المنشور

قانون موحد للأحوال الشخصية يجسد الوحدة الوطنية


مبادرة جلالة الملك في الجمع والتوفيق بين المعنيين بالشأن الديني في البلاد جاءت نتيجة للشحن الطائفي الكريه وانعكاساته السلبية على جميع نواحي الحياة – اجتماعية – سياسية – ثقافية. هذا الشحن الطائفي المذهبي الذي بدأ يطفو على سطح العائلة الواحدة حيث كان التزاوج المختلط بين الطائفتين للعديد من العوائل البحرينية…فهذا الترابط الأسري أخذ يضمحل شيئاً فشيئاً وقد اتسعت الهوة في المدارس بين المدرسين والمدرسات وفي المؤسسات الحكومية وأصبح السؤال المطروح قبل أي اتفاق عقدي، هل المتقدم سني أو شيعي؟  والذي لم يكن معهوداً في السابق.
 
الآن يأتي هذا الحراك ” العلمائي الوطني ” لدعم الوحدة الوطنية ، أن هذا التقارب  لا بد وإن يصب في الصالح العام إذا كانت هناك مصداقية فعلية لدى الطرفين بالتعاون مع السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني… فا لمشكلة تكمن في الأجندة التي ستوضع على طاولة البحث لاجتثاث أسباب هذا التخندق الطائفي…
 
ولقد شدد نائب رئيس المجلس الإسلامي العلمائي السيد عبد الله الغريفي في كلمته التي ألقاها في ندوة يوم الخميس 16 أكتوبر في بيت القرآن تحت عنوان أدب الحوار ((  أن الحوار لكي يكون ناجحاً فإنه يتطلب ضمانات . ومنها يكون هدف الحوار واضحاً وإلا تعقدت التجاذبات وتأسست الخلافات، وماذا نريد من الحوار وهل يعالج مشكلاً سياسياً أو دينياً وأن يوحد موقفاً مشتركاً حتى لا يكون حواراً تائهاً )).
 
كلام جيد وصريح، لكن فلنأتِ للتطبيق الفعلي على أرض الواقع ، ونبدأ بالملف المسيس الغائب الحاضر ، وهو ملف قانون الأحوال الشخصية…إذا كنا فعلاً ندعو للوحدة الوطنية ونبذ التعصب الطائفي علينا أن نبدأ بهذا الملف والذي يعني عدم إصداره قمة التعصب الطائفي تجاه نصف المجتمع.
 
في الحلقة الحوارية التي نظمتها لجنة شئون المرأة في المنبر التقدمي عن مرئيات الاتحاد النسائي البحريني لضرورية وأهمية إصدار قانون الأحوال الشخصية حيث قدم الرفيق عضو المكتب السياسي المحامي حسن إسماعيل ورقة ضمنها أربعة أسئلة أساسية ومهمة يجب التوقف عندها:
ما هي أهمية وضرورة إصدار قانون للأحوال الشخصية.
ما مدى فاعلية وواقعية حجج المعارضين في صدور القانون.
ما مدى انسجام القانون مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها البحرين.
انطلاقاً من مبدأ الدين الإسلامي الحنيف ” في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف” لماذا لم تكن هناك إمكانية لصدور قانون موحد للطائفتين ( الشيعية والسنية ).
 
من ناحية ضرورة وأهمية إصدار القانون لا خلاف عليه من شريحة كبيرة في المجتمع سواء من الطائفية السنية أو الطائفية الشيعية..ولكن الإشكالية تنبع في الرجوع لمرجعية كل طرف وعدم الخروج على رأي هذه المرجعية أو تلك ، بمعنى تقديس هذه المرجعية.  فالكل واعي ومدرك أن أي قانون للأحوال الشخصية سيصدر لن يكون مخالفاً للشريعة الإسلامية، وكذلك ومن المهم أن لا يكون القانون مخالفاً للحقوق المكتسبة والتي حققتها المرأة طوال تاريخ نضالها …ولن نقبل بقانون يخالف مبادئ ميثاق العمل الوطني أو أحكام الدستور أو المواثيق الدولية التي وقعت عليها مملكة البحرين في حين نطرح . سؤال مهم وهو لماذا تحفظت مملكة البحرين على جميع بنود المادة – 16 – من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة      ( سيداو ) هذه الاتفاقية والتي صادقت عليها حكومة البحرين وبتصديقها تصبح حكومة البحرين ملزمة بتنفيذها على أرض الواقع . نحن نطالب برفع جميع التحفظات على الاتفاقية من مبدأ أن تلك التحفظات تفرغ الاتفاقية من جوهرها.
 
أن ما جاء في مقدمة التقرير الحكومي المرفوع للجنة سيداو في الأمم المتحدة والذي سيناقش في جنيف ما يلي ” باستثناء المواد التي تم التحفظ عليها فإن انضمام المملكة إلى هذه الاتفاقية لهو دليل حازم على السعي الدءوب من قبل المملكة نحو ترسيخ مبادئ المساواة بين الجنسين في اتجاه القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ” أن هذا التحفظ لهو أكبر دليل على أن السلطة غير جادة في القضاء على كافة أشكال التمييز. فالتحفظ على جميع بنود المادة (16 ) والتي تعنى بأحوال قوانين الأسرة هو تمييز صارخ وفاقع للعيان. صحيح أن لدى السلطة حساباتها السياسية ومساوماتها عند إصدار أي قانون مع أي فئة متنفذة في المجتمع. وبما أن المرأة دائماً هي الحلقة الأضعف في إي معادلة لهذا اختير هذا الملف للخلاف السياسي بين السلطة ورجال الدين ووقعت المرأة أسيرة لهذه الخلافات السياسية.
 
اننا نرى أن الكل يتشدق بأنه لا يمكن إصدار قانون لأحكام الأسرة…أو للأحوال الشخصية إلا بتوافق مجتمعي!!! ماذا يعني لنا هذا التوافق . ما هو تقييمنا لهذا التوافق ؟ من الذي يحدد آفاق هذا التوافق؟ المفروض أن المجتمع بكل أطيافه المستنيرة هو الذي يحدد هذا التوافق . وليس فئة متحكمة في رقاب العباد تسيرهم حسب مصالحها الفئوية ونظرتها الدونية للمرأة.
 
نحن نعيش هذه الأيام فترة تصالح وحوار وطني بين الطائفتين الكريمتين لدرء واستشراء التعصب الطائفي المقيت ووضع آليات عملية للقضاء على هذا السرطان الخبيث..وطبعاً سوف تكون هناك أولويات في طرح الملفات. وأتمنى أن لا يكون ملف قانون الأحوال الشخصية من الملفات المغيبة والثانوية. فإذا كانت هناك صدقية من جميع أطراف السلطة التنفيذية والتشريعية ورجال الدين والمجتمع المدني، أن على هذه الأطراف المطالبة بتشكيل لجنة عاجلة لمناقشة هذا الملف كما فعلت وتفعل الدول العربية والإسلامية ذات الأثنية المجتمعية.
 
ومثلاً في عهد عبد الكريم قاسم عام 58 صدر قانون عادل عصري للأحوال الشخصية في العراق حيث شكلت لجنة من جميع الطوائف والمذاهب الإثنية لوضع مسودة قانون يرضي جميع الملل…ويأخذ من كل مذهب ما هو إيجابي ونبذ ما هو سلبي من تشريعات واجتهادات تقف عائقاً في مسيرة تطور المرأة والمجتمع.
 
من خلال مسيرتنا الطويلة ما يقارب الثلاثة عقود واجهتنا معوقات كثيرة سواء من خلال نشر الوعي بأهمية إصدار القانون أو أثناء مناشدة السلطة التشريعية لمناقشة القانون وإصداره حيث ووجهنا من قبل بعض رجال الدين برفض قاطع لقانون الأحوال الشخصية وبشروط تعجيزية . مثل إيجاد ضمانة دستورية وعدم مناقشته من قبل السلطة التشريعية..فهذه الحجج ما هي إلا ابتزاز سياسي….لأن جميع القوانين لا تصدر إلا عن طريق السلطة التشريعية حسب الدستور المصدق من قبل جلالة الملك.
 
