المنشور

نتائج متناقضة

لم تعبر بعض مجتمعات الخليج برزخ التحولات البطيء والطويل الذي‮ ‬عبرته المجتمعات الأخرى،‮ ‬وإنما قفزت قفزة سريعة واحدة من حال إلى حال،‮ ‬هكذا دون مقدمات ودون تهيؤات‮. ‬ والفارق واضح بين التحولات البطيئة،‮ ‬التي‮ ‬تتراكم طبقة فوق طبقة،‮ ‬فتجعل الانتقالات سلسة أو مفهومة ومبررة،‮ ‬وبين القفزة الطارئة التي‮ ‬وجدنا أنفسنا في‮ ‬خضم نتائجها العاصفة سلوكيا وقيميا واجتماعيا‮ ‬،‮ ‬فأصبحنا بما‮ ‬يشبه دوار الرأس أو الصدمة التي‮ ‬تصيب إنسانا انتقل من مجتمع ألفه إلى مجتمع آخر جديد علينا كلية‮.‬ ليس في‮ ‬هذا التشبيه أي‮ ‬تعسف،‮ ‬فصورة المدينة الخليجية انقلبت رأسا على عقب،‮ ‬ولم‮ ‬يبق من الرموز التي‮ ‬تذكر بالماضي‮ ‬سوى القليل أو النادر،‮ ‬فالأجيال الجديدة من أبناء هذه البلدان تعيش،‮ ‬بالمعنى الحرفي‮ ‬للكلمة،‮ ‬في‮ ‬مدنٍ‮ ‬جديدة لا تشبه في‮ ‬شيء تلك المدن‮ »‬أو حتى القرى«التي‮ ‬عرفها آباؤهم وأجدادهم‮.‬ ‮ ‬هنا،‮ ‬إذاً،‮ ‬يبرز التفاوت العميق بين الأجيال الجديدة والأجيال الأسبق،‮ ‬هذا التفاوت الذي‮ ‬يكاد‮ ‬يشبه القطيعة النفسية والسلوكية والثقافية،‮ ‬ويبدو إننا سنحتاج إلى وقتٍ‮ ‬قد‮ ‬يطول،‮ ‬حتى نصل إلى حالة من التوازن‮.‬ ‮ ‬كانت صورة المجتمع الخليجي‮ ‬التقليدية أكثر طبيعية وعفوية وتلقائية،‮ ‬رغم ما كان‮ ‬يسم العيش وقتذاك من شظف وصعوبة‮. ‬وكان الإنسان الكادح‮: ‬بحاراً‮ ‬كان أو حرفياً‮ ‬أو مُزارعاً،‮ ‬متساوقا مع بيئته ومفرداتها‮. ‬ فأهل البحر كانوا على معرفةٍ‮ ‬بطوالع النجوم وأماكنها ومواقيت ظهورها،‮ ‬وبمواسم الرياح وتواريخها على وجه الدقة،‮ ‬وعلامات هذه المواسم،‮ ‬وما‮ ‬يسبقها وما‮ ‬يليها،‮ ‬وأهل الزراعة أدرى بمواعيد المطر ومواسم الزرع وأسماء الرياح ومواقيت هبوبها،‮ ‬وكان المعماري‮ ‬المحلي‮ ‬ابن بيئته في‮ ‬اختياره للمواد المناسبة لهذه البيئة في‮ ‬تشييد البيوت والمعالم المعمارية المختلفة،‮ ‬وما‮ ‬ينطبق على هؤلاء‮ ‬ينطبق على من ندعوهم بالحرفيين من نجارين وحدادين و»قلافين‮« ‬وسواهم‮.‬ ليس من العدل بطبيعة الحال أن نقلل أو ننظر بازدراء لحجم التحولات التي‮ ‬شهدتها مجتمعات الخليج بعد تدفق الثروات،‮ ‬خاصةً‮ ‬وانه جرى تشييد بنيةٍ‮ ‬تحتيةٍ‮ ‬متطورة قائمة على أحدث المعايير والوسائل وتضاهي‮ ‬مثيلاتها في‮ ‬أكثر البلدان تقدماً‮. ‬ لكن الهوة بين هذه النهضة وبين التحول الاجتماعي‮  ‬الثقافي‮ ‬التراكمي‮ ‬ما زالت شاسعة،‮ ‬كأن ذلك ضريبة التحول المفاجئ الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن في‮ ‬الحسبان،‮ ‬نتاج أن المجتمعات الخليجية وجدت نفسها في‮ ‬أتون مركب عالمي‮ ‬من العلاقات وأنساق القيم والثقافة التي‮ ‬تفرض نفسها فرضاً،‮ ‬وكان أن أثرت علينا بهذا الشكل الواضح،‮ ‬لأننا في‮ ‬فترة تحول وحراك في‮ ‬كل المجالات،‮ ‬وما لم‮ ‬يجرِ‮ ‬الالتفات الجدي‮ ‬إلى النتائج المتناقضة لذلك،‮ ‬فان الرموز والتعابير الثقافية المحلية مهددة بالسحق والضياع‮.‬ جيل اليوم في‮ ‬هذه المجتمعات الخليجية هو نتاج هذه التحولات العاصفة،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬في‮ ‬جانب كبير منها،‮ ‬خارجةٌ‮ ‬عن السيطرة،‮ ‬ومن الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يحمل كل صفات فترة التحول والحراك،‮ ‬بما فيها من قلق وعدم ثبات‮.‬ ‮ ‬وحري‮ ‬بنا أن نتفهم أن حاجات هذا الجيل للتوازن النفسي‮ ‬والثقافي‮ ‬مسؤولية اجتماعية‮  ‬تربوية‮  ‬ثقافية كبيرة،‮ ‬بحاجة إلى تخطيطٍ‮ ‬واع مسؤول وبعيد المدى‮.‬

صحيفة الايام
14 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

قمم التعاون الخليجية‮.. ‬السهل الممتنع‮!! (٢ – ٢)‬

ان من بين الملفات الاخرى التي‮ ‬سترفع للقمة،‮ ‬بحسب تصريحات عبدالرحمن العطية الامين العام للمجلس،‮ ‬ملفات مثل ملف الاتحاد النقدي‮ ‬المنتظر اقراره ليكون نافذا بحلول العام ‮٠١٠٢‬،‮ ‬ومشروع مجلس النقد الخليجي‮ ‬وملف معالجة التركيبة السكانية وتنظيم سوق العمل الخليجي،‮ ‬وهي‮ ‬كما نلاحظ ملفات مهمة واساسية لكنها بكل تأكيد استهلكت كثيرا،‮ ‬جراء ما تم بشأنها من حديث متصل دون ان نرى فيها افقا‮ ‬يمكننا ان نستبشر من خلاله حلولا قريبة،‮ ‬والملاحظ في‮ ‬كل ما ذكره العطية حتى لحظة كتابة هذا المقال انه لا‮ ‬يوجد اي‮ ‬حديث عن السوق الخليجية المشتركة المنتظرة‮!‬
مرة اخرى نقول ان قمة التعاون ستعقد هذه المرة والعالم بالفعل‮ ‬يمور بتحولات متسارعة لم تقتصر كما كانت منذ بدء انطلاقتها على الجانب المالي‮ ‬فحسب،‮ ‬بل هي‮ ‬قد وصلت الى الحديث عن هوية الاقتصاد العالمي‮ ‬الذي‮ ‬نعرف جميعا موقعنا فيه،‮ ‬على الرغم من اننا نعيش فوق ثلث المخزون العالمي‮ ‬لاهم سلعتين اساسيتين فيه،‮ ‬الا وهما النفط والغاز،‮ ‬وقد اصبحت تلك الازمة الاقتصادية العالمية تضرب في‮ ‬كل اتجاه من دون رحمة او انتظار لاحد وسط ذهول وارتباك كل القيادات الاقتصادية في‮ ‬جميع انحاء العالم،‮ ‬إلا ان السمة الغالبة بالنسبة لسياساتنا الرسمية الخليجية،‮ ‬انه ليس هناك من خارطة طريق سالكة المعالم‮ ‬يمكننا الاهتداء بها،‮ ‬ولا وضوح او شفافية في‮ ‬التوجهات المختلفة،‮ ‬وان كل شيء على ما‮ ‬يرام وان اقتصاداتنا الخليجية في‮ ‬منأى الى حد كبير عن المخاطر التي‮ ‬ترعب الآخرين،‮ ‬متناسين ان النفط وهو سلعتنا الاقتصادية الاساسية الناضبة وعصب حياتنا الرئيس والتي‮ ‬تمثل ما‮ ‬يزيد على ‮٠٨‬٪‮ ‬من ايرادات موازناتنا العامة،‮ ‬قد فقدت حتى الآن اكثر من ‮٠٦‬٪‮ ‬من قيمتها خلال فترة لا تتعدى الشهر وهي‮ ‬مرشحة كذلك للتدهور لتصل ربما الى اقل من ‮٠٥ ‬دولارا للبرميل حسب توقعات افضل المتفائلين‮. ‬وبالرغم من ذلك‮ ‬يحزننا ان نقول اننا لم نقرأ جيدا بعد المشهد المرعب القادم وتداعياته القادمة،‮ ‬كما تفعل بقية دول العالم التي‮ ‬فرغت طواقمها وحكوماتها للعمل على ايجاد حلول ومخارج سريعة موضوعية تجنب شعوبها المزيد من الخسائر والانتكاسات،‮ ‬بالضبط كما تفعل اوروبا مجتمعة ومعها امريكا،‮ ‬وكما تفعل كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وبقية دول امريكا اللاتينية،‮ ‬حيث مازالت دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬تكتفي‮ ‬بتشكيل اللجان الوزارية المصغرة للتعاطي‮ ‬مع الازمة،‮ ‬دون ان نسمع حتى بمجرد ادراجها على جدول اعمال القمة القادمة كبند اساسي،‮ ‬يجب اعطاؤه ما‮ ‬يستحق من دراسة ومداولات وقرارات فاعلة‮. ‬
والصحيح من وجهة نظرنا المتواضعة هو ان تكون الازمة الاقتصادية العالمية هي‮ ‬العنوان الابرز لقمة التعاون،‮ ‬خاصة اذا علمنا ان مجموعة دول العشرين التي‮ ‬اجتمعت في‮ ‬واشنطن في‮ ‬الخامس عشر من نوفمبر الماضي،‮ ‬كانت قد تدارست بعمق هوية النظام الاقتصادي‮ ‬العالمي‮ ‬المنتظرة،‮ ‬ليس فقط لوضع حلول مؤقتة للتعاطي‮ ‬مع تداعيات الازمة القائمة،‮ ‬على ان تستكمل رؤى مختلف اعضائها بحلول ابريل من العام القادم‮. ‬حيث تجمع حتى اكبر الدول تمسكا بنظام السوق،‮ ‬على الحاجة لاعادة النظر في‮ ‬الكثير من تلك السياسات المتبعة التي‮ ‬ظلت على الدوام محل اطراء وترويج خلال العقود الاخيرة،‮ ‬حتى تيقنت بفشل وعجز النظام الاقتصادي‮ ‬القادم ذاته،‮ ‬والحاجة لتدخل الدولة واعادة النظر فيما تم العمل به حتى الآن من سياسات ومفاهيم،‮ ‬وهي‮ ‬ذات السياسات التي‮ ‬راهنت عليها الكثير من دولنا ونخبنا الاقتصادية حتى وقت قريب جدا،‮ ‬حيث فضلت اراحة عقلها واخلاء مسؤولياتها وعاشتها قدرا محتوما لا مفر منه،‮ ‬رغم انها كانت تعيش تازماته المتلاحقة‮ ‬يوما بعد آخر،‮ ‬لتستفيق على وقع انهياراته وبوادر سقوطه المدوي،‮ ‬والذي‮ ‬ابتدأت تداعياته على شكل كساد اقتصادي‮ ‬بدأ‮ ‬يعم العالم،‮ ‬وانهيارات كبرى لمؤسسات مالية وبنوك ومصارف وشركات تأمين عملاقة وضمور منتظر في‮ ‬قطاعات مالية وعقارية وانهيارات متوالية لقطاعات صناعية كبرى كتلك التي‮ ‬تضرب اكبر صانعي‮ ‬السيارات في‮ ‬العالم،‮ ‬وازمات عقارية بدأت بوادرها المخيفة في‮ ‬الظهور باشكال مختلفة،‮ ‬حتى اغلقت بسببها الكثير من اسواق المال الرئيسية والبورصات المختلفة تحسبا لما هو اسوأ،‮ ‬دون انتظار لما ستطرحه القيادات الساسية والاقتتصادية في‮ ‬امريكا والغرب تحديدا من حلول‮ ‬يتم العمل عليها حاليا‮.‬
وسط كل ما‮ ‬يجري‮ ‬من تحولات كبرى عالميا،‮ ‬لابد لقادة دول المجلس الا‮ ‬يسمحوا بان تكون قمة مسقط القادمة تقليدية في‮ ‬قراراتها ومداولاتها ونتائجها ايضا،‮ ‬بل عليهم ان‮ ‬يجعلوا منها نقطة تحول كبرى فارقة وايجابية بالطبع في‮ ‬مسيرة دول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬وذلك بالسعي‮ ‬حثيثا لتفعيل التعاون الحقيقي‮ ‬فيما بين دولهم من دون تردد او انتظار،‮ ‬وعدم القبول بترك مصير دولنا وشعوبنا تحت رحمة البيروقراطيات الرسمية ودوائرها،‮ ‬بكل ما‮ ‬يعتريها من عيوب ومصاعب وتعقيدات،‮ ‬والاستفادة من تلك التجارب العالمية القريبة او البعيدة عنا في‮ ‬كيفية ادارة مواردنا الناضبة والتخطيط لمستقبل المنطقة على مختلف الاصعدة،‮ ‬والارتقاء باقتصاداتنا واعادة النظر في‮ ‬طبيعة تحالفاتنا الاقتصادية والسياسية القادمة،‮ ‬والتفكير بعمق في‮ ‬نوعية التحولات وحجمها،‮ ‬وماهية اللاعبين الرئيسيين القادمين اليها،‮ ‬والبحث عن مصالحنا المشتركة كشعوب ودول‮ ‬يربطها المصير الواحد والهوية الجامعة وسط زحمة ما‮ ‬يجري‮ ‬من تحولات جارفة لن‮ ‬يكون فيها بالتأكيد موطئ قدم إلا لمن‮ ‬يمتلكون ارادة الحياة وعزيمة النهوض والتقدم والقدرة على التأثير في‮ ‬قرارات العالم المصيرية خلال العقدين القادمين على اقل تقدير من خلال ما سيتشكل من تجمعات سياسية واقتصادية اقليمية وعالمية كبرى هي‮ ‬طور التشكل على انقاض مخلفات النظام العالمي‮ ‬الحالي‮ ‬الذي‮ ‬هو نتاج حربين عالميتين مدمرتين وحرب باردة ولوا جميعا الى‮ ‬غير رجعة‮.‬

صحيفة الايام
14 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

مذبحة مومباي‮ ‬

استيقظت مدينة بومباي‮ ‬التجارية ولؤلؤة الشرق الآسيوي‮ ‬في‮ ‬التاج الهندي‮ ‬على أصوات انفجارات هنا وهناك،‮ ‬انفجارات توزعت بين محطات القطار وفندقين كان فندق تاج محل التاريخي‮ ‬احد الضحايا هذه المرة،‮ ‬بعد أن كان البرلمان الهندي‮ ‬قبل سنوات ضحية أخرى للهجمات الإرهابية‮. ‬بعد سقوط الضحايا بدمائهم المضرجة فزعت كل الهند والعالم اجمع نتيجة وجود أعداد كبيرة داخل الفندق،‮ ‬حيث بدأت بالتدريج تتساقط الجثث الواحدة تلو الأخرى بسبب هستيريا أولئك القتلة،‮ ‬والذين لم‮ ‬يعرفوا طريقا للتفاوض والمطالبة بحقوق معينة،‮ ‬وإنما جاؤوا من اجل الانتحار والانتقام تحت حجج واهية،‮ ‬فمن لا‮ ‬يمتلكون برنامجا سياسيا ومطالب مشروعة وحقوق واضحة لا‮ ‬يعرفون إلا الذبح ومن ثم الانتحار النهائي‮. ‬فكيف استطاعت تلك الزمرة المهووسة الدخول للحدود الهندية؟ وهل اختراق الأمن الهندي‮ ‬أمر صعب في‮ ‬ارض تمتد كالقارة الشاسعة مع خصم مجاور جغرافيا؟ لماذا باتت تلك المجزرة ذاكرة مكررة كأحداث ‮١١ ‬سبتمبر الأمريكية؟ وهل ستقود تلك المجزرة إلى أزمة سياسية بين الجاريتين باكستان والهند في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تشهد العلاقة دفئا جديدا؟ أسئلة‮ ‬يطرحها المختصون إلى جانب الشارع السياسي‮ ‬الهندي‮ ‬كان من أول نتائجها الاحتجاجية الداخلية هو استقالة وزير الداخلية الهندي‮ ‬الذي‮ ‬تنتظر موافقة رئيس الوزراء الهندي‮ ‬عليها واستقالة رئيس وزراء إقليم مهارشترا وعاصمته مومباي،‮ ‬فقد كان من سبب تلك الهجمة وخسارتها الفادحة تمكن الإرهابيين من اغتيال رئيس مكافحة الإرهاب في‮ ‬المدينة،‮ ‬إذ‮ ‬يبرهن ذلك الاختراق الحدودي‮ ‬المائي‮ ‬ضعف الرقابة الهندية على شريط حدودها في‮ ‬ظل أجواء إرهابية متوترة في‮ ‬مرحلة التفاوض على الأزمة الكشميرية والهدوء المتواصل مابين باكستان والهند على إبداء رغبتهما في‮ ‬حل الأزمة،‮ ‬مما أغاض كثيرا تنظيما متطرفا كتنظيم‮ »‬عسكر طيبة‮« ‬الشهير في‮ ‬أعماله الإرهابية والعنيفة والمتكررة ضد مواقع كثيرة في‮ ‬الهند‮. ‬هذا الاختراق ستنكشف تفاصيله بعد مدة فما أعلنت عنه قوى الأمن الهندية ليس إلا معلومات مستعجلة جاءت على لسان الشخص الوحيد الذي‮ ‬تم القبض عليه فيما مات الباقين وهرب الآخرين فتركوا آثاراً‮ ‬خلفهم‮ ‬يفتش عن أبعادها الأمن الهندي‮. ‬ونتيجة لهول الكارثة أطلق الإعلام الهندي‮ ‬والأصوات السياسية في‮ ‬الهند على الكارثة تشبيه ‮١١ ‬سبتمبر الهندي‮ ‬فبدت احتفالات وشموع ومسيرة الجثمان ومناخ الحزن تعبيرا حقيقيا للحزن الإنساني‮ ‬المشترك كلما وقعت مجزرة من هذا النوع،‮ ‬فخرجت كل مدينة بومباي‮ ‬عن بكرة أبيها لتشارك القتلى وعائلاتهم مصابهم الأليم‮. ‬
ليس المهم هنا إحصاء عدد الضحايا الهنود والأجانب فوقع الكارثة وطريقتها هي‮ ‬ما أثار المشاعر،‮ ‬فقد اعتادت الهند الكبيرة على سقوط ضحايا كثر لحوادث سكك القطار وفيضانات المواسم الاستوائية،‮ ‬ولكنها كثيرا ما مرت دون ضجيج كجزء من قدر الهند،‮ ‬ولكن بشاعة المأساة هي‮ ‬ما ترفضه ثقافتهم المتسامحة والبعيدة عن فلسفة العنف ونهجها‮. ‬
ما تشهده الهند من انفجارات صغيرة ومستمرة دليلا على إن الأمن الهندي‮ ‬غير قادر على ضبط تلك البلد الشبيه بقارة،‮ ‬خاصة وان ملامح الإرهابيين شبيهة بملامح وسحنات الهنود،‮ ‬كما إن اتساع الحدود بين الطرفين الهندي‮ ‬والباكستاني‮ ‬ووعورة الجبال وامتداد الشواطئ‮ ‬يجعل من الاختراق الحدودي‮ ‬أمرا سهلا‮. ‬فهل بإمكان وزير داخلية جديد القدرة على أداء مهماته بيسر؟ اعتقد إن ذلك أمرا صعبا إن لم‮ ‬يتعاون الطرفين الهندي‮ ‬والباكستاني‮ ‬معا في‮ ‬ملاحقة الإرهاب،‮ ‬خاصة وأن باكستان هي‮ ‬المصدر وبلد المنشأ وبحاجة الهند لقطع دابرهم من الأساس قبل وصولهم إلى تربته،‮ ‬وذلك لن‮ ‬يتحقق بجهود الأمن الهندي‮ ‬وحده‮. ‬لقد اعتادت الهند أن توجه أصابع الاتهام لكل حادث إرهابي‮ ‬إلى باكستان‮  ‬وبدلا من توجيه اللوم على تلك العناصر الإرهابية المتخفية،‮ ‬تسعى الصقور الهندية لقلب الطاولة وتعقيد تلك العلاقات الهندية‮ – ‬الباكستانية والتي‮ ‬تمر بمرحلة الاسترخاء والتعاون في‮ ‬مكافحة الإرهاب،‮ ‬فقد بات العدو المشترك للبلدين‮. ‬لا احد‮ ‬ينكر إن باكستان ونتيجة تتالي‮ ‬الحكومات مرت عليها أجهزة أمنية متورطة في‮ ‬تعاونها مع تلك الحركات المتشددة،‮ ‬غير إن ذلك لا‮ ‬يمنع من كونها مرفوضة من حكومة زارداري‮ ‬الجديدة،‮ ‬والتي‮ ‬سبق لبنظير بوتو إن وجهت لها أصابع الاتهام مباشرة،‮ ‬فكانت ضحية لها ولحركاتها العنيفة‮. ‬ولن تنفع تبادل الاتهامات في‮ ‬هذه الظروف الصعبة للبلدين،‮ ‬وإنما بالجلوس معاً‮ ‬وبكل هدوء للمسك بخيوط الجريمة قبل أن تفلت من‮ ‬يد الطرفين‮. ‬ولن تنفع عبارات أن المهاجمين لإحداث بومباي‮ ‬تدربوا في‮ ‬احد الجزر الباكستانية،‮ ‬فذلك لا‮ ‬يمنع أنها تدربت بعيدا عن عيون الأمن الباكستاني،‮ ‬مثلما بإمكان منظمات إرهابية أن تتدرب في‮ ‬الهند الشاسعة وتهاجم ولاية أسام وغيرها بقنابل قاتلة‮. ‬وإذا ما تبعت الخارجية الهندية سلوكا عاجلا‮ ‬يرضي‮ ‬في‮ ‬الأمد القريب‮ ‬غضب الشارع الهندي‮ ‬والاستقالات المتكررة،‮ ‬فان الحقيقة تؤكد إن الهدوء والعقلانية هي‮ ‬بعودة العلاقات الدافئة بين الشعبين والبلدين وهو الخيار الواقعي‮ ‬لمعالجة كل الأزمات العالقة ومن أهمها كشمير ومكافحة الإرهاب في‮ ‬الضفتين وملاحقتهما داخل أفغانستان بسبب التداخل والتعاون بين تلك الحركات المتشددة‮.‬

صحيفة الايام
14 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

دويلات ملغومة داخل الدولة العربية الحديثة


بدأت القصة – وهي فعلاً قصة تستحق أن تُروى وأن تُشبع نقاشاً وتحليلاً معمقاً ومفتوحاً لأنها تحولت إلى ظاهرة شائعة وعامة قبل أن يستفحل أمرها وتتحول إلى قضية كبرى شائكة باتت اليوم تتحكم في صياغة مستقبل العرب على أرض البسيطة ليس في هذا القرن وحسب وإنما في الزمن الذي سيليه.
إنها قضية صعود وازدهار ظاهرة التطرف الديني والعنف والإرهاب الموازيين لها في العالم العربي في السنوات التي تلت زلزال الثورة الإيرانية وتوابعه وارتداداته التي لم توفر بقعة عربية واحدة.
نقول إن القصة بدأت مع اعتماد الجماعات الإسلامية الأعمال الخيرية كإستراتيجية لبناء هياكلها التنظيمية وتوسيع نفوذها بالتمدد الجغرافي الداخلي، حيث تم التخفي وراء عشرات الواجهات الخيرية من صناديق وجمعيات وحملات وبرامج موسمية ودورية، لكنز ومراكمة رؤوس الأموال والثروات التي سيتم الاعتماد عليها لاحقاً لإطلاق المرحلة الثانية من إستراتيجية السيطرة على مفاتيح التطور والتقدم في المجتمعات العربية، وهي المرحلة الدعوية المتمثلة في استغلال كافة المنابر التي أتاحتها لها الحكومات للتمدد وإنجاز عملية التأسيس والتكوين واستقطاب الأنصار من جموع الدهماء اللاهثة أبداً واضطراراً وراء لقمة العيش.
ولأنها تنطلق من مدارس دينية (أيديولوجية) مختلفة، وبمحركات مصالح متباينة، وبعد أن ‘استتب’ لها الأمر، فإن هذه الجماعات الإسلامية راحت تتنافس بشراسة فيما بينها على بذر بذور ونشر رموز الدولة الدينية المفصلة على مقاسات كل منها، فكان لابد وأن يستدعي هذا التنافس والتكالب في تثبيت رايات كل منها على المواقع المتاحة والأخرى المتنازع عليها، تضاداً وتنازعاً مكشوفاً ومفضوحاً، استدعى، بدوره، في بعض الحالات المستعصية تدخلاً للدولة لحفظ الهيبة والنظام.
وهكذا وجدت مجتمعاتنا العربية نفسها وجهاً لوجه أمام حالة مستجدة تجمع في ثناياها العناصر الأساسية لعدم الاستقرار واللايقين المستقبلي.. مجتمعات ترى بأم أعينها كيف تتمترس أجزاء المجتمع الواحد في مواجهة بعضها بعضاً، وكيف يتنادى فرقاؤه المنقسمون ويتبارون على تكديس ‘البارود’، وكيف تتسابق الصقور هنا وهناك على الإيقاع بفرائسها، واصطيادها!
ومع ذلك لا تملك هذه المجتمعات التي أخذ منها التدجين مأخذه، أن ترد عنها كل تلك التربصات بالغة الأثر والخطر. فهي بعد طول هذه السنوات من التوطين (على نمط حياة محدد) والتنميط، ما عادت تجيد سوى وظيفة ‘المشي جنب الحيط’ والسعار الاستهلاكي (‘لفش الخلق’ ربما)، حتى تحول هذا الأخير إلى طقس كهنوتي هو الآخر قائم بذاته، فتساندت المقاربتان ببعضهما البعض واستأنس بهما الجميع (تأسياً ومواساة ربما) وبرفقتهما وصحبتهما حتى انكفأ (الجمع) فيما يشبه الصومعة التي لها قوانينها ‘الداخلية’ الخاصة التي تحكم إيقاع النمط الدائري للحياة، فيغدو الجميع تروساً مثلومة في آلة يتهددها الصدأ بفعل ‘عوامل التعرية’ والتقادم المُهْمَلْ.
وقد دشنت هذه ‘المرحلة’ من السنوات العجاف التي تلت الانكسارات الوطنية والقومية وفي مقدمها هزيمة يونيو (حزيران) ,1967 دخول المجتمعات العربية فترة من الكساد في الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي ‘تواطأت’ عدة عوامل لتمدد فاصله الزمني لسنا الآن في وارد تقليب صفحاتها، وإن اقتضى الأمر الإشارة سريعاً إلى حجم الضغوطات الهائلة التي مورست على أطر وفعاليات مشروع بناء الدولة العربية الحديثة من طرف أجهزة السلطة المتذبذبة بين خيارات التمدين والتديين، والانقلاب الذي أحدثته السياسات الاقتصادية المنفلتة العقال منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي على أنساق القيم المجتمعية وعلى الشخصية العربية ترتيباً.
فكان أن أصبحت الساحة العربية قفرة نسبيا على الأصعدة المنوه عنها آنفاً، إلا من تدافع الحركات الإسلامية من جميع الأجناس والأطياف، حيث صارت نهباً لها ولتكالباتها المحمومة للسيطرة على مجتمعاتها التي أضحت مكشوفة أمام اجتياحاتها ‘وغزواتها المظفرة’ والناجحة، حتى الآن، في قضم ما هو متاح لها قضمه من أجزاء متاحة لها عن قصد ومن دون قصد (نتيجة لشيخوخة وترهل المؤسسة ربما) بهدف إحكام السيطرة على مقدرات المجتمعات التي ما من شك أنها لم تعد تكترث بما يدور حولها من أحداث ومن صراع ديكة تُستخدم فيه أحدث أنواع أسلحة حروب البسوس العربية الجديدة المتجددة، وفي مقدمتها دعوات وأحكام التكفير والإقصاء وإصدار الفتاوى ذات النكهات العجيبة المختلفة، والتباري الأيديولوجي المذهبي على كسب معركة هوية الدولة الدينية (شكلاً ومضموناً) المستل برنامج إقامتها من الأجندات غير المعلنة، والتي يمكن مشاهدة وتلمس قسماتها وعلاماتها ورموزها في الشارع وفي مواقع العمل وفي الفضائيات والبرامج الإذاعية وفي الصحافة وأجهزة الميديا الحديثة من شبكة إنترنت وهواتف محمولة وغيرها.
والمفارقة أنه قبالة هذه الموجة من الغلو الديني المؤدلج سياسياً ومذهبياً وقبلياً، وغير المسبوق في التاريخ العربي الحديث، نجد في الجهة الأخرى جنوحاً متطرفاً نحو الابتذال والإسفاف الشنيع الذي صار يزاحم بعضه على فضائيات العرب سات والنايل سات بدفق منهمر من الوجبات السمجة المقدمة باسم الفن تارة، والتعارف تارة أخرى، والصحة والدجل تارة ثالثة، والتي لا يكاد سيلها ينقطع على مدار الساعة.
إن رأس المال الذي لا يوفر وسيلة أو حيلة في تسويق منتجاته في الجهتين، هنا تحت يافطة التدين والورع والتقوى، وهناك تحت يافطة الترفيه والتسلية بل وباسم الفن أيضاً!
وفي هذا الخضم المتلاطم من التشويش والتهويش والتشويه، تقف المجتمعات العربية حائرة، لا حول لها ولا قوة ، بشأن مستقبلها الذي يتجاذبه مشروع دولة مدنية حديثة من جهة ومشروع دولة دينية يشق طريقه بثبات، على غير العادة، بعد أن توارت إلى الخلف مشاريع النهضة الواحد تلو الآخر.    
 
الوطن 13 ديسمبر 2008
 

اقرأ المزيد

قـدر القلوب الكبيرة


حين يرد اسم ناظم حكمت ترد تركيا، إننا غالباً ما نسبق اسمه بالوصف التالي: الشاعر التركي.  ولكن ناظم حكمت أصبح تركياً منذ سنوات قليلة فقط.   قبل ذاك لم يكن الشاعر الذي مات في صقيع المنفى بعد سبعة عشر عاماً قضاها في سجون تركيا يحمل جنسية بلاده، حيث كانت السلطات قد أسقطتها عنه منذ حوالي نصف قرن.   ومضت عقود، تعاقبت فيها على تركيا حكومات مختلفة في ذلك التناوب الرتيب بين حكم العسكر وحكم المدنيين، لكن حكومة من هذه الحكومات لم تتذكر أن أهم شاعر في تركيا في القرن العشرين قد نزعت عنه جنسية وطنه.  منذ سنوات فقط تذكرت تركيا ذلك وقررت الاستجابة لمبادرة أطلقها مثقفون أتراك للمطالبة بإعادة الجنسية إلى الشاعر الذي عرفه العالم كله.
من يتجرأ على سجن الشاعر أو نفيه عن وطنه؟ ولكنهم يفعلون!..
في شغب الشاعر وجماله أمر مقلق، ورغم أن الشاعر يسكن عادة في المخيلة، لكن مخيلة الشاعر مقلقة لأنها تنشأ على ضفاف الحلم.  والحلم، كما الشعر، ممنوع حين يعم الظلام. في شهادة لزوجته، قالت إن ناظم حكمت كان يصحو كل صباح ليذهب راجلاً إلى مبنى البريد تسقطاً للرسائل المقبلة من الوطن البعيد تحمل أخباره.  وكانت تلك الأخبار زاداً وملهماً وباعثة على الدفء في برد الروح الذي يجتاح المنفى.  وفي صباح أحد أيام صيف عام 1963 خرج إلى مشواره اليومي نحو البريد، لكنه لم يعد.  لقد سقط ميتاً في الشارع وهو في طريقه متلهفاً إلى رسائل الوطن.   بين الشعراء وصندوق البريد علاقة قدرية.  أذكر تلك المشاهد العبرة في فيلم ” ساعي البريد ” الذي يروي جانباً من حياة الشاعر التشيلي بابلو نيرودا في المنفى بإيطاليا.  كان الشاب الغر ساعي البريد يحمل في كل صباح رزمة من الرسائل إلى الشاعر الكبير التي ترده من قرائه وقارئاته من الوطن البعيد حيث أدرك الشاب أن من يحمل إليه البريد يوميا هو شاعر كبير وحائز على نوبل أيضاً رجاه أن يعلمه الشعر، قال له أريد أن أصبح شاعراً، وحين سأله نيرودا عن السبب، أجاب لأنني أحب فتاة جميلة، وأريد أن أكتب لها شعراً، وكان رد نيرودا بسيطاً ومعبراً ومكثفاً: إن الحب هو قصيدة شعر. ونيرودا لم يمت في المنفى كناظم حكمت لقد عاد إلى وطنه وعاش ربيع الديمقراطية وخريفها أيضاً.  ذات صباح أطبق العسكر على السلطة وقتلوا الرئيس المنتخب صديق الشاعر سلفادور الليندي.  قدر القلوب الكبيرة أن يموت أصحابها كمداً في أوطانها أو في المنفى.   ليست السيرة الجليلة لكبار الشعراء العرب بمختلفة عن هذا السياق من المتنبي وأبي فراس الحمداني وصولاً إلى الجواهري الكبير. أوطان عاقة، جاحدة، تتنكر لأجمل وأعذب أبنائها، تقذف بهم في منافي الصقيع البعيدة هناك على آخر وأبعد الثرى يموتون ويدفنون.  وتمر سنوات طوال، عقود متوالية حتى تتذكر هذه الأوطان إن فلذات من كبدها مدفونة في البعيد.  وفيما تتنازع أمم وشعوب على أن تنسب هذا الشاعر أو ذاك إليها ، فإن أوطان الشرق تتفنن في إعلان البراءة من الشعر ومن الجمال، بأن تسقط حقوق المواطنة عن شعرائها ومثقفيها وتطوح بهم في المنافي.
 
الأيام 13 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

قانون العمل في‮ “‬التقدمي”


الحلقة الحوارية التي ينظمها المنبر “التقدمي” صباح اليوم السبت حول مشروع قانون العمل الذي لم يقر من قبل مجلس النواب بعد حلقة ذات علاقة بالمشكلات العمالية جراء الكثير من الثغرات في نصوص قانون العمل الحالي الذي لا يزال محط تساؤلات كثيرة.
إن أهمية هذه الفعالية تكمن في تلك الأوراق التي سيشارك بها مجلس التنمية الاقتصادي ووزارة العمل وغرفة صناعة وتجارة البحرين وقوى سياسية فاعلة “التقدمي – وعد” وكذلك الاتحاد النسائي والاتحاد العام  لنقابات عمال البحرين ولجنتي الخدمات في مجلسي النواب والشورى واللجان العمالية في الجمعيات السياسية.
ومثلما نأمل أن تتوصل هذه الحلقة إلى معالجات ضرورية لأهم القضايا العمالية المزمع طرحها كالتوظيف والفصل والعقود المؤقتة وحق الأحزاب وحقوق المرأة العاملة وساعات العمل والتعويض، نأمل كذلك أن يضع مجلس النواب هذه المرئيات وهذه المعالجات في رأس مهامه العاجلة.
وبالتالي من المفيد جداً أن نذكر السادة النواب إن مشروع قانون العمل الذي يجب أن يوفر كافة أشكال الحماية للعاملين في القطاع الخاص لابد من إقراره بشكل يتناسب وحجم المصالح العمالية الداعية للحفاظ على الأمن الوظيفي ضد الاستغلال ومختلف أشكال التعسف.
وما نعنيه هنا إن مشروع قانون العمل الذي طال انتظاره وهو بين أدراج النواب ينبغي أن يراعي مصالح أطراف الإنتاج الثلاثة وان يعزز الثقة المتبادلة بين هذه الأطراف وان يتجاوز كل النواقص والثغرات وخاصة فيما يتعلق بالفصل التعسفي وإعادة النظر في الأجور ولا سيما أن هناك توجهاً لتشكيل مجلس أعلى للأجور. والأمر الآخر النظر في قضايا المرأة العاملة لإزالة الحيف الواقع عليها في مواقع عمل كثيرة.
لا نريد الدخول في هذه المحاور الثلاثة” الفصل التعسفي، الاجور، المرأة العاملة “بالتفصيل ولكن وفي ضوء الوضع العمالي الحالي يمكننا القول: ان حالات الفصل التعسفي في تزايد مستمر والدليل على ذلك ما يجري في قطاعات البنوك والسفر والسياحة والاتصالات!!
وعلى صعيد الأجور ما يلفت النظر إننا إلى الآن لا توجد لدينا سياسة واضحة للأجور وكمثال على ذلك ما زالت الأجور تفتقد إلى تحديد الحد الأدنى ولهذا نقول: كم هو حجم المأساة التي تعيشها الغالبية من العاملين في القطاع الخاص نظراً لأجورهم المتدنية التي لا تزيد عن “200” دينار في حين أثبتت الدراسات الاقتصادية أن من يتقاضى “350” دينارا يعتبر على خط الفقر!! وعندما نتناول وضع المرأة العاملة فيكفينا أن ننظر إلى واقع هذه المرأة في رياض الأطفال، ومن اجل توضيح هذه القضية هل يعلم النواب أن رواتب العاملات في هذا القطاع لا تتجاوز “60” دينارا؟ والأمر الآخر الذي يجب أن تدركوه هو انه في هذا المجال “3000” امرأة عاملة إلى الآن لا يخضعن لقانون العمل ولا لقانون الخدمة المدنية أي لا تقاعد ولا تعويضات ولا ضمانات أخرى وبالتالي كيف نطالب بمشاركة المرأة التي هي نصف المجتمع في مشاريع التنمية في حين تستبعدها هذه التشريعات؟!
الخلاصة: حلقة “التقدمي” حلقة نطمح أن تنتهي بحملة من التصورات والتوصيات والمرئيات ولكن في الوقت ذاته نطمح أيضا من أعضاء المجلس الوطني أن يفعّلوا هذه التصورات والتوصيات عند إقرارهم لهذا القانون الذي آن الأوان ليخرج من أدراجهم للحفاظ على المكتسبات والحقوق العمالية وبالتالي متى سيناقش ويقر هذا المشروع سؤال لا يزال مطروحاً على البرلمان؟
 
الأيام 13 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

التقدمي يطرح رؤيته النقدية لمشروع قانون العمل

 

 

 

أقام المنبر الديمقراطي التقدمي حلقة حوارية حول مشروع قانون العمل الجديد المقدم للمجلس النيابي. وشارك في الورشة الحوارية التي أقيمت بمقر المنبر الديمقراطي التقدمي بمدينة عيسى صباح اليوم السبت الموافق الثالث عشر من ديسمبر 2008،عدد من المؤسسات الرسمية والأهلية وعدد من الجمعيات السياسية  بالإضافة إلى  رؤية المنبر الديمقراطي التقدمي التي قدمها المحامي حسن إسماعيل بعنوان قراءة نقدية في قانون العمل
 

taqadomi hassan.JPG




 


التقدمي يطرح رؤيته النقدية
 لمشروع قانون العمل  
 

 



أعداد اللجنتين العمالية والقانونية
في المنبر الديمقراطي التقدمي
مقدمة في الحلقة الحوارية
حول مشروع قانون العمل
13 ديسمبر 2008- مدنية عيسى
 

المقدمة : 

   تكتسب حقوق العمال أهمية بالغة على المستويين الدولي والوطني، ومصدر هذه الأهمية هو ما تلعبه هذه الشريحة الواسعة في المجتمع، من تأثير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها ركيزة من ركائز التنمية والبناء في المجتمع.
   ويعتبر قانون العمل من أهم القوانين الاجتماعية التي تنظم علاقات المجتمع وتمس حياة المواطنين ، و له انعكاساته  الاجتماعية والاقتصادية  على حياة الناس ، وهو من القوانين التي تعطي مؤشرات على الحكم الجيد من عدمه .
   ولقد كان للثورات المتعاقبة التي مر بها النشاط اًلإنساني عبر التاريخ أثرها المهم في تنظيم علاقات العمل ، وكان أبرزها الثورة الاشتراكية ونظريتها التي قدمت جهود فكرية وعملية وتطبيقات منها ما حقق النجاح ومنها ما أصابه الفشل دون أن يلغي دور وأثر هذه النظرية الإنسانية على حياة الطبقة العاملة .
    وفي ظل التوازن الذي ساد فترات الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي بين المعسكر الاشتراكي صدر الإعلان العالي لحقوق الإنسان عام 1948، وأعقبه اتفاقيتان تؤكدان على حقوق الإنسان بشكل تفصيلي وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية1966م .وتلعب منظمة العمل الدولية دوراً هاماً في مجال حماية الحقوق والحريات النقابية وحقوق العمال بشكل عام، ففي الدورة السادسة والثمانون لمؤتمر العمل الدولي الذي عقد في جنيف 18 يونيو 1998م اعتمد إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل أبرزها الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة.القضاء على جميع أشكال العمل الجبري أو الإلزامي و عمل الأطفال.والقضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة .
     وكان لنضال الطبقة العاملة البحرينية دورها البارز في تقنيين  علاقات العمل على المستوى الوطني ، فصدر اول قانون للعمل قي 1957 ، ثم قانون العمل المعمول به الصادر بموجب المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1976 .
 
   ونظرا لما تشهده البحرين  من تطورات سياسية اجتماعية واقتصادية  ، ونتيجة لانضمام البحرين لعدد من اتفاقيات العمل العربية والدولية بشأن علاقات العمل كان آخرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضمت إليه مملكة البحرين 16 يوليو 2007 وأصبح ساري المفعول من يوم الجمعة 20 يوليو 2007 وهو اليوم التالي لتاريخ نشره بموجب قانون في الجريدة الرسمية  ، فأنه أصبح من الضروري صدور قانون جديد يتلاءم مع هذه  المواثيق والاتفاقيات ، ويتماشى مع الاتجاهات الاقتصادية الجديدة ، ويتلافى سلبيات  قانون العمل المعمول به .
    ويعرض الآن مشروع قانون العمل الجديد على المجلسين لمناقشته وإقراره ، وقد أعدت مسودته لجنة ثلاثية مكونة من وزارة العمل ، وغرفة تجارة وصناعة البحرين ، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ، غير أن مجلس التنمية الاقتصادية  عدل وحذف من هذه المسودة أحكام مهمة سنشير إليها في معرض قراءتنا للقانون .
    وقد حدد البرنامج السياسي للمنبر الديمقراطي التقدمي من بين مهام واجبات الحركة النقابية ( العمل على إصدار قانون عمل جديد يتناسب والظروف الجديدة ).
   ومن هذا المنطلق تشكلت لجنة مشتركة من اللجنتين القانونية والعمالية في المنبر التقدمي لدراسة مشروع القانون الجديد لتقدميها للحركة العمالية وإلى المجلسين الشورى والنواب، وتتركز ملاحظات اللجنة المشتركة على ما يلي:
 
1- مشروع القانون يتجاهل النص
على نظام الحد الأدنى للأجور

 
    الأجر ركن أساسي في عقد العمل ، لا يقوم بغير توافره ، فهو محل الالتزام الرئيس لصاحب العمل ، وهو في نفس الوقت سبب التزامات العامل ، ومن هنا تأتي أهميته البالغة في عقد العمل ، إذ إنه من مستلزمات وجوده ، فيغيره لا يقوم عقد العمل أصلا ، ويقصد به  كل ما يحق للعامل أن يتقاضاه من صاحب العمل في مقابل عمله الذي التزم به بمقتضى العقد . وهو يشمل الأجر الأساسي مضافا إليه كل ما يتقاضاه عادة من علاوات ومكافآت أو عمولة وغيرها مما يعد من عناصر الأجر .
 
وينتاب مشروع قانون العمل الجديد في شأن الأجور المنصوص عليها في الباب السادس  عيوب عدة  أبرزها عدم النص بأي مفردة كانت للحد الأدنى للأجور ، بل حذف من القانون المعمول به ما كان قد نص عليه  في المادة 77   على أن (يكون تحديد الحد الأدنى للأجور بقرار من مجلس الوزراء وبناء على عرض وزير العمل والشئون الاجتماعية )
 
و قد كانت مسودة القانون الجديد المتوافق عليها من قبل اللجنة الثلاثية المكونة من وزارة العمل ، وغرفة تجارة وصناعة البحرين ، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ، قد نص في شان الحد الأدنى للأجور  على مادتين هما:
 
     المادة  50 ( يجب أن ألا يقل ما يحصل عليه العامل عن الحد الأدنى للأجور إذا تم الاتفاق على تحديد أجره بالإنتاج  أو بالقطعة أو بالعمولة ) .
 
   والمادة 62 ( يشكل مجلس للأجور برئاسة الوزير المختص ، يختص بوضع حد أدنى للأجور على المستوى الوطني مع الأخذ بالاعتبار نفقات المعيشة على نحو يحقق التوازن بين الأجور والأسعار ، ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتشكيل المجلس على أن يضم في عضويته أطراف الإنتاج الثلاثة )
 
  غير أن مجلس التنمية الاقتصادية حين أحيلت إليه مسودة القانون قرر حذف هاتين المادتين ، فجاء مشروع القانون المعروض الآن على مجلس النواب دون ألنص على نظام  الحد أدنى للأجور ، ولم ينص على آلية لتحديد ذلك ، كما هو الحال في كثير من الدول ، ويأتي  قانون العمل القائم  في هذا الشأن متقدما بنص المادة  77 المشار إليها سلفاً .
 
والحق أن الحاجة تقتضي النص على أن يكون هناك آلية لتحديد الحد الأدنى للأجور خاصة أمام الارتفاع الرهيب في أسعار الحاجيات الضرورية  وقد أولى البرنامج السياسي للمنبر التقدمي اهتماماً بالغاً بهذه المسالة واقتبس منه ( إن الأجور المتدنية في بلادنا هي نتيجة لتشوه البنية الاقتصادية وسوق العمل وللتوزيع وإعادة التوزيع غير العادل للدخل الوطني وهي في نفس الوقت سبب أساسي من أسباب تدني الإنتاجية وتراجع الاقتصاد وانتشار الفقر ومظاهر التخلف في المجتمع ، وإنه لما كان إصلاح الأجور يشكل حجر زاوية لأي إصلاح اقتصادي فإن المنبر يرى أن من الضروري الأخذ بنظام الحد الأدنى للأجور المطلق والمتحرك الذي يوحد سوق العمل ويحول دون غلبة العمالة الأجنبية فيه ، ويحمي الكادحين من الوقوع تحت خط الفقر …… ) .
 
    كما نص البرنامج السياسي للمنبر الديمقراطي التقدمي على الصعيد العمالي والنقابي على ضرورة ( العمل من أجل تحسين إنتاجية العمل عن طريق تحديد حد أدنى للأجور يضمن العيش الكريم ويتناسب مع متطلبات الحياة وغلاء المعيشة ومتابعة مستوى الأجور وأوضاع العاملين والشغيلة بشكل دوري ومنتظم ) .
 
ويقترح المنبر التقدمي أن ينص مشروع القانون الجديد على :
 
 أ-  تشكيل لجنة وطنية مكونه من أطراف العمل الثلاثة (وزارة العمل,غرفة التجارة, المنظمات النقابية) بالإضافة إلى ممثلين عن كبرى الشركات ونخبه من مؤسسات المجتمع المدني, وتختص هذه اللجنة بدراسة وتقييم الأجور واستعراض أسعار السوق وتكاليف المعيشة, لوضع الحد الأدنى للأجور وإقراره, وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها بشكل دوري كل ثلاث سنوات وتكُون قراراتها بخصوص الحد الأدنى للأجور مُلزمه لكافة أصحاب العمل بالقطاع الخاص.
 
ب يُعتبر الحد الأدنى للأجور وفقاً لهذا القانون محدداً بواقع ما تراه اللجنة الوطنية الحد الأدنى للأجر و متماشياً مع ظروف المعيشة ومستوى الأسعار ولابد من الإشارة قانوناً بإلزام أرباب العمل به والخروج عليه يعتبر مخالفة.
 
 
2- المادة 107
سلطة واسعة لرب العمل
في إنهاء العقد بسبب إغلاق المنشأة

 
أجاز مشروع القانون في المادة 107  لصاحب العمل إنهاء عقد العمل بسبب إغلاق المنشأة كليا أو جزئيا أو تقليص حجم نشاطها ، أو استبدال نظام إنتاج بأخر بما يمس حجم العمالة ، وذلك بعد إخطار الوزارة بذلك قبل ثلاثين يوما من تاريخ إخطار العامل بالإنهاء ، ويستحق العامل في هذه الحالة مكافأة تعادل نصف التعويض الذي يستحقه في حالة الفصل التعسفي المنصوص عليه في المادة 108 .
   وهي مادة مستحدثة في مشروع القانون المعروض على البرلمان ، وقد جاءت دون النص على الضوابط التي يجوز فيها لصاحب العمل إغلاق منشأته ،  علما بأن المسودة الثلاثية أجازت لصاحب العمل إغلاق منشأته لضرورات اقتصادية  بضوابط عدة  نص عليه الفصل الخامس من الباب الخامس عشر أبرزها :
 
حظر وقف العمل بالمنشأة كليا أو جزئيا أو تغيير حجم المنشأة أو نشاطها دون الحصول على موافقة اللجنة التي يتم تشكيها بقرار من رئيس مجلس الوزراء لهذا الغرض .
 
لا يجوز لصاحب العمل التقدم لهذه اللجنة بطلب وقف  العمل بالمنشأة كليا أو جزئيا أو تغيير حجم المنشأة أو نشاطها إذا كان النزاع معروضا على مجلس تسوية المنازعات الجماعية أو هيئة التحكيم .
 
يجب على صاحب العمل إخطار المنظمة النقابية المعنية بقرار اللجنة بالموافقة على إغلاق المنشأة كليا أو جزئيا أو تغيير حجم المنشأة أو نشاطها وذلك للتشاور قبل الاستغناء عن العمال .
 
 وغيرها من الضوابط الأخرى  التي نص عليها هذا الفصل من المسودة الثلاثية .
 
كما تجدر الملاحظة على هذا النص  انه لم يفرق ما بين  الإغلاق المؤقت والإغلاق النهائي في الأثر الذي يترب عليهما ، فالإغلاق المؤقت من المفترض أن لا يجيز لصاحب العمل إنهاء العقد بل يوقف تنفيذه خلال فترة هذا الإغلاق ثم يستأنف سريانه بعد زواله .كذلك فأن النص لم يفرق في حالة الإغلاق النهائي ما إذا كان الإغلاق بسبب أجنبي لا يد لصاحب العمل فيه أو كان بسبب يرجع لصاحب العمل ، ففي الحالة الأولى مثل صدور قانون يحظر نشاط المنشأة ، أو هلاكها بسبب حريق ففي هذه الحالة يحق لصاحب العمل إنهاء العقد بل ينفسخ بقوة القانون سواء كان العقد محدد أو غير محدد المدة ويعفى صاحب العمل من المسئولية ، أما إذا كان الإغلاق النهائي بسبب يرجع لصاحب العمل فأن عقد العمل لا ينتهي ولا ينفسخ بقوة القانون  وتظل الالتزامات الناشئة عنه قائمة وعدم الوفاء بها من قبل صاحب العمل يعد بمثابة إنهاء للعقد بإرادته المنفردة يلزمه تعويض العامل عن المدة المتبقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة ، وعن مدة الإخطار والتعويض عن التعسف في الإنهاء إن وجد .
 
( أنظر في ذلك الإنهاء غير الجائز لعقد العمل في ضوء قانون العمل الأهلي البحريني للدكتور عبدالحميد عثمان محمد – البحث المنشور في مجلة الحقوق الصادرة من كلية الحقوق بجامعة البحرين المجلد الثالث العدد الثاني يوليو 2006 ص 79 و80 ) .
ويمكن نطرح السؤال التالي للمناقشة هل من الممكن في حالة إغلاق المنشأة أن يتضمن النص إلزام صاحب العمل  بصرف الأجور للعمال لحين حصولهم على عمل آخر ، وان الدولة مسئوله عن توفير الإعمال المماثلة للعمال الذين يفقدون أعمالهم جراء إغلاق المؤسسات التي يعملون فيها .
 
 
 
3- المادة (106 )
فصل العامل لعدم الكفاءة
حكم يتجاوز العدالة

 
تجيز المادة 106 من مشروع قانون العمل وهي مادة مستحدثة ، أستحدثها مجلس التنمية الاقتصادية ولم تكن موجودة في المسودة الثلاثية ، تجيز لصاحب العمل فصل العامل بسبب عدم كفاءته أو نقصها ، وهو يعني أن يبقى العامل لفترة غير محددة حتى التجربة لقياس كفاءته مهدد بالفصل لهذا السبب وهو ما يتعارض مع نص المادة 21 من المشروع والتي تجيز تعيين العامل تحت شرط التجربة مدة ثلاثة أشهر كحد أقصى ، بغرض معرفة مدى كفاءة العامل ، إن حكم هذه المادة يتجاوز حدود الإنصاف والعدالة ، ويفتح الباب على مصراعيه لصاحب العمل لفصل العامل في أي وقت بحجة عدم الكفاءة أو نقصها .
 
 
4- المادة ( 103 )
تنال من حماية العامل
الطرف الضعيف في العلاقة

 
تلزم المادة 103 العامل أن يخطر صاحب العمل بإنهاء عقد العمل في حالتي إخلال صاحب العمل بالتزامات الجوهرية المنصوص عليها في القانون أو في العقد أو في حالة تدليس صاحب العمل أو يمثله على العامل ، في حين لا توجب المادة 104 صاحب العمل في أن يخطر العامل بإنهاء العقد في مثل هذه الحالتين . وهو ما يخل بمبدأ حماية العامل باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة ، ويؤكد مدى عدم التزام مشرع القانون الجديد بمبدأ العدالة والإنصاف .
 
 
 
5- المادة (108)
تصادر سلطة القضاء
 في تقدير التعويض

 
وضعت المادة (108) من مشروع القانون حدا أدنى لتعويض العامل في حالة فصله من العمل بدون سبب أو بسبب غير مشروع وهو ما يعادل أجر يومين عن كل شهر من الخدمة وبما لا يقل عن أجر شهر ولا يزيد على أجر اثني عشر شهراً إذا كان العقد غير محدد المدة ، أو بما يعادل أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة .
 
   حكم هذا المادة غير سائغ لامقبول ويصادر سلطة القاضي في تقدير التعويض ، ذلك أن تقدير التعويض يقدر بقدر الضرر بنوعية المادي والمعنوي وهو يختلف من حالة إلى أخرى ومن عامل إلى آخر  ، فالتعويض الذي يستحقه العامل مثلا المتزوج العائل لأسرته يختلف عن التعويض الذي يستحقه غير المتزوج ، ومن ثم فإنه الخطأ تحديد لمقدار التعويض دون أن تكون للقاضي سلطة تقديرية في بيان عناصر الضرر التي تحدد مقدار التعويض . علما بأن القانون المعول به قد أوضح صراحة في المادتين 108 و109 بأن ترك للقاضي السلطة التقديرية في تقدير التعويض .
 
 
6- إلغاء منح الأفضلية
 في التوظيف للعامل الوطني
 
كانت مسودة الثلاثية قد أفردت بابا تحت عنوان ( تنظيم تشغيل العمال الوطنيين ) أشتمل على تسع مواد تؤكد على أفضلية تشغيل المواطن وإلزام صاحب العمل بتقديم بيانات عن الوظائف الشاغرة لدية وعدم الاستغناء عن العامل المواطن في حالات الضرورة إلا بعد الاستغناء عن غير المواطن  .
 
   غير أن مجلس التنمية الاقتصادية قد حذف هذا الباب من المسودة وأبقى على مادة واحدة فقط منه هي ( لكل مواطن قادر العمل راغب فيه أن يتقدم بطلب قيد اسمه لدى الوزارة أو أي من المراكز التابعة لها …. الخ ) . ومجلس التمنية لم يبين الأسباب التي دعته إلى إلغاء هذا الباب المهم من مسودة القانون الجديد ، وهو بذلك يفتح المجال لرب العمل لتوظيف الأجنبي على حساب المواطن ويستغنى عنه قبل غيره ، علما بأن المادة 13 من قانون العمل المعمول به نصت على منح الأفضلية في التوظيف للعامل الوطني ، وعند الاستغناء سيتغنى عن غير العربي أولاً ثم العربي ثانيا ثم المواطن .
 
 غير أن سؤالاًً يفرض نفسه بهذا الصدد وهو مطروح للنقاش ألا يعد حكم هذا النص تمييزا غير إيجابي في التوظيف وفي الاستغناء ؟
 
 
 
7- المادة 52
تجيز تشغيل العامل ساعات إضافية
دون حد أقصى
 
على خلاف ما هو معمول به في القانون الحالي الذي نص في المادة ( 79 ) على وضع حد نهائي معلوم لا يجاوز تجاوزها لساعات العمل ألإضافي وهي ستين ساعة في الأسبوع ، فأن مشروع القانون لم ينص في المادة 52 على حد أقصى لعدد ساعات العمل الإضافي ، مما يعني إلزام العامل بساعات أضافية في اليوم لا حد لها .
 
8- هل يجوز تكليف العامل
بعمل غير المتفق عليه في العقد ؟
 
يكشف واقع الحال عن تعرض الكثير من العمال للفصل من العمل بسبب اعتراضهم على أداء أعمال ليست من صلب عملهم المنصوص عليه في العقد ،وقد وضعت مسودة الثلاثية نصاً يعالج هذا الواقع بطريقة أفضل تعدل مما هو منصوص عليه في القانون المعمول به إذ حظر هذا النص المعدل تكليف العامل بعمل غير متفق عليه إلا إذا دعت الضرورة لمنع وقوع حادث أو أصلاح ما نشأ عن هذا الحادث ، أو حالة القوة القاهرة على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة ، ولصاحب العمل أيضا أن يكلف العامل بعمل غير متفق عليه إذا كان لا يختلف اختلافا جوهريا عن عمله الأصلي بشرط عدم المساس بحقوق العامل ….
   غير أن مجلس التنمية الاقتصادية لم يتبنى هذا النص وبقى على ما هو معمول به وهو( لصاحب العمل تكليف العامل بعمل غير متفق عليه إذا اقتضت مصلحة العمل وبشرط ألا يترتب عليه الإساءة للعامل أو المساس بحقوقه ) .
 
9- الإضراب شكل من أشكال التعبير
للدفاع عن مصالح العمال المهنية
 
أفردت المسودة الثلاثية  أربع مواد تنظم الإضراب ، غير أن مجلس التنمية الاقتصادية اكتفى بمادة واحدة هي المادة (8) من المشروع  ونصت على ( للعمال حق الإضراب للدفاع عن مصالحهم وفقا للضوابط التي يقررها القانون .ويترتب على ممارسة العامل لهذا الحق وقف عقد العمل مدة الإضراب ) .
 
لكنه عند البحث في مواد مشروع القانون عن الضوابط التي تنظم الإضراب لا نجدها لها وجود ، فهل تعمد مجلس التنمية الاقتصادية صياغة النص هكذا !! أم انه أغفل وضع مثل هذه الضوابط !! والحقيقية أن مسودة الثلاثية قد وضعت ضوابط للإضراب لا نتفق مع بعضها مثل عدم جواز الإضراب في المنشآت الحيوية التي يصدر في شأنها قرار من رئيس مجلس الوزراء ، في حين كان من الأفضل أن يحدد القانون مثل هذه المنشآت الحيوية .
 
  أن ممكن الخطورة في المشروع بصيغته النهائية المعروضة على مجلس النواب- وان أقر بحق العمال في الإضراب – إلا إنه ترك تحديد ضوابطه للقانون دون أن يحددها .
 
والأدهى من ذلك أن مشروع القانون في المادة (104البند 10) أعطى صاحب العمل الحق في أن يفصل العامل دون إشعار أو تعويض في حالة (عدم مراعاة العامل للضوابط المقررة قانونا بشأن ممارسة حق الإضراب ) .
 
أن ما نخشاه هو إصدار قانون تحت مسمى ( قانون الإضراب ) وهو ما نفهمه من هذين النصين – يضع ضوابط تنال من جوهر الحق في الإضراب وتفرغه من محتواه ويضع قيودا تزيد على القيود التي وضعها مرسوم بقانون النقابات والقرار الوزاري التابع له والذي حدد الأماكن الحيوية التي لا يجوز الإضراب فيها فالفقرة (د) من المادة  21 من قانون النقابات تحظر على العمال الإضراب في الأماكن الحيوية التي حددها القرار الوزاري  رقم 62 لسنة الصادر بتاريخ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 بـ اثني عشر مرفقاً كالتالي: الدفاع المدني، المطارات، الموانئ، المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات، جميع وسائل نقل الأشخاص والبضائع، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الكهرباء، الماء، المخابز، المؤسسات التعليمية ومنشآت قطاع النفط والغاز.
 
  وفي إشارة ظريفة لرئيسة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان الدكتورة سبيكة النجار في مقال لها في صحيفة الوقت تقول فيه ( لا أدري لماذا استثنى القرار قطاع جمع القمامة (أعز الله القارئ). أوليس هذا القطاع من القطاعات الحيوية بل والحيوية جداً. فعندما يضرب عمال جمع القمامة ليوم واحد فقط ستتجمع القمامة جبالاً أمام منازلنا لأننا شعوب مسرفة نرمي من الفضلات أضعاف ما نستهلك. )




 وتؤكد الدكتورة النجار في مقالها المذكور على انه ( يذكر هنا أن منظمة العمل الدولية مع إقرارها بضرورة وضع ضوابط للإضراب في تلك المرافق، فإنها تدعو إلى ضرورة تطبيق المعايير الدولية التي أقرتها ومنها أن حق الإضراب في المطار مكفول فيما عدا مراقبة الحركة الجوية، وبالمثل في قسم الطوارئ بالمستشفى وليس في كل الخدمات الصحية على اختلافها. أما البريد والنفط والاتصالات فهي من المجالات التي يضمن فيها الإضراب. كما دعت المنظمة إلى ضرورة الاتفاق فيما بين أطراف الإنتاج الأساسية وهم الحكومة وأصحاب العمل وممثلو العمال لتحديد المرافق التي يمنع فيها الإضراب.. ؟ (
 
    غير أن مشروع قانون العمل يتجاهل ما دعت اليه منظمة العمل الدولية سالف البيان ، ويبدو من صيغة نص المادة الثامنة من هذا المشروع ، أن حق الإضراب سيجرد من محتواة ومن أهميته كوسيلة ضغط للطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها ومصالحها حين تنفرد الحكومة وحدها في تحديد المرافق الحيوية الهامة التي يحظر فيها الإضراب ، وتحفظ البحرين على المادة 8 البند د الفقرة 1 المتعلقة بحق الإضراب  من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  والذي انضمت البحرين إليه مؤخراً في 16 يوليو 2007 ا ، مؤشر على ذلك ، إذ جاء تحفظها هكذا ( إن التزام مملكة البحرين بتطبيق البند (د) من الفقرة (1) من المادة (8) من هذا العهد لا يخل بحقها في حظر الإضراب في المرافق الحيوية ) .

  وبالرغم من كل ذلك فإن حق الإضراب أصبح حقا معترفا به بعد أن كان من المحرمات ، وإننا على ثقة بان طبقتنا العاملة ونقاباتها كما انتزعت هذا الحق ، قادرة على صيانته وحمايته وأن لا يكون بلا محتوى بوصفه حقاً مدنياً وصيغةً من صيغ حرية التعبير للدفاع عن مصالح العمال . 
 
11- المادة 32
هل يجوز حرمان المرأة العاملة
من إجازة الوضع ؟
 
للمرأة العاملة حسب نص المادة 32 من مشروع القانون إجازة وضع مدفوعة الأجر مدتها 45 يوما ، تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه ، ويجوز لها أن تحصل إجازة بدون أجر بمناسبة الوضع مدتها 15 يوما علاوة على الإجازة السابقة ، غير انه ليس لها بحسب النص الحصول على إجازة الوضع مدفوعة الأجر أكثر من أربع مرات خلال خدمتها ، فهل يجوز ذلك ؟
 
12- مشروع القانون و العقود المؤقتة
 
     لم يُعرف قانون العمل البحريني المعمول به ولا مشروع القانون الجديد المعروض على المجلسين العمل المؤقت كما فعلت بعض قوانين الدول كقانون سلطنة عمان الذي عرف العمل المؤقت على انه هو( العمل الذي تقتضي طبيعة تنفيذه وإنهائه مدة محددة ) ، أو القرار الوزاري في شأن تنظيم العمل المؤقت في منشآت القطاع الخاص في دولة الإمارات على انه   (العمل الذي تقتضي طبيعة تنفيذه  وانجازه مدة محددة لا تزيد على ستة أشهر.) .
 
   رغم غياب التعريف والضوابط التي تحكم العمل المؤقت في قانون العمل ،وكذلك في مشروع القانون نجد فيهما ما يشكل الأساس لوجود العقود المؤقتة التي انتشرت بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة في البحرين ، وهي تطال المواطنين في القطاعين الخاص والحكومي ، ويتمثل هذا الأساس فيما يلي :
 
في تعريف عقد العمل
 
    يعرف قانون العمل الحالي في مادته 38 عقد العمل بأنه ( عقد بين صاحب عمل وعامل ويتعهد الأخير بموجبه أن يعمل تحت إدارة صاحب عمل أو إشرافه مقابل أجر ، ويتضمن شروط العمل المتفق عليها بينهما وذلك لمدة محددة أو غير محددة أو من أجل القيام بعمل معين )


.
  
ويعرف مشروع القانون الجديد  في المادة 1/7على انه ( اتفاق بين صاحب عمل وعامل يتعهد العامل بمقتضاه بأن يؤدي عملا معينا لصاحب العمل تحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر ) .
 
في المادتين93 و94 من مشروع القانون
 
    وعلى الرغم أن تعريف عقد العمل في مشروع القانون كما هو واضح لا يتضمن أن يكون هذا العمل محدد المدة أو غير محدد المدة إلا أن شأنه شأن القانون المعمول به وضع أحكام أساسية تتعلق بعقد العمل المحدد المدة ( وهو السند القانوني للعقود المؤقتة ) .
 
    إذ نص في مادته 93 على انه ينتهي عقد العمل المحدد المدة بانقضاء مدته ، وإذا انتهى هذا العقد جاز تجديده باتفاق صريح بين طرفيه وذلك لمدة أو لمدد أخرى .
 
 كما نصت المادة 94 من مشروع القانون على انه  إذا ابرم عقد العمل لإنجاز عمل معين ،ينتهي هذا العقد بإنجاز هذا العمل ، ويجوز تجديده باتفاق صريح بين طرفيه وذلك لعمل أو أعمال أخرى . لكن متى يكوم عقد العمل غير محدد المدة في مشروع القانون؟
    حددت المادة 95 من مشروع القانون سبع حالات يكون فيها عقد العمل غير محدد المدة نذكر منها لتعلقها بموضوع البحث :
إذا ابرم العقد دون تحديد مدته .
إذا ابرم العقد لمدة تزيد عن 5 سنوات .
إذا زادت مدة العقد الأصلية والمجددة على خمس سنوات.
إذا أستمر طرفا العقد محدد المدة في تنفيذه بعد انقضاء مدته دون اتفاق صريح على تجديده .
إذا ابرم عقد العمل لإنجاز عمل معين وأستغرق هذا الإنجاز مدة تزيد على خمس سنوات .
 
في المادة 106 من قانون العمل المعمول به
 
    ولا يختلف قانون العمل المعمول به  عن مشروع القانون الجديد بشأن جوهر النصوص القانونية المتعلقة بعقد العمل المحدد المدة وغير المحدد المدة ، فالمادة 106 نصت على انه ( إذا كان العقد محدد المدة انتهى من تلقاء نفسه بانقضاء مدته ، فإذا أستمر طرفاه في تنفيذه بعد انقضاء مدته دون اتفاق صريح اعتبر ذلك منهما تجديدا للعقد لمدة غير محدده وبالشروط الواردة فيه ….الخ ) .
 
  واضح مما سبق وطبقا للقانون أن عقد العمل أما أن يكون محدد المدة أو غير محدد المدة و أن الأساس القانوني الذي يستند إليه أرباب العمل في الوقت الراهن وفي المستقبل أي في ظل مشروع القانون الجديد في إبرام العقود المؤقتة هو ما نصت علية المواد القانونية سالفة البيان .
 
  غير أن الأسئلة التي تفرض نفسها بهذا الصدد هي  إلى أي مدى يكون هذا الاستناد صحيحا ؟، كيف يمكن  أن نفعل شعار معاً ضد العقود المؤقتة وهو شعار صحيح بالنظر إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تترتب عليها والقلق والخوف الذي يصيب العامل على مستقبلة المعيشي ؟   ما هي الحلول لحماية العمال من هذه العقود المؤقتة ؟
 
 أولا: يتعين في البداية التأكيد على أن للعقود المؤقتة دون ريب أضرار بالغة حيث لا يتمتع العامل المؤقت بكثير من الحقوق والمزايا ، ويسهل التخلص منه ، أو إعادة تشغيله باجر وشروط عمل اقل وقد عبر عنها بوضوح الرفيق فهد المضحكي في مقال له نشر في  صحيفة الأيام بعنوان ( عقود العمل المؤقتة..!!
17نشر يونيو 2007  وأقتبس منه (مهما كانت الدوافع والأسباب التي تقف خلف العقود المؤقتة فلا يمكن تجاهل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والمادية التي تنعكس وبصورة مؤلمة على حياة العاملين والعاملات الذين يعملون مؤقتاً، وأرواحهم على »كف عفريت«؛ لان عقود العمل المحدودة المدة غالباً ما تكون قاسية الشروط لا تحميهم من جور وظلم بعض أصحاب العمل، أي لا تحميهم من الفصل والتسريح الذي يهددهم في أية لحظة، مما يجعلهم وفي الأوضاع المعيشية الصعبة والغلاء الفاحش الذي يشمل جميع متطلبات الحياة الأساسية عرضة للبطالة ولاضطرابات نفسية وتوترات تتخذ أشكالاً متعددة وهذه حقيقة علينا الاعتراف بها )  ( ماذا يفعل هؤلاء عندما يجدون أنفسهم مفصولين من وظائفهم دون حقوق ومكافآت ومزايا لها علاقة بالتقاعد لان مظلة التقاعد والتأمينات الاجتماعية لا تشملهم؟! ماذا يفعل هؤلاء وهم غير قادرين على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم بفعل حرمانهم من القروض الشخصية من الإسكان ومن البنوك التجارية، والأسوأ من ذلك حرمانهم من الخدمات الإسكانية الأخرى؟!)

 
ثانيا: من خلال العمل  في مهنة المحاماة  والترافع أمام المحاكم العمالية لم نجد إلا فيما ندر أن مواطنا بحرينيا كان عقد عمله محدد المدة ، فمعظم عقود عمل المواطنين كانت غير محددة المدة  ، وكانت عقود العمل المحددة المدة تقتصر على الأجانب رغم أن قانون العمل لا ينص على ذلك .وهو الأمر الذي يجعلنا أن نتساءل عن الدوافع والأسباب لانتشار ظاهرة العقود المؤقت في الوقت الراهن، في ظل المشروع الإصلاحي ، وقانون تنظيم سوق العمل ، والمشروع الوطني للتوظيف وقانون التأمين ضد التعطل ،وفي ظل مجلس التنمية الاقتصادية ؟؟ **
 
ثالثا: ينبغي الاعتراف من الناحية القانونية أن عقد العمل من العقود التي يعد الزمن عنصرا جوهريا فيها كمعيار ضروري لقياس التزامات كل طرف  ، وقد ينقضي هذا العقد طبقا للأوضاع التي نص عليها القانون .سواء كان هذا العقد محدد المدة أو غير محدد.
 
