المنشور

تعليقاً على د. مـدن حـوار الأفكـار


قرأت مؤخراً باهتمام بالغ ما سطره على ثلاث حلقات القلم الرشيق لأخي وزميلي العزيز الدكتور حسن مدن الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي في جريدة “الأيام” أيام الخميس والأحد والاثنين من الأسبوع الجاري حول الفكرين الماركسي والرأسمالي، وما صار يدور اليوم بين شيعتهما من سجالات على خلفية انهيارات أسواق المال.

 
والحقيقة أني لم أرد أن أكون جزءا من هذا السجال لولا شعوري بنبرة غضب وعتاب موجهة من الزميل للغرب الليبرالي/الرأسمالي ومجتمعاته وأطيافه وأنصاره، واتهامهم جميعا بأنهم يشوهون صورة ماركس ونظرياته ويؤكدون كل يوم ومنذ مائة سنة موته إلى الأبد، فيما هو “أي ماركس” يثبت عدم موته. والحقيقة أنه لئن كان للرأسمالية الغربية وأنصارها الكثير من التحفظات على النظرية الماركسية – وهذا حقهم – فان ما يخالف الواقع ويجافيه جملة وتفصيلا هو القول باستهزائهم بتلك النظرية و صاحبها ورفاقه، بحسب ما لمسناه وعرفناه من طريقة راقية وأسلوب حضاري في تعامل جامعات وكليات ومعاهد الغرب الرأسمالي مع الفكر الماركسي أثناء دراستنا في تلك الجامعات والمعاهد ينفي هذا الانطباع الخاطئ والمتعسف.


وبعبارة أخرى، لم يحدث أن استهان احد في الغرب في أي يوم بالنظريات الاقتصادية التي صاغها كارل ماركس و فريدريك أنجلس ورفاقهما أو طعن في مصداقيتها أو استهزأ بنتائجها، بقدر ما ترك الأمر للحوار الحر والمناقشة العلمية الرصينة حولها. بل أستطيع أن اجزم أنه في جامعة بوسطون الأمريكية – على الأقل – التي درست بها وحزت منها على شهادة الماجستير، كان هناك اهتمام خاص بتدريس كتاب “رأس المال” لكارل ماركس ضمن المنهاج الدراسي على اعتبار انه إسهام إنساني عظيم في الفكر الاقتصادي، أو كما ذكر الزميل الدكتور مدن نفسه حينما أورد على لسان أكاديمي غربي بارز قوله “إن ماركس سيظل واحدا من أعظم العقول الفلسفية والمحللين الاقتصاديين في القرن التاسع عشر”، هذا فضلا عن الاهتمام الخاص لجامعة بوسطون وغيرها من الجامعات الأمريكية بتعليم مثل هذه المواد على يد نخبة من الأساتذة المنحدرين من دول شرق أوروبا كالبروفسورة مارغو لايت، اليهودية المعتقد، البولندية المولد، الجنوب افريقية المنشأ، الأمريكية الإقامة. هذه السيدة التي ظلت – رغم كل المساجلات الحادة في قاعات المحاضرات – تدرسنا النظرية الماركسية/ الاشتراكية بطريقة يستشف منها أنها لم تسقط وإنما الذي سقط هو طريقة فهمها وأسلوب تطبيقها، وذلك في وقت كان فيه الاتحاد السوفيتي قد بدأ يترنح وكتلته الشرقية قد انفرط عقدها، واغلب أنصاره قد تخلوا عنه واصمين إياه بالفشل.


وهنا تحديدا تكمن قوة الليبرالية/ الرأسمالية التي هي في النهاية فكر إنساني خاضع للجدل والمساءلة والتجديد “وليس فكرا دينيا او كهنوتيا مقدسا يقمع المنتسبين إليه لمجرد إبدائهم تشكيكا عابرا في مضامينه أو يحاكمهم على نواياهم”.. فكر يعترف بالآخر المضاد ويحاوره ولا يحجر عليه أو يقصيه أو يحكم عليه بالعجز دون قراءة متأنية لنظرياته الفلسفية. والحقيقة أن فكرا بهذه الروح المنفتحة وهذا الفضاء المتسامح وهذا القدر العقلاني من التعاطي لن يسقط ولن تأفل شمسه أو يخسف قمره، فهو قادر على تجديد نفسه كلما اعتراه عجز أو استشعر بنقص، وذلك من خلال الاستعانة – دون حرج أو حساسية أو غضاضة – بالأفكار والآليات والمناهج التي صاغها خصومه في المعسكر المواجه أو من خلال اختراع واستجلاب الضوابط المناسبة. ولعل أعظم مثال على صحة ما نقول هو ما أسبغته الرأسمالية الليبرالية الغربية على نفسها من ثوب اجتماعي/ اشتراكي حينما تطورت الأمور خلافا للمتوقع على نحو ما جرى في الدول الاسكندينافية وبريطانيا تحديدا.


وجملة القول إن الرأسمالية/ الليبرالية – مهما دبج خصومها مقالات الشتيمة في حقها وحق أنصارها، ومهما وصفوها بالتوحش والعجرفة تارة واللانسانية والفساد تارة أخرى، ومهما حملوها بأحمال ثقيلة لا تحتمل من تلك الأكثر بروزا ووضوحا عند خصومها مثل ” العدوانية والتسلطية والبوليسية والقمعية ” لن تحتضر وستظل قادرة على الحياة والاستمرارية بفضل قوة التكيف والتجديد والحرية الكامنة بداخلها.


أما الاستشهاد بكتاب من هنا أو من هناك لمؤلفين غربيين حول قيام الليبرالية/الرأسمالية الغربية على دعائم وهياكل تستخف ” بالتضاريس الثقافية والفروقات الحضارية في العالم، وتخضعه بالقوة لنهج لا يحظى بالقبول لدى قطاعات تعد بالمليارات من البشر” كما ورد نصا في عمود الزميل مدن يوم الاثنين الماضي، فهو يذكرنا بما كتبه الفرنسي “تيري ميسان” بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 من أن أمريكا ضربت نفسها بنفسها. فان هكذا استشهاد غالبا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، بمعنى أنه يثبت أن المجتمعات الليبرالية/الرأسمالية بلغت من الحصانة والثقة بالنفس ما يجعلها لا تخاف الرأي الآخر حتى وان كان هذا الرأي ضد مرتكزاتها الأساسية أو يثير الشكوك حول هياكلها البنيوية. فهل سمع أحدكم في جنة الماركسية/الاشتراكية يوما ما شيئا شبيها بهذا كأن أتيح لكاتب أن يلعن سلسفيل نظريات ماركس وانجلس دون أذى أو محاسبة أو حبال مشنقة تلتف حول عنقه. 


 الأيام 16 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

أين بنك الأســرة ؟


أثناء التجوال على شبكة الانترنت أمس بحثا عن تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على المصارف والبنوك ظهر أمامي بالصدفة “بنك الفقراء” وهو البنك الذي أسسه الاقتصادي البنغالي محمد يونس في بنجلادش فاستحق عليه جائزة نوبل، والذي تقوم فكرته على منح الفقراء قروضا صغيرة جدا تتفاوت من بلد إلى آخر وفقا لمستواه المعيشي والاقتصادي لمساعدتهم على تكوين مشاريعهم الخاصة.  على غرار بنك الفقراء هذا جرى تدشين اتفاقية بين بنك جرامين وبين وزارة التنمية الاجتماعية في العام الماضي لتأسيس بنك مماثل في مملكة البحرين وقد اتفق على تسميته مصرف الأسرة وهدف إلى تمويل مشاريع الأسر المحدودة الدخل والفقيرة، وجعلها أسرا منتجة ومعتمدة على ذاتها، وعلى وجه الخصوص العائلات التي تتلقى المساعدات الاجتماعية والتي تقدر رسميا بـ30  ألف عائلة، وقد اتخذ له موقعا في مرفأ البحرين المالي، وقيل وقتها أن رأسماله بلغ 15 مليون دينار، وان ملكيته ستتوزع بين المؤسسة الملكية الخيرية ووزارة التنمية وبعض المصارف المحلية، لكن البنك لم يشهر لغاية اليوم ولا يزال على ما يبدو قيد الدرس والبحث.

ويذكر ان برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الامم المتحدة الانمائية “اجفند” وبمبادرة من رئيسها الأمير طلال بن عبدالعزيز تبنى مشاريع إنشاء بنوك الفقراء في المنطقة العربية للتقليل من أعداد الفقراء ولتوسيع المظلة الاجتماعية لهم، وقد أقام بنوك فقراء مماثلة، أي على نهج جرامين في اليمن ومصر وسوريا والأردن وفلسطين، وهناك مشاريع بنوك قادمة في جيبوتي وموريتانيا وغيرها من الدول العربية التي تتوسع فيها شريحة الفقراء وتضيق فيها سياسة توزيع الثروات بعدالة.

 الحراك الاقتصادي والازدهار والنمو القياسي الذي شهدته منطقة الخليج والناجم عن تصاعد أسعار النفط والطفرة العقارية والبنكية والخدماتية في بلدنا رفعت شريحة وحلقت بها في العلالي وأسكنتها في الناطحات، وهوت بأخرى إلى القاع، وجاء ارتفاع أسعار السلع والخدمات ليساهم في تدهور معيشتها، ان طبقة الحرفيين والصيادين على سبيل المثال هي إحدى نتائج زمن اختفاء البحر وزحف العمران عليه، وهي فئة غادرت بحارها ومواطن رزقها واتخذت من الاعتصامات سبيلا لاستعادة حقوقها المضيعة وأضحت متسولة على أبواب الحكومة بعد ان كانت مكتفية ذاتيا، والصيادون وغيرهم يستحقون التفاتة من بنك العائلة اذ ربما يجدون ملاذهم الأخير فيه.  بيد إننا في الواقع لم نعد نسمع شيئا عن بنك العائلة ولا عن أسباب تعثر إشهاره لغاية اليوم، في حين قرأنا ان بنك الفقراء الأردني المماثل حقق نجاحا لافتا وفي فترة قصيرة ما  دفع “اجفند” إلى زيادة دعم رأسماله.


الأيام 16 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

جـردة حسـاب للنواب (4 – 4)


تعبر الجمعياتُ المذهبية السياسية اليمينية عن غموض توجهات الفئات الوسطى التقليدية، فهي تتوجه نحو مطالب فئات من الموظفين، ولا تتوجه لسياسات اقتصادية وطنية للشعب ولتطوره الاجتماعي المستقبلي، وتؤسسها من خلال مشروعات القوانين ومن خلال طرح الملفات الواسعة العميقة.
فهم لا يجلسون كما يجلس أعضاء البرلمانات العالمية، الذين يتوزعون حسب السياسات، وأبعادها الاجتماعية، فهناك اليمين وهناك الوسط وهناك اليسار، لكن هؤلاء في كتل غامضة المنحى الاجتماعي، ولا تعرف ماذا تمثل من طبقات وقوى، فهي تياراتٌ مذهبية يمينية، بمعنى أنهم يعبرون عن رأسمالية غامضة الملامح، وهي تمثل الرأسماليات (السوداء) حيث تتشكل رساميلها من خلال السياسة والمذهبية وليس من خلال التجارة والصناعة الطبيعيتين.
 

ونظراً لجذورهم الريفية والمدنية الصغيرة عادةً يلعبُ المذهبُ المشكل بتقليدية غامضة دوره في صوغ سياساتهم. إذا نظرنا لبرنامج المنبر الوطني الإسلامي نجده لا يحدد هويته الاجتماعية، يقول في إحدى فقرات برنامجه إنه يعمل على (السعي لتفعيل المشاركة الشعبية في تحديد ورسم مستقبل البلاد وخطط التنمية). أو (العمل على تحقيق السلم الاجتماعي للأفراد والمجتمع وتوطيد دعائم الوحدة الوطنية).
هذا كله مجرد إنشاء تعبيري. فكيف يجرى تفعيل المشاركة الشعبية وما هو تصوركم للتنمية؟ وكيف تحققون الوحدة الوطنية وأنتم تنشئون جماعة مذهبية تخص مجموعات من طائفة؟
فالتنمية تريد قراءة اقتصادية عميقة لنواحي الاقتصاد المختلفة وكيفية تغيير طابع رأسمالية الدولة وكيفية تحريك القطاعات الخاصة من البيروقراطية الحكومية.
لا شك أن مثل هذا الحفر سيجعلهم يركزون في سياسة حقيقية وفي برنامج اقتصادي محدد، وهم لا يمتلكون مثل هذا التحديد، فتظهر الجمل العامة والإنشاءات الذهنية المجردة.
مثل هذا الكلام العام العاطفي يوافق مستوى عقليات العامة البسطاء في المساجد الذين يثقون ثقة دينية بهؤلاء الأفراد، ولكنه لا يصلح لبرلمان وإدارة حكم.
إن طبيعة مثل هذا الحفر التحليلي للاقتصاد والسياسة والحكم سيؤدي إلى مواقف متجذرة في النقد وإلى طرح البدائل، التي تغدو بدائل مبرهنا عليها إحصائياً وقادرة على أن توجه أو تصنع سياسة حكومية باتجاه معين، ولكن الجماعة حتى لو ملكت مثل هذه القدرة البرامجية العالية لا تريد أن تصطدم بالوزارات والقوى البيروقراطية المتنفذة، والشركات العامة، فتطرح أسئلة صغيرة واقتراحات ومشروعات لتحسين أحوال المتقاعدين وما يشبه ذلك.
هذا يؤسس السياسات المذهبية، بإمكانيات محدودة جدا، فحتى سياسات الاخوان المسلمين في بلدان عربية أخرى تمتلك مثل هذه البرامج التحليلية العميقة تجاه السياسات الاقتصادية وترهل الشركات الحكومية، فالأمر ليس فقط رؤية مذهبية، بل رؤية مذهبية سياسية غير مدعمة بكفاءات علمية في شتى جوانب الحياة الاقتصادية.
وهذا لا يختلف عن برنامج الوفاق المليء بالوعود للناخبين وبالكلمات العامة الغامضة وبفتح ملفات كثيرة عن أوضاع الناس كقولهم:
(العمل على إشاعة الفضيلة والعدالة في المجتمع والعمل على إزالة أشكال الفساد المالي والإداري كافة وفق الرؤية الإسلامية).
فتنظيم سياسي يتوجه للناخبين لإشاعة الفضيلة يعبر عن رؤية شمولية فوقية فهو تنظيم سياسي وأخلاقي كذلك يفرض معاييره،و(الفضيلة) للمحافظ الريفي هي أن يمنع أشياء كثيرة في الحياة المدنية ويفرض مقاييسه على التطور.
ولهذا تتفق الكتلُ المذهبية في محاربة الظاهرات الثقافية غير المفهومة في رؤاها هذه، كما فعلت تجاه ربيع الثقافة، وصمتها المطبق تجاه ظاهرات أخلاقية كالتجارة في النساء.
لكن الريفي البسيط القادم لمواجهة المدينة يهوش بشعارات عامة(محاربة كل أنواع الفساد المالي)، ولكن ما هي هذه الأنواع وهل درستها وحددتها وقاومتها؟
(أن تعيد توزيع الميزانية لصالح وزارات الخدمات على حساب الإنفاق على العسكرة).
هذا صحيح ولكن كيف؟ وهل توغلتم وحفرتم ووحدتم الجهود من أجل ذلك؟
(أن تصدر قوانين إيجابية مثل الضمان الاجتماعي ضد التعطل وقانون ملكية الأراضي).
ألم تكونوا في السلطة التشريعية؟ أين هذه القوانين وعمليات تمريرها وتطبيقها؟
 
