المنشور

وزارة الإعلام ..أقرِئكم السّلام.. وأواجهكم بالبيان..


في إحدى حلقات ‘ساينفيلد’ – السلسلة الكوميدية الأشهر في الثمانينات- يقرر كريمر مشاركة صديقه الإيطالي جون بافتتاح محل بيتزا في الحي الإيطالي.. وليتفردا ويجتذبا الزبائن وسط التنافس المستعر خرجا بفكرة خلاقة.. افتتاح محل يُمكن للزبون فيه صنع ‘بيتزته’ بيديه كما يُحب ويشتهي على أن يضعها – ويستلها- من الفرن بنفسه أيضا!!

ورغم تندر أصدقائهما بالفكرة إلا أنهما مضيا فيها بحماس.. وفي الافتتاح قرر كريمر تدشين المحل بإعداد بيتزته الخاصة فطفق يملؤها بما يشتهي من الإضافات.. فلما وضع كريمر الخيار انتفض جون؛ وأطبق على معصمه بعنف مانعاً إياه من المواصلة!!
وأمام دهشة كريمر رمقه جون شزراً ‘لا يجوز لك وضع الخيار في البيتزا’ قال منفعلاَ ‘أليست هذه هي الفكرة – قال كريمر- أن أصنع فطيرتي كما أحبها وكيفما أحب، والخيار مفيد للصحة وأنا أحبه وليس لك أن تتدخل في ذلك’ ومن هنا شبّ بينهما سجال أخرق انتهى بشقاقهما وانهيار مشروعهما الفتي حتى قبل أن يبدأ!!

هذا المشهد يشبه إلى حد بعيد موقفنا مع وزارة الإعلام بشأن قرارها إغلاق كل المواقع التي تخالف هواها – بقرار مزاجي بالغ الانتقائية – مع فرق مفصلي .. هو أن المشهد أعلاه كوميدي يُفرح القلب، أما المشهد هاهنا فهو تراجيدي صرف..

فقرار الإعلام الذي لا يبدو أنها تعتزم التراجع عنه قريباً مثال مجسد على احترام حرية الرأي – فقط- إذا لم تتعارض مع قناعات المسؤول وما يريد سماعه.. فالخطوة – غير دستورية بالمناسبة- التي اتخذتها الوزارة وبها شمعت مواقع البحرين الجانحة شاهد ماثل على قصور فهم حرية الرأي.. فحرية الرأي ليست في أن تسمح ‘وتشجع’ ما يوافق رؤاك؛ بل أن تسمح حتى مع ما يتعارض مع مواقفك وقناعاتك.. وسياسة الحجاج بن يوسف الثقفي التي تبنتها الوزارة – والقاضية بقطع وصلات المواقع البحرينية يمنةً وشمالاً- كانت محكومة بما يقال وما لا يراد له أن يقال.. أضف لانتقائيتها تلك خطيئة أنها ساوت بين المواقع الإباحية ومواقع الرأي وحقوق الإنسان فارضةً عقاباً جماعياً يطال – أشد ما يطال- من هم مثلي ممن نسيتهم الطفرة الرقمية بين أرفف الكتب والمجلدات!!
 
فأحياناً.. وأحيانا كثيرة.. يبدو لي – وأنا أتجول في ردهات الشبكة العنكبوتية أقتفى نبض الشارع- أنني الوحيدة التي سرى عليها قرار الحظر!! فالشباب ‘الضالون’ والفتية ‘المغرر بهم’ الذين أرادت الوزارة الحجر على ما يرون ويقرؤون، فكوا الحظر في يومه وقفزوا على المنع.. وما وقع فيه ألا أمثالي الذين لا أرى في منعهم نصراً للوزارة ولا لحراس بوابة المعلومات الأشاوس!!

مؤخراً أصدرت منظمة حقوق الإنسان دراسة من 148 صفحة تحدثت فيها عن الملايين التي تهدرها 14 دولة عربية في رقابة الإنترنت دون جدوى ‘ولم تكن البحرين قد شرَّفت القائمة بعد’ وخرجت الدراسة بنتيجة مفادها أن الرقابة على الإنترنت عبث، موصيةً الدول المعنية بتوجيه تلك الملايين لبناء قواعد معلومات ومنافذ إخبارية محايدة ومنابر حوار رصينة عوضاً عن هدم صوامع ما هو قائم من دون إيجاد بديل!!

وكم نأمل من وزيرة الثقافة والإعلام، الوزيرة الجميلة المثقفة التي توسمنا فيها – وما فتئنا- الكثير.. أن تتخذ خطوة شجاعة بالتراجع عن القرار الذي دُشِّن في عهدها.. ولمرة واحدة؛ على سبيل التغيير؛ لا تنتظروا ضغط المنظمات الدولية ولا تقريع بياناتهم، بل انظروا لنا نحن.. واحترموا رغباتنا؛ وإن كانت تقضي بوضع الخيار في البيتزا!!
 
الوقت 16 مارس 2009

اقرأ المزيد

كفانا هدراً للوقت


غاب صوت العقل وغابت معه مصلحة الوطن بكل مكوناته، المكان والصوت الراجح هو لقوى العنف والعنف المضاد، فمن ناحية الناس وكأن المكان قد أصبح فارغاً لمجموعات من الشباب تُغلب منطق اللاعقل على منطق العقل. كيف لنا أن نقبل استمرار حرق الإطارات وحاويات القمامة والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، بل إن الأمر قد تجاوز ذلك بكثير ليصل إلى درجة الاعتداء على أجسام الآخرين وبما يلحق بهم تشوهات جسمانية أو قد يفضي بهم إلى الموت. إنها أعمال غير محسوبة النتائج تصدر من أناس لم يصل مستوى التفكير لديهم لإجراء جردة حساب بسيطة تبدأ بسؤال النفس ماذا نريد؟ هل يمكن لأساليبنا أن تحقق ما نريد؟

إن الأمر المؤسف هو أن هذه الحركات التي تُسمى ‘احتجاجية’ ويدعي أصحابها أنها موجهة ضد السلطة، هي في واقع الأمر موجهة ضد من يقوم بها في المقام الأول، فهي تتم في الأحياء التي يسكنها الناس، وحرق الإطارات تضر بصحة أولئك الناس، حاويات القمامة يستخدمها الناس، فلو لجأت البلدية لإزالة تلك الحاويات مثلاً، فمن سيكون المتضرر؟ المناطق السكنية بأهلها ومبانيها بأطفالها وشيوخها ونسائها هي المتضرر الأول. في ظل ممارسات قوى الشغب غير السوية وغير المحسوبة، فإن أعمال العنف المتبادلة قد تودي بحياة طفل أو امرأة أو رجل لا ذنب لهم في المواجهات التي تجري في تلك المواقع.

إننا نشعر أن هؤلاء الشباب ومعظمهم قد يكونون من الأحداث أو الصبية الذين هم في العشرينات من العمر على أقصى تقدير لا يعون ولا يفقهون نتائج أفعالهم على أنفسهم وعلى أسرهم وعلى الوطن، لا يحركهم العقل، بل تحركهم مشاعر مختلطة بأفعال يعتقدون أنها أفعال نضالية وسياسية يحققون بها مطالب وطنية. إن حالة العنف السائدة الآن لن تؤدي إلا إلى المزيد من المعتقلين والمحكومين، وربما إلى أكثر من ذلك بكثير، خصوصا إذا ما أدت أعمال العنف المتبادلة بين الطرفين إلى إزهاق بعض الأرواح البريئة. هنا نقول إن على القوى السياسية وبالذات تلك القوى المصنفة على أنها قوى المعارضة، يقع عليها عبء تصحيح المسار بالعمل الصبور والدؤوب. على هذه القوى أن تكون أكثر صراحة مع نفسها ومع بعضها البعض للضغط باتجاه وقف أشكال العنف كافة.

ونحن إذ نأسف، نقول إن العبء الأكبر في ذلك يقع على جمعية الوفاق الإسلامية وإلى حدٍ ما جمعية العمل الإسلامي ومرجعياتهما الدينية وفي مقدمتها المجلس العلمائي. نحن لا نذهب بقولنا هذا إلى أن الجمعيتين والمرجعيات الدينية هي وراء أو مع تلك الأعمال العنيفة، لكننا نعتقد أنها الأكثر قدرة من قوى المعارضة الأخرى بأن تقول لهؤلاء الشباب كفى وتوقفوا عن هذه الأعمال، وأنه من اليوم لن يكون هناك لكم أي غطاء سياسي أو ديني وتتحملون نتائج أعمالكم. الوضع لم يعد يحتمل شعار رفض العنف من جميع الأطراف، بل المطلوب أن يشعر هؤلاء الشباب أنه لا يوجد لهم أي غطاء من القوى السياسية أو من المرجعيات الدينية.

كان ذلك من ناحية الناس، أما من ناحية السلطة فالوضع لا يختلف كثيراً، فإننا نشك بأن هناك في السلطة جهات ما تعمل على التصعيد، نعتقد أن قليلاً من الحكمة تقتضي السماع لرأي الناس، فليس من المنطقي تجاهل سماع مطالب الناس وشكوكهم، بل والتكابر عليهم وكأن الحال يقول القافلة تسير و(……) كما أن الحلول الأمنية والإفراط في اللجوء إليها لم تحل المشكلات ولن تحلها.

جهاز من أجهزة السلطة ‘ربما بحسن نية’ وفي ظل حالة التصعيد السائدة نراه يبث برنامجاً تلفزيونيا يساعد على إشعال الحريق بدلاً من المساهمة في إطفائه؛ فقد تابعت في الأسبوع الماضي جزءاً من برنامج تلفزيوني على شاشتنا الفضائية استضاف فيه مقدم البرنامج كلاً النائب الوفاقي جواد فيروز والنائب السلفي جاسم السعيدي والنائب السابق المحامي فريد غازي، فلا بعض الضيوف بنوعياتهم عناصر توحيد وطني، ولا موضوع الحلقة وخطاب الحلقة عنصر توحيد وطني، فهل مثل هذه البرامج من جهاز مسؤول تُمثل حكمة ومسؤولية؟

نريد أن نكون أكثر ثقة بقوانا السياسية وشخصياتنا الوطنية وفعالياتنا المجتمعية، كما نريد من السلطة أن تثق في تلك القوى وهي قوى مخلصة بكل تأكيد للوطن وأن تبدأ بالحوار معها حول جميع القضايا، على أن يكون هذا الحوار صريحاً ودائماً ومستمراً وبما يزرع الثقة في النفوس ويطهرها من الشك والريبة وحالة العداء.

من دون ذلك فالوطن مهزوم وكلنا مهزومون.

فكفانا هدراً للوقت، فمن سيدعي النصر هو مهزوم بكل تأكيد.


الوقت 16 مارس 2009

اقرأ المزيد

قمة تحويل التهديدات إلى فرص


مع استمرار فعل الأزمة العالمية الشاملة تستعد دول وأقاليم لمراجعة مجمل منظومة العلاقات الدولية القائمة وإعادة صياغتها خلافا لعالم القطب الواحد الآفل. ففي الأسبوع الماضي تقاطر على طهران قادة عشر دول ليعقدوا القمة العاشرة لمنظمة التعاون الاقتصادي التي اختلفت في روحها عن كل القمم السابقة. وقد استضافت القمة نائب الرئيس السوري والأمير القطري.
 
تأسست منظمة التعاون الاقتصادي عام 1985 من قبل إيران، باكستان وتركيا. وأصبحت وريثة منظمة «التعاون الإقليمي من أجل التنمية» التي تأسست عام 1964 من الدول الثلاث نفسها لكنها انحلت بعد الثورة الإيرانية عام 1979. في 20 نوفمبر 1992 انضمت إلى التحالف الثلاثي ست دول سوفييتية سابقة، هي أذربيجان، كازاخستان، قرغيزيا، طاجاكستان، تركمانيا وأوزباكستان. وقد تتوج تشكيل المنظمة بانضمام أفغانستان كعضو عاشر.
 
تغطي المنظمة حوالي 8 ملايين كلم مربع بسكان يزيدون على 300 مليون نسمة وتمتلك احتياطات هائلة من الموارد الطبيعية. وتعتبر طهران مقر الأمانة العامة للمنظمة التي تمارس التنسيق والرقابة على أنشطتها. وتعتبر المجالات التجارية الاقتصادية، النقل والاتصالات، الطاقة والوقود والمجالات الاجتماعية الإنسانية هي اتجاهات التعاون ذات الأولوية.
 
روح المناقشات والمشاريع المطروحة أعطت القمة قيمة اتجاهية نحو عالم ما بعد الأزمة والقطب الواحد وكشفت عن تناقضات الأقطاب في داخل المنظمة. في خطابه الافتتاحي أشار الرئيس الأذري والرئيس السابق للمنظمة إلى أنه خلال الفترة الماضية جرت محادثات مثمرة بين الأعضاء حول زيادة التعاون في مجالات أمن الطاقة وطرق الشحن وغيرهما من المجالات.
 
الرئيس الإيراني ورئيس المنظمة الحالي نجاد لخص الوضع العام بأن «عهد الرأسمالية العالمية يقترب من نهايته، وأصبح من الضروري أن تقوم الدول بإعادة تكوين صيغ جديدة لتعاونها التجاري الاقتصادي»، أكثر عدلا واعتبارا لحقوق الأمم. ودعا على الفور إلى اعتماد وحدة نقدية موحدة في عمليات حسابات التبادل بين أعضاء المنظمة، ثم فيما بينها والبلدان الأخرى باعتبار ذلك من أحد أهم الإجراءات للتغلب على الأزمة.
 
كانت القمة فرصة للتداول في تسوية مسائل العلاقات الثنائية والجماعية بين البلدان الأعضاء. فالرئيس الأذري التقى مرشد الثورة الإسلامية خامنئي والذي ينحدر إثنيا من أذربيجان الإيرانية. أكد خامنئي وعلييف على وجود آفاق رحبة لاستمرار توسيع الروابط المتبادلة بين البلدين.
 
وأثناء القمة قال الرئيس التركي عبد الله غول ما لم يقله أحد بهذا الوضوح بشأن تطور العلاقات الإيرانية الأميركية: «تغير الموقف 180 درجة، لكن المشاكل التي بقيت معلقة سيصعب حلها بين ليلة وضحاها»، ملمحا إلى دور تركي بهذا الصدد خصوصا مع قرب زيارة الرئيس الأميركي أوباما لأنقرة في 6 ابريل القادم.
 
غير أن نجاد أراد أن يقطع الطريق على نظيره التركي حين أكد في المؤتمر الصحافي المشترك لقادة ووفود الدول الأعضاء في المنظمة أن إيران لا تحتاج إلى وسطاء مع أميركا، وأنها مستعدة لإجراء الحوار فقط في ظروف «العدل والاحترام المتبادل«. أما خامنئي فحذر من أن هناك أعداء لتطور العلاقات بين تركيا وإيران «خصوصا من الأميركيين والصهاينة».
 
ولعلنا في هذه التجاذبات نقرأ المصالح والتناقضات الداخلية معا للدول الكبار في المنطقة. النخبة التركية، كما يشير رئيس معهد الشرق الأوسط التابع لأكاديمية العلوم الروسية يفغيني ساتانوفسكي، ترى أن المكانة التي ستحتلها تركيا يجب أن تتخطى الإطار الذي عرفه القرن العشرون.
 
لم تعد تركيا تقبل بدور عضو الجناح الأيمن لحلف الناتو العسكري، والواقف في طابور الانتظار على باب عضوية الاتحاد الأوروبي. إنها تتحسس جيرانها وتنظم التحالفات وتواجه المنافسين باحثة عن «مكان تحت الشمس» في عالم الغد.
 
قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي أبدت اهتماما عمليا بالقمة. فقد حضر أميرها ليشارك في البحث مع رؤساء كل من إيران، تركمانيا، أذربيجان مع الرئيس التركي في إمكانية تنفيذ مشروع «نابوكُّو» (Nabucco) الذي يشكل هو الآخر موضوع تعاون وصراع استراتيجيين. إنه مشروع خط أنابيب نقل الغاز الذي يجب أن يمتد من بحر قزوين إلى أوروبا الغربية، وقد كان عمليا مدار بحث من قبل كل هذه البلدان في السابق ( ما عدا قطر).
 
فبينما تريد إيران أن تصبح حلقة وصل بين تركمانيا وتركيا لنقل الغاز دون حاجة حتى لمد خط أنابيب عابر لبحر قزوين. فإن تركيا لم تكن ترغب أبدا في أن تصبح مجرد بلد عبور لغاز قزوين إلى أوروبا، بل تريد شراء كل الغاز القادم على حدودها الشرقية ثم تقوم بإعادة بيعه على حدودها الغربية على غرار ما تفعله «غازبروم» الروسية بشراء كل الغاز القادم عند الحدود الروسية.
 
 

اقرأ المزيد

صناعة الجهل


طالعتُ, منذ فترة, تحقيقاً في إحدى المجلات عن «المعلومات العامة» للشباب. التحقيق المذكور مبني على استبيان ثقافي يتضمن مجموعة من الأسئلة التي تتناول أو تتصل بمعلومات مختلفة في مجال الاكتشافات العلمية والطبية وثورة المعلومات والاتصال, وأسئلة أخرى حول شخصيات وأعلام ورموز في السياسة والثقافة والفن, فضلاً عن معلومات ذات طابع جغرافي.

وليس مفاجأة كبيرة أن نقرأ إجابات غريبة على أسئلة لا تبدو في الظاهر صعبة, وينطوي الأمر على طرائف ونوادر أيضاً, كأن يعتقد البعض بأن اسم طوني بلير رئيس الحكومة البريطانية السابق هو مغني في فرقة مشهورة, وأن فلاديمير بوتين رئيس وزراء روسيا هو لاعب كرة برازيلي وأن تشي جيفارا هو اسم لماركة تجميل عالمية.

إنه أمر يتكرر في مناسبات عديدة حين نفاجأ ونحن نتابع برامج المسابقات على الشاشة أن ما نعده بديهياً وبسيطاً لا يبدو كذلك بالنسبة لأعداد كبيرة من المشاركين, خاصة من الشباب, ومن الجنسين على حد سواء. والواقع أن المعلومات العامة ليست هي نفسها الثقافة أو الوعي, رغم أنها قد تكون مظهراً من مظاهرهما, ولكنها في الجوهر أمر مختلف, وإلا لكان علينا أن نعد جميع أولئك الذين يُظهرون مهارة في حل الكلمات المتقاطعة في الصحف والجرائد مثقفين.

إن الثقافة قبل أن تكون معلومات عامة هي رؤية للحياة وتصور للأشياء والمفاهيم والقيم. مع ذلك علينا ألا نستخف بظاهرة أن شباباً أنهوا تعليمهم الجامعي في تخصصات مختلفة ويطالعون الجرائد كل يوم, أو هكذا يفترض, ويشاهدون نشرة الأخبار في التلفزيون يجهلون مثلاً من هو طوني بلير أو بوتين. وبالطبع يمكن الرد على مثل هذا التساؤل بالقول إن الأشخاص الذين يجهلون من تكون مثل هذه الشخصيات يمكن أن يجيبوا على أسئلة أخرى أكثر تعقيداً في مجالات أخرى, وقد تكون لديهم مهارات في استخدام الكمبيوتر والأجهزة الحديثة غير متوفرة لمن هم أكبر منهم سناً. ولكن مثل هذه الاستطلاعات أو السابقات التلفزيونية تنم عن نمط من «الثقافة» شائع في المجتمع, وفي صفوف الشباب خاصة, للدرجة التي تجعلنا نتساءل أحياناً عن ما الذي يدرسه هؤلاء الشباب في المدارس والجامعات, وإلى أي مدى نعطي لأنفسنا الحق في تحميل النظام التعليمي مسؤولية هذا «الجهل» الذي يعاني منه شبابنا. في حينه تحدث أفلاطون عما وصفه بـ «الجهل المزدوج», قاصداً بذلك جهل من يدعي إنتاج المعرفة, فيما هو لا يقدم للآخرين سوى الجهل عينه, لأنه هو ذاته جاهل.

والعصر الحديث أنتج الوسائط الفعالة القادرة ليس فقط على إنتاج هذا الجهل وإنما تعميمه وتسويقه بصورة جذابة, آسرة, ساحرة, تماماً كما تُسوق السلع الأخرى من خلال «فاترينات» العرض أو من خلال الإعلان الذي يتوسل أكثر الأساليب فتنة ومتَعا وجذبا. وفي القرن التاسع عشر, في عام 1848, كتب تشارلز ديكنز يقول: «نسمع أحياناً كلاماً عن دعوى التعويض عن الأضرار ضد الطبيب غير الكفء الذي شوه أحد الأعضاء بدلاً من شفائه. ولكن ماذا يقال في مئات آلاف العقول التي شوهتها إلى الأبد الحماقات الحقيرة التي ادعت تكوينها»؟



الأيام 16 مارس 2009

اقرأ المزيد

البرامج الإسلامية للحركات التقدمية

فيما تكرست الحركات الدينية لتكون هي صراعاتُ الأغنياء على السلطة والمال العام، ظهرت الحركاتُ التقدمية لتعيد السلطة والمال للأغلبيات الشعبية.

وأظهرت الأولى نفسها كالحارسة الأمينة على التراث، وأُظهرت الثانية كعدوة تجاهه ومزيلة له!
وقد توجت الحركة الإسلامية التأسيسية نشاطها السياسي بهدف محوري بألا تكون ثمة دولة للاغنياء بين المسلمين، لما يترتب عليها من جبروت، ومن نظام يزيل الإيجابيات المحققة من حرية وكرامة وتوزيع عام للخيرات المادية.

وكان التخوف من نشوء دولة (فرعونية) مبثوثاً بقوة في ذلك الإرث، فهي تؤدي رغم الإنجازات العابرة إلى عبودية دائمة وانهيار شامل للاستقلال العقلي والحرية الفردية والقانون.

وضعٌ مثل ذلك كان سوف يعلي قيم الحداثة من عقلانية وديمقراطية، لكن ذلك لم يتحقق لأن دولَ الأغنياء نشأتْ واستمرت ليومنا هذا.
ولهذا يجد التقدميون أنهم يعملون لتلك الغايات المطموسة خلال ألف سنة، ولم تستطع الاستعادات للخلفاء الوامضين في تاريخ دول الأغنياء المتسلطة كعمر بن عبدالعزيز ويزيد الناقص وغيرهما أن تستعيد ذلك الإرث، لكون الزمن رسخ دولة الأغنياء الأموية، ثم ازدادت رسوخاً بظهور دول أخرى كثيرة، وكانت تلك الاستعادات تبدو بشكلٍ مثالي، بالعودة إلى (زهد) الخلافة، والعدالة القانونية، ومساعدة الضعفاء وغيرها من وسائل مفصولة عن قواعد الإنتاج، والتي تغلغلت في الحركات الدينية المعارضة لهذا النظام بأشكال سلبية عبر اللجوء للعزلة والتصوف، وإقامة دويلات خارج النظام العام، زادت الوضع سوءا.

لم يقرأ المعارضون والمماثلون الطائفيون ان القضية هي في تغيير قوى الأغلبية التي صارت محبوسة بالفقر والعبودية والقهر الثقافي، والعزلة عن الأجهزة الحاكمة ومسؤوليات النظام العام.

إن المال العام الذي أُخذ منها جعلها تفتقد تلك الميزات من عقلانية وديمقراطية، في الحياة العامة وداخل حياتها الخاصة، فأوجد المالُ العامُ (المسروق) ظلمَ الأغلبية النسائية والفلاحين وجير العقول لمصالح الدول.

وقد وعى بعضُ رواد النهضة الإسلامية في العصر الحديث جوانب من تلك المفارقات في التاريخين الإسلاميين المؤسس والوسيط، فأيدوا ظهور الحريات الفردية وبعض جوانب الحداثة والديمقراطية، وقد تدفق بعضُ هذه الحريات بقوة في العصر الحديث في ظل نمو ليبرالية تجارية عربية، وتوجهات غربية للاستيلاء على الأسواق الداخلية.

وكان من شأن ذلك حدوث حريات ثقافية وسياسية من دون جذور كبيرة في الاقتصاد، فاستمرت الأغلبية من نساء ومزارعين في سطوات الإقطاع المختلفة، بل حدث تدهور هائل في نظام حرفي ونظام زراعي قديمين، وجاءتْ دولُ العسكر والحركات الوطنية لتحدث بعض التحول في الملكية العامة، لكن قوى العسكر العليا اعادت مضامين دول الأسر القديمة، وتحول الضباط إلى خلفاء!

وكما تستورد الأممُ الإسلامية الأشكالَ المفرغة من المضامين من الغرب، تستعيدُ الأشكالَ المفرغة من المحتوى من الشرق التراثي، في أنظمة متجهة لفوضوية ليبرالية، وطائفيات محمومة، والمال العام غدا ملكيات عامة منخورة، رغم انه صار وسائل إنتاج عصرية للنفط والغاز والطيران الخ، وأراضي واسعة ضمن مخططات البيع والهدايا والتصحر.

ولهذا فإن نمو الحريات عامل إيجابي، وتصاعد الملكيات الفردية الإنتاجية عامل مهم آخر، ولكن لابد من القطع بينهما وبين المال العام، وجعل الثروة تتوجه نحو الأغلبية.

أغلب التوجهات السياسية تتوجه لتكريس دول الأغنياء، على حطام المال العام، أو عبر الاستيرادات والتصديرات لرأس المال الأجنبي، ولهذا فهي ترى التراث الديني بشكل شكلاني، وعبر مصالحها الراهنة المكرسة لذات الأنماط من الدول القديمة.

إن الاشتراكية الديمقراطية الراهنة العالمية تتركز في حماية المال العام، وتطوير القوى الإنتاجية المشتركة في كل بلد، ومنع فرض أي دين أو أيديولوجيا، وعدم الوقوف ضد التملك الفردي المنتج، وإستيعابه ضمن خطط الاستقلال الاقتصادي والنهضة القومية.

إن خيار منع دول الأغنياء غير ممكن في هذه العقود، ولكن كبح تطرفها للمصالح الخاصة فقط، وعدم رؤيتها مصالح الأغلبية، أمور غدت تفرض نفسها بقوة على كل دول العالم خاصة في الدول الرأسمالية الغربية الكبرى، قائدة الحداثة في هذا العصر، وغدت تحالفات الأحزاب التقدمية والنقابات وقوى أرباب العمل الديمقراطيين، تفرض نفسها وتشكل حكومات تضع نصب أعينها تلك المصالح للأغلبية المهدورة في عالم من التكالب على أجور العمال وشفط الأرباح بشكل هائل، ونخر المصالح العامة.إن سيطرات طويلة لدول الأغنياء على مسرح المسلمين التاريخي لا يمكن أن تزول بسهولة، وقد جذرت ثقافة اغتراب عن مضمون ذلك التاريخ، وكرست طوائفية ورؤى غير عقلانية، وارهابيات كثيرة، تعبيرات عن مصالح خاصة مرضية، وتشبثات حادة بالكراسي، ومقاومة ذلك على مستوى الإرث ومستوى الصراعات السياسية الراهنة، عمليات معقدة ولكنها غدت ممكنة.



أخبار الخليج 16 مارس 2009

اقرأ المزيد

إيران بين العزل والانعزال


قبل أيام قليلة كتببت هنا مقالا تحت عنوان “السياسة الخارجية خلال 30 عاما” استعرضت خلاله التطور البطيء، الذي تمر به السياسية الخارجية في المواقف والممارسة الدبلوماسية منذ انتصار الثورة الايرانية قبل ثلاثة عقود خلت والتي تتسم في الغالب إن صح القول بـ “المراهقة الثورية” طبقا للايديولوجية الدينية السياسية الشيعية التي تنتهجها إيران إلى جوار عالم عربي سني المذهب بغالبيته العظمى، ومعظم دوله تجنح للاعتدال والوسطية في صنع وممارسة سياساتها الخارجية، لا بل ان بعض هذه الدول متهمة بالافراط في “الاعتدال” الى حد التفريط بالسيادة والكرامة الوطنيتين على حساب مصالحها الوطنية والقومية.

وكان العنوان الذي اخترته للمقال المذكور في المسودة الأصلية “إيران و30 عاما من العزلة” لكن وتخفيفا لوقع صيت العنوان على مسامع المتيمين بعشق جنة “الجمهورية” اخترت العنوان المنشور في اللحظة الأخيرة قبل إرسالي المقال للجريدة. وبيّنت في هذا المقال نفسه كيف ان الحكمة والمرونة والنضج في ممارسة السياسة الخارجية تكاد تكون الاستثناء في تاريخ هذه السياسة، حيث هذا الاستثناء يكاد لم يتحقق، للأسف، سوى خلال ولايتي الرئيس السابق السيد محمد خاتمي، وإلى حد ما خلال ولايتي الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني، وعلى الأخص ولايته الثانية. وختمت المقال بأن تمنيت على المرشد الأعلى الحالي للثورة السيد علي خامنئي بصفته صاحب القرارات العليا التي لا تخضع للسلطات الثلاث بأن يستفيد ومعاونوه من التجربة المريرة التي مرت بها الجمهورية في عهد ولاية الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد والتي وصفتها في المقال بأنها الأسوأ في تاريخ الجمهورية داخليا وخارجيا منذ انتصار الثورة عام .1979

لكن ازاء هذه العزلة التي أوقعت إيران نفسها فيها في الغالب الاعم من اشكاليات المواقف والقضايا السياسية الخارجية المتعددة، سواء المحقة إيران فيها أو غير المحقة فيها، هل يصح لجيران إيران في الخليج العربي والعالم العربي عامة ان يتركوا إيران وحدها تتخبط فيها ومواجهة ممارساتها الانعزالية أو التي تقودها إلى الانعزال بتشديد العزل والحصار عليها من قبلهم؟

فمنذ العدوان الصهيوني الوحشي البربري الأخير على أهالي غزة المدنيين يكاد موضوع إيران واحد من البنود المثبتة على جدول اعمال كل الفعاليات الخارجية والدبلوماسية العربية، سواء الخليجية منها ام التي على الصعيد العربي عامة. وكان لمواقف إيران الكلامية المتشددة خلال عدوان غزة بالمزايدة على العرب بالكلام فقط، ثم ادعاء مسؤولين نافذين بتبعية البحرين لها، وصولا إلى قطع الرباط علاقتها بطهران على خلفية تداعيات أزمة تلك التصريحات، فضلا عن سوابق من القضايا الاشكالية الاخرى المتأزمة بين البلدين.. كل ذلك كان له دوره في فتور أو توتر علاقات إيران بدرجات متفاوتة ليس مع معظم دول الجوار الخليجي فحسب، بل مع عدد من الدول العربية وعلى رأسها مصر، ناهيك عن ان موضوع ايران كان حاضرا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالاسم، أو بالإيماء في مداولات القمة المصغّرة الاخيرة في الرياض.

لعل شهادتي مجروحة خليجيا كوني بحرينيا، بالرغم من انني اصنف نفسي كاتبا مستقلا أقرب إلى المعارضة الدستورية المعتدلة، لو قلت ان الدبلوماسية البحرينية اتسم موقفها بالحنكة والاعتدال خلال الأزمة، عندما اتاحت الفرصة لطهران للتعاون معها لاغلاق ملف ادعاءات رموز نافذة فيها بتبعية البحرين لإيران نهائيا، ومن ثم إعادة مياه العلاقات إلى مجاريها الطبيعية دونما ان تغلق المنامة باب التراجع والاعتذار امام طهران غلقا محكما أو تفتح جبهة معها حملات اعلامية رسمية بلا نهاية بما يضر مصالح الشعبين. هذا بالرغم من وجود قوى خليجية وعربية لم تكن راضية عن وضع حد لتلك الأزمة في الظروف الملتهبة الراهنة التي تمر بها علاقاتها مع ايران.

وما نحتاج إليه خليجيا وعربيا بالضبط هو الاحتذاء بالممارسة الدبلوماسية المحنكة للسياسة الخارجية البحرينية، رغم ان البحرين من أكثر الدول العربية الخليجية التي تضررت من المراهقة الصبيانية القومية الشوفينية التي صدرت عن رموز دينية نافذة إيرانية، ورغم مآخذنا أيضا على بعض أوجه اداء الدبلوماسية البحرينية في مواجهة تلك الممارسات في حينها. وبالتالي فمن غير المعقول الابقاء على سياسة التشدد على الدوام في الوقت الذي ترسل فيه الادارة الامريكية الجديدة البعيدة عن منطقتنا بآلاف الكيلومترات اشارات حذرة لإبداء المرونة والحوار تجاه طهران، وكان آخرها تأكيد مدير مخابراتها دنيس بلير عدم امتلاك ايران اليورانيوم العالي التخصيب بعدما أثارت هذه المخابرات ذاتها فزع دول الجوار على مدى سنوات بقرب امتلاكها السلاح النووي لتبرير شفط مئات المليارات من دول الخليج لترويج اسلحتها الكاسدة. هذا ناهيك عما أعلنه البرادعي مؤخرا من دعوة للدول العربية إلى التدخل في حوار الملف النووي بين إيران والغرب.

لذا فلئن كان اتخاذ المواقف الخليجية والعربية السريعة والحازمة تجاه شطط السياسات الخارجية الايرانية، كمواقفها تجاه الجزر الاماراتية الثلاث والادعاء بتبعية ايران أمرا مطلوبا فان ذلك لا يعني البتة مواجهة المواقف والسياسات الانعزالية التي تمارسها طهران بتشديد العزلة عليها في مطلق الاحوال كرد فعل من جانبنا، بل الاستمرار ببذل أقصى الجهود الممكنة لابقاء اليد ممدودة ومساعدة طهران بشتى السبل على فهم مضار تلك السياسات الانعزالية عليها وعلى المنطقة، عبر سياسة تجمع بين الحزم والمرونة، بما في ذلك مساعدتها على التخلص بأي قدر ممكن من عزلتها. فسياسات العزل والتشدد المتبادل لا تفضي إلا إلى المزيد من توتير الاجواء وتسميم العلاقات بينها وبين دول الجوار والتي لربما انتهت، لا سمح الله، إلى مواجهة عسكرية في المنطقة الخليجية برمتها في ظل ميزان قوى لصالح إيران ولن تنفعنا خلالها نجدة متهورة من قبل القوى الكبرى المتربصة بالمنطقة والتي مازالت تمخر أساطيلها مياه الخليج.
 
أخبار الخليج 16 مارس 2009

اقرأ المزيد

ودار الزمن


في يونيو 2005 حرَّكت ثُلةٌ من القضاة قضية ضد الناشطة غادة جمشير بتهمة إهانة القضاء الشرعي، فكتبت آنذاك مقالاً قلت في طياته:
‘’إذا ما كانت هنالك – حقاً- تهمة تُسمى إهانة القضاء الشرعي، فحريٌّ أن توجه لأولئك القضاة الذين أساؤوا إلى القضاء البحريني. فتجاوزات بعضهم ثقيلة تخرق ناموس الدين والخلق القويم، ولكنَّ الإحساس بالعار الذي تغذيه التربية الشرقية في إناثها يدفعهن للانطواء والانكفاء، فتبلع الواحدة منهن شظايا كرامتها مؤثرةً الصمت على تحمُّل مجتمع لا يرحم.. وما تغذت أخطاء القضاة إلا على صمت هؤلاء، حتى فاجأتهم موجة الرأي العام التي زلزلتهم، بعد أن كان كل منهم يظن أنه ملكٌ منزل.. ولم يجدوا أسلوبا أفضل للتعامل مع تلك الموجة سوى الاتهام والتهديد والملاحقة’’ ..

كان ذلك مقتطفا من مقال لمحدثتكم التي مرت بها السنون وتواجه -هي- اليوم التهمة ذاتها في محاولة لتركيعها، وضرب مصداقيتها وهزِّ صورتها أمام الشارع البحريني..

لماذا الآن؟!

سؤال مرّ بخاطري وبوجدان كثير ممن تابعوا مسيرتي منذ العام 2002 فما كتبته عن القضاة في سلسلة ‘’العار’’ ليس سوى شذرات مما كشفت ستره على مدار السنوات الماضية في سلاسل من التحقيقات والأعمدة الصحفية التي نشرت فيها ما هو أشنع من تلك التي نشرت مؤخراً؛ تكلمت فيها عن رِشاً وتجاوزات مالية وأخلاقية وأحكام شاذة ومجيرة وظالمة.. وإن كان محور وجوهر سلسلة العار هو الرد على خصوم قانون الأحوال الأسرية.. ففي سلاسل مضت كان الحديث موجهاً -بشكل صِرف- لنقد المحاكم وتعرية التجاوزات التي تكتم حوائط الردهات أسرارها.. فلم الآن؟!

البعض قال إن أظافري قد طالت كثيراً وحان وقت تقليمها.. فيما أصرَّ الآخرون على أن القضية هي قطاف مقالات ومواقف أخرى، وأياً كان السبب فلست بـ’’ضاجة’’ بالقضية.. ولا أعترض على مبدأ محاسبتي، بل أرحب بمحاكمة عادلة أقف فيها لأقول إن الصحافة ليست إمَّعة ولا مطية ولا مزماراً ينفخ بطرفه ليسيل ألحاناً؛ بل هو سلطة مستقلة تراقب وتضغط وتحرك ما هو راكد وتذيب ما هو جامد.. وتواجه – ولابد- إن اقتضى الأمر المواجهة..

ما ضاق صدري بالقضية أقول.. بل ضاق بالأقنعة التي سقطت.. فالشيزوفرينيا التي تعاني منها البلاد عندما يأتي الأمر لقيم الديمقراطية قد تمثلت في قضيتي.. فكثيرون ممن يتشدَّقون ليل نهار بحرية التعبير ويتغنون بدور الصحافة انبروا للتشكيك -علانية- بحِرَفيتي ودمغت بالتهور والشطط والعناد -وبكل ما يحتمله الموقف من وصمات التسطيح والتقزيم- لا من العامة بالطبع بل من أبناء المهنة!!

وأولئك قلة بالطبع قبالة قوافل ممن وقفوا مع حق الكلمة بمقالاتهم، كعادل المرزوق، وفيصل الشيخ، وقاسم حسين، وحسين خلف، وفريد أحمد حسن، ومحمد العثمان، ومحمد السواد، غسان الشهابي ورضي الموسوي، مع حفظ الألقاب لهم جميعاً..

كما وغمرني الموقف المشرف لجمعية الوفاق وشخوصها الذين سارعوا بإصدار بيان ـ رغم كوننا نقف بعد المشرقين في قضية الأحوال الشخصية موضوع الحديث ـ إلا أنهم دافعوا عن حقي في إبداء رأيي وإن خالف قناعاتهم.. وكذا المنبر التقدمي الذي كان الزميل د.حسن مدن أول من عرض عليَّ كل أشكال الدعم.. والاتحاد النسائي والعزيزتان مريم الرويعي ود.وجيهة البحارنة، الذين تابعوني يوماً بيوم.. وجمعية وعد والإخاء الوطني.. والمنظمات العالمية كالأيريكس وهيومن رايت واتش بمبادرة ومتابعة حثيثة من نبيل رجب وغيرهم ممن لا تتسع السطور لذكرهم..

لقد كشف لي هذا الموقف معادن كثيرة.. كما واختبر ما بيني وبين القراء من عمار كبير.. القراء الذين حفوني بالدعاء والمتابعة وبدوا قلقين عليَّ أكثر مما قلقت أنا على نفسي..!! فإن لم يُعطني العمل الصحافي شيئاً – وقد أعطاني الكثير- فيكفي أنه مدّ بيني وبين أناس لم أقابلهم قط جسورا وأوشاجا لا ثقدر بثمن..
 
الوقت 15 مارس 2009

اقرأ المزيد

استنهاض قوى الحداثة البحرينية


أحيا الاتحاد النسائي البحريني الثامن من مارس يوم المرأة العالمي باحتفالٍ معبر، ومثله فعلت جمعيتا المرأة البحرينية وجمعية فتاة الريف اللتان دأبتا على إقامة حفل فني وخطابي سنوي بهذه المناسبة.

التجمع الوطني الديمقراطي استضاف الناقدة والكاتبة المناضلة فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة”الأهالي” المصرية في ندوة عن الأحوال الشخصية للمرأة.

جمعية نهضة فتاة البحرين عرضت، بالمناسبة إياها، فيلم: “أربع بنات” للمخرج البحريني الشاب حسين الحليبي، الذي يعالج، بصورة ذكية، حكايات وهموم الجيل الجديد من النساء.

جمعية “أوال” هي الأخرى أقامت نشاطاً على صلة بالمناسبة. وبوسعي الاستطراد أكثر فأقول أن بياناً مشتركاً بين المنبر التقدمي وجمعية”وعد” صدر بهذه المناسبة، تضمن مواقف واضحة إزاء قضايا المرأة البحرينية، وبينها الموقف من قانون أحكام الأسرة، وفي الأسبوع القادم سينظم “التقدمي” و”وعد”  ندوتين بهذه المناسبة واحدة حول التزامات”السيداو” والثانية حول قانون أحكام الأسرة.

قطاع المرأة في المنبر التقدمي أصدر مطبوعة، على شكل مطوية صغيرة، تتضمن شرحاً مبسطاُ لفكرة قانون أحكام الأسرة، وعرضاً للمسار الذي قطعه مشروع القانون حتى الآن وتفنيدا لحجج المعارضين له، وهو تفنيد مبني على أسس دستورية وقانونية واضحة وقوية، وسيكون مفيداً لو أن قطاع المرأة في منبرنا التقدمي طبع كميات أخرى من هذه المطوية ووزعها على نطاق واسع على النساء في البحرين لشرح الموقف الصحيح والمقنع من قانون أحكام الأسرة، وبين أهميته لهن ولمصالحهن وحقوقهن.

أردت بهذا الاستعراض للأنشطة المرتبطة باحتفالية الثامن من مارس، عيد المرأة العالمي، إظهار أن القوى الداعمة لحقوق المرأة وإنصافها، والواقفة بقوة إلى جانب قانون أحكام الأسرة هي قوى كثيرة ومتعددة، والأمر في كل الحالات لا يقف عند حدود الكم فقط، وإنما أيضاً بالنظر إلى الثقل النوعي لهذه القوى، وهو ثقل جدير بتفعيله وتنشيطه، لأنه قادر على خلق رأي عام حوله.

علينا اليوم، كما كان علينا في السابق أيضاً، أن نظهر الطاقات الكبيرة للقوى الحداثية في هذا المجتمع، وتحشيدها حول برامجنا وشعاراتنا ومواقفنا، وهذه القوى الحداثية حتى وإن بدت غائبة أو غير ظاهرة بالقياس لحال الاستقطاب المحافظ في البلد، فإنها تمتلك قوى كامنة بحاجة لمن يدفع بها قدماً ويستنهضها.

وهذا الاستنهاض ممكن، إذا ما توفرنا على برامج وشعارات واضحة، تقدم الهوية المستقلة لتيارنا الديمقراطي، من حيث هو تيار وطني متمسك بالإصلاح السياسي وباستحقاقات التحول الديمقراطي من جهة، ومن حيث هو تيار تقدمي عصري عابر للطوائف والمذاهب، وحر من تجاذباتها.
مهمة مثل هذه ممكنة التحقيق إذا تضافرت جهودنا جميعاً، وإذا قام كل عنصر من هذا التيار بواجبه في الممارسة العملية للقيام بهذا الدور، بدل الاكتفاء بالتفرج والتذمر.

لن تتحقق النقلة المنتظرة في عملنا إلا بالانخراط الفعلي في الأنشطة والبرامج والفعاليات التي توحد الصفوف، وبالالتفاف حول تنظيمات الحركة الديمقراطية ومؤسسات مجتمعنا المدني، وبالتأكيد فان هذا الانخراط هو مجال نقد الأداء وتطويره من داخل هذه الأطر، التي يجب أن تتسع، والكثير منها يتسع فعلاً، للأصوات المتعددة في المسار الواحد.

اقرأ المزيد

العــــــــودة إلــــــى الأرض‮


حين تتاح الفرصة كافية لأبنائنا باستمرار للمشاركة في تعزيز قيمة الانتماء للأرض عبر المساهمة في زراعتها وإزاحة الأنقاض عن كاهلها والمحافظة عليها بشتى السبل، نكون قد هيأنا جيلاً لا نطمئن عليه فحسب؛ لكن سنطمئن على الأجيال التي ستعقبه، ذلك أن هؤلاء الأبناء المخلصين تركوا بصماتهم بقوة وبحنو في الوقت ذاته على هذه الأرض.  
 
مناسبة هذا الموضوع انطلقت من إطلاق منظمة أغذية لندن حملة عامة تدعو إلى استعمال شرائط الأرض المحاذية لقنوات لندن، لزراعة المحاصيل الزراعية، حيث يمكن تقسيمها إلى أكثر من ألفي قطعة وذلك لتعزيز وعي الأجيال الناشئة بأهمية زراعة وإنتاج الغذاء؛ وستعطى المدارس وهيئات مجتمعية مختلفة أخرى المسؤولية عن العناية بها وزراعتها.  
 
كانت مصلحة الممرات المائية البريطانية التي تشرف على مائة ميل من القنوات والأنهار في لندن، أحدث جهة توقع على مشروع باسم نمو رأس المال المصمم لاختيار أراض مناسبة بمحاذاة الممرات المائية وقد دشن هذا المشروع فوق بقعة من الأرض بمحاذاة قناة في شرق لندن وقام بالتوقيع رئيسة منظمة أغذية لندن روزي بويكوت. مثل هكذا مشروع لا شك أنه رائع؛ فالقنوات توفر لهم الكثير من الضفاف التي يمكن لهم تحويلُها إلى مسطحات مختلفة الأشكال والأحجام لزراعة المحاصيل فيها، ما سيعود بفوائد جمة على القنوات والمجتمع، ويساهم في تثقيف النشء في مجال إنتاج الغذاء. ويتوقع أن تفتح مختلف الهيئات كالمجالس البلدية والمدارس والمستشفيات ومجمعات السكن الشعبي والمتنزهات، أراضيها لهذه المبادرة التي ستنتج بالمقابل مشروع صنع الأسمدة.  
إن التفكير في هكذا مشاريع يعد مسألة مهمة إذ تعيدنا لنا علاقتنا بالأرض وإنتاج الغذاء بعد أن كدنا نفقد علاقتنا بالأرض وإنتاج الغذاء وبعد أن فقدنا هذه العلاقة عبر السنين ما أثَّر سلباً على العائلات، حيث ودون مبالاة ترمي لندن من الطعام ما يقدر بثلاثين في المائة مما تشتريه من مواد غذائية وذلك بعد أن فقدت هذه الأسر التقدير والاحترام للغذاء، ولم تنتبه إلى أن هذه المواد الغذائية لا تسقط عليهم من السماء بسحر ساحر، بل تنبت من بذرة؛ وقد كان اتحاد المزارعين الوطني بلندن قد أجرى العام الماضي بحثاً مثيراً بمناسبة سنة الغذاء والزراعة؛ وقد وجد أن ثلاثة وتسعين في المائة من الصغار يغيرون عادات أكلهم إذا رأوا بأعينهم ما يحدث عندما يضعون بذرة في الأرض، فتنبت منها جزرة أو لوبياء أو أيٌ شيء آخر؛ وهذا أمر مهم بالنسبة للصحة العامة.
 
 وتسعى مصلحة الممرات المائية البريطانية إلى تشجيع الناس على استعمال القنوات المائية المجاورة لهم بشكل أكبر، واستغلالها لإنتاج المزيد من الغذاء، بل يمكن تحويل القوارب غير المستعملة الراسية في القنوات إلى مستنبتات عائمة لإنتاج الخضار. والتفكير الإيجابي الخلاق يجر إلى مثله، حيث قامت مصلحة الممرات المائية البريطانية إلى منح القوارب غير الصالحة للعمل إلى الضواحي السكنية أو إلى رابطة محلية لاستعمالها لزراعة الخضراوات بدلاً من رميها. 
 
 وقعت على هذا المشروع الذي دشن في نوفمبر 2008 حتى الآن أربع عشرة مجموعة، وتفكر مصلحة الممرات المائية البريطانية في تعميم هذه التجربة على كامل الشبكة المائية في بريطانيا والبالغ طولها ألفين ومائتي ميل.  مثل هذا المشروع وهذا التفكير كم من الوقت نحتاجه لتنفيذهما؟!
 
الوطن 15 مارس 2009

اقرأ المزيد

الحاجة للحوار تزداد ولا تنقص


بعد نحو شهر ونصف من إطلاق المنبر التقدمي مبادرته للحوار الوطني الشامل ما زالت تثار أسئلة من نوع: الحوار مع مَن؟ أو الحوار بين مَن ومَن؟. وهو أمر أسهبنا في شرحه خلال الأسابيع الماضية عبر وسائل الإعلام المختلفة:ا لصحافة والتلفزيون, وكذلك في الندوات والملتقيات التي نظمت على خلفية هذه الدعوة.

والأمر يتلخص في عبارةٍ واحدة هي أننا ندعو إلى حوار وطني شامل, وشمولية الحوار تعني إننا ندعو لأن يشترك فيه كل من يريد للوطن أن يعبر حالة الاحتقان التي نحن فيها. ونعجب من أولئك الذين يكتبون متهكمين حين يقولون إن من يسمع عن الدعوات للحوار يحسب أن في البحرين مشكلة, بينما الأمور ليست كذلك.

لن نجادل كثيراً في الرد على هذا القول تحاشياً للحكمة القائلة: «حدث العاقل بما لا يعقل, فان صدق فلا عقل له», بل سنكتفي بالقول: نحن نريد الحوار لكي نبلغ اليوم الذي نفتح فيه صحفنا اليومية, فلا نجد صورة لحافلة أو سيارة أتت عليها النيران, ونريد الحوار لكي لا نرى صورة حاويات عند مداخل القرى وهي تشتعل, ونريد الحوار لكي لا نسمع أو نقرأ عن اعتصام غير مرخص فرقته الشرطة بالقوة, أو عن اعتصام مرخص تحول في نهايته الى مسيرة غير مرخصة, جوبهت بمسيلات الدموع والرصاص المطاطي. نريد الحوار لكي لا نقرأ أخباراً عن القبض على مشاركين في أنشطة غير مرخصة, ولكي لا نقرأ تقاريراً عن سوء معاملة الموقوفين, ونريد حواراً لكي لا تصدر تقارير تقول إن مكانة البحرين في سجل حقوق الإنسان نزلت درجة أو درجات, لأننا نريد لهذا الوطن أن يتقدم دائماً.

ونريد الحوار الوطني الشامل لكي لا يقف إمام جامع من هذه الطائفة أو تلك ليقول في خطبة الجمعة ما يُفهم منه انه اساءة للطائفة الأخرى. ونريد الحوار الوطني لكي نتفق, في المجتمع والدولة, على أن يكون خطابنا السياسي رشيداً وعقلانياً, يفرق بين نقدنا لأداء الحكومة في أي مجال من المجالات, وبين حرصنا على حفظ مهابة الدولة ومحورية دورها في حياة المجتمع وأبنائه.

أهمية مبادرتنا للحوار الوطني بعد نحو شهر ونصف على انطلاقها تزداد ولا تنقص فالتطورات تؤكد أن الخيار الذي اقترحناه وسيلة للتغلب على الوضع الناشئ هو الخيار الصحيح الذي يمكن أن يُجنبنا المزالق, ويحفظ للبلد استقرارها وهدوء الأوضاع فيها, حتى ننصرف جميعاً نحو المهام الأهم: مهام التنمية, ومهام بناء مؤسسات المجتمع المدني الحديث, وخلق أرضية لتطوير التشريعات الضامنة للحريات, بدل خلق الذرائع للمزيد من التقييدات على هذه الحريات.

نقلت الصحافة عن بعض من حضروا لقاء جلالة الملك مع فعاليات المحافظة الشمالية قول جلالته ان الاصلاح, شأنه شأن أي شيء آخر بحاجة الى ترميم للحفاظ عليه, وبهذا القول يعطي رأس الدولة درساً للمتطيرين من أي نقد للأوضاع, ومن أي دعوة لتصحيحها, ويتسابقون في التهكم على دعوات الحوار, كأنهم لا يعيشون في البحرين, ولا يتابعون ما يدور فيها, ولا يرصدون مسارات الحراك التي تتطلب منا جميعاً اليقظة الوطنية العالية لتجنيب الوطن كل ما يأتي منه الضرر.


 
الأيام 15 مارس 2009

اقرأ المزيد