المنشور

مبادرة المنبر التقدمي

رأت جمعية المنبر التقدمي في بيانها الصادر أمس الأول ضرورة «إطلاق مبادرة وطنية شاملة لمنع تدهور الأوضاع أكثر فأكثر»، ونحن بالفعل نحتاج إلى مبادرة لحلحلة الأزمة. فما لدينا ليست حوادث اعتيادية، والمعالجة المطروحة تركز على الجانب الأمني، وهذا من شأنه أن يفاقم المشكلة بدلاً من حلها.
وحسناً فعلت النيابة العامة في تعاطيها مع الصحافة أمس، ولفت انتباهي تشكيك في ما ورد في بيان منظمة العفو الدولية التي صنفت كلاً من مشيمع والمقداد «سجيني رأي»… وسعياً للإيضاح، فيمكن الرجوع الى بيان المنظمة المرقم AI Index: MDE 11/001/2009. ويمكن مراجعة آخر فقرة، وهناك يمكن قراءة مصطلح prisoners of conscience وترجمته «سجناء رأي»، إذ تقول الفقرة إنه إذا كانت التهم مرتبطة بنشاطات غير عنفية، بما في ذلك انتقاد الحكومة، فإن المنظمة تعتبرهما من هذا التصنيف.
على أية حال، فإن الحوار والتفاهم وتبيان الأمور هو السبيل الذي يجب أن نتبعه في استيضاح مختلف قضايانا، وقد طرحت جمعية المنبر التقدمي مبادرة وطنية أكدت من خلالها «ضرورة إطلاق سراح المعتقلين، ووقف أعمال العنف والعنف المضاد، وخلق آلية للحوار بين الدولة والقوى السياسية كافة، سواء تلك الممثلة في مجلس النواب أو غير الممثلة فيه، لبلوغ تفاهمات مشتركة ومتفق عليها بشأن قضايا الإصلاح السياسي والدستوري، وإعادة البلاد مجدداً إلى مناخ الثقة الذي عشناه قبل سنوات، وبناء جسور الشراكة بما يحمي البحرين من المخاطر، ويحقق الاستقرار والأمن فيها”.
وأعتقد أن مثل هذه الدعوة تستحق النظر فيها بجدية، إذ لا يوجد مجتمع متحضر إلا وكان الحوار والتفاهم هما سيدي الموقف… فاللجوء إلى العنف والقوة (من أي طرف) إنما يعبر في الأساس عن عدم القدرة على تبادل الآراء والأفكار، وعدم القدرة على إدارة الحوار. فالشعوب التي نهضت لم تنهض إلا بعد أن اعتمدت العمل السياسي السلمي (الحوار) أساساً لإدارة العلاقات فيما بينها. أما التي تعتمد القوة والعنف أساساً لإدارة شئونها فإنها سرعان ما تجد نفسها متقهقرة حضاريّاً.
إن تفعيل الحوار الجدي والمنتج – كما قالت جمعية المنبر التقدمي – يؤدي إلى سد باب الهزات الأمنية والتوترات، فحالة الاحتقان أدت إلى تعقيد الأمور، وهكذا افتتحت البحرين العام 2009 بإعلان الحرب على أهم تكنولوجيا عصرية (الإنترنت) وشن حملات اعتقال أمنية، وبث اعترافات وإطلاق تصريحات ترعب المقيمين من غير المواطنين أكثر من إرعاب المواطنين الذين يستعينون بذاكرة الماضي للصبر عليها. إن كل هذه السياقات لا يمكنها أن تنتج حلاً دائماً، فالأضرار التي تلحق بالمجتمع وبالدولة من النواحي النفسية والاقتصادية والسياسية ليست قليلة. 
 
جريدة الوسط-
  2 فيراير2009

اقرأ المزيد

العفو الدولية و«سجناء الرأي»… ودعوة «المنبر التقدمي» لحلحلة الوضع

منظمة العفو الدولية هي أكبر منظمة حقوقية في العالم، وأكثرها أثراً على المستوى الدولي، وهذه المنظمة أصدرت بياناً عن احتجاز الناشط السياسي حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد أمس الأول قالت فيه إن احتجازهما فقط بسبب انتقادات للحكومة (حتى لو كانت هذه الانتقادات حادة) فإنها سوف تنظر لهما على أساس أنهما «سجناء رأي» وبذلك تدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عنهما.
وبالنسبة لمنظمة العفو الدولية، فإن الذين يعتقلون لأسباب أمنية – سياسية صنفان… فهناك «المعتقل السياسي» وهو ناشط لجأ الى العنف أثناء نشاطه، وهناك «سجين الرأي» وهو الناشط الذي يعتقل بسبب إبداء رأيه فقط.
بالنسبة لـ «المعتقل السياسي»، فإن منظمة العفو الدولية لديها رؤية واضحة، إذ تطالب بتقديم المعتقل إلى المحاكمة السريعة والعادلة، وتدعو إلى عدم تعذيبه أو إهانته. أما بالنسبة لـ «سجين الرأي» فإن منظمة العفو الدولية تطالب بـ «الإفراج الفوري وغير المشروط» عنه، وتعتبر أية محاكمة له إهداراً للكرامة الإنسانية، على أساس أن حق التعبير عن الرأي ضمنته العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وأن هذا الحق لايمكن سلبه من أحد أو المعاقبة عليه.
وفي بيانها الصادر عن مشيمع والمقداد، قالت إنها صنفتهما «سجناء رأي»، وهو التصنيف الذي تعتبر المنظمة مسئولة عن توجيه إمكاناتها للتأكد من الإفراج الفوري غير المشروط.
ولعل منظمة العفو الدولية تصدر هذا النوع من البيانات عن البحرين لأول مرة منذ العام 2001 عندما أفرغت حينها السجون. ومثل هذا الأمر لايفرحنا بالتأكيد، وخصوصاً أن حزمة التشريعات تحت مسمى مكافحة الإرهاب لم تنجح عالمياً في إزالة مستلزمات حقوق الإنسان، وعليه فإن التراجعات عن هذه الإجراءات في عدة دول أصبحت عناوين رئيسية متداولة لمن يقرأ مجريات الأحداث من حولنا.
حسناً فعلت جمعية المنبر التقدمي في بيانها بشأن حال الاحتقان والتأزم في الوضع السياسي والتسعير الطائفي والمذهبي بدعوتها إلى إطلاق «مبادرة وطنية شاملة» لمنع تدهور الأوضاع، و «تدارك الموقف بحكمة وروية وعقلانية، وخاصة في ظل تتالي التراجعات عن إيجابيات المناخ المتحقق في البلاد من جانب الدولة، والذي يجد تعبيراته في عدة مظاهر أهمها استمرار التضييق على الحريات العامة، والنيل من حيز هذه الحريات الذي تحقق بفضل الديناميكية السياسية التي أطلقها مشروع جلالة الملك بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني». إن مثل هذه الدعوة الصادقة بحاجة إلى من يستجيب إليها.

صحيفة الوسط 
1 فبراير 2009

اقرأ المزيد

ثَـلاثِيـنَيـّة ثَــورةِ بَـهْـــمـَنْ

تمر هذه الأيام من فبراير الجاري ذكرى ثلاثين عاما على نجاح ثورة ‘بهمن’ الإيرانية، التي حطّمت أركان أقوى نظامٍ حليفٍ لأميركا والغرب في قلب الشرق الأوسط وأزالت أقدم ملكية استبدادية في الشرق(عمّرت حوالي 25 قرنا) من صفحات التاريخ البشري! ولم تدخل التاريخ كأحد أهم ثورات القرن العشرين فحسب بل إنها أعادت الاعتبار لنظرية الثورة المعتمدة على حركة الجماهير في التغيير المنشود، من خلال التعبئة السياسية لحفز الوعي الاجتماعي الجماهيري، المنطلقة من النفس الطويل وعبر الحشود والموجات الشعبية – غير المسلحة- في مواجهة أعتى الجيوش النظامية، المدججة بأحدث الأسلحة ومدى إمكانية مجابهتها والانتصار عليها، الأمر الذي نجحت فيه ‘ثورة بهمن’ أيما نجاح واستطاعت – كما رأينا- تحطيم نظام استبدادي مطلق قلّ نظيره في العالم الحديث!
وكون الثورة كانت جامعة، اشترك فيها مختلف الطبقات والفئات الشعبية، وكل التنظيمات السياسية، يسارا ويمينا عدا الحزب الرسمي الوحيد الحاكم ‘رستاخيز’ (البعث).. اتسمت بعدة صفات: حركة شعبية عارمة من حيث المشاركة والسعة، ديمقراطية من حيث التعاون فيما بين جُلّ القوى والهدف المرجو تحقيقه ضمن أهداف الثورة (الحرية/الديمقراطية، القضاء على الفقر، التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. الخ)، وطنية بمعنى التخلص من الهيمنة الأجنبية. إذن كانت ثورة شعبية/ ديمقراطية/وطنية/تقدمية من حيث المحتوى والأهداف والتوقعات الكبيرة، التي سرعان ما تلاشت تدريجيا في صراعات وحروب خرج منها الشريك الأقوى المتمثل بالأجنحة الدينية ظافرة على الآخرين مُهَيمنة على السلطة، مُستبدّة بلا رحمة بالشركاء الأصغر عددا وعدة!
إن ما يؤسف له الآن وبعد 30 عاما من عمر الثورة وحسب تعبير بعض الأكاديميين الروس في حينه أنها كانت.. ‘خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف’ وذلك بعد أن تحولت إلى دولة استبدادية مطلقة ذي نهج سياسي/ ديني أحادي. على أن الإنصاف يستدعي ذكر أن النظام الحالي قد قام ببعض التحولات الاقتصادية والتقدم التقني/ العسكري وصار له الحضور السياسي الإقليمي ولكن لم يستطع أن يقضي على الفقر والعوز والحاجة عند الجماهير الإيرانية العريضة بل إن الفقر قد زاد بمراحل، بجانب أن الأخلاقيات التي اتسمت بها الشعوب الإيرانية قد تراجعت إلى حد مقلق، حيث تسود المحسوبية والرشوة والفساد في المجتمع الإيراني المعاصر إلى درجة لا تطاق ولا توجد مثلها في بلدان أخرى وذلك بعد أن أضحت الثورة دولة تأكل خيرة أبنائها، من خلال نمطٍ فريدٍ من حكمٍ لا مثيل له (ولاية الفقيه)، كونه توليفة غريبة من الديمقراطية الغربية ودولة الاستبداد الشرقي/الديني العتيق!
لكن ما قصة هذه الثورة، التي ألهمت القاصي والداني في حينها وشهدت إرهاصاتها الأولى في سبعينات القرن الماضي وتعززت بوتائر متسارعة، متوالية منذ النصف الثاني من السبعينات ذاتها، جاءت على شكل موجات وهبات بشرية لا تنتهي، تكبر تباعا وتتوسع بثبات راسخ ومثابرة متواصلة وهي تتعرض لأشد أنواع القمع من قِبَل الجهاز العسكري من جهة والمخابراتي الرهيب (السافاك) من جهة أخرى، حتى تكللت – في النهاية – بنجاح منقطع النظير، استطاعت فيه المعارضة من الاستيلاء على السلطة، عبر الانتفاضة المسلحة المشهودة، في فجر يوم الحادي عشر من فبراير سنة 1979 الموافق 22 بهمن (حسب التقويم الشمسي الفارسي) 1357 هجرية.. ما قصة اللحظات الحرجة من تلك الليلة ‘القمراء’ والمبادرة الجسورة التي قامت بها مجموعات صغيرة منظّمة (فدائيي ‘منشب’ / منشعب ومناضلي منظمة ‘نويد’ / البشارة) في الهجوم المباغت على القاعدة الجوية والاستيلاء على الأسلحة وتحطيم العمود الفقري للنظام، الذي كان قد خطط لمجزرة بشرية فاقت كل تصور؟ كيف استطاعت المعارضة من معرفة تلك الخطط الجهنمية؟ ومن كان خلف ذلك؟ ما قصة التعبئة السياسية التي ترافقت تباعا مع النهوض الجماهيري والقوى الفعلية التي قامت بذلك في ظروف شاقة وصعبة فرضها نظامٌ بوليسيّ جائرٌ ومخابراتيّ قاسيٌّ ذو ممارسات فاشية؟
أسئلة لاتنتهي.. في حاجة إلى سرد طويل وموثوق بالقرائن والأدلة، لا يمكن بالطبع الإحاطة بتفاصيله في هذا الحيز المحدود، حيث الحاجة تستدعى إلى مجموعة من المقالات ضمن ملف عن الموضوع. على أنه لابد أن نشير إلى أهم القوى السياسية التي بادرت في استغلال الوضع الثوري، الذي نشأ في حينه ونجحت من توجيه الضربة القاضية للنظام في الوقت المناسب، من خلال شذرات بسيطة منتقاة من سِفر المعلومات المتوفرة الآن عن دور اليسار الإيراني بالذات في اللحظة التاريخية تلك!.
هل دور اليسار في الثورة الإيرانية المظفرة ادعاء مزعوم لا أساس له أم واقع حقيقي لأحداث تاريخية لها سجلها المشهود، يتضح لنا من خلال تفحص الوثائق الجديدة التي تترى تباعا على شكل مذكرات ومقابلات مع الأشخاص الذين أسهموا في التحضير وشاركوا في الثورة أو كانوا شهود عيان لها على أقل تقدير. فدور اليسار الإيراني، الذي عادة ما يجري استصغاره واعتباره هامشيا في الثورة الإيرانية، مقارنة مع قوة الشارع الديني المليوني، كان في الواقع أكبر بكثير مما قد يبدو للوهلة الأولى، ليس في اللحظات العصيبة فحسب عندما كانت السلطة العسكرية بقيادة الجنرال’أزهري’ تخطط لانقلاب عسكري دموي كبير- كما أسلفنا- بل أيضا في بدء النهوض الثوري التدريجي الذي قامت به – أكثر من غيرها- منظمة سرية صغيرة العدد، كبيرة التأثير ألا وهي منظمة
‘نويد – البشارة’، التي وضع حجر أساسها الصحافي اللامع ‘رحمان هاتفي’ المسؤول عن القسم الأدبي والفني في الصحيفة الأكثر انتشارا ‘كيهان’.
لقد تدرج هاتفي في وظيفته الرسمية (القناع المخفي لشخصيته الفعلية) ليكون رئيس تحريرها في الفترة الحرجة عند تعادل ميزان القوى بين الحكم والمعارضة، حينما استطاعت نشرته السرية ‘نويد’، التي بدأت فصلية إبان بداية حركة المعارضة ثم أسبوعية، وصلت في ذروة النهوض الثوري إلى عدة أعداد في الأسبوع، توزع وتعاد طبعها واستنساخها بملايين النسخ! .. ولا يمكن للمؤرخين المحايدين أن ينسوا الدور الكبير الذي قام به حيدر مهركان (الاسم الحركي لرحمن هاتفي) حينما استطاع بحنكته السياسية الكبيرة، الاستفادة من لقاء صحافي دعائي جرى بواسطة النظام في عهد آخر رئيس وزراء مدني قبيل الحكم العسكري، على شكل انتزاع خبر صحافي من رئيس الوزراء يفيد بعدم ممانعة الحكم لعودة كل رجال الدين للبلد، الأمر الذي حدا برئيس تحرير ‘كيهان’ نشر صورة القائد الروحي للمعارضة الإيرانية ‘الإمام الخميني’ في الصفحة الأولى من الصحيفة (كان ممنوعا نشر صورته في الصحف) في ذلك اليوم المشهود، الذي دفعت بالملايين في شوارع طهران والمدن الكبرى إلى أن يضعوا نسخة من الصحيفة تحت إبطهم أو تعليقها وثبتها على نوافذ السيارات والمحلات والأكشاك العامة.. وهو العمل الرمزي الكبير الذي أعطى دفعا معنويا جماهيريا كبيرا لحركة الشارع ومال ميزان القوى المجتمعي لأول مرة لصالح المعارضة للنظام الشاهنشاهي، الذي بات متفرجا مسمرا في مكانه، لم يكن باستطاعته الإتيان برد فعل تجاه صحفيّي ‘كيهان’ أو القيام باعتقال الملايين!
 
صحيفة الوقت
21 فبراير 2009

اقرأ المزيد

إيران إلى أين؟ (3)

تشير المعطيات السابق عرضها إلى الموقف العام الذي تندرج في إطاره عشرات السنين، وهي المختصة بالصراعات السياسية الكبيرة وواقعها وآفاق تطورها، ولكن المعركة الانتخابية الإيرانية التي سوف تجرى بعد أشهر قليلة، تندرج في إطار الراهن.
وكما أن التاريخ مهم لكن اللحظة الراهنة تكتسب أهمية كبيرة كذلك، بسبب خطورة نهج الرئاسة الإيرانية الحالية على المنطقة وتوجهها لمغامرات قد تؤدي إلى كوارث على الحياة السلمية للشعوب.ولهذا فإن مجيء رئيس آخر ذي توجهات سلمية بدرجة أولى حتى في الإطار الديني السابق ذكره، هو أمرٌ مهم.
وإذا كان هذا الرئيس يحمل توجهات ليبرالية وديمقراطية أيضا فذلك يوسع من التطورات السلمية والديمقراطية التي تتنامى بصورة بطيئة ولكن مهمة سواء على صعيد تغير الحكم في أمريكا، أم تطور الوضع العراقي.
ويبدو أن نجاد غدا حتى لمناصريه السابقين قد أصبح ورقة محروقة أو مضرة للمحافظين.
(إن نهج الأصوليين في الانتخابات الرئاسية العاشرة، سيختلف عن نهجهم في الانتخابات السابقة، فخلال انتخابات عام 2005، وعلى الرغم من تعدد مرشحيهم في الانتخابات، فإنهم كانوا متفقين بشأن ضرورة عدم تكرار حكومة الإصلاحات. لكن على الرغم من أنهم سعوا حتى لا يصل الإصلاحيون إلى السلطة، فإن البعض منهم لا يعنيه تكرار حكومة أحمدي نجاد، حتى ان المناقشات الدائرة وسط التيار الأصولي تتمحور في كيفية تحقيق هذا الهدف، بل تنشأ أحيانا خلافات في هذا الصدد. يرى بعض الأصوليين ضرورة تقديم مرشح آخر غير أحمدي نجاد، وجماعة المؤتلفة، وأتباع خط الإمام، والمرشد وجمعية المهندسين الإسلامية، تتبنى هذه الاستراتيجية، لكن في المقابل يصر أنصار وداعمو الحكومة التاسعة على ترشيح أحمدي نجاد فقط، ويعتقدون أن أحمدي نجاد أكثر الشخصيات شهرة بين الأصوليين”.
(جواد دلبري، مقتطفات إيرانية، ديسمبر، 2008).
إن خوف المحافظين من تكرار نموذج حكومات الإصلاحيين، هو خوف مبرر منهم، فقد نشأوا على اقتصاد استغلال الموارد العامة لمصلحتهم، وكلما تنامت الحريات البرلمانية والصحفية والاجتماعية ضاقت الدوائر عليهم، وهذا من شأنه توسيع تطور الإصلاحيين باتجاه الرأسمالية الحرة، في سنوات لاحقة وحسب مواقف القوى الاجتماعية، أما تحالف الإصلاحيين مع القوى الشعبية واليسار لتشكيل نظام يقوم على ملكية عامة مُراقبة بشكل شعبي، وبحريات حقيقية، فهو أمر بعيد في هذه المرحلة.
إن إيران تحتاج إلى حكومات إصلاحية مستقرة ومتواصلة توسع الحفر الديمقراطي وتطور الأرياف المستنزفة وحياة العاملين، بدلا من الكلام في التنوير المجرد كما فعل خاتمي في رئاسته السابقة.
إن المحافظين يشعرون بالارتباك بسبب تخبط الرئيس الحالي وتفاقم الفساد واتساع التذمر الشعبي، ولهذا يبحثون عن وسائل أخرى لضبط سيطرتهم المترنحة:
“صرح حبيب الله عسكر أولادي سكرتير عام جبهة “أتباع خط الإمام والزعامة” ضمن التأكيد أن الأخبار التي نشرت بشأن تكوين مجلس حكماء الأصوليين لا تخرج عن حيز التنبؤات والتخمينات، قائلاً: الأصوليون الآن بصدد البحث عن استراتيجيات لتحقيق الوحدة فيما بينهم، وخلق آلية لها تتناسب مع العقل الجمعي الإيراني، وإلى الآن لم يؤسس شيء باسم مجلس حكماء الأصوليين، وما طرح ما هو إلا تنبؤات، لكن لا وجود لمثل هذا الشيء حتى الآن، ولم يتم إدراج موضوع الانتخابات بشكل جاد على قائمة جدول الأعمال حتى الآن أيضا”.
(فرنك آشتي، مقتطفات إيرانية، ديسمبر 2008).
هناك حيرة للمحافظين تعكس هذا التدهور في شعبيتهم، فقد نفد صبر الشعب من تدخلاتهم الواسعة في الاقتصاد لمصالحهم الخاصة، ومن تضييقهم على الحريات العامة، وتدخلهم في الحياة الشخصية للمواطنين، ولهذا يطالب الناس بحكومة حريات على صعيدي الاقتصاد والحياة الاجتماعية، ولهذا فإن مرشحاً مشهوراً كالرئيس خاتمي سيكون محل استقطاب هام، ولكن هل سيتجاوز تنويريته المجردة ويدخل في تحالف اجتماعي مع التجار واليسار لإحداث انعطافة في النظام باتجاه الحرية؟
هذا يعتمد بدرجة أساسية على مواقف المؤسسات العسكرية، لكن سقوط نجاد سيكون مدويا، وسيكون الرئيس المنتصر قد حرك الشارع بقوة، ولعله يستفيد من دروس الماضي، ومن صعود الرئيس أوباما، ويتحاوران ويتعاونان لتحول مهم في إيران والمنطقة.
إن تزمت المحافظين وصل إلى حد رهيب وهو يؤجج الشارع الإيراني ضدهم على نحو غير مسبوق فلابد أن يأتي تغيير باتجاه التنفيس على الأقل.
إن فئات الشباب الواسعة تعكس مثل هذا الصخب النقدي ضد نظام سياسي متحجر، فحتى الاحتفالات البسيطة تواجه بضراوة: “وهم، بما يمثلون وبما يفعلون يرسمون المدى الذي قد تبلغه قطاعات أخرى في الشبيبة الإيرانيّة. يكفي القول إنهم، في سبيل علاقة وأحياناً إحياء حفل ليليّ (بارتي)، معرّضون للسجن والجلْد ودفع الغرامات، لا بل التزويج القسريّ أيضا” (حازم صاغية، 12 – 6 – 2008).
سوف تحدث الانتخابات القادمة تغييرا إذا لم ييأس الشعب من نظام الانتخابات ويقاطع، وباتجاه تحجيم سيطرة رجال الدين التي هي الشكل الايديولوجي لسيطرة البيروقراطية العسكرية والسياسية.
وربما يكون هذا التغيير مهما لمنطقة تصاعد فيها التوتر إلى درجة خطيرة، ويضاف إلى رصيد التحولات باتجاه علاقات سلمية وتعاون أخوي.
 
صحيفة اخبار الخليج
21 فبراير 2009

اقرأ المزيد

الإصلاح الإداري


 
أكمل ما كنت قد بدأت به، وانتهيت إليه من ضرورة بث روح جديدة للمسؤولية في كل موقع من مواقع العمل العام، أو الإدارة العامة واعتبار ذلك شأناً وطنياً يتعلق بمسيرة الدولة والمجتمع.
الأصل في الإدارة العامة خدمة المواطن، والإدارة الحقيقية المؤهلة هي التي تكسب مبرر وجودها من خلال الالتزام بهذا الأصل بكل مقتضياته وأركانه وما يفرضه من واجبات بكل كفاءة، ومهنية، ونزاهة، وبأقل كلفة وعلى أساس الجودة والجدوى والإتقان وسرعة الإنجاز وعلى قاعدة الشفافية والمساءلة .

هذا هو المفروض حتى تكون إدارة شؤون المجتمع قادرة على مواجهة المعضلات وملبية لاحتياجات المواطنين والمقيمين بأفضل صورة ممكنة بعيداً عن المعالجات الظرفية والتسكينية لواقع حال الإدارة الراهن، وبعيداً عن أشكال الضغط والتجاذبات والولاءات الضيقة والاستقطابات بأنواعها، ناهيك عن منطق الزمرة والشلة والمحسوبية والتفصيلات الطائفية وكل الاعتبارات الأخرى المعيبة بأي معيار والتي لا تزال تحكمنا وتحاكمنا، وهي في الغالب ليس لها علاقة لا بقواعد الكفاءة والجدارة ولا بعناصر الاستحقاق والإنجاز والإتقان ولا أي شيء من هذا القبيل مما يحتاجه المواطن والدولة والاقتصاد على حد سواء.

وهنا لا مناص من التساؤل: هل هو مشروع إصلاح إداري هذا الذي أعلن عنه مؤخراً في ضوء إعادة تشكيل المجلس، أم نعده مجرد مشروع نوايا حسنة لعملية إصلاح أو تحديث منظومة الإدارة الحكومية .
نعلم جيداً.. أن الإصلاح في أي مجال هو عملية ذات طبيعة خاصة، ففي حين يمكن للبعض أن يثبت أنها حققت الكثير، بمقدور البعض الآخر أن يثبت أنها لم تحقق شيئاً يذكر، أو شيئاً له قيمة .. كل ذلك تبعاً للمنظور المتبع في تفسير عملية الإصلاح كمفهوم وتحديد ما يجب إصلاحه، لذا لن ندخل في التفاصيل ذات الصلة بمفاهيم الإصلاح الإداري، فالإصلاح الإداري هو اليوم يعني تطوير الإدارة وتحديثها كي تقوم بعملها بكفاءة وفعالية تجاه المواطن والمجتمع والاقتصاد الوطني، وعلى أساس ذلك بدأت بعض الدول والدوائر الاقتصادية تتبنى مفهوم التنمية الإدارية، ولا شيء يحجب هذه الحقيقة، وهي أنه كلما تباطأنا في عملية الإصلاح الإداري، أو التنمية الإدارية كلما دفع الوطن والمواطن الثمن غالياًَ أكثر فأكثر.
نعود إلى السؤال، هل نحن أمام مشروع إصلاح إداري في البحرين؟

التفاصيل المعلنة تشير إلى أن هناك توجهاً وصف بأنه جاد يستهدف « أطراً عامة « للوصول إلى:

• إعادة هندسة العمليات في الإدارة الحكومية للتوافق مع رؤية مملكة البحرين الاقتصادية 2030 لبلوغ إدارة حكومية كفوءة ومنتجة .
• إحلال الكفاءات الوطنية وأصحاب المؤهلات والقدرات المميزة في المواقع القيادية.
• إعداد جيل قادم مؤهل من الكفاءات البحرينية مدربة ومؤهلة تتحمل مسؤوليات وقيادة عمليات التطوير في كافة المجالات.
• وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

تلك هي الأطر العامة الطموحة التي لا نعلم حقاً ماذا كان يمكن أن تشكل بداية المشوار الذي يبدأ بخطوة على طريق الإصلاح الإداري الحقيقي والمنشود الذي نراه أكثر من مناقلات وتعيينات وعملية تجميل أو إجراءات شكلية.
مهما يكن من أمر.. لا يجب أن يغيب عن البال أن أي إصلاح إداري حقيقي، أو تنمية إدارية بأبعادها الحقيقية سيكون من المتعذر بلوغها اذا بقيت هيمنة أو تدخلات أهل السياسة واملاءاتهم الفوقية في الشأن الإداري، وبات فصل الإدارة عن السياسة وإيقاف السياسيين والنواب وبشكل قاطع من أي هيمنة، ومن الشفاعات والوساطات والمراجعات والتدخلات في شؤون الإدارة أمراً لابد منه.

إننا ننبش من بطن الميثاق الوطني الذي مرت علينا قبل أيام ذكراه الثامنة، فهو الذي قضى في فصله الثالث بإنشاء ديوان للرقابة المالية، وآخر للرقابة الإدارية بهـــــــدف «تفعيل معايير النزاهة وتكافؤ الفرص، وتفعيل أدوات المراقبة المالية والإدارية، وزيادة شفافية العمل في كافة إدارات الدولة»، بل علينا في شأن مشروع هذا الديوان أن نضيف إلى ذلك الأمر الملكي الذي نص على إنشاء ديوان الرقابة الإدارية وفق معطيات الميثاق الوطني، وهو الأمر الذي أعلن عنه جلالة الملك حفظه الله في كلمته السامية بمناسبة العيد الوطني وعيد الجلوس ( 16 ديسمبر 2005 ) وصولاً كما قال جلالته إلى مزيد من الكفاءة والنزاهة والشفافية في الإدارة الحكومية، وذلك يعني توافر المرتكز السياسي للإصلاح الإداري.

كل ما نريده ونحن نعيش أجواء الذكرى الثامنة للميثاق الوطني أن نسمح لنزعة الإصلاح الإداري الحقيقي أن تشق مجراها من دون إعاقات ومعوقات، وأن نعي جيداً أن المرحلة المقبلة من تطورنا الاقتصادي والاجتماعي، يجب أن تبدأ بإصلاح إداري شامل يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ويعطي لصاحب الكفاءة والنزاهة دوره الكامل في حمل المسؤولية وممارسة الصلاحية، وبغير ذلك ستبقى الإدارة العامة تمثل عنق الزجاجة في جهودنا الإنمائية.
 
الأيام 20 فبراير 2009
 
 

اقرأ المزيد

التخرصات الإيرانية

 

 


لا مجال للمزيد من السكوت على هذا التطاول على البحرين وسيادتها واستقلالها الذي تحقق بفضل سواعد ونضالات شعبها, ليطل علينا مسؤول أهوج هنا وهناك داخل ايران ليتدخل في شؤون بلادنا ويشكك في عروبة وسيادة هذا الوطن الصغير في حجمه الكبير بشعبه.

جميع أهل البحرين بمختلف أطيافهم وتلاوينهم, عندما استشعروا بان هناك من يريد سوءا بهذا البلد وسيادته تكاتفوا ورفضوا مثل هذه التخرصات والادعاءات التي لا تعبر عن حسن الجوار.

لتصل رسالتنا هذه المرة واضحة الى كل من يتغطرس بقوميته الفارسية, ان شعب البحرين مهما اختلفوا وبلغت حدة هذا الاختلاف فيما بينهم الى ما بلغت اليه فإنهم يقفون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص في وجه أي خطر محدق.

وما الاقتراح الذي تقدمت به الكتل النيابية لإصدار بيان يدين هذه التصريحات وكان التصويت عليه محل إجماع جميع النواب إلا دليل على ان البحرين توحدنا, فلا مجال الان للمجاملات مع من يريد التشكيك في عروبة وطننا وسيادته.

اذا كانت ايران كما تدعي تحرص على حسن الجيرة والعلاقات الطيبة مع دول الخليج العربي, فإنها مطالبة بتقديم اعتذار رسمي لقيادة وشعب هذا الوطن, على ما أبداه بعض المسؤولين الايرانيين من إساءة صريحة وواضحة.

في الختام لابد من ان نرفع الهام لكل وطني غيور رفض مثل هذه الادعاءات التي لا تنم إلا عن ذهن متعفن تحكمه القوميات المريضة.
 
الأيام 20 فبراير 2009

اقرأ المزيد

إيران إلى أين؟ (2)


نكتب هذه السطور محاولة لتقصي الاحتمالات السياسية الممكنة في الانتخابات الإيرانية الرئاسية القادمة في شهر يونيو، وقد رأينا في الحلقة السابقة بعض جذور التاريخ الإيراني البعيد، وكيف جثمت إيران أخيراً على قطار الرأسمالية الحكومية البيروقراطية، وظهر السائق من أهل القرى يقودها فيما يعتقدُ ان سكته هي الإسلام والفضيلة والتطور الحق.

ونظراً إلى هيمنة هذه الرأسمالية الحكومية على المال العام وإنتاج الوعي المسيطر والحكم، فقد ظهر جناحان، هما الوحيدان اللذان يُسمح لهما بالتعبير والتنظيم في صفوف الطبقة الحاكمة.
وهما الجناحان اللذان أُطلق عليهما: جناح المتشددين وجناح الإصلاحيين، وراحا ينفرزان بصعوبة شديدة، ويحكمان بشكل شبه دوري، ويتصارعان على قيادة التطور، وهما منبثقان من ملكية الدولة العامة ومن المؤسسات الخاصة المنبثقة منها أو العائشة بفضل كرمها، وتلعب المؤسسات العسكرية دور قيادة التطور والمتحكمة في النمو السياسي، ويمثل الحرس الثوري إحدى هذه المؤسسات المؤثرة، ومع هذا بل بفضل هذا هو يغوص في فساد كبير، يقول أحد الباحثين الإيرانيين:

“وعلى الصعيد الاقتصادي، فكما يدور الحديث عن كبار مسئولي الحرس الثوري، يدور الحديث أيضًا عن هذه المؤسسة العسكرية والمؤسسات الاقتصادية التابعة لها خاصة مقر خاتم الأنبياء، وشركة “قرب” للتشييد ومئات المشروعات الاقتصادية الكبيرة والثقيلة مثل “إنشاء السدود، وشبكات توصيل المياه، والنفط والغاز، والموانئ، والطرق والمساكن و…” ويذكر أيضًا دخول هذه المؤسسة العسكرية مجال تصنيع الأجهزة الإليكترونية والاتصالات.”، مرتضى كاظميان، ملفات إيرانية، يناير .2009

مع سيطرة المؤسسات العسكرية ومشروعاتها الاقتصادية والعسكرية، تنمو مصلحة مشتركة مع النظام بتوجهه القومي – الديني التوسعي، وهي من هنا تؤيد حكم رجال الدين إلى زمن ما، وهي تنخرط في الاقتصاد والبناء فتقرأ الواقع بصورة أعمق من أولئك، ولهذا تأتي فترة ترى من الضروري التخلص من الحكم الديني، نظراً إلى ضرورات تطور الاقتصاد والجوانب العملية فيه وفي البناء السياسي عامة وهو أمرٌ سبق ظهوره في الدول الشمولية الشرقية ويغدو المطبخ العسكري هو المنتج للسياسة الحكومية الكبرى. ومن هنا ينشأ جناحٌ مؤثرٌ في الانتخابات منها، يرجحُ كفة مرشح ورفض مرشح آخر.
يقول كاتب إيراني:

“أما من يؤمنون بأن الملالي يجب التخلص منهم لصالح أعضاء المؤسسة العسكرية، فيتخذون صف محسن رضائي، القائد السابق لفيالق الحرس الثوري الإسلامي وأحد رجال الأعمال البارزين”، أمير طاهري، الحياة، 17، 10، .2008
بين ثبات النظام وجموده، وبين انفتاحه وتحرره، تظهر الفكرتان الكبيرتان المتصارعتان في النظام اللتان تعيشان على الوعي الايديولوجي المستقى من المذهبية والمكيف لصالح الطبقة ككل، ولجناحيها المتصارعين:

“والقضية لا تمثل جدلاً سياسيا أو فقهيا بين العلماء والمثقفين فقط، بل تتجاوز الجدل إلى الصراع، لأن هذه المسألة تؤثر في توجيه النظام بين أن يستسلم لولاية الفقيه باعتبارها منفذة للإرادة الإلهية في الإعداد لظهور إمام الزمان محمد المهدي، ومن ثم حشد كل الإمكانيات في هذا الاتجاه من دون اعتراض، حتى لو أدى ذلك إلى الصدام مع المجتمع الدولي أو القوى الكبرى، باعتبار أن هذا الأمر يمثل جهادًا واجبًا على الجميع في هذه الدائرة، وبين أن يتجه النظام إلى مواكبة العصر والتعامل مع المجتمع الدولي، وفك تصنيفات الاستكباريين والمستضعفين، والتعامل بفكر مفتوح مع الديمقراطية، وتطوير ولاية الفقيه، والخروج بها إلى آفاق أرحب من خلال إيجاد تبريرات دينية ومذهبية. ولا شك أن كلا الفريقين يحصل على تأييد ودعم يبدوان واضحين خلال الإعداد لانتخابات رئاسة الجمهورية، والأفكار التي تطرح مؤيدة لهذا الفريق أو ذاك، والتكتلات التي بدأت تتشكل على الساحة السياسية”.

من هنا نجد أن الرئيس أحمدي نجاد والرئيس السابق خاتمي يشكلان هذين الموقفين المتضادين المتداخلين، اللذين ينتجان في السياسة تشددا مرة وانفتاحا مرة أخرى، ويوسعان من الرأسمالية الحكومية المسيطرة، مثلما يفاقمان تناقضاتها، لكن هل هما يقودان لظهور ليبرالية حرة وديمقراطية حديثة؟

إن الرأسمالية الحكومية تستفيد من التوجهين، وهي تخلقُ نقيضَها كذلك ومن داخلها، فكلما نمتْ الفئاتُ البرجوازية واستقلت تفكر في إعادة النظر في النظام ككل، مثلما يفكر قائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي والمليونير الحالي.
إن الحفاظ على النظام الديني المتشدد هو حفاظ على طريقة هذه الفئات الاجتماعية الحاكمة في استغلال الموارد العامة لصالحها، وعبر إشغال الشعب بهذه اللعبة السياسية، وعبر تشديد القبضة المحافظة على الأخلاق وحياة الناس العامة.
ولهذا يتشكل طابقان من البناء السياسي: طابق فوقي ظاهري عن الحرية والثورة والأخلاق الفاضلة، وطابق تحتي سري للفساد ولنمو الاقتصاد الطفيلي وتجاوز الأخلاق.

ومن المؤكد ان الجناح الليبرالي المنفتح في النظام هو أفضل بكثير من الجناح المتشدد والمغامر، ولكن الجناح الليبرالي لا يتوافق كليا مع إرادة العسكر ومشروعاتهم إلا إذا تم انتقال واسع منهم للرأسمالية الخاصة، كما حدث لقائد الحرس السابق الذكر.
حين تتفق قيادات الحرس الثوري والجيش والمخابرات والرأسمالية الحكومية والخاصة الكبرى على تجاوز النظام الراهن يحدثُ ذلك، ولكن الآن تبقى لعبة البحث عن مخرج للمأزق التاريخي لإيران.
 
أخبار الخليج 20 فبراير 2009

اقرأ المزيد

بين الأنظمة السياسية والأحزاب الشيوعية


بعدما عمل الحزب الشيوعي السوداني في الظل، بحيث لم يعقد أي مؤتمر من مؤتمراته الحزبية طوال اثنين وأربعين عاما، أي منذ عام 1967،. فإنه عقد مؤتمره الأول في أواخر يناير عام 2009، إذ جاء عقد هذا المؤتمر انتصارا للحزب الشيوعي السوداني خاصة، وانتصارا لجميع الأحزاب الشيوعية قاطبة.. مثلما جسدت مضامين هذا المؤتمر وأهدافه علامات مضيئة لأصول الفلسفة الماركسية بماديتيها (الجدلية والتاريخية) ولتاريخ الحزب الشيوعي السوداني الذي بمنابعه المبدئية والنضالية تجذر في أرضية الواقع المجتمعي السوداني الملموس.. منذ تأسيسه في عام .1946
ولعل ما يبعث على فخر الشيوعيين الحقيقيين هو أن هذا المؤتمر التاريخي للحزب أنهى بقراره المبدئي بالإبقاء على اسم الحزب وهو (الحزب الشيوعي السوداني) والتمسك بالماركسية، بعد أن أصبحت الكفة الراجحة للكوادر القيادية في الحزب التي أيدت الاسم (الشيوعي) بدلا مما يراه البعض من الكوادر الحزبية بتسميته بـ (الاشتراكي) ولكن أيا كانت الأمور وما تمخضت عنها من النتائج هو أن الحزب الشيوعي السوداني وبعد نضالاته المريرة وتضحياته الجسيمة من أجل تحقيق الحريات العامة والديمقراطية وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني ومن أجل تحقيق شعار “وطن حر وشعب سعيد” فإنه قد آمن بالواقعية السياسية مع الحفاظ على الثوابت المبدئية.
وعلى الرغم من كبوة الحزب الشيوعي السوداني ومروره بقسوة تجربة الانقلاب العسكري بقيادة (هاشم العطا وأبي بكر النور) وغيرهما في 19 يوليو 1971 ضد النظام الدكتاتوري السوداني البائد.. وإقدام رئيسه جعفر النميري على إعدام خيرة مناضلي وقياديي الحزب وعلى رأسهم الأمين العام للحزب عبدالخالق محجوب والقيادي والمناضل النقابي الشفيع أحمد الشيخ على الرغم من ذلك كله فإن وثائق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني أكدت التمسك بالنضالات السياسية والإضرابات السلمية والحوارات الوطنية فظلت أياديه نظيفة ناصعة البياض لم تتلوث بالدماء البتة كما هو حاصل لدكتاتوريات الأنظمة العربية الرسمية والمخضبة أياديها بدماء المناضلين والمسحوقين وطالبي الحرية والكرامة الإنسانية.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإنه يمكننا أن نستشهد بما ورد في مقالة الكاتب (داود البصري) المنشورة في جريدة الأيام في 28 يناير 2009 والمعنونة (هل كان الحزب الشيوعي العراقي دمويا؟).. هذا الكاتب هو ليس بشيوعي ولم يمت بأي انتماء إلى الأحزاب الشيوعية بحسب ما أورده في مقالته، إلا أنه دافع عن حقائق وتاريخ الحزب الشيوعي العراقي بنزاهة النظرة الحيادية.. وذلك إنصافا للتاريخ والتزاما بالوقائع الملموسة، بحسب ما جاء ذكره خلال مقالته.. وهو حينما استرسل قائلا: (لم يؤد لأي انتقام شيوعي لجلادي البعث حيث لم يسجل التاريخ العراقي المعاصر أن الشيوعيين قد انتقموا لدماء قياداتهم ورفاقهم أبدا).
ولعل هناك فقرة أخرى بالغة الأهمية بهذا الصدد ضمن مقالة الكاتب، حينما عقب بقوله (لكنهم.. أي الشيوعيين.. كانوا مسالمين بالكامل حتى ان انقلاب العريف حسن السريع في معسكر الرشيد في تموز 1963 الذي هيمن فيه الشيوعيون على الموقف لم يتم خلاله قتل أي مسئول بعثي كبير بمن فيهم وزير الداخلية حازم جواد الذي نجا بجلده وساهم فيما بعد في حفلات الإعدام الشامل).
وهكذا جسدت نضالات وتضحيات قيادات وكوادر الأحزاب الشيوعية في العالم العربي صفحات مبدئية وتاريخية مشرفة ومواقف نضالية مشرقة.. ديمقراطية بتسامحها.. متواضعة بعقلانيتها وماركسيتها.. متألقة بتحليلاتها وبرامجها السياسية.. شامخة بجماهيرها وشعوبها.. مؤمنة بالعمل السياسي والنضال الحزبي والشعبي والجماهيري.. وفي مقدمة هذه الكوكبة المناضل يوسف سلمان يوسف (فهد) مؤسس وأمين عام الحزب الشيوعي العراقي في 14 فبراير 1949 ورفيقاه حسين الشبيبي وزكي بسيم ومن بعدهم سلام عادل الذي أصبح سكرتير الحزب الشيوعي العراقي والذي اغتيل على أيادي الجلاوزة في 7 مارس 1963،. وسكرتير الحزب الشيوعي اللبناني المناضل فرج الله الحلو الذي استشهد في 25 يونيو 1959 تحت وطأة التعذيب في دمشق – والمناضل والمفكر حسين مروة.. والمناضل مهدي عامل عضوا اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني.. اغتيل حسين مروة على أيادي الوجه الآخر للنظام العربي الاستبدادي وهو تيار الإسلام السياسي الظلامي في 17 فبراير 1987،. واغتيل مهدي عامل على أيادي قوى التيارات الإسلامية نفسها في 18 مايو 1987،. أضف إلى ذلك إعدام قيادات مناضلي الحزب الشيوعي السوداني.
هؤلاء هم جميعا بأحزابهم الشيوعية المناضلة العريقة آمنوا بمبدأ التعددية ومفاهيم الديمقراطية والأساليب الواقعية السلمية والشعبية.. ورفضوا الانقلابات العسكرية.. لكنهم نسجوا أعظم الملاحم النضالية والبطولية والمبدئية وقدموا ثمن الضريبة باهظا بالدم والسجون والمعتقلات والملاحقات.. وتحدوا أعواد المشانق المنصوبة بأيادي جلادي الحكومات الدكتاتورية بصمودهم وإيمانهم بمقولة رفيق دربهم المناضل (فهد): (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق)، فتساموا على جراحهم وغالبوا معاناتهم وتجاوزوا ذواتهم حتى وجدوا مكانتهم عظيمة في قلوب شعوبهم وعقول جماهيرهم.. بقدر ما حفرت مكتسباتهم الوطنية وإنجازاتهم المبدئية في صخرتي الواقع والزمن.. بينما دكتاتوريات الأنظمة العربية من المستبدين والجلادين ظل البعض منهم بمعزل عن شعوبهم ومجتمعاتهم.. بل هم دخلاء عليها وغرباء إزاءها وعلى طبقاتها.. وظل البعض الآخر مشردين مطاردين بطائلة الملاحقات خارج الوطن أو مذلين بوصمة العار على جباههم ومهانين ببراكين غضب المسحوقين والمضطهدين بعد أن ألقي بأنظمتهم الأوتوقراطية في مستنقعات ومزبلة التاريخ.
 
أخبار الخليج 20 فبراير 2009

اقرأ المزيد

رواية حداثية لعبد الله خليفة عن مأساة كربلاء!!


روى عبدالملك بن عمر الليثي في احد المجالس عن اضطرابات العهد الأموي وفتنه فقال: رأيت رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما بالكوفة في دار الإمارة بين يدي عبيد الله بن زياد، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار الثقفي، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير رضي الله عنهما، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبدالملك بن مروان!!

حركة الرؤوس وتناوبها في العرض تطورت فيما بعد وما عادت في عصر الدولة العباسية تحمل على الرماح كما في العهد الأموي!! بل استخدمت لحفظها صناديق خشبية صغيرة مزخرفة بأجمل الزخارف ويحملها فارسان!! وتنقل تلك الصناديق إلى مجالس الخلفاء ثم تفتح في مجالسهم ووصل التطور بعد ذلك إلى تسجيل لحظات القتل بأفلام الفيديو وعرضها فيما بعد لإثبات ما قام به القاتل لينال جائزة ولي النعمة!!

رواية (رأس الحسين) للروائي البحريني عبدالله خليفة نهلت من هذا التاريخ الدامي برؤية عصرية (حداثية) لما يحدث في أيامنا الحالية وقد كتب الروائي روايته مستفيدا من القالب السردي والحواري الذي يتيحه فن الرواية، وكذلك اللغة السينمائية،لتغطية أحداث امتدت لأربعين يوما بواحدة وأربعين لوحة سردية، هي كل ما تضمنته الرواية من سرود، وإذا استثنينا اللوحة الأولى التي تبدأ بذبح الشهيد بسيف الشمر بن ذي جوشن أحد قواد عبدالله بن زياد الذي انتدب من خليفة الأمويين يزيد لمحاربة الحسين عليه السلام، فيكون لكل ليلة من ليالي حمل الرأس إلى دمشق ومعها سبايا العلويين حتى اختفاء الرأس الشريف، لوحة أدبية سردية لكل يوم من أنفس ما قرأت في أدب الرواية العربية الحديثة!!

وأعجب كيف تمر رواية كهذه من دون اهتمام نقدي مهم، ويبدو لي أن هذا كان لسببين الأول أن الكاتب من إحدى دول الخليج التي ينظر إليها على أنها لا تنجب مبدعين، وأنها مكان لتصدير النفط فقط!! والسبب الثاني أن الموضوع الذي بنى عليه الكاتب روايته موضوع خطير، وقد كان ظاهرة سياسية واجتماعية لتحول النظام العربي من حكم الشورى إلى حكم بني أمية الوراثي، الذي لا يزال حتى هذا اليوم مدعاة للجدل والاختلاف بالرغم من مضي أكثر من ثلاثة عشر قرنا على ذلك التحول السياسي وما تبعه من إراقة دماء المسلمين وتشرذمهم وتحولات اجتماعية في بقعة واسعة من الأرض انتشرت فوقها الدعوة الإسلامية.

لقد كان من بين السبايا الذين حملوا في قافلة لم تمر في تاريخ العرب أحزن من مرورها على قلوب من رأوها تمر بهم من أهل القرى والمداشر التي مرت بها القافلة: رباب زوجة الحسين الشهيد عليه السلام وأخته السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام وما تبقى من أبناء الإمام الحسين: زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، وما تبقى من أطفال ونساء شهداء العلويين في كربلاء في يوم العاشر من محرم عام 63 هجرية ليعرضوا على خليفة الأمويين يزيد بن معاوية، لإثبات قتل الثائرين بالدليل القاطع وللحصول على جائزة الخليفة الأموي..

تتناول الرواية هذه الحقبة الدامية من التأريخ الإسلامي، وهي فترة تحول لنظام كامل استمر من هجرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وحتى نهاية العصر الراشدي باستشهاد آخر الخلفاء الراشدين على بن أبي طالب كرم الله وجهه واستتباب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان والي دمشق الذي أنشق على الخليفة الشرعي، وتولى الخلافة بعد تنازل سبط علي بن أبي طالب الحسن رضى الله عنهما عن الخلافة لغريم أبيه حقنا لدماء المسلمين.

الرواية تبدو لنا كعمل فني له شروطه الموضوعية الداخلية المتعلقة بالشكل الذي تبنى عليه وكذلك على الآليات التي عمل عليها الكاتب ليقول لنا شيئا عما يحدث في عمله سلبا أو إيجابا موافقة لما يحدث أو رفضا، وتشعر بكل ذلك من لغة الخطاب الروائي وحمولاته وطرائقه في طرح أرائه، وتشعر به من توتر الحوار بين الشخصيات، والمنلوجات التي تدور في داخل كل عنصر داخل العمل الروائي، ومن خلال عين الكاميرا التي تنتقل بك من مشهد إلى آخر لتوضيح أمر ما أو لمواصلة السرد الحكائي من خلال لغة وصفية متقنة تجسد لك ما يحدث، ومقربة لك وسائل اتخاذ القرار مع أو ضد ما يحدث ومن بعيد ومن دون تدخل مباشر في ما يحدث.

ويبدو أن صعوبات جمة رافقت الكاتب في عمله الروائي المهم منها أنها تنهل من الموروث التاريخي الذي يعود بالقارئ إلى الوراء لأكثر من ثلاثة عشر قرنا وعلى الكاتب أن لا يجعل القارئ يتأثر بالتاريخي ليهيمن عليه تماما بل يشرك الفعل الروائي في التأثير حتى يبقى العمل إلى النهاية عملا فنيا وليس عملا تسجيليا يحكي وقائع التأريخ المعروفة. لكن الروائي وفق تماما في جهده الكبير وأعطانا رواية حقيقية تنهل من وعاء التاريخ الضخم وتصهر فيه الأفكار المعاصرة عن الظلم والتضحية ودور الكلمة المقاتلة في دحض الباطل وكشف زيفه.

شخصيات كالمهرج والشمر بن ذي جوشن ومعاوية الثاني بن يزيد ولي عهد يزيد وهند زوجة يزيد التي لم تحتمل ما فعل الأمويون بالحسين الشهيد وأهله ومن استشهد معه فأقدمت على الانتحار بإلقاء نفسها من فوق أعلى جدار في قصر الخلافة، وذلك الكشف الأدبي لدواخل شخصية يزيد بن معاوية التي تتذبذب بين حسيتها كشخصية تميل للحياة بمباهجها ملغية دورها الآخر المطلوب منها كخليفة للمسلمين ودوره المفروض كولي لأمورهم وبين منافسة بقية كبار الأمويين الذين ينتظرون فرصة سانحة لتجريده من ولاية أمر المسلمين لفخذ آخر من بني أمية،وكان أمله أن يختفي إلى الأبد ما حدث للحسين عليه السلام ويطويه التاريخ بسرعة ولا يذكره أحد!! يقول عن ذلك يزيد في ص169: لابد أن يحدث كل شيء بلا ضجة.. وتختفي السيرة وينقطع القص، لا بد أن ينهي حدث الحسين هذا إلى الأبد.. يطويه من ذاكرة الأجيال، يختفي وكأنه لم يكن، الروايات يختفين واحدة بعد واحدة، ومشاهد الموت والقتل والعطش تتوارى من ذاكرة البشر!!) ولكن لا يختفي شيء وهذه الرواية تحكي مجددا ما دار في ذلك العهد البعيد، يقول الحاجب لسيده يزيد بن معاوية عن الشمر قاتل الحسين عليه السلام:

– سيدي ذلك الشمر العراقي لا يزال يعود كل يوم يطلب مالا وجهه في المدينة يثير كل الذكريات الكريهة، إنه شبه مخبول وصار يثرثر في المجالس ويروي بطولاته.
يأمره يزيد:
– اضربوه وأرجعوه إلى العراق، ليتوار هذا الشمر هناك في احد البيوت..!!!
 
أما حمزة الذي كان مهرجا في اللوحة الأولى من الرواية ليزيد وذهب في الحملة التي وجهت لحرب الحسين عليه السلام فقد عاد برجل واحدة من المعركة وقد تحول إلى راو لفجيعة ذبح الحسين وأبنائه وإخوته رضي الله عنهم جميعا، وقد صار كما تصفه اللوحة 40 في الرواية :حمزة يعمل ستارة وشموعا وظلالا ويحرك عليها خيالات يزعم أنها يزيد والشمر والحسين ويقوم بإثارة الناس، وقد أمسكه الحراس ووضعوه في الحبس..
الصراع التراجيدي الذي يشعر به ابنه معاوية الثاني وولي عهده يجعله يحاول اغتيال أبيه انتقاما للحسين عليه السلام ولكنه لا ينجح فيسجنه الأب في أكثر سجون دمشق أذى ووحشة!!

رواية (رأس الحسين) عمل روائي مهم، كتب بلغة شفافة وتمكن واضح في فهم آليات الرواية الحديثة وصهر الروائي كل ما له علاقة بالحادثة التاريخية في متنه السردي واستطاع كاتبه عبدالله خليفة أن يجعلنا نقتنع أننا نقرأ حوادث معاصرة تحدث كل يوم وكما يحدث في الرواية رأس الحسين حين تحدث الرأس المقطوعة عما ينبغي أن تكون حياة الناس وما ينبغي لهم أن يفعلوا ليقفوا في وجوه الظالمين كما أنها حدثتنا بلغة معاصرة وفن راق عما يحدث اليوم وما ينبغي فعله، في عالمنا الحالي المترامي لثائرين ورجال رفضوا الظلم ولم يرضوا بما قسمه لهم زمنهم الأغبر من نوائب ورزايا وفضلوا الشهادة على العيش الذليل!! ولهذه الأسباب وغيرها يمكن الإجابة عن سؤال ملح: لماذا لم يرحب برواية رأس الحسين لعبد الله خليفة كما يجب؟!!

* رأس الحسين رواية/ 174صفحة من القطع المتوسط/ منشورات الاختلاف -الجزائر- .2007
faissalhassan@hotmail.com

أخبار الخليج 19 فبراير 2009

اقرأ المزيد

الالتزامات المتبادلة في مبادرة “التقدمي”


في ندوة جمعتني مع الأخوين الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية “الوفاق” وإبراهيم شريف أمين عام جمعية “وعد” في الملتقى الثقافي الأهلي بمناسبة الذكرى الثامنة لميثاق العمل الوطني، وقدمت فيه عرضاً لمبادئ ومنطلقات مبادرة الحوار الوطني التي دعا إليها المنبر التقدمي، استنكر أحد الحضور كيف تنص المبادرة على إطلاق سراح الموقوفين، مع أنهم أصبحوا في عهدة القضاء.

وردي أن أهم صفة يمكن أن تطلق على مبادرة المنبر التقدمي الداعية لإطلاق آلية حوار في المجتمع هي صفة التوازن، فعلى الذي يرغب في الحكم عليها أن يقرأ بنودها متكاملة، لا أن يكتفي بقراءة بند واحد فقط، ويٌغفل بقية البنود، وفيما يتصل بمسالة القضاء فان موقفنا كان وسيظل هو الدعوة لأن يكون القضاء حكماً في القضايا المختلفة، وتوفير شروط النظر العادل في هذه القضايا، وفي مقدمتها توفير الضمانات القانونية للمتهمين وحمايتهم من الأذى النفسي والجسدي.

لكن مبادرة المنبر التقدمي ليس هدفها الرئيسي إطلاق سراح المعتقلين، وإنما إغلاق الملف الأمني كلية عبر آلية حوار متفق عليها بين الدولة والمجتمع، فتقديرنا أن إطلاق سراحهم دون تسوية الأمور الأخرى لن يحل المشكلة، وبالتالي ستكون هناك اعتقالات أخرى لهم أو لسواهم، ومثله أيضاً لن يحل المشكلة إصدار أحكام ضدهم، طالما ظللنا نراوح في الدائرة نفسها.

مبادرتنا تطلب التزامات متبادلة من القوى السياسية والمجتمعية من جهة، ومن الدولة من جهة أخرى، بل أن حجم ما تطلبه من التزامات من الأولى يكاد يكون أكثر من الثانية، حرصاً منا على أن يكون مفهوماً أننا نريد التغلب على أية أسباب تدفع الدولة لتغليب الخيار الأمني.

المبادرة تطلب من القوى السياسية والمجتمعية احترام النظام السياسي في البلاد الذي ينص عليه ميثاق العمل الوطني والمادة رقم 1 من دستور مملكة البحرين، وتدعو إلى ترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها والبعد عن الإساءة إليها، ونبذ مظاهر العنف كافة من حرق وتفجيرات والاعتداء على رجال الأمن، والتأكيد على سلمية العمل السياسي والالتزام بالقواعد والأطر القانونية المنظمة له، ووقف خطابات التحريض والتخوين والتشكيك في الولاء الوطني للمواطنين على أساس انتمائهم المذهبي والطائفي كافة.

بالمقابل تدعو المبادرة الدولة إلى ضمان فتح حوار بينها وبين القوى المجتمعية والسياسية حول الملفات موضوع الخلاف، وإطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين ووقف وسائل التعذيب والإكراه واحترام الضمانات القانونية للمتهمين إثناء التحقيق، كما تدعو إلى نبذ الاستخدام المفرط  للقوة من قبل رجال الأمن أثناء تفريق التجمعات.

هذا التوازن الذي تتسم به المبادرة يجعل منها قاعدة مقبولة للتحاور مع الأطراف المختلفة في المجتمع، لأنها صيغت بروحية تجعلها قابلة للتحاور حولها، وبالتأكيد فإنها قابلة للتعديل والإضافة وفق ما يجري التوافق عليه إثناء الحوار الذي اقترحنا أن تتولاه مع الدولة لجنة مصغرة من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والخبرة والصدقية لدى الجميع.

اقرأ المزيد