أخبار الخليج 18 اكتوبر 2008
 

اقرأ المزيد

المخزون السمكي‮!!‬


جاسم القصير مدير عام حماية الثروة البحرية في الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة الفطرية حذرنا في أكثر من تصريح له من انخفاض ملحوظ في المخزون السمكي في البحرين، وخصوصاً تلك الأنواع التي يقبل عليها البحرينيون مثل الهامور والكنعد والأسماك الموسمية وان هذا الانخفاض مقارنة بالسنوات الخمس الماضية بلغت نسبته  ٠٣٪ ، وفي جانب آخر أشار إلى أن حصة الفرد البحريني من الأسماك سنوياً انخفضت الى (12) كيلو غراماً بعد أن كانت قبل (15) عاماً (26) كيلو غراماً. على العموم كان القصير واضحاً في تحذيراته التي تقول: أن المخزون السمكي في خطر وبالتالي كيف نحافظ على هذه الثروة الغذائية؟


ما هي التدابير لمواجهة هذه المشكلة التي تمس الأمن الغذائي؟


بالطبع هذا القلق يجرنا إلى الحديث عن قدرة الأطراف المعنية رسمية كانت أم نيابية أم أهلية لاحتواء هذه الأزمة التي إذا لم تتعامل معها بحلول جادة ومعالجة تحتاج بالتأكيد إلى إستراتيجية وطنية واضحة المعالم من حيث التنفيذ، فان هذه الأزمة ستزداد سنة بعد أخرى.
وإذا ما نظرنا إلى هذه المسألة نظرة أكثر واقعية فان ما ينبغي مناقشته ليس فقط تلك المتغيرات البيئية التي ساهمت في تقليص هذا المخزون، وإنما كذلك الأسباب الأخرى التي ساعدت إلى حد كبير في تفاقم هذه المشكلة.


واعتقد الكل يتفق مع القصير حينما قال: ان الظرف في البحرين لا يحتمل مزيداً من التدهور في المخزون السمكي، والبلاد لا تتحمل أحياناً العدد الحالي للصيادين بل يجب الحد منه وإخراج الدخلاء، ولكن هل المشكلة تقتصر على عدد الصيادين؟ ولماذا ارتفع هذا العدد؟ اعتقد إن السبب ليس بخافٍ على احد وهو أن بعض المتنفيذين يمتلكون قوارب صيد إضافة إلى العمالة الوافدة الهاربة التي امتهنت هذه المهنة.
أما الأسباب الجوهرية الأخرى فالجميع يدركها ويدرك الجهات المسؤولة عنها وبصراحة هناك عدة أمور ساهمت في النتائج التي توصل اليه هذا المخزون!!


وبالتالي فالحديث عن هذه الأسباب وعن هذه الجهات يجعلنا نشاطر القصير الرأي وهو ان جودة اسماك البحرين تأثرت نتيجة عمليات التلوث الناتج عن مخلفات النفط والبتروكيماويات التي ترمى في عرض البحر وما تأثر “الفشوت” الواقعة في جنوب البحرين إلا خير مثال على ذلك.
والأمر الآخر الذي زاد الطين بلة هو ان عمليات الدفان وتوسيع اليابسة اثر بشكل كبير على البيئة البحرية وخاصة على مراعي الأسماك والأعشاب البحرية.


ومن دون شك، البحرين من الدول الخليجية السبّاقة التي أصدرت قوانين صارمة وتشريعات واضحة لمعاقبة كل من يعبث بالبيئة البحرية والبيئة الفطرية حماية لثروتنا الوطنية.
ومن هنا فالمشكلة ليست في هذه القوانين والتشريعات وإنما في تطبيقها بما يتناسب وحجم المشكلة.


وآخر ما نريد قوله هو ان المخزون السمكي في خطر واعتقد ان الحفاظ على هذا المخزون وعلى الثروة البحرية عموماً يحتاج الى تدابير فاعلة ولا نعتقد غير ذلك.
 
الأيام 18 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

جـردة حسـاب للنواب (3)


أتاح الوضع السياسي في البحرين للقوى السياسية عملية تغيير ملكية رأسمالية الدولة، أكثر من العديد من دول المنطقة، وهي القضية المحورية في الحياة الاقتصادية وعبر تحويلها يمكن إعادة تشكيل المجتمع للسنوات القادمة باتجاه وطني ومتساو بين المحافظات. وإذا كانت القوى السياسية المذهبية في البرلمان قد عالجت جوانب عديدة من هذه القضية المحورية، إلا أن هذه المعالجة ظلت جزئية ولا يحكمها توجهٌ توحيدي وطني. وكانت الوفاق تحسُ بنبض الناس أكثر من بقية هذه القوى لكن كيف تكونتْ معالجتُها؟ لقد قلنا إن التوجهات المذهبية السياسية كانت أقوى من التوجه الوطني الديمقراطي فيها، فرؤيتها تقف عند أن مشكلات النظام هي مشكلاتٌ طائفية، وأن الظلمَ في هذا الجانب هو المشكلة المحورية، إذاً كان لابد من تفجير هذه الحالة وتغيير الأوضاع. فكيف يتم ذلك؟
 
قيل في الأخبار ما يلي: (انسحبت جماعة المعارضة الرئيسية من البرلمان في 13/5/2008 احتجاجاً على ما قالوا إنه تلاعب حكومي في بيانات السكان في الدولة الخليجية. وعلى مدى سنوات ظل عدد السكان من الناحية الرسمية في المملكة الصغيرة حوالي 742 ألف نسمة، لكن الإحصائيات الحكومية في فبراير أظهرت انه قفز بنسبة 42% تقريباً أي إلى 05،1 مليون نسمة، ما أثار جدلاً. واتهمت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة المسؤولين بالإهمال حيناً، وبتعمد إخفاء الأرقام الحقيقية، بعدما ظهرت القفزةُ السكانية الكبيرة وانسحب أعضاؤها بعدما برأ تحقيق رئيس جهاز المعلومات الحكومي من ارتكاب الأخطاء)، (رويترز).

توجهت معالجة الوفاق لهذه القضية الخطيرة، قضية التجنيس، إلى أن تكون معالجة طائفية، فركزتها في صراعِ طائفةٍ ضد أخرى، وكون الحكومة هي أداة تنفيذ هذه السياسة. لكن كان أمامها نواب من الطائفة السنية لم تستطع بطبيعة هذا الطرح أن تجعلهم يؤيدون سياستها. فمواجهة الطائفية بطائفية أخرى، هي سياسة واحدة ذات وجهين حكومي ومعارض، سواءً بسواء. وكونها قد اختارت مسؤولاً محدداً تصبُ عليه قذائفَها، فهذا نتاجُ صراعٍ طائفي. لو أن هذه السياسة كانت سياسة وطنية، وبطبيعة الحال هذا افتراضٌ ممكنٌ عبر فصل السياسة عن المذهبية، فإن الدعوة ستكون لنواب الطائفة الأخرى، ليس باعتبارهم أعضاء في منظمة مذهبية، بل باعتبارهم قوى سياسية وطنية، وبكون سياسة التنجيس مضرة بالبلد وبالخدمات وبالقانون، وأن تغيير أي جانب من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يجب أن يكون عن طريق الهيئة المنتخبة، التي تمثل شعب البحرين المتضرر من هذه السياسة التجنيسية ومن السياسة الاقتصادية والبيئية والمالية والجغرافية الخ، وبهذا تتشكلُ هنا سياسةٌ وطنية، وتتكون قوىً موحدة. ويمكن أن تنمو هذه السياسة الوطنية في المشكلات والقضايا المطروحة كافة فلا يتحسس الآخرون من مذهبية مضادة، ومن هاجس مذهبي متأزم مسيطر.