خاص بنشرة التقدمي

اقرأ المزيد

من وحي‮ ‬قمة التعاون


لو قورن وضع مجلس التعاون لدول الخليج العربية بأطر تعاون إقليمية عربية مشابهة كتلك التي في المغرب العربي أو تلك التي كانت في المشرق فإنه أحسن حالاً بالتأكيد، على الأقل من حيث إستمراريته كإطار تنسيقي استطاع التغلب على الصعوبات المختلفة التي اعترضت مسيرته على مدار السنوات التي انقضت منذ تأسيسه، رغم التطورات العاصفة التي شهدتها هذه المنطقة خلال هذين العقدين وربما بسببها أيضاً.   
ولا يمكن كذلك إغفال أن وجود المجلس ساهم في تكريس حقيقة سابقة له، هي التقارب السياسي والتاريخي والتكوين النفسي والثقافي لأهالي المنطقة، وأقام فضلاً عن ذلك، بعض أشكال التنسيق والتعاون في أكثر من مجال، تصب بهذه الصورة أو تلك في مصلحة دول وشعوب المنطقة، وتسهم موضوعياً، في إرساء أسس التكامل والوحدة الخليجية التي تظل طموحاً مشروعاً نصبو إليه، وربما لا يكون لدولنا مفر منه في عالم لا يأبه إلا بالأقوياء.
هذا كلام لا بد أن يقال من منظور المقارنات مع حالات عربية مشابهة في واقع عربي اتسم بتردي العلاقات فيما بين أطرافه كما لم تترد في السابق، ولكن هذا يجب ألا يصرف الأنظار عن كون أداء المجلس ما زال أقل بكثير من تطلعات شعوب بلدانه، وأن كثيراً من الأهداف والغايات التي وعد بها قادة المجلس هذه الشعوب لخطة تأسيسه لم تتحقق.  ومن يعود لاستطلاعات الرأي التي تقوم بها أجهزة الإعلام، خاصة الصحافة كل سنة لمعرفة نظرة أوساط الرأي العام الخليجي تجاه الأهداف المنشودة من المجلس سيلاحظ أن هذه النظرة لم تتغير منذ سنوات طويلة، وأن الآمال ما زالت معقودة على الأهداف نفسها التي لم تنجز. ومن أمثلة ذلك التكامل الاقتصادي والعملة الموحدة وتفعيل الهيئات الخليجية المشتركة في حقول التجارة أو الاقتصاد عامة، وحقول التعاون الثقافي والاجتماعي وتطوير حجم وأشكال المشاركة السياسية وبلورة كيان خليجي موحد ومتماسك. وهي جميعاً تحديات حقيقية في مجالات الأمن والتنمية والتطور السياسي في عالمٍ لا يمكن أن يتصرف بلا مبالاة أو استخفاف تجاه ما يجري في المنطقة أو حولها بسبب الثروات التي يضخها جوفها يومياً لهذا العالم، وسيظل يضخها لسنوات طويلة قادمة . لقد شهدت منطقتنا منذ تأسيس الكيان الخليجي الموحد ثلاث حروب اكتسبت كلها طابع التدويل الواسع، وطبيعي إن كل ذلك ضاعف من حجم الإحساس بالهاجس الأمني، بيد أن هذا الهاجس خاصةً بالنسبة لدول صغيرة محدودة السكان بحاجة إلى تطوير صيغة التعبير عنه، عبر إدراك أن الأمن مفهوم شامل ينطوي على عناصر اقتصادية تنموية واجتماعية وسياسية مما يتطلب المزيد من تطوير المشاركة الأهلية وتحديث البنى الإدارية وترسيخ الشعور بالهوية الوطنية الموحدة. وهذه أمور تقتضي سلسلة من التدابير تزداد الحاجة إليها إلحاحا في ظروف الأزمة المالية العاصفة التي تجتاح العالم، والتي طالنا وسيطالنا من نتائجها المدمرة الشيء الكثير، بسبب انكشاف الإقليم الخليجي على الخارج، وهو انكشاف لبعض عناصره طابع موضوعي لا فكاك منه بفعل تدويل الاقتصاد والسياسة، لكن هذا لا يجب أن يحول دون التبصر في مستقبلنا باستقلالية أكبر تنطلق من حساب مصالحنا، لا مصالح الآخرين.
 
الأيام 31 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

الموازنة العامة للدولة ..رؤيـة نقديـة

 
مع بداية الفصل التشريعي الأول وبعد إستعادة الحياة النيابية، ناقش مجلس النواب البحريني ولأول مرة بعد إنقطاع دام قرابة الثلاثة عقود أول موازنة عامة للدولة، تلك كانت هي موازنة 2003-2004، حيث كان المجلس حينها  في بداية سنته الأولى مما يعني نقصا كبيرا في خبرات وتجارب أعضاءه بشكل عام وأعضاء لجنة الشؤن المالية والإقتصادية حديثي الخبرة بالحياة النيابية وبمناقشات الموازنات العامة بشكل خاص، إلا أن التجربة النيابية سرعان ما  رسخت لاحقا الكثير من التجارب والدروس التي فرضت على النواب والكتل سرعة تعلمها بحكم التعاطي اليومي مع الحكومة  وأساليب عملها  ونهجها  في التعاطي  مع الموازنة العامة كأهم ملف
 


الموازنة العامة للدولة ..رؤية نقدية
(ورقة مقدمة لندوة الجمعيات السياسية)
 التي أقيمت في مقر المنبر التقدمي
مساء الاثنين 29 ديسمبر 2008

بقلم: عبد النبي سلمان


 

مع بداية الفصل التشريعي الأول وبعد إستعادة الحياة النيابية، ناقش مجلس النواب البحريني ولأول مرة بعد إنقطاع دام قرابة الثلاثة عقود أول موازنة عامة للدولة، تلك كانت هي موازنة 2003-2004، حيث كان المجلس حينها  في بداية سنته الأولى مما يعني نقصا كبيرا في خبرات وتجارب أعضاءه بشكل عام وأعضاء لجنة الشؤن المالية والإقتصادية حديثي الخبرة بالحياة النيابية وبمناقشات الموازنات العامة بشكل خاص، إلا أن التجربة النيابية سرعان ما  رسخت لاحقا الكثير من التجارب والدروس التي فرضت على النواب والكتل سرعة تعلمها بحكم التعاطي اليومي مع الحكومة  وأساليب عملها  ونهجها  في التعاطي  مع الموازنة العامة كأهم ملف يمكن لأي مجلس نيابي أن يناقشه نظراً لأهميته الإستراتيجية بالنسبة لتوجهات الدولة وسياساتها المالية والإقتصادية والإدارية على مدى عامين كاملين وربما أكثر.  وبالفعل جاءت مناقشة الموازنة الثانية التي ناقشها المجلس وهي موازنة 2005-2006 لتؤكد  تطور اداء لجنة الشؤن المالية والإقتصادية الملحوظ في دراسة الموازنة العامة للدولة، وفي بقية الملفات التي أضطلعت اللجنة بمناقشتها لاحقا، مما إنعكس بشكل إيجابي على مجمل تلك الملفات، حيث عززت اللجنة بشكل واضح من قدرتها على كيفية التعامل مع الحكومة بمستشاريها وطواقمها المختلفة وآليات عملها وأساليبها الإلتفافية وحتى أرقامها المغلوطة أحيانا كثيرة في العديد من الملفات سواء تلك المتعلقة بالموازنة العامة للدولة أو غيرها من الملفات الأخرى. 

  من وجهة نظري، كان الأمر الأكثر إيجابية في الأمر برمته  هو إعتماد بقية أعضاء المجلس  بكتله المختلفة بشكل شبه تام تقريبا على ما ستطرحه اللجنة من آراء ومآخذ، وما ستجده من حلول وما ستعترض عليه أو ما ستصر عليه أثناء دراسة الموازنة بكافة تفاصيلها، نتيجة لتعزيز عامل الثقة في العناصر المخلصة من أعضاء اللجنة دون النظر الى كتلهم أو إنتماءاتهم.  حيث أعطى ذلك لأعضاء اللجنة ثقة أكبر ومساحة مناورة مهمة مكنتهم من الإستناد عليها في الرد أو الموافقة على ما قدمته الحكومة من معلومات وتفاصيل.

ومنذ البدء كان واضحا لجميع أعضاء اللجنة الأساليب المراوغة التي إتبعتها  الحكومة ممثلة في وزير ماليتها السابق وطاقمه التنفيذي، حيث تعمدت الحكومة تقديم مشروع الموازنة العامة من خلال  أوراق معدودة لا تتجاوز الست صفحات، وعلى شكل خطوط عامة، لا تتضمن أية تفاصيل يمكن الاعتداد بها، وكانت الحكومة بذلك تحاول جاهدة اللعب على الوقت وإضاعة وقت اللجنة من خلال إجتماعات مطولة تقدم في نهايتها بعض التفاصيل الهامشية، فيما تمتنع عن تقديم التفاصيل الهامة والأساسية مثل تكلفة إنتاج برميل النفط والعوائد الحقيقية لمبيعات النفط، وإستثمارات الدولة والإحتياطي العام وحجم المعونات الخارجية الحقيقي، وموازنات الدفاع والأمن الحقيقية، والكلفة الحقيقية لتشغيل مصفاة النفط في بابكو، علاوة على موازنة الديوان الملكي وموازنة المشاريع العامة.  وعلى الرغم من  تقتير وتلكؤ الحكومة في تقديم تلك المعلومات والأرقام المهمة، وعدم تقديمها لأية مبررات موضوعية حول تضخم موازنات بعينها كالدفاع والداخلية والحرس الوطني وجهاز الأمن الوطني وموازنة ديوان سمو رئيس الوزراء والديوان الملكي، إلا أن كل ذلك قد شكل في حد ذاته تحديا من نوع آخر كان على اللجنة أن تتصدى له من خلال قلة من أعضاءها الذين  لحسن الحظ لم يواجهوا مقاومة تذكر في إقناع بقية زملاءهم الذين لم يولوا ملف الموازنة الإهتمام المطلوب الا بحسب بعض الملفات الداخلة فيه والمتعلقة بمصالح إنتخابية في معظمها، حيث فرضت تلك العناصر من أعضاء اللجنة بكفاءتها وإخلاصها وإصرارها ووطنيتها أمراً واقعاً على بقية أعضاء اللجنة ولاحقا على بقية الكتل وحتى على رئاسة المجلس ذاتها .

