المنشور

القمة العربية: خطابات مجردة

تعتمد القمم العربية على خطابات مجردة، عائمة، غائمة، لا توجه أي تحليلات أو فحصوات عميقة إلى واقع المجتمعات العربية الداخلية وما فيها من مشكلات وكوارث وانسداد عن التطور. فتسود المجاملات السياسية والوصول إلى تعاون مجرد في السياسة الخارجية في المنطقة وليس في العالم ككل. وكذلك لا تخلو من مشاكسات هي تعبير كذلك عن الأنظمة وخاصة العسكرية الشمولية وما فيها من مراهقة. هي تعبير عن تجمع السلطات العربية في مهرجان سياسي خطابي هام ومؤثر لا شك في ذلك، وهو يذكر بأن ثمة أمة عربية واحدة، وهذا التذكير مفيد جدا، ولكنه غير فعال لا في تغيير خريطة المنطقة السياسية ولا في تغيير المجتمعات العربية باتجاه الحداثة والديمقراطية والعلمانية.
فتتركز الخطابات الاحتفالية على ما هو مشترك بين الأنظمة العربية، التي تعيش لحظةً سياسية متقاربة، في انتقالها الغامض والرجراج نحو الحداثة مع بقايا كبيرة من التخلف والاقطاع، وإن كان لكل نظام موقعه وحركته في سلم هذا التحول المتعدد الدرجات، وتحدياته ومشكلاته، ولكنها كلها تتجمع في لحظة الانتقالِ غير المحسومة والمتباينة في الأنظمة التقليدية في العالم الثالث. ومن هنا فالخطابات لا تتوجه إلى تحليل مشكلات كل بلد، ولا إلى المشكلات المشتركة للدول العربية وكيفية التصدي لها. إلا بطبيعة الظرف الساخن للمشكلة الفلسطينية ومشروع السلام العربي الذي هو هام وتعبير عن تحول قيادات دول عديدة عن نهج المواجهة المباشرة العسكرية مع إسرائيل، ومحاولة لتشكيل ضغوط دولية على إسرائيل لانسحابها من الأرض المحتلة. ولكنه من جهة أخرى كمشروع سياسي قومي مفترض لأمة كبيرة ذات قدرات عالية يخلو من أي أدوات عسكرية وسياسية مشتركة على الأرض يجابه بها الاحتلال الإسرائيلي فيما لو أصرت الحكومات الإسرائيلية على رفضه بشكل دائم وكلي ومطلق! أما أن هذا المشروع لن يبقى طويلا مطروحا على طاولة المفاوضات والتداول، فهو كلام يظل مجردا مثل المشروع، مثل الشعارات العامة للمؤتمر. وتترابط مسائل تصفية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية بعموميات وتجريدات المؤتمر، فهي تتحدثُ عن عموميات المقاربة المفترضة بين الدول العربية، ولا تريد التطرق للقضايا الداخلية لهذه البلدان، وهي قضايا داخلية متأزمة، وثمة أنظمة شديدة التعسف في معاملة شعوبها، وثمة أنظمة شديدة التخلف، وهي بهذه الأوضاع لا يمكن أن تجابه إسرائيل والقوى الغربية المساندة لها، فهيهات ذلك! فأي قوى سوف تضعها هذه الأنظمة إذا ما جاءت اللحظاتُ الحاسمة في المواجهة؟ وكيف سيكون المشروع العربي هذا إذا قذفته إسرائيل في سلة القمامة المتطرفة الواسعة فيها؟ فضعف هذه الأنظمة العربية الديمقراطي، وعدم وجود عدالة في توزيع الدخول بين الطبقات الشعبية والطبقة الحاكمة، واتساع المسافة بين المراكز المهيمنة والمناطق النائية المهمشة، واستمرار معظم أجهزة الحكم العربية في التسلط البيروقراطي وغير ذلك مما يحفل به الواقع العربي. كل هذه الأمور غير المبحوثة، وهي التي تعوق الدول العربية من أن تكون دولا حديثة، وبالتالي تحول مؤتمرات قادتها إلى مؤتمرات خطابات ومجاملات وإلى اتفاقات محدودة جدا في التعاون المشترك المأمول، لا تجعل الدول العربية منفردة ومجتمعة قادرة على مواجهة إسرائيل في حالة رفضها المطلق لمشروع السلام العربي! وحينئذ ماذا ستقول هذه الأنظمة وبماذا سوف ترد وهل هي قادرة على المواجهة؟ أليس صمتها وعجزها هذا يقود إلى تصدر القوى الدينية المواجهة والتنطع لقيادة الأمة المستباحة الأرض والكيان؟! فإذا استبعد نجاد وحماس ألن تدخل القاعدة هذه المؤتمرات مستقبلا؟! كما ان المجاملات السياسية للأنظمة الشمولية ترسل رسالات خاطئة إلى العالم وتجعل مصداقية المؤتمرات العربية الكبرى وطريقة تفكير هذه الأنظمة محل نقد عالمي واستصغار دولي! إن ضيق التفكير السياسي العربي الرسمي يأتي من عدم وجود منظمة قومية عربية كبرى مشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة وغيرها، تكرس روابط الحداثة والديمقراطية والعلمانية في أنظمتها وفي حكم شعوبها، فلم تعد أنظمة العصور الوسطى بقادرة على خلق شيء حي وباق في السياسة، وإذا لم ترتق الأنظمة إلى هذا المستوى فلقاءات الحكام العرب تغدو مجرد مجاملات وكلمات مجردة لا تأخذ أي طريق لتحويل واقع الأمة. وفي هذا الواقع تتنطع دول صغيرة لمكانة عليا وكل ما لديها براميل بترول تصرفها على الدعاية وتحاول تجاوز قامات كبيرة، لها مكانة تاريخية وتأسيسية في واقع الأمة العربية، بغض النظر عن مستوى الحكم وبيروقراطيته وسلبياته، فمكانة مصر تنتمي إلى ما هو جوهري في هذا الزمن وهو قيادة الأمة العربية في سبل الحداثة المعاصرة، ومقارباتها السياسية المعتدلة أفضل من نهج المغامرات اللامسئول. ووصول نهج مصر إلى مرحلة مواجهة عميقة يتطلب من الدول العربية والإسلامية المؤثرة التعاون معها، وتشكيل جبهة واسعة، أما نهج المحاور والصراعات الداخلية بين دول المنطقة العربية الإسلامية فهو الذي جعل إسرائيل تعربد فيها. وقد سبق أن قامت مصر وشعبها بتضحيات جسيمة في هذا السبيل ولكن بقيادة منفردة وحيدة بين متفرجين. يتطلب الموقف العربي قمما أخرى للبرلمانات والنقابات والأحزاب تصعد مواقف الشعوب وتحول بها أنظمتها، فالققم الرسمية هي تعبير عن مستوى كل بلد ودور قواه السياسية.

صحيفة اخبار الخليج
2 ابريل 2009

اقرأ المزيد

أحبتي الطلبة لا تعكروا المدرسة

الموجة هذه الايام في المدارس، مسيرات تعطل الدراسة لثلاثة ايام متتالية، كما حصل في مدرسة النعيم، وهي المدرسة الساخنة خلال الاسبوع الماضي، والتي أدت سخونتها الى تدخل قوات الامن داخل المدرسة. ابناءنا واخوتنا الطلبة كلهم من دون استثناء، نريد ان نراكم ونرى مدارسكم تزهو بكم، من دون تكسير وتخريب، لكم كل الشكر لأي هم وطني تحملونه وانتم بالطبع لا تنتظرون جزاء ولا شكورا من أحد، ولكن ثقوا أحبتنا الطلبة، أن الخاسر الاكبر في اشعال المدارس هم انتم، فالمستقبل أمامكم لا تخربوه بأيديكم. نريد ان نفخر بشهاداتكم وعلمكم من أجل ان تدافعوا عن حقوقكم وعن أي مطلب تريدونه بوعي، لا باتباع من يرفع صوته، ويريد منكم ان تكونوا له تابعين، وأبناؤه بعيدين عن كل ما تتعرضون له انتم، أبناؤه في بريطانيا وانتم هنا في ذل الفقر. ايها الطلبة الاعزاء والاحبة، استمعوا الى صوت العقل والمنطق، وهنا جدير بالاهتمام ان نشيد ببيان جمعية الوفاق الرافض لتعكير الدراسة، وكذلك البيان الصادر عن الجمعيات السياسية الست والذي يجب ان يتم التوقف أمامه، ويتمعن فيه، لأنه موجه هذه المرة الى الجميع، حكومة ورجال دين وسياسة وشباب وصغار سن وغيرهم من فئات المجتمع الذين خاطبهم البيان الصادر على اثر اجتماع دوري ضم هذه الجمعيات. واعني تحديداً، الجزء المتعلق بإدانة العنف الذي يلجأ اليه البعض، ظناً منهم انه الطريق القويم لإرجاع أي حق. انه على النقيض تماماً، انه طريق من يريد ان يهرب عن تحمل المسؤولية ويريد ان يغمض عينيه عن العمل السلمي الذي يحتاج كما يعبرون عنه دائماً «بالنفس الطويل»، فقصر هذا النفس هو الذي يجبرك ان تلجأ الى العنف، والتخريب والحرق وغيرها من الأعمال التي هي محل إدانة من جميع الأطياف. لا أعني ان أصب جام النقد على طرف بل أشير بإدانة العنف لأي جهة تبتدأ به، فالعنف ان تفاقم واستمر فسنرى اننا نعود الى المربع الأول، الذي يسعى اليه بعض النفعيين والانتهازيين. ما يمكن ان نتوقف أمامه هو دعوة الجمعيات السياسية الست الى رجال الدين ورجال السياسة التدخل في توعية أبناء الشعب برفض العنف والدعوة لاستخدام أساليب العمل السلمي لوقف الإنزلاق للحلول الأمنية أو الإجراءات التعسفية. ان المسؤولية كبيرة والهم الذي يساورنا يتفاقم في كل مرة نعرف فيها ان هناك ضحية.
 
صحيفة الايام
2 ابريل 2009

اقرأ المزيد

هيئة إنقاذ للمشروع الإصلاحي..


فلننحِّ بالمكابرة جانبا ولننكِّسْ أصابع الاتهام ونركز على إنقاذ ما بالإمكان إنقاذه.. وعليه، علينا – أولاً- أن نقر بحقيقة تكاد تكون بديهية.. لقد جُرفنا إلى منزلق، والبلاد على شفا مرحلة تسعينات جديدة نخالها ستكون أكثر ضراوة من سابقتها.. تغَّولت الطائفية والكل محتقن ومتحفز للانقضاض على الآخر، وفسحة الحوار قد تقلصت لحساب مساحة التصادم..!!

هناك غضب متصاعد في الشارع الشيعي، وقمع الاحتجاجات لن يئد الغضب بل قد يزيده استعارا.. في المقابل هناك توجس في الشارع السني واستياء من صيرورة الأحداث ومن التوتر الأمني والسياسي الذي يلقي بظلاله على الحياة العامة.. الاحتقان بلغ مداه، وهذه السبخة التي انزلقنا لها شكلت أرضية مثلى لخروج أفاعي الفتنة التي لا تفتأ تنشر سمها في الأجواء..

اليوم؛ وبعد 7 سنوات من الميثاق، نحن بحاجة لحركة إصلاح جديدة لتقويم مسار حركة الإصلاح نفسها.. كثيرة هي الخطط التي تُرسم، فإن ما حادت عن جادتها وجب تقييمها وتقويمها.. في البحرين نحن بحاجة لهيئة إنقاذ، أو للجنة على أقل تقدير، تجمع أطراف المجتمع المدني والسلطة وتبحث محاور التأزيم.. طرحت آنفاً فكرة إنشاء لجنة لمراقبة الممارسات الطائفية بغية تقويضها، ولكنها – ككثير من الأفكار البناءة – حُجبت عن نور الشمس..

نحتاج الآن لقرار عال يطهِّر بعض مفاصل الدولة من العناصر المخبتة.. فنقاط الحبر السوداء قادرة على تلوين الماء النقي، وسم أفعى صغيرة قادر على إرداء فيل!! التظاهرات والاشتباكات الصبيانية هي قمة جبل الجليد، وهي مؤشر عابر على ما يتكدس تحت السطح من فتائل قابلة للاشتعال.. ومن دون حلول سياسية – جادتها الحوار الوطني وتلبية لمطالب الشعب المتمثلة في حقه أن لا يعيش عالة على نفسه- تغدو الحلول الأمنية بحد ذاتها مشكلة وباعثاً على التأزيم..!

نحن لا نستطيع تحمل كلفة تسعينات جديدة – هذا ما يجب أن نعيه – لا الحكومة والدولة في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية بقادرة على دفع أكلاف ذلك.. ولا نحن الذين توقفت بنا الساعة وسبقنا دول الجوار في كل شيء بقادرين على أن نتحمل عبء الحياة على الهامش أكثر!!

إننا في بداية الطريق، وليحفظنا الله من منتهاه، وصدق الزميل فريد أحمد حسن، عندما قال ‘المقبل شيء ما شفتوه’.. نريد مبادرة عالية المستوى تنتشلنا مما نحن فيه؛ ونعدكم أن تكون أيدينا – كلنا- معكم.


هامش متصل منفصل:

قلت في مقال سابق، إننا ننتظر من العلماء أن يتحركوا للجم الانفلات في الشارع الشعبي الذي يأتمر بأمرهم.. ووجدنا أنه – وبالفعل – للشيخ عيسى قاسم عدة خطب في هذا السياق، آخرها ما ذكره في خطبته بجامع الإمام الصادق في 27 مارس 2009 عندما قال حفظه الله ‘أحذِّر من حالات الانفلات، وأن يتحول حكم طائفة بكاملها إلى من هو في سن العاشرة والثانية عشرة’. وقال في موضع آخر ‘إن المطالبة بالحقوق لا تكون عبر إرهاب الناس وحرق الممتلكات الخاصة’ ووجدت له – ولآخرين – خطابات تشدد على حرمة الدم وحرمه المال العام..
فأين هي شعارات ‘معكم معكم يا علماء’ ‘و لبيك يا فقيه’!!

أتطبق على موضوع دون آخر وفي سياق دون آخر!! في قانون الأحوال الأسرية هددتم بلبس الأكفان استجابة لنداء العلماء وأطعتموهم ‘طاعة عمياء’ فلم تكسرون كلامهم في هذا الأمر!!
سؤال بريء ليس إلا!! 



 
الوقت 1 أبريل 2009

اقرأ المزيد

قمة العشرين.. وعيد العمال العالمي

غداً الخميس تنعقد في لندن أول قمة اقتصادية عالمية تحت اسم “قمة العشرين” منذ انفجار الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية في خريف العام الماضي 2008م والتي كان فتيلها أشعله انفجار ازمة الائتمان في سوق العقار بالولايات المتحدة اكبر دولة رأسمالية في العالم والتي هي في ذات الوقت اكبر قوة اقتصادية على الساحة الدولية، لتتطاير شظايا الانفجار الصغير من على المستوى الامريكي، متحولة الى انفجار عالمي كارثي مازالت تداعياته تتوالى تباعا في ضرب وعصف كل اقتصادات دول العالم بلا استثناء، الصغيرة منها والكبيرة، المتقدمة صناعيا والمتخلفة صناعيا (او المسماة تأدباً الدول “النامية”)، النامية الفقيرة، والنامية النفطية، ان صح التعبير.
لعل من نافلة القول ان شعوب دول العالم الثالث المنكوبة بأنظمة استبدادية وشمولية، بما في ذلك عالمنا العربي، هي الاكثر تأثراً وتضرراً من شظايا الزلزال المالي الكبير الذي كانت بؤرة انفجاره نيويورك، فإذا ما أضفنا الى ذلك كون تلك البلدان مبتلاة بنوع آخر من الكوارث السياسية، كأعمال العنف والارهاب والاضطرابات والقلاقل الداخلية طائفية وسياسية، اضف الى ذلك جوا من عدم الاستقرار المزمن الذي يسود المنطقة منذ ستة عقود والذي يسير حثيثاً من سيئ الى أسوأ وذلك لوجود اسرائيل في المنطقة لادركنا حجم تبعات تلك الازمة الاقتصادية العالمية على الاقتصادات الهشة لدولها العربية تحديداً.
ولئن كان العرب قد عقدوا قمتهم الاقتصادية التي تمخضت بنتائجها الهزيلة المهزلية في ذروة انقساماتهم حول امكانية عقد قمة عربية لوقف اعمال الابادة الوحشية الاسرائيلية بحق اهالي قطاع غزة المدنيين، ثم ها هي قمتهم الاعتيادية قد انتهت قبيل يومين متمخضة عن قرارات انشائية هزيلة.
ثمة دروس وعبر مستفادة عربيا من هذه القمة العالمية الموشكة على الانعقاد على الصعيد الرسمي بوجه عام، وعلى الصعيد الشعبي بوجه خاص، وذلك فإذا كان العرب على الصعيد الرسمي، لقلما استفادوا أو ابدوا اهتماما بالاستفادة من دروس وخبرات وتجارب دول العالم الاقتصادية بما فيها الدول الكبرى التي يرتبطون بها بذيلية اقتصادية، او ان شئت فقل بعلاقات اقتصادية غير متكافئة وغير ندية، ولعل الدرس الابرز والاهم رسميا المستفاد من نتائج هذه القمة العالمية مقدماً انها لن تخرج بحل سحري او بعلاج شاف لحل الازمة الاقتصادية التي تتخبط فيها الدول الكبرى الصناعية المتقدمة والمعروفة بعراقتها الديمقراطية وعلى رأسها الولايات المتحدة، فما بالك ان تجد العلاجات للدول النامية ذات الاقتصادات التابعة لها والمعروفة بأنظمتها الاستبدادية والفساد المزمن الذي ينخر هياكلها الاقتصادية ومؤسساتها المالية والمواردية؟ ذلك بأن الازمة الراهنة التي تأخذ بخناق الاقتصادات المتقدمة هي في الصميم واحدة من اكثر ازمات النظام الرأسمالي التي تثبت عجزه عن التماشي والتكيف مع التقدم الاجتماعي للبشرية جمعاء. نعم فلقد سقط النظام الاشتراكي وفق الطبعة السوفييتية الشمولية وبكل امراضه المعروفة التي افتكت به في النهاية صريعاً على الارض، لكن منذ ذلك السقوط المدوي عجزت الرأسمالية العالمية ان تثبت او تقنع شعوب العالم، دع عنك شعوبها، انها النظام الاجتماعي الأصلح أو الاعدل وان كانت ليبراليا سياسيا هي اكثر التجارب التاريخية عراقة في الديمقراطية.
اما على صعيد الدروس الشعبية العربية الأهم المستفادة من قمة العشرين فهي تلك الحركات الاحتجاجية العالمية المتوالية والتي تشارك فيها قوى وطبقات وشرائح اجتماعية متنوعة مختلفة لا تقتصر على العمال او الفئات الوسطى فقط، كما كان الحال ابان الحرب الباردة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، ولا تقودها قوى اليسار العالمي فقط، بل تشارك فيها قوى وشرائح وفئات اجتماعية مختلفة غير العمال وتقودها منظمات وقوى سياسية، وناشطون غير اليسار في زمن لم يعد فيه اليسار العالمي ولا نقاباته هم المسيطرون على حركات الاحتجاج العالمية ضد الولايات المتحدة والنظام الرأسمالي بمجمله، ولم يعد فيه الاتحاد السوفييتي موجوداً.
وهكذا فإنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي شهد العالم ومازال يشهد احتجاجات عالمية واسعة النطاق، عنيفة ومسالمة، ليس ضد الازمات الاقتصادية الرأسمالية المتوالية او العولمة التي انطلقت حتى في عقر الدول الرأسمالية الكبرى، كما حدث في سياتل اواخر التسعينيات، ثم في هونج كونج، وفي ايطاليا وفي بريطانيا، ناهيك عن الاحتجاجات الدورية بمناسبة انعقاد قمة الدول الصناعية الثماني، بل مظاهرات احتجاجية صاخبة مازالت تتوالى ضد سياسات الولايات المتحدة واستراتيجياتها الكونية في العالم.
ومن المفارقات التاريخية الساخرة ان أعظم ازمات الرأسمالية الراهنة، واعتراف منظرين ومفكرين عديدين رأسماليين بالحاجة الماسة الى ضبط انفلات الاقتصاد الحر، والحاجة الى ضوابط او اشكال من تدخل الدولة والحماية الاجتماعية كل ذلك يجري في ظل انحسار قوى اليسار العالمي وتعاظم ازماته منذ انهيار المنظومة الاشتراكية السابقة وطليعتها الاتحاد السوفييتي. ولنا ان نتخيل كم ستستفيد تلك القوى اليسارية العالمية من تلك الازمات الرأسمالية التي لم يسبق في تفاقمها مثيل تاريخيا، كما لم يسبق ان وقفت قوى واحتجاجات ضدها من شرائح وفئات متنوعة جديدة في العالم، لو ان اليسار العالمي تمكن من استعادة شيء من عافيته وليس مازال يتخبط في كبوته المزمنة.
والراجح، كما يبدو، لنا جليا ان تلك الاحتجاجات العالمية ضد قمة العشرين ليست سوى “بروفة” نموذجية لاحتجاجات منتظرة في مناسبة عيد العمال العالمي ضد ما افرزته وتفرزه الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية الراهنة من كوارث اجتماعية خطيرة تنكب بها كل شعوب العالم، وذلك ليس احتجاجا على الارتفاع الصاروخي لاسعار السلع الغذائية فقط، أو لتزايد ملايين الجوعى والمشردين في العالم، بل للارتفاعات غير المسبوقة في معدلات البطالة وما ذلك إلا ابرز تجلياتها وتداعياتها، فهل ستستفيد القوى النقابية العربية واليسار العربي من مناسبة اول مايو القادم (عيد العمال العالمي) لتثبت انها غير متخلفة عن الركب العالمي في هذا الصدد؟

صحيفة اخبار الخليج
1 ابريل 2009

اقرأ المزيد

في المسألة الطائفية

هذا النقاش الذي يتجدد بين الحين والآخر حول المسألة الطائفية يشير إلى أننا بصدد موضوع حقيقي, أعني غير مفتعل, وإلا لما كان يجد في كل مرة يثار فيها, هذا الصدى. وفي هذا السياق علينا أن نفرق بين مسألتين: الأولى هي الفوارق أو الاختلافات المذهبية, من حيث هي معطى تاريخي ورثناه منذ الانقسامات العميقة, الفكرية والسياسية والفقهية, في التاريخ الإسلامي منذ بواكيره بعد وفاة الرسول, والثانية هي الطائفية من حيث ممارسة سياسية -إدارية أو اجتماعية- حياتية قائمة على التفريق والتمييز, على إبراز الفوارق وتغييب المشتركات. أي إن المذهبية, من حيث هي انتساب لهذا المذهب أو ذاك من المذاهب الإسلامية, في ظروف البحرين الملموسة على سبيل المثال, ليست هي الطائفية, وإن بدا ذلك ظاهرياً. صحيح أن الطائفية تنطلق من تلك الفروقات المذهبية لتنشئ جداراً بين أبناء الطوائف, كل طائفة تتخندق وراءه, ولتنشئ التفريق بينها وبين الطائفة الأخرى, لكن المذهبية وحدها لا تؤسس للطائفية بدليل أن الكثير من المجتمعات قائم على فسيفساء مذهبية وإثنية دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى ضروب التمييز. المذهبية تؤسس للطائفية حين يوجد من يسعى لذلك ويعمل في سبيله, ولا سبيل لإلغاء المذهبية بقرارٍ أو إرادة أو برغبة لأنها نتاج تكوين تاريخي مديد راسخ في العقول والأفئدة, لكن هناك سبيلا لإلغاء الطائفية من حيث هي نظام أو سلوك للتفريق أو الصراع, وهناك سبيلا لاعتماد المواطنة وحدها معياراً في الفرص الوظيفية والإدارية والخدمية والتعليمية وما إليها, مما يندرج في نطاق حقوق المواطن وواجباته, فلا يعود أي مواطن يشعر بالغبن لا لشيء سوى انتمائه المذهبي, دون النظر إلى كفاءته وقدراته, أو أن تنشأ قسمة طائفية بموجبها تُحسب هذه الوزارة على الشيعة وتلك على السنة. في الدراسات المعمقة التي كتبت عن الطائفية في بلدان تعاني منها مثلنا, وأكثرها قرباً إلينا في المظاهر والسلوك هي لبنان, نجد هذا الإلحاح من قبل الدارسين على أن الطائفية هي ممارسة سياسية وإدارية في المقام الأول, وحسبنا هنا أن نشير إلى دراسات مفكرين مثل الراحل مهدي عامل وفواز طرابلسي اللذين حللا الطائفية في بلدهما فرأيا فيها وظيفة سياسية تُؤدى. لذا فإنه بدلاً من أن يجري اعتماد تدابير للتغلب عليها والحد من آثارها ومظاهرها وصولاً لإنهائها, نرى أنه يعاد إنتاجها لتواصل أداء هذه الوظائف السياسية, فلا تعود الطائفية والحال كذلك, رديفاً للتعددية المذهبية أو الدينية, وإنما أداة من أدوات تقاسم النفوذ. ولأن بعض هذه النفوذ غير قابل للقسمة, فإنه من الطبيعي أن ينشأ التفريق لأسباب مذهبية في الظاهر, ولكنها مع الوقت أسست وتؤسس لتراتبية اجتماعية. ولا يقل خطورة أن يرتدي الرد على التفريق صورة دفاع طائفي, بدلاً من أن يكون دفاعاً وطنياً عن فكرة المواطنة, وأن يجري الخلط بين السياسي وبين المذهبي, فيما المطلوب هو المساهمة في تكريس مفاهيم ومساعي المشاركة والاندماج الاجتماعي وتعزيز قيم المواطنة والتشريعات الموحدة وليس المفرقة.
 
صحيفة الايام
1 ابريل 2009

اقرأ المزيد

صحيفة الأيام تحاور د. حسن مدن الأمين العام للمنبر التقدمي


هناك حاجة ملحة لأن يتبنى المجتمع والدولة آلية حوار وطني شامل ومستديم حول الإشكالات المطروحة في البلد، ولقد رسم المنبر التقدمي خطوط هذا الخيار في مثابرته على تبني مبادرته بهذا الصدد منذ أكثر من شهرين، ونحن على ثقة من أن كل العقلاء في هذا الوطن يتفقون معنا في الرأي، لأن المعالجات الأمنية وحدها تزيد الأوضاع تعقيداً في البلاد.


 

أجوبة الأمين العام للمنبر التقدمي






حسن مدن على أسئلة “الأيام”


 


وجه ملحق” مدارات” في صحيفة “الأيام” أسئلة للأمين العام للمنبر التقدمي حسن مدن، فيما يلي النص الكامل للأسئلة والأجوبة


.
 



1-  كيف تقيمون دور التيار الليبرالي فيما يحدث من عنف بين مجموعات من الشباب من جهة وبين قوات الأمن من جهة أخرى، وهل بمقدور هذا التيار أن يساهم بحلحلة هذه المشكلة، وكيف؟
 
ج – موقف التيارات الوطنية والليبرالية من أعمال العنف معروف، فنحن نرفض هذه الأعمال قطعياً، وأعلنا مواقف واضحة إزاءها، وقلنا أننا لا نبررها ولا نلتمس لها أعذاراً، ونرى أنها تلحق أشد الأضرار بالأمن والاستقرار في البلاد، وتسيء لسمعة المعارضة وللقضايا العادلة التي تتبناها، كما أنها تقدم مبررات لتغليب المعالجات الأمنية، فضلاً عن الأذى المترتب عليها وعلى ردود فعل رجال الأمن الذي يلحق بالمواطنين في المناطق السكانية المكتظة التي تدور فيها الأحداث.
وعن دورنا في السعي لحلحلة هذه الأوضاع، بودي الإشارة إلى مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها المنبر التقدمي، وحظيت بترحيب سياسي ومجتمعي وإعلامي واسع، والتي نرى أنها ترسم خريطة طريق واقعية واضحة للخروج من الحال السيئ الذي بلغته الأمور.
 


2- بالمقابل، كيف تقيمون دور الخطاب الديني فيما يحصل، هل ترونه طرفا متهما، وما الذي يتعين عليه القيام به من أجل تبرئة نفسه؟
 
ج – نتطلع إلى أن يلعب رجال الدين دوراً أكبر في التوعية بمخاطر هذا الانفلات الذي تشهده بعض المناطق، والتبصير بالنتائج الوخيمة التي ترتبت وسوف تترتب عليه إذا استمر الحال كما هو عليه، ونأمل أن يجري النأي عن خطابات التعبئة والتحشيد التي تأخذ طابعاً طائفياً ومذهبياً، وأن يجري تناول مشاكل البلد من منطلقات اجتماعية ووطنية شاملة.
 


3-   هل تعتقدون أن الخطاب الديني بحاجة لعملية إصلاح ، وما المقصود بمفردة الإصلاح؟
 
ج – بطبيعة الحال نرى أن على الخطاب الديني أن يخرج من حالة التخندق الطائفي والتحريض المذهبي، لما يتركه ذلك من آثار سلبية على تعميق الانقسام في الشارع، وأن ينفتح هذا الخطاب على الخيار الوطني الشامل في تناوله للقضايا المختلفة، وأن يستوعب حالة التنوع والتعدد التي يتسم بها المجتمع البحريني.


 
4- ما يلاحظ أن هنالك إجماع على إدانة العنف، وبالرغم من ذلك إلا أن موجة العنف لا تتوقف، فما الذي ترونه مطلوبا لتحقيق ذلك؟
 
ج – هناك حاجة ملحة لأن يتبنى المجتمع والدولة آلية حوار وطني شامل ومستديم حول الإشكالات المطروحة في البلد، ولقد رسم المنبر التقدمي خطوط هذا الخيار في مثابرته على تبني مبادرته بهذا الصدد منذ أكثر من شهرين، ونحن على ثقة من أن كل العقلاء في هذا الوطن يتفقون معنا في الرأي، لأن المعالجات الأمنية وحدها تزيد الأوضاع تعقيداً في البلاد.
 


5-   ما هي المساحة المقبولة لممارسة السلوك، وإلا اعتبر عنفا، بمعنى آخر ماهي معايير العنف ؟
 
ج – لا نجد أي مبررات وجيهة لاستخدام الوسائل العنيفة في التعبير أياً كانت درجتها. نحن مع إيقاف العنف حتى لو انحصر في حرق الاطارات وحاويات القمامة، وبالمقابل دعونا وندعو رجال  الأمن لضبط النفس في ردود أفعالهم على ما يدور تحاشياً لوقوع إصابات بليغة، أو معاقبة مناطق سكانية بكاملها رداً على أعمال فردية.
 


6-   هل ترون أن هنالك رابحون من مشكلة العنف؟
 
ج- كل من يريد تعقيد الأوضاع في البلد والعودة بنا إلى المربع الأمني البغيض له مصلحة في العنف الدائر.


 
7-   ما هي أبرز أشكال العنف في البحرين؟
 
ج – لا ينحصر العنف في الممارسات العنيفة في الشارع وفي ردود فعل رجال الأمن عليها، وإنما يتجلى في الخطاب التحريضي العنيف بكافة أشكاله سواء جاء من على المنابر الدينية أو على صفحات الجرائد أو من على المواقع الاليكترونية ذات التوجه الطائفي من أية جهة كانت.
 


8- تتمتع البحرين بهامش حرية أكبر من الفترات السابقة ، والسؤال ألا ترون ذلك عامل كافٍ لاحتضان أفكار وقناعات من يمارس العنف؟
 
ج – نعم نرى أن المتاح من هامش الحريات في البلد يوفر إمكانيات جيدة للتعبير والاحتجاج، ومن أدلة ذلك انه نظمت منذ أسابيع مسيرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف ضد سياسة التجنيس المتبعة، وانتهت بسلام.
نحن قلقون من أن يؤدي تطور ممارسات العنف إلى استهداف هذا الهامش من الحريات أو التضييق عليه، وهذا ما يجب العمل دون حصوله، بل العمل على توسيع هامش الحريات والارتقاء به.
 

اقرأ المزيد