لا شك في أن مثل هذا الطرح الوطني سوف يحتاج إلى وقت وجهد، ويحتاج إلى كوادر وطنية متأصلة في درس الملكية العامة التي سيطرت عليها القوى البيروقراطية، وغلفتها في إحصائيات غامضة وفي شركات ملفعة بحراس غلاظ، ولكن لن يتم اختراق ذلك من دون تعاون القوى الاجتماعية والسكانية كافة، بحيث يتم توزيع ثمار هذه الملكية العامة بشكل وطني ولصالح الأغلبية. إن وعي (الغالبية الشعبية) المتضررة من سياسة الملكية العامة البيروقراطية الراهنة، هو الذي يُفترض أن يسيطرَ على وعي النواب، من أجلِ تكونِ أغلبيةٍ برلمانية مؤيدة لهذه السياسة تدفع باتجاه تغييرات. ولا شك أن الجمهور المتحمس العاطفي يريد تغييرات سريعة، ويضغط على النواب من أجل مثل هذه التغييرات، لكن لابد من مواجهة هذا الجمهور وبكون التغييرات تحتاجُ إلى جهود شعبية واسعة متضامنة وإلى صبر، وإلى ضغوط نقابية وسياسية واجتماعية متعددة وإلى علوم تقرأ الاقتصاد.

إنها سياسة بعيدة المدى، لكن هل تستطيع الجماعات المذهبية أن تصبر على هذا وهي عفوية عاطفية مثل جمهورها؟ ليس ثمة من خيار سياسي سوى هذا الممكن، وأن الهروب باتجاه المستحيل السياسي هو تضييع وقت، واستنزاف قوى، ولابد من جعل الجمهور يهضم سياسة الممكن هذه، ويفهم أن البرلمان ليس أداةً سحرية وهو ليس كالخطب المنبرية، بل هو سياسة بحث عن أرقام وأخطاء وكشف تلاعبات، وانتزاع للمال العام من الأشداق البيروقراطية بكل صبر وعلم، فهي ليست سياسة سكون أو صمت تجاه الفساد وتجاه تردي معيشة الناس، لكنها سياسة توحيد وطنية تصل إلى مشروعات قوانين وإلى محاسبات في العظم، وليست محاسبات الاستعراض والتفجير الصاروخي. ولهذا فإن الجماعات المذهبية السنية تكون الوجه الآخر لهذه السياسة المذهبية اليمينية، ومعنى ذلك أنها من أهل اليمين الرأسمالي الغامض الطالع في الخفاء.
 
أخبار الخليج 17 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

ملاحظاتٌ أوليةٌ حول الزلزال المالي الحالي


يتلخصُ جوهرُ الأزمةِ المالية العالمية الحالية، على ضوء الزلزال الذي نزل كالصاعقة على المركز المالي الأميركي العالمي المعروف بـ ‘وول ستريت’ وتداعياته عبر العالم في المراكز العالمية والإقليمية للبورصات والتخوم البعيدة (العولمة المالية)، المتأتية أساساً من أزمة الرهن العقاري الأميركي، الذي يجابه صعوبات كانت مرصودة منذ بعض الوقت، في كلمتين متجسدتين في فن (فهلوة) تسويق منتوج / بضاعة ‘الوهم الأخضر’ التي سوقتها منظومة الرأسمالية المعاصرة وذراعها المالي تحديداً في صورة صرة /رزمة جذابة، لتلبية الحاجة البشرية المُلِحة والمتعاظمة أبداً، المتمثلة في ضرورة الضرورات، ألا وهي تواجد سقفٍ فوق رأس المواطن أي سكن لائق له ولأسرته.


لكن أن يُترك الباب مفتوحاً على مصراعيه بلا حسيب أو رقيب للمضاربة الأخطبوطية / الطفيلية وبسندٍ من قِبَل الأخصائيين في شؤون الاستثمار والثراء السريعين في هذا الحقل الحيوي للناس وبتشجيع من قِبَل صناع القرار ومستشاريهم المرضى الأشبه بالتماسيح الجائعة، لهو من الأمور التي أقل ما يقال عنها أن السيل قد وصل الزبى فيما يتعلق بالجشع البشري، الذي لا قاع له.


فالأزمة الحالية تعكس المستوى النوعي من الأزمة الدورية البنيوية المتسارعة في متوالياتها المتراكمة التي ما فتئت تنخر في نسيج النظام الرأسمالي، حيث قام بأسوأ استخدام للمنجزات العلمية والتقنية في سبيل مصلحة الأقلية الضئيلة جدا على حساب الغالبية العظمى من الناس، بمشاركة الجوقة الرسمية الإعلامية/الإعلانية وغير الرسمية الثقافية/ الفنية، في خدمة ‘مصاصي الدماء’ المعاصرين؛ بُغية الاستحواذ ‘القانوني’ على مدخرات الفقراء وذوي الدخل المحدود. بشكل بات ملحوظا أكثر من أي وقت مضى آلية عمل الماكينة الدعائية الجبارة في فن حِيَل البيع والشراء أو ما يسمى بالتسويق المعاصر، الذي وصل إلى درجة من ‘الحِرفية’ والاحتيال فاقت كل التوقعات، وأضحت أغرب من الخيال!


ولنا أن نتصور المقدرة الجهنمية للنظام المالي السائد في تسويق بضاعة وهمية ليست لها مقابل مالي / مادي على الأرض! من هنا نرى بوضوح أن مظهر الصراع هو أيديولوجي / دعائي / ثقافي / نفسي بحت، أثبتت فيه المنظومة الرأسمالية السائدة انتصارها الحالي وكفاءتها في تجديد نفسها وإعادة إنتاج بضاعتها على الدوام، في الأمد المنظور، مادام الفكر البديل الذي يهفو لتجاوز الرأسمالية لم يثبت بعد كفاءته للناس وديناميكيته على أرض الواقع، بغض النظر عن ثرائه النظري والمعرفي وتجربته الخصبة!


مثلما يوجد في حياتنا البشرية واقع افتراضي يتكون من صور/ أوهام تعشعش في أذهان ملايين البشر في العالم المعاصر، كشكل متدنٍ من أشكال الوعي الاجتماعي المعاصر، مفصلٍ بشكل منهجي بواسطة وسائل الإعلام والمعرفة/المعلوماتية المرئية خاصة، وما يعكس ذلك من إدراك وهمي لا علاقة له بالواقع الموضوعي /الحقيقي، الذي تتطلب معرفته وعيا حقيقيا / تربويا مضنيا، لا تكترث له – بالطبع- المنظومة الرأسمالية المعاصرة، المنهمكة في شفط فيض الإنتاج المادي والخدماتي بل على العكس، منشغلة في مخططِ تضليلٍ منهجي للرأي العام مبني على الخداع. على التوازي من ذلك ‘يلمعُ’ سرابٌ من واقعٍ افتراضي وهمي، يُقدم على شكل بضاعة خدماتية، تفوق قيمتها الاسمية أضعاف وأضعاف المرات من قيمتها الحقيقية. والغريب (لنقل إنه من الطبيعي) أن المواطن المُجبَر، المملوء رأسه بخزعبلات منذ نعومة أظفاره، المحشو وعيه بثقافة استهلاكية طفيلية مركزة، لا يلبث إلا أن يلهث خلف ما يحتاجه وما لا يحتاجه من السلع الملموسة أو الخدماتية، مستسلما أمام الغول الثقافي الاستهلاكي المعاصر.


بتنا نلاحظ، في سياق المقارنة، أن الليبراليين الأقحاح (المحافظين خاصة) قد قللوا جداً من أي تأثير سلبي على النظام الرأسمالي نتيجة هذه الأزمة، وظلوا أوفياء لنظريتهم المخاتلة ‘ نهاية التاريخ’. وفي المقابل فإن الراديكاليين و’الثوريين المتمركسين’ قد جهزوا تابوت الرأسمالية ونزل اليسار المتطرف الميدان (حشداً وكتابة وتنظيراً) بشِيَعه وتوجهاته المختلفة بقيادة التروتسكيين (كالعادة)، المشهورين بالجَلبة والصخب في متراس واحد مع القوى الفوضوية والشعبوية والقومية وحتى الدينية، التي صبت جام غضبها على الشر الرأسمالي وكأن البنية أو المنظومات ‘ما قبل الرأسمالية’ كانت أفضل للبشرية! على أن الصوت الأكثر بروزا هو، صيحة الاستنجاد بماركس، التي جاءت من عدة جهات متناقضة! بتقديرنا.. لا يكفي طرح شعار ‘الرجوع إلى ماركس’ وهو شعار شعبوي / نصي ، غير دقيق يداعب مُخَيلة عَبَدة نصوص قشور الماركسية وحَفَظة الجمل الثورية.