وحيث أن دراسة الموازنة العامة للدولة هي بمثابة الغوص في كافة تفاصيل إدارة الشؤون المالية والاقتصادية ودراسة مشاريع وتوجهات الدولة التنموية المختلفة على مختلف الصعد الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية والصحية والرياضية وغيرها، وبالتالي فهي عمليا إسهام حقيقي في رسم سياسة وتوجهات الدولة على مدى عامين هما مدة الفترة الزمنية للموازنة العامة المراد إقرارها، من خلال ما يفترض أن تقدمه الحكومة من برامج ومشاريع وتوجهات تنموية مرفقة مع مشروع الموازنة العامة ذاته.  فقد ساعدنا ذلك الفهم المبكر نسبيا لأهمية ما أصبح حينها بين أيدينا من برامج ومشاريع وأرقام على مقارعة الحجة بالحجة والأرقام بالأرقام ومواجهة تخلف الأداء الحكومي في تنفيذ المشاريع باقتراحات جديدة على مستوى الإدارة العامة للدولة مثل سياسات التوظيف ومشاريع الخصخصة والأجور ومشاريع الكهرباء والماء والسياسات التعليمية والصحية والإسكانية والتوظيف وغيرها، وبالنسبة لغالبية أعضاء لجنة الشؤون المالية والإقتصادية في الفصل التشريعي الأول، ربما كان آخر شيء يهمنا هو إقرار الموازنة في الفترة المحددة التي تريدها الحكومة، نظرا لما لدينا من مبررات موضوعية للرد على من سيحاولون الضغط باتجاه إقراراها بأي ثمن، وهي في حدود الستة أسابيع منذ تسلمها رسميا من قبل الحكومة، حيث كنا  باستمرار نمتلك المبرر الموضوعي على نقص ما قدم لنا من معلومات وخلوها من التفاصيل المطلوبة، بل أننا أعلنَا ذلك للمجلس من خلال الجلسات العامة، والأهم منه أننا أحطنا الرأي العام علما منذ اليوم الأول بأن الموازنة لن تقر ولن تمرر طالما لم تقدم الحكومة المعلومات والأرقام الوافية المطلوبة، وهكذا كان، فبدلاً من الفترة المحددة لمناقشة وإقرار الموازنة وهي في حدود ستة أسابيع فاننا إستغرقنا  قرابة الستة أشهر، وكانت الحكومة حينها تحاول أن تؤلب الرأي العام على أعضاء اللجنة متهمة إياهم بالتسبب في تأخير زيادة الموظفين في القطاع العام وإضطرار الحكومة كما كانت تعلن دوما لصرف رواتب موظفيها مستخدمة آلية واحد على اثنتي عشر، كما أصطلح على تسميتها، والتسبب في تخلف الدولة عن البدء في مشاريع حيوية للناس من جسور ومحطات كهرباء وبيوت إسكان وإستملاك أراضي لإستصلاحها، أو بناء مدارس وعيادات صحية ومطارات وموانئ وغيرها، وكان ذلك مفهوما وواضحا لنا في لجنة الشؤون المالية، وفي الحقيقية لم نكن نجد ضغوطا تذكر من بقية الكتل، نظرا لما فرضته اللجنة من أمر واقع كان من الصعب تجاوزه حتى من قبل رئاسة المجلس عوضاً عن الكتل. 

                                    
وعلى الرغم من محاولات الحكومة المستمرة في عمل إختراقات من خلال بعض الكتل والأعضاء ذوي التوجهات المعروفة بممالأتها، إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئا تحت إصرار المخلصين من أعضاء اللجنة على إستكمال مهمتهم بمسؤولية وضمير وطني، وقد كان سندنا الحقيقي  في أداء مهمتنا تلك بصورة مسئولة، هو تفهم الشارع بشكل عام لدورنا وأهميته والذي لعب فيه تواصلنا اليومي مع الناس والجمعيات السياسية وبقية مؤسسات المجتمع المدني والمجالس ووسائل الإعلام المختلفة دورا مهما، بدلا من الانزواء في نقاشاتنا اليومية مع الدولة داخل الغرف المغلقة، وكانت  تلك أسباب جوهرية لفشل كل محاولات الإختراق التي قامت بها الحكومة وبعض النواب.  وكان واضحا لنا من خلال مناقشة موازنتي 2005-2006 وكذلك 2007-2008 تعمد الحكومة وبسبق إصرار على تقديم معلومات مغلوطة أو ناقصة مستغلين عدم وجود طواقم إسناد من إستشاريين وغيرهم لعمل اللجنة، حيث ظلت رئاسة المجلس ترفض وباستمرار مناشداتنا نحن العاملين من أعضاء اللجنة بتوفير ولو مستشار مالي واحد للجنة متذرعة بعدم وجود موازنات لذلك، فيما كنا نشاهد بأم أعيننا كيف كانت توزع أموال طائلة من موازنة مجلس النواب على بعض الأسفار والمؤتمرات التي لا طائل من وراءها سوى رفاهية البعض للأسف، لكنني أقول لكم أن ذلك كان عامل تحد آخر، جعلنا نلغي ذواتنا ونعمل حتى ساعات متأخرة من الليل والنهار في سبيل إخراج الموازنة العامة  بالصورة الملائمة وبحسب مجهوداتنا وقدراتنا الفردية وبما يرضي ضميرنا الوطني قبل كل شيء آخر.

ومما يمكن أن يساق هنا على كيفية تلاعب الحكومة في أرقام الموازنة بشكل متعسف وغير مسؤول، يمكننا أن نعطي هنا أكثر من مثال على ذلك ، فقد قدرت الحكومة تكلفة إنتاج البرميل  في الموازنتين الأخيرتين على أنها 3 دولارات (ثلاثة دولارات للبرميل) ولكن اللجنة وبعد صراع طويل ومرير مع وزير المالية السابق وطاقمه وبعد تواصل قمنا به مع بعض أعضاء مجلس الأمة الكويتي وتواصل مع المعنيين في كل  من المملكة العربية السعودية والإمارات، إستطعنا أن نفرض على الحكومة التكلفة الحقيقية وهي 1,97دولار فقط، والفرق هنا كبير كما تلاحظون ويقدر بمئات الملايين بحسب حجم المبيعات اليومي والسنوي أيضاً، وتلك قضية يمكن الرجوع إليها من خلال أرشيف اللجنة ووسائل الأعلام التي تفاعلت معها بشكل كبير وأسهمت هي والرأي العام في إسنادنا لأننا كنا في حال تواصل وتواجد دائم معهم كما ذكرت سلفا.  وبالفعل اضطرت الحكومة لإزاحة وزير المالية السابق على خلفية قضيتين أساسيتين أثارهما بقوة مجلس النواب آنذاك وهما قضية تعذر تمرير الموازنة العامة نتيجة الخلاف  مع الحكومة حول تفاصيل تتعلق بالإيرادات النفطية وغير النفطية وإستثمارات الدولة في “البا” وتحديد تكلفة إنتاج برميل النفط والحسابات الأخرى، بالإضافة الى  قضية إفلاس هيئتي التأمينات والتقاعد وما شابها من تجاوزات رصدتها لجنة التحقيق البرلمانية  في تقريرها الضخم والذي ناقشته البحرين بأسرها آنذاك.   واللافت هنا أنه بعد إزاحة الوزير السابق وخلال الجلسة التالية مباشرة مع الوزير الجديد  وهو الوزير الحالي، فان نفس الطاقم الذي كان يبرر مراوغات وإلتفافات الوزير السابق جاء مع الوزير الجديد ليوافق دون عناء هذه  المرة على رأي لجنة الشؤون المالية والاقتصادية، بل ويبرر ما أتفق الوزير الجديد بشأنه مع أعضاء اللجنة، الذي هو بالمناسبة رأي  الإدارة التنفيذية في بابكو  فيما يتعلق  بتقدير تكلفة وإنتاج برميل النفط وحجم المبيعات والإيرادات النفطية الحقيقية. 

   فقد كان هناك تفاوت واضح  كشفته اللجنة بين حسابات مبيعات النفط وإيراداته المدونة في حسابات وسجلات شركة النفط بابكو وبين حسابات  عائدات النفط لدى مصرف البحرين المركزي، من دون أن تقدم الحكومة ما يشفع لها من مبررات حتى تكشفت للجنة  الكثير من حقائق  عوائد النفط المغيبة والتي على أثرها استعادة اللجنة أكثر من مليار دولار في موازنة 2005-2006 وكذلك  هو الحال في موازنة 2007-  2008 لأن الحكومة عاودت ذات السيناريو مرة أخرى، وبالمناسبة مصادر أعضاء اللجنة المالية تتحدث مجددا عن تغييب رقم مماثل من إيرادات الدولة في الموازنة الحالية.

تلك كانت رؤية سريعة  لابد منها لكي نستطيع أن نفهم سويا كيفية تعاطي الحكومة والذي أرى أنه لازال مستمرا حتى اليوم من خلال متابعاتنا لتعاطي الحكومة مع ملف الموازنة العامة للدولة، وهو أهم ملف كما ذكرت  يمكن أن يناقشه أي برلمان في العالم، وعلينا  بعد ذلك أن نقيس ونمحص كيفية تعاملها مع مختلف الملفات الأساسية والتي لا تقل  أهمية بأية حال عن الموازنة العامة للدولة.
نخلص من كل ذلك إلى أن  دراسة الموازنة العامة للدولة لا يجب أن يجر فيها مجلس النواب ومن بعده المجتمع بأسره لنقاشات تحصر في مجرد إقرار أرقام صماء، كعدم إقرار علاوة الغلاء أو حتى مجرد إقرار موازنة  المدينة الشمالية على سبيل المثال من عدمه، أو زيادة ميزانية مشروع البيوت الآيلة للسقوط الذي أستهلك كثيرا أو زيادة إيرادات شكة ممتلكات أو غيرها،  كما يحصل الآن من حوارات مضيَعة للوقت في أغلبها، فذلك بالضبط ما تريده الحكومة لتخلي مسؤوليتها من مناقشة أكثر عمقا نحو توجهات الدولة الحقيقية على مستوى التعليم والإسكان والصحة وتقليص النفقات الأمنية المتضخمة، دون  مبرر وغيرها من  المشاريع الخدماتية، حيث يجب أن تنصب مناقشة ومواجهة و توجيه سياسات الدولة تلك بما هو أشمل من ذلك بكثير دون إجتزاء، حتى يكون  إقرار الموازنة العامة هو عبارة عن إقرار لخطة الدولة التنموية الشاملة فيما يتعلق بقضايا أساسية وإسترتيجية، وتوجه الدولة بالإتفاق مع المجلس الوطني من خلال ذلك لتحسين الأوضاع المعيشية والإقتصادية للمواطنين، وكذلك التعاطي مع عوامل زيادة التضخم  والغلاء والتوظيف، وخططها على مدار فترة وعمر الموازنة العامة على الأقل لحلحلة ملفات كبرى كالإسكان والتعليم والصحة والكيفية التي تقترحها لمعالجة وتغطية العجز في الموازنة كما فعلت المملكة العربية السعودية مؤخرا وبشكل واضح ومعلن على لسان وزير ماليتها مؤخرا، وكذلك هو الحال مع سياساتها وخططها لتنويع مصادر الدخل ومعالجة  بقية الأوضاع الرديفة للأوضاع الإقتصادية والمعيشية كانقطاعات الكهرباء المزمنة، والإسكان والبنية التحتية، وكذلك رؤية الدولة في قدرة الإقتصاد الوطني على توفير فرص عمل متزايدة للأعداد الضخمة المنتظرة من الخريجين القادمين لسوق العمل، والزيادة المضطردة في السكان والتي تزيدها تعقيدا سياسات التجنيس المنهجية التي لا يبدو أن الدولة بعازمة على وقفها قريبا، وكذلك مراجعة وتمحيص توجهات الدولة الإقتصادية  لتحفيز الإقتصاد، وهنا مثلا لا يكفي أن تقدم الدولة ما أسمته بالرؤية الأقتصادية الأستراتيجية حتى 2030 والتي  طرحت منذ أقل من شهرين، ليتضح بعدها بأسابيع قليلة، وذلك من خلال تصريحات المسئولين المتكررة حول ضرورة إعادة دراستها مجددا، وضرورة التأكد من  أنها – أي الرؤية الاقتصادية-  ستكون  قادرة على التفعيل على الأرض.   ثم أن الأمر الأكثر إثارة هنا هو كيف يستقيم أن تضع الدولة رؤية اقتصادية إستراتيجية طموحة يمكنها أن تتعاطى مع وضع التنمية الشاملة في الوطن في ظل تقديم الدولة بالتوازي معها لموازنة تاريخية ومتضخمة جدا للدفاع والأمن، هذا القطاع  غير المنتج إقتصاديا والمتضخم حد التخمة، لتبلغ موازنة الدفاع والأمن (المعلنة) لعامي 2009-2010 أكثر من مليار دينار بحريني لوحدها والتي بلغت نسبتها أكثر من 24% من حجم الموازنة العامة للدولة  وبزيادة بلغت أكثر من 21% عن موازنة 2007-2008 بعد أن أضيفت اليها  موازنة هيئة أمنية مستحدثة هي الأمانة العامة لمجلس الدفاع الأعلى، كدليل آخر على التضخم الإداري غير المبرر! وبطبيعة الحال تبقى موازنة التسليح مستثناة من ذلك،وعلينا أن نتخيل حجم موازنة الدفاع والأمن الحقيقية بعد ذلك! في حين ترد وزارة المالية حول عدم تضمينها لعلاوة الغلاء بأنها تشكل عبئا  مستمرا على الموازنة العامة للدولة! وترفض الرد بالإيجاب حول المطلب الشعبي الملح برصد ميزانية للشروع في بناء المشروع الإسكاني الإسترتيجي في المدينة الشمالية! أو حتى بزيادة ميزانية البيوت الآيلة للسقوط.

وقد تابعنا على صفحات الجرائد الأسبوع الفائت طلباً من الحكومة للنواب بتوفير  ما مقداره 5 ملايين دينار سنويا لإستكمال التزاماتها خلال العامين القادمين بالنسبة لمشروع البيوت الآيلة للسقوط، كما تابعنا أيضا التوجه الآخر الأكثر مفارقة والذي سربته الحكومة لوسائل الإعلام المحلية كنوع من جس النبض وذلك بعد إجتماع الحكومة منذ أسبوعين، بالدعوة لشد الأحزمة وإلغاء الترقيات ووقف الساعات الإضافية، كدليل آخر على الكيفية التي تنوي الحكومة معالجة العجز المتوقع في الموازنة العامة، وهنا يسهل الربط بكل يسر بين طلب الحكومة هذا وعدم تقديم الحكومة لمبررات موضوعية مقبولة لزيادة الإنفاق العسكري والأمني والذي جله يذهب للباب الأول من المصروفات المتكررة التي فاقت نسبة الزيادة فيه عن ال 50% كما هو الحال في ميزانيتي الحرس الوطني وجهاز الأمن الوطني ، وكذلك  نحتاج لمبررات حول زيادة ميزانية ديوان سمو رئيس الوزراء بمقدار 937و9 مليون دينار عن سابقتها في 2007-2008 أضف إلى ذلك أننا لا نعلم حتى اللحظة كم هو حجم وزيادة موازنة الديوان الملكي، وفي المقابل أيضا نشهد تناقضا فاضحا لا تخفيه الأرقام المقدمة في مشروع الموازنة العامة وهو أن الحكومة وهي تطرح رؤيتها الاقتصادية حتى العام 2030 تحاول أن تركز على التعليم كمحور أساسي للنهوض بمخرجات التعليم فانها لم تعكس ذلك حقيقة في ما رصدته من موازنة  لمشاريع وزارة التربية والتعليم والتي على العكس من ذلك  قد قلصت بأكثر من 17% لتبلغ 13,715 مليون دينار بعد أن كانت 16,557 مليون دينار، خاصة بعد الإعلان الرسمي مؤخرا عن أن تدني جودة التعليم بلغت أكثر من 70% ، كما خفضت هي الأخرى موازنة المشروعات الصحية التي تعاني من نقص حاد  أصلا بنسبة تزيد على  28% لتبلغ 34,440 مليون دينار للعامين 2009-2010 بعد أن كانت 48,387 مليون دينار في الموازنة الماضية، على الرغم من الإحساس العام بنقص الخدمات وتراجعها كثيرا عن ما كانت عليه سابقا.
أمر آخر يمكننا أن نتساءل حوله، وهو المتعلق بتوجهات الدولة القادمة وخلال العامين القادمين على وجه التحديد فيما يتعلق بمشروع الخصخصة، حيث لم تعلن الحكومة حتى هذه اللحظة عن نيتها التوقف عن المضي قدما في ذلك، بالرغم من فشل تلك السياسات واليقين بعدم جدواها، كما لم تسأل اللجنة المالية الحكومة عن توجهاتها في هذا المجال، ولم نقرأ ما يفيد بمواجهة اللجنة المالية والإقتصادية للحكومة حول سياساتها المالية وإلإقتصادية القادمة في ظل ما يجري حولنا من تحولات مالية وإقتصادية جارفة لن توفر أحدا.

كما أن علينا أن نعيد النظر في كيفية التعايش مجددا مع عجز الموازنة القادم للعامين القادمين الذي قدَرته الحكومة اعتمادا على السعر المتفائل  لبرميل النفط والذي اقترحته في حدود 60 دولارا للبرميل والذي سيبلغ أكثر من 429,483,000 مليون دينار، وبعد أن تم أمس تغيير السعر المقترح إلى 40 دولار يتوقع أن يبلغ العجز في الموازنة أكثر من 700 مليون، في حين ترد  الحكومة بصعوبة الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية جراء الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية الراهنة، فما هي الخيارات المتاحة أمامنا إذاً؟! فهل الاقتراض وزيادة الدين العام مجددا بعد تخفيضه هي الخيار الأوحد؟، مع العلم أن خدمة الدين العام لوحدها تبلغ الآن  فقط 50 مليون دينارا عن كل عام ولا تجد الحكومة ضررا فيما لو تمت زيادة ذلك بما يبلغ 20 مليون دينار أخرى! أم هل علينا أن نقبل بما يسوقه لنا أيضا بعض الأخوة النواب بالقبول بتمرير الموازنة كما هي نزولا كما يقولون عند سرعة التعاطي مع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية؟! وكذلك اقتراحهم بتمرير ميزانية الديوان الملكي عن طريق مرسوم ملكي، لنفتح بذلك مخارج أمام الحكومة يصعب مستقبلا إغلاقها وهي التي لا تحتاج إلى مخارج أصلا .

تلك إذا كانت مداخل حيوية لا سبيل أمامنا كمعارضة إلا أن نلج منها لإحداث مناقشات موضوعية مستفيضة ومسئولة حول رؤيتنا كجمعيات سياسية لمناقشات الموازنة العامة للدولة، بدلا من القبول بإقرار الموازنة بشكل متسرع، والدعوة من خلالها لإجراء إصلاحات هيكلية في بنية الموازنة العامة للدولة وتنويع مصادر الدخل، والدعوة لزيادة الإنفاق وعدم تقليص موازنة المشروعات إلى الحد الأدنى، والعمل على تحفيز الاقتصاد الوطني وضخ مزيد من السيولة والحيوية فيه اعتمادا على ما توفر من فوائض مالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير منذ العام 2002 تحديدا وكذلك الدعوة الصريحة والمباشرة لتقليص  التضخم في الإنفاق على الأمن والدفاع من دون مبررات موضوعية، وتحويل تلك الأموال إلى المشاريع الخدمية من تعليم وصحة وإسكان وبنية تحتية، والتي بدونها ستكون أعباء وتبعات إقرار الموازنة كما تريدها الحكومة وجزء غير يسير من الكتل والنواب  مكلفة وبعيدة المدى على الناس والاقتصاد  الوطني برمته لسنوات قادمة.   

 

اقرأ المزيد

هل يمكن ان تلعب لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية دوراً في درء الطائفية؟


تتشكل لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية المختلفة في الفكر والأيديولوجية والبرامج، فهي عبارة عن طيف متعدد من جمعيات علمانية يسارية وقومية، وإسلامية: شيعية وسنية وقومية، يجمع بينها أنها مسجلة تحت مظلة قانون الجمعيات الذي تشرف على تطبيقه وزارة العدل.
ويجمع بين هذه الجمعيات هم واحد، يتمثل في الانتماء لهذه الأرض الطيبة التي انبتت رجالاً ونساء طيبين قدموا ولازالوا يقدمون الكثير من اجل أن ينعم أبناء هذا الوطن بالأمن والسلام والرخاء، ولكي تنطبق عليه مقولة أهل دلمون الأرض التي لا يمرض فيها إنسان ولا ينعق غراب.
ومنذ بدايات تشكيل هذه الجمعيات بعد ميثاق العمل الوطني ، والجميع في هذه الجمعيات السياسية يحاولون إيجاد الحد الأدنى من التنسيق معاً، من خلال تطوير وتقدم المشروع الإصلاحي ولتعميق النهج الديمقراطي والمشاركة في القرار السياسي ووضع مطالب الجمعيات وهموم أعضائها المشتركة على طاولة البحث والنقاش بينها وبين الحكومة من جهة، وبين بعضها البعض من جهة أخرى.
وقد نظمت اللجنة مؤتمرين على المستوى الوطني، كان الهدف الرئيسي منهما درء مخاطر الطائفية، من خلال تعاون الجميع وتفهمهم للخطر والدمار الذي يمكن أن تُحدثه هذه الآفة، إذا تمكنت في المملكة، .بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للجميع فى هذه الجمعيات لتبادل الآراء حول الوضع السياسي ومشاكل الناس، وتطوير وتعميق المشروع الإصلاحي.
والسؤال الملح والعاجل إلى هذه الجمعيات السياسية وضمن المساحة الصغيرة من التنسيق والعلاقة بينها هو: هل نجحت او يمكن ان تنجح فى لجم وتوقيف طوفان غول الطائفية الذي يهدد سفينة البلاد بالتدمير والغرق، وهى تبحر متعثرة في وسط بحر الخليج العربي نحو شاطئ الديمقراطية والتعايش بين مكوناتها ؟
إن اللجنة تختزن الكثير من الطاقات والإمكانيات تمكنها من أن تلعب دوراً كبيراً، وتقوم بالعديد من المبادرات والبرامج والأعمال لمحاربة الطائفية والقضاء عليها، قبل أن تشتعل الفتنة وتحرق الأخضر واليابس وتدمر الجميع بدون استثناء.
بوسع هذه اللجنة وبتنوعها وانتشار الجمعيات المنضوية تحتها أن تقوم بدور هام وكبير في محاربة الطائفية وتعميق الديمقراطية وذلك للأسباب التالية:
1.    تنوع واتساع عدد الجمعيات والتيارات التي تمثلها.
2.    جميع هذه الجمعيات السياسية وبدون استثناء تدعوا إلى الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية.
3.    نجاح هذه الجمعيات في إقامة مشاريع مشتركة  على مستوى الوطن سواء من خلال لجنة التنسيق او من خلال التعاون بين هذه الجمعيات خارج إطار اللجنة.
4.    نجاح أجدادنا وآبائنا في السابق بتجريد الطائفية من أسلحتها والقضاء عليها في مهدها.
وأخيرا يمكن للحكومة وأصحاب رؤوس الأموال لعب دور قوي في إذابة الفوارق الطائفية وتوحيد جهود كل أبناء الوطن للبناء، من خلال إقامة المشاريع التي يمكن أن تستوعب الكثير من أبناء وبنات هذا الوطن ومن جميع الطوائف المكونة لهذا النسيج الاجتماعي، مما يساعد على التقارب بين أفراد الشعب،ويزيد اللحمة بين أبنائه.
ولنا في بعض المفاصل الاقتصادية الكبرى في البلاد  امثل ألبا وبابكو وغيرها نموذجاً،  ففي مثل هذه المشاريع تتوحد المصالح والأهداف وتدوب الضغائن والأحقاد، وينتفي ويتلاشى دور الطائفيين ومفرقي أبناء الوطن الواحد  الذين لا ينتعشون إلا في البيئات غير الصحية المملوءة بجراثيم الفرقة.
 
خاص بنشرة التقدمي

اقرأ المزيد

من وحي حفل المنبر الديمقراطي التقدمي في افتتاح مقره


سعدت مثل الكثيرين بحضوري الحفل الوطني الجميل الذي أقامه المنبر الديمقراطي التقدمي بمناسبة افتتاح مقره في مدينة عيسى.. كيف لنا لا نسعد ونفرح ونحن نرى ثمرة صغيرة من ثمرات نضالات شعبنا الكثيرة وتضحياته الجمة في سبيل الحصول على وطن حرٍ وشعب سعيد، وطنٍ لا يرجف فيه الأمل، قد تحققت بشكل لايزال صغيراً ونسبياً. شعب قدم الغالي والرخيص، شعب ناضل نضالاً معبداً بدم الشهداء وآهات المعذبين والمنفيين وآلام الأمهات، هذا الشعب يستحق بجدارة أن يعيش سعيداً في وطنٍ حرٍ لا يرجف فيه الأمل .
نعم من حقنا أن نفرح ونسعد بعد أن استطعنا أن نعمل وأن ننتمي إلى أحزابنا في العلن، وأن تكون لنا مقراتنا الحزبية، وأدبياتنا التي تعبر عن وجهات نظرنا في قضايا الوطن والأمة والعالم، بعد أن كان حيازة كتاب ما يخالف رأي السلطة وتوجهاتها وسيلة إثبات للزج بنا في السجون من دون محاكمة .
بالتأكيد فرحتنا لازالت ناقصة كثيراً وكثيراً، ومع ذلك علينا أن نجد لأنفسنا مساحة من الفرح والتفاؤل نبني عليها المزيد من المكاسب لتزداد مساحة الفرح .
تبادر إلى نفسي الكثير من التساؤلات وأنا أرى الجمع الحاضر من شخصيات وطنية وفعاليات مجتمعية وكوادر مهنية، جمعاً يعبر عن مكونات وطنية لم تتلوث بالطائفية .
سألت نفسي: أين يكمن العيب في مكونات هذا التيار حالياً؟ أجبت نفسي إنه غياب البرنامج الذي يوحد مكونات هذا التيار، البرنامج الذي يُفعل مخزونات قوى هذا التيار، البرنامج الذي يُفعل مكونات هذا الوطن، كذلك شيوع السلبية التي لبست الكثير من الشخصيات وسكوتها عن التعبير بوضوح وصراحة عما يجري في هذا الوطن من قضايا تمس أمنه وتفتت مكوناته حاضراً ومستقبلاً. ليس المطلوب أن نتظاهر ونعتصم في كل يوم أو لحظة في الشارع، ‘مع الإقرار بحق التظاهر والاعتصام’، حتى نقول إننا موجودون، بالتأكيد يحق لنا أن ندعي بأننا نمثل قطاعاً واسعاً من الناس ليس مستعداً للنزول إلى الشارع والاصطدام بقوات وزارة الداخلية، ليس مستعداً للتظاهر والاعتصام خلف يافطات وشعارات غير واقعية لا تؤدي إلى حلول، بل هي تؤدي إلى مزيد من التفكك، وتضع المطالبات المحقة لشعبنا في إطار الطائفة وليس في إطار الوطن .
نعتقد أن العيب يكمن في عدم استطاعة تنظيمات هذا التيار من جمعيات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني في استباط البرامج والسبل التي باستطاعتها استنهاض مكونات هذا التيار، وبما يجعل السلطة والقوى الطائفية التي استطاعت أن تسيطر على الشارع أن تحسب لوجودنا ورأينا ألف حساب، أما في حالة ضعفنا القائمة الآن لن يكون هناك من يحسبنا رقماً صعباً سواء السلطة أو الآخر .
إن أجمل ما في هذا التيار هو النوعية المتميزة لشخوصه وعدم استطاعة أحد أياً كان أن يتهمه ويوصمه بتهمة الطائفية أو بالعمالة للأجنبي أو بوجود أجندة خاصة وسرية لديه. على هذه الشخوص بمختلف تنوعاتها أن تعلن مواقفها بكل وضوح وجرأة في القضايا الوطنية الكبرى التي إن ظلت معلقة أو موضع تجاذب بين القوى الطائفية مع بعضها البعض، أو موضع تجاذب بين بعضها وبين السلطة، سيقودنا ذلك وسيقود الوطن إلى مزالق خطيرة لا تحمد عقباها .
ونحن في قاعة مقر المنبر الديمقراطي التقدمي التفت إلي الأخ أحمد العبيدلي ليبادرني بسؤال: هل تتوقع منهم أن يتوحدوا؟ قلت له أتمنى أن يعتبر الإخوة في جمعية وعد أن مقر التقدمي في مدينة عيسى هو مقر لهم يمكنهم أن يمارسوا أنشطة لهم من خلاله، وأن يعتبر الإخوة في التقدمي مقري وعد في أم الحصم وفي عراد مقرين لهم، يمكنهم كذلك هم أن يمارسوا أنشطة لهم من خلالهما. نتمنى للتنظيمين وأنصارهما على وجه الخصوص ولعموم قوى التيار الوطني الديمقراطي من تنظيمات وشخصيات أن تتلمس طريقها الصحيح. مبروك للمنبر الديمقراطي التقدمي قيادة وأعضاء وأنصاراً افتتاح مقرهم آملين أن تكون للآمال موضعاً في هذا المقر .
معذرة إن خرجت عن موضوع هذا المقال، وألتفت قليلاً إلى غزة وشعبها .
ونحن نودع عام ألفين وثمانية تعلن إسرائيل من قلب العاصمة المصرية وعلى لسان السيدة الشقراء، وبعد اجتماعها مع فخامة الرئيس حسني مبارك، أنها وحكومتها ستبيد سلطة حماس من غزة وستغير الواقع القائم الآن فيها. في هذه اللحظات تبدأ عصابات الإرهاب في تل أبيب جريمة حرب ضد شعبنا في غزة، يتحمل مسؤوليتها الحكام العرب بالدرجة الأولى قبل أن نحمل العدو هذه المسؤولية، نتهم النظام العربي الرسمي بمباركته، بل وبمشاركته في هذا العدوان، مثلما باركوا وشاركوا في حرب تموز/ يوليو 2006 ضد المقاومة اللبنانية .
هذه هي الدولة التي وعدهم بها فخامة الرئيس الأميركي بوش في اجتماع أنابوليس، التي ستولد في نهاية عام ألفين وثمانية !
نعتقد أن هذا العدوان هو هدية من المجرم الإسرائيلي للسيد الرئيس أبومازن بمناسبة أعياد الميلاد، حيث إن هذا المجرم بعدوانه هذا يريد أن يعيد غزة للسيد الرئيس .
نتوقع مساندة الأنظمة العربية لشعبنا في غزة وأن تصدر بياناتها التي تُحمل سلطة حماس المسؤولية عما يجري من عدوان إسرائيلي، حيث إن في عرفها أن إسرائيل تدافع عن أمنها وأمن مواطنيها .
 
الوقت 29 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

طأفنة العمل الوطني


مع انحسار وضعف قوى التيار الوطني الديمقراطي في ساحة العمل الوطني وصعود قوى تيارات الإسلام السياسي برزت إلى السطح معضلة وطنية كبرى نحتاج الوقوف عندها ملياً؛ لدراستها وتحديد الموقف أو المواقف تجاهها بكل وضوح وجرأة؛ حتى نستطيع إعادة الوعي للعمل الوطني الجامع الذي هو وحده الذي يستطيع تحقيق النجاحات وتوحيد الناس تجاه الأهداف الوطنية والمطلبية.
إن المعضلة التي أعنيها هي ‘طأفنة’ العمل الوطني، وتحويل مطالب وطموحات مجموع الناس إلى مطالب وطموحات تخص طائفة بعينها دون سواها. حقاً إنه أمر مؤسف ومحبط أن نجد مطالب الناس وقضاياهم التي تهم المواطنين جميعاً مهما اختلف مذهبهم وعرقهم ووضعهم الاجتماعي محصورة إلى حدٍ بعيد في المنتمين إلى أبناء طائفة من دون أخرى. يجب ألا نخشى من طرح الأسئلة بكل صراحة ووضوح: لماذا أصبح العمل الوطني مغلوباً بالانتماء للطائفة ومحصوراً في إطارها؟ ما هي سبل الخروج من هذا الوضع المخجل والمخزي؟ لماذا اختلف وضعنا الوطني الجامع الذي ساد في الخمسينات والستينات والسبعينات عما هو سائد الآن؟ مَنْ هي الجهة المنوط بها القيام بالدور الوطني الذي يوحِّد الناس؟
تيار الإسلام السياسي الشيعي لا يستطيع الخروج من شارع طائفته إلى شارع الوطن، وبالمقابل، فإن تيار الإسلام السياسي السني لا يستطيع هو كذلك الخروج من شارع طائفته إلى شارع الوطن. إن التيار الوحيد القادر على اختراق الحواجز المصطنعة والعمل في شارع الوطن الواحد هو التيار الوطني الديمقراطي. يبدو أنه أصبح هناك نوع من التدني في الوعي الوطني وفي فهم مصالح المواطنين لدى الكثيرين، فالبعض ينظر إلى قضايا الوطن من منظور مصالح تخص الطائفة حسب اعتقاد خاطئ لدى هذا الصنف من الناس.
هل التمييز متعلق بطائفة دون أخرى؟ هل التجنيس غير المقبول والضار بالوطن وبمكوناته أمر يخص طائفة دون أخرى؟ هل الفساد الإداري والمالي وهدر المال العام ضار بطائفة دون أخرى؟ هل الفقر مقتصر على أبناء طائفة دون أخرى؟ هل تدني الخدمات الإسكانية والصحية والتعليمية تخص طائفة دون غيرها؟
هل قضايانا القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والاحتلال الأميركي للعراق وما يحدث في السودان والصومال قضايا تهم طائفة دون الأخرى؟
عندما تناقش المواطن العادي تجد في الغالب الأعم أن هناك إجماعاً على أن هذه القضايا هي قضايا وطنية بامتياز تخص مجموع الناس، لكن الغائب الأكبر هو وحدة هذا المجموع خلف برنامج وطني يحقق طموحاتهم. إن من أوضح ما يشير إلى طأفنة العمل الوطني هو وجود المرجعيات الدينية التي تعمل كمرجعيات سياسية لبعض الجمعيات السياسية، والتي شئنا أم أبينا هي مرجعيات تخص طائفة، بل وأحياناً تخص جزءاً من الطائفة. فهل تستطيع القوى السياسية الخاضعة لهذه المرجعيات والمحكومة بها أن تعمل بعيداً عن هذه المرجعيات؟ الواقع يقول خلاف ذلك، بل حتى بعض العناصر النشطة سياسياً التي تعمل خارج إطار هذه المرجعيات لا تتجرأ أن تقف قبالة هذه المرجعيات، فهي تبدو ضعيفة وقليلة الحيلة، حيث إن إضفاء صفة القدسية على رؤية المرجعية الدينية في العمل السياسي يحول دون توجيه النقد إليها من مخالفيها داخل الصف نفسه، فانتقاد هذه المرجعيات يأتي من الخارج الذي لا يضفي هذه القدسية عليها في العمل السياسي.
إننا نجد حتى بعض الفاعلين سياسياً من تيار الإسلام السياسي الشيعي ممن هم خارج إطار الجمعيات السياسية، هناك من يضفي عليهم شيئاً من القدسية، حيث ألفاظ مثل صاحب الفضيلة تسبق أسماءهم، وإذا ما أتينا إلى أقوالهم وأحاديثهم وخطاباتهم نجد فيها ما يوحي إلى عدم قدرتهم على اختراق حاجز الطائفة. ما لم نخرج من ‘طأفنة’ العمل الوطني أو تقليص هذه العباءة على الأقل، فإن تحقيق الطموحات المشروعة لعموم الناس ستظل تعاني من الفشل، وفي أحسن الأحوال ستكون النجاحات محدودة.


الوقت 15 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

هل هو أوان منتدى الدول المصدرة للغاز؟


كتب غي تشازان في صحيفة The Wall Street Journal الأميركية في 24 ديسمبر/ كانون الاول متهكما على إعلان المجتمعين في موسكو عن قيام منتدى البلدان المصدرة للغاز. وقال إن هذا الحدث لو تم قبل عام لكان قد أفزع الغرب حقا. أما في الوقت الحالي حيث انحدار أسعار النفط والغاز فإن قيام هذه المنظمة لا يفزع أحدا. أما صحيفة ‘ذي فاينشال تايمز’ البريطانية فقد علقت في نفس اليوم وبتهكم أيضا، لكن على الدول المستهلكة قائلة إن البلدان المصدرة للغاز الطبيعي قدمت هدية عيد الميلاد التي كان الطرف الآخر ينتظرها بقلق، مشيرة إلى أنه في اليوم السابق، 23 ديسمبر/ كانون الأول، حولت البلدان المصدرة هذا الجمع إلى جهاز رسمي بسكرتارية دائمة. ترى أي التهكمين في محله؟
قبيل هذا الإعلان ناقش وزراء الطاقة في 14 بلدا يحوي باطن أراضيها 73% من احتياطات الغاز العالمية وتضخ إلى أسواق العالم 42% من هذا الوقود الأزرق، ناقشوا مستقبل سوق الغاز العالمية. وفي يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول ناقش الوزراء وأقروا في فندق ‘برزدنت هوتيل’ في موسكو وأقروا النظام الداخلي لمنتدى البلدان المصدرة للغاز، وأعلنوا قيامه بعضوية كل من إيران، الجزائر، بروناي، بوليفا، أندونيسيا، ليبيا، ماليزيا، روسيا، نيجيريا، الإمارات العربية المتحدة، قطر، مصر، ترينيداد وتوباغو وفنزويلا. والآن أصبح يضم أيضا كلا من غينيا الاستوائية ، كما تتمتع النرويج وكازاخستان بعضوية مراقبة.
حتى الآن لا يزال ‘منتدى البلدان المصدرة للغاز’ الذي التئم شمله العام 2001 وأعيد تشكيله الأسبوع الماضي لم يتحول بعد إلى كارتيل بمعنى الكلمة. وبرغم تهكم الصحيفة الأميركية إلا أن بعض المحللين الذين لفت نظرهم غياب أذربيجان عن هذا الاجتماع بأن صراعا استراتيجيا عالميا يدور حول الغاز وتشكل أذربيجان محوره. فهي ليست بلدا مصدرا للغاز فقط، لكنها أيضا تشكل المنفذ الطبيعي الوحيد ‘للوقود الأزرق’ القادم من آسيا: تركمانستان، كازاخستان وأوزبكستان التي تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية. ولا شك أن الغرب سيحتاج إلى هذا البديل ‘الآسيوي’ في أقرب وقت. وإذا ما ربط هذا اللقاء بسياق التصاعد الملحوظ للسياسة الروسية الهجومية في كل الاتجاهات، فإن محللين أوربيين يرون أن موسكو التي استخدمت ‘سلاح الغاز’ بفاعلية ضد أوكرانيا وجورجيا، لا يستبعدون أن تقع بلدانهم أيضا في مرمى هذا السلاح. وبالتالي لا يستبعدون أن يقويّ الغرب من علاقاته مع بلدان استراتيجية على هذا الصعيد مثل أذربيجان. ويبدو أن كلا المسعيين ‘أوبك’ الغازية وإعادة رسم العلاقات الإستراتيجية الدولية حول الغاز قد بدءا منذ زمن ليس بقصير. فإذا كانت روسيا تراقب بعصبية بالغة تحركات أميركا في فضائها السوفييتي السابق فإنها أصبحت بعد حرب جورجيا والأزمة مع أوكرانيا تنظر تتفاعل بذات الحساسية مع استراتيجية الاتحاد الأوربي في المنطقة. وتعتبر ذلك إضافة إلى الاستراتيجية الأميركية الخاصة تجاه صادرات الغاز من هذه المنطقة. ومن هنا كان تحذير رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بأن كثيرين يقاربون مفهوم ‘أمن الطاقة’ بشكل غير صحيح منطلقين من مصالحهم الخاصة بشكل استثنائي.
إذن فالذي يبدو هو أنه إذا كانت أوبك قد قضت مضاجع الدول المستهلكة للطاقة على مدى الخمسين عاما الماضية فإن علائم اتحاد شبيه بأوبك تلوح في سوق الغاز العالمية.
وطبيعي أنه لا يمكن تشبيه أوبك النفطية بالغازية إلى حد التطابق. فلأسباب تتعلق بطبيعة السلعتين ونقلهما وتخزينهما تختلف طبيعة التعاملات في أسواق كل منهما. فاتفاقات بيع الغاز تتم لأمد طويل جدا، تصل إلى العام 2030 كما هو الحال في اتفاقات مستوردي الغاز الألمان مع المصدرين الروس. ولحد الآن لا تتم المتاجرة بالغاز في البورصات على أساس العرض والطلب. ولا تتاح للمنتج إمكانيات تغيير اتجاهات تصدير الغاز بسهولة اعتمادا على حالة السوق.
وربما اعتمادا على مثل هذه المعطيات اعتبر بعض المحللين أن المفاجئات التي يحملها كارتل الغاز ليست بالكبيرة. وهم ربما فعلوا ذلك عن وعي بهدف بث الوهن في صفوف منتجي الغاز وتيئيسهم من جدوى منظمة كهذه. غير أن الحقيقة تختلف عن ذلك بشكل جذري، وهي ترتبط بمستقبل تطورات سوق الغاز العالمية. وقد جاء توقيت الإعلان ليس عفويا البتة وذا دلالة عميقة لا تبعث السرور في نفس الباحثين عن غاز رخيص دائما. ففي العام القادم بالذات يتوقع أن يتم في نهاية المطاف إنشاء سوق يمكن أن تتشكل فيه أسعار الغاز بحرية في ألمانيا. ويتواكب هذا التطور مع الخط الصعودي في تزايد اعتماد البلدان الأوربية على الغاز في ميزانها الطافي لترتفع حصة الغاز فيه من الربع في الوقت الحالي لتشكل الثلث العام .2020 كما أن عملية نقل الغاز ستشهد تحولا نوعيا هي الأخرى. فالآمال معلقة على الغاز المضغوط الذي يمكن نقله بواسطة الناقلات بحرا. وبذلك تتاح إمكانيات أفضل للبائع لكي يبحث عن المشتري الذي يعرض سعرا أعلى.
ومن خصائص سوق الغاز أنه من الناحية الجيولوجية يتمتع بأفضل المقدمات لقيام كارتل على غرار أوبك. فالثلاثي ‘الغازي’ روسيا، إيران وقطر يحوي 55% من احتيطات الغاز العالمية. ولهذا فإن اتفاق عدد قليل من الدول يمكن يشكل سلطة مهيمنة في سوق الغاز، تتمتع بتأثير أشبه بأوبك.
وأخيرا، هناك بلدان تواجه صعوبات في تصريف غازها في الأسواق الأميركية والآسيوية والأوروبية. من هذه البلدان نيجيريا، فنزويلا وقطر. ومع النمو المطرد لسوق الغاز العالمية فإن من مصلحة هذه البلدان تنسيق وتحديد الإنتاج مع الدول المنتجة الأخرى بهدف زيادة المداخيل. وبرغم تردي الأسعار في سوق الطاقة العالمية حاليا بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن الطلب عليها لا بد وأن يعاود الارتفاع من جديد. وعليه فقد جاء رد فعل مستهلكي الغاز على قيام هذه المنظمة قلقا. وعندما أعلن رئيس الوزراء الروسي أن عهد الغاز الرخيص انتهى، فإنهم يأخذون هذا ‘التهديد’ بكل جدية.
 
الوقت 29 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

تهاوي‮ ‬الوهم


لم يكن الكثيرون يتوقعون أن أزمةً ماليةً عالميةً بهذا الحجم الذي نراه كانت تختمر في القاع، ورغم أن نذرها بدأت في الظهور لكن لم يكن بوسع الجميع أن يتوقع أن تكون لهذه الأزمة كل هذه الآثار المدمرة.
وقعت يدي على دراسةٍ وضعها باحث صيني وهو اليوم أستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية، يشخص فيها أبعاد هذه الأزمة وتداعياتها الخطرة، وهي تداعيات لم نلمس منها بعد سوى أول الغيث. أهمية هذه الدراسة أنها وضعت قبل أن تظهر أعراض الأزمة، وما قاله هذا الباحث، ويُدعى مينك لي، يندرج في إطار النبوءات، ولكنها النبوءات المؤصلة علمياً، لأنها انطلقت من مقدمات صحيحة وأفضت إلى نتائج صائبة. لقد جربت الحكومات المعنية حل مشكلة الديون الضخمة للقطاع العام والخاص بزيادة التضخم، أي بمعنى التمويل بطبع النقود، لكن إستراتيجية التضخم سوف تلقي الاقتصاد العولمي في دورات جهنمية من التضخم المفرط ومن معدلات فائدة صاروخية، وبرأي الباحث فإذا لم يكن هناك سوى هذا الاختيار، فعلى الطبقات الحاكمة المختلفة أن تستبعده. وبين عدة احتمالات رجح الباحث حدوث الكساد العالمي وانتشار الإفلاس الذي سيؤدي إلى إعدام الكثير من الديون الخاصة، وهو ما كان يحدث في كل الأزمات التاريخية السابقة للرأسمالية. لأسبابٍ متأصلة في رأس المال الاحتكاري الذي أصبح أكثر قوةً، فان فترة الركود هذه لن تكون عابرة وستمتد إلى فترة طويلة. هذا يقود إلى الاستنتاج بالإفلاس الأيديولوجي والعملي للنيوليبرالية كنهج اقتصادي قام على إطلاق حرية السوق إلى أقصاها وتحريرها من كل الضوابط. واقترن ذلك باستهداف مصالح الفئات الكادحة وتدمير مواقع الطبقة الوسطى ومصادرة الضمانات الاجتماعية في مجال التعليم والطبابة وكافة أشكال الرعاية التي فُرضت على الحكومات وأصحاب الأعمال نتيجة نضالات مديدة خاضتها القوى الديمقراطية والحركات النقابية في البلدان الغربية، وعلى خُطاها سارت شعوب عديدة في البلدان النامية. إفلاس مشروع النيوليبرالية يعني في صورة من الصور فشل المشروع الأمريكي بإقامة إمبراطورية عولمية معتمدة على القوة العسكرية، أُريد لها أن تكون وسيلة لتعظيم الثروات الأمريكية، بإحكام الهيمنة على مقدرات بلدان غنية، وهو ما وجد تجلياً ساطعاً له في غزو واحتلال العراق. وهذا الفشل لا يتجلى فقط في الإخفاقات الميدانية، وإنما في تهاوي الأسس الأيديولوجية و”الأخلاقية” التي سعت الولايات المتحدة لإضفائها على نهجها العدواني، حين اصطدمت بنفور الشعوب والثقافات الأخرى من محاولة التسيد الأمريكي على العالم. ويمكن لنا أن نجد في اعترافات وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بمشاعر المرارة والإهانة التي يشعر بها العرب بسبب سياسات بلادها إزاء العالم العربي مظهراً لهذا التهاوي. فلم تُظهر الولايات المتحدة ما يجدر بدولة عظمى أن تتحلى به من مراعاة للخصائص الثقافية في عالم قائم على التنوع والتعدد، لا يمكن تكييفه قسراً على نمط واحد تريد فرضه على الجميع بالقوة الغاشمة.



الأيام 29 ديسمبر 2008
 

اقرأ المزيد

سيبقى الأمل


انتهى عام هجري وميلادي، فقدنا فيها أحبة، وشيعناهم إلى مثواهم الأخير، بعد عطاء ونضال، كانوا يتلألؤن في سماء الوطن، ومنهم من ننتظره حتى يعود، فقد أقعده المرض عن الاستمرار عن العطاء.
انتهى العام، ولا نعلم، إن كان القادم أجمل، ام سيكون أسوء، ومع ذلك فإن الأمل سيبقى بان نعيش الأجمل، والأفضل والأرقى.
سيبقى الأمل، ان نعيش في أمن واستقرار، أن تنتهي كل الملفات العالقة التي قد تكون سببا في بعض الإجرام.
سيبقى الأمل، في ان لا نرى تلك الطوابير على أبواب المجالس البلدية “يترجون” من لا حيلة لهم، في ان يسارعوا في ترميم بيوتهم الآيلة للسقوط. سيبقى الأمل، في ان يكون عاماً للوحدة الوطنية، عاماً للوئام، لا تفرقنا المذاهب ولا العصبيات، ولا تثيرنا خطابات لا هم لها إلا الفتن.
سيبقى الأمل، أن نرى المرأة مصونة حقوقها، مرفوعة عنها التحفظات التي تميّز ضدها. سيبقى الأمل العربي، في ان نرى فلسطين موحدة فصائلها، لا يراق فيها دم، وترجع غزة موحدة مع الضفة في حكم متوافق عليه، دون انقلابات مصلحية. سيبقى الأمل ان يندمل جرح العراق، ويعود صوته الذي بح من كثر الألم والصراخ الى سابق عهده.
تلك هي آمال وتطلعات، ننظر اليها، لعل وعسى ان تتحقق إحداها، فقد سئمنا من طول الانتظار، والمآسي تتقاذفنا من كل حدب وصوب.
ولكن هو الأمل حيث يتعلق القلب به من أجل أن نخفف عنه مرارة ما يعانيه على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
 
الأيام 29 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

صرح التقدمي

 

 


هذه الوقفة نكرسها لمناسبة افتتاح المقر الجديد للمنبر الديمقراطي التقدمي.. هذا الصرح المجيد الذي يشكل إحدى ثمرات العمل الوطني المخلص والدؤوب لكافة أبناء وبنات المنبر وأحبائه ومريديه وأنصاره من كافة أطياف أبناء شعبنا الطيبين الذين لم يبخلوا على دعم الحملة الرائعة التي جردها أبناء المنبر من أجل استقطاب دعم هؤلاء جميعا لتمويل شراء مقر دائم للمنبر يليق بتاريخه المجيد الذي سطر مسيرته رجال رائعون لن تُنسى ولن تُمحى مآثرهم من ذاكرة الوطن، الشهداء منهم والأحياء، أمد الله في أعمارهم، وعذرا لحجب الاسماء والالقاب اعتبارا بمقتضيات المساواة.

ولذلك ليس لأحد، مهما علا شأنه، منة على المنبر لا في الأول ولا في الآخر، لا الآن ولا في المستقبل. فبيت المنبريين التقدميين هو من بناة أفكار وسواعد وعرق أبنائه ومناصريه ومحبيه من أخيار هذه الأرض الطيبة، وهو، لذلك أيضا، المكان والملاذ الطبيعي لكل الوطنيين الشرفاء على اختلاف اطيافهم في هذا الوطن، يستوي في ذلك الجميع دون تمييز بمن في ذلك العاتبون الناقدون الأحباء.

فالمنبر الديمقراطي التقدمي الذي ورث التاريخ النضالي لجبهة التحرير الوطني البحرانية، سيبقى واحةً لكل الوطنيين الغيارى على مصلحة الوطن وشعبه الأبي، وسيظل وفيا لمبادئه في الذود عن سيادته وتمظهراتها المختلفة والوقوف بالمرصاد ضد كافة أنواع الانتهاكات والتعديات السلطوية والفئوية النافذة لحقوق الانسان البحريني ولمكتسباته السياسية والاجتماعية ومقدَّراته الاقتصادية.

فتحية نزفها إلى كافة أبناء وبنات المنبر على انجاز هذا الصرح الوطني وتحية لكل من أسهم في تحويل هذا الحلم إلى حقيقة.              

اقرأ المزيد