المنشور

الأزمــة واستحقاقــات‮ ‬ دمــج البنــوك في‮ ‬الخليــج

عندما كانت أسعار النفط تحلق عالياً‮ ‬في‮ ‬السماء على مدى أكثر من خمس سنوات‮ ‬2004‮ ‬‭- ‬2008‭,‬‮ ‬وصولاً‮ ‬إلى مقاربتها لسقف المائة والخمسين دولاراً‮ ‬في‮ ‬يوليو عام‮ ‬2008‮ (‬147‮ ‬دولاراً‮ ‬للبرميل‮)‬،‮ ‬كانت البنوك الخليجية تعيش واحدة من أبهى أيام عزها،‮ ‬وكانت توزع قروضها‮ ‘‬ببذخ وكرم حاتمي‮’ ‬غير مسبوق‮ .. ‬شمل ذلك خطوط ائتمان التمويل الرأسمالي‮ (‬الفردي‮ ‘‬والسينديكاتي‮’ ‬‭- ‬Sindicate‮) ‬والتمويل العقاري‮ ‬والتمويل المضارباتي‮ ‬‭(‬Speculative financing‭)‬‮ ‬والتمويل الشخصي‮ ‬‭(‬Personal banking‭).‬ بيد أن انهيار أسعار النفط في‮ ‬الربع الرابع من عام‮ ‬2008‮ ‬على خلفية اندلاع الأزمة المالية/الاقتصادية العالمية التي‮ ‬تداعت من أزمة الرهن العقاري‮ ‬مروراً‮ ‬بأزمة القطاع المصرفي‮ ‬والمالي،‮ ‬وصولاً‮ ‬إلى الاقتصاد الحقيقي،‮ ‬قد كشف عن الجوانب الهشة لبنوكنا الخليجية‮.‬ فلقد تأثرت البنوك الكويتية كثيراً‮ ‬من تمويلاتها‮ ‘‬المفرطة‮’ ‬لقطاع الاستثمار العقاري‮ ‬بجميع أنواعه،‮ ‬بينما عانت البنوك البحرينية من مشكلة السيولة،‮ ‬فيما عانت البنوك الإماراتية من مشكلة عدم الكفاية الرأسمالية‮ (‬والسيولة ترتيباً‮).‬ الأزمة الأخيرة كشفت من جديد وعلى نحو فاقع أن البنوك الخليجية‮ ‬يجمعها عامل مشترك وهو أنها‮ ‘‬ضئيلة الحجم‮’ ‬مقارنة بأحجام أسواق بلدانها وتمدداتها والتحديات التي‮ ‬تُرتبها هذه الأحجام المتنامية لهذه الأسواق وبضمنها تحدي‮ ‬التباطؤ أو الهبوط الارتطامي‮ ‬‭(‬Hard landing‭)‬‮ ‬لاقتصاداتها‮. ‬وهي‮ ‬ضئيلة بالقياس إلى أحجام المؤسسات المالية العالمية التي‮ ‬تتعامل مع مثل هذا التحدي‮ ‬ونعني‮ ‬الأحجام المتسعة والمتشعبة للأسواق الوطنية والإقليمية والعالمية التي‮ ‬تستهدفها الإدارات الاستثمارية لهذه المصارف‮.‬ هذا التداعي‮ ‬المقلق للأزمة فيما‮ ‬يتصل بالبنوك الخليجية تحديداً‮ ‬كان لا بد أن‮ ‬يستدعي‮ ‬ردود أفعال أكثر جدية تختلف عن سابقاتها فيما‮ ‬يتعلق بالتعاطي‮ ‬مع أزمات التقلبات الحادة في‮ ‬البيئة الاقتصادية‮. ‬ولطالما تم طرح ومناقشة فكرة الدمج بين المصارف الخليجية على صعيد كل دولة على حدة على أقل تقدير،‮ ‬وهو الطرح الواقعي‮ ‬والممكن‮. ‬إلا أن النزعة الاستقلالية لإدارات البنوك ظلت تتغلب دائماً‮ ‬على فكرة الدمج بسبب الوضع الاقتصادي‮ ‬والمالي‮ ‬المريح جداً‮ ‬للجميع‮. ‬أما وقد استشعرت القيادات المصرفية هذه المرة حقيقة وجدية التحديات التي‮ ‬تواجهها،‮ ‬فإنها ربما تكون الآن أكثر استعداداً‮ ‬لتقبل فكرة الدمج بما‮ ‬يشمل ذلك الموصى به حكومياً‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من مصلحة الاقتصاد الكلي‮. ‬فالأصول الفردية للمصارف بصغر حجمها قياساً‮ ‬إلى التحديات‮ (‬أكبر الأصول كان‮ ‬يملكها بنك دبي‮ ‬الوطني‮ ‬بتقديرات تصل إلى‮ ‬75‮ ‬مليار دولار‮) ‬التي‮ ‬تواجهها،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن العدد‮ ‘‬الفائض‮’ ‬من هذه البنوك‮ (‬52‮ ‬مصرفاً‮ ‬في‮ ‬الإمارات العربية المتحدة وحدها‮)‬،‮ ‬لا تمكنها من مقابلة هذه التحديات ومن الانتقال من الإقليمية إلى العالمية‮ (‬للنفاذ إلى أسواق المال العالمية الضخمة‮).‬ وبالفعل لوحظ مؤخراً‮ ‬تحرك على هذا الصعيد،‮ ‬بدأ بعرض بنك السلام‮ (‬البحرين‮) ‬في‮ ‬شهر أبريل الماضـي‮ ‬لشراء البنك البحريني‮ ‬السعـودي‮ ‬بمبلغ‮ ‬27‮ ‬مليون دينار‮ (‬حوالي‮ ‬72‮ ‬مليون دولار‮). ‬كما تم في‮ ‬دولة الإمارات العربية المتحدة دمج مجموعة دبي‮ ‬‭(‬Dubai Group‭)‬‮ ‬مع دبي‮ ‬العالمية للاستثمار‮ ‬‭(‬Dubai International Capital‭)‬،‮ ‬ودمج أملاك وتمويل في‮ ‬مؤسستين قديرتين‮. ‬وهنالك تحرك باتجاه الدمج في‮ ‬أبوظبي‮ ‬وفي‮ ‬دولة الكويت أيضاً‮ ‬حيث كان بنك الكويت الدولي‮ ‬الذي‮ ‬خسر نحو مليار دولار من استثماراته في‮ ‬المشتقات قد عرض نفسه للبيع،‮ ‬كما أعلن بنك الكويت الوطني‮ ‬في‮ ‬شهر أبريل الماضي‮ ‬عن اعتزامه شراء حصة تبلغ‮ ‬40٪‮ ‬من بنك بوبيان‮ (‬التمويلي‮ ‬الإسلامي‮).‬ هنالك إذاً‮ ‬دوافع اقتصادية تدفع باتجاه الدمج،‮ ‬إلا أن هنالك بالمقابل عوامل‮ ‬غير مشجعة على السير حثيثاً‮ ‬في‮ ‬هذه العملية الهيكلية القطاعية،‮ ‬أبرزها الخشية من المساهمة في‮ ‬إشاعة البطالة في‮ ‬صفوف العاملين في‮ ‬المصارف وجلهم من الخليجيين‮ (‬يشكلون نسبة‮ ‬78٪‮ ‬من إجمالي‮ ‬العاملين في‮ ‬القطاع المصرفي‮ ‬في‮ ‬البحرين‮). ‬وهذا موقف مفهوم جداً‮ ‬وينم عن شعور بالمسؤولية‮. ‬ولذلك لا بد من التفتيش عن مخارج توفق بين مصلحة إعادة هيكلة وتعظيم طاقات القطاع المصرفي‮ ‬وبين الحفاظ على العمالة المصرفية الخليجية وتعزيز طاقاتها بما‮ ‬يوازي‮ ‬الطاقات المصرفية في‮ ‬المراكز المالية العالمية‮.‬
 
صحيفة الوطن
21 يونيو 2009

اقرأ المزيد

أنماط الرأسماليات الحكومية الشرقية

فيما كان سياسيو الشرق في بدايات القرن العشرين يحاولون القفز على الرأسمالية الغربية الخاصة، عبر نماذج مصطنعة، توجه سياسيو الشرق في أواخر هذا القرن إلى احتذاء نموذج الرأسمالية الغربية، لكن لا تزال الكثير من العقبات والآراء ومستويات التطور الموضوعي المتباين تحول دون ذلك.
وعلى أساس تطورات الرأسمالية الشرقية تنشأ ثلاثة موديلات:
موديل الهيمنة الرأسمالية الحكومية المطلقة وهو نموذج قام به الاتحاد السوفيتي. ولم تستطعْ الدولُ الأخرى أن تقومَ بمثلهِ لصعوبتهِ وتطلبه مواردَ هائلة وخطورته على التطور الاقتصادي المستقبلي.
موديل هيمنة الرأسمالية الحكومية مع وجود قطاعات خاصة بهذا الاتساع أو ذلك، لكنها لا تمثل الركيزة الأساسية للاقتصاد، وقد تكون مستقلة وقد تكون قد نشأت من الملكيات العامة بالباطن، وتقابل هذا حكومات دكتاتورية متعددة الأشكال السياسية لكن القبضة على الموارد العامة تكون هي السمة المشتركة.
وأخيراً موديل التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص بقيادة الأول، وهذا يفترضُ وضعاً ديمقراطياً ووطنياً منسجماً، وهو أمرٌ يشكلُ العكس كذلك من دون الخروج عن عملية التعاون، أي أن يقوم القطاعُ الخاصُ بقيادة التطور الاقتصادي بدون إلغاء للقطاع العام الصناعي. أي أن هذا النموذج تحكمهُ مقارباتٌ بين القوى الاجتماعية الوطنية المختلفة من أجل تنمية القوى المنتجة المحلية بطرق اقتصادية مختلفة، ويجمعها جامعُ التطور المشترك لقوى الإنتاج. وهذا النموذج تمثله بعض التجارب في دول أمريكا اللاتينية عبر حكومات اليسار.
وفي حالة ثالثة هي حالة الصراع والإلغاء فإن الوضع الاقتصادي يتجه إلى الفوضى والاضطراب لغياب استراتيجية اقتصادية وطنية تجمع القوى العمالية والشعبية مع القطاع الخاص في خطة تنموية واحدة مشتركة كحالة مصر مثلاً.
وإذا لم يقمْ أي بلد بتأسيس قواعده الصناعية الكبرى فإن أنماط رأسمالياته الحكومية والخاصة تظل في حالة سيولة اقتصادية وسياسية غير مستقرة على نمط لبنان على سبيل المثال.
وتمثل رأسماليات الخليج العربي الحكومية حالة مماثلة للموديل الثاني، فالحكوماتُ هي المهيمنة على أغلبية الموارد، وهناك هوامش كبيرة أو صغيرة للقطاع الخاص، مع مشكلات خاصة بالمنطقة، مثل الهدر الكبير للثروة من خلال ظواهر كثيرة: الفساد الحكومي، والعمالة الأجنبية، وتضخم أجهزة الدول، وغياب النساء عن الإنتاج، وضعف التطور العلمي الخ.
تؤدي مقارباتُ الدول الرأسمالية الحكومية للنموذج الغربي الرأسمالي، إلى سلسلة من التطورات والمشكلات الجديدة والصراعات السياسية والاجتماعية والثقافية الحادة.
فالانتقال من الموديل الأول إلى الموديل الثالث لأن الموديل الثاني هو تحصيل حاصل للأول، يعني تغيير بعض القطاعات العامة بيعاً أو إجراء إدارة رقابية شعبية واسعة على الفوائض الاقتصادية الناتجة عنها، وتغيير العلاقة السياسية المهيمنة البيروقراطية على الاقتصاد إلى علاقة اقتصادية تعطي السلع وأدوات الإنتاج مساراتها الخاصة الموضوعية، وهذا يقود إلى تبدل أسس النظام ونسف الكثير من علاقاته.
ويعتمد ذلك على كيفية تغيير القوى السياسية للعلاقات الاقتصادية، هل ينشأ ذلك بخطة وطنية وبعلاقات ديمقراطية بين قوى الشعب أم أن حيتان القطاعات العامة تبقى مسيطرة. وإذا استمرت الحيتان فإن ذلك لا يعني تغييراً إلى الموديل الثالث بل هو بقاء في الموديلين السابقين.
وإذا حدث تغيير حقيقي، وتحول الرأسمال الوطني المجسد في شركات حكومية وأموال حكومية، وغدت كلها بيد الإدارة الشعبية، فهذا أمرٌ يغير البناء التحتي، وتتبدل علاقاتُ الإنتاج، ولا تعودُ الدولة هي المالكُ الكلي، وتصير رمزاً للمالكين الحقيقيين سواء كانا قطاعاً عاماً أم خاصاً.
إن قوى الإنتاج المادية والبشرية التي تتعرض للاستنزاف من قبل الدول المهيمنة الفوقية والمُخطـطة كيفما تشاء للاقتصاد، وهو ما يقود إلى أشكال كثيرة من الفساد والهدر، تتعرض للتآكل والضعف على مستويات مخلتفة كأن تتضخم في جانب وتضعف في جوانب أخرى مهمة، أو أن تذهب الموارد إلى الخارج، أو إلى بذخ المسئولين. وهي عادة تجعل القوى العاملة في ضنك معيشي مستمر، وفي حالة ضعف علمي، وتضخم عددي كمي، نظراً إلى طابع الاقتصاد غير المخطط.
حقق النمط الأول خاصة تحولات كبرى في الإنتاج وحقق الثورة الصناعية في ظروف الشرق، لكن مع استمرار الدكتاتورية السياسية فإن الفوائض الاقتصادية وربما حتى الإنجازات الصناعية قد تتعرض للتدهور، بسبب بقاء عمليات الفساد والبيروقراطية، وبالتالي فإن فوائض كبيرة تذهب إلى الخارج، أي أن الهبوط إلى الموديل الثاني ممكن كذلك للموديل الأول، مثلما يحدث في جمهورية روسيا الاتحادية حيث يحدث نزيفٌ مالي نحو الغرب، وتبقى الصناعات ضعيفة، وتبقى الدولة بائعة مواد خام ثمينة وبضائع عسكرية. وهكذا فإن شبح الدولة الاستبدادية يطارد روسيا دائماً.
أما الموديل الثاني فهو جائزٌ أن يرتفعَ إلى مستوى الموديل الأول، إذا حوّل قسماً كبيراً من الفوائض لإعادةِ إنتاجٍ موسعٍ موجهٍ إلى التحديث الصناعي والتحديث العلمي وإلى تغيير الـُبنى الاجتماعية والثقافية المتخلفة.
وتقومُ هذه الأنماط على نمو العلاقات الرأسمالية العالمية كذلك، المتناقضة بين الشرق والغرب، أي بسبب انتشار العلاقات الرأسمالية الواسعة في دولِ الشرق، وكذلك بسببِ تأزم العلاقات الرأسمالية في الغرب.
وهذان المظهران المتضادان يعكسان شبابية الأسواق الشرقية ووجود قوى عمل هائلة ورخيصة في بعض الدول الكبيرة، وحدوث انتقالات للرأسمال الغربي نحو هذه الدول، وشيخوخة الرأسمالية في الغرب من حيث تصاعد الأسعار والأجور والبحث عن الأسواق المتقلصة دائماً وتفجير بعض الحروب، (وهذه العملية تشكل إعادة إنتاج موسعة عالمية في بعض الدول الآسيوية الكبرى فيما هي تدهورُ بلداناً أخرى إلى درجة الهلاك)، إن هذه الظواهر تطور الرأسمالية في بعض بلدان الشرق، وتقوي حضور العمال والمؤسسات الديمقراطية الأهلية في حياة الدول الغربية.
كما أن الدول الغربية تستدعي عمالة شرقية رخيصة، مثلما تمتص الفوائد النقدية الكبيرة، القادمة من دول النفط.
وهكذا فإن أزمة العقارات الأمريكية مثلاً تعبر عن تصاعد الاقتصاديات الطفيلية، أي تسارع بعض القطاعات المالية خصوصاً لجني أرباح كبيرة بدون أن يواكب ذلك تطور الإنتاج، فتغدو الأزمات المالية الغربية ليس كما كان في الماضي مقصورة على الغرب بل تصبح عالمية، بسبب تشابك موديلات الشرق الاقتصادية مع الرأسماليات الخاصة الغربية. فتغدو الظواهر الطفيلية والأزمات كونية تعرقل الإنتاج العالمي.

صحيفة اخبار الخليج
21 يونيو 2009

اقرأ المزيد

إيران .. أين صوتي!

أين صوتي .. ذلك هو الشعار التلقائي الذي خرجت خلفه الجماهير الإيرانية الغاضبة والرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مواجهات مفتوحة تخللتها حالات قتل وعشرات الجرحى والمعتقلين قامت بها قوات الباسيج، وصاحبتها كثير من أعمال التخريب في المنشآت والممتلكات، رغم ما فرضته السلطات هناك من تعتيم وحجر على مختلف الوسائل الإعلامية، ورغم عدم الترخيص للمسيرة المليونية التي دعا لها المرشح الخاسر وبقية رموز التيار الإصلاحي، في مقابل الترخيص للمسيرة التي دعا لها الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد وحظيت بمباركة مؤسسة الحكم فيها، بل أن الأمر قد تجاوز الحدود لتخرج مسيرات الغضب منددة بما جرى باتجاه العديد من السفارات الإيرانية حول العالم. فقد أكدت تداعيات الأحداث الأخيرة حجم الانقسام الداخلي على مستوى مؤسسة الحكم وعلى مستوى الشارع أيضا، وما تبعه من فرز بدى أكثر وضوحا عن ذي قبل داخل المؤسسة الدينية الحاكمة وصراع وتفكك الأجنحة والنخب المتفاقم داخلها, مما حدا بلجوء بعض رموزها ومنهم من هم من ذوي الوزن الثقيل إلى ذات الشارع الذي احتكمت إليه الجماهير منذ أكثر من ثلاثة عقود، عندما أسقطت دولة الشاه بكل ما تمتلكه من جبروت وقسوة، فقد بدى أن الكيل قد طفح ببعض الرموز التي لم تجد بدا من الإفصاح علانية عن نفسها وربما برجماتيتها أو حتى تغيير جلدها في التعاطي مع المستجدات على الساحة الإيرانية، والذي هو نتيجة حتمية لحالات اليأس التي تنتاب الشارع والنخب حول إمكانية التغيير في ظل حالات التأزم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في دولة تمتلك خامس احتياطي نفطي على مستوى العالم، وليس بمستغرب البتة أن يكون من بين تلك الرموز الرافضة من هم بوزن الرمز الأبرز في مؤسسة النظام الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي تقدم بشكوى إلى مرشد الثورة للرد على إدعاءات الفساد التي ساقها الرئيس نجاد بحقه وبحق أفراد من عائلته، وكذلك الرئيس السابق محمد خاتمي والمرشح الإصلاحي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، وما تلا ذلك من حملة اعتقالات طالت أسماء كبيرة لن يكون آخرها بكل تأكيد السيد محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي. وإحساسا منه بعمق الأزمة سارع مرشد الثورة بالإيعاز لمجلس صيانة الدستور بإعادة فرز الأصوات لصناديق بعض الدوائر الانتخابية، في محاولة تبدو وكأنها خطوة لسحب البساط من تحت أرجل الرافضين لتلك النتائج، مما استدعى معه موقفا مضادا ورافضا من قبل زعماء التيار الإصلاحي لتلك الخطوة، الذين اعتبروها فخا وطالبوا بعدم الانجرار إلى حبائلها. لقد أضحت الأحداث مرشحة للتصاعد بشكل ربما لن تعود معه الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة، وحتى وإن عادت فأنها حتما ستظل مشتعلة تحت الرماد تستمد حالات صعودها القادمة من قلة حيلة النظام وإخفاقاته السياسية والاقتصادية والمعيشية، والتي برزت في تقييد هوامش الحريات و تهميش القوى المعارضة للنظام، علاوة على تفاقم المصاعب المعيشية ومستويات الفقر وقضايا الإدمان والبطالة لقطاعات واسعة من الشباب الإيراني، والتي يزيدها تأزما حالة الانغلاق والعزلة المتزايدة التي تحاصر النظام وفي ظل تصاعد حدة الخطاب الراديكالي. وعلى الرغم من الوعود السابقة ألتي أسبغها الرئيس نجاد إبان حملته الانتخابية السابقة والتي كان من بين أهم شعاراتها حل مشكلة الفقر والبطالة وتوزيع عائدات النفط على الفقراء، والتي يبدو أنها وجدت لها صدى مجددا لدى المرشح الإصلاحي الشيخ مهدي كروبي دون جدوى! في حين استقطبت شعارات المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي الداعية للعدالة والمساواة وإعطاء مزيد من الحريات للنساء وللمجتمع ولحرية التعبير قلوب الجماهير الباحثة بشغف عن مخرج لبعض من احباطاتها تجاه النظام طيلة أكثر من ثلاثة عقود، تسيّدتها شعارات راديكالية اتخذت من معاداة الغرب وأمريكا وسيلة وحيدة لإحكام سيطرتها على زمام الأمور دون تغييرات تذكر في تطوير نهج ممارسات ونهج الحكم الذي تستحقه إيران ويستحقه الشعب الإيراني بتاريخه وحضارته الراسخة في الوجدان والمكون الإنساني والحضاري. تجاه كل ذلك لن تغير دعاوى بعض المدافعين الأشاوس عن النظام من حقيقة ما يجري في إيران وقولهم أن النظام يحظى بحالات نادرة من الالتفاف والتضامن الشعبي والقوة على مختلف المستويات، فذلك لن يغير من المعادلة شيئا طالما ظلت بؤر تفجر الصراع كامنة فيه، لتؤكد مقولة أن أعداء النظام الحقيقيين هم النظام نفسه.
 
صحيفة الايام
21 يونيو 2009

اقرأ المزيد

انقسام الشارع الإيراني !

في كل مناخ انتخابي رئاسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يبرز على السطح التعبير العارم عن تلك الروح الراغبة في التغيير لدى شارع سياسي مكتوم ومتأزم، وتسوده نوع من الحياة البوليسية والأمنية بسبب سلطة الحرس الثوري كقوة ثانوية موازية لسلطة الدولة بقبضاتها الغليظة، غير ان المناخ الانتخابي يفرض مساحة من التعبير الكامنة تحت سطح الأرض، والتي تجد لها في اللحظة الانتخابية متنفسا حقيقيا سرعان ما ينفجر بشتى الوسائل والاتجاهات خاصة في مركز الدولة وعاصمتها طهران، حيث يعيش فيها أكثر من 15 مليون إنسان . ما يميز الانقسام الإيراني ووضوحه هذه المرة هو ذلك التذكير بمرحلة ترشح محمد خاتمي قبل اثنتي عشرة سنة، وانتصاره نتيجة ذلك الزخم الشبابي والمجتمعي، إذ صبت الأصوات من قطاعات متلونة له مفضلة اختياره على الرئيس هاشمي رافسنجاني. استعادة تلك الصورة اليوم وحرارتها الانتخابية في شارع التهبت فيه الحسرة والرغبة معا، وتداخل التراث المأتمي في أساليب الشعارات والصيحات والحلقات الهتافية، وكأن البلاد تمر بيوم من أيام عاشوراء المجيد، فقد اختلط اللون الأخضر بالأسود في موكب مشهود احتاج فيه المرء للتركيز على من يؤيدون من؟ طالما الركض في الشارع وفي الساعات الأخيرة من إيقاف الحملة الانتخابية لكي يتحول يوم الجمعة إلى معركة حقيقية بالأوراق الصامتة من وراء ستارة أكثر صمتا وتاريخ أكثر غرابة وتعقيدا في تاريخ الثورات الإنسانية. لسنا هنا من يستطيع التكهن في ذلك الشارع وما الذي يخبئه من مفاجآت، فذلك أمر من الصعب التنجيم فيه . عاد فقراء الريف الإيراني لانتخاب نجاد والذي وعد في حملته السابقة أن يضع على مائدة كل الفقراء برميل من النفط كتعبير عن معالجة فقرهم ووضعهم المعيشي المتردي ؟ السنوات التي مضت لم تترجم تلك الأفكار والبرنامج الانتخابي إذ توزعت الميزانية بين الجيش والأمن والمتنفذين والمؤسسات التابعة للمحافظين ومشاريع نووية غامضة بميزانيات مجهولة يعلن عن رقمها الوهمي ! . ما تعكسه عدسات الإعلام محصور في طهران وهي الثقل الانتخابي والمؤشر الفعلي لاتجاهات الصراع، فيما ظلت مصابيح الأطراف البعيدة خافتة لا يعرف احد عن مصيرها وأين تتجه أصواتها هذه المرة، إذ حاول الرئيس قبل ستة شهور قبل الانتخابات القيام بمشاريع بدت كنوع من «الرشوة السياسية للسكان» فعلت الأصوات لماذا جاءنا الرئيس متأخرا !! فمثل تلك الانجازات العاجلة لن تزيل ركام من التخلف والبؤس الداخلي لدولة ثرية كان بإمكانها نقل إيران نحو تنمية أفضل بدلا من العيش داخل عزلة وحصار ومكابرة سياسية في عصر مختلف. الاتهامات المتبادلة بين المترشحين كانت عديدة ولكن محورها الأساسي إن موسوي محّورها في عبارة الفساد والمفسدين فيما ركّز نجاد عبارته ضد الآخرين كونهم «كذابين وعملاء للأجنبي» وهي لغة متوقعة في شارع سياسي منقسم حتى النخاع، عاش ويعيش لحظة سياسية وتاريخية ومفصلية ينتظر نتائجها العالم الخارجي والقوى الإقليمية، ففي متغير الوضع الإيراني لا بد وان تحدث متغيرات في الوضع العالمي سياسيا واقتصاديا وثقافيا . كان واضحا مدى تكثيف الإعلام الخارجي وبدبلوماسية شفافة وحذرة في دعمه للإصلاحيين مما أثار حفيظة الاتجاه المحافظ وبروز خطاب القوة والعنف والتهديد من جماعات الحرس الثوري فيما لو مالت كفة ونجح مير حسين موسوي وهي لغة كثيرا ما تبرز لحظة الشعور باحتمال فقدان الرئيس لمقعد الرئاسة . ولم يعد احد يجهل أهمية ودور الشباب في كل حملة انتخابية، فهم باتوا يشكلون الثقل المحدد لانتصار كل مرشح والثقل المؤثر في قوة الدفع والتغيير والمواجهة، دون نسيان القطاعات المجتمعية الأخرى والمستعدة في كل الأوقات للصراع والمواجهة، كالمثقفين والنساء والعمال والفلاحين وصغار التجار وشرائح المهن المختلفة. بإمكاننا أن نصف كل جولة انتخابية رئاسية في إيران بأنها اللحظة التي تضع إيران في المنعطف التاريخي، فكل ما نشهده من كرنفالية انتخابية قد لا نجدها بسهولة في أي بلد من البلدان النامية ولا حتى في أي بلد من بلدان العالم، لا في زخم الحماس والمواجهة ولا شكل المناخ والانفجارات المنتظرة والتوتر العالي والشديد في الناخبين، والذين يلتقون جميعهم في خشوعهم للمرجع الديني الأعلى التي قد تربك الولاء السياسي عندهم كلما أومأت تلك المرجعية بظلال خفية باختيار من ترغب و تميل . هذا التداخل الديني والسياسي وهيمنة الأول على الثاني في الحياة الداخلية والسياسية على الدولة والمجتمع كان سببا جوهريا في التدمير الايديولوجي والسياسي للثورة والجمهورية منذ اندلاعها . إيران المزدحمة بملفات كثيرة، والمشحون شعبها بأحلام كثيرة، وتطلعات للخروج من الاختناق المجتمعي والاحتقان السياسي، إذ صارت طاقة إيران الهائلة مبعثرة وضائعة في الفقر والتنمية البطيئة في عالم يركض بسرعة نحو الثورة المعلوماتية والمعرفة، ولن يتهيأ ذلك لإيران طالما ظلت محاصرة ومزولة عن تلك الثورة بكل تجلياتها العالمية، من انفتاح وتبادل دون حاجة للخوف من الأخر . هكذا تعلن إيران في الأيام القليلة المقبلة، وفي يوم الحشر السياسي الكبير من تاريخها، بان الهزيمة والانتصار يبقى درسا ديمقراطيا مهما في المنطقة والعالم، حتى وان كانت ناقصة ديمقراطيتها ومقيدة بسلطة عليا تحدد شروطها أولا ودرسها بوجه مشوه. الثقافة في إيران سلاح انتخابي أعمق، وقد ظلت على الدوام هي الخندق المستمر للمواجهة والتغيير، ولكن بوجوه وأشكال فنية عدة، كلعبة من العاب الخداع السياسي بأقنعة ثقافية جميلة كالرواية والقصة القصيرة والمسرح والسينما كأوعية تعبيرية وتحريضية صامتة وكامنة خرجت إلينا في لحظة الانتخابات.
 
صحيفة الايام
21 يونيو 2009

اقرأ المزيد

إيران .. على أعتاب تغيير قادم

دخلت إيران بعد يوم واحد من الانتخابات الرئاسية العاشرة الحالية مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر، سوف يؤرخ بالثالث والعشرين من خرداد 8831( حسب التقويم الفارسي)، الذي يوازيه في التقويم الجيورجي بالثالث عشر من يونيو .9002. هذا بالطبع لمن يعرف التاريخ الإيراني/ الفارسي جيداً ودرس النفسية المتمردة والعنيدة للشعب الإيراني طوال تاريخه المديد..الخصلة التي تتجسد في البداية بفترة سكون طويلة، تتسم بالكثير من الصبر والتحمل من قبل المواطنين الإيرانيين، يكتم خلالها الناس في صدورهم مشاعر من الغيظ والغضب المتأتي من الصراع الطبقي والتمايزات الاجتماعية والثقافية. ولكن بعد عقدين أو ثلاثة يتحول ذلك الغيظ المكتوم إلى اضطرابات تتوسع تدريجيا. أو قد يتحول الغضب- فجأة وبلا أية توقعات- إلى انفجار يكتسح الشوارع والساحات العامة في حراك اجتماعي (سياسي) شعبي عارم ومتميز، لم يلبث إلا ويتوسع – يوما بعد يوم- على شكل حشود بشرية مليونية، تصل إلى نقطة أشبه بعصيان مدني شامل يكون من الصعب السيطرة عليه، يؤدي في النهاية – آجلا كان أم عاجلا- إلى تغيير نوعي مختلف (إيجابا أو سلبا) ، يجد فيه المجتمع الإيراني نفسه في خضم دورة تاريخية/اجتماعية كاملة!
هذا هو مشهد التاريخ الإيراني الحديث ( ناهيك عن تاريخه القديم والوسيط )؛ الثورة الدستورية في مستهل القرن الماضي.. نهاية الدولة القاجارية في العشرينات (بدء ديكتاتورية بهلوي).. أحداث مستهل الخمسينات أي ثورة تأمين النفط الإيراني، التي فشلت نتيجة الانقلاب العسكري الأمريكي/ الرجعي.. ثورة ‘بهمن’ في سنة 9791 (عرفت بالثورة الإسلامية كتجربة جديدة في المنطقة).. والآن بشائر’ثورة تحديثية’ في العقد الأول من الألفية الثالثة ضد الدولة الدينية الأحادية الحالية ( سلطة ولاية الفقيه المطلقة) حيث باتت نتائجها الآنية غير معروفة، ولكن تداعياتها القادمة – في الأفق المنظور- معروفة سلفاً.. بمعنى أن شوارع طهران والمدن الإيرانية الأخرى سوف تقرر المصير التاريخي لأفول أيدلوجية ‘الإسلام السياسي’ المتطرفة والأحادية، بنفس الدرجة التي بثت (الثورة الإيرانية) الروح في الحركات ‘الإسلامية’ المتناثرة، في طول المنطقة وعرضها، قبل 03 عاما! والمفارقة الغريبة.. أو الملاحظة الجديرة بالتأمل (المادة الخام الغنية والفريدة لدارسي علم السوسيولوجيا).. هي أن الاحتجاجات الشعبية الإيرانية تبدأ عادة بشوارق بسيطة من الاضطربات العادية الروتينية ( موجودة في كل المجتمعات)، التي سرعان ما تتحول – كما أسلفنا- إلى فوران من الغضب الشعبي، تتحول لمظاهرات جماهيرية لا تعرف الاستكانة.. تتمترس كلها خلف شعارات ومطالب راديكالية لا تقتنع بالحلول الوسطية، ولا تقف في منتصف الطريق مهما كان الثمن ومهما طال الزمن.
انشطرت الآن النخبة الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية إلى قسمين لدودين، كاستجابة لانقسام المجتمع (أفقيا وعموديا) بعد أن بات من المستحيل تقريبا؛ حدوث تغيير تدريجي نحو الحريات الديمقراطية والمجتمع المدني والتعددي بالطرق السلمية والقانونية، بسلك الدروب الانتخابية العادية. ومرد ذلك أن ‘اليمين الرجعي’ الماسك بزمام الأمور، بقبضة حديدية منذ 5002 قد أغلق الباب نحو التطور الطبيعي للتغيير الموضوعي والتقدم في الساحات السياسية/ الاجتماعية/ الاقتصادية/ الثقافية. وسوف لن يسمح أبداً بحدوث أو بتكرار نتيجة مشابهة للانتخابات الرئاسية المشهورة في اليوميات الإيرانية بملحمة ‘2 خرداد 6731′ ( 7991 ميلادية) حينما اكتسح الديني المتنور’ خاتمي’ تلك الانتخابات ليصبح أول رئيس جمهورية إصلاحي. والملاحظ أنه ومنذ مجيء ‘نجاد’ في سنة 5002 إلى السلطة، مروراً بسيطرة المحافظين المتزمتين على مفاصل النظام في الانتخابات البرلمانية سنة 8002 ، جرت عسكرة النظام بقيادة ‘الحرس الثوري’ و’البسيج’، حيث صار لهما اليد الطولى للسيطرة الشاملة على كل مناحي الحياة في إيران ومنها نتائج الانتخابات ‘المسرحية’ هذه ( حسب تعبير المعارضة). وإذا صحّت المعلومات التي أفادت بها المخرجة السينمائية الإيرانية المشهورة ‘ سميرة مخملباف’ في باريس قبل أيام على إثر خروجها من إيران بعد الأحداث الأخيرة في معرض روايتها وتفسيرها، كونها شاهدة عيان على ما حدث بالضبط.. حين لخّصت بأن المسألة عبارة عن انقلاب عسكري على الشرعية والقانون في إيران!.. وروت مباشرة للفضائية ‘العربية’ أنه في مساء يوم الانتخابات كان قد جرى اتصال رسمي من قبل اللجنة الانتخابية بـ ‘مير حسين موسوي’ ليعلنوا له عن فوزه في الانتخابات، الأمر الذي حدا به إلى نقل ذلك الخبر لمؤيديه وناخبيه، ولم تمر إلا فترة من الوقت حتى اقتحم عليه ضباط مدجّجين بالسلاح من الحرس الثوري ليفرضوا عليه نتيجة مغايرة مع تهديد مبطّن!
لعل خير تسمية للحركة المعارضة الحالية هي؛ ‘انتفاضة الناخبين’ المسروقة أصواتهم، التي اتسمت بمزايا عديدة -قديمة وجديدة- تتلخص في؛ مشاركة نسوية وشبابية متميزة / تكتيك سلمي عالي الحِرفية يقابل الخطط الجهنمية لوزارات الداخلية والإعلام والمخابرات في محاولاتها المستميتة لجرّ المسيرات لشِرك التخريب بواسطة القمع الشديد المباشر (مجموعة من الضحايا المقتولين حتى الآن) والعسف المتمثل بغارات ليلية على المواطنين العزّل، خاصة الطلاب / الاستفادة المثلى والظرفية من مزايا الانترنيت والهواتف النقالة للتواصل وتغطية تطورات الأحداث وترويج شعارات الحركة بالرغم من ‘غول’ الحظر المتواصل من قبل العناصر الأمنية للحد من تسرب الأخبار المسموعة والمرئية خاصة.. بجانب مزايا أخرى عديدة. إلاّ أن سمة جديدة قد برزت في الانتفاضة الحالية لم تكن موجودة من قبل.. هي تراجع واضح لدور المؤسسة الدينية التي كان لها دائما سهم كبير فيما بين ثورتي ‘الدستورية’ و’بهمن’ ، ولو أن الرموز الدينية المعارضة تقود هذه الحركة من الناحية الشكلية، حيث بات واضحا أن حركة الشارع متقدمة على الزعماء الإصلاحيين الذين ما انفكوا يطلبون من الناس أمور معينة لا تجد لها آذان صاغية-على الدوام- من قبل المتظاهرين. وأضحت صرخات الجموع هذه أشبه بحركة مدنية راديكالية ذات صبغة علمانية وعصرية واضحة !