    فالعقد المحدد المدة ينتهي بانتهاء مدته ودون حاجة لإخطار ، ولا يستطع العامل هنا أن يقول بأن الإنهاء  قد جاء غير مشروع ، أو تعسفي ويطالب بالتعويض ، هو ما يفسر من الناحية القانونية لجؤ أصحاب العمل في الوقت الراهن لإبرام مثل هذه العقود .
 
 لكن يمكن للعامل أن يطلب التعويض إذا أنهى صاحب العمل عقد العمل المحدد المدة قبل نهاية المدة وبدون مبرر طبقا لنص المادة  (109 ) من قانون العمل على انه (إذا كان العقد  محدد المدة  وأمتنع أحد الطرفين عن تنفيذ العقد  قبل انتهائه بدون مبرر التزم بتعويض الطرف الأخر عما يصيبه من ضرر نتيجة لذلك ..) .
 
   أما العقد غير المحدد المدة ، فيجوز حسب نص المادة 107 من قانون العمل  لأي من طرفية إنهائه ولكن بعد أخطار الطرف الأخر كتابة قبل ثلاثين يوما بالنسبة للعمال المعينين بأجر شهري وخمسة عشر يوما بالنسبة للعمال الآخرين ، وعند عدم احترام هذه المهلة يلزم من أنهى العقد بتعويض الطرف ألآخر تعويضا مساويا لأجر العامل عن مدة المهلة أو الجزء الباقي منها .
 
  ويجوز كما هو الحال في العقد المحدد المدة لأي من الطرفين طلب التعويض إذا كان الإنهاء بغير مبرر، فنصت المادة (108) من قانون العمل على انه (إذا كان إنهاء العقد غير محدد المدة بدون مبرر اعتبر الذي أنهاه متعسفا في استعمال حقه والتزم بتعويض الطرف الأخر عما يصيبه من ضرر نتيجة لذلك )
 
ويتضح من هذه المقارنة  أن عقد العمل غير المحدد المدة أفضل للعامل من العقد  المحدد المدة غير أن عقد العمل حتى وأن كان غير محدد المدة  فليس فيه ما يضمن استمرارية العامل في العمل  إذ يمكن لصاحب العمل بإرادته المنفردة أن ينهيه دون أن يهتم بالجزاء الذي سيترتب عليه بل أن صاحب العمل بصفته الطرف القوى في العلاقة في الغالب لا يهتم بمقدار التعويض الذي سيلزم به .
وهذا يعنى أن القانون لا يحمي  حق العمل  في العمل أو الاستمرار فيه سواء كان العقد محدد المدة أم غير محدد المدة  ، وأن جوهر المشكلة ليست في العقود المؤقتة ، أن المشكلة تتمثل في البطالة ومصدرها الاختلال الذي يشهده سوق العمل في البحرين بين عدد الباحثين عن عمل وفرص العمل المتوفرة، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص وما تشكله العمالة الأجنبية من تأثير على ذلك   ،وقد حدد  البرنامج السياسي للمنبر التقدمي مكامن الخلل في الحالة الاقتصادية الراهنة منها ( وجود بطالة مزمنة بمعدلات تفوق كثيراً ما يسمى بالمعدل الطبيعي للبطالة بمعايير الرأسمالية وهو 5% من إجمالي قوة العمل النشطة اقتصاديا ويقابل ذلك إغراق متعمد ومدمر للسوق المحلية بعمالة أجنبية رخيصة وغير ماهرة ) ويصف البرنامج السياسي (العمالة الأجنبية بالقنبلة الموقوتة  في سوق العمل والاقتصاد الوطني حيث وصلت نسبتها إلى 62 % من إجمالي قوة العمل النشطة اقتصاديا … )  .
 
وقد جاء في تقرير لجنة العاطلين عن العمل ما يلي (من أهم الأسباب التي أدت إلى مشكلة البطالة في البحرين، والعزوف عن العمل في القطاع الخاص، هي مشكلة عقود العمل المؤقتة، التي تؤسس لعدم الاستقرار الوظيفي و التنقل من وظيفة إلى أخرى مما يضعف مهارات الفرد وقدرته على الإنتاج وولائه للمؤسسة التي يعمل فيها. وبما أن عقود العمل التي سيوفرها المشروع الوطني للتوظيف، هي عقود مؤقتة، فستبقى المشكلة كما هي دون حل جذري.ووفقا لمصادر في وزارة العمل فانه حتى من بين الموظفين في المشروع نفسه هناك 60شخص يعملون بعقود مؤقتة، فإذا كان العاملون في المشروع أنفسهم لا يضمنون مستقبلهم الوظيفي، فكيف سيضمن المشروع ذلك لأكثر من 20 ألف باحث عن الوظيفة؟ )
   غير إنه يمكن القول بأن العقود المؤقتة كظاهرة فضلا عن إنها تؤدى إلى عدم استمرار واستقرار العامل في عمله فهي تعزز وتوسع من البطالة ، ولعل ما قامت به جمعية الشبيبة البحرينية من نشاط ميداني واستبياني حول هذه الظاهرة ستدعم رؤيتنا ، نأمل من الشبيبة أن تعرض نتائج ما تقوم به من عمل ميداني على المجتمع والباحثين .
 
             رابعا: مما تقدم يمكن طرح السؤال المهم وهو كيف يمكن حماية حق العامل المواطن في العمل والاستمرار فيه من الناحية القانونية ؟
     ننطلق دائما من أبو القوانين ، من الدستور ، الذي أعتبر العمل من المقومات الأساسية للمجتمع  ، فنص في المادة 13 على أن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ، وهو في ذات الوقت حق لكل مواطن ، بل له حسب نص المادة الحق في اختيار نوع العمل .
 
كما نص الدستور في  الفقرة ب من ذات المادة على أن الدولة تكفل توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه .
 
هكذا يحمى الدستور حق العمل للمواطن الاستمرار فيه  ويلزم الدولة بتوفيره وبعدالة شروطه .
 
كما أن المواثيق الدولية بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضمت إليه البحرين في 16 يوليو 2007 ولم تتحفظ عليه سوى في المادة 8 المتعلقة بالإضراب  فنص التحفظ على ( حق مملكة البحرين في حظر الإضراب في المرافق الحيوية الهامة ) .
 
ومهما يكن فان هذه المواثيق قد نصت على حق العمل وضرورة اتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق ( المادة 6 /1 من العهد المذكور)، وواقع الحال يشير إن العقود المؤقتة لا تصون حق العمل وبناء عليه نرى :
 
أولا: لابد من وضع تعريف ينص عليه مشروع القانون الجديد للعقد المؤقت كما فعل قانون سلطنة عمان ودولة الإمارات على انه هو (العمل الذي تقتضي طبيعة إنجازه وإنهائه مدة محددة ) ومعنى ذلك  أن يمتنع على صاحب العمل أن يبرم عقدا مؤقتا في عمل ذات طبيعة دائمة .
 
ثانياً: أن ينص مشروع القانون صراحة على وجوب أن يكون عقد العمل المبرم مع المواطن عقدا غير محدد المدة ، إلا إذا كانت طبيعة العمل تقتضي إنجازه في مدة محددة .
 
ثالثاً: وأن ينص على إيقاع جزاء يتصف بالشدة في مواجهة صاحب العمل في حالة استخدامه العمال الوطنيين بعقود محدد المدة في أعمال طبيعتها مؤقتة  كما هو الحال في تشديد العقوبة التي أوجدها قانون تنظيم سوق العمل في حالة استخدام العمال الأجانب بدون تصريح  .
 
رابعاً:لابد من رفع مبلغ التعويض في حالة إنهاء صاحب العمل عقد العمل بدون مبرر أو بطريقة تعسفية ، سواء كان هذا التعويض قضائياً أم قانونياً، لعل في ذلك ما يحول دون استخدام صاحب العمل حقه في فصل العامل بطريقة تعسفية .( أنظر المادتين  108 ، 109 من قانون العمل ، والمادة 108 من مشروع القانون ).
 أن تضيق الخناق علي العمل المؤقت ، وليس التوسع فيه ،أمر ضروري لتوفير الأمن الوظيفي للعمال ، وهو احد الأسس التي يجب أن يضمنها أي تشريع للعمل.


الخاتمة :

لاشك أن هناك أحكام أخرى جاء بها مشروع القانون هي محل نظر لم يتم التطرق إليها في هذه الدراسة ، ونأمل من المجتمعين في  الحلقة الحوارية الإشارة إليها ، أو أن تستكمل هذه الدراسة بجهود مشتركة من المؤسسات المعنية لتقديمها للمجلس الوطني .

اقرأ المزيد

الشــــاعــر..شــهــيــداً

 

 

 


الشاعر عبدالصمد الليث يكتب قصيدة رثاء في الذكرى الثانية والثلاثين لاستشهاد  الرفيق سعيد العويناتي والذي هـُشمّ رأسه تعذيبا في سجون البحرين إبان مرحلة قانون أمن الدولة المقبور، وذلك بتاريخ 12 ديسمبر 1976.
 
 


 
الشــــاعــر..شــهــيــداً








” إلى الصديق والرفيق سعـيـد العـويـنـاتـي “ 
 



تـرجّـل نـورُ الـقـصـيـدْ
وكـان يـضيء حـنـيـن الـنـوارسِ …
عـنـد الـمـسـاءْ…
إلـى سـدرة الـمـبـتـغى
وكـان يـجـيء جـمـوع السـواعـدِ…
لـحـنُ الـشـتـاءْ…
لـيـعـزفَ دفءَ الـمـنـى


وكـان …
– وقـد مـسّــهُ الـضـُــرُ –
دومــاً…
يـفـيء إلـى أرخـبـيــل الـسـنـا
فـيـغـرق فـي لـًجّـة مـن سـؤالْ…

وكـان يـصـوغ ُشـقـاءَ الـصـواري…
يـخـوضُ خـلـيـج الـهـمـوم…
لـيـرسـو عـلـى شـاطئ لـلـنـضـالْ

وكـان كـوردة شـمـس…
تـشـعّ بـعـطـر ِالإهـابـة…
تـسـتـيـقـظ الـنـاس…
صـوب الـنـهـارات والـمـهـرجـانْ…
يـنــادي تـعــالْ…
رفـيـقـي تـعــالْ…
صـديـقـي تـعــالْ…
نـكـفـكـف دمـع الـطـيـور…
نـلـمـلـم جـرح الـنـخـيـلْ…
ونـقـلـع مـن روضـنـا الـمـسـتـحـيـلْ

وكـان بـكـفّ الـشـهـيــد…
يـصـول فـيـصـفـع وجـه الـظــلامْ

وكـان يـقـاوم قـيـد الـدجـى…
بـآيـات مـصـداق قـول الـفـعـالْ
فـآخـذه الـعـسـس الــمـجـرمـــون…
سـقـوه بـسـاعـات كـأس ِالـحـِمـامْ
فـخـرّ صـريـعــاً…
لـتـُروى ذؤابـتـُه بـالـدمــا…
فـيـكـتـب شـعـراً بـحـبـل الـوريــدْ

( ومـا زال قـاتـلـه مـطـلـقــاً…
                           ومـا زال نـهـبـاً تـراث الـرجـالْ )

سـيـبـقى سـعـيــدْ…
وفـى رئــة الـوطـن الـمـبـتـلى…
ووجــد الـثـكـالــى…
وعــزم الـشـبـيـبـة.ْ..
كـتـرنيمة كـي يـشـبّ الـولـيــدْ
يــرددهـا كـل عـهـد جـديــدْ:

سنـمـضي..سنـمـضي إلـى مـا نـريــدْ
وطـــن حــــرّ وشــعـــب ســعــــيــــدْ




عـبـدالـصـمـد الـلـيـث

12/12/2008

خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

شعارات براقة‮..!‬


لا يدهشنا أبدا أن تمر علينا مرور الكرام  أكثر من مناسبة دولية كان يفترض أن نشارك دول العالم الاحتفاء بها، لا يدهشنا ذلك على الرغم من أننا قد تعودنا أن نحتفي بمناسبات كثيرة ونقيم لها مهرجانات واحتفالات هنا وهناك، وننفق ببذخ على بعضها، ويمكن الرجوع إلى تقرير ديوان الرقابة المالية للوقوف على هذه الحقيقة…!
تعودنا في حالات أخرى أن نتبنى أشكالا  مختلفة من المشاركات بالمناسبات الدولية كأن نقيم محاضرات أو ندوات، أو ننظم حلقات أو لقاءات تليفزيونية تخص هذه المناسبة أو تلك، وفي أدنى الأحوال تصدر عن الأطراف والجهات ذات العلاقة الرسمية والأهلية تصريحات وبيانات تستعرض فيها انجازاتها وتشيد بأدائها في هذا الميدان أو ذاك، من زاوية أن كل مناسبة فرصة للترتيب لـ”زفة  إعلامية” للظهور وللتغني بالانجازات، وليس لإذكاء الوعي بموضوع المناسبة.
لا يدهشنا ذلك لأننا تعودنا أن نختار ما يحلوا لنا من مناسبات دولية نحتفي بها ونحرص على أن نقول للعالم بأننا نشاركهم هذه الاحتفالية وأننا حاضرون في كل مناسبة، في الوقت الذي نلغي من دائرة حساباتنا واهتماماتنا ما لا يحلوا لنا، ففي شهر ديسمبر الجاري وتحديداً في التاسع منه مرت علينا مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد وكأنها محجوبة في طي النسيان، ولولا ذلك البيان الذي أصدرته جمعية الشفافية الذي وجه الأنظار إلى هذه المناسبة، لما تنبه أحد إلى هذه المناسبة التي كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرتها في سبيل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد من منطلق أنه يعرقل عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويهدد المجتمعات وأمنها ويقوض قيم الديمقراطية للخطر، وعلاوة على ذلك تستهدف الأمم المتحدة من هذه المناسبة إلى حث كافة دول العالم للانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي الاتفاقية التي وقع عليها مندوب مملكة البحرين لدى الأمم المتحدة في ٨ فبراير 2008 والتي من المؤسف أننا لازلنا نشهد تلكؤاً في المصادقة عليها حتى الآن.
ليست تلك المناسبة وحدها التي مرت علينا مرور الكرام، وإذا كان هناك من ذكّر بها بأي شكل من الأشكال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، فإن اليوم العالمي للقضاء على العبودية الذي صادف الثاني من ديسمبر لم يذكره أحد لا من قريب ولا من بعيد، وإذا كان هناك من يرى بأننا لسنا معنيين بهذه المناسبة على وجه الخصوص لأنه لا يجد بأن لدينا رق ولا عبودية في يوم من الأيام فهو مخطئ ، لأن هناك مظاهر عبودية حديثة جراء الفقر والحاجة والعوز والعزلة والتهميش والفساد والتمييز وانتهاك حقوق الإنسان والتقصير في تطبيق القانون وعدم تفعيل حاكميته، ومعاملة فئات من الناس من مواطنين أو عمالة أجنبية معاملة العبيد، بمعنى أن العبودية ليست من الماضي فقط، إنها واقع اليوم أيضاً، حتى على صعيد ممارسات الدول الكبرى حينما تتسلط ضد الدول الصغرى المقهورة والمغلوبة على أمرها تحت أي مظلة أو عنوان أو شعار، وكذلك على صعيد الممارسات الإسرائيلية التي تمارس الاحتلال والعقاب الجماعي والتهجير وسلب أراضي وثروات الفلسطينيين.
ليست تلك المناسبتان هما وحدهما اللتان شهدهما شهر ديسمبر الجاري، فهناك مناسبة ثالثة هي اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من هذا الشهر، وهو التاريخ الذي تمّ فيه تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 ويحتفل به المجتمع الدولي والمجتمعات المدنية في العالم.  وكان واضحا  أيضاً أن هذه المناسبة هي الأخرى كان الاهتمام بها معطلاً حتى في أدنى مستويات الاهتمام، وهو موقف باعث على الاستغراب خاصة وأننا نعلم أن هناك كثير من الأفراد والهيئات التي تعلن نفسها بأنها معنية بحقوق الإنسان والدفاع عن حريته،  ولعل هذا يؤشر بأننا لا زلنا في حاجة لأن نضع قضية حقوق الإنسان داخل الإطار المؤسسي الأشمل بحث تكون وظيفة الحكومة والمجتمع بكل هيئاته ومؤسساته وقواه السياسية إرساء مبادئ حقوق الإنسان وحمايتها فعلاً لا قولاً، وحتى لا يكون ذلك مجرد واجهة إعلامية براقة تخفي وراءها انتهاكات أو السكوت على انتهاكات.
وبما أننا بدأنا باليوم العالمي لمكافحة الفساد فإليه نعود، فبيان جمعية الشفافية بمناسبة هذا اليوم هو أيضاً يشدد على وجود عدم الاكتفاء بالشعارات والعناوين البراقة في قضية مكافحة الفساد، وهي دعوة في محلها تماماً كتلك الدعوة بتبني استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد يشارك في إعدادها وفي تنفيذها كل مكونات الدولة من سلطات تنفيذية، وتشريعية، وقضائية ، وسلطة الصحافة والإعلام، وسلطة المجتمع المدني، دون أن نغفل أهمية الدعوة إلى التسريع بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وبناء منظومة متكاملة من التشريعات والآليات والإصلاحات التي تفعّل دور كل الأطراف في مناهضة الفساد سواء على صعيد المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وإقرار قانون الكشف عن الذمة المالية، وإنشاء الهيئة الوطنية المقترحة المستقلة لمكافحة الفساد، وتفعيل دور المراقبة والمحاسبة، والأهم قبل وبعد ذلك أن يؤكد الجميع بأنهم جادون في مواجهة الفساد.
 
آمل أن ندرك أن الحاجة قد أصبحت ملحة في أن أي إنجاز على ذلك الصعد يستلزم أكثر من شعارات براقة وتعهدات شكلية.
 
الأيام 12 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

موازين القوى في‮ ‬المجتمع


إن لموزاين القوى معانّ كثيرة متعددة في قاموس علم الاقتصاد السياسي بحسب عناصر المواضيع المطروحة أمام الفرقاء …. الخ.
إن موازين القوى في مجتمع ما ، هي تلك التي تشكل ثقلاً وواقعاً موضوعياً- غير متخيل  في أي مجتمع من المجتمعات البشرية، و عادة ما تصنف و تفرز فرزا مجازيا إلى القوة السياسية (السلطة السياسية) والقوة الاقتصادية والقوة الاجتماعية – وكثيراً ما يشار  إلى القوة أو القوى الاجتماعية على أنها ثالثة ألأثافي،  و العـمد الأساسي في المجتمع وذلك لدور (الشعب) الرائد وليده الطولى في صنع الأحداث وقيادتها ودفعها في مجرياتها وتحديد نتائجها.
بيد أن طبيعة هذه القوى الثلاث وإمكانيتها المادية و العملية  متداخلة متشابكة يكمل ويتمم كل منها الآخر، بخلاف ما تروّجه وتسوّقه إيديولوجيا وعقائدياً القوة  المسيطرة التي  تزعم و تدعي أن وجودها على الأرض مستمد من السماء ، وما على (البشر) إلا الطاعة والولاء والإذعان، ومن يعصي هذا الإيمان المقدس فهو خائن وكافر ومصيره النار  وبئس القرار …. الخ.
أما في وقتنا الحاضر وبعد أن ( وعت ) المجتمعات وقطعت البشرية شوطاً طويلاً في التقدم والتحضر و الرقي  ونفضت عن كاهلها غبار العبودية والتخلف، فقد تغير الحال وأصبح القول خلاف ما كان يقال حيث أصبح الشعب هو مصدر السلطات جميعاً، وله كافة الخيارات و…. وكرست هذه المقولات في جميع دساتير العالم وقوانينه وتشريعاته و ذلك بعد صراعات دامية جسيمة وثورات اجتماعية عظيمة !!!  وبالتالي ، أصبح الشعب هو الذي يحدد مسار الأحداث في كل عهد من العهود وهو الذي يرجح كفه موازين قوى على كفة أخرى في المجتمع، ولا حاجه بنا لشرح وتفصيل هذه الحقيقة والتأكيد عليها أ و البرهان على أن القوى البشرية في المجتمعات هي محور الجود الإنساني على الأرض ،  وقانون الترابط الضروري (بين العمل والعاملين في المجتمع )  يؤكد ويبيّن العلاقة الوثيقة التي لا تنفصم بين هذا المحور والمحورين الآخرين (السلطة السياسية والقوة الاقتصادية) وبان هذه العلاقة لا تندثر ولا تزول إلا بزوال البشرية،  وإنما تتغير وتتبدل من عهد إلى عهد أي من النظام العبودي إلى النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي، وهكذا دواليك  ودائماً إلى الأفضل و  أكثر عدالة من سابقه. 
  إلا أن السلطة السياسية بترابطها الطبقي، واستحواذها في أغلب الأحيان على القوة المادية و الاقتصادية في المجتمعات، دائماً ما تجعل موازين القوى تميل وتعمل لخدمة مصالحها رضيت باقي القوى ام أبت ، وما كان ذلك ليحصل  لولا علل في العباد (في القوى المجتمعية) وعيبا مفتعلا في وعي القوى الاجتماعية يلازمها منذ القدم، بيد أن هذه العلل الدائمة و العيوب الكامنة كانت ولا زالت مختلقة، ومكرسة  إيديولوجيا وعقائديا ومالياً، ومسخرة  لصالحها ( لصالح مصالح السلطة السياسية المسيطرة ) قوى الجيش والأمن والاستخبارات ، وجمع غفير من المثقفين والأدباء والكتاب في جميع مسائل الإعلام وأجهزة الثقافة والتربية والتعليم، إلى جانب جهود رجال الدين، كما كان وضع بيت المال في فجر الإسلام،  الشيء الذي مكّن السلطة السياسية من إعادة استخدام المال العام للرشاوى  والهبات والمكرمات وغيرها ضد مصالح القوى الاجتماعية الواسعة صاحبة السلطات جميعا.
  إن تاريخ البشرية على امتداد حقب طويلة من المعاناة والمآسي لم يسجل قط أن تلك القوى المسيطرة قد تنازلت من تلقاء نفسها وعن طيب خاطر واعترفت بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية لقطاعات واسعة من جموع الشعب ، وما ذلك إلا  لاختلال موازين القوى في المجتمع ، فكيف يمكن للقوى الاجتماعية أي لغالبية الشعب العامل أن تعمل من اجل تغيير موازين القوى بحيث تميل لصالحها كي  تستطيع انتزاع حقوقها ؟ و هل في إمكانها ذلك  ؟!!
يبدو أن هذا المطلب بعيد المنال ما دامت السلطة تحتكر المال العام وتسخره لمآربها!!! خصوصاً وان عصر الثورات الاجتماعية العظمى قد أفل، و عهد الانقلابات العسكرية قد ولى إلى  غير رجعة ،  وكذلك لم يعد لشعار الكفاح المسلح و لا للأعمال الإرهابية لا من جدوى  و لا من نصير لا في الداخل و لا في الخارج ، كما أن الحكومات أصبحت تعرف كيف تستفيد من أعمال الشغب و الفوضى، و هذا الشيء لم يعد خافيا على احد ، و متذرعة بتلك الأعمال دأبت على توجيه ضربات قاسية لجميع قوى المجتمع السياسية، كل ذلك حصل ويحصل بسبب عدم تقدير و تقييم سليم لموازين القوى في المجتمع من قبل الفكر الطفولي المتطرف (الإسلامي و اليساري)، الشيء الذي نتج و ينتج عنه إهدار نضالات و طاقات بشرية رائعة، كان في إمكانها خلق تضامن و إجماع شعبي رائع لا تستطيع القوى الأخرى الوقوف أمامه.
 ان الطريق شائك و وعر إلا أن العمل كان و لا يزال و سيبقى ممكنا في خلق تضامن و إجماع شعبي و توحيد صفوف الجماهير الواسعة  ، ومنع القوى المناوئة لها من ان تزج بها في خلافات و معارك جانبية لامتصاص نقمتها و حرف نضالاتها، و قد انتشر الوعي بينهم نسبيا  ، و اخذوا  بوعي  او بدون وعي  ينتظمون  في المنظمات و المؤسسات السياسية ، ولم تعد تستطيع قوى التخلف حرف و تخريب نشاطاتهم السلمية اليومية، فهل تعي و تدرك المؤسسات السياسية ومنظمات المجتمع المدني كيف ترسم طريقها السلمي العلني كي تنتزع حقوقها و ترتقي بمجتمعها…!!!؟ 
 
الأيام 12 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد