المنشور

بعد العفو الملكي

إحدى أهم القضايا التي واجهتنا ونحن نتحرك على مبادرة الحوار الوطني التي أطلقناها في المنبر التقدمي كانت في محاججة بعض من التقيناهم من ممثلي جمعيات سياسية وشخصيات حول البند الذي تضمنته المادة بالنص على إطلاق سراح المعتقلين والموقوفين وإغلاق الملف الأمني، في إطار الالتزامات التي نصت عليها المبادرة سواء تلك المترتبة على الدولة أو على القوى المجتمعية والسياسية. كان رأي هؤلاء المحاججين أنه لا يمكن تضمين هذا البند في المبادرة لأنه يجعلها مشروطة، كما كانوا يقولون، رغم شرحنا المتواصل لضرورة التعاطي مع المبادرة بوصفها سلة متكاملة، وأن هذا البند يأتي في سلسلة متكاملة من المبادىء والالتزامات. بودنا أن نسال هؤلاء الأخوة المحاججين اليوم عن موقفهم بعد العفو الملكي عن المحكومين والمتهمين فيما بات يعرف بالقضايا الأمنية، والذي قدم من خلاله جلالة الملك مثلاً آخر من الأمثلة التي اعتدناها من جلالته في معالجة الأمور بحكمة، وكم نتمنى لو أن الكثير من أجهزتنا الحكومية تعاطت بروحها مع القضايا المختلفة. غاية القول أن ما اعتبره البعض عقبة كأداء في وجه إطلاق آلية الحوار الوطني، أي إطلاق سراح المعتقلين، قد سويت، بل اتضح أنها الخطوة الأسهل في الآلية التي اقترحناها ووافقتنا عليها قوى وفعاليات وشخصيات واسعة في المجتمع. ونود في هذا السياق أن نعبر لجلالة عاهل البلاد عن تقديرنا لخطوته الشجاعة هذه التي نزعت عاملاً من عوامل الاحتقان في الوضعين السياسي والأمني، ونهنىء المفرج عنهم بسلامتهم وعودتهم إلى أهاليهم، وأن نرى في هذا النوع من المعاجة التي قام بها جلالة الملك نموذجاً لما تحتاجه البلاد في المرحلة الراهنة من معالجات للقضايا التي تواجهها. ونحن نرى في هذه الخطوة مدخلاً صحيحاً ومناسباً لأن تجد الدعوة للحوار الوطني الشامل طريقها في التطبيق الفعلي، فالوطن بحاجة لمثل هذه الآلية التي لن تغني عنها الوساطات رغم أهميتها ورغم تقديرنا للقائمين بها، لأن الحوار الذي ندعو إليه لا يقف عند جانب واحد من الأمر، هو الجانب الأمني، وإنما يطال كل تلك القضايا التي يمكن أن تكون سبباً في المستقبل لتوترات أخرى، لا قدر الله. وما زلنا نعتقد أن الأسس التي بنيت عليها مبادرتنا للحوار الوطني تشكل قاعدة مناسبة لمواصلة العمل المشترك وفق الروحية التي جسدها العفو الملكي، من خلال التزام الجميع، في الدولة والمجتمع، على قواعد إدارة العلاقة، بما في ذلك حول قضايا الخلاف، لأن هذه الأسس تلزم الجميع بقواعد العمل السياسي المتحضر الذي يضمن للدولة ورموزها المهابة والاحترام، ويضمن للقوى السياسية في المجتمع حقوقها في المعارضة السلمية الديمقراطية، بناء على مرجعية ميثاق العمل الوطني والثوابت الدستورية. إن فرصة طيبة تنشأ في البلاد اليوم يجب استثمارها بصورة مسؤولة وناضجة، والبناء عليها بوعي لتجنيب الوطن المخاطر، وللحفاظ على المكتسبات المهمة التي تحققت في البلاد بعد المشروع الإصلاحي، ومنع الانزلاق مجدداً إلى أجواء التوتر الأمني والمعالجات الأمنية المترتبة عليه.
 
صحيفة الايام
13 ابريل 2009

اقرأ المزيد

رغم الفراغ‮ ‬سيبقى الدولار‮ عملة الاحتياط العالمية الأولى

هبط سعر برميل النفط‮ ‬يوم الاثنين‮ ‬30‮ ‬مارس الماضي‮ ‬إلى ما دون الـ‮ ‬51‮ ‬دولاراً،‮ ‬مواصلاً‮ ‬خسائره في‮ ‬جلسات سابقة تحت ضغط من الدولار القوي‮ ‬وهبوط أسواق الأسهم العالمية‮. ‬فقد ارتفع الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى في‮ ‬بداية التعاملات الآسيوية مُعززاً‮ ‬بخسائر اليورو التي‮ ‬نجمت عن إشارة أحد صناع السياسة إلا أن عدم المسؤولية المالية في‮ ‬منطقة اليورو‮ ‬يمكن أن تعرضه للخطر،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن توقعات بأن‮ ‬يبادر البنك المركزي‮ ‬الأوروبي‮ ‬في‮ ‬اجتماعه‮ (‬نهاية الشهر الماضي‮) ‬إلى خفض سعر الفائدة على اليورو‮ (‬خفّضها فعلاً‮). ‬وكان لافتاً‮ ‬بهذا الصدد ما صرح به أحد كبار المسؤولين في‮ ‬وزارة المالية اليابانية،‮ ‬وما صرح به أحد كبار المسؤولين في‮ ‬المصرف المركزي‮ ‬الروسي،‮ ‬وما صرح به رئيس صندوق النقد الدولي‮ ‬أن الدولار سيبقى العملة الاحتياطية العالمية لبعض الوقت‮.‬ وتأتي‮ ‬هذه المكاسب التي‮ ‬يحققها الدولار في‮ ‬النظام النقدي‮ ‬الدولي‮ ‬متعدد العملات‮ (‬الرئيسية‮) ‬في‮ ‬وقت بدأت ترتفع فيه الأصوات القائلة بدنو الوقت الذي‮ ‬يتوجب فيه على الدولار أن‮ ‬ينزل من على عرشه الذي‮ ‬تربع عليه منذ أكثر من‮ ‬60‮ ‬عاماً‮.‬ وكانت الدعوة الأكثر صراحة في‮ ‬هذا الصدد صدرت عن محافظ بنك الشعب الصيني‮ (‬البنك المركزي‮) ‘‬زهو خياوتشوان‮’ ‬‭(‬Zhou Xiaochuan‭)‬‮ ‬الذي‮ ‬طالب في‮ ‬مقال كتبه في‮ ‬الصحيفة الصينية الأولى،‮ ‬بإحداث إصلاحات جذرية في‮ ‬النظام النقدي‮ ‬العالمي‮ ‬يتم بموجبها استبدال الدولار بعملة احتياط عالمية رئيسة‮. ‬وهذا‮ ‬يؤذن بتمحور أحد اتجاهات صراع المصالح الاقتصادية بين الدول الاقتصادية المركزية والتجمعات الاقتصادية الإقليمية،‮ ‬في‮ ‬ضوء الأزمة المالية العالمية،‮ ‬حول النظام المالي‮ ‬العالمي،‮ ‬وأن طرفيه الرئيسيين سيكونان الولايات المتحدة والصين‮.‬ وملاحظة محافظ البنك المركزي‮ ‬الصيني،‮ ‬المغايرة للملاحظات الإيجابية بشأن مستقبل الدولار التي‮ ‬أشرنا إليها عاليه،‮ ‬وعلى درجة من القوة،‮ ‬بحيث إنها استدعت تصحيحاً‮ ‬ذاتياً‮ ‬للأقوال من جانب وزير الخزانة الأمريكية‮ ‘‬تيم جيثنر‮’ ‬‭(‬Tim Geithner‭)‬‮ ‬الذي‮ ‬كان علق بصورة مرتبكة على الاقتراح الصيني‮ ‬في‮ ‬25‮ ‬مارس الماضي‮ ‬في‮ ‬نيويورك ما أدى إلى انعكاس تعليقه‮ ‬غير الواثق سلباً‮ ‬على الدولار قبل،‮ ‬أن‮ ‬يعود ويتدارك بالقول‮ ‘‬إنه من الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يبقى الدولار‮ ‬يطلع بالدور المهيمن كعملة الاحتياط الرئيسة في‮ ‬العالم‮.‬ أما الذي‮ ‬دفع المسؤول الأول عن إدارة السياسة النقدية في‮ ‬الصين للدفع برؤية بلاده لمستقبل النظام النقدي‮ ‬العالمي‮ ‬في‮ ‬ظل الأزمة المالية الاقتصادية العالمية،‮ ‬فهو بعث رسالة إلى واشنطن مفادها أن الصين قلقة من تمادي‮ ‬مجلس الاحتياط الفدرالي‮ ‬الأمريكي‮ ‬في‮ ‬طباعة أطنان من الدولارات لتمويل العجوزات الأمريكية وعمليات الإنقاذ،‮ ‬ما‮ ‬يلحق أفدح الأضرار بالعملة الأمريكية،‮ ‬ومن ثم‮ ‬ينعكس سلباً‮ ‬على قيمة الاحتياطيات الصينية الدولارية الضخمة وأصولها الدولارية في‮ ‬الولايات المتحدة،‮ ‬والتي‮ ‬تقارب‮ ‬11‮ ‬تريليون دولار‮. ‬إذاً‮ ‬الصين قلقة فعلاً‮ ‬على مصير أصولها واستثماراتها‮ ‬غير المباشرة‮ (‬في‮ ‬سندات الخزينة الأمريكية أساساً‮). ‬صحيح أن أمريكا قوة عالمية عظمى،‮ ‬اقتصادية‮ (‬يشكل اقتصادها حوالي‮ ‬رُبع الاقتصاد العالمي‮) ‬وعسكرية،‮ ‬إلا أن انفراط عقد إدارتها الاقتصادية على النحو المروع الذي‮ ‬أودى بجزء من الثروة القومية الأمريكية‮ ‬يعادل قيمة كامل ناتجها المحلي‮ ‬في‮ ‬سنة واحدة‮ (‬حوالي‮ ‬13‮ ‬تريليون دولار‮)‬،‮ ‬وانهيار بعض دعاماتها الاقتصادية،‮ ‬قطاع المصارف الاستثمارية وقطاع صناعة السيارات،‮ ‬لابد وأن‮ ‬يسترعي‮ ‬الانتباه والخوف من جانب أولئك الذين وضعوا معظم‮ ‘‬بيضهم‮’ ‬في‮ ‬السلة الأمريكية‮.‬ والقلق من وجهة نظر محافظ البنك المركزي‮ ‬الصيني‮ ‬مُسبَّب على أية حال،‮ ‬فهو‮ ‬يدفع بأن النظام النقدي‮ ‬العالمي‮ ‬القائم على عملة احتياط واحدة تقريباً‮ ‬هي‮ ‬الدولار،‮ ‬له عيبان رئيسيان‮: ‬الأول‮ ‬يتمثل في‮ ‬أن وضع الدولار اليوم كعملة احتياط ساعد على خلق اللاتوازن في‮ ‬الاقتصاد العالمي،‮ ‬فدول الفائض المالي‮ ‬ليس أمامها من خيار سوى وضع فوائضها المالية في‮ ‬عملة الاحتياط،‮ ‬مادامت تستخدم في‮ ‬دفع فواتير المعاملات التجارية والمالية ومادامت تتمتع بأكبر سوق للسندات السائلة‮. ‬ومن دون إغفال حقيقة أن هذا الوضع جعل الولايات المتحدة تقترض دون حساب،‮ ‬وجعل فقاعة العقار تتضخم لفترة أطول مما كان‮ ‬يفترض،‮ ‬أي‮ ‬عند الحد الذي‮ ‬يمكن السيطرة عليه‮. ‬أما العيب الثاني‮ ‬يتمثل في‮ ‬أن دولة عملة الاحتياط تقوم بمقايضة الاستقرار المحلي‮ ‬بالعالمي،‮ ‬فطبع كميات هائلة من الدولارات بواسطة مجلس الاحتياطي‮ ‬الفدرالي‮ ‬لدعم الاقتصاد له ما‮ ‬يبرره من وجهة نظر المصلحة الوطنية الأمريكية،‮ ‬إلا أن ذلك لا مبرر له من وجهة نظر المصلحة الكلية للاقتصاد العالمي،‮ ‬ناهيك عما‮ ‬يلحقه ذلك الإجراء من إضرار بقيمة الدولار‮.‬ ولذلك‮ ‬يقترح‮ ‘‬زهو‮’ ‬نقل امتياز عملة الاحتياط الدولية الأولى من الدولار الأمريكي‮ ‬إلى حقوق السحب الخاصة‮ ‬‭(‬Special Drawing Right‭ – ‬SDR‭)‬،‮ ‬وهي‮ ‬عملة حسابية‮ (‬وليست تداولية‮) ‬لتسوية المدفوعات الدولية عبر المؤسسات المالية وتحديداً‮ ‬صندوق النقد الدولي‮. ‬وكانت هذه العملة أنشئت عام1969‮ ‬بعد تدهور وضع الدولار كعملة دفع واحتياط دولية،‮ ‬وصولاً‮ ‬في‮ ‬أغسطس‮ ‬1971‮ ‬إلى قرار الرئيس ريتشارد نيكسون بإلغاء التزام بلاده من جانب واحد تجاه المصارف المركزية الأجنبية باستبدال الدولار بالذهب والعملات الأجنبية القابلة للتحويل،‮ ‬ووضع ضريبة إضافية مقدارها‮ ‬10٪‮ ‬على البضائع المستوردة من أوروبا الغربية واليابان وكندا والدول النامية،‮ ‬وتجميد الأسعار والأجور في‮ ‬الولايات المتحدة لمدة‮ ‬90‮ ‬يوماً‮.‬ وكان الهدف من إنشاء وحدة حقوق السحب الخاصة‮ ‘‬SDR‮’ ‬خلق عملة احتياط عالمية مساندة،‮ ‬إلا أنها أصبحت تستخدم أساساً‮ ‬في‮ ‬تعاملات صندوق النقد الدولي‮ ‬مع الدول الأعضاء في‮ ‬الصندوق‮. ‬وهي‮ ‬متاحة للدول الأعضاء في‮ ‬الصندوق بقدر مساهماتها المالية في‮ ‬رأسمال الصندوق‮.‬ قد تجد فكرة محافظ البنك المركزي‮ ‬الصيني‮ ‬من‮ ‬يؤيدها من دول الاقتصادات الصاعدة التي‮ ‬راكمت في‮ ‬العقدين الأخيرين احتياطيات نقدية ضخمة،‮ ‬إلا أنها لا تتمتع بحظوظ كبيرة،‮ ‬على الأقل على المدى القريب.
 
صحيفة الوطن
12 ابريل 2009

اقرأ المزيد

الحكومة.. وتطوير التعاون مع روسيا (1-2)

تفعيل نتائج زيارة الملك

في اوائل ديسمبر الماضي وبمناسبة زيارة جلالة الملك لروسيا التي اجمع المراقبون على نعتها بـ «التاريخية« كتبنا في هذه الزاوية سلسلة مقالات، طويلة نسبيا، على سبع حلقات تناولنا فيها ما تنطوي عليه هذه الزيارة من أبعاد ودلالات سياسية وتاريخية واقتصادية وثقافية مهمة نحو تطوير وتعميق العلاقات بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات بما يعود بالنفع على شعبيهما. كما تناولت على نحو سريع في آخر تلك السلسلة ابرز النتائج المثمرة عن تلك الزيارة والتي كان من ضمنها توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم للتعاون في مجالات عدة، منها المجال الاقتصادي، والتجاري، والمالي، والثقافي والاعلامي.
وكان ضمن ما بينته بما ينطوي عليه تعميق العلاقة بين مملكة البحرين وروسيا الاتحادية من مغزى كون هذه الدولة الثانية هي واحدة من اقوى واكبر الدول العظمى في العالم، بل كانت في حقبة النظام السوفييتي السابق بعد الحرب العالمية الثانية القوة العظمى الثانية التي تتقاسم مع الولايات المتحدة الهيمنة على النظام الدولي كما كانت تتنافس معها على مناطق النفوذ في مختلف قارات وبحار ومحيطات العالم ولاسيما الاستراتيجية منها. وبالتالي فإن العلاقة مع روسيا تكتسب اهميتها ايضا من ضرورة مبدأ تنويع العلاقات مع مختلف القوى والدول الكبرى الفاعلة سياسيا واقتصاديا على الساحة الدولية، وعدم جعلها محتكرة او وقفا على قوى عظمى او دول كبرى محدودة، فليس من مصلحة أي دول نامية، ولاسيما اذا ما كانت صغرى، كبلادنا، ان تجعل علاقاتها في عالم اليوم، عالم التكتلات والقوى الكبرى المتنافسة والمتصارعة بأشكال واسلحة جديدة غير اشكال واسلحة الحرب الباردة، ان تقتصر علاقاتها على وجهة معينة او مجموعة اقليمية محددة، بل ان تشمل جميع الدول ان امكن، بلا استثناء، صغيرها وكبيرها. وروسيا كما هو معلوم هي الدولة الكبرى القريبة من المنطقة العربية وتربطها بالعالم العربي علاقات ووشائج تاريخية تعمقت سياسيا مع عدد من الاقطار العربية ابان حقبة الحرب الباردة فيما كانت العلاقات فاترة او مقطوعة مع بقية الاقطار العربية الاخرى، وكان من ابرز هذه الدول التي كانت العلاقات مقطوعة معها او لم تقم بعد، دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، وقد أقيمت تلك العلاقات او استؤنفت في الهزيع الاخير من حياة الاتحاد السوفييتي السابق ابان عهد آخر رئيس عرف بسياساته الخارجية الانفتاحية والمعتدلة مع مختلف دول العالم الا هو ميخائيل جورباتشوف. وبإقامة او استئناف العلاقات مع دول مجلس التعاون (كالعلاقات التي استؤنفت مع
السعودية حيث كانت توجد علاقات بين الدولتين ثم قطعت) شهدت العلاقات بين روسيا وهذه الدول مرحلة جديدة من التنامي عادت ومازالت تعود بالنفع الكبير على الطرفين الروسي والخليجي وذلك في مختلف أشكال التعاون المشترك. لكن من الواضح جيدا ان تطور العلاقات بين جميع الدول العربية الخليجية وبين روسيا لا يسير على المستوى الثنائي على وتيرة واحدة من التطور. هذا بالرغم من الآفاق الكبيرة المتاحة والواعدة لامكانيات تعميق وتمتين هذه العلاقات في مختلف المجالات بين موسكو وكل دولة من دول مجلس التعاون على حدة. ولربما تكون بلادنا في ذيل هذه الدول الست من حيث قوة وتيرة تطور علاقاتها مع روسيا قياسا ببقية شقيقاتها الدول الخليجية، وعلى الأخص الامارات التي تكاد تكون، إذا ما صدقت توقعاتنا، على رأس هذه القائمة فيما بلغته علاقتها مع روسيا الاتحادية من تنام وتطور في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والسياحية والثقافية والاعلامية ولربما بزت الامارات شقيقتها دولة الكويت في ذلك، إن لم يكن قد تفوقت عليها، بالرغم من ان هذه الأخيرة هي الاعرق تاريخيا بين دول مجلس التعاون في العلاقات التي تربطها مع روسيا منذ العهد السوفييتي. ومن نافلة القول ان تطوير وتعميق العلاقات بين أي بلدين صديقين لا يقتصر على الرغبة المبدئية وتوقيع الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون ومذكرات التفاهم، بل ينبغي السعي الحثيث من قبل كلا الجانبين لتفعيل تلك الرغبة المبدئية والارادة السياسية بالمتابعة الدؤوب والمتواصلة لتنفيذ ما اتفق عليه بين الجانبين واستشراف كل الآليات والوسائل الممكنة لتنفيذه وترجمته من نصوص المذكرات والاتفاقيات الى الواقع الملموس. وهذا بالضبط ما ينتظر لتطوير وتفعيل العلاقات بين البحرين وروسيا في مختلف المجالات وبخاصة في ضوء الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة من قبل الجانبين خلال الزيارة التاريخية الميمونة لجلالة الملك لموسكو في اوائل ديسمبر الماضي. ولعل التعاون في المجال الثقافي والاعلامي هو من اهم المجالات التي ينبغي تطوير وتفعيل اطر التعاون المشترك فيها بين البلدين الصديقين، ولاسيما أن المناخ الآن موات تماما لاحداث نقلة نوعية للتعاون الفعال والمثمر في هذا المجال، وذلك بعد تولي الشخصية الثقافية النسائية القديرة مي آل خليفة حقيبة وزارة الثقافة والاعلام والتي ينتظر منها دور كبير بجعل هذه الوزارة جديرة بالفعل بمسماها المزدوج الجديد: «الثقافة« و«الاعلام« بعد ما كانت تنعت وتعرف بهذا النعت الأخير فقط.

صحيفة اخبار الخليج
12 ابريل 2009

اقرأ المزيد

النبوة وعظمة المرأة

عبّر تاريخ الإسلام التأسيسي عن العلاقات الريادية العظيمة بين الجنسين، جنس الذكور والإناث. في لحظاتِ الحدس والتبصر بتشكيلِ الثورة الإسلامية اجتمعت ثلاثُ شخصياتٍ مكونة أولَ خليةٍ لتفجير تلك الثورة في ظروفِ العسرِ والتخلف، الشخصية الأولى هي شخصية نبي الإسلام قائد تلك الثورة، والثانية هي ورقة بن نوفل، والثالثة هي السيدة خديجة. النبي الشاب هو متلقٍ ومستمعٍ ومدعومٍ من تلك الشخصيتين، ورقة يقدمُ معلومات وأرشيفاً لما أحدثهُ الأنبياءُ السابقون من تغيير لمجتمعاتهم، وخديجة تقدمُ الاشتراكَ المالي والدعم الاقتصادي. لا شك أن السيدة خديجة هي مجمعة الجانبين، ورقة والنبي، وصانعة لتلاقحهما الفكري، الذي لعبَ دورَ المفجر للعملية التاريخية الهائلة فيما بعد للجزيرة العربية والمنطقة والعالم. كان ثمة فارقٌ كبيرٌ في العمر بين خديجة والنبي، وقد عرضت السيدة الثرية اقتراحاً على النبي بأن يتزوجها، ضاربة العلاقات المالية والاجتماعية عرض الحائط، في خطوة غريبة تسبقُ الزمانَ والمكان! لماذا لم يقمْ نبي الإسلام بالاعراض عن مثل هذه المرأة، هل كان طامعاً في مالها؟ هل كان عارفاً بشكل استباقي لفقر دعوته وضرورة المال لها؟ لم يكن ذلك كله، بل كان يتوجه لكشف وتطوير العناصر الإيجابية الفاعلة في كلا الشخصيتين، في ورقة تحريك معرفته وسجلاته عن تارخ الأديان – الثورات السابقة، ومع خديجة كان ثمة جوانب أكبر شخصية وعامة متداخلة بشكلٍ حميم، وأهمها تطوير الرسالة المشتركة لكلتا الشخصيتين: تفجير الثورة في بلاد العرب الغافية المتخلفة! تم إلغاء الفوارق العمرية والجنسية والمالية، لم يعدْ مهماً أن تكون شاباً فقيراً فتياً، أو امرأة متزوجة سابقاً وذات عيال، في هذه اللحظة النضالية العليا الخادمة للأمة والناس والتاريخ وكان المهم هو تشكيل هذه الخلية القائدة التي تجري فيها المساواة بين الرجل والمرأة، ومن ثم تجابه عالم التفكك والتبعية باقتدار وانتصار. إذا حاولنا أن ننظر بمنظار غير ذكوري متجمد فسنجد أنها تجربة فريدة في تاريخ الثورات، فحتى في عصرنا الراهن كان وجود النساء في المكاتب السياسية الحزبية القائدة للتحولات معدوماً، ومُنكـراً ومرفوضاً، وكانت حتى عشيقات القادة والأمناء العامين للأحزاب متواريات، وملغيات من تاريخهم، وكأن ليس ثمة دور للنساء قيادي ورمزي! لكن في تاريخ الثورة الإسلامية التأسيسية سيبقى مكان السيدة خديجة محفوظاً ومقدراً. في تلك الظروف من البداوة والذكورية الساحقة!
فيما بعد سيدلي نبي الإسلام بشهادتهِ الموضوعية عنها، وفي لحظةٍ من سيادته السياسية والفكرية وبعد أن رحلت تلك الزوجة: بأنها دعمته إذا تخلى الناس وحتى الأهل عنه، وأنها أطاعته وأحبته وآمنت به الخ.. وحين كان يحدث ذلك الإنكار والتخلي من أقرب المقربين للمثل العليا المطروحة، وتقوم امرأة غنية بتوزيع ونثر أموالها على زوجها المحاصر المجاهد الفقير، فأي مكانة؟ ويضيف نبي الإسلام في شهادته حين غيب الثرى السيدة خديجة، ولم يعد طامعاً لا في مالها ولا في شد أزره، بأنها كانت الولودُ من بينِ كلِ نسائه! ليس هذا تعييراً للنساء بأنه لم يكن ولودات فبعض زوجاته أنجبن، ولكن دلالة المسألة هنا بأنها كانت ولودا مشغولة بالحمل والرضاع والتنشئة، وكذلك لم تفارق مهمات الحركة النضالية من دعم مالي ومن مساندة نفسية ومن دعوة، فجمعت أعباءً ثقيلة وهي في كل هذا العمر المتقدم، وأحسنت تنشئة أبنائها وكذلك الصبي، الإمام فيما بعد، علي بن أبي طالب الذي كان له بعد ذلك التاريخ المعروف في الإسلام، وابنتها السيدة فاطمة ومن سلالتها كان نضال الأئمة. ولهذا فإن عملية التصغير من المرأة ومن مكانتها هي جزء من التاريخ الاجتماعي التالي، حين هيمنت القوى الاستغلالية ورفعت أشكالاً وأعراضاً من الإسلام، مفرغة من ذلك المضمون، استناداً لسيطرتيها الذكورية والحكومية الاستغلاليتين. وبهذا فإن علاقة نبي الإسلام بالمرأة نموذجية، وهي التي يجب أن نراها في عمليات التمثل والتقنين، وهي بهذا علاقة لم تقنن تشريعياً وقرآنياً لأسباب أن الحركة السياسية لها قوانين موضوعية لا بد من مراعاتها في كل مرحلة. إن العلاقة الديمقراطية الإنسانية في العائلة المحمدية، لم تكن بقادرة على أن تصل للتشريع العام، فالدائرة العامة تخضع لمسارات مختلفة، بسبب حضور الرجال المكثف وسيطرتهم على الأوضاع، ولم تكن علاقة المساواة بين النبي والنساء، قادرة على أن تتحول إلى قانون في ظل ذلك التخلف العام. وكانت قد عرضتْ المسيحية نموذجَها على العرب وحاولت اختراق نسيجهم القبلي الذكوري الجامد من دون فائدة بسبب طرحها شكلاً للعائلة لم يكن العرب وقتذاك قادرين على استيعابه! وفيما بعد كرس المحافظون الجانب العام المرحلي، من دون أن يراعوا النموذج المحمدي الأسري. وقد عبر القرآن عن علاقات الصراع بين النساء المجددات والرجال المحافظين الذين كانوا يريدون استمرار نموذج الجاهلية في الزواج ونتائجه، فتم الاعتراض عليه في ظل سيادتهم، وازدادت هذه السيادة مع الفتوح وسيطرة الأسر على أموال المسلمين! وكانت السيدة خديجة نموذجاً شبه جاهز وطليعي في ذلك المجتمع، لكن ماذا نقول عن مثال السيدتين فاطمة وعائشة؟ لماذا فجر نبي الإسلام فيهما طاقات التحول، خاصة السيدة عائشة الزوجة الصغيرة من بين زوجات، لماذا صارت مرجعاً للشعر وتاريخ الإسلام والفقه؟ وفي تلك المهام الكبرى للنبي حصلت هذه الزوجة على كل هذه التطورات الفكرية ولم تـُعزل عن الثقافة والسياسة، ثم شاركت في صراعات سياسية كبرى، ومهما كانت اجتهاداتها التي كان للقادة الكبار رأي آخر فيها. ثمة رافدان في نشأة الإسلام التأسيسي: رافد الديمقراطية الشعبية بما يحتوي على تشكيل دولة جمهورية ديمقراطية، وتعاون بين الرجال والنساء، وتوزيع الفائض المالي على الفقراء، وهو الرافد المؤسس الذي تجسد خلال نصف قرن، ومثل الرمزية الإسلامية الحقيقية الباقية، وهناك الرافد الآخر رافد الهيمنة الذكورية والاستغلالين الحكومي الأسري والخاص، والتوسع في السيطرة على النساء واستغلالهن واستغلال العامة، وقد وظف هذا الرافد بعض النصوص ليؤكد سيطرته الأبدية على النساء والناس معرضاً عن رمزية الأسرة المحمدية ودلالاتها وهي المؤسسة لذلك التاريخ!
 
صحيفة اخبار الخليج
12 ابريل 2009

اقرأ المزيد

هيئة التخطيط الاستراتيجي .. حاجة أم ترف؟


مرة أخرى تعاود الحكومة رفضها للمقترح النيابي الداعي  لتشكيل هيئة عليا للتخطيط الاستراتيجي، والذي سبق لمجلس النواب في الفصل التشريعي الأول  أن تقدم باقتراح تشكيلها عبر اقتراح تقدمت به كتلة النواب الديمقراطيين، والذي حظي  آنذاك بإجماع  مختلف الكتل النيابية، مما أعتبر مؤشرا عن الحاجة الماسة إليه، علاوة على  الإحساس  بحجم الفراغ الحاصل جراء ما يعتري العمل الحكومي من تخبط وإرباك وإضاعة للوقت وتكريس للبيروقراطية المعيقة لتوجهات التنمية، والتي كثيرا ما تطفو للسطح، لتضيع فيما بعد في دوامة فوضى التخطيط وخلط الأولويات، وبالتالي تعطيل وإعاقة مسار التنمية، ولتتحفز مجددا مؤشرات الفساد، وتتراكم نتيجة لذلك المصاعب أمام الدولة. 

  غريب أمرنا حقا، فكيف لنا أن نتحدث بزهو عن تجارب ناجحة للكثير من الدول المتقدمة، كسنغافورة أو ماليزيا على سبيل المثال، ونبدأ في تتبع نجاحاتهم، وهم الذين خططوا ودرسوا ونفّذو، ونرفض مجرد الحديث حول ضرورات التخطيط الاستراتيجي ومركزيته على مستوى دولتنا ومؤسساتها؟ وتتباهى جامعاتنا ومعاهدنا بتدريس مناهج وبرامج التخطيط الاستراتيجي، ويستمر الحديث حول مفاهيم الجودة والتمّيُز وزيادة الإنتاجية ومراقبة الأداء وتقليص الفساد والهدر في الموارد العامة والخاصة، وزيادة معدلات الشفافية والتوظيف الأمثل للموارد البشرية والمادية وغيرها! فجميعها مؤشرات ومفاهيم عصرية لا يمكن إهمالها في بناء الدول والمؤسسات.

وبالرغم من كل ذلك تبقى إرادة السلطة التنفيذية على مدى أكثر من ثلاثة عقود وتحديدا منذ انتهاء مرحلة الحماية البريطانية وتحقيق الاستقلال الوطني، وانتهاءاً بفصلين تشريعيين غير مقتنعة بأهمية التخطيط، ونراها تصر على إبقاء الأمر للوزارات والهيئات من دون نسق محدد، لتضيع بعدها جهود وميزانيات وكفاءات دون تحقيق أدنى استفادة، وهذا في حد ذاته وبمفهوم الإدارة الحديثة يعتبر فسادا إداريا وماليا أيضا.

ونظرا لغياب مفهوم وممارسات  التخطيط تضطر الدولة لإلغاء الكثير من المشاريع والخطط، كما تضطر باستمرار بتوجيه مؤسساتها ووزاراتها ومسئوليها بضرورة التعاون فيما بينهم، لتنفيذ أو استكمال مشاريع تعطلت بفعل غياب الخطط والبرامج أو حتى خلط الأولويات، وهذا بالضبط ما حصل منذ فترة وجيزة عندما  تأخرت بعض الوزارات في تقديم خططها وبرامجها التنفيذية، لتصدر توجيهات عليا للوزراء المعنيين بضرورة التعاون والالتزام.
 
واقع الحال يقول أن غياب التخطيط  قد كلف ويكلف الدولة عشرات إن لم نقل مئات الملايين سنويا، نتيجة كل تلك الفوضى المستحكمة والتي لا تخضع أبدا لآليات واضحة، وهي بكل صراحة خاضعة لعدة اعتبارات ليس اقلها اعتبارات المزاج الشخصي  للوزير أو المسئول المعني، وهي في أغلب الأحيان ليست ذات علاقة بأولويات التنمية ومصالح وأولويات الناس أيضا. 

 وإذا كان التفكير بالاقتداء بتجارب دولية وإقليمية ناجحة  وقريبة منا في هذا المجال، هو أمر وتوجه محمود يستحق الإشادة ، مكابر من يعترض عليه، فالأجدر بنا أخذ جوهر ومغزى تلك التجارب، وفهم ابعادها وكيفية بناءها لمقومات نجاحها قبل التفكير في استنساخها،  فهي بالمناسبة لدول نامية تتشابه وتتقاطع معنا في الكثير من الأمور، فتجربة مثل  التجربة السنغافورية تتشابه معنا في عدد السكان والمساحة الجغرافية وقلة الموارد والإمكانات وطبيعة الطقس وحتى تعدد الإثنيات والأعراق، تجعل منها التجربة الأنسب لنا ربما، ولكن يبقى التحدي الأكبر  أمامنا هو كيفية التخطيط لتوظيف مرامي تلك التجارب التي بقينا نتحدث عنها بما يشبه الحلم طيلة عقود طويلة ولم نعكس من نجاحاتها على واقعنا سوى القشور حتى الآن! 

فهناك فرق شاسع بين الحلم والرغبات المتوقدة وبين التعاطي بجدية وبعيدا عن الازدواجية في القرار أو التخبط والخلط في الأولويات، وذلك كثيرا ما يحدث لنا لأننا ببساطة نكابر في رفض مبدأ التخطيط الاستراتيجي في ألأساس.  فمتى نعي أن الأخذ بمبدأ التخطيط ليس مساً أو جنوناً أو رجس من عمل الشيطان، فالتجارب تؤكد مدى الحاجة إليه، واعلم أن هناك من يستحضر باستمرار تجربة دولة شقيقة هي الكويت التي لديها وزارة للتخطيط  منذ عقود، ليدلل على مدى الشلل والبيروقراطية الذي يعتري العمل الإداري الرسمي هناك، ولكن السؤال يبقى أليس بمقدورنا الاستفادة من تجارب ناجحة في دول عدة مثل سنغافوره والولايات المتحدة الأميركية وكوريا وماليزيا والصين وحتى من تجربة  الكويت إن كانت معيقة أو ناجحة، لنستخلص منها جميعا نموذجا بحرينيا بمقدوره أن ينجح، بل أن السؤال يبقى هل البديل الحالي هو غاية طموحنا كدولة ؟ أم أنه إعاقة لعملية التنمية برمتها؟ أسئلة كثيرة لابد أن تسأل وبإلحاح، بدلا من الاستمرار في المكابرة والتخبط وضياع الجهود والأولويات والموارد والكفاءات، وفي ظل زحمة التحديات من حولنا وعلى أكثر من مسار، تساؤلات عدة نتركها أمام المسئولين في الجانب الرسمي وبالتحديد لدى الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية بانتظار إجابات أكثر إقناعا، والتي تبدو مبررات الرفض  الرسمي حيالها حتى الآن غير مقبولة بكل تأكيد!             
 

اقرأ المزيد

المونولوج الإنساني

نحتاج التأمل والوحدة وان دفعتنا الحياة إلى الركض والتهالك، حتى وان رددنا تلك المفردة المتكررة «يا أخي ما في وقت علشان الواحد يستريح!!» صحيح هناك بشر متهالكون ويلهفون وراء الأشياء التي بدت لآخرين أنها النهاية القاتلة لهؤلاء، فيما ردد بالعكس أمثال المتهالكون نحو الوظيفة والعمل والمال أن أولئك البشر لن يصيبهم النجاح لكونهم قبلوا أن يكونوا رهنا للكسل والتراخي. من نصدق بين النقيضين، وان قال لنا طرف ثالث بالإمكان الجمع بينهما فكلاهما يشكلان تطرفا إنسانيا «فنحن لدينا متسع للوقت بالجمع بين الاسترخاء والعمل الشاق» المهم أن تعرف «كيف توزع ساعات وقتك!» وبالطبع سنجد من تستهويه برامج في علم النفس والتي صارت رائجة هذه الأيام وكتابات فائضة عن ذلك الكلام الذي ليس بإمكانه حل مشكلاتنا العاطفية والإنسانية لمجرد قام شخص كوسيط مرشد لتلك الحالة الإنسانية «حيث اخذ يكتب لنا على طريقة أولا وثانيا وثالثا وتاسعا» المهم أنه يحاول تسهيل مهمته الكتابية ومحاضراته التي يراها البعض كلاما من الرغو الاجتماعي والإنساني، تذكرنا بتلك الكتب التي كانت رائجة في بداية الستينات «كيف تتعلم الألمانية في خمسة أيام وبعضهم كان كريما في أسبوع!» والبعض قام بترديد ترجمات في الغرب الذي شكلت ثقافته حالة إنسانية وثقافية مختلفة لا تناسبنا، فنرى ترجمات على طريقة «مشكلتك في يدك» هل أنت من النوع الانطوائي؟ وتبدأ تلك العناوين بتوريط هؤلاء الناس بمنزلقات أعمق وهوة سيكولوجية وعاطفية. فهل نحن بحاجة للتأمل كلذة ومتعة إنسانية كعاطفة مفقودة؟ تلك الحالة الشبيهة بالمونولوج الإنساني، الذي كان ملازما للإنسان منذ القدم. فكم كانت الحوارات الداخلية، دون صوت مسموع متعتنا الصامتة، فهناك القرين الملازم لنا او «ظلنا الحياتي المتحرك»، وكم ردد الناس دون فهم أن هذا الشخص بدأ يجن لكونه يحدث نفسه، مع إن الأمر عكس ذلك، فالمسألة قديمة ومعتادة بين جميع البشر، وكل ما في الأمر أننا سمعنا صوتا تعدى حدوده الداخلية، مثل «الايكو» الصدى الذي لا يمكننا التحكم في مداه عندما يبدأ الصوت في الخروج من الأعماق الداخلية. وليس غريبا أن كل الفلاسفة القدماء كانوا يحدثون أنفسهم مثلما كن ربات البيوت أيضا وهن في مطابخهن، غير إن الجديد في الأمر، انه بدأ يخرج لفضاء جديد اعتقد الإنسان انه اكتشاف وانجاز ضخم، حينما نقله الكتاب إلى عتبة المسرح، ولكننا نسينا أن الحياة كانت هي «المسرح الأكبر» لنا جميعا، وكلنا تارة متفرجين وتارة ممثلين ومبدعين نكتب سلسلة حياتنا بصمت حتى نهاية العمر، حيث في الشيخوخة تلازمنا الوحدة، والوحدة هي المسرح والفضاء المناسب للمونولوج الداخلي، والذي نود أن نصرخ من خلاله كلما اتسعت هوة الوحدة، وبذلك التبادل الجدلي الدائم بيننا وبين الحياة كمسرح ضيق حينا وفي الحين الأخر مسرح عميق بلا مدى أو مجال. لهذا نجح الإغريق كمنتج فلسفي للمسرح، فيما نحن ضيقنا من قيمة المسرح، الذي بإمكانه أن يكتب نصا رائعا هزليا لحياتنا ومؤلما أكثر في حالات عدة. ولكن لا يجوز أن نحيل الحياة باستمرار إلى صورة قاتمة، حتى وان عشنا وحدة الشيخوخة بعالم من الألم الداخلي. كيف نجعلها وحدة جميلة في رحلة العمر؟ بحيث يلازمنا المونولوج كصوت في أعماقنا وذاكرتنا الماضية، لمجرد أن تلك التداعيات يفهمها الناس كصوت لا قيمة له صادر من بشر معزولين في أرذل العمر أو أن دورهم قد انتهى. ا عتقد أن المجتمع جميعه ذاهب نحو محطات عدة، وعلينا أن نبني منظمات مدنية تعني بذلك المونولوج المسرحي الرائع ولا تجعله يتلاشى في الفضاء دون قيمة. والأمثلة كثيرة في المجتمعات المتقدمة فكبار السن والمتقاعدين ليسوا فقط كتلة انتخابية ضخمة وحسب، بل وقدرة إنتاجية متنوعة. وكم عرفت السينما والمسرح والكتابات الإبداعية إعادة إنتاج المونولوج الداخلي للشخصيات، ولكنها لم تهتم كثيرا إلا بجانب واحد منها، هو منحهم الشفقة لشخصياتها واعتبارهم محطات من الحياة أصيبت بعطب النسيان، بينما علينا أن نجعلهم جزءا من حياتنا اليومية، وإذا ما انتهت حياتهم فجأة، فان ذلك الصوت الداخلي والمونولوج الإنساني الجميل انطفأ من حياتنا بالفعل. وعلينا أن لا نقتله قبل أن يموت صوته في الحياة بين تلك الجدران العازلة المميتة التي أسميناها جزافا «بيوت العجزة». لكم كريه التسمية والمعنى والدلالات والنهج في طريقة ثقافتنا لخنق مونولوجنا الإنساني قبل أوانه.
 
صحيفة الايام
12 ابريل 2009

اقرأ المزيد

لماذا استبعدوا من علاوة الغلاء؟


ما أن تم إقرار علاوة الغلاء مجددا حتى تنفس المواطنون الصعداء ولاسيما أولئك الذين لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف الحياة المعيشية المستمرة في الارتفاع ومع ذلك نعتقد أن هناك من المستحقين لا ندري لماذا استبعدوا من هذه العلاوة؟ وبالتالي لا نملك هنا إلا أن نطرح السؤال التالي؟ هل الضوابط والمعايير الجديدة التي اعتمدتها وزارة التنمية لصرف هذه العلاوة دقيقة؟ سؤال لازال مطروحا لان شروط الاستحقاق المقترحة من قبل هذه الجهة الحكومية تشترط ان لا يزيد راتب رب الأسرة عن 700 دينار مما ترتب على ذلك استبعاد أكثر من 25 ألف مواطن بمعنى أصبح عدد المستفيدين من هذه العلاوة للعامين 2009 – 2010 (83) ألف مواطن في حين كان عدد هؤلاء قبل المعايير الجديدة ما يقارب 109 آلاف مستحق!!

احد أعضاء اللجنة المالية في البرلمان قال: ان النواب أدوا دورهم وما تمليه عليهم المسؤولية الملقاة على عاتقهم بشأن السعي لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين وتوجيه الدعم الى المستحقين منهم.

حقيقة نحن لا نشك في دعم النواب لهذه العلاوة التي كادت ان تتوقف بحجة تقليص المصروفات في الموازنة العامة للدولة للعامين 2009 – 2010 وخاصة في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية وبصراحة لولا تدخل عاهل البلاد لما انفرجت هذه الأزمة التي وصلت إلى طريق مسدود.

المهم اذا ما عدنا إلى سؤالنا إذا كانت معايير وزارة التنمية لصرف هذه العلاوة دقيقة ام لا ، فإننا وبصريح العبارة نقول: ان هذه المعايير تحتاج إلى إعادة نظر والى الدراسة الموضوعية لمجمل المستفيدين من الأسر البحرينية ، اي كنا نأمل ان لا تعتمد فقط على إحصاءات دخول الأسر وفقا لشروط الاستحقاق بل كان من الأجدى أيضا ان تعتمد التزاماتهم المالية من قروض وديون، ونظن هذه هي إحدى الملابسات التي أحاطت معايير وزارة التنمية.

ما نعنيه من هذا الكلام إننا لا نشك في استحقاق كل المستفيدين الذين انطبقت عليهم الشروط ولكن ما ذنب الذين استبعدوا من هذه العلاوة؟ وخاصة ان من بين هؤلاء وان كانوا يتقاضون أكثر من 700 دينار او حتى 1000دينار يعانون من أزمات مالية بحكم القروض والديون والأوضاع المعيشية الصعبة.

هذه حقيقة كان من المفروض ان لا تغيب لا عن المجلس النيابي ولا عن وزارة التنمية. وما ينطبق على هؤلاء ينطبق ايضا على أصحاب لا حول لهم ولا قوة لان دخولهم الشهرية الفعلية إذا ما أخذنا متوسطها فإنها اقل بكثير عن 700 دينار فما بالك باصحاب السجلات التجارية وخاصة الصغار منهم الذين وبحكم تدني نشاطهم التجاري والاقتصادي مهددين بالإفلاس.

على اي حال اننا نتفق تماما ان مبلغ 100 مليون دينار الذي تم اعتماده لصرف علاوة الغلاء للعامين الحالي والقادم لا يغطي الكلفة الفعلية لعلاوة الغلاء التي من المفترض ان تتسع مظلة المستفيدين منها ومع ذلك نقول ان المعايير والضوابط التي اعتمدتها وزارة التنمية لصرف هذه العلاوة كان من الضروري ان تتدارك امثال هؤلاء حتى لو كان بالشكل الاستثنائي. على العموم يبدو صحيحا ما قاله احد النواب: ان المواطنين الذين تم استبعادهم من علاوة الغلاء هم ضحايا أزمة الموازنة العامة والأزمة المالية العالمية.
 
الأيام  11 ابريل 2009

اقرأ المزيد

طريقان أمام السودان..!


السودان بلد الإمكانات الكامنة والشعب الطيب، الذي لو حصل على الفرصة المناسبة والفسحة الديمقراطية، يكون بمقدوره الإتيان بتجربة رائدة، غنية ومتميزة في التنمية المستدامة، منطلقة من نمطِ حكمٍ مؤسساتيٍّ عصريٍّ، عماده التداول السلمي للسلطة، الشرط الأساس لتحويل السودان بالفعل إلى سلة الغذاء العربي وجعله قدوة ومثالا يحتذى به من قِبَل بقية الدول العربية.

 لعل سبب تفاؤلنا بالسودان الجديد المأمول، يعزو إلى مجموعة من العوامل، التي إن استخدمت بالشكل الأمثل لوفر السودان على شعبه الكثير من الجهد الضائع، نتيجة النزيف الاجتماعي الحاد ودوامة لا تنتهي من الصراعات، التي ما فتئت تشتت الطاقات السودانية هدراً لمصلحة فئة طفيلية / أنانية، على حساب المصلحة العامة لعموم الشعب السوداني. على أن تركيبة السودان الديمغرافية لا تسمح للتقدم الاجتماعي المرتجى والنجاح الاقتصادي المرجو، إلا بشرط مبارحة الدورة الجهنمية من أنظمة أحكام استبدادية / عسكرية وضرورة تشييد نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي، تتوزع فيه الحقوق والواجبات بين قومياته وإثنياته العرقية والدينية المتنوعة.
من الممكن تلخيص أهم العوامل الإيجابية المذكورة، التي يتصف بها السودان في  الآتي :

  • السودان أكبر بلد أفريقي وعربي من حيث المساحة، وعدد سكانه متوازن. له أهمية جيوبوليتيكية، كونه بلدا إقليميا.. بل قاري يقع في مفترق الطرق؛ قريب من المثلث الرابط بين القارات الثلاث. يطل على البحر الأحمر وحوض النيل، حاضناً بين ربوعه بحيرات غنية وأسرة متفرعة من النيل العظيم.
  • يملك السودان هكتارات واسعة من الأراضي الخصبة، بجانب ثروة زراعية وحيوانية تتجاوز إمكانية الاكتفاء الذاتي.
  • توجد في باطن السودان ثروة متميزة من الموارد الطبيعية، خاصة الإستراتيجية منها.
  • يتكون الشعب السوداني من مجموعات متقاربة من الإثنيات القومية والعرقية والدينية، جمعهم السلم الأهلي والعيش المشترك لأحقاب طويلة.
  • يتطبع الشعب السوداني بدماثة الخلق، الكرم والعلاقات الاجتماعية الودية المنفتحة.
  • تركيبته السيكلوجية متسمة بـ الانشراح، الروح الجماعية، التعاون والاعتدال. إضافة إلى أهم خصلة بشرية ؛ ‘الاحترام المتبادل’ فيما بينهم، حتى بين الخصوم السياسيين.. وهذه الأخيرة عنصر مهم للبناء والتنمية. ولكنها – للأسف- ميزة نادرة عند بقية العرب فيما بين النخب السياسية والمثقفة!
  • حيوية التجربة الثرية التي يملكها السودانيون في العمل التعبوي/السياسي والمشاركة في الحراك السياسي، خلال فترات متعددة من النشاط الوطني في تاريخه الحديث والمعاصر، إضافة إلى فعالية وجماهيرية القوى السياسية المتعددة المشارب، من اليمين إلى اليسار


 

ملّ الشعب السوداني من الأحكام الاستبدادية القاطعة والكابحة لتطوره الطبيعي. ويهفو الآن – أكثر من أي وقت مضى – لتأسيس نظام حكم مدني ديمقراطي، ينطلق من الحاجات الملحة للناس ويتناغم مع روح العصر
لعله من المفيد أيضا أن نعرج قليلا على تاريخ هذا البلد العريق، الذي يقع جغرافيا في نطاق إقليم ما يعتبره الآركيولوجيون والمتخصصون في الجغرافيا البشرية؛ مهد البشرية والإنسان الأول.
الاسم الحالي(السودان) كان يطلق على كل المنطقة جنوب الصحراء فالدولة المجاورة للسودان ( تشاد) كانت تسمى بالسودان الفرنسي. وقد رفض المتعصبون العروبيون (الشوفينيون) اسم السودان وطالبوا بأن يحول الاسم إلى ‘سنار’ وهم من يعرفون في تاريخ السودان الحديث بجماعة أبو روف.
يقع السودان في الجزء الشرقي من القارة الأفريقية مع اتصاله بالبحر الأحمر واحتلاله شطراً كبيراً من وادي النيل. وكونه يربط بين الدول العربية وأواسط أفريقيا جعله في ملتقى الطرق الأفريقية،علي اتصال دائم بجاراته.
يعود تاريخ إنسان السودان إلى العصور الحجرية ( 8000ق م – 3200 ق م). حين اتخذ أول خطواته نحو الحضارة. يرى علم الآركولوجيا أنه بتفحص الجماجم التي وُجدت لهؤلاء الناس يتضح أنهم يختلفون عن أي جنس زنجي يعيش اليوم. وكان سكان الخرطوم القديمة، يعيشون على صيد الأسماك والحيوانات بجانب جمع الثمار من الأشجار. أمـا سكان ‘الشهيناب’ بالضفة العربية للنيل، فإنهم يختلفون عن سكان مدينة الخرطوم القديمة، ولهذا تختلف أدواتهم الحجرية والفخارية. كانت حرفتهم القديمة الصيد، بجانب قيامهم بصناعة الفخار واستعمال المواقد والنار للطبخ. وبلاد السودان منذ سنة 3900 ق.م. هي المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا الممتدة من المحيط الأطلنطي غرباً إلي البحر الأحمر والمحيط الهندي شرقـاً.
أما السودان الحالي فإنه يقع في الجزء الأوسط من حوض النيل  (سودان وادي النيل)
تعتبر مملكة كوش النوبية أقدم الممالك السودانية، حين ظهرت اللغة الكوشية، لغة التفاهم بين الكوشيين قبل ظهور الكتابة المروية نسبة لمدينة ‘مروي’، التي تقع علي الضفة الشرقية للنيل شمال قرية البجراوية الحالية. وكانت مدينة ‘مروي ‘ عاصمة للسودان القديم ما بين القرن السادس ق.م. والقرن الرابع ميلادى، حيث ازدهرت تجارة الصمغ والعاج والبخور والذهب بين مدن الجزيرة العربية وموانئ السودان والحبشة. وكانت للسودان علاقات مع ليبيا والحبشة منذ القدم. وفي الآثار السودانية كانت ‘مملكة مروي’ علي صلة بالحضارة الهندية في العصور القديمة. وكان الإغريق يسمون البلاد الواقعة في مناطق السودان ‘أثيوبيا’. وقال هوميروس عنها أن الآلهة يجتمعون في السودان في عيدهم السنوي.
ومن أقدم الهجرات العربية للسودان هجرة قبيلة بلي اليمنية القحطانية قبل ألفي عام وإقامتهم في شرق السودان واندماجهم- فيما بعد- بقبائل البجا وتزاوجهم معهم، حيث أصبحوا جزءاً من مملكة الحدارب(الحضارمة)التي قضي عليها الفونج قبل أربعمئة عام بعد أن خلفت تاريخا طويلا من المجد للسودان واستطاعت الدفاع عن سواحل البحر الأحمر ضد غارات الأساطيل الأوروبية. دخل الإسلام واللغة العربية إلى السودان بصورة رسمية في عهد الخليفة عثمان بن عفان
الخلاصة إننا لا نضيف جديداً أن أفصحنا عن بديهة لا يختلف عليها اثنان من أن السودان حاله كحال بقية الدول العربية في حاجة ماسة إلى تحديث، عصرنة ودمقرطة بنية نظامه السياسي. النتيجة أن طريق الخلاص وإخراج السودان من الدوامة لا يستقر في مناكفة الرأي العام والشرعية الدولية. وإقامة ‘كرنفالات’التحدي المصطنعة والزهو بالخطابات الديماغوجية الرنانة وحركات ‘الصبينة’ السياسية.. بل الحل يكمن في العودة إلى الديمقراطية والركون إلى الشرعية الوطنية، بُغية تحقيق تطلعات الشعب السوداني. والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في من يعتلي سدة الحكم للفترة القانونية المحددة. وتنفيذ كل فريق سياسي لبرنامجه الانتخابي، بعيداً عن الهيمنة على بقية مكونات الشعب السوداني ‘الموزائيكية’ بهدف الاستحواذ الديني/القومي/العرقي والانفراد بالسلطة، سواء عن طريق الانقلابات العسكرية أو حكم المليشيات. أي المطلوب؛ تسييد حكم القانون المدني المعاصر..

    هل هذا كثير على الشعب السوداني الشقيق؟!


الوقت 11 ابريل 2009
 

اقرأ المزيد

الرؤية الاقتصادية


يسعنا أن نكتشف بلا عناء أهمية الحوار الذي جرى بالغرفة التجارية يوم الاثنين الماضي بين أصحاب الأعمال ومجلس التنمية الاقتصادية حول الرؤية الاقتصادية المستقبلية للبحرين 2030 ودور القطاع الخاص في تفعيلها.
الأهمية تكمن أولاً في أن مجريات الحوار الذي استمر قرابة ثلاث ساعات ونصف لم يخل من الصراحة والجرأة حيال موضوعات وقضايا ومشكلات جوهرية وحساسة تتصل إجمالاً بالإصلاح الاقتصادي, وبالمعوقات والإعاقات التي تقف حجر عثرة في ميادين مختلفة وتحول دون تهيئة الظروف والأجواء المناسبة التي تدفع بالرؤية الاقتصادية نحو مسارها الصحيح المحقق للغايات المستهدفة.

والأهمية من ناحية أخرى تنبع في أن أصحاب الأعمال هم الذين عرضوا رؤاهم حول متطلبات تحقيق الرؤية والتي نالت حيزاً مناسباً من المناقشة الصحية والبناءة, والتي انطلقت من كونهم المعنيين الذين يعّول عليهم في تنفيذ هذه الرؤية وبالجزء الأكبر المعتبر من محاورها والإستراتيجية التنفيذية المنبثقة عنها, وهم أيضاً المعنيون قبل غيرهم بالتأقلم معها ومع مقتضياتها وإفرازاتها, بنفس القدر الذي هم معنيون فيه مع الحكومة في إطار الشراكة التي أكدت عليها الرؤية بمواجهة بعض الأمراض التي تواجه الاقتصاد البحريني ويشكو منها القطاع الخاص بشكل عام, وباتت من همومه الأساسية, وقد تم تداولها في اللقاء تداولاً هادئاً وموضوعياً دونما «فذلكات» سعياً وراء المعالجات الواجب اعتمادها, والتي وردت ضمن مرتكزات الرؤية الاقتصادية, وكان من الواضح أن هناك كثرا من الذين ينتظرون الإسراع في البدء بهذه المعالجات وتطبيق الخطط والإجراءات الحاسمة للعراقيل الراهنة والأمراض المزمنة التي تواجه اقتصادنا.

حسن تصميم وصوابية الأولويات والمراحل للوصول إلى الهدف المنشود, التحديات التي تواجه الاقتصاد البحريني حاضراً ومستقبلاً, القدرات والإمكانات المتوافرة لدى البحرين لمواجهة هذه التحديات, حجم التمويل المطلوب لتنفيذ الرؤية ومصادر تمويلها, ومعدل النمو المطلوب لتنفيذها, ومعايير النجاح والفشل للرؤية, الإصلاح الإداري ورفع كفاءة الأجهزة الإدارية المتعبة والمثقلة, وتقليل التكلفة, ومحاسبة القطاع العام ودعم مفهوم الحكم الرشيد وسيادة القانون, والشفافية ومحاربة الفساد, وخلق عدالة وحيادية يتيحان للجميع الفرص المتكافئة, وضرورة أن تكون القرارات مؤسسية, وإصلاح النظام القضائي ورفع جاهزيته لضمان سرعة إصدار وتنفيذ الأحكام تعزيزاً للثقة في بيئة الاستثمار والأعمال, والحاجة إلى تغيير النموذج الاقتصادي الحالي وتحديد هوية البحرين الاقتصادية والخيارات الإستراتيجية للنمو الاقتصادي, وأهمية الانتقال من التنافسية عبر العمالة الوافدة الرخيصة إلى التنافسية من خلال قوى عاملة وطنية ذات مهارات وإنتاجية عالية تعزز وتخدم تنافسية الاقتصاد البحريني, وضرورة إرساء ثقافة العمل والإنتاج, والإشكاليات الناجمة عن عدم جاهزية إصلاحات نظم التعليم والتدريب لمواكبة إصلاح سوق العمل, وآليات رفع مستوى الوضع المعيشي للمواطن, وواجبات الدولة تجاه الطبقات الضعيفة, وضرورة وضع معايير لميزانية عامة مستقرة ومتوازنة, والحاجة إلى إعادة هندسة العمليات في المؤسسات الرسمية, وضرورة جذب الاستثمارات النوعية, وأهمية منع التداخل والاختصاصات فيما بين بعض الأجهزة الرسمية والمجالس البلدية وتدخلاتها المعيقة لنمو الاستثمارات, وأهمية خلق روحية شراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص, وكيفية مواجهة الضغوط الكبيرة التي تواجه أو تمارس على الاقتصاد البحريني, حتى الحالة الطائفية التي نرزح تحت وطأتها لم تكن بمنأى عن الطرح حتى وأن جاء ذلك بشكل عابر من منظور علاقة الأمن والاستقرار بالتطور الاقتصادي وهي العلاقة التي تم التشديد عليها والتأكيد على لزوميتها. كل تلك العناوين المختزلة لقضايا كانت على بساط البحث في اللقاء, وإن كان هناك من اعتبر أن التحديات التي تواجه الوضع الاقتصادي الراهن يجب أن تكون دافعاً للعمل وليس لخيبة الأمل, فإن ثمة قناعة أيضاً بأن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يرتبط بإجراء معاينة حقيقية للمشاكل التي نعاني منها, فإذا لم تأت المعاينة في مكانها الصحيح, فإن المعالجة لن تكون مجدية بل قد تكون قاتلة للمريض لأن حسن التشخيص هو الخطوة الأولى لبداية الشفاء.. 

 وطالما أن المعادلة القائمة عليها الرؤية الاقتصادية مبنية على الشراكة بين القطاعين العام والخاص, فإن القول الذي ينبغي التشديد عليه هو أنه ما لم تقم نهضة استثمارية نوعية للقطاع الخاص خالية من المنغصات, سنبقى نعاود الحوار تلو الحوار الذي تكمن المشكلة فيه أنه سيجعلنا في أبسط وأوجز تحليل عرضة للمفارقات في زمن يحول فيه الضباب دون رؤية المستقبل ويدعو إلى الكثير من التساؤلات.. ومهما حققت الدولة من إصلاحات فلا حل للوضع الاقتصادي والمعاناة الراهنة اذا لم تسر هذه الإصلاحات في مسارها الصحيح وتقم الدولة بإصلاحها.

اقرأ المزيد

قانون النقابات المهنية متى سيرى النور…؟


في بدايات الانفتاح السياسي ومع تدشين المرحلة الديمقراطية والإصلاحية وبناء مؤسسات المجتمع المدني أي قبل ثمان سنوات أعتقد العديد من المراقبين أنه مع موجة إطلاق حرية العمل النقابي سيحظى القطاع المهني بالأولولية وسينال المهنيون لاحتلالهم مكانة اجتماعية بارزة ومستوى ثقافي متقدم بقانون متطور ينظم عملية تمثيلهم في ظل قانون النقابات المهنية خصوصاً أن العديد من تلك القطاعات المهنية كالمهندسين والأطباء والمحامين على وجه الخصوص كانوا تحت مظلة جمعياتهم المهنية في ظل غياب قانون النقابات المهنية وتلك الجمعيات برغم هبوط سقف حرياتها إلا أنها كانت متفاعلة ومتبلورة في مواقفها مع الحراك الاجتماعي وبل حتى السياسي فكان الكل يترقب حينها صدور قانون النقابات المهنية مع بدايات عهد الإصلاح وأن يسبق قانون النقابات العمالية إنما الواقع جاء بمدلولات أخرى ومعطيات ربما كانت أصدق حيث كانت الساحة العمالية ساخنة وتلح بالتعجيل بإصدار قانون النقابات العمالية فعاجلت السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العمل بإصدار القانون العمالي لخلق وضع من الانسجام والاستقرار وتنظيم العلاقة بين طرفي الإنتاج ولا يوجد بطبيعة الحال وجه مقارنة بين القطاع العمالي من جانب والقطاع المهني من جانب آخر ليس من الناحية النضالية والمطلبية للطبقة العاملة فحسب بل حتى الوزن الاجتماعي والعددي إذا ما علمنا أنه حتى على مستوى الحراك النقابي الدولي فقد كانت ولا زالت النقابات العمالية أبعد بكثير وأعمق من النقابات المهنية حتى على مستوى المنظمات والمؤسسات الاتحادية الدولية.
 
إن تلك المؤشرات قد تُفسر سبب غياب قانون النقابات المهنية وعرقلته رغم مضي فترة زمنية طويلة من تدشين عهد الإصلاح ولا شك أن الحكومة مدركة أن هناك تقزيم للقطاع المهني وقد أسهمت في مضاعفة تقزيمه في الوقت الذي كانت تتوجس من مكانته المعنوية ووزن مرآته الاجتماعية المخملية إن جاز التعبير فالمهنيون لا يعانون من السخونة المطلبية في قطاعاتهم وغير متحمسين للعمل النقابي.
 
إنه على الرغم من كل تلك المعطيات والظواهر البارزة والملحوظة فإن مسودة قانون النقابات المهنية المطروح حالياً في مرمى السلطة التشريعية هو قانون رجعي ومتخلف عبرت القطاعات المهنية المختلفة عن رفضه وبخاصة جمعية المحامين، فالقانون المقترح انتزعت السلطة التنفيذية جوهر مضمونة من خلال إسقاط حق النقابة المهنية في إصدار تراخيص المهنة وبل تم التعدي على استقلالية النقابة المهنية في تشكيل إطارها ووضع نظامها الأساسي لتعطي سلطة القرار والضبط والربط لمجلس الوزراء والوزير المختص وهذا تجني سافر على حرية العمل النقابي ومُصادرة لحق القطاع المهني في تشكيل نقابته ذات الصفة الاعتبارية المستقلة.
 
فكما سلف وأشرنا أن السلطة بحكم توجسها من تلك القطاعات المهنية وبالذات منها من على صلة بالشأن الإداري والاجتماعي كالمحامين والمهندسين والأطباء فوجود نقابة مهنية قوية ومنظمة لا شك ستتداخل وستتضارب سلطاتها على صعيد المهنة مع السلطة التنفيذية خصوصاً فيما يتعلق بتراخيص المهنة وبل أخلاقياتها مما يعني في نهاية المطاف دخول النقابة المهنية في صدام ومواجهة مع الفساد الإداري المستشري في أروقة الجهاز الحكومي.
 
لذا نجد أن سطوة السلطة جاثمة على القانون وبنوده فلنا أن نتصور “نقابة سواق الأجرة” على سبيل المثال وهي نقابة مهنية صرِفة عندما تمتلك حق إصدار تراخيص المهنة….!!؟ وقد أشرنا لها هنا “بالصرِفة” لنطرح مفهوم النقابة المهنية والسجال حول تفسير هذا المفهوم والنظرة إليه من حيث أن هذا قطاع مهني حُر وممتهن المهنة ليس بأجير خصوصاً إذا ما كان لا يمارس مهنته عبر شركة أو مؤسسة والصيادين أيضاً ينطبق عليهم هذا المعيار.
 
فالجدير بالذكر أن هناك لدى الكثير تداخل وتمازج وخلط في مفهوم النقابة المهنية، فالنقابة المهنية متشابكة ومتشبعة وهناك العديد من القطاعات المهنية التي لا بد أن تنصهر في النقابات العمالية الأوسع والأشمل طالما هذا المهني أو ذاك لا يمارس مهنته بشكل مستقل وحُر بل هو أجير في قطاع معين وللتدليل على ذلك لنا أخذ مثال المهندس بوزارة الإسكان فهو موظف أجير إذاً سيكون انتمائه مثلاً لنقابة عمال وموظفي وزارة الإسكان أكثر واقعية من انتسابه لنقابة المهندسين المهنية والتي ربما تقتصر بشكل أو بآخر على المكاتب الاستشارية المستقلة…. وإلا ما هو التفسير المنطقي لاضمحلال النقابات الحرفية وهي بمثابة أعرق النقابات في المسار التاريخي للحركة النقابية.
 
على أية حال هذه المجهرية في تمحيص معيار وأسس تصنيف النقابات المهنية لا يلغى من أهميتها ومكانتها ودورها في تعزيز الحركة النقابية وبل أتساع تجذيرها فالنقابات المهنية ستظل قوة دافعة للحركة النقابية بشكل عام وقانون النقابات المهنية إذا ما وُلد قاصراً ومُجذب الحقوق ومفتقر للأعراف والاتفاقيات الدولية سينعكس ذلك بصورة سلبية على واقع الحركة النقابية واستقلاليتها وديمقراطيتها في الوقت الذي الكل يأمل أن تكون الحركة النقابية المهنية رديفاً وعضداً للحركة النقابية العمالية وتسهم في تعزيز مكانة ورقعة مؤسسات المجتمع المدني.
 
نشرة التقدمي مارس

اقرأ المزيد