لكن المطلوب تجاوز ماركس (ليست الماركسية / منهجه الجدلي) بمعنى أن ماركس حلل الرأسمالية بعمق- قل نظيره- في فترة سابقة، كانت تختلف في تركيبتها عن المنظومة المعاصرة، البالغة التعقيد والمليئة بالحِيَل والخداع والشبكات الأخطبوطية الأكثر ذكاء، تجربة ودهاءً من زمن ‘ماركس’. ‘لينين’، الجريء في كسره لقدسية النصوص، استطاع، في عصر لاحق وفي ظرف آخر بإبداعه العبقري من تجاوز ‘ماركس’ في رؤيته في عدة أمور أساس.


فالمطلوب إذاً تجاوز ماركس ولينين أيضا، لكن بأي معنى؟ بمعنى ضرورة الفهم العميق لحركة الواقع المعاصر (التعامل معه كما هو لا كما نتمنى) والإدراك العلمي لبُنية المنظومة الرأسمالية المعاصرة وتركيبتها الملتبسة والمخادعة/المخاتلة، كونها نمطاً بربرياً عصرياً من منظومة اجتماعية /اقتصادية تقتل وتسحق الحياة الإنسانية (اجتماعياً/ روحياً / خُلقياً) بجانب القضاء المتسارع على الطبيعة وتدميرها من الناحية الإيكولوجية برغم القناع الحضاري والتقدم التكنولوجي، على شرط عدم إنكار إنجازات الرأسمالية التاريخية والحديثة وإيجاد الجواب الشافي للسؤال الأصعب لعصرنا: هل انتفى الدور التحديثي والعصري للمنظومة الرأسمالية في التخوم الأكثر تخلفاً؟


كما يجب البحث عن الأسباب الموضوعية والذاتية التي أفضت إلى تجسيد وتلميع المجتمع الاستهلاكي (Consumerism) والاستسلام لمفهوم ‘اقتصاد السوق’ والنأي عن التدخل في آلية ضبطها. الآلية التي وضعتها المدرسة الكينزية (نسبة إلى الألمعي الاقتصادي البريطاني الكبير جون مينارد كِينِز 1883 – 1946). وأسباب الركون النظري والتطبيقي إلى الاقتصاديين النفعيين الكبار أمثال رائد المدرسة النمساوية / الإنجليزية / الأوروبية أولا (فريدريك فون هايك 1899 – 1992 / جائزة نوبل 1973) ثم تكملتها مدرسة شيكاغو (ميلتون فريدمان 1912 – 2006 / جائزة نوبل 1976)، التي دشنت مرحلة حرية السوق المفتوحة أو اقتصاد السوق، إلى درجة أن ‘تاتشر’ في وقتها صرحت بكل وقاحة من عدم وجود شيء اسمه مواطن بل إن الموجودَ مُستهلِكٌ والمجتمع ما هو إلا سوق للسلع (كأننا في غابة).


لذلك بات ضروريا المعرفة الحقيقية لسمة العصر وتوازن القوى والمرحلة الانتقالية الدولية (ثنائية القطب / القطب الواحد/ تعدد الأقطاب). والغور عميقا للبحث عن أسباب الضعف البين (النظري خاصة) لمن يحملون لواء التغيير الحقيقي من الولوج إلى مرحلة تجاوز الرأسمالية والسبل الكفيلة لذلك والضرورة القصوى للتربية النظرية والمقارعات الفكرية الجادة لتوحيد قوى ذوي المصلحة في التغيير وتقريب رؤاها، وتجميعهم حول النواة المستقلة الأساس (رأس حربة) لرافعة التغيير الكبير، لإنقاذ البشرية من الدمار الجمعي. بجانب عملية تهذيب سلاح الأيديولوجية الثقافية وكيفية تسويقها بالشكل الأمثل، لكنس الوهم السائد عند الكثرة الكثيرة من الناس العاديين والإنتلجنسيا من أن المنظومة الرأسمالية قد تتجاوز نفسها من الداخل تدريجيا وتلقائياً (منهاج الاشتراكيين الديمقراطيين – Social Democrats) بلا تعب أو نضال. أي أن العوامل الموضوعية (الاقتصادية) كفيلة لقبر الرأسمالية في حين أن المساهمة الإنسانية الذاتية، عبارة عن عملٍ لا طائل منه وجهدٍ ضائع! 

 
الوقت 18 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

جردة حساب للنواب (2)


ونكملُ ما قالهُ الشيخ علي سلمان بعد فوز كتلة الوفاق في انتخابات الدورة الثانية من البرلمان، في التصريح السابق ذكره يوم 26/11/2006، فقد أضاف سعادته: (إن تحالفات الوفاق ستستمر). ولا يعني بها فقط تأييد بعض مرشحي الجماعات السياسية الأخرى بل كذلك استمرار التحالفات السياسية للمعارضة البحرينية وخاصة التحالف الرباعي أو ما سيرثهُ ويرافقُ المرحلة الجديدة بتكتيكاتها النفعية العابرة. ويهمنا أن نتابع جذور هذه العملية، فلم تكن تحالفات المعارضة التي لعبت فيها الوفاق دورا محوريا مسيطرا، سوى تحالف الضعفاء مع من يقود كتلة مهمة من الجمهور، ولم ينتج عن هذا التحالف ثقافة وطنية بحرينية تذوب المعسكرات المذهبية السياسية، وسواء كان ذلك على صعيد الجغرافيا، أي على صعيد المناطق الانتخابية، أو على صعيد الوعي وخلق ثقافة سياسية متجاوزة للاستقطاب المذهبي السياسي السني/الشيعي وتنحو باتجاه الوطنية.


فالتحالفُ الرباعي لم يُسند أعضاؤه المرشحون ولم يُوضعوا في المناطق المذهبية الشيعية المحكمة بل تـُركوا في المناطق السنية المذهبية. وكان هذا إشارة كبيرة مزعجة إلى أن التحالف شديد الهشاشة، وأن عقلية مذهبية شمولية قوية تقف وراء عملية الفصل هذه. وكانت هناك رموز وطنية نادرة في هذه الانتخابات بحيث كان إنجاحها في المناطق الشيعية يمثل اختراقا، ولكن اعتبرت هذه المناطق المحكمة مناطق مذهبية خاصة بالوفاق فقط، فسقط التحالفُ الرباعي وعجز أن يكون تحالفا وطنيا في مثل هذا الدرس القاسي. فلم تكتف العقلية المذهبية السياسية في الوفاق بخلق دائرة مذهبية شيعية بل شكلت دائرة مذهبية لتيار واحد فقط كذلك، فأسقطتْ أيضاً جماعةً شيعيةً مذهبية سياسية أخرى مجاورة لها في المرجعية العامة الدينية الكبرى لكنها لم تشترك معها في المرجعية الخاصة بشيوخ الدين المحليين، فضاقت الدائرة السياسية الوفاقية حتى لم تتحمل سوى دائرة سياسية ضيقة خاصة بتيار واحد.


إذاً فليس ثمة مرجعية ديمقراطية أو مرجعية وطنية. وبهذا فإن الوفاق حين دخلت المجلس الوطني دخلته وحيدة مجردة من إرثها النضالي القريب، وهذا يؤدي في المحصلة البرلمانية إلى إضعاف المساندة السياسية للكتلة، وعدم رفدها بالمساعدات المعنوية المتمثلة في توسيع دائرة الخبراء والمساندين والباحثين وتعميق التحالفات بأفق تنوعي حتى داخل الطائفة وليس بأفق عصبوي تنظيمي وحيد.


إن تحويل العمل البرلماني إلى عمل نضالي عميق ومسئول وجبهوي تم إلغاء قسم كبير منه، وبهذا فإن إحباطا شعبيا قد حدث في قسم من الجمهور السياسي، وتحولت الوفاق للعمل البرلماني من خلال كتلة وليس من خلال تيارات. صارت جهازا حزبيا ضيقا في السلطة التشريعية غير مرفود برفاق الأمس، الذين ظهر أنهم أدوات تكتيكية وليس قوى لبناء ثقافة وطنية نضالية أو ثقافة دينية ديمقراطية. إذاً لم تستمر تحالفات الوفاق، بل انشقت، وبدت كجماعة مذهبية سياسية تحركها عقلية محافظة غير محنكة سياسيا ومحدودة الآفاق الفقهية والسياسية. كان الانشقاق عقاباً لها على تفكيك التحالفات وعدم تطويرها وعن عجزها البرلماني عن الوفاء بوعودها. علينا هنا أن نقرأ مجموعةً من التناقضات السياسية التي أخذت تنمو من خلال هذه الوضعية، فقد أُلغيتْ تحالفاتٌ سابقةٌ على الدورة الثانية للبرلمان وهي تحالفات لم تشكل ثقافة وطنية بديلة عن ثقافة الوضع الطائفية، بل كانت أداة لتنظيم مذهبي لصنع صورة وطنية لم تكن حقيقية، فسقطت الصورة بحكم أن التنظيم المذهبي لم يعد يستخدمها، حتى ان الوفاق صار لديها مناطق محكمة أي مناطق هي فيها السلطة، ولا تريد أحدا أن يدخلها حتى رفاق الجبهة التحالفية والجماعات الشيعية الأخرى كذلك، وبهذا المضمون المذهبي السياسي ذهبت للبرلمان، ولابد لهذا المضمون أن يتكشف، من خلال أحداث ووقائع البرلمان، أن يظهر الجوهري أكثر من الخارجي.
في الدورة الثانية للبرلمان كان المضمون المذهبي الصراعي هو البارز، وكانت أي سياسة وطنية، وأي سياسة تستهدف (حل مشكلات الشعب المعيشية) على حد تعبير رئيس الوفاق عليها أن تركز في الممكن، لا في المستحيل، فيما يوحد الشعب ويحل قضاياه الاقتصادية والاجتماعية، وليس في تفجير الصراع السياسي.
وحل قضايا الشعب كالبطالة والفساد وإهدار الأموال العامة ورفع معيشة الناس ليست قضايا بسيطة بل تستوجب تكريس جهود جبارة وتكوين لجان وتحقيقات، ولكن يبدو أن هذه الجهود ليست ممكنة في المستوى السياسي العقلي للوفاق، ولا في مستوى خبرتهم وجذورهم الاجتماعية، بعد أن عزلت الوفاق نفسها عن تحالفها وعن القوى السياسية الوطنية وخبراتها، وإذا قلنا إنها تواجه حكومة متمرسة لديها خبرات على كل المستويات، فنصل إلى أنها ضيعت أشياءَ كثيرة، ثم ضيعتها الحكومةُ داخل أروقة البرلمان التي تسيطر عليه ضمناً ومن خلال أعمدته الأساسية، وأعطت الوفاق مجالاً محدداً، لم تحفر فيه بكفاءة.


نزلت الدورة الثانية عن مستوى الدورة الأولى التي كانت أقرب للوطنية، فظهر محورا المجتمع المذهبيان السياسيان وجهاً لوجه، ودخلت الحياة النزاع المذهبي السياسي في مستواها البرلماني كذلك، مما جعل المجلس متوتراً، كلُ فريق يتربصُ بالآخر خاصة في المسائل السياسية الكبيرة. أما المشاكل الوطنية العامة التي تتعلق بحياة الناس فإن الكتلة السياسية المذهبية السنية تقف مع الوفاق في ذلك، وكان هذا هو خيط الوحدة الوطنية الذي كان يجب أن تمسكَ به وتوسعَ منه، وكان هذا هو الممكن، لا المستحيل، ولكن للوفاق قدمين، الأولى في الممكن، والأخرى في المستحيل، الأولى في قضايا الشعب المعيشية، والثانية في تغيير النظام وهز أركانه، وفي الأولى يكون التعاون وفي الثانية يكون الخصام وانفلات حبل المجلس وفوضى الجلسات والشجارات والانسحابات. ويكون للوفاق عينان، الأولى داخل المجلس والأخرى في الشارع، فهي تريد أن تكسب الطرفين، فليس لها الصبر على مجالدة البيروقراطية الحكومية ومنازلتها بمشروعات القوانين وتدفق الأسئلة وتكوين اللجان، كما أنها تريد أن تبز المتطرفين من الطائفة الذين يرفضون الطريق البرلماني، ويؤكدون حرب الشوارع، فتقوم بحركات واستعراضات لكي لا تفقد الشعبية. كما أن العمل الحكومي تراكمت فيه عادات وتجري فيه تغيرات الأموال وتدفق الشركات، فتاهت المعارضة المذهبية، ولم تبحث بقوة ولم تحقق بدأب وتوجهت للاستعراض السياسي المبهر كحل يخفي ضعف الأداء.


أخبار الخليج 17 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

إدارة الأزمـة‮..!‬


هل يصدق أحد القول بأننا في منأى ومأمن من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تعصف بحركة المال والمصارف والأسواق في العالم، وهل من الواقعية والمنطق في شيء أن ندعي أن بورصة البحرين بخيــر وأوضاع المؤسسات العاملة في البحرين هي أيضاً بخير وسليمة ومتعافية، بل ومتقدمة وليس هناك ما يدعو إلى القلق..!!
متى ندرك أنه مهما رفعنا من يافطات وعناوين عن متانة وسلامة أنظمة الرقابة المصرفية المطبقة ومواكبتها لأفضل المعايير والممارسات، ومهما كانت التقديرات والتقييمات للسياسات الاقتصادية والمالية والمصرفية ومدى كفاءتها على مواجهة تداعيات الأزمة وتأثير مجرياتها على مجمل قطاعاتنا الاقتصادية، إلا أنه لا يمكن تصور أن تعيش البحرين والخليج بعامة في معزل عن العالم وتقلبات أسواقه وحتى انهياراته، وأننا بالمطلق لن نكتوي بنار الأزمة لا من قريب ولا من بعيد، وأنه ليس هناك ما يبعث على القلق حقاً، وعلى من يرفض الاقتناع أن يقتنع وعلى من يرفض التصديق أن يصدق..!!
لا ينبغي أن يدعي أحد ذلك، ولا يفترض القول بأننا ضخمنا وقع هذه الأزمة على اقتصادنا ومجتمعنا وأصبناهما بخوف وقلق، بل وهلع عززه وعمقه عدم وجود رؤية متكاملة وحقيقية وفعالة وملموسة حتى الآن حيال هذه الأزمة، في الوقت الذي نشهد يومياً المزيد من التطورات والاضطرابات في مختلف أسواق العالم التي تبين عمق وشدة الأزمة التي عصفت بأسواق ومراكز مالية عالمية وكبدتها خسائر بأرقام خيالية تأخذ منحى تصاعديا، ونشهد تدابير وقائية وإجراءات احترازية وحالات استنفار غير مسبوقة في معظم دول العالم من أجل أن تمر الأزمة بأقل خسائر ممكنة وتجنب الأسوأ الذي تقول دوائر اقتصادية عديدة بأنه لم يأتي بعد.
ليس من المفروض أن يدعي أحد ذلك حتى أن سمو رئيس الوزراء الذي أكد بأن البحرين لم تتأثر بالأزمة حتى الآن، لم ينفِ استحالة ظهور آثار وتداعيات محتملة لها، لذا فهو أكد أن مواجهة ذلك سيتم من خلال التعاون بين مختلف المؤسسات الاقتصادية والجهات الممثلة للقطاع الخاص للتعامل مع أي تداعيات قد تفرضها الأزمة، ملمحاً في هذا السياق إلى إمكانية بلورة رؤية اقتصادية جديدة تعالج هذه الآثار المحتملة..
 اذا كان سمو رئيس الوزراء يرى ذلك، فإن الموقف الغريب حقاً أن بعض المسئولين الذين استعرضوا عضلاتهم وذهبوا ربما من أجل زيادة جرعة الطمأنينة إلى الجزم بالنفي المطلق بأنه لن تكون هناك أي تأثيرات آنية أو مستقبلية للأزمة على واقعنا الاقتصادي، وهذا قول باعث على الحيرة والدهشة لأنه لا ينبغي على أي مسؤول أن ينسى أو يتناسى بأن الاقتصاد البحريني هو اليوم جزء من الاقتصاد العالمي نتأثر به أكثر مما نؤثر فيه وهذا أمر لا جدال فيه، كما لا جدال بأن الدولة التي تكون درجة اندماجها بالاقتصاد العالمي كبيرة تكون درجة تأثرها أكبر سلباً كان ذلك أم إيجاباً، ولذلك فإنه لا يمكن استثناء البحرين من محيط التأثر بالأزمة.
ليس من المصلحة، ولا من باب الواقعية أن يظهر لنا من يحاول أن يقنعنا بأننا دون غيرنا نمتلك من عناصر المنعة والحصانة ما يكفي لجعلنا أقوياء إلى الدرجة التي تحمينا، أو نستطيع بها حماية أنفسنا من تأثيرات الأزمة التي تعصف بمن حولنا مع كل أبعادها الكارثية، وكأن اقتصادنا من بنوك وشركات كبرى ومؤسسات مالية في عزلة تامة عن هذا الذي يجري في العالم، ولابد أن يسعدنا ذلك القول إذا كنا حقاً أقوياء إلى تلك الدرجة، ولكن تصبح خيبة كبيرة لأن الحقيقة أو الواقع لا يثبت ذلك، ولأنه حتى الموتى يتأثرون بتفاعلات التربة من حولهم، وها هو مصرفي بحريني بارز يرأس اتحاد المصارف العربية هو عدنان يوسف يحذر من تحديات مؤكدة ستواجه المصارف في المنطقة خلال العام المقبل، وذهب مصرفيون ومحللون ماليون بحرينيون إلى أن هناك مصارف تأثرت بالأزمة المالية الراهنة، وأن حقيقة هذا التأثير لن تظهر إلا في النتائج المالية للربع الأخير من العام الجاري، مع ملاحظة وجود نحو 270 مصرفاً عربياً هي بمعظمها صغيرة الحجم ومحدودة الرساميل ولا يوجد أي منها داخل تصنيف أكبر مئة مصرف في العالم، وها هي دول مثل الكويت وقطر والإمارات تتسابق إلى التحرك باتجاه اتخاذ تدابير وقائية وتبني خططاً إنقاذية لحماية اقتصادها ومؤسساتها المالية والمصرفية وأسواق الأسهم فيها التي لم تسلم من انتقال عدوى الاضطرابات العالمية الضاربة بعمق في أسواق المال والاستثمار والعقار.
نعلم جيداً أن الوضع الراهن بات مقلقاً للغاية، وحرجاً للغاية، ومن يراقب ويتابع مجريات الأزمة وانعكاساتها علينا سيكون لديه ما يبرر هذا القلق والحرج، لذا بات ضرورياً للغاية أن يكون مؤشر اليقظة “أخضر” لدى جميع الأطراف ودافعاً إلى إزالة أي تحفظات أو قيود تحول دون معرفة حقيقة أوضاع قطاعاتنا المختلفة والظروف التي تمر بها ومدى انعكاس الأزمة عليها، حتى لا نخلق أرضاً خصبة للإشاعات والتلاعبات والتدخلات العاطفية العشوائية التي لاشك أنها تجعل الصورة ضبابية في غياب الشفافية اللازمة، لذا كانت غرفة التجارة في بيانها الأخير منطقية في دعوتها لوزارة المالية والمصرف المركزي ” لتقديم البيانات والمعلومات التي تبين وبكل شفافية حقيقة وضع البحرين ومؤسساتها المالية والمصرفية وإبراز مدى تداعيات الأزمة عليها لبعث مزيد من الاطمئنان والثقة للمتعاملين والمستثمرين في السوق البحريني استناداً إلى أسس سليمة تبعدنا عن أي إشاعات كتلك التي بدأت تمس أوضاع بعض المؤسسات المالية والمصرفية، أو أي إشاعات أخرى قد تلوح في الأفق لتمس بعضها الآخر”، ونرى بأن الغرفة قبل ذلك واقعية في تأكيدها على أنه من الصعب على البحرين كمركز مالي عالمي أن ينأى بنفسه عن تبعات الأزمة المالية العالمية.
المسألة تقتضي تكاتف جميع صناع السياسات المالية الاقتصادية (النقدية والمالية والتجارية) للعمل كفريق متكامل ومتجانس لرسم رؤية واضحة حيال ما يجب فعله لدرء ما لا تحمد عقباه والخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر والتأثيرات حتى لا تكون أزمة الإدارة سبباً يعوق إدارة الأزمة بالكفاءة الواجبة في وقت يفرض على الجميع تحمل مسؤولياته الوطنية لحماية الاقتصاد الوطني وحتى لا تكون التسويقات الإعلامية أو الإشاعات سيدة التداول لنبحث في ظلها عن ضحية أو شماعة نحملها مسؤولية تبعات أي منزلق جراء التهوين من انعكاسات الأزمة العالمية على السوق والاقتصاد البحريني.
 
ألأيام 17 أكتوبر 2008
 

اقرأ المزيد

هيئة الأمم المتحدة.. رئيس مقدام وأعضاء مترددون


تناولنا في المقالة السابقة التصريحات الشجاعة للرئيس الجديد لهيئة الأمم المتحدة (ميغيل ديسكوتو) حينما شن هجوما عنيفا على الولايات المتحدة، وشجبه للسياسة الأمريكية الساعية إلى فرض الحصار على كوبا الاشتراكية.. مثلما حملت تلك التصريحات دعوة وطنية ومبدئية تنادي إلى ” إصلاح عاجل لمجلس الأمن الدولي”.. وبحسب ما حملت هذه الدعوة الوطنية في جوهرها “انتقادا لاذعا لبعض أعضاء مجلس الأمن بوضع نفسها فوق ميثاق الأمم المتحدة واستئثارها بحق النقض الفيتو وتهميش هيئة الأمم المتحدة”.. فإننا بهذا الشأن قد تطرقنا بالتعقيب الداعم والمؤيد لتلك الدعوة الوطنية والمبدئية.. التعقيب المكمل لمفاهيمها وتداعياتها، من اجل انتشال هيئة الأمم المتحدة من مرتبتي الدونية والتهميش في ظل إعادة النظر في صياغة ميثاق الأمم المتحدة، الذي أكل عليه الدهر وشرب، منذ أكثر من ستين عاما خلت.. ولعل القول يبقى صحيحا في سياق مقالتنا التكميلية هذه، أن ثمة أسبابا جوهرية أخرى في تهميش هيئة الأمم المتحدة، تكمن في هشاشة أعضاء الأمم المتحدة، والذين معظمهم يمثلون حكومات استبدادية داخليا وقطريا، في الوقت الذي استمرأت فيه المرتبة التهميشية دوليا، والتي تفرضها الولايات المتحدة من خلال هذه الجمعية الدولية.. هذه الأنظمة الهشة وخاصة أنظمة دول العالم الثالث، التي تدور في فلك التبعية للولايات المتحدة سواء سياسيا أم اقتصاديا أم أمنيا وعسكريا، قد أعطت الفرصة الذهبية السانحة بتهميش هيئة الأمم المتحدة.


إذا ليس بمستغرب أن تفتقد معظم هذه الأنظمة الدكتاتورية الشجاعة الأدبية بمواجهة الولايات المتحدة.. طالما لم تستطع ان تنبس ببنت شفاه، حول ما يدور من تفشي الفساد ومظاهر الجمود والبيروقراطية والإفلاس بين أروقة هيئة الأمم المتحدة وجذور أجهزتها، والتي سببها الولايات المتحدة في المقام الأول. فما بالنا بالمطالبة والنضال لقضايا أخطر من ذلك، كالمطالبة برفع الحصار عن كوبا أو إعادة النظر في صياغة ميثاق هيئة الأمم المتحدة.. فهي قضايا مصيرية يظل تحقيقها من رابع المستحيلات، بقدر ما تظل في حكم المؤجل الأبدي، إزاء أنظمة استبدادية فوقية.. مفروضة حكوماتها بقانون القوة، وغير منتخبة.. أنظمة سعت إلى كبت الحريات العامة لشعوبها، وصادرت حقوقها وحرياتها، بمزيد من التهميش، وانتهاك حقوق الإنسان لديها..


وضعت الحواجز ما بين الرأيين الشعبي والرسمي، وما بين البنى الفوقية والبنى التحتية.. وبحسب ما تمثل (السياسة الداخلية الاستبدادية) لدى دول العالم الثالث.. في استئساد هذا النظام أو الآخر على شعبه ومواطنيه.. فإن (السياسة الخارجية الخانعة) للنظام تعكس مدى تخاذل النظام الرسمي حول قضاياه الوطنية والقومية والأممية والمصيرية.. بقدر ما يظل هذا النظام يمثل الحمل الوديع بعضويته لدى هيئة الأمم المتحدة أمام سياسات الدول الكبرى في مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي هي بدورها أخضعت معظم أنظمة دول العالم الثالث لإملاءاتها وشروطها ووصاياها.. بل جعلتها تثني وتبصم وتصدق على كل ما تقوله الولايات المتحدة وتصرح به من تصريحات وقرارات.. وتقره من قوانين وتشريعات مفروضة على هيئة الأمم المتحدة بشريعة الغاب للنظام الأحادي القطبية بازدواجية المعايير والكيل بمكيالين ونظام التصويت وحق النفض الفيتو..


ولعل من الأهمية بمكان القول بهذا الصدد: لو أن هذه الأنظمة الرسمية لدى دول العالم الثالث، اتخذت شعوبها ركائز للعملية التنموية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنتاجية، لما تجرأت الولايات المتحدة، بأي حال من الأحوال على تهميش عضوية هذا البلد أو الأخر لدى هيئة الأمم المتحدة.. ولو آمنت هذه الأنظمة بمجتمعاتها كالدرع الواقية عن الأرض وسيادة الوطن والذود عن حياضه.. فإن الولايات المتحدة لن تستطيع القيام بخرق السيادة الوطنية.. ولو دفعت هذه الأنظمة جل اهتمامها لقضايا الديمقراطية والحريات العامة لشعوبها، مثلما تهتم بالقضايا الأمنية والعسكرية، فإن صوت هذا النظام أو النظام الرسمي الأخر بين أروقة هيئة الأمم المتحدة سيكون مسموعا، يؤخذ بحقائقه ومفاهيمه، بقدر ما يظل موقع احترام وموضع تقدير للجميع، يلزم حتى أعتى دولة في العالم الأخذ بهذا الصوت، والإيمان بتوصياته وتداعياته.. في نهاية المطاف نستطيع القول ان هذه الملاحظات وهذه الأفكار البالغة الأهمية، هي الضمان الأساسي للنهوض بعضوية هذا النظام العربي أو النظام الأخر في دول العالم الثالث لدى هيئة الأمم المتحدة.. فهل ستدخل إلى حيز التنفيذ والتطبيق ولو بشكل نسبي؟.. أم ستظل هذه الأفكار وهذه الملاحظات تمثل أمنيات مثالية طوباوية تظل في حكم المجهول؟


أخبار الخليج 17 أكتوبر 2008

اقرأ المزيد

تمكين الطغــاة


مرة أقام أدونيس ما يشبه الحوار الذهني مع الكاتب القادم من الجزيرة العربية عبدالله القصيمي، كأن أدونيس في هذه الحوار، الذي يبدو متخيلاً، لجأ إلى نصوص القصيمي فأمسك ببصيرته كقارئ عميق لهذه النصوص، بما فيها، من حرارة الانتساب إلى الحياة وإلى المعرفة وإلى المستقبل، فأعاد تدوينها. في هذه القراءة، سأل أدونيس القصيمي عن ماذا يريد أن يقول، فأجاب الثاني أنه لا يريد أن يقول للآخرين شيئاً، إنما يريد أن يرمي نفسه خارج نفسه، فهو في كتاباته يعتقد أنه يعتدي على الآخرين، على نحو ما يفعل بقية الكتاب.  لكنه أوضح بأنه يحاول أن يعبر عما يضايقه ويثير احتجاجه ويُنكره منطقه في كل شيء، بما في ذلك في الإنسان العادي الذي يهتف للغباء وللطاغية أو في الطاغية نفسه أو في مجتمعاتنا أو في مجتمعات الآخرين أو في المجتمعات التي تخاصمنا، إنه يحتج على الغمامة التي تسقط مطراً على بلدٍ لا يحتاج إليه وترفض أن تزور بلداً يحتاج إليها ــ ليس للغمامة عذر في أن توزع نفسها توزيعاً سفيهاً.  هل السعادة ممكنة؟ يسأل أدونيس، ويبحث عن الإجابة في نصوص القصيمي، فيجدها في التالي: “السعادة كلمة تاريخية تقليدية غير محددة، فمن الممكن أن ينال الإنسان كثيراً من احتياجاته، وأن يهزم كثيراً من آلامه ومخاوفه، فإذا كانت هذه هي السعادة، فالسعادة إذاً ممكنة، أما إذا أريد بالسعادة أن يملك الإنسان جهازاً نفسياً أو فكرياً أو جسمياً، لا يقلق ولا يحتج ولا يتعذب، فإنها بهذا المعنى غير ممكنة”. لكن القصيمي يلامس مكامن الوجع في وضعنا العربي: “أكثر ما يرهبني جداً في العالم العربي، بزوغ الطغاة المتجبرين جداً، المتفجرين تباعاً في العالم العربي، وأبشع ما في هذا أن المجتمعات المتحضرة تمكن هؤلاء الطغاة بمختلف الوسائل التي تهبهم القدرة على الإذلال والبطش، وعلى سحق القيم كلها التي جاءت بها حضارة تلك المجتمعات، وأنا أعتقد أن هؤلاء البازغين في عالمنا سيتكاثرون جداً، باسم الثورية والمذهبية”.



حين علق الطاغية السوداني جعفر النميري الشهداء عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وهاشم العطا ورفاقهم على أعواد المشانق، منذ نحو ثلاثين عاماً، هتف الشاعر محمود الفيتوري مخاطباً النميري: ” كل طاغية صنم، دمية من خشب”. للأسف الشديد فان هؤلاء الطغاة – الدمى والأصنام ما انفكوا يتكاثرون، كما هجس بذلك ابن جزيرتنا العربية عبدالله القصيمي ليقودونا نحو المهالك، واحدةً تلو الأخرى، ومن عباءة هؤلاء الطغاة يخرج عشرات، لا بل مئات وربما آلاف، من صغار الطغاة، الذين يحولون مدناً عامرة إلى أراضٍ يباب، خالية من الروح، ويقودون مجتمعات بكاملها إلى الخراب، والخراب وحده. عندما يفكرالقصيمي: هل يمكن أن توجد سدود تحول بين المجتمعات العربية وهذا الطوفان من الطغيان النابع من داخلها، لا يجد أي سد من هذه السدود المنتظرة، مما يُشعره بالخوف، أو بما يشبه الي
 

اقرأ المزيد