صحيفة الوقت
20 يونيو 2009

اقرأ المزيد

ثلاثون سنة من التجريب

أدت الأحداث الإيرانية الراهنة إلى خلق نوع من الصاعقة السياسية في الكثير من الأوساط التي فوجئت بأن عوامل الصراعات السياسية الحادة من الممكن أن تقتحم بقوة الجسد الفارسي (المقدس)، الذي صُور خلال عقود ثلاثة بأنه خارج مثل هذه العمليات البشرية الأرضية (الوضيعة).
وككل ثورة شرقية تـُضفي على نفسِها مثل هذا البخور الغيبي، عليها أن تدفع ثمن هذا التجاهل لحاجات البشر العادية ولتغييب الوعي الموضوعي بالعملية التاريخية الصراعية بين الحاكمين والمحكومين، بين كبار الأغنياء وبحر الفقراء، بين الإدارة الشمولية وحاجات الشعب الملحة.
وإذا كانت الأحداثُ السياسية بطبيعتِها المفاجئة تتركزُ الآن فيما هو سياسي مهم، وهو عملية التزوير في الانتخابات لصالح مرشح السلطة، وأن الشعبَ نزل للشوارع ضد هذه الطبخة السيئة، إلا أن مجريات التاريخ القادم سوف تتعدى مثل هذا الحدث وسوف تطرحُ أسئلة عن مستقبل الدولة الدينية الشمولية، وعن مسائل الإصلاح في الملكية الحكومية المركزية وامتداداتها العسكرية، وعن الحكم المذهبي وخطورته على البلد، أي بلد، وأن الحداثة والعلمانية والوحدة الوطنية والعدالة في توزيع الفوائض الاقتصادية الحكومية، هي مسائل أولى على الخريطة السياسية لأي بلد شرقي.
ومن الواضح كذلك أن المظاهرَ العفوية لهذه الانتفاضة تحددُ بعضَ ملامح الأجسام الاجتماعية التي دخلتْ حومة الصراع، فالشباب هو القوة الأساسية، والفئات الوسطى المدنية في طهران هي التي تقودُ هذا التحرك، وهذا يطرحُ أهدافاً سياسية مباشرة وهي إلغاء نتائج الفرز المزور للانتخابات، وتقف الأهداف عند هذا الحد الظاهري.
لكن ما هو متوارٍ أبعد من ذلك بكثير، فهناك سلطة المرشد وظله الأرضي الرئيس المزور له، ومباركته السريعة والقوية لهذا تضعهُ في دائرة المساءلة، ومن هنا تتكاثر الأصواتُ بأن يكون المرشد تحت القانون لا فوقه.
وهو أمرٌ لم يسبق أن طـُرح، وهكذا فإن الدولة الدينية الشمولية غدت هي موضع التساؤل الشعبي الواسع والحاد، وتتصارع المراجعُ بين مؤيد ومعارض، لكن أغلبية المراجع المحافظة المؤيدة للسلطات التي لا تـُحد للمرشد توضح هذا العناق بين الآراء المذهبية المؤيدة للاستغلال الطويل والعتيق للعامة، ومحدودية الآراء الدينية الديمقراطية المصارعة لهذا الاستبداد، لكن مع ذلك هذه بداية فقط وعملية تجديد إيران ديمقراطيا مسألة تاريخية طويلة.
إن السلطة الدكتاتورية في قمة الهرم غدت محل تساؤل، ونزول الجمهور إلى الشوارع بهذه الملايين التي لم تحرق إطاراً أو صندوق قمامة، هي تحد لقرارات المرشد بدرجة أساسية وان حاول أن يلتفَ عليها ويبعدها عبر إجراءات غير ذاتِ قيمة مع موافقته السياسية السريعة غير الحكيمة على التزوير.
لم يعد العلمانيون والأمريكيون والتقدميون هم الذين ينتقدون النظام الآن، النظام تنتقدهُ جماهيرُ الشعب الإيراني نفسه.
وليست الأهداف مشتركة بين خصوم إيران الكثيرين الذين يتوجه العديد منهم لتحطيم منجزات ثورة مهمة في المنطقة، ويريدون سحق إنجازاتها وآثارها، فهناك من أشار كثيراً إلى تلك السلبيات وعارض الدولة الأتوقراطية ولم يعارض نضال الشعب أو مذهبه الديني.
لقد نزلت الأحداث الإيرانية قبل ثلاثين سنة كصاعقة أخرى كبيرة مشتعلة بالبروق والوعود، وتوجهت الأفكار الدينية المحافظة لجعلها خارج التاريخ، وخارج الدرس، وخارج العقل.
وصارت موجة كبيرة فاقمت التوجه الغيبي السحري نحو الدين، ووسعت بشكل لم يسبق له مثيل الصراعات الطائفية في المنطقة، وغدا معسكرا السنة والشيعة بارزين بشكل مؤسف ومتنام في كل مظاهر الحياة، فتخربت شعوبٌ وبيوتٌ ونضالات بسبب هذه الأساطير.
وفي النهاية فإن الرأسمالية الحكومية الفارسية دخلت في ظروف الحياة العادية، وسقطت من التحليق السماوي إلى شؤون البشر من أجور وغلاء وفقر ومصانع عديدة منتجة وتفاقم لسلطات البيروقراطية ولعلماء الدين والعسكر، واستخدمت في ذلك قوانين قمعية من خلال فهم ديني سطحي، وتكشفت عن نفس ما جرى في الدول الشرقية ذات الملكيات الحكومية الشمولية، مع فقدها أدوات التصحيح، واستغلت القوى الوسطى الثغرات السياسية في النظام لكي تنفذ من خلالها لعملية تغيير مواكبة للعصر.
وتظل العملية السياسية الصراعية في مستواها الراهن الآن بأنها تعبير عن قيادة فئات جاءت من استغلال النظام ذاته، فالذي يجري هو صراعاتٌ بين أجنحة الطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج الحكومية، التي هي الكبرى في إنتاج الثروة، وهي بالتالي تضع مسار الأحداث في يديها مركزة في تحويل محدود في السلطة الحاكمة.
لكن هذا التغيير المحدود في السلطة جائز له أن يتوسع، خاصة مع جمود أجهزة مؤسسة المرشد ومؤسسة الرئاسة، وأن ينفتح الصراع على قضايا كبرى، وكلما بقيت القضية ساخنة مطروحة في الشوارع، دخلت قوى اجتماعية أخرى في أتونها، ومضت إلى مناطق جديدة من الخريطة الإيرانية، وطرحتْ مسائل جذرية في المطالب الشعبية.
ولهذا كله تأثيرات بالغة في مستقبل السياسة الإيرانية والروابط الهشة بين القوميات داخلها، وفي برامجها التسليحية الخطيرة وفي حلفائها السياسيين المرتبطين بتلك الحلقة من الرؤى الشمولية السياسية في بلدانهم. فللمركز في صعوده تصعيد لقوى سياسية وكويكبات وشهب صغيرة وفي انحداره سقوط كذلك لتلك الكويكبات والشهب الناتجة من اشتعاله الأول، فإما أن تبحث لها عن مسارات جديدة وإما تتساقط في جوانب الأرض محدثة الانطفاءات والحرائق الأخيرة.
إن متابعة الأحداث الإيرانية وقراءة أعماقها وآثارها وعلاقات المذهبية بالسياسة، وعلاقات الإصلاح الاقتصادي بالمركزية، ورؤية كيفية الصراع بين القطاعين العام والخاص، وكيفية تطور الأدوات التعبيرية والسياسية والاجتماعية، كل هذه المسائل لابد أن تـُدرس بعناية خلال الفترة القادمة.

صحيفة اخبار الخليج
20 يونيو 2009

اقرأ المزيد

أي مستقبل للخليج؟

سؤال دقيق، وليس أدق منه ولا أصعب سوى الإجابة عنه، فصورة هذا الخليج تغيرت جوهريا وهي تتغير، لو عقدنا مقارنة بين ما كان عليه قبل عقود من الآن وبين ما هو عليه الآن. صحيح أن التغييرات الجذرية، التي كانت أشبه بانقلاب اقتصادي اجتماعي وقيمي، لم تحدث إلا في العقود القليلة الماضية، لكن هذا لا يغير كثيرا من الأمر، فالخليج اليوم لم يعد خليج الأمس. ورغم إدراكنا العميق بأن التحولات العاصفة التي شهدناها لم تذهب إلى عمق البنى الموروثة من الماضي، فإن المكابر وحده من ينكر أن هذه البنى التقليدية قد اهتزت تحت تأثير رياح التحديث القوية التي هبت على بلدان المنطقة، فأنشأت وقائع وحقائق جديدة على الأرض. ولأن نتائج هذا التحديث لا تظهر مرة واحدة وبصورة فورية بالضرورة، فإن ما يعتمل في أحشاء مجتمعات الخليج من بوادر تغيير وتحول مستقبلي لا بد من إعداد العدة له منذ الآن، سواء من قبل شعوب المنطقة أو حكوماتها، خاصة أن وتائر التطور الراهنة وحجم التحديات المطروحة مختلفة عن تلك التي كانت حتى حين، فما نجتازه اليوم في عقد واحد من السنوات كنا في الماضي نحتاج إلى عقود كي نقطعه، وبالتالي لم يعد من الجائز الركون إلى بطء التحولات في الماضي واعتمادها وحدة قياس للمستقبل الذي يتطلب وحدات قياس من معدنه بما يتلاءم وصورته المغايرة لما ألفناه حتى الآن. لقد أنجزت دول الخليج بنية أساسية متطورة تشمل مرافق مختلفة من طرق وموانئ ومطارات ومشاريع اقتصادية كبيرة، كما تكفلت الحكومات بتقديم خدمات اجتماعية واسعة في مجالات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية، وجرى الحديث عما وصف بدولة الرفاه في الخليج. ومن دون التقليل من حجم هذه الانجازات فإن التعويل عليها وحدها ليس كافيا، لأن دولة الرفاه هذه لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية، فضلا عن أن المخاطر الخارجية المحدقة بالمنطقة، وانكشافها على الخارج يجعل من هذه المكتسبات ذاتها في خطر تحت تأثير أي عامل مفاجئ، وفي التاريخ القريب للمنطقة من الأمثلة المدوية ما هو كاف للاتعاظ. إن حماية ما حققته دول المنطقة من انجازات وتطويرها والاستفادة من البنى التي شيدت وأنفق عليها الكثير تتطلب موازاتها بتطوير عميق في البنى السياسية لهذه الدول، واستباق الأحداث والضغوط عبر تطوير أشكال المشاركة الشعبية، وإيجاد آليات للرقابة على أداء السلطة التنفيذية، وإشراك شرائح المجتمع الجديدة، من الشباب والنساء والمثقفين والتكنوقراط وسواهم في إدارة شؤون الدولة والمجتمع عبر إيجاد الآليات التي تتيح مشاركتهم الفعالة، بما في ذلك عبر الأجهزة التشريعية والبلدية المنتخبة، والنهوض بمستوى التشريعات والقوانين وعصرنتها من خلال الاستفادة من الكفاءات الوطنية المخلصة. إن أنصاف الحلول أو التدابير الشكلية لن تحقق النقلة المنشودة في اتجاه البناء الديمقراطي الجدي الذي يتطلب تنازلات جوهرية من مؤسسات الحكم عن بعض سلطاتها وثرواتها لشعوبها، ليس فقط بما يستجيب وضرورات بناء دول دستورية وتمثلية في عالم اليوم المتحول، وإنما أيضا بما يؤمن استقرار أوضاع بلداننا وتأمين صلابة وتماسك جبهاتها الداخلية.
 
صحيفة الايام
20 يونيو 2009

اقرأ المزيد

ذهب نجاد وجاء موسوي.. ما الفرق؟

الجميع القريب والبعيد، العدو والصديق، يتابع باهتمام ما يجري في العاصمة الايرانية طهران، بعد مفاجآت تحركات الشارع الايراني عقب اعلان نتائج انتخابات الرئاسة التي رجحت فوز نجاد بأغلبية كبيرة، مقابل خسارة المرشح الاصلاحي مير حسين موسوي. توالت الاحداث والكل يتابع، هل يفوز الاصلاحي أم يبقى المحافظ في منصبه، وتحمس الكثير من الشباب العربي وحتى البحريني على الاقل ممن يتمنون فوز جناح الاصلاح على المحافظ في كل الاقطار ليس في ايران فقط، تمنوا ان يصل موسوي الى رئاسة الجمهورية الاسلامية لعلهم يرون ايران اصلاحية متحررة كما هو شعبها. ولكن، بالنسبة لي لا يختلف الامر سواء كان نجاد في الرئاسة ام موسوي وجماعته، لأن الامر سيان، مادام النظام هو النظام، والدستور هو الدستور، فمن يحدد الخيارات الاستراتيجية ليس نجاد وليس موسوي، بل ان من يحيد عن النهج الذي يراه المرشد بأنه خط الولاية سيكون في اليوم الثاني في منزله، يبحث عن عمل له، وبالتالي لن تجد موسوي يقلل من البرنامج النووي، ولن تجده من المغيرين لنظام الملالي، بل هو أعلن اكثر من مرة، انه ابن الخميني، اي ابن النظام الاسلامي الذي أطاح بالشاه في السبعينات. إذا اين سيكون وجه الخلاف بين موسوي ونجاد؟ في نظري ان الخلاف سيكون داخليا فقط، اي ان نجاد سيجمد الملفات التي يريد ان يحركها الشعب الايراني خصوصا الجيل الجديد المنفتح، باعطائهم الحرية الاكبر في اللباس والفن والغناء والسينما، بدلا من ان يأمر نجاد قوات معينة بدخول (البازار) ومصادرة الحجاب القصير الذي ترتديه الفاتنات الايرانيات. بينما قد لا نجد موسوي يتفاعل مع هذه المواقف، وقد لا نجده اكثر انغلاقا على الشباب، او حرمة للحجاب القصير، او اعطاء مساحة أكبر للشرطة للتعامل بحسب ما يراه البعض أمرا بالمعروف او نهيا عن المنكر. لذلك فإن الفرق سيكون داخل المجتمع الايراني وليس بما يتعلق بالعلاقات الخارجية ولا الملفات السياسية المختلف عليها، ولا فيما يتعلق بدعم ايراني لميليشيات او حركات سياسية هنا وهناك، فالسياسة العامة يرسمها المرشد الاعلى.
 
صحيفة الايام
20 يونيو 2009

اقرأ المزيد

قوانيــــن البيئـــــة!!

ما هو المطلوب عمله لاتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية البيئة؟ ما اسباب عدم فعالية قوانين البيئة عندنا؟ ماذا تفعل القوانين والتشريعات البيئية من دون رقابة وخطوات جزائية رادعة؟ تلك هي الاسئلة التي ينبغي طرحها؛ لان البيئة وعلى الاخص البيئة البحرية اصبحت أكثر تلوثاً والامر الآخر ان قوانين البيئة تعد اليوم اكثر تجاوزاً!! لا نريد ان تذهب بعيداً ونصور البحرين كما لو انها مقدمة على كارثة بيئية في المدى القريب وخاصة في ظل المتغيرات المناخية التي يشهدها العالم ولا نريد ايضاً القول ان البحرين ليست لديها قوانين وهيئات حكومية واهلية لحماية البيئة ولكن كل ما نريد قوله وبايجاز ثمة تجاوزات صارخة للبيئة وبالتالي كيف نتعامل معها؟ وكيف نتعامل مع المخالفين والمتجاوزين لقوانين البيئة؟ هذا بيت القصيد او هذا ما يشغل بال المدافعين عن البيئة، صحيح ان تلوث البيئة مشكلة عالمية اذ اصبحت مخاطرها تهدد البشرية ما لم تكن هناك مواجهة فعلية لهذه الكوارث الناتجة عن اسباب عدة وخاصة في الدول الصناعية الكبرى وان كان هذا التلوث تأثيراته متفاوتة بين دولة واخرى فان قوانين تلك الدول صارمة جداً وبالتالي فلا غرابة ان نجد العقوبات هناك رادعة. ومثل هذه العقوبات يمكن ان تطبق في البحرين ويمكن ايضاً ان نقلل من خطورة التلوث باصدار قوانين وقرارات تمنع اقامة مصانع ملوثة للبيئة قريبة من التجمعات السكنية ونحاسب كل من يعبث بالبيئة البحرية والحياة القطرية. ويمكن القول ان قرية المعامير والقرى المجاورة لها ليست إلا دليلاً ساطعا على التلوث البيئي الناجم عن الغازات المنبعثة عن المصانع القريبة من هذه القرى، والمأساة ان المواطنين في هذه القرى هم اليوم اكثر عرضة لخطر التلوث.. هذه ليست مزاعم بل حقائق اثبتتها الدراسات البيئية والفحوصات الطبية. اما فيما يتعلق بتدمير البيئة البحرية فحدث ولا حرج، اي ان هذه البيئة باتت مسرحاً لمخالفات كبيرة وهذا بالفعل ما يثير المخاوف وذلك لتعاظم اخطار هذه المخالفات!! وازاء هذه المشكلة يؤكد مدير مركز المساعدة المتبادلة للطوارئ البحرية التابع للمنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية «روبمي» عبدالمنعم جناحي على وجود مخالفات كبيرة لدى السفن النفطية والتجارية في مياه البحرين، ويؤكد ايضاً ان المركز لديه صور بالاقمار الصناعية حول هذه المخالفات التي تتمثل في رمي تلك السفن مخلفاتها في المياه الخليجية عامة. وعلى جانبه آخر، حذر جناحي قائلاً: هناك بعض التسريب في حاملات النفط العملاقة وان هذه المخلفات تشكل خطراً على البيئة البحرية والفطرية وبالتالي ينتقل الخطر للانسان الذي يعتاش على الاسماك بشكل كبير في البحرين ودول الخليج وان هذه المخلفات قد تسبب الكثير من الامراض في حال عدم وضع حلول رادعة لهذه السفن.. وفي هذا الصدد يضيف قائلاً: نحن نرصد المخالفات في المركز عبر الاقمار الصناعية ومن ثم ترفع المخالفات بالصورة للدولة، حيث تقوم اجهزتها بمراقبة السفن المخالفة وانذارها بالمخالفة بدفع (50) ألف دينار بحريني معتبراً ان سعر المخالفة هزيل وضعيف وغير رادعٍ مقارنة بما هو موجود في اوروبا حيث تصل غرامة المخالفة لملايين الدولارات. وفي اطار ما قاله «جناحي» يمكن القول ان البيئة البحرية والبيئة عموماً حمايتها تحتاج الى قوانين فاعلة رادعة تطبق على الجميع بمعنى لا تهاون مع المتسبين في تدمير البيئة.. ومن هنا تأتي اهمية فرض العقوبات الصارمة لكل من يرفض الاستجابة لقوانين البيئة. والمغزى من هذا الكلام ان الحلول لمشاكل البيئة يفترض ان تكون في مقدمة اولوياتنا. وأخيراً ان حماية البيئة من التلوث تتوقف على الرقابة وتنفيذ القوانين تنفيذاً صارماً وعلى الوعي باهمية هذا الهدف الحضاري وعلى مناهجنا التربوية والتعليمية التي يفترض منها ان تعلم الطفل الحفاظ على البيئة يعني الحفاظ على الانسان وعلى برامجنا الاعلامية ومنظمات حماية البيئة والجهات الاخرى المهتمة بالبيئة.
 
صحيفة الايام
20 يونيو 2009

اقرأ المزيد

خطورة أن يكون التصدي للتجنيس طائفيا!


سيظل ملف التجنيس لدواعٍ سياسية يستحق وقفات، لا وقفة واحدة، لأنه من المعيب أن يجري هذا التجنيس، بالصورة التي يتم بها، وسط صمت المجتمع ولا مبالاته أو تغاضي فعالياته السياسية والاجتماعية عنه.

ويهمنا هنا التأكيد على خطورة أن يكتسب التصدي لملف التجنيس طابعا طائفيا، وفي عبارات واضحة أن يبدو  من يعارض التجنيس هم النواب الشيعة أو الجمعيات ذات الطابع الشيعي أو الجمهور الشيعي فقط ، فيما تلوذ الجمعيات السنية والنواب السنة أو حتى الجمهور السني بالصمت إزاء ما يدور.

وقولنا هذا يحمل معنى مزدوجاً، بمعنى أن على الجمعيات السياسية المتصدية للتجنيس، بصورته المريبة، أن تسعى، ما أمكنها، وأن تبذل من الجهود، ما في وسعها، لكي لا يكون التصدي للتجنيس شيعياً، فتبدو المسألة كأن الشيعة يعترضون على تجنيس آسيويين أو عرب لأنهم سنة، وللأسف فان هذا المنزلق قائم ومظاهره ليست قليلة، ومن جهة أخرى تبدو الجمعيات والفعاليات المؤثرة في الجمهور السني تتعاطى مع الأمر وكأنه لا يعنيها، طالما كان هدفه المتداول إحداث “توازن” طائفي في البلد، على نحو ما يشاع.

أي مقاربة طائفية، من هنا أو هناك، ستكون مقتلا ً للتعاطي الصحيح مع ملف التجنيس الذي ورطت الدولة به مجتمعها وفق حساب خاطئ .نحن ندعو للنظر إلى هذا الملف من زواياه المختلفة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

سياسيا تخطيء الدولة إذا كانت تفكر أنها بهذا التجنيس تضمن كتلاً موالية تعول عليها في ترجيح كفتها، لا في الانتخابات وحدها، وإنما في الحساب السياسي العام. الدولة ليست مضطرة أبدا لأن تستقوي على مجتمعها الأصلي بسنته وشيعته من خلال هذا التجنيس الخالي من الضوابط ، بل أن المجنسين بالنظر إلى البيئات المحافظة وقليلة الحظ من التعليم والثقافة التي يجري اختيار المجنسين منها يمكن أن يشكلوا قنبلة موقوتة لن تكون الدولة ذاتها بمنجاة من آثارها، وهناك مؤشرات أولية على ذلك.
 إن الطريق الأجدى والأسلم على المدى المنظور والبعيد هو في تعزيز التصالح مع المجتمع وتكريس فكرة الشراكة معه.وهذا أمر قلنا فيه الكثير .

اجتماعياً، التجنيس بالصورة التي يتم بها، سيجر تبعات اجتماعية ستظهر آثارها المدمرة بعد حين لن يطول، فالفكرة ليست في منح الجوازات وتوزيع الجنسيات على كل من هب ودب، وإنما في سياسة الدمج الثقافي والروحي في المجتمع، وهذه مهمة صعبة، لكي لا نقول مستحيلة، لأن من يجنسون هم في الغالب الأعم مجموعات خارج السياق المحلي الراسخ ومتنافرة مع نسيجنا الوطني .

اقتصادياً، نحن دولة تشكو من قلة الإمكانيات ومن صغر المساحة ومن الكثافة السكانية العالية ومن نقص الخدمات الضرورية للمواطنين في السكن وفرص العمل والخدمات الطبية، وبدلا من إتباع سياسة تنموية متوازنة قائمة على زيادة الوعي بالحد من التناسل، والارتقاء بالخدمات، واحتواء مظاهر الفقر المدقع، نجدنا نغرق البلاد بقوافل من المجنسين الجدد الذي لا يجمعهم جامع مع المجتمع .

هذه هي الأبعاد التي يجب أن تكون محور أي تحرك مضاد للتجنيس، وهي أبعاد تعني المجتمع كله، سنة وشيعة، فحذار من ” تطييف” ملف التجنيس بجعله ملفاً يعني الشيعة وحدهم ، وإن لم يجر تفادي ذلك فلن يعطي أي تحرك أكله المنشود .
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد