المنشور

حرروا القانون من التسييس


 
قانون أحكام الأسرة هو في جوهره تشريع لتنظيم أحوال الأسرة، وبشكلٍ أساسي في اتجاه إنصاف المرأة وحمايتها من أوجه العسف والإيذاء التي تتعرض لها، والوقائع الدالة على ذلك هي من الاتساع والتنوع بما تعجز مساحةٌ قليلة مثل هذه عن بسطها.
الناس تعرف، والنساء في مقدمة مَن يعرف، أن في المحاكم التي تنظر في القضايا ذات الصلة بأحوال الأسرة، تجاوزات يندى لها الجبين، والنساء يضجن بالشكوى مما يتعرضن له من أذى وظلم.
هذا القانون ليس تشريعاً في السياسة، ولكن ما مِنْ قانون سُيسَ في هذا البلد أكثر منه، وما زال هذا التسييس يحول دون أن يبصر القانون النور.
من يقرأ ردود الفعل الحادة ضد صدور هذا القانون من قبل بعض العلماء الأفاضل، وهي ردود جعلت بعضنا يتباهى بأن أكبر مسيرة في تاريخ البحرين، من حيث عدد المشاركين والمشاركات فيها، إنما خرجت ضد إقرار السلطة التشريعية لقانون الأحوال الشخصية، يحسب أن البحرين هي وحدها الدولة الإسلامية في عالم اليوم، وأن نظيراتها من الدول العربية والإسلامية التي ارتضت تقنين أحكام الأسرة في مُدونات وقوانين قد خرجت على شرع الله.
وأصبح هذا القانون وسيلة من وسائل اختبار القوة في العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية، الشيعية منها خاصةً، ولأنه صار كذلك، فانه تحول مع الوقت إلى موضوع للمساومات والترجيحات، التي نعلم بعضها ولا نعلم البعض الآخر.
وهكذا أصبح طرح هذا القانون موسمياً، فنعيش فترةً تكثر فيها الحملات الدعائية والإعلامية الداعية لإقرار القانون والتوعية بأهميته، ويجري الحديث عن قرب التقدم به إلى المجلس الوطني للنظر فيه وإقراره، يستتبع ذلك ردود فعل غاضبة من معارضيه، فيُطوى الملف مؤقتاً وتعود مسودة القانون للأدراج، في نتيجة تفاهمات أو تسويات، تتعدى في تقديرنا، موضوع القانون نفسه، وتطال قضايا أخرى ذات طابع سياسي تندرج في إطار علاقة الدولة مع فئات من مواطنيها، وهذا هو جوهر التسييس الذي تقع فيه الدولة ورجال الدين على حد سواء.
وكأن هذين الطرفين الرئيسيين الداخلين في اختبارات الشد، حيناً، والتراخي حيناً آخر، جعلا من القانون مجساً لهذه الاختبارات، في المواقيت وفي المدى الذي تذهب إليه.
مؤخراً أعلنت الحكومة أنها أقرت مشروع القانون وستدفع به إلى المجلس الوطني، وهو أمر ليس بوسعنا إلا أن نشيد به، داعين لبلوغ توافق مجتمعي شامل حول القانون، وإذا أرادت الحكومة شهادةً بأنها في ذلك تبدو أكثر”تقدمية” من المعارضين لتقنين أحوال الأسرة، فسنفعل، لولا خشيتنا من عدة أمور، بينها واحد مهم، ولدينا فيه مسوغات كثيرة، هو أن الحكومة، بتقديمها المشروع تريد إبلاغ رسالة للمنظمات الدولية المعنية، وللخارج عامة، بأنها أوفت بما تعهدت به فتقدمت للسلطة التشريعية بالقانون، وبالتالي فان الكرة خرجت من ملعبها، وأصبحت في ملعب مجلس النواب الخاضع لنفوذ القوى الإسلامية.
إن كان هذا هو الهدف الذي ينطوي في جانب منه على ما يمكن إدراجه في بند العلاقات العامة، فها نحنُ مرةً أخرى أسرى لتسييس القانون، لأن الأمر لم يُبنَ على رغبةٍ جادة في أن يرى النور عبر تذليل ما يعترضه من عراقيل، وممارسة الضغط الضروري الذي تستطيعه الحكومة إن هي أرادت في تحقيق ذلك، وإنما بُني على الرغبة في القول”اللي علينه سويناه”.

اقرأ المزيد

انطباعات حول مؤتمر‮ ” ‬برلمانيون ضد الفساد ‮”..‬


في الكويت، انعقد المؤتمر العالمي الثالث للبرلمانيين ضد الفساد في الفترة بين 17- 19 نوفمبر الماضي وبمشاركة غير مسبوقة لوفود من برلمانات عربية وآسيوية وعالمية، فاق عدد المشاركين فيه أكثر من 280 مشاركا، توافدوا جميعهم للمشاركة في ما يشبه التظاهرة العالمية لمواجهة الفساد، حيث تزامن انعقاد هذا المؤتمر العالمي الهام مع انفجار أزمة برلمانية حادة لدى الدولة المضيفة لا زالت تتداعى فصولها في الشارع الكويتي، وذلك على خلفية الاستجواب الذي قدمته إحدى الكتل البرلمانية لرئيس الوزراء هناك وسط مخاوف من إقدام أمير البلاد على حل وشيك للبرلمان هناك.
فعلى مدى أيام المؤتمر الثلاثة، ناقشت الوفود والشخصيات البرلمانية العديد من أوراق العمل التي تمحورت حول قضايا أساسية لانعكاسات قضايا الفساد على مختلف الأوضاع التنموية والاجتماعية في مختلف الدول، وعلاقة كل ذلك بدور البرلمانات والبرلمانيين والشخصيات ذات العلاقة بمكافحة الفساد في مؤسسات المجتمع المدني، حيث تمت الدعوة إلى ضرورة العمل بشكل مشترك وجاد لقيادة لوبيات برلمانية ووطنية مؤثرة تحد من تلك الممارسات المقلقة، والتي ارتبطت على الدوام بمعدلات الفقر وغياب عوامل الإفصاح والشفافية حول الموارد العامة، ونهب ثروات الدول وزيادة المصاعب الاجتماعية. كذلك فإن انعقاد المؤتمر في أجواء عالمية مشحونة بحالات من الانتظار والقلق لما سيؤول اليه وضع الاقتصاد العالمي نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تضرب مختلف الأسواق العالمية دون رحمة، والتي هي بحسب رأي العديد من المشاركين في المؤتمر، قد جاءت على خلفية قضية فساد كبرى، شارك فيها بدرجة كبيرة رؤساء شركات مالية وبنوك وشركات تأمين أخطبوطية وغيرهم، ساهموا بطرق متعددة في تظليل مجالس إداراتهم وعملاءهم وحكوماتهم وبورصات بلدانهم بمعلومات تعج بالمغالطات حتى انكشفت على شكل أزمة مالية عالمية كبرى، لا نعرف حتى الآن متى وكيف سيخرج العالم منها وبأية حال! وكان أحد مسبباتها غياب وتغييب عوامل الإفصاح والشفافية من قبل حكومات ومؤسسات وشركات مؤثرة في بنية الاقتصاد العالمي كما لاحظنا، وذلك ما إتضح من خلال نوعية الأوراق المقدمة وجدية النقاشات التي حفلت بها ورش عمل المؤتمر، حيث كان لافتاً إصرار غالبية الوفود والشخصيات المشاركة على أن تقوم البرلمانات بدور أكثر حيوية وفاعلية في مكافحة الفساد وعدم الاكتفاء برفع الشعارات الخالية من مضامين الجدية والعمل الحقيقي الناجز، والدعوة لاستغلال الظرف العالمي الراهن لدفع الحكومات التي لم تصادق بعد على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للتصديق عليها سريعا والعمل على تعديل تشريعاتها الوطنية المطلوبة.  وفي هذا الإطار اعتبر المؤتمر أن مصادقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة على الاتفاقية منذ نوفمبر 2003، إنما جاءت تعبيرا عن حجم الإدراك العالمي للطبيعة العالمية للفساد، الذي أصبح غولاً يبتلع ثروات الشعوب والأمم، حيث بلغ مجموع الدول التي صادقت على تلك الاتفاقية حتى الآن 120 دولة فقط، فيما تتجاهل العديد من الحكومات وغالبيتها من دول العالم الثالث التصديق من جانبها حتى الآن! وذلك تحت أعذار ودعوات لا تستطيع أن تصمد أبداً أمام تزايد عمليات النهب المنظم وغير المنظم للثروات الوطنية في القطاعين العام والخاص على حد سواء، وكان لافتاً أيضا تأكيد المؤتمر على أن العديد من البرلمانات والبرلمانيين يساهمون بفسادهم وصفقات كتلهم وأحزابهم وتخاذلهم في ذلك مع حكوماتهم نزولاً عند مطامحهم الشخصية أو الحزبية أو الفئوية في ازدياد سطوة الفساد وضغطه على إقتصادات دولهم وتعطيل مشاريع التنمية فيها مما يضاعف كلفة الفساد ويعقد أكثر إمكانية تقليص سطوته المدمرة.
ونستطيع ان نقرأ حجم المعاناة العالمية لوطأة الفساد، من خلال ما قدم من أوراق عمل ونقاشات قامت بها مختلف الوفود التي حضرت المؤتمر، حيث تتباين النتائج سلباً وإيجاباً بين الحيرة في إيجاد مخارج وحلول لدول بعينها ومرارة الأسئلة وعرض القضايا وعمق التأزم بين دولة وأخرى بحسب عدة مؤشرات يمكن ملاحظتها بوضوح، تبعا لطبيعة الأنظمة السياسية ووسائل الإفصاح والشفافية والسلطات المتاحة لمختلف الجهات الرقابية فيها، هذا إلى جانب توافر بقية العوامل الأخرى لما اصطلح على تسميته بالحكم الصالح. على أن الأمر اللافت حقيقة، هو أن قوة طرح الوفود المشاركة لقضايا الفساد خلال النقاشات لم تكن بالضرورة ذات صلة بحجم تمثيلها في المؤتمر، وإنما من خلال إسهامات من حضروا النقاشات وعرض الأوراق، فمنهم من شارك بوفود محدودة العدد ولكن عطاءها كان كبيراً، وبالعكس كانت هناك وفود كبيرة الحجم من البرلمانيين الذين حضروا ولكن كان حضور غالبيتهم تشريفياً بل غير مبرر أصلا، حتى أن رئيس وفد أحد البرلمانات العربية الذي كان يجول في ردهات المؤتمر معتمرا جبته التقليدية طيلة فترات المؤتمر، كان قد ذكر بأن بلاده ولله الحمد ليس فيها للفساد موطئ قدم!! والجميع هناك بحسب أقواله يعيشون تحت راية الإسلام وقيادة ولي الأمر وعطاياه ورشادة حكمه في عز ومنعة، فيما اكتفى بعض من التحقوا بوفد برلمان مملكة البحرين بتصوير زملائهم خلال الجلسة الافتتاحية بالهواتف المحمولة وهم في أوضاع مسترخية وإرسالها مباشرة لبعض صحفنا المحلية، التي لم تتوانَ عن استكمال المشهد الساخر بنشرها لتلك الصور، فيما أصر اولئك البعض على حضور بعض جلسات الحوار لتسجيل مداخلات عناصر الوفد الأهلي البحريني خلال جلسات النقاش- ربما لدواعي الأرشفة ليس إلا! في حين غاب البعض الآخر من نوابنا عن معظم الجلسات… في مهمات مكوكية على ما يبدو! دون أن يبدوا أية جدية تذكر من شأنها أن تعطي معنىً لحضورهم الاحتفالي لهذا المؤتمر الهام، مما يعطي دليلا آخر على الوضع الرقابي المتوقع لبرلماننا الحالي حيال مهمات مكافحة الفساد المنتظرة منذ أكثر من ثلاث سنوات مضت من عمر هذا المجلس العتيد.



الأيام 28 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

صحـوة أم غفلـة؟


أصيبت بالغرور الجماعات الدينية عندما وجدت جمهوراً غفيراً وراءها، واعتبرت ذلك صحوة كبيرة مؤذنة بانتصار الإسلام التام.
وقد قيم بعض رواد الحركة الدينية، من هم أكثر نضجاً وبُعد نظر ذلك منتقدين وداعين إلى الوسطية وإلى العقلانية وعدم التطرف، من دون أن تتغلغل هذه الأفكار في مجموعات، وهم يدركون أن هذه السمات تنضج وتطور الحركات وتجعلها أكثر فهماً للوضع والغد وأقل تعرضاً للهزائم والتجارة المتطرفة بالدين.
والجمهورُ الغفير الجاهل هو كارثة على الجماعات السياسية، سواء كانت دينية أم غير دينية، وقد سبق للحركات القومية والشيوعية والليبرالية أن تمتعت بمثل هذا الجمهور زمنا ما وبحشود أكثر هولاً، وازدهت به، وافتخرت فأدت أفكارها وجمهورها إلى هزائم ونسيان مرير.
لكن العيب السياسي الأساسي ليس في الجمهور بل في القيادات التي شحنته باتجاه معين، وعبر استثمار عاطفيته وتوجيهها نحو السهم الأقصى.
وهذا قد جرى في كل الحركات العربية السابقة، فليس اللاحق أقل خطأ من السابق، وكل من يعيش فترة سياسية ويرى الجمهورَ الحاشدَ حوله يظن بأن هذا باق للأبد، وأنه سوف يتمتع بامتيازات الغفلة والحماسة الجماهيرية دائماً.
والجمهور هذه هي عاداته حين يجد سياسيا يلوح بمطالبه ويرفع لواء مشاكله يندفع إليه، ويرفعه إلى السماء السابعة، ثم يخفس به الأرض في سنوات لاحقة إذا وجده انحرف عن الطريق ودخل في متاهات سياسية وخلافات وصراعات مضرة بحياته.
ومن هنا فإن التيارات الدعوية الصحوية التي اندفعت بمثل هذا التطرف كأن الدنيا خلت من تجارب سياسية قبلها، وكأن لا أحد ناضل غيرها، فهمتْ نصوصَ الإسلام فهماً خـُيل إليها بأنه الفهم الصحيح، ثم توالت الكوارث بين أيديها ومن حولها، رفعت رؤوسها حين يتفجر صاروخ ويودي بأبرياء، وحين تنقض طائرات على الأبرياء وتترك المجرمين يغزون ديار المسلمين، أو أن يُحكم بلدٌ متخلف بأناس متخلفين يرجعونه أكثر إلى الوراء، ويجعلون ديار المسلمين قواعد مستمرة للأحلاف الغربية، وتكون ثوراتهم وغزواتهم وحكوماتهم كوارث على البلدان الإسلامية.
قالوا صحوة ونوراً ثم تتالت الظلمات، وصار المسلمُ مشبوهاً في المطارات، تـُعرض صورهُ في شاشات التلفزة العالمية بلحى كثة، وغدا هو المجرم المطلوب في الموانئ وعلى السواحل وفي القارات البعيدة، وصارت الأفلام وملصقات الصور تدعو إلى القبض عليه حيا أو ميتا.
والبعضُ يُرجعُ ذلك إلى أن الإسلام سوف يكون غريباً بين أهله في أقصى الزمان كما تأولوا حديثاً شريفاً فهموه بهذا المعنى السيئ.
والبعض الآخر تعجب أشد العجب بأنهم يطبقون الإسلام بحذافيره ومع هذا فإن الكوارث تلاحقهم.
وأرجع البعض الآخر ذلك إلى هجوم الصليبيين الجدد، وأن أهل الدنيا دائماً أقوى من أهل الآخرة.
لم يفهموا أن الإسلام ثورة تحديثية ديمقراطية جرت في أكثر المناطق تخلفاً.
وهذا ينطبق على العلمانيين واليساريين العرب كما ينطبق على الدينيين المحافظين، فالأغلبية تجهل تاريخها، مرة بالإغفال ومرة بالتحنيط.
أما السيرورة الداخلية العميقة، ورؤية كيفية قراءة المسلمين الأوائل لظروفهم المعقدة الشديدة التخلف، ثم تكوين توحيد ثوري مغير يقود إلى نهضة كبرى، فهم ينكرونه أشد الإنكار.
بل تراهم الآن وهم يبتكرون الأشكال الكثيرة لتفكيك عرى العلاقات التوحيدية بين المسلمين، يعودون لميراث الطوائف وكل يوم يدقون مسماراً في نعش الأمم المفككة أصلا، المتباعدة.
وكل فريق سياسي يرى مصالحه، ويبررها بالشرع والفقه، وبخيانة الأنظمة وانه هو المصيب، حتى لو قفز على طائفته التي يتبرك بها سنين طوالا مدعياً أنها الحصن الحصين، ثم نجده قد قفز إلى حلف مذهبي آخر من أجل أن يستمر في حكمه السياسي وفي علاقاته التجارية المزدهرة الرابحة مع الأطراف المخالفة له مذهبيا وتجيره ضد طائفته.
صار التلاعب بالدين مكشوفاً خطيراً، يوجه الناس لزمن مختلف هو الزمن الليبرالي الفوضوي، غير الرشيد، حيث تـُباع العقائد والأوطان والأراضي والأحزاب لمن يشتري، زمن ستجد الفرق السابقة فيه وهي فرق الليبراليين الوطنيين والقوميين والماركسيين، ثم الفرقة الغارقة حاليا جماعات الطوائف، أنها خارج التاريخ.
زمن الليبرالية الفوضوية ينمو في البلدان والحركات الدينية المتشددة، ومن دواخل الأنظمة والحركات المتشددة واللينة معاً، الكبار يغدقون الأموال التي تجعل الرؤوس تنقلب مائة وثمانين درجة، فاليوم هو متشدد يقطع الأيدي والرؤوس وغداً هو الباب المفتوح لكل سلعة مادامت الرشوة موجودة.
البضائع والأموال تنخرُ الدولَ والحركات، وهناك مستويان؛ مستوى شريف عفيف في الظاهر، واحترام للقوانين والضرائب والصلوات والإيمان، ومستوى باطني يحلُ كلَ شيءٍ مادام الدفع متواصلاً، وتتبدل الأفكار حسب كمية الدفع، وستجد كل سلعك بالدولار أو اليورو حسب قوة الغرب المتعددة، وستكون الحكومات هي حكومات العمولة والسيولة لا حكومات العقائد.
وتخترق وسائل الاتصال كل المحرمات والأسوار، والقيود الجمركية والسياسية، وستنهد حكومات شمشون الجبار الذي سيهد كل المعابد فوق رأسه، غير الحكيم، وتفاجأ الأحزاب الغافلة والجماهير الجاهلة، وتصرخ كيف حدث هذا؟
وسيقول الدينيون والتقدميون والليبراليون الذين كدسوا دنانيرهم السوداء لأيام الخيانة البيضاء المنيرة: “لم نكن على غفلة والزمان قد تغير فشدوا الرحال لمبادئ جديدة وسادة جدد نخدمهم بكل إخلاص وتفان”.
أما الفقراء والعمال الذين صدقوا السراب السياسي، وخـُدعوا أكثر من مائة مرة من وعود السياسيين وأكاذيبهم، فسوف يتحسرون لأنهم أضاعوا زمنا مهما، لم يشمروا عن سواعدهم ولم يدافعوا عن مطالبهم الخاصة، ونسوا أن القرش النقابي الأبيض ينفعهم في أيام الأزمات والتقشف وهبوط العملات المستمر الناحت لأجورهم الضئيلة والقادم في تسويتها بالأرض.
 
أخبار الخليج 27 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

أي‮ ‬أوجاع‮ ‬يُورث المنفى؟

شعرتُ بالخجل من نفسي حين تابعتُ حجم الاحتفاء بذكراه من أصدقائه ورفاقه العراقيين، وحتى غير العراقيين. كامل شياع، كيف أبرر لنفسي أنني لم أعرف اسماً بهذه الأهمية، وبهذه الرصانة الفكرية والحس الإنساني العالي، رغم تنوع عطائه وعمقه، إلا بعد أن أودت بحياته رصاصةٌ غادرة.
رفيقٌ له آتٍ من بغداد قابلته مؤخراً قال إنه وآخرين كانوا في انتظاره على موعد غداء على جري عادة أسبوعية ألفوها. حين تأخر في المجيء هاتفوه، ليجيب بأنه في شارع المتنبي، وأنه آتٍ بعد قليل. لكنه لم يأتِ. أيكون القاتل قد تحينه في شارع المتنبي بالذات الذي يقصده المأخوذون بسحر القراءة من أهل بغداد والعراق الذين تحسب لوهلة أنهم وجدوا على هذه الأرض ليقرأوا؟ من مرارة الأشياء أن القاتل يختار لضحيته ليس ميقات القتل فقط، وإنما مكانه أيضاً، فهل اختار هذا القاتل شارع المتنبي بالذات ساحةً لجريمته كأنه أراد أن ينهي حياة ضحيته بقصيدة فيها من الدلالات ما يفيض؟
في بيروت منذ نحو شهرين التقيت سيدةً تمثل وزارة الثقافة حيث كان يعمل مستشاراً، فسألتها عمن تحسب كان وراء قتله، أبدت أسى على رحيل هذا الإنسان الرائع كما وصفته، وقالت إنها لا تستبعد أن يكون القتلة من داخل الوزارة ذاتها.
أياً كان القتلة، فإنهم يمثلون الماضي المظلم بكل ما فيه من سواد. كان يؤرقهم وجود رجل بهذه الرهافة الإنسانية، في رهانه على الثقافة وسيلة تغيير، فاختاروا العادة المعهودة المألوفة عندهم كشهوة الأكل مثلاً: قتله. في “الثقافة الجديدة” التي حملها البريد من العراق طالعت عنه ملفاً، حوى بين ما حوى شيئاً من كتاباته. هالني أنه كان يهجس بالموت، ولأمرٍ ما لم يكن يخافه: ” أعلم أنني قد أكون هدفاً لقتلة لا اعرفهم، رغم ذلك أجد نفسي مطمئناً لأنني حين وطأتُ هذا البلد الحزين سلمتُ نفسي لأمر القدر بقناعة ورضا. القضية بالنسبة لي تعني الحياة وليس الموت”.
كم من الجهد علينا أن نبذل لفهم ما الذي يجعل شخصاً ينعم بهدوء أوروبا ونظامها وحرياتها وتحضرها يخلفها وراءه، ويعود إلى وطن محتل بلغ القاع تتناحر فيه الطوائف.  لدى كامل شياع نجد الجواب: ” للعودة من المنفى في حالتي سبب عاطفي أكيد، إذ وجدت نفسي في علاقة لا أقوى على استبدالها أو تعويضها، إنها العلاقة مع الوطن كمجموعة من البشر والتقاليد والأمكنة، كفضاء من ضوء وهواء، من فوضى وخراب وألم، وبعد أن جربت هذه العلاقة صرت متيقناً من جدواها ومعناها بوصفها حقلاً للممارسة اليومية والفكرية”. بل اننا نجد عند كامل شياع توضيحا أهم جدير بالكثير من متحذلقي الثقافة أن يقرؤوه بعناية: “عدتُ إلى العراق بعدما اكتشفت أنني شخص دون مشروع خاص، في السياسة كما في الثقافة، مشروعي مرتبط بالجماعة، فلا فعل ولا حضور من دون مشاركة وتضامن.
الذين خبروا المنفى الطويل يستطيعون أن يحسوا بكل كلمة من الكلمات التالية لكامل شياع: “عدت من المنفى وأنا مدرك أن لا عودة لي منه لأنه يجدد نفسه في كل تماس مع ما هو مألوف أو غير مألوف. كل رجوع عن المنفى تعميق لجذوره وإيهام بخفاياه”.  
أي أوجاع سرية يُورث المنفى، أي شفاء يحمل الوطن؟

الأيام 27 ديسمبر2008 

اقرأ المزيد

قانون أحكام الأسرة

الحكومة وافقت على مشروع قانون الأحوال الشخصية وأحالته إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، وفي “بيت الشعب” كيف سيتم التوافق عليه؟ والى أي حد يأتي لمصلحة المرأة وتنظيم الأسرة والاستقرار الأسري والاجتماعي؟ هذا هو مربط الفرس.
المرأة من دون هذا الحق يعني معاناتها في أروقة المحاكم ستطول ويعني أيضا المزيد من المشكلات الأسرية والمزيد من الظلم الواقع عليها.
المنظمات النسائية والحقوقية والقوى الديمقراطية والتقدمية نصيرة حقوق الإنسان أعربت عن ارتياحها وتأييدها للخطوة الحضارية التي أقدمت عليها البحرين، ونعتقد أن هذه الخطوة لن تبلغ مداها إلا بمبادرات نيابية مسؤولة لا تخضع لاجتهادات متعصبة وتفسيرات جامدة تضيف القيود تلو الأخرى على هذا الحق وهذا القانون الذي تطمح المرأة والرجل الحريص على حقوقها وإنصافها أن يكون هذا القانون عصرياً موحداً.
المرأة البحرينية طيلة عقود من الزمان ناضلت – ولا تزال – من اجل حقوقها كاملة في المساواة والعدالة واليوم وبعد ان وافقت البحرين على الاتفاقية الدولية لإلغاء أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” أحرزت انتصاراً جديداً بعد الانتصار الذي حققته على صعيد الحياة السياسية.
تجربتنا مع الكتل النيابية الإسلامية موالاة كانت أم معارضة تبرز لنا التطرف والتشدد ضد هذا القانون ولكننا نتذكر التجييش والمظاهرات النسائية الحاشدة التي كانت ومن دون وعي وقفت ضد مصالح المرأة بحجة الضمانة الدستورية التي تضمن عدم تغيير القانون مستقبلا إلا من خلال علماء الدين والأمر لا يختلف بالنسبة للكتلة السلفية التي تعتقد أن انسب الحلول هي رفض تقنين الأحوال الشخصية.
هذا يدفعنا إلى الاعتقاد انه رغم الاعتراف الحكومي بقانون الأحوال فان المخاوف لا تزال قائمة من تقليص حقوق المرأة الشرعية وبالتالي وعلى ضوء هذه الرؤية التي تتجه صوب إقصاء المرأة فان طموحات المرأة في أن يقر هذا القانون وفق الأوضاع العصرية الراهنة تستوجب ممارسة نيابية لا تعود لا للعصور السالفة ولا للمرجعيات المتزمتة، وبعبارة أخرى طموحات وآمال المرأة البحرينية أن يكون هذا القانون موحداً بين المذهبين الكريمين وان لا يكون فيه مساحة للاجتهادات بما يخفض من تطبيق العدالة ويبتخس حق المرأة.
لا شك إن موقف النائبة “لطيفة القعود” أثلج الصدور وخاصة عندما أكدت على أهمية هذا القانون وعلى أهمية الموقف الداعم له بقولها “البلد بحاجة إلى هذا القانون ولا اعتقد أن القانون يختلف عن الشرع بشيء وأنا شخصياً سأدفع في هذا الاتجاه ونأمل أن نرتقي إلى مرتبة بعض الدول التي سبقتنا في هذا المجال ولماذا لا نكون نحن السباقين..”.
 خلاصة الأمر حقوق المرأة ليست قابلة للتجزئة ولا للمساومات والمراهنات انها مسألة حق ومساواة وعدالة.. مسألة استقرار عائلي واسري ومجتمعي.
ولا شك فإذا ما أردنا أن نحسن الأداء الوطني وندعم الخيار الديمقراطي وندفع عجلة التنمية إلى الأمام فلا بد من إنصاف المرأة في هذا المجال والمجالات الأخرى وهذا بالطبع يحتاج إلى مناخ صحي تشريعي وتوافق مجتمعي ومساندة من المرأة ذاتها والقوى الديمقراطية والجهات الحقوقية والقانونية وسائر منظمات المجتمع المدني الفاعلة.

 الأيام 27 ديسمبر2008

اقرأ المزيد

التعلل بالتدخل الأجنبي‮ ‬لم‮ ‬يعد مقبولاً

لمناسبة صدور الحكم الابتدائي من قبل قضاة محكمة الجنايات الدولية قبل أيام في قضية طلب الادعاء العام للمحكمة من المحكمة إصدار مذكرة اعتقال بحق عدد من قيادات حركة التمرد المسلحة في دارفور، والذي قضى بمطالبة القضاة للادعاء العام تزويدهم بمزيد من المعلومات والأدلة التي تمكنهم من التعامل مع طلبه – لمناسبة صدور هذا الحكم استطلع بعض الوسائط الإعلامية الأجنبية الناطقة بالعربية آراء عدد من الحقوقيين وخبراء القانون الدولي العرب بشأن هذه المسألة، فجاءت ردود بعضهم، كما كان متوقعاً، بعيدة عن التناول الموضوعي المفترض المؤسَّس على الوقائع والقانون.
وكان لابد أن يحدث هذا في ظل السماح لثقافة الفزعة ‘وقوانينها’، ومنها ‘انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً’، بالاستحواذ على الألباب والحواس، والتسليم والخضوع التام لهذه الثقافة المسؤولة عن عرقلة حركة تطور الفكر العربي وانفتاحه على الأفق الأرحب للثقافات العالمية والتلاقح معها، بما قد يفضي إلى ‘تصلب شرايينها’ وتآكل مخزون طاقة إعادة إنتاجها الاعتيادية الجارية.
فلقد ألقى ذلك البعض مسؤولية ما جرى ويجري في دارفور على ‘التدخل الأجنبي’ وحمّله مسؤولية تفاقم الأوضاع سوءاً  مع أن من كان يملك ناصية إدارة الصراع، سلمياً وحربياً، هو من يدير دفة الحكم ويملك كل مفاتيح مصادر القوة المتيسرة عادة للدولة الحديثة.
هذا النفر من المحسوبين على قادة الرأي العام في العالم العربي، يعتقد خطأً انه بمثل تلك التخريجات إنما هو يترافع غيرةً وفزعةً عن مصلحة دولة عربية شقيقة ومصالح الأمة العربية بالإجمال، إذ تتعرض لحيف وغبن كبيرين من قوى التجبر والاستبداد.
ففي ذلك تسييس عاطفي بيِّن وغير موفق للموقف، إذ هو يختزل كل تعقيدات الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاثنية والثقافية السودانية وملابسات الصراع بين أجنحة الحكم المختلفة والمعارضة، التقليدية والأخرى الجديدة الصاعدة ‘والمتخلقة’ في خزين بيئة الصراع الذي لم يكن بالتأكيد وليد الساعة وإنما هو يمتد لبضع عشرات السنين حين تحول التراكم الكمي لإهمال وتهميش مناطق شاسعة بكامل طاقاتها البشرية ومقدراتها الاقتصادية، إلى حالة نوعية عنوانها التمرد والثورة على حكومة المركز.
فالانتفاض على الأوضاع والتمرد المسلح لم يكن قصراً على دارفور وحدها، فقبل دارفور كان الجنوب، وبعدها اندلعت أعمال تمرد أخرى في مناطق الشمال والغرب. وكل ذلك نتيجة توفر شروط تحول السخط المتراكم إلى حالة ثورية تمردية على الأوضاع البائسة للسكان.
ولاشك أن مما ساعد على ذلك مساحة السودان المترامية الأطراف والبالغة 364,505,2 كيلومتراً مربعاً. تحده مصر شمالاً وارتيريا وأثيوبيا شرقاً وكينيا وأوغندا وزائير شمالاً، وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد غرباً، وتحده ليبيا من الشمال الغربي.
ليس هذا وحسب، دعونا نسلم أيضاً أن هذه المساحة الشاسعة للسودان، والحديث يدور بطبيعة الحال عن المناطق المأهولة بالسكان، تحتاج إلى موارد إنمائية لتأهيلها حضرياً وتأهيل سكانها معيشياً ليحيوا حياةً كريمة.
كما أن جيرة السودان المنوه عنها عاليه لا تساعده بالتأكيد على إشادة ومراكمة واستدامة خياراته التنموية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فمعظم الدول المجاورة له تعتبر في عداد الدول الفاشلة أو الواقعة على حافة الفشل. وهذه، كما نعلم، تتعيش على الأعمال الواقعة خارج القانون الدولي، من اتجار في البشر إلى الاتجار في المخدرات والأحجار الكريمة مثل ألماس وتهريب والاتجار في الأسلحة. وهي بالتالي لا تتورع عن ‘تأجير’ أراضيها لمن يدفع لتكون نقاط انطلاق لأعمال عدائية ضد بلدان مجاورة أخرى لأسباب مختلفة.
ولكن هل هذا كل شيء؟
كلا طبعاً، وإلا افترضنا غياب الدولة الكلي عن مسرح العمل التنموي وتسليم أجهزتها القيادية والتنفيذية بذلكم الواقع الجغرافي والتضاريسي للبلاد وأيضاً واقعها الجيوسياسي غير المؤاتي. ولم يكن هذا واقع الحال بالتأكيد. فالدولة التي سعت وكافحت من أجل استقلالها الوطني عن بريطانيا لابد أنها كانت تراهن على أداء أفضل في إدارة وتسخير وتطوير طاقات وموارد البلاد.
ولكن هذا لم يحصل، وبدلاً منه انغمست القوى السياسية والاجتماعية التي أدعت أهليتها للتصدي لمهمة قيادة السودان المستقل، في انقلابات وثورات وانتفاضات وحروب أهلية ليس لها أول ولا آخر. وكان ذلك كافياً ليس لتخلف وبؤس الأقاليم البعيدة وإنما تدهور وتواضع البنية الأساسية للمدن الكبرى الرئيسية ومنها العاصمة الخرطوم.
وبهذا المعنى فقد قدم السودان أحد أسوأ نماذج الإدارة التنموية في العالم العربي وذلك على الرغم من توفره على إحدى أفضل الكفاءات والكوادر والمواهب العلمية والإدارية في عالمنا العربي والتي لم تمكنها الإدارات التنموية الفاشلة والمتعاقبة على السلطة في السودان، من تسخير علمها وطاقاتها في خدمة مسارات التنمية في بلادها فاضطرتها الظروف للهجرة والتغرب في مشارق الأرض ومغاربها. السودان كان يمكن أن يكون دولة إقليمية رئيسية ومحورية في القارة الأفريقية لو أخلصت زعاماته السياسية لوطنها وشعبها وأحسنت إدارة موارده وطاقاته.
ولكن هذه الزعامات آثرت الإخلاص لطوائفها وقبائلها ومصالحها الفئوية والشخصية، فكان لابد وأن يجيء الحصاد الكلي والجزئي بائساً على النحو الشاخص للملأ اليوم.
لما كان ذلك فإنه ليس من الحصافة والموضوعية في شيء إلقاء اللوم فيما ‘نزرعه’ على الآخرين بطريقة تنم عن التقاعس الفكري وعدم الرغبة في تحمل مشقة إعمال التفكير والتبصر في الوقائع، المتاحة على أية حال.
أيضاً فإن هذا الدأب الممل على إلقاء تبعات إخفاقاتنا على مشجب ‘التدخل الأجنبي في شؤوننا’ ما هو في حقيقة الأمر سوى إقرار ضمني، ولكنه صريح، بالعجز، ورسالة لكل من يهمه الأمر مفادها عدم الجدية وعدم توفر الاستعداد لإصلاح الاختلالات والمشاكل المتولدة عنها.

الوطن 27 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

افرح‮ ‬يا قلبي‮ .. ‬فقد جاءتك المعاناة


كل شيء بحسابه، لا تنتظر منا توقيف قسط بالمجان ودون أرباح أو استقطاع، حتى لو كان في رمضان الكريم الذي تزامن مع العام الدراسي الجديد والذي سيتبعه عيد الفطر المبارك ، فالبنوك لا تشتغل على حسابك ولا يمكن أن تفرط في فلس يدخل إلى خزنتها، ولا يمكن أن تفسح المجال لفلس يسترخي في جيبك، تنتظر فقط فرصة لاستيقاظه حتى تنقض عليه وتتركك تندب حظك أنك قد هيأت بعض وقت لاسترخاء هذا الفلس في جيبك.
البنوك لا يهمها المعاناة التي تحملها على كاهلك ، ولا يهمها إن كانت تملك بعض المال أو كنت على حافة الإفلاس أو كنت مفلساً، ولا يؤرقها سهدك طوال الليل وأنت تفكر في كيفية توفير بعض المال لسد رمقك بعد سداد بعض الدين إلى خزانتها، ولا يهمها إن كان العيد قد اقترب وأنت بعد لم تتمكن من شراء ما يفرح الأبناء وإن ضحيت من أجلهم بثوب من ( الخيش ) أو من أكياس الإسمنت ..
هذه البنوك لا تنزعج تماماً من كونك حافي القدمين، أو من كونك ترتق نعليك القديمتين الباليتين عند الإسكافي، أو من كونك تستعير ملابس غيرك أو يعتاش أبناؤك على ملابس قد ارتدوها في كل المناسبات، أبداً لا يهم هذه البنوك إن كنت تملك أو لا تملك، الذي يهمها هو أن تملك أو تملكك، وحتى تملكك لا بد وأن تهبك دون مقابل كافة الإعلانات المغرية والمشهية كالطبق الذي تتلظى رغبتك لالتهامه مع إفطار رمضان وأنت بعد لم تتمكن من الحصول عليه ، كالحلم الذي تتوقع في لحظة أنك قد ملكته وكان واقعا ،
كل شيء لدى البنوك وتعلنه البنوك جميل وأخاذ وخلاب ولا يمكنك مقاومته أو التردد في تملكه ، خاصة وأنه يحفظ كرامتك وماء وجهك من عنت ( الديانه ) وتعييرهم بذلك و ( خصافة ) وجهك ، حتى وإن وصل الأمر بالبنوك معك إلى دور القضاء ، فكثير من أمثالك في دور القضاء يتساوون بما فيهم المحتالون والنصابون ..
البنوك يا صاحبي أليفة وناعمة ورقيقة، ولأنها كذلك فإنها لا يمكن أن تتردد في طلب تتقدم إليها به، فهي مستعدة لأن توقف قسطك في رمضان وفي شعبان إذا شئت، لأنها تدرك تماماً بأنك الأمين حقاً على حقوقها، وتدرك بأنك ستسترجعها دون مماطلة، وبالأرباح، وإذا تأخرت في الدفع فلا بأس، لأنها تدرك أيضاً بأن أرباحها التي ستتحصلها منك ستزداد أيضًا، فثق أيها المواطن الودود بأن البنوك ما وجدت إلا لإسعادنا وإسعاد أسرنا وكذلك إسعاد رواتبنا وجهدنا، لأنها قادرة على تحريك كل شيء فيك وأولها غدد القهــر والدموع!! 


 



 الوطن 27 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

معنى المسؤولية‮.. !‬


ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نرى فيها مشهداً لافتاً مسكوناً بقدر غير قليل من الشعور بالذهول والدهشة والمرارة لأن أبطاله أطراف رسمية تقاذفت فيما بينها المسؤولية وتنصلت منها بجرأة لافتة بلا ضابط أو رادع، فما يجري الآن من تباينات حادة وقاطعة في المواقف المعلنة، والاتهامات المتبادلة بين عدة جهات رسمية والتي حفلت بها الصحف المحلية في الأيام الماضية على خلفية ما عرف بقضية “قناة الموت”، أو “قضية قناة مهزة” في سترة، التي أدت إلى وفاة طفلين غرقاً فيها، سبق أن شهدنا مثله أكثر من مرة احسب أبرزها ما تمثل في تداعيات كارثة غرق سفينة الدانة التي كانت هي الأخرى قد عبرت عن خلل جسيم في معنى ومفهوم المسؤولية، وبينت عن عجز من العيار الثقيل في تحمل أعبائها ممن يفترض أنهم يحملون أمانة المسؤولية، تماماً كما هو الحال بالنسبة لكارثة حريق القضيبية المروعة التي أدت إلى مقتل 16 وإصابة 17 من العمال الآسيويين، وهي وغيرها قضايا وملفات لا تستطيع ذاكرة المرء أن تنساها مهما مر عليها من زمن، خاصة أنها هزت وجدان المجتمع البحريني، ولازالت تطرح أسئلة مهمة.
لسنا هنا في صدد الخوض في التفاصيل وسرد الحيثيات والوقائع في شأن القضية المثارة الآن بين وزارة البلديات، وإدارة الثروة البحرية، والمجلس البلدي بالمحافظة الوسطى، ودخول نقابة الصيادين طرفاً في الموضوع فكل ذلك بات منشوراً ومعلوماً، ولن نقف عند من هو المتورط الحقيقي في القضية!، وكيف حدثت الكارثة الجديدة ؟!، كما لن نقف عند ذلك القدر الكبير من الفجاجة في الاتهامات التي تم تبادلها علناً بين بعض أطراف القضية، وهي اتهامات لا ينبغي أن تحاصر بالصمت، بل تستدعي استنفاراً يقيم الدنيا ولا يقعدها لو كان هذا الذي حدث في بلد آخر، خاصة وأن أطراف القضية يشغلون مناصب عامة، تبادلوا فيما بينهم اتهامات بغض النظر عن أنها ثبتت أو لم تثبت فذلك لن يغير من الفكرة التي نحن بصددها، فبإزار الاتهامات هو من النوع الذي احتوى على مفردات من نوع ” تداخل المصالح، وتورط جهات رسمية ومكاسب نيابية، وتصفية قضايا خاصة وشخصية ودفان عشوائي، وذهبت الاتهامات إلى ما هو أبعد بالإشارة إلى أعمال غير قانونية وعلاقات غريبة افتقدت لأي شفافية، وتزوير، وعريضة وهمية واستغلال النفوذ، أو إستقواء ببعض ذوي النفوذ، وتهديدات للمفتشين، وإهدار قيمة القانون”، وذلك ليس أخطر ما في تلك الاتهامات التي جاءت بالطول والعرض، لأن الأخطر في ظني ذلك الاتهام من أن القناة تستخدم للتهريب، وتهريب المخدرات تحديداً.. !!
تلك من دون شك اتهامات تقتضي من الجميع، الجهات المسؤولة، ومنها النيابة العامة، ومجلس النواب، وبالأخص لجنة التحقيق النيابية المعنية بهذا الملف، تقتضي أقصى درجات الانتباه والبحث والتحقق والحسم بشكل لابد أن يضع النقاط على الحروف ويدفع الأمور إلى نصابها الصحيح. هذا أولاً..
ثم لابد مرة أخرى وثالثة ورابعة وأكثر أن نؤكد بأن ما جرى يستدعي التشديد على الحاجة الملحة لبث روح جديدة لمعنى ومفهوم المسؤولية وكيفية النهوض بها، وجعلها تقترن بمنظومة المساءلة والمحاسبة، وعلى الجميع الإدراك بأن الدولة التي تعي معنى المسؤولية، وتضع المؤهلين القادرين على تحملها، والمدركين لتبعاتها، والذين يكبرون فيها وينهضون بها وبواجباتهم، وليس لهم همّ الا جعل دولتهم دولة قانون ومؤسسات وعدل ونظام وتكافؤ فرص وأخلاق وعدالة وفكر وإنتاج وإنجاز هي الدول التي تتقدم وتتطور، ومن هذه الزاوية لابد أن نضع أيدينا بمنتهى الجدية والحسم على مواضع الخلل في واقعنا، وما قضية “قناة الموت”، وكارثتي “سفينة الدانة”، و”حريق القضيبية”، وحتى ما بات يعرف بحادثة دوار 19 بمدينة حمد، وغير ذلك من القضايا ما هو إلا انعكاس أو ترجمة لبعض الأوجه السلبية في هذا الواقع الذي لازال فيه من يصر على العمل خارج حدود دولة المؤسسات وخارج نطاق سيادة القانون. هذا ثانياً..
وثالثاً نقول، إن المشهد يأتي في وقت باتت فيه البحرين تتبنى أخيراً رؤية تنموية واقتصادية حتى عام ،2030 تستهدف عبر عدة محاور نهوضاً بالعمل التنموي والاجتماعي والاقتصادي، ولكن اذا استمر هذا النهج في التعاطي مع إدارة الشأن العام، وبقينا نستهين ولا نعلي قيم احترام المسؤولية العامة ومعاني الانضباط والالتزام بالقانون فإن تحقيق هذه الرؤية لن يكون يسيراً على الإطلاق.
وأخيراً نقول:
ترى لو كنا نساءل ونحاسب بمعيار المسؤولية الحقة بأبعادها الحقيقية وتعاملنا مع المسؤولية باعتبارها قدرة على العمل الخلاق، كم مشكلة ستحل؟
وكم كارثة كان يمكن تجنبها؟
وكم تراشقات بالتهم والادعاءات والمغالطات تفادينا؟
وكم انتهاكات للقانون والتحايل عليه والعبث به انتهينا منها؟
وكم من مسؤوليات أصبحت عبئاً ثقيلاً على المجتمع سنكون في منأى عنها؟
وكم من المسؤولين الذين مارسوا العدوان الصارخ على المال العام حاسبنا؟
وكم من العقليات التي تشد نا إلى الوراء بدلاً من أن تدفعنا إلى الأمام تخلصنا؟،
وكم من أعمال تدخل في نطاق مسؤوليات كثيرة غاب عنها الضمير توقفنا؟
وكم من الشطط في إدارة الشؤون العامة تجاوزنا؟
وكم انجازات مفترضة تحققت؟!!

أسئلة تبحث عن إجابة..
 
ألأيام 26 ديسمبر 2008
 

اقرأ المزيد

عمران والفاتح بهدوء ناضلا….وبهدوء رحلا

لا يعرفان الضجيج والصخب والبروز، وكانا يعملان بهدوء مثلما كانا عملهما الوطني في النشاطات الحزبية والعمالية والشبابية، يتصف بالعمل الجاد والإخلاص والتفاني، لتلك المبادئ والأهداف الإنسانية والوطنية ، التي نذرا نفسيهما لها، رحلا عنا سريعاً وإذا بالقدر حدد موعد الرحيل، فكان الأول في يوم الأربعاء الموافق 27/8/2008، شيع ودفن في مقبرة النعيم بالمنامة والثاني في يوم الاثنين الموافق 1/9/2008، شيع ودفن في مقبرة الحنينية بالرفاع، بكلمات فقدنا رفيقين عزيزين في أقل من أسبوع، رفيقين عملا بصمت وماتا بصمت وهدوء، أنهما الرفيقان جمال عمران وأحمد الفاتح، رحلا ولم يتحقق حلمنا وحلمهما في وطن حر وشعب سعيد، وطن تسود فيه المساواة والعدالة الاجتماعية ، وطن لا يكون فيه أبنائه غرباء، وطن تحترم فيه حقوق الإنسان والجميع سواسية أمام القانون.
 
الرفيق جمال عمران : ناصر” أبو خلود ” عرفته في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي في دمشق، كان شعلة من النشاط والعمل ، كان عاشق معشوقته جتوب، جبهة التحرير الوطني البحرانية، وقبلها كان عضواً في اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني، ” أشدب ” لهذا كان اهتمامه بالشبيبة ، الرفيق ناصر مثلما رحل بهدوء ، كان يتحدث بهدوء.
في عام 1992، أراد العودة إلى الوطن، فرُحـﱢـل من قبل جهاز المخابرات إلى خارجه ، وكانت دولة الإمارات المحطة الأخيرة له في المنافي ، قبل أن يعود عام 2000، مستفيدا من قرار العفو الذي صدر آنذاك عن الملك حمـد، والذي سمح للعديد من الذين اضطرتهم ظروفهم الخروج من الوطن بالعودة . ومثلما عاش ظروفاً وأوضاعاً قاسية صعبة في سنواته الأخيرة في الإمارات ، حدث له ذلك في البحرين بعد العودة ، وإذا به يعيش مثل الغريب في الوطن، رفاقه قدموا مساعدات مالية وحصلوا له على عمل في أحدى المؤسسات الخاصة ، حسب الإمكانيات المتوفرة لهم، لكن ظروفه كانت أصعب من ذلك، وهو الذي تعود على النشاط الحزبي في دمشق، فالوضع كان هنا مختلفاً ، والآمال والتطلعات كمواطن عاش سنوات تجربة لحوالي عشرين عاماً في المنفى، ولم يتحقق شيء من حلمه ، غير العودة إلى ارض هذا الوطن، وأن يدفن في ترابها بعد معاناة مع المرض الذي ابتلى به، تبخرت الوعود التي أطلقتها الدولة في بداية طرح مشروعها الإصلاحي بتوفير حياة هنيئة وكريمة للمئات من العائدين من المنافي البعيدة، وأصبح العديد منهم غرباء في الوطن.
 
الرفيق احمد الفاتح ، ” أبو صمود ” ابن الحركة العمالية والنقابية تعرفت عليه من خلال عضويته في اللجنة الإعلامية التي ترأستها بعد انتخابات المؤتمر العام الأول للمنبر الديمقراطي التقدمي في ديسمبر 2002، كان هادئاً وصاحب رأي سديد ،  لا يتحدث كثيراً ولكنه كان يؤدي واجبه الوطني والحزبي بهدوء، وفي اللجنة الإعلامية أنيطت به  مسئولية تحويل أشرطة الكاميرا المسجلة في الندوات والفعاليات التي يقيمها المنبر إلى أشرطة فيديو ، فكان ينجزها بلا كلل، كما  كان  حريصاً على استمرارية صدور النشرة ودعمها مالياً “أخبار المنبر” في البدء و” التقدمي ” فيما بعد، من خلال التبرع الشهري للنشرة وبانتظام.
 
من الرفاق الذين واصلوا توزيع النشرة منذ بداية إصدارها  في مواقع عملهم، وبكميات جيدة، وكان  يحرص على تأدية هذا العمل الوطني والحزبي، وحتى في ظروف وعكته الصحية التي تعرض لها قبل وفاته ، كانت تصله كميات من الأعداد المحددة له من النشرة من خلال أحد الرفاق ، الرفيق أبو صمود وبما يتمتع به من صفات إنسانية راقية ، كان يرى بأن قوتنا بوحدتنا كان يشعر بالسعادة في وحدة الرفاق وينبذ خلافاتهم. 
 
رحلا الرفيقان جمال وأحمد ، وبقيت مآثرهما ومناقبهما الإنسانية في قلوب ذويهما ورفاقهما ومحبيهما، المجد والخلود لذكراهم العطرة.
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

هشاشة الهياكل الديمقراطية


هشاشة الهياكل (الديمقراطية) في العالم الثالث واضحة جلية، فهي تعتمد على إرادة حاكم يتطلع لتغييرات إيجابية، وتبدل صفحة الماضي، ومواكبة دول العالم المتحضرة حتى لا تكون بلاده عرضة للاضطرابات والعقوبات والتدخلات، وقد تكون مجرد تلاعب بسيط من قبل الطبقة الحاكمة لتهدئة نزاعاتها وتقاسم الحصص وعدم السماح للأحزاب المعارضة لكيان البلد في الانتشار وقد تكون تراكما موضوعيا كما هو الحال في أمريكا اللاتينية التي وصلت شعوبها إلى مستوى متقدم مقارنة بدول العالم الثالث الأخرى، نظراً لتجذر الأحزاب الوطنية واليسارية بين الجمهور العريض، أو قد تكون عملية خداع كبيرة تقوم بها الطبقة الفاسدة البيروقراطية للحفاظ على سيطرتها على الأملاك العامة كما هو الشأن في روسيا. 
ورغم تقدم روسيا الكبير على الصعيد الاقتصادي فإن ذلك كان بلا تقاليد ديمقراطية، وهو أمرٌ لا يحدث إلا بأن تظهر قوى سياسية علنية تمارس المعارضة مدة طويلة، وتشكل علاقات قوية مع الشعب، ولهذا فإن عقلية الاستبداد ومناخ الطاعة لأولي الأمر وسيطرة الشعارات الدينية – الحديثة الشمولية تهيمن على الرأي العام كما هو الشأن في إيران وسوريا وليبيا وغيرها فلا تكوّن ديمقراطية. إن الديمقراطية تحتاج إلى تحضير طويل بين الجمهور العادي الأمي، أساس الشعب في العالم الثالث، بأن يزيل خوفه من الدول ومن شيوخ الدين ومن رجال السياسة المتسلطين، وأن يمتلك الجرأة على نقدها، ومعرفة مصالحه المستقلة، وأن تكون ورقة الانتخاب خاضعة لمصلحته المستقلة وإرادةً لتطوير هذه المصلحة باتجاه رقي وتنور الشعب. أي أن يكون الشعب علمانيا بدرجة أولى، ويدرك أن حبه لدينه أمر مختلف عن قضايا السياسة، فقضايا السياسة تخضعها الأحزاب لمصالحها الذاتية الخاصة، وهي تستعمل الكثير من شعارات الدين والدنيا لمصالحها وصعود جماعاتها، والعملية الديمقراطية تتطلب برامج للتغيير محسوسة في حياة الناس معدة بشكل خطط وبرامج في حال وصول هذه الأحزاب إلى البرلمان. ولا تستطيع الأحزاب أن تقوم بذلك إلا إذا كانت أحزاباً علمانية، أبعدت المذهبية والدين والقومية عن برامجها، فبرامجها تخص تطوير معيشة المواطنين والمهاجرين على أي مذهب أو دين أو قومية يكونون. حتى هذه البرامجية العلمانية المجردة من كل هوى مذهبي أو قومي، تحتاج إلى سنوات من أجل تفهم الواقع وتدرك الطرائق لتغييره ورفع معيشة الناس وحفظ سلامتهم ماداموا يسكنون هذا البلد أو ذاك. ولابد من صراع طويل بين البرامج الحديثة (الرأسمالية الخاصة) و(الإقطاع) و(العمال)، وهي القوى الثلاث الأساسية المتحكمة في أموال الدولة وعملها في العالم الثالث، أي المتحكمة في خبزها وزيتها ولحمها. فالديمقراطية ليست حرباً ضد الدين أو معه، ولكن هي تشكيل لعلاقات سياسية بين الطبقات الكبيرة المتصارعة حول الملكيات والأجور والدخول وسياسات الادخار والتأمين وسياسة البيئة والهجرة الخ. إن العلاقات السياسية التي تجرى من وراء كواليس الدين والمذاهب والقوميات، وتسبب الحروب بينها، تتأطر في الديمقراطية وتصبح صراعاً بين من يملكون ومن يعملون وتحدث تطورات بين هذين البرنامجين الأساسيين.
أي أن الصراع الديمقراطي العلماني يدور حول المصالح، وليس حول أن هذا المذهب أفضل من ذاك، ولا أن هذا القسم من المواطنين له الدرجة المميزة في الجنة. إن انتقال الأحزاب والجمهور للعلمانية الديمقراطية مسألة تتعلق بمثل هذا الصراع، وبتغيير الهياكل السياسية في كل بلد تجرى فيه مثل هذه العملية التحولية. فماذا أعدت الأحزاب لتغيير المدن؟ وما هي سياستها في الهجرة؟ وما هو برنامجها البديل لوزارة العمل؟ وكيف تريد تغيير الشوارع والجغرافيا الوطنية؟ كان السكان في أمريكا اللاتينية يشتبكون حول المذهبين البروتستانتي والكاثوليكي وحول من هو الأمريكي الأصلي، الأسباني أم الهندي الأحمر، وكل هذه الخزعبلات، لكنهم الآن يختلفون كمواطنين وكطبقات كل له برنامجه لإدارة الأملاك العامة وتنظيم أسواق العمل وسن قوانين التجارة وغيرها. وقد عملت الأحزاب في هذه القارة التابعة للحضارة الأوروبية عامة عبر عقود طويلة من العملين السري والعلني حتى ترسخت كأحزاب تمثل المواطنين، فالحزب الذي كان يمثل الهنود الحمر صار للمواطنين كافة، نظراً لرقي الثقافة عند المواطن العادي وتضاؤل تعصبه للقبيلة والمنطقة. وبهذا فإن الديمقراطية نشأت في القواعد الشعبية أولاً، حين رأى ملاكُ الأراضي أن مصالحهم ستتبع تنظيم حزب موحد لهم، ورأى التجار والصناعيون مثل ذلك، وكذلك رأى العمال، وبهذا فإن الهيئة الاجتماعية الوطنية وممثليها حولوا صراعاتهم في الغابات والمدن بالأسلحة وبحروب العصابات الطويلة إلى حوار مصالح واتفاقات داخل مجالس تشتغل لتغيير القوانين والظروف كلٌ من موقفه ومصلحته وهذا رغم تشعبه وصعوبته ومرارته، أفضل من استخدام قوة النيران في العمل السياسي. هذا يعتمد على ظهور ممثلي القوى الأساسية هذه، لكن إذا ظلت جماعاتُ البرجوازية الصغيرة تصرخ وتشعلُ الجملَ الثورية كل ساعة، وهي لا تمثل أي طبقة رئيسية، بل تتراقص فوق حبال السياسة من يمين إلى يسار، وتجعجع بالمفردات الدينية والقومية، وكل يوم لها موقف، فإن صراع المذاهب والمناطق يغدو هو السائد. ومن دون حدوث هذا المناخ المؤسس للديمقراطية فإن الدول وجيوشها خاصة تظل هي المتحكمة في هذه اللعبة السياسية، وتظهر لها في كل فترة (ديمقراطية)، فمرة هي التي تعمل من أجل الديمقراطية ومرة أخرى هي التي تضع حداً لفساد الديمقراطية، ومع موت قائد الديمقراطية يظهرُ قائدُ الجيش منقذ الديمقراطية الذي يمنع الفوضى. وهكذا نرى تفجر الانقلابات في بقع كثيرة، ويجد البرلمانيون المسترخون في مقاعد الحروب الكلامية أنفسهم فجأة في السجون، ويعبرُ رئيسُ الجمهورية المقال عن آرائه في قريته المحاصرة بالدبابات. حين يبذل التجار والصناعيون والمقاولون جهوداً وقوة اقتصادية وسياسية على إنشاء أحزاب جماهيرية وتكوين برامج تحفظ مصالحهم على المدى الطويل، وحين يبذل العمال وممثلوهم مثل هذه الجهود في التعلم ودراسة السياسة والاقتصاد بدلاً من الثرثرة ولعب الورق، ويجد ملاك الأراضي والعقارات أن تكوين حزب يحفظ مصالحهم وأن يشتغلوا بالسياسة المستقلة الخاصة من فوق الطاولة لا من تحتها يدبرون المكايد وبناء الضرائح والمقامات، فإن الديمقراطية وقتذاك تتشكل، وتغدو لهذه القوى الاجتماعية الكبيرة سياسات تطوير للمجتمع وللخريطة الفعلية على الأرض لا في الأحلام الضبابية. أي حين تحدث الانتخابات على أساس موضوعي وطني لا أن تـُسرق مقاعد الدنيا والآخرة لجماعة.

 
أخبار الخليج 26 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد