعم هذه الجهود.


فبعد تعيينه وزيراً للعمل وما صاحب هذا التعيين من هرج ومرج، كيف لمعارض سابق ان يكون وزيراً، أخذت الإشاعات والطعنات والأفلام الهوليودية التي لم ينزل الله بها من سلطان تثأر عن الوزير.


ومنذ الأيام الأولى كان تصريح وزير العمل لافتاً جداً، فقد قال ” لن تأخذه في البحرنة لومة لائم”، وها هي مشاريع البحرنة تأخذ مجراها.
جاء الوزير القادم من لندن بحزمة من الاقتراحات والأفكار التي استطاع من خلالها ان يقلص من نسب البطالة، وهذا أمر لا يحتاج الى تبيان فهو بائن، ولكن في ذاك الوقت اعتبرت تصريحه استعراضياً كالتصريحات الصفراء التي تدغدغ ولا تسمن، ولن يكون ما يرمي اليه ملموساً على أرض الواقع وستكون قوائم العاطلين هي هي، لكنه جاء بخلاف التوقعات وقدّم لأجل البحرنة والعاطلين الشيء الذي يذكر.


وزير العمل يحتاج الى المساندة حتى يتحقق هدفه وهدفنا من الانتهاء من قوائم العاطلين ووقف العقود المؤقتة، ورفع أجور العمال والتوافق معهم لتشكيل نقاباتهم الخاصة في القطاع العام.


تحقق الكثير، وخطونا عتبات عالية في ظل إدارة العلوي لوزارة العمل، ولكن مازالت هناك ملفات عالقة تحتاج إلى حلول سريعة.

الأيام 22 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

نظرية التطورِ مثبتة علميا


إن نظرية التطور لصاحبها تشارلز دارون نظرية مثبتة علميا، وليس ثمة مجال لأي جعجعة مضرة بالعلم والدين معاً.
ليس هذا ما نقوله بل هو أمرٌ صار من شؤون معاهد الأبحاث والجامعات.
فالوليدُ في بطنِ أمه تم تصوير تحولاته وكيف يعيش دورة الكائنات من كونهِ سمكةً حتى يمر بدور الحيوانات التي لها ذيول حتى يستوي إنساناً متجاوزاً لهذه المواضي الحيوانية. صورةٌ تختصرُ تاريخاً طويلاً وغنيةٌ عن أي بيان.
انها أشكالٌ مصورة لا تقبل الدحض وصار الذيلُ الذي يبرز في لحظات من تطور الجنين مادةً للضحك على أصل الإنسان. 
 
يمكن لنا في مقالات أخرى أن نوضح ضخامة دور نظرية التطور في العلوم وفي التطورات البشرية الثورية المعاصرة. ويكفي هنا القول إن الغربيين وهم يستعدون لسكن الكواكب القصية جداً، يستعينون بنظرية التطور.


فكيف تدخل مثل هذه النظرية في مسألة غزو الفضاء؟


انهم يقومون بقراءة كيفية نشوء الكوكب الأرضي ومراحله، ويبحثون عن الكواكب المشابهة له في العمر والظروف، وقد وجدوا قمراً في مجموعة (شمسية) مقارباً لنشأة الأرض، ويعيش ظروفا مشابهة.
ويحدث هنا درس لنباتاته وكائناته المحتملة وكيف يؤثر اتساع الأوكسجين في أشكال هذه الكائنات، وقد عرض هذا في الأفلام العلمية في الفضائيات حتى صار عاديا. والعلماء الغربيون يتجهزون فعلاً ليكونوا شركاء في مثل هذا التطور، وفي استعمار الكون وتفيدهم النظريات العلمية في هذا التوسع، الذي هو بالنسبة إليهم حالة يومية قابلة للتنفيذ بسبب الميزانيات الضخمة المبذولة على العلم وعلى اكتشاف الكواكب والفضاء عامةً.


انها نظرية تفتح آفاقاً خطيرة على تاريخ الإنسان وتطوراته. وليس ممكناً لعاقل على هذه الأرض اليوم أن يجرؤ على القول بضلال غزو الفضاء وبطلان نظريات نشوء الكون التي تغدو مسائل يُبرهن عليها في المعامل المكلفة.
وفي الطب لنظرية التطورِ تطبيقاتٌ هائلة، وقد أدت المقارباتُ في دراسة الإنسان والقرد إلى العثور العلمي، وليس التهويمي والخيالي، إلى وجود نسبة عالية من التشابه البيولوجي (الجسدي) بين هذين الكائنين، ويصل إلى 95% من كيانيهما. وهذا تحديدٌ علمي أرجو أن يتفضل أحدٌ من الأطباء والمختصين بالبيولوجيا بتفنيده إذا كان خاطئاً.


وأن يكون للسمكة عينان وللأسد عينان وللإنسان عينان فهذا ليس كذلك مصادفة. هذا سجلٌ لتطور الكائنات، وتاريخٌ طويلٌ جرى في المحيطات، حتى أعطاك التطورُ أكملَ منجزاته.
ويتم في الطب خاصة الاستفادة من هذه المقاربات، وصار العلاج يجري بعد سلاسل من التجريب في الحيوانات، ولو كانت غير مقاربة لنا، ونائية عنا، ما قاموا بمثل هذه التجارب.


وقد حدثت ثورات في مجال البيولوجيا والكيمياء الحيوية بسبب ذلك.
ولكن هذا كله لا يعني خدش معتقدات الناس الدينية، وتحقيرها، وكذلك لا يعني التجمد عند نصوصها، ولنا في الغربيين أسوة حسنة، فقد قاوموا طويلاً النظريات العلمية وحرقوا أصحابها، وأبعدوها عن مجال الدرس والتربية، فما أفادهم ذلك شيئاً، بل أضر بهم. فكان أن أقبلوا عليها واستفادوا منها استفادةً عظيمة، من دون أن تزول المسيحية أو يخبو شأنها.
والتجربة يجب أن نستفيد منها لا أن نعيد تكرار أخطائها، فنظراً لتأخرنا علينا ألا نقاوم العلوم المجربة والتحقيقات المغيرة للعالم، التي مُحصت وجُربت وأفادت، وهذا لا يعني كذلك إلغاءنا لتاريخنا وتراثنا، فهما ركيزةُ عالمنا، ولنا وحدنا أن نكيفهما مع حداثة العالم.
وقد عملَ أجدادُنا في ظروف بسيطة وقاسية وفي محدودية علمية ثم تطوروا وابتكروا، وفسروا الماضي وتأولوا وفتحوا الآفاق.
وحتى إننا نجد بذورَ نظرية التطور لدى ابن خلدون وفي التراث الإسماعيلي، وقد وصلوا بالحدس إلى كون الكائنات من شجرة واحدة. وقد قال بعضُ الهندوس إنني اتألم حينما أقطعُ شجرةً.
وكم قام أطباؤنا وعلماؤنا بتشريح الحيوانات، والاستفادة من نسيجها المشابه للبشر، وابتكروا الأدوية المفيدة بناءً على ذلك!
ولكن هذا لا يعني المطابقة المعنوية والأخلاقية والفكرية بين عالم الإنسان وعالم الحيوان.
فللإنسان تاريخهُ الطويل الغني الحضاري المختلف، وقد تكون قد حدثت مقاربات للأجساد أما الثقافة والعقول والأخلاق فهي مكونات الإنسان والحضارات.
وقد تجمدت الكائناتُ الأخرى في مستويات دنيا، لأسرار وعوالم وأسباب لا تزال تخضع للدرس، ولا نزال نجهل كيفية نشوء الإنسان تماماً، ولا نزال لم نفك أسرار الكتب الدينية كليا.
ولكن الذي لا يقبل الدحض هو وجود العائلات الكبرى في عالم الطبيعة، التي سُميت الأنواع، التي تكونت في جغرافيا مشتركة.
ويجب ألا ندخل في معركة مجانية ضد العلوم، ونحجر النظريات الحديثة في المدارس والجامعات، مثلما أن علينا أن نؤصل جذور طلبتنا وشبابنا في تراثهم، غير صانعين تضادات بين الجانبين، وغير موجهين الأجيال الجديدة للصراع ضد العلوم والنظريات الحديثة، فهذه الصراعات تضرنا، وتعطلنا.
ولا شك أن ذلك سوف يؤدي إلى صراعات في العقول والمستويات، وإلى عدم قبول من الفريقين المتضادين المتطرفين الذين دينوا العلوم، والذين أنكروها أو أنكروا ما اعتقدوا أنه مضاد مع الأديان.
ولكن الموقف العقلاني المنفتح سوف يوجد حلولاً لهذه الصراعات والتناقضات المعرفية، على مستوى الممارسة الطويلة التاريخية، حين نعمق العلوم في حياتنا، وحين نقدر على قراءة النصوص الدينية بانفتاح ونضج.


أخبار الخليج 22 أكتوبر 2008

اقرأ المزيد

ثلاث شـهادات روسـية عن حـرب أكتـوبر (1)

كانت اكبر خطيئة ارتكبها الرئيس المصري الراحل أنور السادات بحق جيشه وشعبه وامته العربية عشية الاستعداد لحرب أكتوبر قيامه بطرد الخبراء والمستشارين الروس العسكريين والذين يقدر عددهم حينذاك، ان لم تخني الذاكرة، بثلاثة آلاف خبير ومستشار عسكري، وذلك في سياق خطوات تقاربه المتلاحقة المبيتة نحو الولايات المتحدة، مصورا ضمنيا هؤلاء الخبراء والمستشارين وكأنهم قوات احتلال اجنبي، في حين ان مصر نفسها هي التي استقدمتهم في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لمساعدة مصر من اجل اعادة بناء قواتها المسلحة المدمرة اثر هزيمة حرب يونيو 1967 مع اسرائيل.
وحينما استلم السادات السلطة بعد وفاة عبدالناصر لم تكن مهام هؤلاء الجنرالات والقادة والخبراء العسكريين السوفيت قد انتهت كليا بالرغم مما انجزوه من مهام عديدة في مساعدة مصر على اعادة بناء قواتها المسلحة والتي في مقدمتها تدريبها على كيفية استخدام الاسلحة الجديدة المتطورة التي زود بها الاتحاد السوفيتي مصر بعد هزيمة يونيو فضلا عن مساعدتها على وضع الخطط اللازمة لمعركة عبور القناة وتحرير شبه جزيرة سيناء.
ومن حسن الحظ ان السادات قد أبقى على عدد محدود من الجنرالات الروس المستشارين والخبراء، وكان من ضمنهم الجنرال محمود جارييف كبير المستشارين العسكريين بالاضافة الى عدد محدود، والذين ما كانت قيادة الجيش المصري تستطيع الاستغناء عنهم للمستلزمات الفنية العسكرية الضرورية والطارئة المتعلقة بصيانة وتشغيل واصلاح المعدات والآليات العسكرية الجديدة التي زودت موسكو بها القاهرة.
ويعد هذا القائد العسكري السوفيتي الكبير من كبار القادة العسكريين الروس الذين يتمتعون بمؤهلات وخبرات عسكرية عالية وكبيرة، فقد سبق ان شارك في الحرب العالمية الثانية لصد الهجوم العسكري الالماني النازي على روسيا ابان تلك الحرب. وقد عين في عام 1970 مستشارا عسكريا رئيسيا لهيئة اركان القوات الحربية المصرية. وفي عهد السادات، وتحديدا خلال عامي 1971-1972، تم تكليفه بتقديم مساعدة للقيادة العسكرية المصرية لرفع جاهزية الاستعداد العسكري الميداني للجيش المصري بما في ذلك ادارة فرق الصواريخ والمدفعية السوفيتية المضادة للمقاتلات الجوية الاسرائيلية في حرب الاستنزاف واستعدادا لمعركة التحرير القادمة.
كما يكشف الجنرال السوفيتي جارييف في لقائه مع قناة روسيا اليوم انه تأكد له من مصادره ومعلوماته الخاصة توجه السادات للابتعاد عن الاتحاد السوفيتي والتقارب نحو امريكا منذ اطاحته برفاق عبدالناصر المتمسكين بخطه الوطني القومي في 15 مايو عام 1971، وانه رفع تقارير بذلك لمخابرات بلاده وللقيادة في موسكو لكنها لم تصدق او تكترث بتقاريره. ويضيف انه ذات مرة قال له السادات اثناء احدى المناورات العسكرية «ساعدوني على استرجاع عشرة سنتيمترات من الضفة الشرقية فقط وسأصرخ أمام الملأ ان العالم نسي قضية الشرق الأوسط، وسأحرك من جانبي الضغوط الدولية على اسرائيل لتنسحب من بقية الأراضي المصرية المحتلة في سيناء«.
وهذا ما يفسر، حسب جارييف، سر عدم توغل الهجوم المصري باتجاه المضائق والممرات المحتلة داخل سيناء. ويؤكد جارييف ان حتى ثغرة الدفرسوار كان المستشارون العسكريون السوفيت على علم بها قبل الحرب وحذروا القيادة المصرية بخطورتها. والاغرب من ذلك انه كانت ترابط فيها أو على مقربة منها كتيبة لاحدى الدول الخليجية كانت تعيش في مخيماتها برفاهية اشبه بمعيشتها في فنادق الخمسة النجوم.. فكل ضابط له مساعدوه وخدمه الخاصون، والمخيمات كانت مكيفة ومزودة بالثلاجات و«العفش« الثمين والمؤن الغذائية الشهية المميزة. وان هذه الكتيبة الخليجية فرّت منذ بدايات الساعات الأولى للهجوم الاسرائيلي باتجاه «الثغرة«.
واعترف الجنرال الروسي جارييف بخطأ موسكو في عدم مساندة الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية الراحل في صراعه ورفاقه القادة السياسيين من جهة مع الرئيس السادات من جهة اخرى بعد ما أفصح الأخير عن نواياه المبكرة بالاتجاه سياسيا نحو امريكا والتحالف معها. وقال إنه ذات مرة اتصل الفريق فوزي بالسفير السوفيتي شاكيا له توجهات وتصرفات السادات المريبة للتقارب مع واشنطن حتى في الشؤون العسكرية، لكن السفير رد عليه بأن عليكم التعاون مع قيادتكم السياسية وان السادات حينما سمع هذه المكالمة التي سجلتها المخابرات عض أصبعه ندما لافلات السوفيت، لانه كان يود اتخاذها ذريعة لطرد المستشارين السوفيت حينئذ فيما لو أعلن السفير تضامنه مع الفريق فوزي في المكالمة الهاتفية.
ويضيف كبير المستشارين العسكريين الروس قائلا إن السادات كان يفتعل اجترار الشكوى من عدم تزويد السوفيت الجيش المصري بالاسلحة المتطورة الكافية في حين انه لا يطلع جيشه على أنه لا ينوي تحرير سيناء كاملة وان الهدف من المعركة القادمة هو مجرد استرجاع بضعة كيلومترات فقط من سيناء.
ويؤكد الجنرال جارييف انه كان من الممكن تطوير عملية العبور وتحرير الضفة الشرقية من القناة لو كان السادات يخطط فعلا مقدما لمعركة من هذا النوع، وبخاصة في ضوء الملاحم البطولية التي اجترحها الجنود المصريون طوال الحرب، وتمكنهم السريع من استخدام الاسلحة الجديدة المتطورة التي زودت بها موسكو الجيش المصري.
ولعل شهادة هذا القائد العسكري الروسي الكفؤ والمجرب تتطابق مع شهادتي كل من الكسندر (…) والملحق العسكري بالسفارة السوفيتية في القاهرة نيكولاي ايفلييف.

صحيفة اخبار الخليج
21 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

آفاق الاشتراكية

كل مشروع وطني وديني وإنساني يتجسد فيه بعضُ ملامح الملكية العامة والتعاون المشترك يُقال عنه اشتراكية.
لمقولة الاشتراكية الكثير من المعاني والتفاسير، وهو حلمٌ من أحلام الإنسانية، أسقط عليه الدينيون المحبون للعدالة نماذجَ من دياناتهم، حين بدأت الدياناتُ أخوةً مشتركة ومساعدات متبادلة في وجه الطغاة والاستغلاليين، ثم ذهبت هذه المشروعات وذهبت معها الأحلام الفاضلة.
ثم تسارعتْ أحلامُ الاشتراكية مع تسارع النهضة الأوروبية وتعاظم التفاوت بين الطبقات وضخامة الاستغلال للقوى العاملة حيث وصلت ساعات العمل إلى عشرين ساعة يومياً، وتعاظم النهب المنظم للشعوب(البدائية).
وانتبه المفكرون الحالمون لدور الصناعة والعلوم في إزالة الفروق بين الذكور والإناث، وبين الفقراء والأغنياء، وبين الشعوب والأمم، فكتبوا القصص والمفكرات عن إقامة جمهوريات تسود فيها العدالة وتـُقسم الخيرات بالتساوي بين البشر، لكن قصصهم ومستعمراتهم التي أقاموها ذهبت أدراج الرياح وأفلس وأُدين مؤسسو الاشتراكية الخياليون ووضع بعضهم في السجون أو المصحات العقلية.
وجاء زمنُ الاشتراكية (العلمية) واُستغلت فقراتٌ من كتب نظرية وبحثية لإقامة رأسماليات شرقية بدعوى أنها ممالك الاشتراكية الحقيقية، التي سوف تزول فيها الطبقات ويختفي الأغنياء الاستغلاليون ولا توجد فيها سوى الطبقات العاملة، ولكن هذه الاشتراكيات تكشفت عن رأسماليات حكومية اختفت منها، بعد تطور اقتصادي ضخم، المساواةُ بين الطبقات، وظهرتْ طبقاتٌ صغيرة ثرية استغلت غياب الديمقراطية لتثرى على حساب القوى العاملة.
ولكن حلم الاشتراكية لم يزل باقيا ومضيئا رغم الضربات والخيانات التي تلقاها من أعدائه ومن مريديه.
وكان هذا الحلم له دوره التعجيلي بالتطورات، وله أثره في زيادة الإنتاج، وظهور جمهوريات كونية رفعت الإنسان من عبودية الطين والإقطاع إلى غزو الفضاء ونشر الكهرباء والعلوم في شتى الأصقاع.
أصبح الوعي بالاشتراكية أكثر صعوبة، فالرأسمالياتُ غدت كونية، وهي أدت إلى تصنيع هائل للكوكب الأرضي، وقاربت بين الأمم، ومع هذا لم تزل قضايا الفقر العميق والثراء الفاحش تفرق بين مليارات البشر وبضعة ملايين مسيطرة على ثلاثة أخماس الموارد البشرية.
وحين تقول شعوب وأمم: إنها متمسكة بأرثها فهي لا تريد المضي في دروب الرأسمالية الوعرة التي لابد من السير فيها مع ذلك.
لكن الاشتراكية سوف تتحقق ليس كانقلاب من انقلابات الثورات الفرنسية والروسية والعراقية، فالاشتراكية سوف تكون تطورات متدرجة طويلة تستغرق قروناً، فهي سوف تتأسس على تطورات تقنية هائلة، والبشرية المتقدمة سوف تتمكن من تصنيع أغلبية المواد الضرورية بوفرة هائلة، ونرى بوادرها الآن في الثورات التكنولوجية والمعلوماتية، وحين تعمم هذه الثورات في كل القارات فسوف يكون النتاج هائلاً.
كذلك فإن تطورات هائلة على صعيد الثقافة والعلاقات الاجتماعية سوف تتكون، وستقاوم هذه الثقافاتُ التراثَ العتيق بأنانيته وتعصبه وعدوانيته، وهو تراثٌ هائلٌ من الأحقاد بين الطبقات والأمم والأجناس لن يزول إلا في مئات السنين.
وكعادتها فإن أممَ الغرب المتقدمة ستقود هذه الإنسانية الجديدة، وسوف تقوم طبقاتُ العمل والتضحية والثقافة الرفيعة بقيادة الإنسانية ونشر الحضارة الجديدة، ويؤسس ذلك ليس الكلام بل مستويات التقنية المتطورة، والمترابطة مع مؤسسات سياسية منتخبة يقلُ فيها تأثيرُ القوى الاستغلالية، ويتشكل حكمُ الجمهور فيها عبر صراعات وتطورات في العمل والأخلاق.
هذه التقنيات الثورية والأخلاق الجديدة والثقافة الإنسانية والمؤسسات السياسية المختلفة، سوف تعم أقطار الأرض، لكن كيف ذلك؟ بأي مستوى؟ وبأي أشكال ملموسة؟ إن هذا كله خاضع لتطورات المستقبل وعمل الشعوب في كل بلد وقارة، وعلى تراكمات الثورة العلمية حتى على مفاجآتها.
لكن الإنسانية الآن كتبت بعضَ السطور من هذا الكتاب الضخم، فالاستغلال يتضاد مع تسارع التقنيات وحجم الثروات المتراكمة ويؤدي إلى خراب الأغنياء والفقراء معاً، ووجود قارات فقيرة معوزة مرفوض، ويؤدي إلى انفجرات خطرة، ووجود أقليات تتمتع بأغلبية الثروة البشرية لا يمكن أن يستمر. لكن المشعل لهذه الاشتراكية هو تسارع قوى الإنتاج إلى درجات هائلة تجعل فيها الأسعار وأثمان السلع في اقصى تدنيها.
وكان ماركس قد تنبأ بسقوط آلي للرأسمالية الغربية، بسبب تعاظم نمو التقنيات وخضامة حجم تراكماتها في رأس المال مما يؤدي إلى انخفاض الأرباح كما أوضحنا في مقال سابق، وهذا لم يتحقق أوروبيا وهو يتحقق في عالم كوني صارت فيه الرأسمالية معولمة، فالانسداد التدريجي أمام الشركات وأمام التوزيع وضيق الأسواق المستمر سوف يكتملان في خاتمة المطاف، فلا يمكن لكل الأمم أن تنتج بكميات هائلة من أجل التصدير فالأسواق لها حد معين، وهذا التشبع الذي قد يؤدي إلى صراعات حادة على الأسواق لا يمكن حله إلا بأمم متحدة اقتصادية تعاونية في كل منطقة وعلى مستوى العالم.
فالأمم والقوى العاملة سوف تسيطر تدريجيا على عملية الإنتاج والتوزيع، بحيث لا تضيع ثمار العمل في الاستهلاك البذخي أو في الصراعات على الأسواق والمواد الخام.
هذا مشروع طويل تقوم به الإنسانية أما أن تنبثق الاشتراكية كمشروع عسكري وانقلابي بعد سيطرات جماعات تعلن زوال الطبقات، فهو أمر سياسي تعجيلي في دول تعاني ضائقة معينة، لا يلبث بعد زوال التعجيل أن يظهر على حقيقته، كعمليات تنمية رأسمالية متنوعة كما حدث في العديد من الدول، ولايزال بعضها يدعي الاشتراكية رغم تخلفه الشديد وتجاهله شروط الاشتراكية وهي الثورات الكبرى في قوى الإنتاج والتقنية وفي تطور وعي الإنسان وعلاقاته وثقافته التي تغدو إنسانية مضحية.

صحيفة اخبار الخليج
21 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد