المنشور

محمود أمين العالم

رحيل محمود امين العالم خسارة كبيرة للفكر الماركسي ولليسار ولكل الذين يناضلون من اجل حياة تسودها الحرية والتحرر والتقدم والعدالة، فالحديث عن «العالم» يعني الحديث عن رائد من رواد الفكر الماركسي.. يعني الحديث عن مكافح لم يتوقف طيلة حياته عن الدفاع عن فكره ومبادئه وعن مستقبل التقدم البشري، خدم العلم والنقد والثقافة وقضى عمره لازالة الاستغلال والاستعباد والتخلف والقهر دون ان يكون مزدوجاً ولا نخبوياً متعالياً هذا ما قيل عنه وما عرف به.
كانت حياته السياسية والادبية والثقافية مليئة بالمؤلفات والاصدارات والدراسات والمقالات ومن بين ما كتبه: الانسان موقف الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر، والفكر العربي بين الخصوصية والكونية، الرحلة الى الآخرين، الابداع والدلالة، الثقافة والثورة، تأملات في عالم نجيب محفوظ، من نقد الحاضر الى ابداع المستقبل وغيرها، ولعل ابرز هذه الاصدارات في الوقت الحاضر «من نقد الحاضر الى ابداع المستقبل» الذي بحث فيه مدى تأثير ظاهرة العولمة في نسيج العديد من الاوضاع العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن يرتبط بها من تيارات ومعارك فكرية كالليبرالية والاسلامية والقومية والماركسية وفي هذا الكتاب يتساءل «العالم» عن المستقبل الذي يعني بالنسبة اليه الابداع لا الاستقبال، أو التلقي. ومن جملة ما تطرق اليه ايضا الاسلام السياسي والسلطة ومستقبل الثقافة في مصر وظاهرة العنف والتكفير.
وعلى هذا الصعيد، خاض حوارات ومعارك فكرية كثيرة وكانت قناعته تقول: مهما اختلفت وتنوعت تيارات الاسلام السياسي فإن ما يوحد هذه التيارات جميعاً هو الموقف من السلطة فهي جميعاً تدعو الى السلطة الدينية وألا تكتفي بالقول بتطبيق الشريعة الاسلامية او باستلهامها، بل تدعو دعوة صريحة جهيرة الى اسلمة السلطة واسلمة المجتمع في مختلف ممارساته واساليب حياته بل لعل بعضها يمتد بهذا الى محاولة اسلمة المعرفة والعلوم كذلك.
وفي موضع آخر، في هذه الحوارات الفكرية تقول ايضاً: ان المواقف تختلف في حركة الاسلام السياسي حول منهج تحقيق ذلك فهناك من يذهب الى تكفير السلطة والمجتمع القائمين وضرورة فرض السلطة الاسلامية والمجتمع الاسلامي بالعنف المسلح كما تذهب جماعات التكفير والهجرة والجهاد والجماعات الاسلامية عامة التي خرجت من معطف سيد قطب وهناك من يذهب الى استخدام التقية والموقف المزدوج الذي يسعى الى كسب المواقع والانصار بالدعوة وممالأة السلطان في الظاهرة والاستعداد في السر لسيطرة على السلطة بالعنف المسلح وهناك من يسعون الى التغلغل في المؤسسات الاجتماعية والمؤسسات السلطوية تميهداً لاستيلاء على السلطة بشكل ديمقراطي متدرج او يتحول الى عنف مسلح اذا توافرت الشروط الاجتماعية ولكن الهدف النهائي على اختلاف هذه المناهج والاساليب هو اقامة السلطة الدينية.
وحول المشهد الفكري والثقافي العربي يعتقد «العالم» ان مجتمعاتنا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تسودها ثقافة ثنائية ملتبسة غير متواز نة فضلاً عن هشاشة وسطحية بنيتها المعنوية والمادية على السواء فلا القديم التراثي الذاتي عميق الجذور في تأصيله المعرفي والقيمي والوجداني في ثقافتنا العربية عامة، اللهم إلا في بعض الاجتهادات المستنيرة التجريدية الفكرية والعلمية ذات الطابع النخبوي لبعض القوى الثقافية المعارضة ولا الفاعل الخارجي له اسسه وركائزه الراسخة المستنبتة النابعة في الوقت نفسه من الابداع المجتمعي الذاتي بل يمارس تأثيره السلبي في عرقلة التنمية.
حقاً رحيل «العالم» خسارة للثقافة والعلم والفكر المستنير وللعقل والعقلانية ومع ذلك لم يرحل فهو ترك إرثاً فكرياً وثقافياً اضاف الشيء الكثير للثقافة العربية والانسانية عامة.. إرثاً يضيء باستنارته العقل والابداع والمعرفة.. إرثاً يدرك اهمية التغيير والتجديد والتقدم.

صحيفة الايام
17 يناير 2009

اقرأ المزيد

دولة ديمقراطية أم بوليسية


عاشت البحرين لما يزيد على ربع قرن تحت وطأة قانون أمن الدولة سيء الصيت، وكان النضال البحريني منذ الاستعمار وما بعده متعلقاً بدولة العدالة والمساواة الاجتماعية حيث يتساوى المواطنون في حقوقهم و واجباتهم.
 
 وحين نقول الحقوق تبدو هذه العبارة فضفاضة لذا يتوجب أن نفصلها لنبين أننا نتحدث هنا عن تعليم متطور ومجاني منذ التحاق الطالب بالمرحلة الابتدائية ولغاية إنهائه للمرحلة الجامعية، ومنها إلى سوق العمل، إذ من المفترض أن يحصل الشباب  على عمل لائق يتناسب مع كم الاستثمارات العقارية، ومشاريع الخصخصة وعوائد ارتفاع النفط، إلا أن النظام الحاكم لا يوصف حين يجري الحديث عن معالجة أزمة البطالة طبيعة الوظائف المتوفرة في سوق العمل فهو يكتفي بأن يقول أن المشروع الوطني للتوظيف طرح 10.000 وظيفة مثلاً، لكنه لا يسهب في تفصيل طبيعة تلك الوظائف أي هل هي تقنية أم إدارية أم ذات طابع بدني، وهل تتناسب تلك الوظائف مع مؤهلات الجامعيين الذين يتكدسون في قوائم العاطلين من حيث أجورها وملائمتها لتخصصاتهم.
 
سيقولون أنكم متذمرون دائماً تقارنون البحرين بجيرانها في الوقت الذي لا تنتج البحرين عشر ما تنتجه الدول المجاورة، وهم في ذلك محقون لكن لماذا تحصن وزارات الدولة ودوائرها الفرعية بغالبية جاهلة لا تمتلك شيئاً سوى الدفاع الأعمى عن النظام الحاكم؟، هل يتماشى دور البيروقراطية التي تتفشى عادة في المجتمعات الشمولية مع طابع الدولة الديمقراطية العصرية التي نروج له؟.
 
أما في ما يتعلق بقضية الإسكان فيبدو الشباب مضرباً عن الزواج خصوصاً بعد أن فتحت الدولة أبوابها على مصراعيها للاستثمار الخليجي والأجنبي الذي – لا يقارن من حيث سيولته – مع نظيره في البحرين، مما أدى إلى تضاعف خيالي في أسعار العقارات ومواد البناء. إذا إلى أين يتجه المواطن العادي، أين سبيله؟ لا يوجد من سبيل سوى بنك الإسكان حيث تمنح الحكومة بيوتاً للمواطنين البحرينيين في المدن المستحدثة على سبيل القرض طويل الأجل، هذا جيد وإن كانت الأرباح تتجاوز قيمة البيت ثلاث مرات! لكن ماذا لو علمنا أن هناك بعض الأسر ممن تعود طلباتهم للعام 1992م ولم تحصل بعد على بيت الإسكان هذا!!!
 
سيدور في مخيلة كل من يقرأ هذا المقال سؤالٌ بديهي لماذا لا تتظاهرون؟، لماذا لا تعبرون عبر النقابات ومؤسسات المجتمع المدني عن حقوقكم؟، لماذا لا تعقدون الندوات في الأندية والمراكز الثقافية لإيضاح وجهات نظركم؟، لماذا لا يطرح ممثليكم في مجلس النواب تلك القضايا؟
 
هي أسئلة مشروعة لكنها فقط مبررة لمن أنجر لخديعة الدولة الديمقراطية، ولمن لا يعلم أن النظام السياسي مفصل على مقاس من أمر بنسجه حيث الدوائر مقسمه على أساس طائفي محكم   لا يسمح إلا بمرور من يمشي في ركب الدولة أو من يمشي في ركب “الفقيه” وفي الحالتين يكون الخاسر الأكبر المواطن البحريني. أما الصحافة فهي إما مجيرة لطائفة أو لعشيرة سياسية، و إما عاجزة كسيحة فهي ممنوعة من النشر حين يتعلق الأمر بقمة الفضائح السياسية التي لا تعرف الهواده وبأمر من القضاء “المستقل” بحجة الدفاع عن المصالح الوطنية. في حين تواجه  التظاهرات والتجمعات بقوانين التكبيل الصادرة من مجلس نوابكم الموقر كقانون المسيرات والتجمعات والصحافة والنشر، التي تضعنا جميعاً في دائرة تضيق تدريجيا إلى أن تخنقنا جميعاً، ويصنف من يحاول الملاص من تلك الدائرة في خانة الخروج عن الولاء للوطن!  ومفردة الوطن تعني في مجتمعاتنا الولاء للفرد.
 
تدور كل هذه الأحداث وما زال العمال والموظفون الحكوميون ممنوعين من تأسيس نقابات مهنية تصون حقوقهم، بل إنهم يجابهون بقرارات صفراء صادرة من ديوان الخدمة المدنية تحذرهم من المطالبة بالدفاع عن حقوقهم دون إذن من صاحب العمل!، والمجتمع المدني يجب أن لا يعمل في السياسة حسب تصريح سعادة وزيرة التنمية الفاضلة التي طالبت وزير العدل بإصدار تعريف للجمعيات السياسية لكي لا تقع الوزيرة في حيص بيص!
 
تبقى الأندية والمراكز الشبابية والثقافية منارة لتوعية الشعب بحقوقه وفقاً لبديهيات الديمقراطية لكن هذه الأندية والمراكز لا تسمح بأي نشاط معادي لسياسة طأطأة الرؤوس والحجة دائماً واحدة، حضر النشاط السياسي في الأندية والمراكز الثقافية والاجتماعية، إذا فالسياسة خطر دائم يلاحق الأجهزة الرسمية للدولة ويفزعها حينما لا تتناسب معها، فأي دولة هذه التي تروج لتعدديتها واحترامها للأقليات، وأتساع صدرها للتحاور مع العدو الصهيوني، في حين تتعامل في الداخل مع غالبية شعبها بذات الحس البوليسي الذي واجهناه بالدم والتضحيات لما يزيد على ربع قرن؟!.
 
عن نشرة التقدمي
 

اقرأ المزيد

من دروس الاحتجاجات الشعبية على العدوان

ثمة دروس ودلالات عديدة بعيدة المدى متمخضة عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وإذ يصعب تعدادها في هذه العجالة فإن بعضاً من أهم هذه الدروس والدلالات تتصل تحديداً بالهبات الجماهيرية المتعاقبة الكبرى غير المسبوقة التي ظلت تتفجر طوال العدوان في معظم العواصم العربية فضلاً عن العواصم الإسلامية والعالمية، والتي أغلبها كما نعلم جرت في ظل كسر اجباري لحظر السماح بها وفي ظل قيود أمنية مشددة. ولم تخل جميعها من مواجهات مع قوات مكافحة «الشغب« العربية وان الأحرى أن يطلق عليها في هذه الحالة قوات اخماد الفعاليات السلمية الحضارية واستفزاز أفرادها لإثارة حالة من الشغب ومعظم هذه الهبات، إن لم يكن كلها، كما نعلم غلب عليها الطابع العفوي.
هنا ثمة معنيان على درجة من الأهمية في ابعادهما ينبغي أن تستوعبهما جيداً الأنظمة والمعارضات العربية وتستخلص دروسهما:
المعنى الأول: إن الجماهير العربية بتلك الهبات الحاشدة التي انطلقت عفويا، انما تعبر عن مكنون صحة وقوة مشاعرها القومية والانسانية تجاه الجرائم المرتكبة بحق أهلها في غزة، وان لا شيء يقف في وجهها من قيود وإجراءات أمنية مهما كانت مشددة، ومهما كانت مخاطرها، عند تفجير غضبها المكتوم طويلاً ضد السلطات العربية، وهو غضب كما هو معلوم مزدوج، فهو غضب بسبب مصادرة حرياتها العامة ومختلف حقوقها السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية مصادرة مزمنة متفاقمة، وهو غضب في ذات الوقت لما تمارسه هذه الأنظمة من خذلان متواصل (أخيراً) بلغ حد التواطؤ عن نصرة الشعب الفلسطيني خلال الاعتداءات الصهيونية الوحشية على هذا الشعب، وقبله الشعب اللبناني والتي ترتكب خلالها هذه السلطات أبشع المذابح وجرائم الإبادة بحق أبناء ذينك الشعبين الأعزلين المدنيين العزل من أي سلاح للمقاومة.
وهي لا تكتفي، الأنظمة، بالتفرج على هذه المذابح كما يفعل بعضها في أحسن الأحوال أو بخذلان هذين الشعبين، كما فعل ويفعل بعضها الآخر، بل بالتواطؤ المكشوف مع المعتدي المحتل كما يفعل بعضها الثالث، وخير شاهد على ذلك ما حدث ويحدث في العدوان الأخير على غزة.
المعنى الثاني: وهو يتصل تحديداً بحال ما بلغته حركات المعارضة العربية من ضعف وهوان، ليس فيما يتعلق بالقوى التي تعيش حالة جزر وانحسار بعدما كانت في حالة مد كاسح إلى ما قبل ربع قرن خلا على الأقل كما هو حال القوى الوطنية والقومية واليسارية، بل حتى القوى الصاعدة الجديدة المتسيدة الساحة السياسية ممثلة في التيار الإسلامي بمختلف ألوان طيفه الفكري والديني والطائفي والمذهبي. ذلك أن كلا هذين التيارين المعارضين، وعلى الأخص الإسلامي المتسيد الساحة، أثبتا بامتياز عجزهما عن استثمار وتحشيد هذه الطاقات الجماهيرية الهائلة الشجاعة والتي عبرت عن نفسها بقوة في انتفاضاتها الأخيرة المتواصلة بالاحتجاج على العدوان الصهيوني على غزة، وعلى خذلان الأنظمة لنصرة شعبهم الشقيق في القطاع.
فالدرس المستفاد هنا إذن من كل تلك الهبات الجماهيرية العربية المليونية الحاشدة الجسور وعلى الأخص في المغرب والأردن احتجاحاً على العدوان في غزة ان علة انكفاء وكمون التحركات الشعبية، سواء من أجل نصرة القضايا القومية أو من أجل انتزاع الحقوق والمكاسب الداخلية فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية أو تعميقها، انما تكمن في قوى المعارضة ذاتها لا في الجماهير في حد ذاتها لو وجدت من يقودها على الطريق الصحيح ويعبر عن آلامها وآمالها.
ومن نافلة القول إن تمزق وتفتت قوى المعارضة سواء فيما بينها أم داخل كل تيار وكل حركة، وغياب الرؤية الموضوعية العلمية المشخصة بدقة لواقع وحال الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل قطر واستشراف البرامج العملية الواقعية المرتكزة على فن التكتيكات المناسبة وفق استراتيجية بعيدة المدى.. ان كل ذلك لهو عناوين للأمراض المزمنة التي تشل فاعلية كل حركات المعارضة العربية بلا استثناء.
ولعل واحداً من أبرز معاني ومغزى تلك الهبات الجماهيرية المتفجرة في البلدان العربية والذي ينبغي للمحللين والمفكرين السياسيين العرب دراسته جيداً واستقراء أبعاده يتعلق تحديداً بالحس القومي المدغم ضبابيا بالمشاعر الدينية وحدها. فمع أن ثمة مسيرات ومظاهرات احتجاجية جماهيرية انطلقت في عدد من البلدان الإسلامية، وكان أكبرها في اسطنبول، إلا أن غير خاف على المراقب اللبيب المتتبع جيداً لترمومتر غليان الشارع العربي ان أقواها وأكثرها استمرارية فاعلية وأكثرها في الدلالات السياسية انما تمثلت في المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية بالمنطقة العربية وهي التي كانت أعين كل المراقبين والمحللين السياسيين العالميين عليها أكثر من غيرها.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن البعد والاحساس القومي مازال قويا وإن ظل كامناً مترسباً في الوجدان الشعبي وأيا تكن الملابسات السياسية التي أدت إلى تزييف أو تغييب هذا الوعي بفعل انكفاء التيار القومي وللأخطاء والانحرافات القاتلة التي ارتكبتها الحركات والأنظمة المرتبطة به. ومن ثم فإن تفجر تلك الاحتجاجات الغاضبة وتركزها في المنطقة العربية بالذات لم يأت مصادفة لولا قوة الاحساس القومي، وبالتالي فلا تستطيع هذه الشعارات والرايات الإسلامية المرفوعة في تلك المظاهرات حجب هذا الاحساس حتى بالرغم مما للقضية الفلسطينية من بعد ديني إسلامي لا جدال فيه.
يبقى أن نشير إلى أن انفجار أقوى وأكبر هذه الاحتجاجات العربية المتواصلة على نحو لافت وغير مسبوق في بلدين عربيين أحدهما في أقصى المغرب العربي (المغرب) والآخر في المشرق وعلى تماس طويل مباشر مع فلسطين (الأردن) والذي يرتبط بمعاهدة تطبيع وسلام مع العدو لهو ظاهرة فريدة نادرة تنطوي هي الأخرى على دلالات كبيرة فائقة الأهمية السياسية، تستحق معها الدراسة المعمقة من قبل المحللين والمفكرين العرب لاستخلاص دروسها وأبعادها المفيدة وعبرها المهمة.

صحيفة اخبار الخليج
14 يناير 2009

اقرأ المزيد

محمود أمين العالم

برحيل محمود أمين العالم تكون صفحة متألقة من صفحات الوعي العربي التقدمي قد انطوت، رجلٌ قد كرس نفسه طوال نصف قرن للتنوير الفلسفي وللنقد الثقافي، وصل إلى ما يشبه التفرغ الجدي المتواصل لمعالجة كل أشكال الفنون والآداب والأفكار، حفر أولاً في الأدب المصري وأنواعه وقضاياه، باعتباره هو منبته، والنوع الأدبي الذي راح يتطورُ منه ويكتشفُ العالمَ، ووجدَ أن الأدبَ المصري الكلاسيكي وقتذاك، والمتوجه للرومانسية والواقعية، بحاجة إلى دفقات جديدة من للوعي، بحاجة إلى التغلغل في الواقع الحقيقي.
وقد أخذتْ منه هذه المرحلة وقتاً طويلاً، فالأدب المصري وجذوره العربية هائلة، من الصعب الوصول إلى تعميمات فلسفية فيه، خاصة ان محمود أمين العالم لم يؤصل هذه العملية بدرس مطول في نوع أدبي محدد، فيغلب على تفكيره معالجة الجزئيات، مثل أن يعالج أفكار عباس العقاد أو شعر شوقي، وكلٌ منفصلٌ عن الآخر، وفي هذه الأثناء درس الماركسية التي كانت تغمر مصر في سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، خاصة في الجانب النظري، متناولاً جزئية مهمة وهي مسائل الضرورة والمصادفة، وهو بحث ظل يرافقه بين كتابات الأدب والاختناق في السجون وبعثرة الصحافة اليومية.
وتشابكت دراسة الأدب ونقده بعملية توظيف تلك الماركسية في التحليل النظري العام، وكان طابع الماركسية العربية ولايزال حتى الآن نقل التعميمات النظرية كما أُنتجت في الاتحاد السوفيتي إلى الواقع العربي، حيث أدت أفكار التعجيل بالتطور الاجتماعي إلى جعل الاشتراكية قابلة التنفيذ في مجتمع إقطاعي من أجل إحداث قفزة تحولية كبرى.
وكان هذا الوعي التعجيلي قد تمظهر لدى محمود العالم بأن يكون أداة تبشير به، نقداً لضعف الأشكال الأدبية المصرية عن اللحاق بفكرة الثورة الاجتماعية، فكان تقييمه لعبدالرحمن الشرقاوي إيجابياً في روايته (الأرض) وسلبياً تجاه أعمال نجيب محفوظ الأولى، بسبب مقاربة الشرقاوي للجمهور الشعبي ونضاله، لكن الانعاكسية المباشرة في أعمال الشرقاوي لم تتركْ لهُ مساحة كبيرة في التطور الإبداعي، وأبدع في مجال آخر هو مجال الأدب والفكر الإسلاميين، وبطبيعة وعي محمود العالم الماركسي – اللينيني لم ترق له تطورات الشرقاوي، في حين ظل نجيب محفوظ ينقدُ الأنظمة الشمولية بأشكال إبداعية مبتكرة باستمرار خاصة في مصر، مما أكسبه تطورات فنية كبيرة، فتأمله محمود أمين العالم نقدياً في كتابه (تأملات في عالم نجيب محفوظ)، الذي ظل بشكل نقد إيجابي جزئي.
وبهذا فإن الوعي الماركسي التقليدي وتلقائية محمود العالم في معالجة القضايا، قد جعلاه يبحث عن المضمون المباشر الإيجابي في الأعمال الأدبية، كشكل آخر من التحريض السياسي، وجزء من ممارسته السياسية المستمرة، ولعل هذه الممارسة السياسية الحزبية قد قولبت العديد من الجوانب الثقافية، ولهذا كنتُ أدهش من أحكامه مثل تقديره ليوسف القعيد أكثر من تقديره لصنع الله إبراهيم، فكانت الكتابات النقدية والهجائية المباشرة للواقع، مفضلة لديه، رغم ان كتابه النقدي عن روايات صنع الله إبراهيم كان من أفضل أعماله النقدية، حيث قاده الاحتكاك بمدارس فرنسا النقدية زمن ابتعاده عن القمع في مصر في السبعينيات، إلى مقاربة عميقة للروايات من الداخل بشكل نقدي كبير.
ولهذا فإن التعميمات الفلسفية المرتكزة على نظرة مؤدلجة تسريعية لتحويل الواقع، كانت لا ترتكز على تحليل ذلك الواقع العربي الإسلامي المنقود، فالممارسة الماركسية العربية في زمنيتها التقليدية النقلية، تغدو مباشرةً، متقطعة، لا تصل لقوانين الواقع وبالتالي لا تصل لقوانين تشكل الأنواع الأدبية والفنية، وهذا ما لا ينتج نظرية أدبية، وهذا ما يدخل في نقد الفلسفة الذي صاغه محمود العالم، فهو كعادته جزئي يذهب لقضايا معينة، أو نحو نقد منهجية فلسفية، لكنه لم يقرأ التاريخ العربي الفلسفي بمجمله، وقد أبدع في بعض المعالجات الفكرية كنقده (لماركوزه وطريقه المسدود)، لكون النقد هنا يتوجه لنقد فيلسوف فوضوي في العالم الغربي الرأسمالي المتطور، لكن لم يعالج مثل هذا تجاه الفلاسفة العرب القدامى خاصة.
وهو حين ينقد الفلاسفة المثاليين المصريين كزكي نجيب محمود فهو يعالج التجريبية المنطقية بشكل نقدي عميق، وهكذا فإن معالجاته الفلسفية الجزئية المتعددة والكثيرة قد جعلته يواجه أشكال الفكر السائدة المستوردة من الغرب باقتدار، لكن ليس فيما يتعلق باستيراد الماركسية، فينقدها بصرامة على مدى عقود – أي تلك الرؤى الليبرالية والدينية والفوضوية عموماً – مبيناً ضعفها عن تحليل الواقع، وهو أمرٌ أثرى الثقافة العربية كثيراً، وقد غلب ذلك حتى على بعض عناوين كتبه فغدت (معارك فكرية) أو سجالات مستمرة ساخنة، أو مشاهد مباشرة من المسرح وتعليقات على الكتب الصادرة حديثاً.
وقد كان فشله في تحديد أساليب الإنتاج العالمية والعربية من الأسباب في تعثره في تحليل الاشتراكية، فكانت الصيغة اللينينية تــُقبل على علاتها، وهذا ما جعله غير متكشف لقضايا المعسكر (الاشتراكي)، وجعله يمدح (الاشتراكية) في مصر ثم يراجع موقفه لاحقاً، لكن ظلت مراجعته في حدود الماركسية التقليدية.
وموقفه من النظام الناصري هو مثل رؤيته عموماً، تقارب ما هو جزئي إيجابي، وتنقد ما هو جزئي سلبي، لكن الأمر بحاجة لنظرة عامة تكشفُ البناءَ الاجتماعي العام وتناقضاته، نظرته تلك تقودُ للرجرجة الموقفية، ولعدم درس التناقضات العميقة في الواقع، ورؤية تطورها وحركتها، مما يؤدي بالكتابات إلى أن تكون مقالات تطفو على سطح الواقع، وتجعل قوى التغيير المختلفة لا تفهم بعضها وتتصادم.
بطبيعة الحال كتب محمود أمين العالم الكثير على مدى نصف قرن، وتحتاج كتاباته إلى جمع ودراسة من أجل الوصول لقراءات عميقة حولها.

صحيفة اخبار الخليج
14 يناير  2009

اقرأ المزيد

هشام شرابي: الصاعد إلى المعرفة

هشام شرابي نموذج للمثقف والمفكر الإنساني متعدد الوجوه والزوايا، «الإنسان الاونيفرسالي»، كما وصفه الشاعر والكاتب التونسي خالد نجار، الذي رسم له صورة بالأبيض والأسود، ليس بالرسم إنما بالكلمات، في ــ بورتريه ــ تضمنه الكتاب الذي أصدره «الاتحاد العربي للجمعيات الفلسفية» بعنوان «نقد المجتمع الأبوي – قراءة في أعمال هشام شرابي». نموذج هذا المثقف بات نادرا ليس في العالم العربي وحده، وإنما في الغرب أيضا. يوم صعد إلى ــ بسكنتا ــ الضيعة اللبنانية البعيدة لملاقاة ميخائيل نعيمة كان يعرف ماذا يريد: رؤية فكرية ذات بعد أخلاقي. في أربعينات القرن العشرين كتب نصاً عن الوجودية قبل أن يسمع المثقفون والقراء العرب بهذه التسمية التي سرعان ما غدت موضة في أدب الستينات ومطالع السبعينات من خلال دار ومجلة ــ الآداب ـــ مع انتشار ترجمات سارتر وكامو. وسرعان ما وجد شرابي نفسه قريبا من «الحزب القومي السوري الاجتماعي» ومن انطون سعادة شخصياً الذي التفت إلى موهبة وذكاء هذا الشاب الفلسطيني المتقد الذهن. وبعد ذلك بعقود سيقول شرابي عن علاقته بسعادة: «أعادت إلي ثقتي بنفسي، فقد حررني من ثقافتي الأبوية وكل فكر مسيطر، ومستقبلا من الحزب نفسه ومن أفكاره أيضاً». اجترح هشام شرابي من اللغة العربية المشدودة إلى معانيها الماضية لغةً تقول هذه الحداثة التي تقع خارج عالم العرب. لم يفعل ما فعله كثيرون سواه، لم يرفض الغرب مطلقا ولم يقبله مطلقا، لكنه لم يوفق أو يلفق بين هذا وذاك. اختار المغامرة وهو الذي قرأ «نيتشه»، ولما يزل صبياً في مطالع الشباب، ومنه تعلم أن يطرق ما ليس مطروقاً، وأن يضع قدميه في المكان المفضي إلى الدروب الجديدة. لذا لم يكن مصادفة أن يختار ــ المثقفين العرب والغرب ــ موضوعاً أساسياً يبدأ به عمله الشاق والجاد بحثاً عن المعرفة وتأصيلا لها. فعل ما فعله ادوارد سعيد، حمل القضية الفلسطينية إلى الأوساط الأكاديمية والجامعية والإعلامية في الولايات المتحدة، وللرأي العام هناك. حين سئل بيل كلينتون وقد غدا رئيساً للولايات المتحدة عما إذا كان يعرف القضية الفلسطينية، أجاب: كيف لا أعرفها وهشام شرابي كان أستاذي في جامعة جورجتاون؟! النقاد الذين حللوا سيرته الذاتية كما كتبها في «الجمر والرماد» وصفوها بـ «السيرة الفكرية» لأنها تروي ذكريات مثقف عربي وترسم بحس درامي عميق ألوان الصراع القائم بين الفكرة والواقع، بين الحلم والحياة، فكل كائنات الكتاب تتحرك في أرض محروقة هي أشبه ما تكون بـ «جحيم» دانتي، حيث لم تبق أمام الراوي سوى الكتابة يلجأ إليها وهو يرى الوطن يتنكب عن أبنائه، والأحلام تذروها الرياح، والموت يسرق أصدقاءه، قبل أن يسرقه.
 
صحيفة الايام
14 يناير 2009

اقرأ المزيد

غزة والأوراق المغيبة!

لم يسبق لأمم وشعوب العالم قاطبة ان صعقت ذهولا لما بلغته أمتنا العربية من هوان وهي تواجه عدوا عنصريا غاصبا محتلا لأرض شعب من شعوبها، كما صعقت خلال المجازر البشعة التي ارتكبها ومازال يرتكبها في عدوانه الأخير على غزة وعلى الأخص الأطفال والنساء، حتى أضحت ضمائر ملايين الأحرار والشرفاء من أبناء شعوب العالم، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية أكثر صحوة وتأثرا بما يجري في القطاع من ضمائر الملايين من العرب أنفسهم، أنظمة وقوى سياسية وحقوقية ومدنية. هذا اذا ما استثنينا بضع مئات الآلاف أو الملايين العرب الذين ما انفكوا يواصلون مظاهراتهم الاحتجاجية في شوارع العواصم العربية.
وكيف لا تصعق شعوب وأحرار وشرفاء العالم ذهولا مما بلغناه من هوان غير مسبوق وتحتج وتستنكر علنيا الصمت والتخاذل العربيين الفاضحين على نحو صارخ في وضح النهار وهي ترى ان حتى أبسط أوراق الضغط الدبلوماسية والفكرية والسياسية المفترض توظيفها قد تخلينا عنها جميعا من انظمة ومفكرين وحركات سياسية ومنظمة اقليمية تمثلنا (الجامعة العربية).
خذ على سبيل المثال كيف ان لدينا على الأقل ثلاث دول عربية تقيم علاقات دبلوماسية وتطبيعية شاملة مع دولة العدو الصهيوني، ولم تقدم أي منها ولو على مجرد استدعاء سفير دولة العدو لابلاغه ولو بلهجة عتاب “مؤدبة” بعدم رضاها عن مواصلة المجازر التي ترتكبها سلطات الاحتلال من جرائم دموية بشعة بحق المدنيين العزل، ولتسمها ان شاءت “عتابا” لعدم استجابة “الجارة” الصديقة اسرائيل لمساعي “وقف اطلاق النار” وليس وقف جرائم مذابحها، لا بل لم تقدم أي من هذه الحكومات التطبيعية على خطوة استدعاء سفيرها مؤقتا من تل ابيب.
ومع ان مثل هذه الخطوات ليست سوى احتجاجات رمزية مخففة جدا عادة ما تحدث حتى ما بين اكثر الدول تحالفا وصداقة في اوقات سوء الفهم او سوء التفاهم ثم تعود الأمور الى مجاريها الطبيعية، الا انها بامكانها، على رمزيتها، ان تخفف شيئا من احتقان وغضب الجماهير العربية سواء في الدولة التطبيعية المعنية نفسها او في سائر الدول العربية.
وخذ مثلا كورقة ثانية الدور الغائب تماما لجامعة الدول العربية من جبهة الساحة الدبلوماسية العالمية، فباستثناء الحضور المميز لأمينها العام عمرو موسى الذي تكاد تقتصر مهمته فقط، كأمين عام لمنظمة اقليمية قومية كبرى، على بذل الجهود والمساعي الحميدة لحل الصراعات الاهلية الداخلية العربية، كما حدث في العراق ولبنان والسودان، فضلا عن بذل الجهود والمساعي الدبلوماسية الحميدة لوقف المجازر الاسرائيلية بحق العرب، حيثما ارتكبت، فان لا احد يسمع بأي دور لهذا الجيش الاداري العرمرم من المسئولين والاجهزة البيروقراطية المتضخمة في هذه الجامعة العتيدة خلال المعركة الجارية التي يخوضها الشعب الفلسطيني الذبيح الصامد في غزة دفاعا عن ارضه وعرضه وكرامته وكرامة الامة العربية، حتى بدت الجامعة بأكملها مختزلة في شخص واحد هو امينها العام ولا احد سواه فيها ليلعب أدوارا واشكالا من وسائل الضغط الاتصالية والاعلامية من خلال مكاتب الجامعة المنتشرة في اوروبا وامريكا والقارات الاخرى، او من خلال المبعوثين للحالات الطارئة التي يفترض ان يجندهم الامين العام في مثل هذه الاحوال المأساوية ويوزع عليهم الادوار المطلوبة لتفعيل معركة العرب الدبلوماسية في فضح العدوان وايقاف مجازره طالما ليس لدى العرب من سلاح استمرأوه سوى السلاح الدبلوماسي.
وخذ مثالا ورقة ثالثة تتمثل في الغياب الكامل لأي دور مفترض للسفراء العرب الممثلين للدول العربية الكبرى الفاعلة على الساحة العربية وذات الوزن، كما يفترض على الساحة الدولية.. فأين هؤلاء السفراء وأين سفاراتهم وماذا يفعلون الآن خلال هذه المعركة التي يفترض ان يخوضوها دفاعا عن كرامة امتهم جمعاء قبل ان يكون ذلك نصرة لشعبهم الذبيح في غزة؟
وخذ مثالا رابعا متمثلا في تغييب الورقة الاعلامية، فأين هو الاعلام العربي، وعلى الأخص الموجّه للخارج، من كل ما حدث ويحدث من المشاهد التلفزيونية اليومية لتلك المجازر المروعة التي ترتكب بحق ابناء غزة؟ حتى بات المرء تساوره الظنون احيانا تحت تأثير صاعقة الذهول لهذا الصمت العربي عما اذا كان ما يشاهده هو حقا مشاهد مفبركة من افلام الرعب الهوليوودية أم هي مشاهد حقيقية منقولة من مسارح الجرائم الصهيونية على ارض غزة؟!
وهل ثمة معنى بعد الآن لتحذير الآباء والأمهات من مشاهدة ابنائهم لأفلام الرعب الأمريكية أو تصنيفها بأنها غير صالحة لأن يشاهدها ما دون الـ 12 أو الـ 16 عاما؟!
واذا كان واحد من أبرز مظاهر “تطنيش” واهمال دور الاعلام في توعية واستقطاب الرأي العام الغربي يتمثل في عدم وجود قناة فضائية بلغة عالمية رزينة عالية الأداء والحرفية في كيفية مخاطبة العقل الغربي وفق خطاب اعلامي مدروس راق، وبالمثل غياب صحيفة بلغة اجنبية أو اكثر عالمية موجهة للرأي العام الغربي، فلعل الفضيحة الاخرى الراهنة التي لا تقل خزيا عنها تتمثل في غياب اي مساهمة اعلامية عربية بالرأي او بالاعلانات المدفوعة لا في اي فضائية غربية كبرى ولا في أي صحيفة غربية كبرى.
أما غياب ورقة دور المفكرين وكبار المثقفين السياسيين وعامة السياسيين العرب عن هذه المعركة او ذهول العديد منهم عن المعركة الاساسية وتركيزه على المسائل الثانوية فحسب، فهو بحاجة الى وقفة خاصة مستقلة.

صحيفة اخبار الخليج
13 يناير 2009

اقرأ المزيد

خسائر حروب العصابات المذهبية

تشكلت الحروب في السنوات الأخيرة في العالم الإسلامي بصفة حروب عصابات مضادة لتطور التاريخ.
إن الجماعات الدينية التي تشعلها جاءت من حماس جماهيري كبير، لكنها تقوقعت في مناطق صغيرة، سواء كانت أريافاً معزولة بين الجبال، أو بوادي قاحلة، أو مقاطعات ذات مساحات كبيرة انتــُزعت من دول.
سواء كان ذلك في دولة مسيحية كالفلبين أو إسلامية كافغانستان، أو مدنية كالعراق، أو كجنوب لبنان، أو غزة، أو منطقتين شاسعتين كجنوب السودان وغربه، أو مناطق الجبال في الجزائر أو الصحراء المتنازع عليها في المغرب.
هذا الامتداد الشاسع لحروب العصابات يعبر أول ما يعبر عن التوجه لتفتيت الدولة المركزية، فالدول عاجزة عن إيجاد وحدة لشعبها المفترض، بسبب الأصول الدينية والعرقية والدينية غير المنسجمة مع بعضها البعض، وهي كلها تواري أسباباً اجتماعية صراعية لم تـُحل على مدى عقود، ولأن الدول المركزية لم تقدم رفاهاً لشعوبها، حتى تآكلت الخدماتُ وضج الناسُ بالشكوى من دون فائدة، فلجأت أطرافٌ إلى العنف وخاصة (حرب العصابات).
إن اختيار حرب العصابات جاء معاكساً للتاريخ، فقد كانت حرب العصابات هي الوسيلة الأساسية في هذه الدول لانتزاع الحرية من المستعمرين، إلا إذا كانت ثمة جيوش وطنية راسخة، تقوم بانقلابات.
ولكن أن تتفجر حرب العصابات ضد دولة يُفترض أنها وطنية، معبرة عن النسيج الشعبي العام، كما تقول مدوناتها الدستورية، المرفوعة غالباً على الرفوف، فهو حراك مضاد للتاريخ.
فقد وصل نسيج الشعب للتمزق، وما عادت الدولة دولة مواطنين متساووين، فجاءها الخرابُ على شكلِ حربِ عصابات لا مستقبل سياسيا لها، فلو كان ثمة أفق سياسي يبشرُ بدولةٍ جديدة توفر المساواة والفرص المشتركة للمواطنين، لقلنا بأنها حرب على مرارتها ذات أمل، ولكن هذه الحرب الضروس ليس دورها سوى تصفية البشر والموارد.
في جنوب السودان كان لحرب العصابات هدف عقلاني وهو إنشاء دولة المساواة الوطنية بين الشمال والجنوب.
لكن ما هي نتائج حروب العصابات والمذابح في العراق وإفغانستان وغزة والجزائر؟
تعبر حروب العصابات هنا عن تحرك أقليات تريد فرض أجندتها السياسية بالقوة على أغلبية المجتمع، ولو كان ثمة أزمة تستدعي مثل هذه الحروب لوجدنا أن هذه الحروب الصغيرة تتسع وتشمل الشعب كله مثلما حدث في حروب التحرير، حين ينخرط الشعبُ أو يعاضد مثل هذه الحروب المبررة.
ولكن الشعوب لا تعاضد مثل هذه الحروب، وتبقى سلبية، متذمرة من وقائعها ونتائجها، التي تصير كوارث على أمنها وعيشها بل تغدو مذابح لها.
يقود حروب العصابات هذه غالباً دينيون يعرفون العنف ولا يعرفون السياسة، يحفظون بعض الآيات ولا يفقهون التراث، فحروب العصابات هذه نتائج صراعات مذهبية أو قبلية أو مناطقية، ويعجز أصحابها ومفجروها عن إقناع الشعب بحججهم السياسية وببرامجهم.
وبعض حروب العصابات تتحول من ظاهرة إلى متوارية، فالتنظيمات العنفية تخسر أعضاءها بأشكال حادة من قبل الأنظمة التي تستغل هذه الألعاب الدموية في حملات شرسة عليها، تجتثها وتلقي أعضاءها مدداً طويلة في السجون كما جرى بشكل مطول في مصر، فتتوجه الجماعاتُ إلى أساليب ملتوية، وتعلن السلام الأهلى وطرق النضال البرلمانية، لكن جوهرها الطائفي لا يزول، ورغبتها في السيطرة على النظام من خلال تحكم طائفي يلغي بالتاريخ الوطني، لا تتضح ظاهراً ولكنها متوارية ملتحمة بكل خطواتها.
ف(ديمقراطيتها) تهدد الحياة أكثر مما تفيدها، وهي تعجز كالنظام عن التحول إلى تنظيمات وطنية، وتعتمد على الجهل الشعبي وهو خرابٌ آخر متوار.
وهذه حرب عصابات مدنية بعد أن فشلت حرب العصابات الحقيقية، أو قد يتزاوج الشكلان من دون أن يثمرا سوى عن مزيد من الدمار للميزانيات المسروقة أصلاً وللخريطة الوطنية التي تهترئ وتتمزق في المشاعر والأفكار والأرض.
لو أن التنظيمات الطائفية حكمت لوجدت نفسها أمام جدار، ولأسست نظاماً شمولياً يقود لمزيد من التأزم والكوارث، ولنشرت الموديلات الطائفية نفسها في بلدان أخرى لتغدو الأزمة عامة مناطقية واسعة.
والأمر يجري على هذا النحو وتنتقل حروب العصابات من بلد إلى آخر، عجزاً من الحكومات عن التحول لحكومات وطنية غير فاسدة وتنموية حقيقية، وعجزاً من التنظيمات عن التعبير عن الكل الشعبي الوطني.
ليس ثمة طريق آخر كما يبدو وأزمة الدول المتخلفة تتفاقم، مع أزمات الدول الغربية المالية المتصاعدة، وسنجد أن الدول التي تصدر الارهاب تستقبله، والطوائفية والأزمات تنخرها، وتلف العالم الإسلامي فوضى كبيرة.
كانت فترة الطفرة النفطية فرصة ذهبية لدول الخليج لكي تبتعد عن قوس النار الطائفي المنتشر هذا، لكن الآن لم يعد هذا الأمر ممكناً، وضرائب فترة غياب الإصلاحات العميقة البنيوية قد حان تسديدها.
وما يحدث من تهدئة لحروب العصابات في هذا البلد أو ذاك قد يأتي من الضربات الأمنية الساحقة المنهكة للجماعات الطائفية، ومن خسائر هذه الجماعات الجسيمة، لكن جذور المشكلات لم تحل، فتجد انبعاثها في فترة أخرى ومناطق بكر أخرى تقدم المزيد من الضحايا.
والانتخابات الحرة الحقيقية عبر الجهل الشعبي الواسع غير المدرك للديمقراطية، وكذلك الانتخابات المحدودة، كلتاهما خطرتان، فالأولى تقود لفوضى، بسبب أن قسمات الديمقراطية الحرة غير ممكنة في شعوب دينية محافظة، سوف تصعد قوى طائفية متحاربة، والثانية تعجز عن ضرب الفساد المستشري الذي تجذره الطبقات الحاكمة.
قد تكون لبعض حروب العصابات إنجازات كانهاك دولة معتدية، أو قيام نظام مشترك بين القوى السياسية الكبيرة، لكن مشكلات العالم العربي الإسلامي عصية في هذه الفترة على الحل.

صحيفة اخبار الخليج
13 يناير 2009

اقرأ المزيد

لا شيء، بعد، يُعول عليه

هل سيعتبر النظام الرسمي العربي انه أدى واجبه، تجاه الحرب الهمجية على غزة وأهلها، بالتصويت على قرار مجلس الأمن الأخير؟ هذه ستكون كارثة أخرى تضاف إلى كوارثنا العربية. فالقرار المذكور عارضته الولايات المتحدة ، وإن كانت لم تلجأ إلى استخدام حق النقض «الفيتو» ضد إصداره، فلمعرفتها أنه لن يعدو كونه حبراً على ورق. فرنسا التي نشطتْ دبلوماسيتها في المنطقة من أجل بلوغ تسوية من نوع ما للحرب الدائرة ضد غزة، أظهرت هي الأخرى عدم حماس ملحوظ حول القرار، تمثل في إلحاحها على تأجيل التصويت عليه. أما إسرائيل ذاتها فتستمر في عدوانها على المدنيين الفلسطينيين الذي يُشك أن يدخل يومه العشرين، ورغم التصويت على القرار، وأعلن رئيس وزرائها أولمرت رفضه له، مؤكداً أن الحرب على غزة سوف تستمر حتى تُحقق أهدافها. مجمل هذه المعطيات تعني أن القرار، من وجهة النظر العملية، وُلد ميتاً، وأن حظوظه في أن يجد تنفيذا له، في الوقت الراهن، تُعادل صفراً. حتى اللحظة لم يتحقق أي شيء يعول عليه في إيقاف المجازر البشعة المستمرة، والتي سوف تستمر، ليس فقط لأنها تستهدف اجتثاث حركة حماس من غزة، وهي المهمة التي تبدو عصية، وإنما لأنها تحقق أغراضا انتخابية للمتنافسين الصهاينة في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، خاصة بالنسبة لحزبي «كاديما»، في شخص وزيرة الخارجية ايفني، و»العمل» في شخص وزير الدفاع باراك. لذا فان القفز العربي إلى نيويورك، حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن، لم ينهِ الحرج الرسمي العربي، ولم يُعفِ الدول العربية من مسؤولياتها. عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عشنا وضعاً رسمياً عربياً مُشابهاً لهذا الذي نعيشه اليوم مع استمرار الهمجية الصهيونية في إبادة الفلسطينيين في غزة. يومها أيضاً جرت المطالبة بعقد قمة عربية طارئة تتخذ خلالها الدول العربية موقفاً لنصرة الشعب الفلسطيني. في ذلك الحين دوت صرخة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات وأول رئيس لها، وهو يقول: «إذا لم تنعقد القمة العربية الآن وسط هذا الذي يجري، فمتى ستنعقد إذاً» ؟! نستعيد عبارة الشيخ زايد ، ونحن نرى الجهود المبذولة لكي لا تنعقد القمة، وتكثر المبادرات والدعوات والاستغاثات الموجهة للمجتمع الدولي للضغط على دولة العدو لوقف العدوان، لكن موضوع القمة العربية، بالذات، يظل غير محبذ من غالبية الدول العربية. غير المتحمسين لعقد القمة، وغير الراغبين في عقدها أصلاً لا يخفون أن هذه القمة إذا انعقدت سوف تضاعف الحرج العربي الرسمي، فمداولاتها لن تسفر، في النهاية، عن أكثر من قرارات بالإدانة اللفظية للعدوان، ومطالبات للفلسطينيين بالوحدة. أما في حال وجدت هذه القمة نفسها محمولةً، تحت ضغط المأساة الإنسانية المتفاقمة في غزة وغضب الشارع العربي المتزايد يوماً عن يوم، على اتخاذ قرارات عملية، فان السؤال ساعتها سيطرح عن آلية تنفيذ ما يتخذ من قرارات. هنا مربط الفرس! نحن في حالٍ من العجز العربي الذي يزداد تفاقماً، تراكمت أسبابه، ولا سبيل للخروج منه إلا بكسر مسبباته الرئيسية، وخطوة بهذا الحسم تتطلب عزيمة غير متاحة، لأن دونها غياب الاستعداد على دفع أثمان مثل هذا الاستحقاق.
 
صحيفة الايام
13 يناير 2009

اقرأ المزيد

ضياع المنح!

على الرغم من كثرة اللجان التي شكلتها وزيرة التنمية الاجتماعية د. فاطمة البلوشي، والتي هي في الغالب لم تحقق ما كانت الوزيرة نفسها تطمح اليه، إلا انها نجحت نجاحاً كبيرا في تشكيل المركز الوطني لدعم المنظمات الأهلية.
كانت المطالبات كثيرة بضرورة ان تقدم الوزارات المعنية دعماً مادياً للجمعيات، وتمت مساندة هذه الدعوات والمطالبات بشكل كبير حتى من تحت قبة البرلمان في الفصل التشريعي الاول، بضرورة ان يكون هناك توجه حكومي لدعم المؤسسات المدنية ومنها الجمعيات الشبابية على وجه الخصوص، فجاءت البلوشي لتحقق ما كان يدعو له، بتكاتف جهود القائمين على مركز دعم المنظمات وعلى رأسهم الأخت نجوى جناحي مديرة المنظمات في الوزارة.
فقد وزعت الوزارة الأسبوع الماضي في حفل آلاف الدنانير على الجمعيات والمنظمات الاهلية بعد ان تقدموا للوزارة بمشاريع مهمة، تستطيع ان تخلق بيئة تنموية وأرضا خصبة للبناء فيها، كجزء من أهداف التنمية المسؤولة عنها الوزارة، خصوصاً بعد ان تم تغيير مسمى الوزارة من وزارة الشؤون الاجتماعية الى التنمية الاجتماعية.
المهمة والمسؤولية لم تلقَ من على عاتق الوزارة بعد ان وفرت للجمعيات الدعم المادي الذي كانت تنتظره الجمعيات منذ زمن، بل تتسع المهمة، لمراقبة ومحاسبة الجمعيات التي لم تصرف (روبية) واحدة، ولم تحرك ساكناً في مشروعها، فلا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة هذه الأموال وإعطائها لجمعيات نجحت في مشروعها وتريد ان تواصل وينقصها الدعم.
لا نود التضييق على الجمعيات ولكن لا مجال للمجاملة في ضياع المنح، فعلى الرغم من هبوب رياح العواصف المالية بالمنطقة إلا أن الشركات الداعمة لم تبخل على هذا المشروع بالدعم المادي.

صحيفة الايام
13 يناير 2009

اقرأ المزيد

صناديق الاقتراع ملطخة بدم غزة

هطلت كالحمم الغزيرة على سماء غزة الصغيرة القنابل القادمة من طائرات F16 وربما هناك أكثر من ذلك حمما في الأيام القادمة، أو تتوقف تلك النيران بعد انجاز مهماتها السياسية والعسكرية. وكالعادة في كل مرة حالما تسقط مدينة معزولة وضعيفة تفتقد لقدرتها على تغطية الفضاء المكشوف نتيجة ضعفها العسكري وخلوها من امتلاك الطيران والمدافع المضادة للطائرات، يبكي العالم العربي والإسلامي والإنساني على تلك المشاهد الإنسانية المروعة، وكأنها هدايا أعياد الميلاد ورأس السنة لحالتنا الإنسانية وأزماتنا المتتالية.
وفي الليالي الاحتفالية بعيد ميلاد المسيح والهجرة النبوية تقدم إسرائيل للعالم صورة بشعة عن حضاراتها! وعن فعلها، وعن صورة أخرى من الانكسار الكامل لكل شيء في منطقتنا إلا حالة واحدة لم تختف منذ وقت طويل اعتدناه منذ هزيمتنا في حزيران، إذ نخرج للشارع غضبا منددين مثلما نستخرج طاقتنا الانفعالية المخزونة كتعبير عن انشغالاتنا اليومية بحياة استهلاكية يومية وحياة باتت مكبوتة بأشكال عدة حتى وان أبرزتها الثورة المعلوماتية عبر مواقعنا السرية في الانترنت، ولكنها في نهاية المطاف ظلت غير قادرة على ضرورة الفعل لحظة المواجهة التاريخية. وكالعادة بدا المشهد الدموي في غزة مقززا لكل مشاعر إنسانية إلى حد تداعت فيه الجامعة العربية والزعماء العرب إلى التحرك الفوري، فبدأت الاتصالات والتحركات بهدف اللقاء السريع والعاجل، ومن الطبيعي أن نجد دولا تتلكأ وتضع بعض الشروط والحجج في لحظة تاريخية لا يجوز فيها سوق الحجج ولا المبررات، إذ بإمكان من يضعها أن يحضر ويدافع عن حججه دون الحاجة للاعتذار أو التملص والمبررات، فذلك يضعف ويقلل من قيمتها كدولة لدى شعبها ولدى الشعوب العربية. ما فعلته كارثة غزة لدينا نحن العرب هو رؤيتنا لزعماء وقادة يجيدون فن الخطابة والشحن، ويبحثون عن مدخل لتسوية ظروفهم، ويطرحون أنفسهم كقادة وبدائل للمرحلة، لكونهم يدركون إن الشارع العربي بات عاطفيا وضعيفا في لحظة غزة التاريخي، فلماذا يقتنصون فرصة الخطابة العصماء التي اكتشفناها مع هزيمة حزيران ومع كل لحظة فجيعة؟!. ولكن عللنا كثيرة حينما نخضع الكارثة لحقائق كثيرة ولمنطق صارم. فمن يخطبون بصوت مرتفع يدركون ان العرب لا يمكنهم الذهاب للحرب، ولكنهم في أقصى مدى بإمكانهم تقديم مساعدة لفك الحصار عن غزة، وفي الوقت ذاته يدرك العرب ان حماس تحاول أن تضرب برأسها في الجدار في كل لحظة تفاوض بإغلاقها الطرق مثلما تسعى حكومة رام الله بالتنازل أكثر مما ينبغي لمجرد أنها صدقت وعود رئيس فاشل سيغادر قريبا البيت الأبيض.
وفي لعبة معايير التوازن العسكري لماذا أغمضت حماس عينيها عن حقيقة ما يمكن أن تواجهه غزة حتى بعد رؤيتها كيف مارست إسرائيل نفس الوحشية مع بيروت، بهدف ترويع السكان وتخضعهم للوضع النفسي والارتباك الإنساني، مع تفاوت وضع المقاومة في الجنوب اللبناني وتفاوت المقاومة في غزة المطوقة بحرا وجوا وبرا. وبما ان تمارين حماس وتجاربها الصاروخية اليتيمة لم تؤدِِي غرضها السياسي والإيديولوجي، فان الغرض الإسرائيلي بدا أكثر وضوحا للداخل الإسرائيلي واستعداد الكبار الثلاثة (ليفني ونتانياهو وباراك ) لكسب الأصوات الانتخابية وصناديق الاقتراع. وفي ظل توتر وازدياد حالة الانفعال المضادة للصواريخ القادمة من غزة، والتي عززت من شعور الرد الفوري، فان الفرصة باتت سانحة لحلم ليفني في ميراث مقعد اولمرت المتآكل، ومن الضروري أن يواصل حزب كاديما وصقوره الدمويون في كسب جولة الانتخابات مهما كان الثمن، حتى وان جاء على أشلاء ودماء الأبرياء مع قطاع إمكانياته الخطابية والإعلامية أعلى من دخان صواريخه التجريبية البدائية ! وإذا كانت أصداء الأصوات الخطابية والانفعالية العربية لا تفعل فعلها إلا في شارعنا، فان أصداء حريق غزة وبكاء نسائها صار له متعته لدى الصوت الانتخابي الإسرائيلي، الذي تحول تلذذه السياسي مع سياسة الشحن الداخلي لمواطني المستوطنات الذين يجيدون فن البكائيات للعالم الخارجي، ويركضون بتلك المشاهد المضحكة للعالم كونهم ضحايا للإرهاب!، وقد ساعد على ذلك ضعفنا المستمر في وضع استراتيجيات إعلامية وسياسية واضحة، ولا تخضع للأمزجة الشخصية ولا لصراعات الكراسي في سلطة محتلة تمزقها الفُرقة اشر تمزيق.
ما يجعلني استغرب وأتألم هو الاكتشاف العاجل للمحنة الدائمة لشعار يتكرر في المصائب فقط وهو شعار صار ممجوجا بأهمية الوحدة الوطنية وبكسر العرب لصمتهم. والغريب أن نجد شارعنا المنفعل يهاجم الأنظمة وحكامها وفي ذات الوقت يطالبها بالتحرك لوقف المجزرة في غزة. بل ويكتشف شارعنا السياسي المعادلة الساذجة بأن العرب لا يمكنهم دخول الحرب في ظل أوضاع سياسية، رسمية وشعبية بهذا المستوى، ولكي يجتازوا عبور البر والبحر والفضاء عليهم تغيير الأنظمة وهو أصعب بكثير من إزالة إسرائيل، بعد ان خبرت الشعوب أنها باتت تفضل أنظمتها الحالية قياسا بزمن حزيران وثوريته. فمن يفك أسرار معادلتنا السياسية حال دخولنا محنة طارئة أو منتظرة؟!
 
صحيفة الايام
12 يناير 2009

اقرأ المزيد