المنشور

بين شجاعة شافيز وموراليس ومواقف الحكومات العربية

لقد طرد شافيز السفير الصهيوني فمتى تفعلون ذلك أيها الحكام العرب؟”.. هذه العبارة التساؤلية أطلقها رئيس بلدة البيرة.. اشادة بمواقف الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الوطنية والمبدئية والاخلاقية والتاريخية في دعم القضية الفلسطينية.. ومناصرة لشعب قطاع غزة البطل في مواجهته ابشع الجرائم الصهيونية التي يندى لها جبين الانسانية..
إن مصداقية المواقف الوطنية الشجاعة لفنزويلا، قد أماطت اللثام عن المواقف المتخاذلة للأنظمة العربية.. وبقدر ما اكد رئيسها الاشتراكي هوجو شافيز مواقفه المبدئية المتسمة بسمو القيم الوطنية والاخلاقية، وارتقائها بعلاماتها المضيئة نحو الثريا وسماء المجد والحرية عاليا.. فإن مواقف الحكام والزعماء العرب واهنة انهزامية في انحدارها نحو الثرى وقاع الارض ملوثة بدوس الاحذية والاقدام.
ولعل ما يبعث على فخر الشعوب قاطبة ان مواقف فنزويلا ازاء مأساة وقضية غزة، هي ليست بالمواقف الجديدة، وانما هي مواقف مبدئية شجاعة تمثل امتدادا للمواقف المبدئية الأممية لزعيمها هوجو شافيز حول نضالاته المعارضة للحرب الامريكية على العراق والهجوم الصهيوني على لبنان 2006، التي في ضوئها اتخذ شافيز موقفا وطنيا مشرفا في دعمه قضية وشعب لبنان، وذلك بسحب سفير بلاده انذاك من اسرائيل.. مثلما طرد السفير الاسرائيلي من بلاده في 6 يناير 2009 شجبا واستنكارا للمجازر الصهيونية الجماعية بحق المدنيين المتواصلة ليلا ونهارا في قطاع غزة.
وهكذا المناضل الرئيس اليساري البوليفي (ايفو موراليس) قطعت بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، تضامنا مع شعب فلسطين، سيرا على خطى رفيق دربه شافيز، ليسجل الرئيس البوليفي موقفا وطنيا وأمميا واخلاقيا، داعما لقضية غزة، بل القضية الفلسطينية برمتها.
الرئيسان (شافيز وموراليس) ضربا النموذج الوطني المضيء الذي عجز عن تحقيقه او تطبيقه الزعماء والحكام العرب، طالما ظلوا على كراسي المتفرجين، ان لم يحيكوا الدسائس والمؤامرات على القضية الفلسطينية في السر ومن وراء الكواليس.
إن المناضلين الماركسيين شافيز وموراليس، مرغا رؤوس عصابات المافيا الصهيونية من قيادات الكيان الصهيوني في الاوحال والمستنقعات.. بينما زعماء وحكام الدول العربية اخذوا يتوسلون بانكسار مجلس الامن لوقف القتال في قطاع غزة، ويستجدون بانهزام الادارة الامريكية الى حد فقد ماء الوجه وبيع الكرامة ازاء الكثير من قضاياهم المصيرية.
فنزويلا وبوليفيا اللتان في اقصى الكرة الارضية، وتفصلهما البحار والمحيطات عن رقعة الوطن العربي بآلاف الأميال.. بعيدتان عن جغرافيته وتاريخه ولغته سوى النظرة الأممية الماركسية التي دفعت بهما الى الارتقاء بنبل المواقف وسمو المبادئ.. بينما الوطن العربي الذي تجمعه قواسم مشتركة وقضايا مصيرية ومعايير محورية وهي اللغة والتاريخ والجغرافيا والقضايا الوطنية المفصلية، قد تخلى لشديد الاسف عن قضيته المركزية وهي القضية الفلسطينية.. وذلك انعكاسا لسياسات استبدادية لحكومات اوتوقراطية، فصلت مواقع الانظمة الرسمية عن مواقع الجماهير الشعبية بسدود منيعة وحواجز سميكة، مثلما فصل الزعماء والحكام العرب القضية الفلسطينية من خلال اجندتهم وسياساتهم في زوايا الاهمال والتهميش والنسيان، والمحاباة والمزايدات والخطب العصماء شكليا والخاوية جوهريا، والتصريحات والبيانات التسويفية والتضليلية.. لتظل القضية الفلسطينية قضية ثانوية على هوامش البيانات وهوامش اللقاءات والمؤتمرات.. وهوامش القمم.. بل حروب القمم.. وانقسام القمم ضمن انقسامات عربية بلغت أوج التمزق وذروة التشرذم.. ليؤكد هؤلاء الزعماء والحكام ان القضية الفلسطينية لم تعد قضية الوطن العربي المحورية.. بل قضية ثانوية على الهوامش وعلى الجوانب.
ولكن الخطوات الوطنية والاممية “الجريئة” للرئيسين: الفنزويلي هوجو شافيز والبوليفي إيفو موراليس، قد اماطت اللثام عن جبن الانظمة العربية بتخليها عن القضية الفلسطينية، مثلما قزمت الحكومات العربية التي سدت آذانها بالطين، واغلقت أفواهها بالعجين، امام جرائم العدو الصهيوني ومجازره الجماعية المرعبة، منذ مذابح دير ياسين وقبية وكفر قاسم والحرم الابراهيمي ومدرسة بحر البقر وصبرا وشاتيلا وقانا الأولى وقانا الثانية وغزة.
لم يبق من عزاء للشعوب العربية سوى استنهاضها بحشد الطاقات، واستلهامها الحكم والهمم من معين أولئك المناضلين الذين سطروا انصع الصفحات المضيئة بأفكارهم، وجسدوا أعظم الملاحم البطولية بنضالاتهم، وسجلوا أروع الارث التاريخي النضالي بتضحياتهم.. ولعل الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز من ضمن تلك الكوكبة المناضلة، الذي أصبح مبعث فخر المناضلين وطالبي الحرية في كل مكان.
ومن هذا المنطلق رفعت الشعوب في لبنان وبيت لحم ورام الله والخليل، وغيرها من شعوب الدول العربية والاجنبية صورا للرئيس شافيز واعلام فنزويلا اثناء تظاهراتها ضد الحرب البربرية الصهيونية على قطاع غزة.. بحسب ما صرح به “محمد اللحام” النائب عن حركة فتح قائلا: “إن هوجو شافيز مناضل، بل هو رمز النضال من اجل الحرية مثل تشي جيفارا وهذا ما يميزه عن باقي الرؤساء الآخرين في العالم”.
ولعل الشيء بالشيء يذكر فإن الرئيس اليساري هوجو شافيز، قد استمد ارادته من معين تلك التضحيات الجسام للمناضل الشهيد ارنستو تشي جيفارا، الذي خاض غمار المعارك الوطنية والمبدئية والاممية في ابسل المواقف التاريخية البطولية.. وهكذا سنعطي صورة وطنية ازاء تشابه المواقف المبدئية ما بين هوجو شافيز وبين جيفارا وكارلوس في مقالة قادمة.

صحيفة اخبار الخليج
23 يناير 2009

اقرأ المزيد

لغة العنتريات

لا تصلح لغة العنتريات والبطولات الوهمية في عالم السياسة اليوم!
لا تتحدد أوضاع السياسة بكمْ التصريحات المدوية في الفضاء الفارغ بل بكمْ من الخطوات الصغيرة على الأرض!
من لديه لغة القوة المتجسدة في الصناعات وخاصة الصناعات الحربية يفرضُ مشيئته، رغم أنها مشيئة إذا كانت في برامج التوسع والاستغلال تغدو كارثية على أصحابها في المدى البعيد غير المنظور رغم تجاهلها إرادة الشعوب.
وقد وجدنا كماً هائلاً من التصريحات النارية بالقضاء على إسرائيل والصهيونية، ولم تتجسد ببضعة أقدام حقيقية على الأرض.
ولكن هذه الأصوات في ذات الوقت تسخر من يعمل على تشكيل إرادة وممارسة نضالية صغيرة على الواقع.
إنها جماعات الاستعراض والمتفجرات الملونة.
حين ننتقد الرئيس الإيراني نجاد ننتقد لغته الاستعراضية غير المسئولة، وهو نقدٌ تشارك فيه قوى إيرانية عديدة وقوى مؤيدة للسياسة الإيرانية في العالم العربي كذلك.
لا يجوز حتى لرئيس فريق رياضي أن يوجه تهديدات خطرة بزوال الفريق الرياضي المنافس وسحقه من الكرة الأرضية!
ربما لا تؤدي تهديدات رئيس حزب سياسي بكوارث، لكن حين يتحول رئيس الحزب إلى أن يكون رئيس دولة كبيرة مسئولة عن حياة الملايين، فإن المسألة تغدو كارثية بكل معاني الكلمة!
لو تصورنا كيف يمكن أن تنهمر القنابل والصواريخ في منطقة الخليج العربي وفلسطين بين الجانبين المتحاربين على ضوء هذه التهديدات المشتركة، فحتى السياسة الإيرانية لها حلفاء في الخليج ولها شعب ممتد، فماذا يمكن أن تنتج من كوارث؟
تقوم الجماعات المؤيدة للسياسات الصواريخية الإيرانية والإسرائيلية بتعريضنا لأفدح الكوارث، ولكن في حين ان السياسة الاجرامية الإسرائيلية تمشي على الأرض وتذبح الناس بالدبابات والطائرات فإن سياسة الصواريخ البعيدة المدى النجادية لا تتشكل لا في الفضاء ولا على الأرض!
لا يكون لها أي موقع وتغدو مجرد مفرقعات واستعراضات!
إن المسئول السياسي الكبير يجب ألا يتفوه بمثل هذه اللغة الاستعراضية، ولكن الأمر لا يتوقف عنده فإن الاستعراضيين العرب كثيرون.
وتنشر في هذا الوقت صور الرئيس أبي مازن والمسئولين الفلسطينيين الحكوميين باعتبارهم خونة لأنهم يجلسون مع المسئولين الإسرائيليين في اجتماعات سابقة، ويعرضونها على الجمهور باعتبارها أنها تجري الآن، وإنهم ينسقون لذبح حماس ككبش الفداء القومي الديني في هذه المحرقة.
إنهم مسئولون في سلطة ومسئولون عن شعب وسلامته وليسوا رؤوساء عصابات مثل هؤلاء الذين تريدون تكوينهم، فهم يحتاطون من أي إراقة نقطة دم، وليسوا مثل هؤلاء الذين يقومون بإطلاق الصواريخ فوق رؤوس الشعوب بلا أي مسئولية ولا تقدير لسلامة الملايين من البشر!
إننا نرفض إطلاق الصواريخ والقنابل من إسرائيل ومن إيران ومن حماس وغيرها، فهؤلاء ليسوا سياسيين مسئولين ولكنهم فوضويون مغامرون بمصائر الشعوب!
ندعو للحوار، لرفض سياسة العنف من كل الأطراف، وحل المشكلات بالتفاوض.
هذه السياسة تبدو ظاهرياً لضرب إسرائيل ولكنها لخدمتها وتقويتها.
فأطراف العنف المتجمعة في حلف غير مقدس السابقة الذكر، ذات الوسائل النارية في قمع الشعوب، لا تستكثر استخدام الصواريخ وحرق المنطقة، ولكنها تحمي نفسها بوجودها الصراعي الوهمي.
إيران الدكتاتورية بحاجة إلى إسرائيل الفاشية، كلٌ منهما يغذي الآخر.
إيران الحكومية الدكتاتورية تقول لإسرائيل نحن بحاجة إلى وجودك وبقائك، فكيف نبرر سياستنا من دونك؟ استمري في الوجود الأزلي، وصواريخنا مجرد فقاعات!
كلما هتف الشعبُ عن سوء الخدمات قلنا إسرائيل، وكلما طالبت النساء بحقوقهن قلنا أمريكا وإسرائيل، فإذا ذهبتا أي مبررات تبقى نسوقها لقمع الشعب؟!
والشعب الإيراني من جهة أخرى يصرخ نحن بحاجة إلى الخبز والحرية والسلام وليس إلى الصواريخ التي تأكل معيشتنا وحياتنا!
لكنه يُقمع بقسوة بالقول إنه عميل للغرب والصهيونية!
والشعب الإسرائيلي يصرخ كفي عن العدوان والجرائم يا حكومة ولكن حماس تطلق الصواريخ فتوحدُ الشعبَ الإسرائيلي وراء حكومته!
هي لعبة كبرى لا تنطلي إلا على المغفلين!
وإيران وجود سياسي إنساني كبير، وتاريخه تاريخ حضارة وتقدم، وتستطيع أن تعيد النظر في الجمود السياسي الراهن بدعم الملكيات الخاصة بجانب الملكية العامة المراقبة من قبل الشعب، وتوسيع الحريات العامة والثقافة الحديثة، والتوجه إلى ديمقراطية حقيقية، وكل هذه إجراءات لا بد منها لتغدو إيران جزءا من المنطقة التي هي أيضا تعاني الشموليات الاقتصادية والسياسية.
إن نشوء منظومة ديمقراطية تحديثية وتعاون الشعوب هو أفضل من هذه التصادمات الغبية.
إن العنتريات تنطلي على البسطاء المتشربين بكره حقيقي على الصهيونية الاجرامية والاستعمار، لكن الكبار من وراء ظهورهم يشكلون سياسات الطبقات الحاكمة الاستغلالية ويتعاونون ويدبرون المؤامرات والخطط، التي تضمنُ بقاءهم وسيطراتهم المختلفة، وهم بحاجة إلى بعضهم بعضا، ويعرفون كيف يضربون بحدود صغيرة، ويشعلون المشاعر ويخلطون الأوراق، وتتذابح الشعوب وتقتلُ بعضها بعضا بينما هم أسياد باقون.
في الختام نعتذر لعنترة الشاعر والشجاع الذي ورد اسمه هنا، وذلك بسبب ان الكثيرين تاجروا باسمه، وحولوا شجاعته البسيطة إلى خرافة لكنها ليست مثل خرافات الحكومات والجماعات التي تذبحنا وتزعم الشجاعة والدفاع عن الحق والشعوب.

صحيفة اخبار الخليج
23 يناير 2009

اقرأ المزيد

أول نجاح للإعلام العربي‮: ‬حرب الصورة والصورة المضادة

كان الإعلام جزءاً‮ ‬من حرب الكيان الصهيوني‮ ‬على‮ ‬غزة من خلال ما‮ ‬ينشره من أكاذيب وما‮ ‬يفرضه من تعتيم،‮ ‬ولكن من حسن العرب هذه المرة بأن الإعلام العربي‮ ‬الفضائي‮ ‬بوجه خاص قد استطاع هذه المرة أن‮ ‬يكون جزءاً‮ ‬من المعركة المضادة،‮ ‬في‮ ‬مواجهة التضليل الإسرائيلي‮ ‬والتواطؤ الأمريكي‮ ‬والغربي‮ ‬على الصعيد الرسمي،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬جعل محمد حسنين هيكل‮ ‬يقول إن وقع الصورة اليوم بات أخطر من وقع القنبلة،‮ ‬حيث كانت مؤثرة وفاعلة في‮ ‬تسليط الضوء على حجم الإجرام الصهيوني،‮ ‬وفي‮ ‬نفس الوقت حجم مأساة الشعب الفلسطيني‮ ‬المستمرة منذ أكثر من‮ ‬60‮ ‬سنة،‮ ‬مأساة شعب مشرد مشتت،‮ ‬اغتصبت أرضه،‮ ‬ومع ذلك ما‮ ‬يزال صامداً‮ ‬متمسكاً‮ ‬بالحجر والتاريخ،‮ ‬في‮ ‬ظل تآمر دولي‮ ‬مخز،‮ ‬وضعف عربي‮ ‬غير مسبوق‮ ..‬ لقد كانت الصورة في‮ ‬هذه الحرب العدوانية جزءاً‮ ‬من المعركة الفلسطينية في‮ ‬مواجهة آلة الحرب والعدوان الإسرائيلية التي‮ ‬انكشفت أمام عالم الشعوب الذي‮ ‬أصبح ذا وزن وتأثير في‮ ‬عالم اليوم،‮ ‬ففي‮ ‬زمن أصبح فيه للإعلام الفضائي‮ ‬والإلكتروني‮ ‬خاصة،‮ ‬دور بارز في‮ ‬التوجيه والإقناع والتأثير،‮ ‬كان للصورة تأثير بالغ‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬غزة‮- ‬كما كان في‮ ‬حالة البوسنة والهرسك‮- ‬في‮ ‬مجال التواصل الإنساني،‮ ‬بحيث أفضت صيرورة العولمة التكنولوجية إلى مجتمع‮ «‬القرية الإلكترونية‮»‬،‮ ‬وتحولت الصورة إلى طاقة فاعلة تعيد تركيب عقل المشاهد،‮ ‬وتضع كل الحواس في‮ ‬خدمة العين،‮ ‬بعد أن نفذ الإعلام المرئي‮ ‬إلى ذات المشاهدين وعقولهم،‮ ‬وعمّم خصوصيته وقيمه ونظامه،‮ ‬فبات المشاهد أسير الصورة‮ ‬يقرأ بعينيه ما‮ ‬يكتبه‮. ‬بل أصبح رهين الشاشة لا‮ ‬يستطيع مغادرتها،‮ ‬واستطاعت الصورة اختزال كل كلام مباح وغير مباح،‮ ‬وبذلك نستطيع القول إن الإعلام العربي‮ ‬قد نجح هذه المرة في‮ ‬استخدام خطاب الصورة في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬فشل فيه الخطاب السياسي‮ ‬العربي‮ ‬المرتبك والمتردد وغير المبدئي‮ ‬وغير الحاسم في‮ ‬إيصال رسالة واضحة لإسرائيل وللعالم‮. ‬ الوجه الثاني‮ ‬لهذه المعركة كانت معركة الأرقام والاستطلاعات التي‮ ‬يظل فيها العرب الطرف الأضعف بسبب تقلص الحريات وتقلص الديمقراطية،‮ ‬وعدم الجدية في‮ ‬التعاطي‮ ‬مع الرأي‮ ‬العام العربي‮ ‬كقوة فاعلة في‮ ‬السياسة،‮ ‬ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كانت هنالك معركة صاخبة تجري‮ ‬داخل الكيان الصهيوني‮ ‬هي‮ ‬معركة الاستطلاعات والأرقام التي‮ ‬يزايد فيها الإسرائيليون على الدم الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬العدوانية والكراهية والعنصرية،‮ ‬كانت حرب الاستطلاع العربي‮ ‬مخنوقة ومقتصرة على انطباعات عاطفية تعبر عن حالة الضيق والعجز،‮ ‬أكثر مما تعبر عن موقف‮ ‬يؤثر في‮ ‬متخذ القرار،‮ ‬أو‮ ‬يعبأ به الآخرون‮.‬ لقد شهدت الأيام الأخيرة استطلاعات‮ ‬يومية في‮ ‬الكيان الصهيوني‮ ‬كتعبير عن المواقف السياسية والاتجاهات التي‮ ‬تؤثر في‮ ‬الخيارات السياسية على صعيد الناخب الإسرائيلي،‮ ‬كما تعبر في‮ ‬نفس الوقت عن حالة التشنج العارمة التي‮ ‬تعتصر المجتمع الإسرائيلي،‮ ‬ولعل الاطلاع على هامش صغير من هذه الاستطلاعات الجديدة‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعطينا بعض المؤشرات عن حقيقة الرأي‮ ‬العام الصهيوني،‮ ‬فقد أوضح استطلاع للرأي‮ ‬بالغ‮ ‬الدلالة في‮ ‬الكيان الإسرائيلي،‮ ‬أجراه مركز معاداة العنصرية‮ ‘‬سانتر فور دو كومباين أغانست رايسيزم‮’ ‬خلال العدوان على‮ ‬غزة ما‮ ‬يلي‮:‬ ‮-‬في‮ ‬مجال كره العرب‮: ‬50‮ ‬في‮ ‬المائة من الإسرائيليين‮ ‬ينتابهم الخوف،‮ ‬عندما‮ ‬يتسمعون إلى أي‮ ‬فلسطيني‮ ‬يتعلم باللغة العربية،‮ ‬و31‮ ‬في‮ ‬المائة منهم‮ ‬يحسون بالحقد والبقية لا‮ ‬يرغبون حتى في‮ ‬مجرد الاستماع إلى العرب وهو‮ ‬يتحدثون في‮ ‬التلفزيون‮.‬ ‮-‬في‮ ‬مجال الأمن‮: ‬56‮ ‬بالمائة من الإسرائيليين‮ ‬يِؤمنون أن العرب الإسرائيليين‮ ‬يمثلون معضلة أمنية بالنسبة لدولة إسرائيل وأن المطلوب من إسرائيل أن تتخلص منهم في‮ ‬إطار أي‮ ‬اتفاق سلام في‮ ‬المستقبل‮.‬ ‮-‬في‮ ‬المجال الاجتماعي‮: ‬55‮ ‬بالمائة من الإسرائيليين‮ ‬يودّون لو‮ ‬يتمّ‮ ‬عزلهم عن العرب في‮ ‬أماكن الترفيه والأسواق والساحات العامة‮.‬ ‮-‬في‮ ‬مجال المواطنة‮: ‬40‮ ‬بالمائة من الإسرائيليين‮ ‬يوافقون على سحب حقّ‮ ‬الانتخاب والترشح من العرب الإسرائيليين‮.‬ ‮- ‬في‮ ‬المجال الثقافي‮: ‬37‮ ‬في‮ ‬المائة من الإسرائيليين‮ ‬يرون بأن الثقافة اليهودية أرفع منزلة من الثقافة العربية‮ -‬الإسلامية‮.‬ ‮- ‬في‮ ‬مجال التعامل مع الشهداء الفلسطينيين‮: ‬عبر أكثر من‮ ‬60٪‮ ‬من الإسرائيليين عن حق إسرائيل في‮ ‬احتجاز جثث الشهداء،‮ ‬وتجريدها من الأسماء بعد دفنها في‮ ‬مقابر تسمى مقابر الأرقام الإسرائيلية كعقاب للفلسطينيين وزيادة معاناتهم‮.‬
 
صحيفة الوطن
22 يناير 2009

اقرأ المزيد

عدم فهم قوانين النضال

لماذا استطاعت النبوة ورموزها التحويلية وصلاح الدين الأيوبي تحقيق انتصارات وتحرير المنطقة؟
لماذا فشلت الحركات المذهبية والقومية والماركسية في صنع التحرير؟
ولماذا نجحت النبوة ورموزها وصلاح الدين الأيوبي؟
لقدرتها على فهم التناقض الرئيسي وتجنب الدخول في صراعات ثانوية.
كان الإسلام التأسيسي قد طرح الوحدة ورفض الدخول في صراعات مع ملأ قريش، وحين هـُزم ملأ قريش عبر سلاح التوحيد، تـُرك هذا الملأ في أعماله التجارية والاجتماعية واستفاد منها لتطوير عملية التحرير للبلاد العربية من الاحتلالات المختلفة.
ولماذا كان صلاح الدين أذكى من التنظيمات القومية واليسارية على بعده الكبير عن العصر الحديث وإمكانيته المعرفية والصناعية؟
لحدسه السياسي المرهف بموقع التناقض الرئيسي، الذي يجب أن توجه كل القدرات السكانية والحربية ضده، أي بتوجيه القوى العربية الإسلامية ضد العدو المحتل لفلسطين.
تجميعُ كل القوى وتوحيد الصفوف واستثمار كل الإمكانات القليلة المحدودة في الصفوف العربية المختلفة، وتشكيل حربة منها ضد الغزاة هو سر الإسلام وموجات التحرر الوطنية التي أحدثت نقلة وليس تمزقات وحروباً داخلية وأهلية استنزفت الأجساد والعقول والموارد.
وحتى بعد انتهاء عملية الاستقلال الشكلية المعاصرة فإن الاستعمار لم ينته، والصهيونية ظلت تعربد في الأرض والسماء، فمن الذي ساعدهما بشكل مباشر وغير مباشر؟
أليست هي السياسات العربية المزايدة والتقسيمية؟
لماذا استطاع أولئك البسطاء السلف من الاقتراب من جوهر العملية السياسية المركبة بأدوات وعيهم في زمن شديد التخلف؟
كان التوحيد في بؤرة نشاطهم وتجميع كل الطاقات الممكنة، ومصالح الأغلبية في برنامجهم غير المسيس بالطريقة العصرية، لكنها متوارية تحت الكلمات الدينية البسيطة، وفيما بعد حين تشكلت الطوائف بسبب صراعات اجتماعية وقومية لم تـُفهم ولم تـُؤخذ بعين الاعتبار لدى الأجيال التالية من العرب والمسلمين، فكان الارتكاز على الأغلبية الطوائفية القادرة على إيجاد أكبر توحد في الصفوف العربية الإسلامية المواجهة للحملات الصليبية والاستعمارية فيما بعد.
وفي زمن العلمانية والديمقراطية والعقلانية التي تجلت في قوى الأحزاب النهضوية المستندة كذلك إلى قوى الطوائف المؤيدة لعمليات التحرر حدثت الثورات الوطنية التوحيدية، وتحررت الدول العربية والإسلامية.
لم تكن سمات الحداثة تلك سوى محاولة لعدم بعث الصراعات المذهبية والدينية على حساب التوحد، فالعملية السياسية التحررية وكذلك التنموية تتطلب أكبر رقعة سكانية متآزرة، وهذا لا يمنع الاختلاف الاجتماعي، اختلاف المصالح بين المجموعات الاجتماعية المختلفة، ومراعاة مصالح الأغلبية، والتوفيق بين مطالب التنمية ومطالب الجمهور العريض بالعمل والسكن والتعليم، ولا يمنع أن تكون لها مذاهبها وأديانها الخاصة المقدرة.
لكن الصراعات الاجتماعية لا تكون على حساب مواجهة التناقض الرئيسي، ولا تكون تفجيراً للصفوف الداخلية، على حساب السكوت عن الغزو الخارجي.
لكن الجماعات السياسية التي نشأت بقوة مؤخراً غرقت في تفجير الصراعات الداخلية، ثم تفاجأ في كل لحظة انعطافية بأنها خارج التاريخ، وعاجزة عن رد أي غزو، لأنها كانت مشغولة بسياسات التفريق لا بسياسات التوحيد.
إن منزلقات الصراعات القومية والدينية نفسها التي شلت القوى العربية خلال قرون تستعاد.
من هنا ينبغي أن تبحث مؤتمرات القمة العربية والإسلامية هذه المسائل المحورية، وتتبنى أجندة المعاصرة السياسية الراهنة، لتوحيد العرب والمسلمين على ثوابت النضال العامة.

صحيفة اخبار الخليج
22 يناير 2009

اقرأ المزيد

تحدي مداواة الجروح

حسب هيئة الإذاعة البريطانية فان الصحف الأمريكية أجمعت على أن تنصيب الرئيس الجديد باراك أوباما يمثل نوعاً من العلاج أو من تصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع نفسها. بعيداً عن أية أوهام، فمهما كانت السجايا الشخصية والأخلاقية للرئيس الجديد خَيّرة، فان صنع القرار السياسي في بلدٍ مثل الولايات المتحدة الأمريكية مسألة معقدة، تخضع لآليات كثيرة، وأن دور الرئيس، على أهميته، ليس هو المحدد الرئيسي، بالضرورة، لطبيعة القرار المتخذ، لكن يبقى أن ما ذهبت إليه الصحافة الأمريكية ينطوي على الكثير من الصحة. فاوباما شخصية ملهمة بالنسبة لملايين البشر داخل الولايات المتحدة وخارجها، ليس فقط لكونه أول رئيس أمريكي ملون شق طريقه نحو المجد بعصامية ودأب، واستطاع أن يكسر العرف السائد، منذ تأسيس الولايات المتحدة، بأن جعل من رجل البيت الأبيض مُلوناً، وإنما أيضاً لأنه أشاع الأمل في قلوب وأذهان الكثيرين، بعد الأداء المدمر لإدارة بوش الراحلة، التي توصف بأنها أسوأ إدارة عرفتها أمريكا حتى الآن. في معنى من المعاني يمثل مجيء رئيس ملون بالنسبة للأمريكيين انتصاراً للخيار الإنساني في المساواة ونبذ العنصرية والتمييز ضد السود، فأمريكا التي تأسست على قاعدة إفناء سكانها الأصليين، وتشييد حضارة قائمة على منطق القوة، على النحو المدهش الذي وصفه الراحل محمود درويش في قصيدته: « الخطبة الأخيرة للزنجي الأحمر أمام الرجل الأبيض»، ظلت لفترة طويلة رازحة تحت نير وعار العبودية التي لم تُلغ إلا في عام 1865. لا نحسب أن رئيساً أمريكياً عُلقت عليه الآمال داخل أمريكا أو خارجها مثل أوباما. لقد أجاد هو في حملته الانتخابية صناعة الأمل بالتغيير لدى الناس، وبالتالي فان سقف التوقعات لدى هؤلاء الناس منه بات سقفاً عالياً، وسط شعور يعم أوسع القطاعات داخل وخارج أمريكا، إن بوش خلف لسلفه عُقداً من المشاكل التي تحتاج إلى حل، بل أن العالم لم يسبق أن بلغ الدرك الأسفل من الخراب والضياع وفقدان الثقة في المستقبل خلال العقود الماضية، كما حدث في فترتي إدارة بوش الابن. ومن ابرز ملامح تركة بوش على المستوى الخارجي، الحربان المفتوحتان في العراق وافغانستان، وتراجع صورة الولايات المتحدة بين مواطني كثير من دول العالم، وعلى المستوى الداخلي ترك بوش الموازنة الأمريكية وهي تعاني من عجز تزيد قيمته عن تريليون دولار، بينما كان هناك فائض في هذه الموازنة عندما تسلم بوش الحكم من الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، علاوة على أوسع كساد تشهده الولايات المتحدة منذ أكثر من ثمانين عاماً عاما، وبلغت نسبة البطالة في الولايات المتحدة حاليا أعلى معدل لها منذ نحو عقدين. ومن سوء حظ أوباما إنه أصبح رئيساً للولايات المتحدة في ظروف الأزمة المالية العالمية، وإذا كانت هذه الأزمة شكلت حافزاً للأمريكيين في اختياره رئيساً لأنهم وجدوا فيه الأمل، فان أوباما المرشح غير أوباما الرئيس الذي اعترف بأن تعافي الاقتصاد لن يأتي بسرعة أو بسهولة. يضع الأمريكيون والعالم، ونحن ضمنه، أمام أوباما تحدي مداواة الجروح البليغة التي خلفتها السياسة الأمريكية السابقة، التي أقل ما توصف به هو التهور.
 
صحيفة الايام
22 يناير 2009

اقرأ المزيد

من ينصف أبن المحرق


ألا يوجد عقلاء في هذا الوطن! لكي يوقفوا الذين لا زالوا ماضيين في مشروعهم المدمر لهذا المجتمع البحريني الذي عاش أبنائه لعقود وربما مئات وآلاف السنين في وئام وسلام، ولم يكن أحد يعكر صفاء ذلك التعايش العفوي والتداخل الاجتماعي والإنساني. لكن اليوم غير تلك الأيام الجميلة من حياة آبائنا وأجدادنا وأن كانت الظروف حينها صعبة وقاهرة.
 لمصلحة من تستمر سياسة التجنيس ؟ لقد أصبح شعبنا أضحوكة يتندر علينا الأشقاء الخليجيين، سبق وأن كتبنا عن التجنيس وآثاره السلبية في المجتمع، والذي لا أسس ولا مقومات له، لو كان المجنسين علماء ومفكرين وأصحاب مؤهلات علمية عالية تحتاجهم البلاد، نرفع القبعات تحية لذلك القرار لأننا شعب غير شوفيني ولا متعصب، شعب محب للآخرين، أسألوا العمالة الوافدة عن حسن المعاملة، جاء صاحبي ليحدثنا عن شخصية تجارية من المحرق، ليقول ، كان يعمل مع ذلك التاجر المحرقي ، مهندس من بلد عربي، يعرف كل أسرار المهنة، ومنذ سنوات طويلة يعمل معه واكتسب خبرة واسعة في مجال عمله، ففي ظل سياسة التجنيس العشوائية حصل ذلك المهندس على الجنسية البحرينية، وإذ به يقدم استقالته من تلك المؤسسة التجارية، التي عمل فيها لسنوات طويلة ويؤسس ، شركة أو مؤسسة خاصة به، ولم يكتفي بذلك بل مارس نفس الأعمال التجارية التي كان يقوم بها في المؤسسة التي كان يعمل بها ويطبق صاحبنا، وأخذ زبائن تلك المؤسسة التجارية ويقول ربما قدم لهم أسعار أقل، وهل اكتفى بذلك ، قال لا، وماذا فعل؟ رفع دعوة قضائية ضد المؤسسة وصاحبها، وحصل على تعويض مالي قدره سبعة آلاف دينار بحريني ، حكم له قاضي من نفس بلده الأم، وحسب ما كان يدعي بأنها مستحقات له نظير سنوات عمل ، كانت حسرة ذلك التاجر المحرقي واضحة على وجهة يقول لم يضر التجنيس فئة أو طائفة معينة وإنما الجميع من أبناء البحرين وكل طوائفه وأعراقه متضررة من تلك السياسة الخاطئة التي لا يزال البعض من أركان مؤسسة الحكم يصر على الاستمرار فيها.
 أخيراً نقول هل تضمنون ، بان أبناء المجنسين بعد عشرين أو ثلاثين عاماً، لن يكونوا من المعارضة.
 
خاص  بالتقدمي

اقرأ المزيد

من تاريخ صراع القمم العربية (4 ــ 4)

أربع قمم عربية تم عقدها خلال ثلاثة أسابيع ونيف من تواصل المذابح الوحشية اليومية المروعة بحق أهالي غزة على أيدي النازيين الاسرائيليين من قوات الاحتلال لكن جميع تلك القمم الاربع عجزت عن الارتقاء الى الحد الادنى من قراراتها لتكون في مستوى الحدث الجلل البالغ الخطورة وغير المسبوق تاريخيا في خطورته والمتمثل في المجازر التي ارتكبتها اسرائيل في غزة، فجميع قراراتها هي تحصيل حاصل متوقع سقفه مقدما ولا يرقى الى خطورة الحدث وبضمنها على وجه الخصوص القمة الطارئة غير المكتملة النصاب في الدوحة.
ومع ان القمة العربية الاولى، ألا هي قمة مجلس التعاون الدورية الاعتيادية التي عقدت في مسقط جاءت بعد يومين أو ثلاثة فقط من بدء المذابح الاسرائيلية، الا انه ما كان بمقدورها أبدا ان تبت في حدث خطير طارئ بحجم الهجوم الوحشي الاسرائيلي على غزة وتقرر ما تقرره ازاءها من دون ان يكون هذا البت في اطار عمل عربي مشترك اكبر يتمثل تحديدا في مؤسسة القمة العربية. ولذا جاءت الغالبية العظمى من قراراتها روتينية اعتيادية معدة سلفا منذ ما قبل العدوان، باستثناء اضافة فقرة عن غزة يؤكد من خلالها المجلس الاعلى “قلقه”، و”استياءه”، من العدوان و”ادانته”، وتحميل اسرائيل المسئولية “الكبرى” عنه، و”مطالبة” اسرائيل بوقف “التنكيل” بالشعب الفلسطيني، ومطالبة المجتمع الدولي بالتحرك لوقف المجازر الاسرائيلية.
واذا كان هذا هو حال الحصاد الهزيل من القمة الخليجية الاعتيادية التي شاءت الاقدار ان يأتي ميعادها بعد ثلاثة أيام فقط من بدء العدوان، فإن القمم الثلاث التي جاءت بعد هذه القمة لم تكن بأفضل حال، إلا نسبيا جدا، في حصادها الهزيل هي الاخرى. ولئن كان يشفع لهزالة حصاد القمة الخليجية انها جاءت في بدايات المذابح، فماذا يشفع للقمم الثلاث التي جاءت بعدما بلغ سيل دماء الغزاويين الزبى من شلالات الدماء التي فجرتها اسرائيل من لحوم الغزاويين؟
فأولى تلك القمم الثلاث كانت القمة الخليجية الطارئة التي عقدت بناء على طلب الرياض، وحبس العرب أنفاسهم حولها ثم اتضح وفق بيانها الختامي أنها لم تتمخض سوى عن اتفاق أقطابها على أن يستعرضوا القضية الفلسطينية، وعلى الاخص “مأساة غزة” في قمة الكويت اللاحقة بدلا من قمة الدوحة الطارئة غير المكتملة النصاب التي عقدت في اليوم التالي.
أما ثاني هذه القمم الثلاث (قمة الدوحة)، والتي جاءت في اليوم التالي والخاصة بغزة، فرغم الاصرار على عقدها، بغياب مصر والسعودية ومعظم دول مجلس التعاون، فإن حصادها جاء أشبه بمقولة “تمخض الجبل فولد فأرا”، فهي لم تخرج سوى بـ “توصيات” غير ملزمة لكل الدول العربية، وذلك لعدم اكتمال نصابها. وأكثر من ذلك فإن قراراتها لم تكن بذلك الحزم والقوة في التصدي لوقف المذابح وردع الجزارين على الفور في غزة الذبيحة، على الاقل بما يرقى والضجة الكبيرة التي أثيرت حول انعقادها، حيث أقام عرّابوها الدنيا ولم يقعدوها بسببها، حتى ليخال للمرء بسبب تلك الزوبعة وكأنها قمة ليست لوقف مذابح غزة فحسب، بل قمة تحرير فلسطين من النهر الى البحر، فمن دخلها (القمة) فهو آمن وأشرف الناس وأكثرهم وطنية وقومية وإيمانا وتألما لمذابح غزة.. ومن تخلف عنها فهو مغضوب عليه، أو في أحسن الاحوال نعتا، من العرب المتملصين من نجدة اشقائهم في غزة.
فإذا ما استثنينا قراراتها العادية المتفق عليها عربيا سلفا والتي جرى التوافق عليها من حيث الجوهر في قمة الكويت الاقتصادية، كالمطالبة بوقف فوري للعدوان وانسحاب الاحتلال، وانهاء الحصار، وفتح المعابر، وتأسيس صندوق لإعادة الاعمار، فان أقصى ما ذهبت اليه تلك القمة العصماء غير المكتملة النصاب لم يكن سوى “تعليق مبادرة السلام العربية”، ووقف كل أشكال التطبيع.
والحال فإن كلتا هاتين التوصيتين بحاجة الى رؤية واقعية شجاعة مع النفس، بعيدا عن سقف الأمنيات المستحيلة وذلك بالنظر لما آل اليه العرب سلفا من انحدار في سقف الممانعة خلال ثلاثة عقود جرى خلالها، انخراط ثلاث دول عربية في اتفاقيات تطبيعية شاملة مع الدولة العبرية وبسكوت ورضا كل الحاضرين في قمة الدوحة.
فمبادرة السلام العربية لم تقبلها اسرائيل لكي يتم سحبها، فهي حجة عليها أمام العالم ولن تتضرر بسحبها، بل لربما سعدت كثيرا بمثل هذا القرار لما تشكله المبادرة العربية من ضغوط معنوية عليها. أما وقف التطبيع فلا يعني سوى احراج الدول العربية الثلاث المقيدة أمريكيا ودوليا بنصوص معاهدات التطبيع مع اسرائيل. ومن ثم أما كان الاجدى ألا تسكت دول قمة الدوحة من الاصل على اعادة مصر للجامعة العربية عام 89؟ وألا تسكت بعدئذ على الدولتين الاخريين (الاردن وموريتانيا) اللتين سارتا على دربها؟
ومادام الحال هو كذلك فلا غرابة إذا ما جاء حصاد قمة الكويت هزيلا هو الآخر، ولاسيما انها انعقدت بُعيد توقف المذابح التي جرت خلالها جولات عاصفة من الصراعات حول القمم التي عقدت من أجلها، وحيث خفف توقف المذابح الضغط المعنوي الكبير على أقطاب هذه القمة الكويتية الاخيرة ليكون سقفها “متواضعا” و”معتدلا”.
وربما كان أهم وأقصى ما توصلت اليه من اثارة تلفزيونية هي المصالحات التي عقدت بين عدد من أقطابها، وهو مشهد ممل لطالما سئمت الشعوب العربية من اجتراره منذ نكبة 1948 لدى وصول خلافات زعاماتها الى الذروة، بالتزامن مع ذروة جديدة لجرائم عدوهم الصهيوني المتكررة، فهل كان يتعين على الشعب الفلسطيني ان يدفع كل مرة هذه الشلالات من دمائه ليقتنع الاقطاب العرب بأهمية المصالحات مقدما في مواجهة “عدوهم” المشترك المفترض؟!

صحيفة اخبار الخليج
21 يناير 2009

اقرأ المزيد

عجز «هيئة التأمينات»

رفضت لجنة الخدمات الشورية أي زيادة على رواتب المتقاعدين، بسبب العجز الاكتواري في هيئة التأمين الاجتماعي.
مساكين ايها المتقاعدون، منذ 15 سنة وانتم تطالبون بزيادة في رواتبكم، والعجز لم ينته.
لا نعرف ما هو السبب الدائم للعجز الاكتواري، فهل يعقل ان طوال 15 سنة لا تستطيع الهيئة ان تزيد رواتب هذه الفئة التي عملت وكافحت من اجل هذا البلد، وآن لها ان تريح أبدانها بعد طول عناء.
اتفهم ما ردده الاخ جمال فخرو، الخائف على مستقبل الاجيال القادمة من اتخاذ قرارات قد تفضي بإفلاس هيئة التقاعد، ونكون نحن وأبناؤنا بلا تقاعد ولا مستقبل، ولكن يتبادر في أذهاننا سؤال، لماذا لم يتم التوقف طويلاً أمام هذه الهيئة والتفكير ووضع الخطط لتنمية مواردها واستثماراتها، منذ ان تم الاعلان عن الشرارة الاولى في الفصل التشريعي الاول بان هناك ازمة في الهيئتين؟
نعم، الان هناك خشية من الدخول في اي استثمارات، خصوصاً بعد قرع جرس «تداعيات الازمة المالية»، فالان الحجة جاهزة.
ولكن، لماذا لم تقم الهيئة ومستشاروها بالتفكير في تنمية الموارد، في وقت كان الاستثمار في العقار على الاقل مربحاً، ليس العقار فقط، ولكن هناك جملة من المشاريع كانت يمكن ان تجعل من صندوق الهيئة ذا وفرة تطمئن بها الاجيال.
النقاش الذي دار في جلسة الشورى امس الاول، يجب ان لا يمر مرور الكرام، وعلى السادة اعضاء المجلس الوطني ان ينشغلوا بمستقبل الموظفين والعمال، بدلاً من المهاترات غير المنطقية.

صحيفة الايام
21 يناي 2009

اقرأ المزيد

الحرث في تربتنا

تنتاب الكثير منا حمى في إعادة تكرار مفاهيم مغفلة دون تمثل حقيقي لمحتواها ودون دراسة متأنية لأشكال تجليها على ظروفنا الملموسة، لكننا ما زلنا أبعد عن تشخيصها لعدة أسباب، لأننا لا نولي العناية المطلوبة في إنتاج معرفة خاصة بظروفنا. أراضينا ما زالت بكراً، لأننا لا نحرثها، أولا نحرث فيها، إننا نحرث في أراضي الآخرين المحروثة أصلاً، والمجهول من تاريخنا أكثر بكثير من المعلوم، والآلية التي تحكم تطور بُنانا الثقافية والاجتماعية ما زالت أبعد من أن نمسك بها معرفياً. صحيح أننا لن نصل إلى هذا التملك المعرفي إلا بأدوات العصر المعرفية، لكن شريطة تطبيقها الخلاق على هذا الواقع. إن دراسة واحدة متأنية في سيرة رمز ثقافي أو اجتماعي في تاريخ أي بلد من بلداننا، والتعرف على الملابسات التي عاش في إطارها ومنابع تكوينه الثقافي ودوره التنويري خير من ركام من الكلام عن مفاهيم ومصلحات مبهمة، لا يؤدي كلامنا عنها إلا إلى زيادتها إبهاماً. ولو أردنا قياس هذا الأمر على واقعنا الخليجي، لوجدنا أن التحولات التي جاءت مع الاقتصاد القائم على النفط في بلدان الخليج قد أطلقت حالةً من الحراك الاجتماعي والثقافي السريع الذي نجد تجلياته في العديد من مظاهر الحياة، وهو حراك بالمعنى الحرفي للكلمة، فبرغم مرور عقود على هذه التحولات فإن مجتمعاتنا الحديثة ما زالت في حالة صيرورة وتشكل، وهي لم تعرف بعد الشكل النهائي أو الممتد الذي يسمح برصد أدق للظواهر ونتائجها. بعض الباحثين يذهبون إلى أن المدينة الخليجية، من حيث هي الجسم العمراني والسكاني الأساسي لدول الخليج ما زالت تبدو غير مكتملة، ومخترقة بالساحات الرملية الكبيرة، وهذه الملاحظة يمكن تعميمها، فهي في العمق الاجتماعي ليست بأقل بروزاً، بل انها هنا بالذات أكثر حدة وأبلغ في النتائج، ويظهر ذلك أشد ما يظهر في الازدواجية العميقة للقيم وانساق الثقافة ومظاهر الوعي الاجتماعي. فمظاهر العولمة، ثقافيا وعمرانيا، تخترق البنى والمظاهر التقليدية.. وتنشأ مدن حديثة تضاهي المدن الأمريكية والأوروبية، لكن خلف هذه المظاهر الجذابة والأنيقة تختفي مظاهر الكسل والركود في أشكال الوعي، رغم أن التكنولوجيا الحديثة إذ تدخل مجتمعا ما فإنها لا تفعل ذلك بصورة محايدة، إنما هي تحمل معها مؤثرات مهمة تمس الوعي، ولكن «الوعي» الذي ينشأ عندنا بحكم ذلك هو وعي مُشوه إن جاز القول، لأنه يريد التشبه بمظاهر الحياة الحديثة ويزعم في الوقت نفسه تمسكه بمنظومة القيم الموروثة. ليس هذا النوع من الاضطراب أو القلق بين التحديث والتقليد حالة خاصة بمجتمعات الخليج، إنه حالة تعرفها كل المجتمعات العربية بل والمجتمعات النامية كلها التي وجدت نفسها معنية بالتدويل الاقتصادي والثقافي والقيمي الذي يجتاح العالم. غير أن هذه الظاهرة تكتسب طابعاً أكثر حدة عندنا لعدة عوامل بينها الوفرة المالية التي نجم عنها نمط من الاستهلاك الترفي والبذخ الذي ارتفع إلى مستوى القيمة. أليس حرياً بالبحث السوسيولوجي في منطقتنا أن يُولي عنايته للحرث في تربة هذه التحولات العاصفة، وتقصي آثارها ونتائجها المتناقضة، بدل أن ننشغل بتكرار المصطلحات وعلك المفاهيم المجردة، دون «تجليسها» على واقعنا الملموس؟
 
صحيفة الايام
21 يناير 2009

اقرأ المزيد

ذاب الثلج.. وبان المرج


ربما أراد البعض من سكان غزة أن «يطيحوا واقفين»، مع إنه لا يمكن أن يسقط أحد واقفاً دون أن يسنده أحد «!!».. وفي غزة اليوم، كما هو في الوطن العربي بالأمس، فقد «ذاب الثلج.. وبان المرج»، فليس على المتابع للوضع أن ينتظر ليرى، ومن ينظر لا بد أن يرى؛ فثلاثة أسابيع من القتل والتدمير بآلة القتل الصهيوني، كانت تكفي لكشف المزايدين وأبطال الميكروفونات وشاشات التلفزة، وكذلك من المتاجرين بالدم الفلسطيني عن طريق الخطب الثورية التي حوّلت زلزال غزة إلى «انتصار كبير»، وكأن تسوية عشرين ألف منزل مع الأرض، وتدمير عشرين مسجداً، و16 مبنى حكوميا، ومقتل أكثر من 1315 بينهم أربعمائة طفل ومائة امرأة، وإصابة أكثر من خمسة آلاف وثلاثمائة وخمسين مصابا، حدث ذلك في تل أبيب، والأمهات الإسرائيليات وحدهن يبكين في معسكرهن «المهزوم» من وقع صواريخ «القسام وغراد، أو شهاب واحد وشهاب اثنين!!».

نعم، صمد الفلسطينيون.. صمود الأبطال الذين يستحقون رفع القبعات احتراماً، غير أنهم دفعوا مقابل هذا الصمود ثمناَ غالياً من دمائهم ومآسيهم، يضاف إليها ثلاثة مليارات لإعادة إعمار ما دمرته آلة الدمار الصهيوني بوحشية، ونحيب الأهالي هناك، وعليه هُزمت إسرائيل فقط أخلاقياً أمام تراجيديا الثبات وهذا الصمود ذو البعد الإنساني، بينما المتاجرون أرادوا أن يحوّلوا هذه التراجيديات إلى “ميلودراما” تخص شخصية تاريخية اعتبارية لفصيل فلسطيني واحد، يراد له أن يكون ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني في تغيير دراماتيكي، أو ربما بهذا الفصيل، أو المختلف معه ” قد يستقيم الظل وهو أعوج..”.

في فلسطين، كما في الوطن العربي بضع ثوار وتجار وانقسام وتشرذم، وثمة مزايدون، فهل قمة الكويت الاقتصادية الأولى بجدول أعمالها، وما بعد، بعد الكويت يمكن أن توقف نزيف جرح غزة، من الدروس فلسطينياً وعربياً، وتستثمر تراجيديا معارك الأسابيع الثلاثة للجم المحتل الصهيوني، ليدفع ولو مرة واحدة ما دمرته آلته؟؟.



الوقت 20 يناير 2009

اقرأ المزيد