المنشور

أزمة جورجيا تربك القبارصة‮!‬


في اجتماع بروكسل التاريخي حول أزمة جورجيا، كان على 27 عضوا من الاتحاد الأوروبي أن يقفوا وقفة واحدة إزاء استقرار أوروبا الجديدة، أوروبا الخالية من الحروب، والتي تؤسس لعالم حر وديمقراطي، أوروبا التي تسعى لحل كل مشاكلها بالحوار السلمي، انطلاقا من مبادئ عدة وواضحة من أهمها احترام سيادة كل بلد واستقلاله وتكريس احترام القانون الدولي، في قارة عجوز تستنهض قواها باستنهاض قدراتها الكامنة، فبدأت بعض دولها في تشكيل تكتل اقتصادي جديد يناسب مرحلة التعددية القطبية.


في أجواء بروكسل وأزمة جورجيا المعقدة ذهب الأعضاء بروح الفريق الواحد، لمصادقتهم على بيان توافقوا بأن يكون متوازنا، بين خطاب الليونة والخشونة، بحيث تصبح العصا الأوروبية متوافقة لدول أوروبية تنتظر أن تكون شريكا في قضايا عدة، فلجورجيا آمالها وتطلعاتها في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فكلاهما أصبحا عمودين لقاعدة واحدة، فالحلف الناتو غرس جذوره في القارة منذ الحرب العالمية الثانية، وكان ترسا لحماية الحلفاء والأصدقاء، ومازال يواصل هذه الدور مع فكرة الاتفاق على توسعته، وبإدخال أعضاء هم جزء حيوي من مكونات الاتحاد السوفيتي، وبذلك تصبح العلاقة أساسية.


 وان تحدثت أوروبا خطابها المختلف في أحيان كثيرة، فإنها تظل لها منطلقاتها في المصالح والرؤى لقضايا شتى دولية وقارية ومحلية. كان على “الناتو ( الحاضر الغائب) والاتحاد الأوروبي” في اجتماع بروكسل أن يصوغا بياناً مرناً، برغم حدة لهجة الانجليز والفرنسيين، فان الألمان والاسكندينافيين وصغار الدول، انحازوا إلى عدم التصعيد، فما زال هناك متسع من الوقت لمعالجة الأزمة بالحوار، وان كانت الدبابات تقف في مواقع لا تسر حكومة جورجيا ولا أقطاب الناتو وصقور أوروبا.


ما سمعناه في الأسبوعين الأخيرين من خطابات حادة ومضادة، خطابات التنديد ورد الفعل، من مفردات العزلة الى دكتاتورية النفط، ومن فصل الشراكة وتجميدها إلى عبارات فاقت التصور، حيث ترافقت مع تلك الجمل الدبلوماسية الرعناء، مساعدات عسكرية هنا وهناك، وتصعيد يدفع بحكومة جورجيا بالتمادي أكثر مما يمكنها على تحمله، فالخنجر في خاصرتها حاليا وليس في ظهر الرئيس الأمريكي المغادر قريبا، ولا خصر غوردن براون المعتم مستقبله في بريطانيا المتقلبة أوضاعها السياسية. فما الذي بإمكان قبرص الصغيرة ان تفعله داخل بيت كالاتحاد الأوروبي باتت عضوا فيه، إزاء صديق قديم وقف معها بقوة طوال فترة الحرب الباردة.


 دون تردد كانت قبرص تنظر للمسألة الجورجية بحذر شديد يختلف عن الدول الكبيرة، التي يهمها مصالحها الاقتصادية الكبرى وشركاتها العملاقة، وحنينها للماضي ولموروث فقدته مع الثورة البلشفية، دول تمثل أنياب حلف الناتو، وتحاول أن تدافع عن مرتكزاتها الإستراتيجية في القوقاز، في وقت لا ترى قبرص فيه المسألة إلا من منظور التوازن الذي لا يؤثر على قضيتها التاريخية وتقسيمها بين أثنيتين، ساهم الناتو والحيتان الكبار في دوره فترة الحرب الباردة.


كيف تتعاطى قبرص الصغيرة في الاتحاد مع الأزمة الجورجية؟


هذا السؤال ظل أمام الحكومة الجديدة، التي ارتبطت بتاريخ وثيق بالرفاق، الذين تشظت حدودهم ودولتهم، ولكنهم ظلوا بكل أسنانهم يمسكون الماضي من اجل بناء روسيا قوية تعيد للوضع العالمي توازنه، انطلاقا من أن العالم لا يجوز تركه محكوما بقطب واحد.


في هذا المناخ تحديدا كانت قبرص تفتتح أولى جلساتها للحوار السلمي من اجل توحيد الجزيرة بكل قوة، فذلك مرتكز مبدئي في التفاوض. والغريب أن روسيا والاتحاد السوفيتي سابقا، كانا على الدوام مع وحدة الجزيرة، منددا بالقسم الانعزالي، معتبرا أن ذلك اعتداء على سيادة الجزيرة ومنافيا للقانون الدولي. هذه “التقسيمة الموسيقية !!” عزفها الاثنان معا في وقت كانت تركيا وشمال قبرص تهددان بالانفصال، وقد حاولتا ذلك ولكنهما لم تنجحا لعدم اعتراف المجتمع الدولي بتلك الحالة، فعاش شمال قبرص بدعم تركي حالة عزلة دولية.


 ما تبدل في الأمم المتحدة ليس النص ولا مبادئ الفاعلين ولا حتى قاعات الاجتماع ولا الميكروفونات !، ما تبدل هو الوضع العالمي الجديد، وحدوث اختلال فيه، انعكس على وضعية المنظمة الدولية، التي بدأت تهيمن عليها القوى المنتصرة، فيما راح المعسكر الثاني يواصل انهياره وتدهوره ويتفكك، ويتحول إلى دول متعددة الاتجاهات والانتماءات، فصار حلم بعض دول المعسكر الشرقي اللحاق بحلف الناتو وعضوية الاتحاد الأوروبي. وانعكس ذلك التشظي والتفتت على دول البلقان الجديدة، فتعاركت روسيا بكل وضوح على مسألة كوسوفو وحق صربيا فيها باعتبارها جزءاً من حدودها الدولية، فيما أصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها على أن كوسوفو لها حق أن تصبح دولة مستقلة، وتناسى الجميع خطاب العقل والمنطق والحق واحتكما إلى موازين أخرى، هي الكواليس الخلفية والصفقات وأصوات القذائف والدبابات، أثناء تقسيم يوغسلافيا السابقة، وتصميمها كخارطة جديدة.


اليوم انتقلت الأزمة من البلقان إلى مناطق القوقاز، لمعالجة قضايا سياسية واستراتيجية بحجج عرقية وتمظهر اجتماعي وثقافي ولغوي، ويافطات تم إعادة رفعها مرة أخرى تحت لواء “حق الشعوب في تقرير المصير، وتناسى الجميع مبدأ اندماج أقليات واثنيات عدة ضمن إطار حدود دولية شرعية لبلد ما وفق القانون الدولي، والذي تم الاتفاق عليه بعد الحرب العالمية الثانية”. لأول مرة يتفق الطرفان القبرصيان على مسألة واحدة هي عدم التورط بأزمة جورجيا، فهناك دعوة لتأييد الانفصاليين بإقامة دولتهم، في وقت يسعى الطرفان هنا في الجزيرة توحيدها بعد معاناة طويلة من التقسيم!



الأيام 17 أكتوبر 2008

اقرأ المزيد

في‮ ‬أجواء رد وزارة الداخلية

نُسجل لوزارة الداخلية موقفها الايجابي‮ ‬في‮ ‬الرد على المذكرة التي‮ ‬أصدرتها ست جمعيات سياسية حول الموقف من أحداث العنف التي‮ ‬تشهدها البلد بين الحين والآخر‮. ‬ لقد عودتنا العديد من الأجهزة التنفيذية بتجاهل دعوات ومواقف الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬حيال ما‮ ‬يدور في‮ ‬المجتمع من قضايا،‮ ‬ليست المسألة الأمنية سوى إحداها،‮ ‬لذا علينا أن ننظر بتقدير لكون وزارة الداخلية سارعت،‮ ‬على لسان الوكيل المساعد للشؤون القانونية في‮ ‬الوزارة،‮ ‬بالرد على المذكرة التي‮ ‬نشرت في‮ ‬الصحافة منذ‮ ‬يومين‮.‬ والهدف من هذه المذكرة التي‮ ‬كانت موضوعاً‮ ‬للتداول بين الجمعيات الموقعة عليها،‮ ‬قبل إصدارها،‮ ‬إظهار الموقف الموحد لهذه الجمعيات في‮ ‬إدانة مظاهر العنف التي‮ ‬طبعت بعض الفعاليات الاحتجاجية في‮ ‬الشهور الماضية،‮ ‬من أي‮ ‬طرف جاء هذا العنف،‮ ‬خاصة مع سقوط ضحايا له من المتظاهرين ومن رجال الأمن،‮ ‬على حدٍ‮ ‬سواء‮.‬ ونتفق مع ما جاء في‮ ‬رد وزارة الداخلية أن عهد ما بعد ميثاق العمل الوطني‮ ‬هو الذي‮ ‬خلق المساحة المتاحة حالياً‮ ‬من حرية التعبير والتظاهر،‮ ‬والجمعيات السياسية،‮ ‬التي‮ ‬وقعت على المذكرة،‮ ‬في‮ ‬مقدمة من‮ ‬يُثمن ذلك،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمة الحريصين ليس فقط على الحفاظ على هذه المساحة وإنما توسيعها‮.‬ ومن هنا مصدر دعوتنا إلى تأكيد الطابع السلمي‮ ‬الديمقراطي‮ ‬لأي‮ ‬تحرك شعبي،‮ ‬والى البعد عن مظاهر العنف،‮ ‬لأننا ناضلنا لعقود من أجل بلوغ‮ ‬ما تحقق بعضه في‮ ‬البلاد اليوم،‮ ‬من أن‮ ‬يكون القانون ضامناً‮ ‬لحرية الإضراب والتظاهر والاعتصام والاحتجاج،‮ ‬بعد أن كانت مثل هذه الفعاليات محظورة،‮ ‬وكان نصيب المشاركين فيها الاعتقال والإيذاء والمحاربة في‮ ‬الرزق،‮ ‬لذا فنحن أكثر الناس وعياً‮ ‬بأهمية ما تحقق وحرصاً‮ ‬على صيانته والارتقاء به‮.‬ لكن ما ننشده من وزارة الداخلية ليس فقط تبيان موقفها من النقاط الواردة في‮ ‬مذكرة الجمعيات السياسية،‮ ‬وإنما أيضا تلافي‮ ‬بعض التجاوزات التي‮ ‬يقع فيها رجال الأمن في‮ ‬التعاطي‮ ‬مع بعض الفعاليات الاحتجاجية والتي‮ ‬وردت الإشارة إليها في‮ ‬مذكرة الجمعيات ولا ضرورة لإعادة سردها هنا‮.‬ ولأن الأمر بالأمر‮ ‬يُذكر فان من مظاهر هذه التجاوزات اقتحام قوات مكافحة الشغب التابعة للوزارة قاعات المحكمة عند النظر في‮ ‬بعض القضايا الأمنية مؤخراً،‮ ‬وهو أمر‮ ‬يلحق الضرر بهيبة ومكانة القضاء،‮ ‬وكذلك بسمعة وزارة الداخلية ذاتها،‮ ‬والوزارة تدرك حجم الاحتجاجات التي‮ ‬أثارتها هذه الخطوة‮.‬ نحن مع احترام القانون وضمان مهابة رجال الأمن في‮ ‬أداء واجبهم،‮ ‬ولكن‮ ‬يجب وضع الحدود الفاصلة بين هذا الأمر وبين التجاوزات التي‮ ‬لا نرضى لوزارة الداخلية أو لأي‮ ‬جهاز آخر معني‮ ‬بحفظ النظام أن‮ ‬يقع فيها،‮ ‬وبالمقدار ذاته من الرفض نقف إزاء أي‮ ‬اعتداء على رجال الأمن وسلامتهم البدنية‮.‬ يبقى القول أن مذكرة الجمعيات السياسية موضوع الحديث هي‮ ‬بمثابة رؤية متكاملة حول موضوع العنف في‮ ‬البلد،‮ ‬تنطلق من رغبة وطنية مسؤولة في‮ ‬صون السلم الأهلي،‮ ‬وصوغ‮ ‬علاقة صحية قائمة على الشراكة بين الدولة والمجتمع،‮ ‬وهي‮ ‬تتطلب من الجهات الرسمية المزيد من التجاوب والحوار‮.‬
 
صحيفة الايام
15 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

لكـي لا يشـوه التاريـخ

 


يكثر الحديث في هذه الأيام عن توثيق تاريخ الحركة الوطنية في البحرين بالكتابة عن كل الأحداث التي عاشتها منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي وعن قادتها ومناضليها، حتى لا يُنسى تاريخ من قدّم الغالي والنفيس من أجل أن تشرق شمس الحرية في بلادنا.


 فهيئة الاتحاد الوطني، كتب أحداثها القائد الوطني المعروف عبدالرحمن الباكر في كتابه (من البحرين إلى المنفى)، الذي استفاد منه العديد من الباحثين والكتاب والقراء من الأجيال المختلفة، حيث يعتبر هذا الكتاب أحد المصادر التاريخية لتأريخ وكتابة العديد من البحوث المتعلقة  بتاريخ الحركة الوطنية في البحرين، ومع الأهمية الشخصية والتاريخية للمناضل الوطني عبدالرحمن الباكر إلا أنه لم يكتب إلا القليل عن هيئة الاتحاد الوطني من قبل شخصيات أخرى غيره.


على سبيل المثال ما نشره الكاتب خالد البسام من مذكرات للشخصية الوطنية المعروفة عبدالعزيز الشملان، وهو احد قادة الهيئة، وبعض الكتابات عن الهيئة.
الكتابة من وجهة نظر شخص أو قائد لوحده لا تستطيع أن تعطي الحدث الذي يجب الكتابة عنه حقه الكامل من ناحية التفاصيل، لأن هناك مسئوليات متعددة ومنوطة بأشخاص آخرين، كانت لهم أدوار بارزة في قيادة هيئة الاتحاد الوطني.


ولكي ينجز بشكل صحيح تدوين وتأريخ نضالات الحركة الوطنية، ينتظر من القادة الأحياء في فترة ما بعد القضاء والإجهاض على هيئة الاتحاد الوطني من قبل المستعمر البريطاني تسجيل وكتابة ما لديهم من آراء وملاحظات وبالتعاون مع آخرين لمساعدتهم على القيام بتلك المهمة التاريخية والوطنية، لكي تتعرف الأجيال المتعاقبة من أبناء شعبنا على نضالات وتضحيات هؤلاء الوطنيين ضد الاستعمار البريطاني وأعوانه المحليين.


عند كتابة التاريخ سواء كان سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً أو تراثياً، تنقل الوقائع والأحداث للقارئ بأمانة وصدق دون تأويل أو حذف أو تحريف أو غض النظر عن ذلك الحدث أو الواقعة لأسباب مختلفة من قبل الكاتب، باحثاً أو دارساً للتاريخ.  فالصدق والأمانة، والشفافية والحرفية المهنية، هي صفات يجب أن يتصف بها الكاتب أو الباحث الجاد، فإذا كان كاتباً مشاركاً في الأحداث والمحطات التاريخية والمفصلية في حياة حزب أو حركة أو انتفاضة من تاريخ شعب ما، عليه أن لا يجيّر الأمور والوقائع لشخصه وكأنه صانع وقائد وملهم لتلك الأحداث. ربما يكون له دور بارز وهام ولكن معه آخرون يمكن أن تكون  أدوارهم أهم من أدواره فلماذا يبخس حق الآخرين؟ ولماذا شخصنة التاريخ على حساب العمل الجماعي؟. فالحقائق تقول مهما كانت أهمية الفرد في التاريخ، لا يستطيع التغيير بمفرده حتى ولو كانت أفكاره تستقطب الآلاف والملايين من البشر، فإحداث التغيير مهمة جماعية في أي مجتمع كان.


نخشى أن من يتصدى لهذه المهمة، وإن كانت الدوافع طيـبة وحسنة، أن لا يكون على الحياد فيما يكتب أو ينشر فيما بعد، وهناك مؤشرات، تشير إلى ما ذهبنا إليه، في كتابات البعض في الصحافة المحلية، أو نشر بعض من أبحاثهم أو دراساتهم، ومن ذلك أنه نشرت قبل عدة شهور في جريدة ((الوقت)) لمهتم بالكتابة عن تاريخ الأحزاب والحركات السياسية في البحرين، أربع حلقات من كتابه ((تاريخ اليسار في البحرين))، والمتعارف عليه أن المقصود باليسار في البحرين تحديداً، التيار الماركسي واليسار القومي، الأول الشيوعيون وحزبهم جبهة التحرير الوطني البحرانية، الثاني اليساريون القوميون – الجبهة الشعبية في البحرين – التي تشكل امتداداً لحركة القوميين العرب والتغيرات التي طرأت عليها بعد هزيمة حزيران عام 1967.


في غالبية سطور الحلقات الأربع المشار إليها يتحدث الكاتب عن حركة القوميين العرب التي هي أحد فصائل الحركة الوطنية البحرانية، فكان عليه أن يختار عنوانا أكثر وضوحاً هو ((تاريخ حركة القوميين العرب في البحرين)) بدلاً وأفضل من العنوان الأول.


حدث آخر هو ما كتب عن اللجنة التأسيسية لأصحاب المهن الحرة والمستخدمين، والدور البارز للراحل الوطني المهندس هشام الشهابي والمناضل النقابي عبدالله مطيويع ((أبوراشد)) في تأسيسها، يبرز السؤال التالي: ما دور الآخرين من القادة النقابيين في تأسيسها والذين وردت أسماؤهم في بيان التأسيس وفي الرسالة الموجهة إلى وزير العمل آنذاك؟ إذ تعرض البعض منهم لسنوات طويلة من الاعتقال، على سبيل المثال المناضل النقابي عباس عواجي  ((أبوبدر))، وكان محوراً رئيسياً في تشكيل العديد من اللجان العمالية السرية بالإضافة إلى العشرات من النقابيين المعروفين والمجهولين الذين عملوا بصمت على تنظيم العمال في اللجان العمالية في مواقع مختلفة، فالتاريخ يجب أن يكتب بأحداثه ووقائعه، حتى لا يُنسى من ساهم في صنعه.


واقعة أخرى كنت أنا أحد أطراف النقاش فيها، سألت نائباً سابقاً عضواً في كتلة الشعب، في المجلس الوطني عام 1973، في بداية التسعينات من القرن الماضي، قبل الأحداث المعروفة في البحرين: مَنْ الجهة التي أوصلتك إلى قبة البرلمان؟ وهنا أقصد الجبهة أو الحزب السياسي، قال بمعرفة الناس لتاريخنا السياسي، كوطني وقومي فزتُ في المجلس، قلت هذا صحيح، ولكن أقصد مَنْ عمل على إيصالك ومَنْ أسس كتلة الشعب ومن صاغ برنامج الكتلة، ألم تكن جبهة التحرير الوطني البحرانية، حيث عمل مناضلوها ومناصروها وبنشاط ملحوظ من أجل إنجاحك وإنجاح الآخرين من أعضاء كتلة الشعب في 7 ديسمبر 1973.


 وبعد أسبوع التقيت النائب السابق محسن مرهون وسألته السؤال ذاته، كانت إجابته واضحة وضوح الشمس بأن مَنْ أوصله إلى قبة البرلمان، هي جبهة التحرير الوطني البحرانية، وبفضل مناضليها وشبيبتها، وأضاف لا يمكن أن أنسى ذلك أبداً، وبالمناسبة المحامي محسن مرهون نزل في منطقة سنية وهي الحورة والقضيبية ونجح فيها، هكذا تـذكر الحقائق والوقائع، إذا كنا نريد أن نكتب أو نسجل من دفاترنا القديمة ونعيد نشرها للناس من جديد.


البحث عن الحقيقة مهمة صعبة، وإذا لم يضع الدارس، الحق في نصابه الصحيح، فإننا نخشى أن يُكتب التاريخ وفق أمزجة تعبر عن الذات والأنا، وانطلاقاً من هذا ولكي لا يعبث العابثون الذين يسيئون إلى تاريخ الحزب الذي قدم التضحيات والنضالات من أجل وطن حر وشعب سعيد، اتخذت اللجنة المركزية للمنبر الديمقراطي التقدمي في اجتماعها الأخير المنعقد بتاريخ 22 و23/9/2008، في رمضان الفائت، قراراً بأن تشكل لجنة خاصة مهمتها اللقاء بالمناضلين من قادة وكوادر جبهة التحرير الوطني البحرانية وأعضاء المنظمات الجماهيرية، العمالية والشبابية والنسائية والطلابية وغيرها التي ساهم مناضلو الجبهة في تأسيسها ، القيام بمهمة تسجيل وتدوين مذكراتهم لتطلع عليها الأجيال القادمة وتعرف تضحيات هؤلاء.


بالرغم من أننا بدأنا هذا العمل في نشرة “أخبار المنبر” ((التقدمي حالياً )) في السنة الأولى لإصدارها في العدد الثاني فبراير 2003، بالكتابة عن المناضل والقائد العمالي الراحل علي مدان، وفي الأعداد اللاحقة خصصنا صفحة بعنوان ((مناضلون من الوطن))  حيث أجريت العديد من المقابلات مع مناضلي قادة وكوادر جبهة التحرير الوطني البحرانية، تحدثوا فيها عن سنوات النضال والكفاح، إبان مرحلة الاستعمار البريطاني، وبعد السنوات الأولى من الاستقلال في عام 1971، وحقبة قانون أمن الدولة بعد حل المجلس الوطني أغسطس 1975، ولكنها كانت موجزة ، نظراً لضيق المساحة في صفحات النشرة.


إن الأمر يتطلب بذل جهد كبير من أجل إنجاز هذه المهمة الوطنية، حتى لا يشوه تاريخ حزبنا، فهناك من يقدم خدمة كبيرة ومجانية  اليوم في تشويه ذلك التاريخ عبر صفحات الجرائد والإنترنت، ويحقق الهدف الذي عجزت عن تحقيقه أجهزة الأمن المتعاقبة على مدار خمسة وخمسين عاما ، مما يدعونا للتساؤل لماذا كل هذا؟ وما هي أهداف ودوافع البعض من ذلك؟

اقرأ المزيد

‮ ‬فشل ذريع لـ‮ “‬الليبرالية الجديدة” (‬نيو لبراليزم‮)‬

 


عندما انهارت التجربة “الاشتراكية”، قبل حوالي العقدين من الآن، هلل دعاة الاقتصاد الحر، وراحوا يعلنون “نهاية التاريخ”. وكان في طليعة هؤلاء اللبراليون الجدد، الذين دعوا إلى اعتماد سياسة اقتصاد السوق الحرة، باعتبارها، لوحدها،السياسة الاقتصادية الصحيحة.


وأطلقوا من جديد، وبإلحاح شديد، فكرة “ان السوق دائما على حق” ! وراحوا يفرضون بشتى السبل إبعاد الدولة عن التدخل في شؤون الاقتصاد، ويسلبون المكاسب التي حققتها نضالات الفئات الاجتماعية المختلفة في توسيع القطاع العام، وتأمين الرعاية الاجتماعية للفئات الواسعة من المواطنين في شتى الدول باسم “الإصلاح الاقتصادي”.


غير أن الزلزال المالي الذي حدث قبل شهر من الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، وراحت تداعياته تشمل العالم كله تقريباً، اظهر خطأ هذه الفكرة، بل وخطرها الشديد على الاقتصاد العالمي كله. ولذا ورد على لسان الرئيس الفرنسي ساركوزي ” ان حال الاضطرابات التي أثارتها أزمة أسواق المال الأمريكية وضعت نهاية لاقتصاد السوق الحرة “. و” ان فكرة، السوق دائماً على حق، فكرة مجنونة ” وشبـّه ملياردير أمريكي ما حدث بـسبيرل هاربر اقتصادية “. (وبيرل هاربر هي المعركة التي دمـّر فيها الطيران الحربي الياباني الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي أيام الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي ). وهناك من اعتبر الزلزال الذي حصل أخطر مما حصل للولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول العام 2001. وهو حقاً كذلك.


ذلك إن من تداعياته توقع فقدان الدولار لدوره باعتباره عملة رئيسية في التبادل المالي والاقتصادي العالمي. وأن الأزمة المالية الأمريكية لن تنتهي بسرعة، بل ستمتد آثارها لفترة طويلة قدّرها بعض الخبراء الاقتصاديين بسنتين. وان الولايات المتحدة الأمريكية ستفقد مكانتها كقوة عظمى في النظام المالي العالمي. وان وول ستريت “سوق المال الأمريكي” لن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً.


وبطبيعة الحال فإن تأثيرات الزلزال المالي الأمريكي لن تقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، بل ستعم الاقتصاد العالمي كله تقريباً. فهاهي ألمانيا التي لام وزير ماليتها أمريكا لتسببها في هذا الزلزال، وزعم أن ألمانيا بعيدة عن آثاره، سرعان ما اضطر إلى ضخ خمسين مليار يورو تفاديا لافلاسات تهز الاقتصاد الألماني. وان فرنسا تعاني من انعدام النمو هذا العام.

 
واقدمت الحكومة البرطانية على طرح “خطة إنقاذ سيصل حجمها إلى 880 مليار دولار للحيلولة دون انهيار احد المصارف أو بعضها. ويكاد يجمع الخبراء الاقتصاديون العالميون على أن الاقتصاد العالمي سيمر بمرحلة تراجع.


 ولتبيان فداحة ما سببّه الزلزال المالي الأمريكي نقتبس ما ذكره المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس من أن خسائر أسواق المال العالمية المرتبطة، بشكل وثيق، بالأزمة المالية، بلغت حوالي العشرة ترليونات دولار. ويساوي هذا الرقم الفلكي الهائل الناتج المحلي الإجمالي للدول الخمسين الأكثر فقراً في العالم مضاعفاً تسعاً وأربعين مرة !!


ولتبيان لا عدالة، بل ظلم وإجحاف العولمة الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل الليبرالية الجديدة، إضافة إلى ما سبق ذكره بشأن الدول الأكثر فقراً في العالم، والافلاسات التي تطال الملايين، وخسران ملايين اخرين لمساكنهم، نظراً لعجزهم عن تسديد أقساط الرهون العقارية، نذكر أن أرباب المال ورجال البنوك هم الذين يستأثرون بالإرباح والرواتب الخيالية،التي تبلغ لعدد منهم ما يزيد على الثلاثين مليون دولار، وتصل لدى بعضهم إلى سبعين مليون دولار، يـُعفون من تحمـّل نتائج السياسات الخاطئة التي أدت إلى الزلزال المالي، واستدعت تخصيص سبعمئة مليار دولار من خزينة الدولة، يتحملها مئات الملايين من دافعي الضرائب،دون أن يكون لهم أي ذنب في ما حصل، ويتحمل كل رجل وامرأة وطفل من أبناء الشعب الأمريكي مبلغ الفين وثلاثمئة دولار لتأمين السبعمئة مليار دولار،التي خصصها الكونغرس الأمريكي لمعالجة آثار الزلزال المالي.


ولا بأس في هذا السياق أن نتطرق إلى بعض ما يصيب العرب من تداعيات الزلزال،الذي اثبت الفشل الذريع للـّبرالية الجديدة وخطرها على الاقتصاد العالمي، ومن ضمنه الاقتصاد العربي.


فمن المعروف أن الاستثمارات العربية في البنوك الغربية تبلغ ترليون دولار. ولا بد أنها ستفقد عشرات إن لم يكن المئات من المليارات جراء هذا الزلزال. وخسرت الأسواق المالية الخليجية السبع نحو ثلاثين مليار من قيمتها السوقية في التداولات حتى يوم الأربعاء الماضي نحو ثلاثين مليار دولار وارتفعت خسائرها في الأسبوع الماضي إلى نحو مئة وثمانين مليار دولار. وان خسائر الكويت وحدها بلغت ٥٥ مليار دولار. وان البورصة المصرية تراجعت بنسبة ستة عشر ونصف بالمائة. وخسرت ثلاثة عشر مليار دولار خلال شهر ايلول /سبتمبر الماضي. فهل سيتعظ الممولون العرب والحكومات العربية مما حصل، ويبحثون عن طرق أجدى لاستثمار رؤوس الأموال العربية، والتفكير في الاستفادة منها في إنهاض الاقتصاد العربي المتدهور، وفك ارتباط العملات العربية بالدولار، وغيرها من الإجراءات التي يطرحها الخبراء الاقتصاديون العرب؟ وهل ستكف بعض الحكومات العربية عن تطبيق وصفات البنك الدولي لما يسمـّونه بــ “الإصلاحات الاقتصادية”، وتدمير القطاع العام وبيع مؤسساته، بما فيها الناجحة، بسعر التراب للمستثمرين المحليين والأجانب ؟
 


صحيفة الأيام
14 أكتوبر 2008
 
 

اقرأ المزيد

أحلام مستغانمي: تعبُ رحلةِ الروايةِ الشعرية

ضمتني جلسةٌ صغيرة مع الروائية أحلام مستغانمي، في نادي الخريجين، راحت تتداعى فيها عن رحلة التعب مع الرواية والصحافة والجمهور العربي، تتلمسُ شظايا الزجاج المنثور المحترق، تروي مطارداتها للصوص كتبها في دمشق، وعناقها المستمر للشعراء الراحلين، كان نزار قباني حاضراً، وهو يحتضرُ، في سريرٍ بعيدٍ في عاصمةِ الضباب، تعيدُ ابنتهُ تشكيلَ بيته له، وتوهمهُ بديكورِ الحياةِ وبستائر البيت، فتضخُ في عروقه بعض حبيبات الحب في عالم غريب حديدي ينسحبُ منه، ويكاد يموتُ فيرثيهِ ويندبهُ البعضُ، فيعودُ للحياة ثانية ويدهش من لقاءاتٍ مزيفةٍ دبجها هذا النفر في غيابه المزعوم، ويروعُ من ذمٍ غريب من رفاق الدرب، فيقررُ الموتَ تماماً. كان ما روتهُ أحلامٌ هو قصةٌ – قصيدة، فهي تحيلُ كلَ شيء إلى قصة – قصيدة، مما يجعلها تنزف، ولا تستطيع الكتابة إلا في نهر من الصور والحمم. الروائية – الشاعرة أحلام مستغانمي، تنضحُ سطورُها وكلماتـُها بالشعر دائماً، ولعلها الساردةُ الوحيدةُ التي جمعتْ الروايةَ والشعرَ في جنسٍ واحد، باقتدار كبير، وهي عابرةُ أجناس، فلا جنس المرأة ولا جنس الرجل يقيدانها في انتمائِها للإنسان الموحّد، ومن هنا هي تلغي ضميرَ الساردِ الأنا المسيطر، الذي يكونُ عادةً جنسَ المؤلف الذكر، أو جنسَ المؤلفة الأنثى، فتكتبُ بلسانِ الرجل، فتخرجُ من الأنثى المتمحورة على ذاتِها، المتشرنقةِ في أنثويتِها المحدودة، وهذا الخروج الصعب العسير يفجر طاقتها الإبداعية، لكي تدخل دائرة الإنسان. من الصعب جداً أن يخرجَ الروائي من ذاته إلا في حالة قضية كبرى تلتهمُ كيانَهُ، أي في حالةِ أن تستحوذَ عليه الشخصياتُ الحقيقية أو المتخيلة، إلى درجة ينسى نفسه، ويحيلها مكانه، وهذا يغدو في كلام أحلام شعراً، سواء من حيث السرد أو من حيث الجوهر الدلالي، لكن هذا يتطلبُ كميةً كبيرةً من الانفعال والاحتراق الشخصي، ولهذا فإن رواياتها قليلة إلى درجة الندرة. هي عابرةُ أجناسٍ وقوميات وشعوب وأنواع أدبية وفنية، والجزائر الساكنة فيها المتغلغلة في شرايينها، أعطتها إمكانيةَ العبور الكبرى هذه، وهي سلسلةُ تجاربٍ ضارية لم يعشها شعبٌ آخر، لهذا لا يستطيع أحدٌ أن يقلدها. لقد جاءتْ لهذه السلسلة النارية من التجارب الدموية لهذا الشعب الغريب الجريء الكاسح غضباً، لكنها لم تؤسر في مثل هذا الغضب، ولم تتشرنق في الخريطة الوطنية في لحظاتها المنفصلة بل قامت بتتبع هذه الحلقات وتناولها وتصويرها في سيرورتها. ولم تكتفِ بعبور أسوجة الحدود الجنسية والسياسية بل كذلك عبرتْ أسوجةَ الأنواع من دون أن تتخلى عن جنس الرواية، جنس الحكي والقص الممتع. لو تأخذ أي فقرة من رواياتها ستجدُ جملةَ فنونٍ، وهي حالة من التداعي صعبة، فأن تربط بين مصور فوتغرافي والموسيقى واللوحات التشكيلية هو ربط ممتنع غالباً، لكنه هنا يأتي من عمق المشهد الروائي، مما يوسعُ عمق هذا المشهد ويجعله اخاذاً. وهذه المشهدياتُ المتصاعدةُ المتضافرة في رويها وأحداثِها وشخوصها، تنبعُ من بناء الرواية التي تتحدث عن صراع الشخصية، وعن صراع الوطن، عن مذابحه ومعاناته. لو نأخذ بعضَ الفقرات من روايتها(سرير عابر) كمثال. سوف آخذ قطعةً من وصفها للأحذية. فلكي تتحول الأحذيةُ إلى قصيدةٍ هو شيءٌ خارق. لكن الأحذية هنا ليست أحذية عادية. بل أحذية القتلى الجزائريين الذين سقطوا في نهر السين الكائن في باريس عاصمة الثقافة والحس الإنساني حين كانوا يحتجون على قمع فرنسا لشعبهم في سنوات المقاومة. وهو مشهدٌ يُروى من خلال البطل الجزائري المصور الذي ذهب لباريس لتسلم جائزة: (قالتْ مشيرةً إلى لوحة تمثل شباكاً بحرية محملة بأحذية بمقاييس وأشكال مختلفة تبدو عتيقة ومنتفخة بالماء المتقاطر منها)، (هذه رسمها زيدان تخليداً لضحايا مظاهرات)، (كان البوليس يستوقف الواحدَ منهم سائلاً:(محمد أتعرف السباحة؟) وغالباً ما يجيب المسكين (لا) كما لو كان يدفعُ عنه شبهة. وعندها يكتفي البوليس بدفعه من الجسر نحو السين. كان السؤال لمجرد توفير جهد شدّ أطرافه بربطة عنق)، (ما توقعوا أن تخونهم أحذيتهم لحظة غرق)، (غير أن «السين« الذي عانى علة النسيان ما عاد يعرفُ بالتحديد عددَ من غرق يومها منهم)، ص 59 – .61 إنه مشهدٌ يتطور من لوحة معلقة يمثل الفنان الرسام لحظتها الأولى، ثم يحللها المصورُ الفوتغرافي البطل الرئيسي في الرواية، فتغدو صور الأحذية سلسلة من المشهديات الساخرة المليئة بالحزن، وليست هذه المشهديات المرتكزة على تداخل الفنون ببعيدة عن جدلية الشخوص، بل هي تستهدفها وتستهدف علاقات بين الرسام الكهل صاحب التجربة الوطنية النضالية القديمة، وبين المصور ذي التجارب الكفاحية المختلفة الحديثة، فيظهر جدل أنواع فنية، وجدل أجيال، من خلال تجربة شعب واحد. مثل هذا النموذج، أو الجزئية الفنية، هنا ليس هو وحيداً، بل كل المشاهد واللحظات الروائية، مما يجعل عملية الكتابة شبيهة بالنحت والحفر. وإذا كان المشهد يترابط والفنون فهو يترابط مع تمثلات الحياة العادية من أمثال وحكم وأقوال عامية والتقطات شعرية، فذلك المشهد الذي صورت فيه المصور الفوتغرافي وهو يلتقي الفنان الرسام، مرسوم كذلك بالحوار بينهما، فهنا يشتغل الجدل، وفيه أقوال بليغة عن السياسة توجز حياة نموذج. مثل هذه المشهديات تتكرر عن جسور قسنطينة وعن الارهاب في الغابات وعن كل حدث ولقطة، فالكاتبة ترهق نفسها بقوة، وتقدم هذا الارهاق شفافا جماهيريا ممتعا، مصعدةً محاورَ الرواية ولوحاتها إلى الذروة، وهو أمرٌ يحتاج إلى درس نقدي. لقد ذكرتني ابنة مدينة قسنطينة بهذه المدينة الرائعة التي ذهبنا إليها في وفد اتحاد الكتاب العرب سنة 1975 وقابلنا الرئيسَ هواري بومدين الذي تكلمتْ عنهُ في هذه الرواية كذلك، وكانت كلماتها تنفذُ إلى عظام المرحلة، كعادتها، ووقفنا على جسور قسنطينة واستقبلنا أولادُ المدينة الأشقياء وفجروا تحت أقدامنا المفرقعات فركضنا إلى قاعة المؤتمر.

صحيفة اخبار الخليج
14 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

في الزعم بأننا لن نتأثر!

من العبث أن تستمر دوائر مالية وحكومية في البحرين وسواها من دول الخليج في الادعاء بأننا لن نتأثر بالأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بالعالم، والتي لم يظهر منها سوى قمة جبل الجليد التي تُخفي تحتها طبقات من الآثار المدمرة الآتية لا ريب فيها، فلا يُمكن لدولنا الخليجية أن تكون بمنجاة من تداعيات هذه الأزمة التي ابتدأت في الولايات المتحدة، لتشمل مراكز المال في العالم كله، بالنظر لما هو عليه النظام المالي العالمي اليوم من ترابط واعتماد متبادل. 
لقد “عولمت” العولمة الاقتصاد والمال في المقام الأول، ولم يعد مسموحاً لأقصى بقعة في العالم أن تكون خارج هذا السياق المعولم، فليس للرأسمال من وطن، انه يتجول بمنتهى السهولة والانسيابية في أرجاء المعمورة. 
وإذ يصاب مركز هذا النظام المالي بهزة، فإن على أطرافه أن تستقبل تداعيات هذه الهزة، إن لم يكن بصورة فورية، فبعد حين لن يطول كما يؤكد ذلك خبراء المال، الذين يشبهون هذا الأخير بزيت التشحيم اللازم لإدارة العجلات، فحين يشح هذا الزيت فإن مآل هذه العجلات هو التوقف. 
ليس مُجدياً أن تستمر حكوماتنا الخليجية ومؤسساتنا المالية في بعث رسائل التطمين عن متانة وضعنا الاقتصادي والمالي في ظل ما يشهده العالم من انهيارات، خاصة اننا في نهاية المطاف دول ريعية تعتمد على العوائد النفطية، ووثيقو الارتباط بما يدور في المراكز الاقتصادية العالمية، وخاصة، أيضاً، ان سعر النفط هبط بنسبة تفوق الأربعين في المائة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهو مرشح للمزيد من الهبوط. 
إن القلق الشديد بدأ يساور الفعاليات الاقتصادية المعنية، لا بل والقطاعات الشعبية من الآثار الفعلية لما يدور على أدائنا الاقتصادي وعلى مستوى المعيشة المتحقق والخدمات المقدمة من الدولة لمواطنيها، في ظل تعتيم تعتمده الحكومات حول البيانات الضرورية المتصلة بالأمر. 
وعلينا هنا التوقف ملياً أمام بيان غرفة التجارة والصناعة في البحرين الصادر منذ يومين، والذي طالبت فيه وزارة المالية ومصرف البحرين المركزي بتقديم صورة واضحة من البيانات حول حقيقة الوضع المالي للبلاد إزاء الأزمة المالية العالمية الراهنة.  
والأرجح أن نظراء الغرفة في البلدان الخليجية الأخرى يطالبون بالشيء نفسه، ويدعون إلى اتخاذ التدابير الوقائية الملموسة التي يمكن أن تحتوي آثار الأزمة وتقلل من خسائرها على الوضع المالي وعلى معدلات النمو الاقتصادي في بلداننا. 
حتى الآن ما زالت البيانات المعلنة من قبل المصارف المركزية في بلدان المنطقة مُبهمة، تقول ولا تقول في الآن ذاته، وتتعمد إخفاء الحقائق أو التمويه عليها، ورسم صورة وردية عن أوضاعنا كأننا نعيش في جزر معزولة، ولسنا جزء من النظام المالي العالمي ولا تعلن الجهات المعنية بالقرار المالي عن التدابير التي تنوي اتخاذها في حال ازدادت الأمور تدهوراً. 
وكل هذه أمور لا تحمل إلا على الخوف والقلق، وتطرح عديد الأسئلة حول مدى صلابة الأرض التي نقف عليها في عالم تهزه أعاصير الأزمات التي يُقال أن العالم لم يشهد مثيلاً لها منذ الكساد الاقتصادي الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين.
 
صحيفة الايام
14 اكتوبر 2008
  

 

اقرأ المزيد

الخليـج وشــبه الجـزيرة وبـؤر الإرهـاب‮ (١-٢)‬

منذ أحداث سبتمبر والمنطقة،‮ ‬أمنها،‮ ‬أنظمتها،‮ ‬شعوبها،‮ ‬ومؤسساتها،‮ ‬تعيش حالة من نوع الطوارئ الخفية والقلق الدائم من كارثة إرهابية كبيرة تهز استقرارها،‮ ‬وتفقدها المصداقية على أنها منطقة آمنة بالكامل وتخلو من مكونات وعناصر الإرهاب الدائمة،‮ ‬حيث بتنا خزانا للتصدير الخارجي،‮ ‬فهل بالإمكان أن نتجنب نحن‮ »‬صناع‮« ‬هذا المنتوج الجديد للإرهاب أن نتحاشى الأذى المحتمل؟ فمن قرأ بإمعان قائمة المشاركين في‮ ‬أحداث سبتمبر عام ‮١٠٠٢ ‬وسجناء‮ ‬غوانتانامو،‮ ‬لاكتشف مدى نصيبنا من تلك المشاركة،‮ ‬وبين الفينة والأخرى،‮ ‬تكتشف أجهزة الأمن حلقات تنظيمية أو عناصر لها علاقة مباشرة أو‮ ‬غير مباشرة بتنظيمات أساسية كتنظيم القاعدة أو أية تنظيمات جهادية اعتدنا على مسمياتها وتنويعاتها‮ »‬النغمية‮«‬،‮ ‬فالنوتة واحدة وعازف اللحن والمايسترو الخفي‮ ‬كان دائما واحدا،‮ ‬أما كقائد أو كمرشد أو ناشط ميداني‮. ‬
وطوال السنوات السبع ونحن نقرأ قائمة طويلة من الأخبار في‮ ‬منطقتنا عن تلك الأعمال،‮ ‬فكلما هدأت قليلا جبهة،‮ ‬تفجرت جبهة اخرى تلك العناصر الإسلامية المتشددة،‮ ‬التي‮ ‬تنمو وتولد بسبب المناخ العام والفتاوى والتصريحات الغريبة،‮ ‬وثقافة تتسيد الساحة السياسية والشارع السياسي،‮ ‬بعد أن خطفت جزءا كبيرا من المؤسسات الإعلامية والتعليمية ومنابر المساجد والمجالس العامة والصناديق الخيرية،‮ ‬فكان من الطبيعي‮ ‬في‮ ‬حالة الانفتاح النسبي‮ ‬نحو الديمقراطية والانتخابات العامة،‮ ‬نجدهم‮ ‬يسيطرون عليها بكثافة،‮ ‬وهو تعبير منطقي‮ ‬وطبيعي‮ ‬لنتيجة منتظرة في‮ ‬بلدان تجربتها الديمقراطية قصيرة للغاية ووعي‮ ‬المواطن مازال عشائريا وعائليا تحكمه قيم العائلة والعشيرة والتدين،‮ ‬حتى في‮ ‬تصنيفه لأمور الدنيا والسياسة،‮ ‬بل وصارت الأمور بمجملها تفسر وتتمحور حول تلك الرؤية الدينية لمسيرة حياة الإنسان المعاصر‮. ‬وإذا ما جمعنا الخليج والجزيرة في‮ ‬أعداد القابعين في‮ ‬غوانتانامو،‮ ‬فإننا نكون أبطالا للجهادية الإسلامية المعاصرة،‮ ‬التي‮ ‬قدمت نفسها نموذجا رياديا للحضارة،‮ ‬بل وترجمت أن الرفاهية‮ – ‬باستثناء اليمن‮ – ‬النفطية لا تمنع بالضرورة أولاد الأعيان في‮ ‬الذهاب بعيدا عن بيوتهم من اجل نيل‮ »‬شهادة الاستشهاد‮ !«. ‬هذه الثقافة التي‮ ‬حامت فوق رؤوسنا لثلاثة عقود أو أكثر،‮ ‬خرجت برأسها مفتخرة مع أحداث سبتمبر وكأن‮ ‬يوم القيامة قامت وان النصر بات قريبا،‮ ‬وان‮ »‬غزوة مانهاتن‮« ‬تبشرنا بصعود الفضاء ولكن بطريقة معكوسة‮. ‬وتلاحقت بعد سبتمبر سلسلة من الأعمال الإرهابية،‮ ‬في‮ ‬أنحاء كثيرة من العالم،‮ ‬ولم تسلم منها المنطقة بشكل واضح،‮ ‬كان أكثر هذه الساحات دموية هي‮ ‬اليمن والمملكة العربية السعودية،‮ ‬ولم تخل المناطق الأخرى من الأفكار والخطط المنتظرة في‮ ‬ضرب مواقع حيوية للكفار والصليبيين ومن تعاونوا معهم‮. ‬وقد شهدت جولات مطاردة بين الأمن وجيوب الإرهاب وحلقاته،‮ ‬بعضها نجح الأمن في‮ ‬اكتشافه وبعضها اخفق من تنفيذ مهماته،‮ ‬غير أن المطاردة اتسعت وتحولت إلى مستوى أرقى وارفع بين الدول،‮ ‬فقد تعلمت الأنظمة إن الإرهاب حريق عالمي‮ ‬مهما اختلفت سياسات وعلاقات تلك الأنظمة،‮ ‬فمن وجهة نظر الإرهاب إن تلك الأنظمة ليست إلا سلة واحدة من الخيانة،‮ ‬وينبغي‮ ‬مهاجمتها‮. ‬ما حدث بعد مرحلة سقوط بغداد وطالبان،‮ ‬إن لهيب الأعمال الإرهابية اقترب أكثر للساحة الخليجية والجزيرة وجغرافيا المنطقة،‮ ‬لعدة أسباب،‮ ‬فالساحات الغربية دفعت ثمنها باهظا فصار الأمن فيها مكثفا والتشريعات قاطعة وحادة،‮ ‬أما السبب الأخر،‮ ‬فإن الساحة العراقية باتت ملعبا جديدا لهم وموقعا للتدرب والاستشهاد،‮ ‬بعد أن تم كنسهم من منطقة البلقان،‮ ‬فبتنا أكثر التهابا من السابق،‮ ‬خاصة وان دول الخليج واليمن،‮ ‬أعادت النظر مجملا لتلك التجمعات الإسلامية المغطاة بالدعوات الإسلامية المبطنة وبمراكزها المالية واتصالاتها الخارجية،‮ ‬أما السبب الثالث،‮ ‬هو اشتداد حلبة أفغانستان مرة أخرى ومنطقة القبائل الباكستانية والصومال،‮ ‬فصار لهيبها الآخر قوسا ممتدا من‮ ‬يابسة تلك الجبال حتى قرى الصومال الجائعة‮. ‬وبين مثلث العراق والصومال وأفغانستان‮ / ‬باكستان فان مياه الخليج والبحر الأحمر ما عادت دافئة كما نتوهم،‮ ‬بعد أن أصبحت منطقة الخليج والجزيرة العربية وإيران حلقة وسطى جغرافيا،‮ ‬والتي‮ ‬لا‮ ‬يمكنها أن تنأى بنفسها عن تلك المؤثرات النارية‮. ‬وواقع الشد والجذب بين إيران وبلدان الخليج واليمن‮ ‬يتراوح في‮ ‬هذه الدائرة،‮ ‬غير انه في‮ ‬ضلع مثلث العراق بدا أكثر تورطا دون أن‮ ‬يخفي‮ ‬تناقض لغته الرسمية وشبه الرسمية،‮ ‬بعد زعزعة اليقين الخليجي‮ ‬بتلك المصداقية،‮ ‬تارة في‮ ‬حمى التسلح المتناهي‮ ‬البعيد المدى وتارة في‮ ‬تلك التدخلات المكشوفة في‮ ‬شؤون المنطقة وشعوبها‮.‬
 
صحيفة الايام
14 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

القهـوة الخضـراء

 

 

 


  
  
  
  

  القهوة الخضراء 
    

ذَاكَ الجَالسُ في المَقهَى
يحتسي قهوتَهُ الباردةَ
ويَعدُّ أيامَهُ بعَددِ الموتى
فجأةً تذكرَ أنّه غَرقَ في الفِنجانِ
وعندما مدَّ يدهُ كي ينتشلَ نفسَهُ
أدركَ أن صاحبةَ العينينِ الخضراوينِ
التي كَانَتْ جَالسةً قدامهُ
قد سََرقتْ قَلبَهُ 
 

غوايــــة

سَأستَحِمُ في غِوَايةِ عِشْقِكِ
ولو امتَلأ الكَونُ صَقِيعَاً
لن تَردَعَنِي نُدرَةُ المَاءِ
ولا بَرَدُ الشِتَاءِ
لأَنَكِ مِدْفَأةُ دَمِي
وجَسَدي الآخَرْ
 

 
الغيــاب

حَاضِرةٌ في غِيابِكِ بِجُنُون
وكأنَّ العالمَ قد سَكَتَ عن النَبْضِ
وكأنَّ المَسَاءَ قد طَرَد نجُومهُ من الغيظِ
في بَحْثهِ عَنْكِ في الأفْلاكِ
قَاسٍ حُضُورُكِ
لأنَّ بَهاءَ وجْهِكِ
يَسْلبُني من نَفْسِي
فأغِيِْبُ

 

تلويحة الغريب

سَأَلنَي الوَاقِفُ جَنْبِي:
أَيهَا الغَرِيْبُ
ِلمَنْ تلوّحُ بِيَدَيكَ كُلَّ هَذَا الوََقتْ
حَتَّى كَادَ المَوجُ يَمِلُّ من وَقفَتِكَ
فأنا لا أَرَى أحَداً
قُلتُ: وَلَن تَرَى
وَلَنْ أََرَى
غَيرَ أني سَأَسْتَمِرُ فِي التَلوِيِحِ  
 
 

نستولوجيا
 

يَحِنُّ أحيَاناً إلى زِنْزَانَتِهِ الانفِرَادِيَّةِ
ليَهْرُبَ إليهَْا مِنْ وَجَعِ العَالَمِ
وجَحِيمِ الآخَرِيْنْ 
 
 

السجن المؤبد
 

غَادَرَ زِنْزَانَتَهُ الانفِرَادِيَّةَ
رَقم 1 فِي بَيتِ الدولَةِ
مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيْلٍ
لَكِنَّهُم زَرَعُوا الْسِجْنَ فِي دَاخِلِهِ
يُرَافِقَهُ ويُنَادِيهُ فِي النَومِ
وفِي الغِبْطَةِ
سَجِينٌ أنْتَ الآنَ
بلا حَرَسٍ ولاَ قُضْبَان! 
 

 
وردة الخلود
 

وَجَدْتُهَا فِي البُحَيرةِ
وَرْدَتي الحَمرَاءُ نائمةً
في قَاع ِ البُحَيرةْ
أمْسََكْتُهَا بحَنَانٍ طُفُوليٍّ
فاحْتَرَقَتْ يَداي
كَانَتِ الجَذْوَةُ مُتََّقِدَةً
لمْ تَنْطَفِئْ بَعْدُ
 

 
 
 
 

اقرأ المزيد

يالطـا

 

 

 

 


(1)


شِـبْهُ عَرايا
يُغَازِلنَ المَوجَ
على البَحْرِ الأسْودِ
يُوزّعْنَ مَفاتِنَهُنَّ على الرملِ
يَتَراجعُ الموجُ خَجَلاً
وما يَلبَثُ أن يَعودَ 
ليلثُمَ أقدامَهُنَّ 
في شَبَقٍِ خََفِيٍ
فيما الرِجَالُ يَهرَعُونَ إلى البَحْرِ
وكأنَّما يَبْحَثُونَ
عن وُجُوهِهِم الضائعةِ
تَحْتَ طَبقاتِ الماءِِ المالِحِ
 
(2)


على كُرسِيّينِ طَويلَينِ
على الشاطئِ الغَارِقِِ في الفِتنةْ
وهي تَرتَدي بتردُّدٍ
“بِكّيني” باللونِ الأزْرَقْ 
تُحاولُ جَاهِدةً 
إخفَاءَ ما لا يُخْفَى
بِفُوطتِها الطَويلةِ
يَتَمَددَانِ جَنباً إلى جَنبْ
يَتَواجَهَانِ تَارَةً
ليرشِفا لحْظةً نَادرةً من الولَهِ
وتارةً يَرنُوان بأبصَارِهِما بَعيداً
كأنهما يغسلانِ أحزانَهما
بزبَدِ البحرِ
على صَفْحَةِ الأُفُقِ
ويَتَوسَلانِ للحْظةِ ألاَّ تَسْـتَفِيق
 للِمَوجِ ألاَّ يَغَيب
وأقدامُهُما تنغرِسَانِِ
 مُتوحدَتينِِ معَ الرِمَالْ
 


أوكرانيا، سبتمبر 2005

اقرأ المزيد

المومياء

 

 

 

 

 


  
       (1)


مسجياً في “مفزليه”*
سماؤه زُرقةٌ ميتةٌ
يتمددُ في استكبارْ
عيناهُ من نارْ
شاردتانِ
بذهولِ محاربٍ 
فقدَ كلَ جُندِهِ
وحيداً إلا من الوحدةِ
وكأن الضوءَ الغامرَ حولهُ
دموعاً ذهبيةَ الوهجِ
تُحاولُ في استحياءٍ
عبور الجسرِ الخفيِ
في المومياءِ
 


       (2)


هل حنطُوكَ
لتتحولَ إلى شاهدٍ
ترى أحلامكَ تتكسرُ أمامكَ
تتبددُ في فقاعاتِ التاريخِ
أو لتكونَ متعةً للسياحِ الفضوليينَ
يتفحصونَ تضاريسَ وجهكَ
يتلذذون أو يَهربُونَ في حزنكَ
ويختفونَ فيهِ


  
           (3)


هل حنطوكَ كي تظلَّ سجيناً أبدياً
يحبسُ التابوتُ نارَ عينيكَ
يخنقُ الحرسُ المدججونَ بالموتِ
تاريخَكَ الذي منعوهُ في المتاحفِ
لتضيعَ أناشِيدُكَ الثوريةُ
في ضحكاتِ الحسناواتِ والغواني
وفي صخبِ الموسيقى
ودخانِ الديسكو


  
       (4)


هل كانَ الميدانُ الأحمرُ
يقهقهُ منتشياً حين مررتُ
أم يَغرقُ في نشيجٍ سري
أم يتحسرُ على الحلمِ الوردي
الراياتُ الحمراءُ أودَعُوهَا زينةً للمتاحفِ
أغطيةً للملاحفِ
أخفوا نياشيَنََكَ البطوليةَ
أحلامَكَ السحريةَ
لتراقِصَ الترابَ والغبارَ
بالغرفِ المظلمةِ
تنادي الأبطالَ القتلى
فانهضْ من سباتِكَ
هاتِ كأسَكَ
نرشفُ نَخبَ الغربةِ وحيدينِ
معاً


 


 

* كلمة روسية تعني الضريح حيث توجد مومياء لينين 


موسكو  يونيو 2003

اقرأ المزيد