المنشور

الإسلام والضوضاء

إذا ما نحينا جانبا الأمراض الوراثية التاريخية والمزمنة فمن نافلة القول إن جل الأمراض والأوبئة المعاصرة التي تصيب الإنسان ناجمة عن التلوث بكل أشكاله، بدءا من تلوث الهواء بثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين وأول أكسيد الكربون، ومرورا بتلوث الهواء بعادم السيارات والرصاص والضباب الدخاني والشوائب والأمطار الحمضية، وليس انتهاء بتلوث المياه بمختلف أشكال التلوث من مخلفات وبقع زيتية ومياه صرف وغيرها.
ومع ان التشريعات وآليات الرقابة والضبط والعقوبة والمحاسبة إزاء ظواهر وأشكال التلوث المتقدم ذكرها مازالت غائبة أو شكلية وضعيفة في دولنا العربية إلا أن تلوث الهواء – إن جاز التعبير – بالضوضاء يعد أكثر أشكال التلوث إهمالا من الدول ومنظمات البيئة ومؤسسات المجتمع المدني مع أنه تلوث يمكن إدراجه ضمن ضروب التلوث المسببة للأمراض.
وإذا كانت أشكال التلوث الأخرى كافة يمكن تبريرها بانعدام الوعي الصحي والبيئي في العالم الثالث وبسطوة التصنيع والمدنية الحديثة وجرائم الشركات المتعددة الجنسية المنفلتة من الرقابتين الوطنية والدولية فلعل مما يزيد الأمر خطورة فيما يتعلق بالتلوث الضوضائي حينما يجرى فرض بعض مظاهره على الدولة والمجتمع بقوة الحصانة الدينية وباسم الإسلام، فهل يمكن أن يكون ديننا الإسلامي مصدرا ومسببا من مصادر ومسببات التلوث بمختلف أشكاله؟
معاذ الله أن يكون كذلك، فهو الدين الذي قامت عليه أعظم وأنبل الحضارات التي شكلت المرجعية الأساسية للحضارة العالمية المعاصرة، ولكي ندخل في صلب الموضوع فإن ما يفرض من مظاهر ضوضائية من مكبرات الأصوات في المساجد والمآتم والجوامع ويمزق سكون الناس ليل نهار باسم الإسلام هو ليس من الإسلام بشيء، بل يشوه سمعة هذا الدين العظيم والإسلام براء من هذا التصرف اللاحضاري.
ولقد كتبنا غير مرة هنا منذ تسعينيات القرن الماضي حول هذه الظاهرة المؤسفة وناشدنا عقلاء وحكماء القوم في النخبة الدينية والفقهية استخدام أقصى أشكال نفوذهم للإسهام في وضع حل لها ولكن لا حياة لمن تنادي مادمنا نؤذن في مالطة، ومن المؤسف حقا أن البحرين تكاد تنفرد ما بين كل الأقطار الإسلامية بتفشي وتفاقم هذه الظاهرة على نحو فوضوي سائب خطير منفلت من أدنى الضوابط والقيود رغم وجودها بالطبع في كل تلك الأقطار لكن بدرجات متفاوتة وأقل حدة وشيوعا مما هي متفشية ومتفاقمة لدينا.
وأحسب أن الجميع يدرك جيدا الأسباب والحساسيات التي تكمن دون تمكن الدولة من فرض سلطتها وسلطة القانون للحد من الظاهرة وشعور الناس الأبرياء ضحايا هذه الضوضاء بأنهم مغلوبون على أمرهم، لا حول لهم ولا قوة، والدولة بدورها خصوصا تدرك جيدا لماذا هي عاجزة عن فرض سلطتها القانونية، وبالتالي تستطيع إذا ما أرادت تحقيق هذا الفرض من دون ممالأة لأي طرف، ومن دون خوف أو وجل من حساسية طرف آخر أو طائفة.
بهذه المعاني والدلالات كلها فإن دعوة الشيخ محمد علي الستري الناصحة في مجلس الشيخ سليمان المدني الرمضاني بجدحفص إلى احترام القوانين والأنظمة المتبعة في استخدام مكبرات الصوت، وقبلها دعوات ومناشدات مجلس الأوقاف السنية بمراعاة الأنظمة والقوانين في هذا الشأن لا يمكن أن يكون لها صدى فعلي وتجاوب ملموس من جميع الفئات على أرض الواقع بعيدا عن توافق اجتماعي ديني عقلاني يرتفع فوق العصبيات والحساسيات الدينية المريضة ويكون لعقلاء القوم صوتهم المسموع، وصولا إلى أن يكون للدولة كلمتها الفاصلة لفرض هيبتها وسلطتها القانونية التي تجبر الجميع على احترامها دونما تشكيك في ممالأتها لهذا الطرف أو محاباتها لذلك الطرف.
قبل أيام قليلة شاهدت تحقيقا تلفزيونيا مصورا بمدينة غزة تحت عنوان “المسحراتي في غزة تاريخ ممتد من العصر الفاطمي”، وإذ استمتعت بمشاهدة ثلة من الغزاويين الشباب وهم يؤدون على نحو منظم وبديع بالدفوف والطبول تقاليد هذه العادة الرمضانية العريقة الجميلة معتمرين الطرابيش الحمراء العثمانية التاريخية ومرددين الأدعية والأهازيج الشعبية الدينية الفلكلورية التقليدية ومنادين بأسماء الصائمين للاستيقاظ، فقد أعجبت أيما إعجاب بتصريح أحدهم للمراسل التلفزيوني بأنهم يحرصون على تأدية هذه العادة الرمضانية الحميدة سنويا بهدوء وأقل ازعاج ممكن خارج عن الإرادة، يحدث ذلك في مدينة محاصرة قلما نعمت بالهدوء والسكينة، ولطالما تعرضت لدوي كل أشكال القذائف والقنابل الإسرائيلية العنصرية التي تصب حممها على بيوت السكان الآمنين.
على النقيض من ذلك فقد حضرت قبل نحو عامين محاضرة تاريخية للدكتور عيسى أمين بمركز جدحفص الثقافي تعذر عليه في أكثر من مرة الاستمرار في متابعة إلقائها بسبب الارتفاع الحاد جدا لمكبر صوت في مأتم صغير مجاور لخطيب كان يحيي عادة حسينية عادية هي من “النوافل”، وكان صوته يطغى على صوت المحاضر أمين، وكأني عندها بلسان حال الجميع المبتسمين حرجا والمشدودين بشغف كبير إلى المحاضرة التاريخية العلمية الممتعة يقول “حسبنا الله ونعم الوكيل” تأففا وضجرا من هذه الظاهرة السلبية المزمنة التي تصادر أبسط حقوقهم.
فهل نأمل قريبا أن ترتفع الأصوات الدينية العقلانية الحكيمة المتحضرة المنددة بالتلوث الضوضائي باسم الإسلام على أرض جزيرة صغيرة يفترض أنها وادعة تنعم بالأمن والطمأنينة والسكون أسوة بثلة الشباب المسحراتية في غزة الجريح الصامدة المحرومة مما ننعم؟

صحيفة اخبار الخليج
17 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

المومياء وجدل التاريخ المفقود

في عرضه الجميل لفيلم “المومياء” في قناة فن الفضائية، يحلل الأستاذ إبراهيم عيسى الفيلم عبر إحساس مرهف بوجود إشكالية ما في هذا الفيلم الكبير.
إنه يقرأ إشكالية سطوح هذا الفيلم، وكيف أن فيلماً يمثل الصعيد الجواني يتكلم بلغة عربية شديدة الفصاحة والسلامة اللغوية، كذلك فإنه يعبر عن سنة أولية في القرن التاسع عشر فكيف يتكلم الممثلون الريفيون الأشداء لغة عربية تفتقد أي خطأ نحوي.
وهو يلاحظ هذا التباين بين ما يُفترض أنه يمثلُ الريف وبين المظاهر الاجتماعية واللغة الفنية التي لا تفصح عن ظواهر حياة الريفيين.
تتلخص قصة الفيلم في قيام قبيلة الحربات بإخفاء سر عميق في باطنها الأسري الممتد عبر مئات السنين، والسر هو سرقتها للمومياوات المحنطة في عمق الجبل. ويحكي حدثُ الفيلم كيف يموت أحدُ الكبار في القبيلة، وكيف يظهرُ الجيلُ الجديدُ الذي لا يعرفُ سرَ القبيلة الخطير، ثم يكتشفُ رويداً رويداً سرقة القبيلة لآثار المصريين القدماء، وهو مرتعبٌ، من دون أن نعرفَ لماذا يرتعبُ من ذلك، وخاصة ممثل هذا الجيل الجديد الشاب (ونيس) الذي يحملُ اسماً من بين كل أفراد القبيلة المجردة من الأسماء، والمجردة في مبناها التعبيري الترميزي.
يقوم شادي عبدالسلام كاتب ومخرج الفيلم بتشكيل لغة سينمائية عالية، عبر تحريك المجموعات ذات اللباس الريفي الأسود المتجهم، الجنائزي، الأشبه بالجوقة الإغريقية، بين الجبل وتعاريجه، ورياحه وأصواته، وعبر استخدام الصمت المطول والكلام القليل كما أشار إبراهيم عيسى، وتكوين أداء متميز، وتصعيد درامي متوتر طوال العرض.
اعتمد المؤلف – المخرج على تكوين تضادات اجتماعية فكرية بين حضارة المصريين القدماء، وحضارة العرب، فالأولى مدفونة في الأسفل، في الجبل القيد الرابض على كنوزها، أما الثانية فهي تفتقد الحضارة، وهي جماعة بدو فاقدة الإنتاج، مستولية على الحضارة القديمة.
هي رؤية ترميزية ولا علاقة لقبيلة الحربات بالصعيد بل هي عملية تمثل، هي تناول أكثر الجماعات المصرية المرئية في الواقع الراهن، وتلبيسها لحالة العرب اللاحضارية، وجعلها قناعاً لها.
إنه يرتكز على تناقض مجرد مؤدلج بين حضارة باهرة كليا وبين بدو رعاة. فتلك الغابرة لاتزال تقذف كنوزها وهذه ليس لديها سوى بداوة وجلافة.
إنه يعرض تناقضا قصيا بين حضارة لا دنس فيها، وبين أناس لا ينتجون سوى القيود الحجرية.
يجعل القديمة كلاً متألقا بهيا، وينزع منها أي عتمة وظلم، ويحيل المعاصرة إلى سواد كلي لا نور فيها.
رؤية الأدلجة الخالية من جدلية التاريخ، والتداخل فيه، تعرض على أشرطة الفيلم لوحات آخاذة، فحتى لغة هؤلاء الريفيين تتسم بجمالية عالية، كما أن المخرج اعتمد طريقة الانشاد الاغريقي الملحمي للجوقة، ولهذا المناخ كان لجوؤه إلى اللغة العربية الفصحى، التي أشارت رغماً عنه، لوجود حضارة عربية جميلة، فالفيلم يمثل مسرحا اغريقيا، فهناك الأب القتيل، وهو الحضارة المصرية القديمة، وهنا القاتل الحي، قبيلة الحربات، أو العرب، والنمو الفني هو اكتشاف (ونيس) لأصوله، لانتمائه لأبيه القتيل، وتمرده على أبيه الزائف.
وتمثل عملية بيع المسروقات لأفندية القاهرة، التي تتم بالخفاء، والتي يشاركون فيها سراً، ويقودون أي مفضوح فيها للشرطة، عملية التواطؤ الحديث لمنع إحياء الحضارة المصرية القديمة.
فيلم جنائزي، اسطوري، ينمو بملحمية ودرامية، يعصف بالجلد الإنساني، وعبر إبرة فنية تخيط حكاية بوليسية، هي سر الجثث، وينمو الحدث للحفر في بطونها، ويتم انتزاع الذهب، الذي لم يمكن سوى العين المصرية القديمة الحامية، إحدى أكبر رموز الحضارة القديمة، وهي تظهر من البطن، من عمق الجثة.
لكن تحميل هذه اللغة هذه الكمية الكبيرة من الرموز لم ينشئ علاقة امتاعية بين الفيلم والمشاهدين، فاللغة جافة لكونها لغة أدلجة مُسقطة على واقع حي معقد متعدد، تم اختزاله في تناقض مجرد، فجعلَ العصرين الفرعوني من جهة، والعربي الإسلامي – المسيحي، من جهةٍ أخرى، متضادين كليا، لا يلتقيان في أي نقطة.
هذا ما جعله يُفرغ القبيلة من حيويتِها ويُحجرها، كما جعله يُصلبّ الرمزَ المصري القديمَ ويقتلهُ في الواقع بتحويلهِ إلى رمز جثة.
والفيلم كما هو جميلٌ فنيا من الناحية الشكلية لكنه يمثلُ سكينا يحزُ جلدَ المشاهد العربي على الأقل، فكما أن الممثلَ يمزقُ جلدَ المومياء، فهو يجرحُ المتلقي، ويدميه، بلا هدف تصعيدي خلاق. إنه يعرضُ أهلـَهُ العربَ كأنهم كلهم لصوص.
وقد حافظ العربُ البدو على الآثار والحضارة المصرية، ولم يدمروها، ثم قام أحفادُهم بعرضِها ودرسها، في لغة جدلية، تغني الماضي وتعيد درسه ونقده. أما القوى الجاهلة التي ترفض جدلية التاريخ وعطاءاته المتداخلة فهي خارج التاريخ.

صحيفة اخبار الخليج
17 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

«الدعم» المخملي الانشطار

الذي أحاق باللغة العربية فحولها إلى مجموعة لهجات محكية جرَّ معه مفارقات عديدة، لا يخلو بعضها من الطرافة، حين يصبح للمفردة الواحدة دلالات مغايرة في اللهجات المختلفة، وهذه الدلالات تختلف بدورها عن دلالة المفردة في اللغة الفصحى، هذا إذا كانت المفردة موجودة فيها أصلاً. من الأمثلة المتداولة في هذا السياق كلمة “العافية” التي تعني الصحة والقوة، والتي على أساسها بُنيت الجملة المحكية: “يعطيك العافية”، التي نقولها لأحدهم تعبيراً عن تقدير لجهدٍ أو عمل أتاه، أو لشد أزره وهو منهمك في عمله. وهذه الجملة المتداولة في اللهجات المحكية في بلاد الشام، يمكن لها أن تحمل دلالات مغايرة تماماً لو قلت لأحدهم في بلاد المغرب العربي أو بعضها، حيث أن العافية هناك ليست الصحة والقوة والسلامة وإنما النار الموقدة، فتخيل نفسك تدعو الله أحدهم بأن يعطيه النار بدل القوة! من الأمثلة الطريفة أيضاً على تناقض الدلالات بين الفصحى والعامية الفعل:”دَعَمَ”، الذي يعني في لهجتنا الخليجية المحكية: صدم، كأن تصطدم أحدهم سيارة فتقتله أو تصيبه بجروح، ونقول عن حادث السير:”دعمة”، والشخص الذي يتعرض للإصابة أو الدهس بأنه مدعوم، أما من يرتكب فعل الاصطدام فنقول عنه داعم. لهذه المفردة في اللغة الفصحى، كما نعلم، دلالة أخرى مختلفة جذرياً، فالدعم يعني المناصرة والتأييد والمساندة، كأن نهب لمساندة شعب آخر يتعرض لأهوال الحرب أو كوارث الزلزال أو الفيضان أو خلاف ذلك، فنقول إننا نهب لدعم هذا الشعب، ولذا فهذه المفردة تكتسب إما مغزى سياسياً مباشراً أو مغزى خيرياً وإنسانيا تبعاً للحالة التي نحن بصددها. ولكن لأن اللغة مطواع وتتسم بالمرونة والقابلية للتكيف مع الدلالات التي نضفيها على هذا الاستخدام، فإن مفردة الدعم اكتسبت مع الوقت دلالة إضافية في مجتمعاتنا العربية، فأصبح الشخص الذي يتدرج في الوظيفة سريعاً يوصف بأنه مدعوم، وكذا الشخص الذي لا يجد نفسه مضطراً للوقوف في طابور الأولويات لانجاز معاملته هو الآخر مدعوم، ومثله الشخص الذي تنهال عليه العطايا من قبل مرؤوسيه. الكلمة هنا خرجت من سياقها الأصلي في اللغة لتكتسب محتوى آخر، ومع أنها في سياقها الجديد ظلت كلمة فصحى، لكن معناها اختلف، وحيث يعم الفساد تزدهر فكر”المدعومين”، ولأن مجتمعاتنا، كما تشهد بذلك تقارير المنظمات الدولية المعنية، مصنفة في عداد المجتمعات الأكثر فساداً، فإن فكرة “الدعم” هي، بالنتيجة، مرتفعة أيضاً. “المدعوم” في غالب الحالات هو نقيض الكفؤ والموهوب، لأنه لا يتقدم بمهاراته وقدراته ومواهبه، ولا يتعب على تحسين أدائه وتأهيل نفسه، إنما يتقدم مدعوماً من آخرين أصحاب نفوذ وتأثير، ولأنه مدعوم، فإنه يتصرف بذهنية القوي الواثق من نفسه، غير الخائف من القانون أو اللوائح لأن صعوده يتم خلاف القواعد التي تشترط النزاهة والكفاءة. من صفات “الدعم” في حالة حادث سير الارتطام القوي الذي يسبب موتاً أو جروحاً وندوباً قد لا تطيب أبداً، أما الدعم في الحالة الثانية، فإنه سلس، ناعم، مخملي، جالب للمنافع والفوائد والامتيازات، فلا يعدو الأمر، والحال كذلك، مجرد فرق بين العامية والفصحى. انه يتصل بانشطار الدلالات.
 
صحيفة الايام
17 سبتمبر 2009 

اقرأ المزيد

الجامعة… والارتقاء إلى مستوى الدستور

قال أحد القراء إن «التضامن مع الطالبة نور حسين يدل على كثرة عدد الذين تأذوا من قرارات جامعة البحرين سابقا وجاءت قضية «نور» لتأخذ بحقهم وبحق من سكت من قبل».
وقال قارئ وأستاذ جامعي كلف نفسه عناء الرد على مقال الأمس «معركة نور والعمل الطلابي» على موقع «الوسط» الالكتروني حتى ولو فضل عدم ذكر اسمه، فهذا حقه كما هو حقه في إبداء رأيه لا قمعه لكون ذلك مشروعا في بلاط السلطة الرابعة، أي إبداء الرأي والرأي الآخر الذي بعكس ما هو موجود بالكادر العامل حاليا بجامعة البحرين الذي لا يسمح إلا بالمنع نفسه.
ما يحدث على الساحة لا يتكلم عن «نور» بقدر أنه يتكلم عن الممارسات الخاطئة التي فاحت رائحتها كما هي التوجهات التي تعلم الطالب والشاب على الخوف من قول رأيه أو كلمة حق في أي شيء.
إن استهداف شريحة الشباب واضحة ولاسيما كل من تسول له نفسه بالتجرؤ على قول الحقيقة التي قد تؤثر على مصالح ومناصب من اعتاد على لغة وعقلية شمولية تربى عليها وتشرّب منها ربما قبل أن تطأ قدماه أرض البحرين وتمتع بميزات وخصائص لم يكن يحلم بها وهو في بلده.
ويكفي أن نرى سلبية موقف مجلس الطلبة حتى الآن الذي لم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى قضية «نور» التي من المفترض أن تمسهم جميعا.
ففكرة مجلس الطلبة من الأساس هي إيجاد مجلس ينتخب الطلبة ممثلين لهم ولآرائهم وتطلعاتهم ومطالبهم فيه يقومون من خلاله بترجمة برامجهم الانتخابية التي انتخبهم الطلبة على أساسها إلى مقترحات ومطالب موحدة إلى إدارة الجامعة والعمل والضغط بجميع الأساليب السلمية المشروعة لتحقيقها، ولكن ما يصطدم به الواقع أن تعيين رؤساء الجمعيات العلمية في المجلس – حتى وإن كانوا منتخبين من قبل أعضاء جمعياتهم – تنتج عنه صعوبة كبرى في اتفاق مجلس الطلبة على برامج عمله؛ والسبب أن ممثلي الجمعيات لا يوجد لديهم برنامج انتخابي أو مطالب طلابية وحتى إن وُجدت فإنهم قد لا يمثلون تطلعات الطلبة.
إن دستور البحرين في المادتين (23) و(27) يكفل حرية الرأي وحرية تكوين الجمعيات والنقابات وأيضا حرية تشكيل القوائم الطلابية في جامعة البحرين شرط أن تتشكل على أسس وطنية غير طائفية، ونرى في ذلك قيمة مضافة للجامعة ووجهها من أوجه تطويرها والارتقاء بها… وعلى الجامعة أن ترتقي إلى المستوى الذي يتحدث عنه دستور البحرين.
 
صحيفة ااوسط
16 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

بين ترسيب نور وتكفير المعاودة

استمرت الجامعة في الدفاع عن موقفها الرافض لمعالجة قضية الطالبة نور حسين، واعتبار ما حدث هو جزء من تطبيق القانون واللوائح الجامعية عليها، بسبب مخالفتها لنصوص صريحة تنظم علاقة الطالب بجامعته.
المشكلة في جامعة البحرين أن لوائحها وقوانينها متأثرة جدًا بالنظم العسكرية، على اعتبار أن العديد ممن رأسوا الجامعة هم أصلا رجال عسكريون، وساهموا في فترات عديدة في تعديل القوانين وضبط اللوائح لتتناسب مع مرحلة كان يغلب عليها الطابع الأمني.
ومع الاحتفاظ بقيمة أنظمة العسكر الصارمة التي تخرّج سَرَية منضبطة وملتزمة بأوامر شيخها أو قائدها، إلا أن مثل هذه الأنظمة لا يجوز تطبيقها على طلبة جامعيين ينظر إليهم الناس على أنهم صفوة المجتمع وهم كذلك.
فالطالب يجب أن تطلق له الجامعة وأنظمتها العنان للمراجعة والتفكر والنقد والتدبر، وكلها أفعال تعتبر أساسية لإيجاد مادة الإبداع الذهنية، فإذا كان الطالب منمطا ومدجنا بـ «كما رأينا عليه آباءنا أو رئيس جامعتنا فذلك ليس تعليمًا جامعيًّا وإنما جاهلية متخلفة».
طلبة جامعة البحرين مدعوون للدفاع عن زميلتهم بشتى الوسائل الإعلامية المؤثرة، ويجب أن تشمل مسيرة الدفاع عن نور حسين فتح قنوات جديدة للانتقاد وحرية التعبير، فالمنطق أن تسود لغة النقد والمراجعة، لا أن تسود لغة التخويف والترهيب والتنميط العسكرية.
أما النظام الجامعي العسكري «المفروض تغييره» في حقبة الإصلاح السياسي، فما زال هو المهيمن على العقلية الإدارية للجامعة ولا زالت أياديه تمتد للأنظمة الإدارية والتنفيذية، ذلك بسبب موقع أولئك العسكريين من المنظومة التعليمية، إلى جانب ضعف الإدارة الحالية لجامعة البحرين، التي لم تخلُ هي الأخيرة من نفوذ أصحاب الأجندات السيا-دينية.
والمشكلات دائمًا هي ذات ارتباط بجماعات سياسية – دينية، فقد اُختطفت الجامعة كما تم اختطاف مؤسسات غيرها في الدولة من قبل جماعات متشددة، وإن تعصب مثل هذا الجماعات أيضًا هو الذي يدفع إلى اتخاذ قرارات متعصبة لا ينظر متخذوها في تبعاتها بقدر ما ينظرون إلى أن تُرضي عصبيتهم بشتى أنواعها.
إن استمرار التوجه في البحرين نحو تغذية تلك الجماعات وتمكينها لن ينتج فقط مشكلة واحدة كمشكلة نور وإنما سينتج مشكلات ستستمر باستمرار تنفُذها في مواقع القرار أو تحكّمِها فيمن هم في موقع القرار والمثال في المنظومة التعليمية واضح للمتتبع.
التشدد الذي تغذيه وتمكنه بعض الجهات السياسية النافذة وصل حتى لتكفير الشيخ عادل المعاودة؟!، فضلاً عن أن تمكين جماعات متدينة ومتشددة من القرار يضعف الواجهة المدنية للدولة، ولكم القرار.
 
صحيفة البلاد
15 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

وقف الطالبة “نور” قرار مجنون!

جرت صحيفة البلاد لقاءً مع الطالبة نور حسين، واجتهدت الإعلامية الألمعية الزميلة أمل المرزوق في التدقيق بشأن بعض المحاور التي لابد من الاطلاع عليها في قضية الطالبة نور. وحسناً فعلت الصحيفة والصحافية في مساندة حرية التعبير. فحرية التعبير هي الرئة التي من خلالها تتنفس الصحافة.
الإجراءات القسرية والشديدة والسالبة للحرية، حرية التعبير بمعناها الواسع، بدأت تضيق شيئاً فشيئاً في البحرين. هذه الفسحة التي ضاقت في استيعاب صوت الطالبة نور حسين، لا لشيء إلا لأنها عبّرت عن رأيها في شكل مكتوب، أو تبنت الرأي الوارد في ذلك البيان، الذي على ضوئه اتخذت جامعة البحرين قراراً تاريخياً في العسف والظلم دشنت به مرحلة جديدة/ قديمة من تكميم الأفواه!
قرار إلغاء تسجيل الطالبة في مقررات الفصل الدراسي الثاني للعام (2008 – 2009)، مع اجتيازها للمواد باقتدار وبنسبة مرتفعة، بسبب بيان عادي جداً هو قرار مجنون، جعل مستقبل الطالبة في خطر. وبعد ذلك يخرج علينا المسؤولون في وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين ويتحدثون عن مصلحة الطلبة! أوليست “نور” ضمن هؤلاء الطلبة؟!
حرية التعبير أضحت بين ليلة وضحاها منتهكة من جهات لا تعرف معنى للحرية، بل لم تتدرب على حرية التعبير واستيعاب الرأي الآخر أو النقد مهما كان قاسياً. وعجبت حينما تحدث بيان صادر من الجامعة معتبراً أن البيان الذي حملته نور فيه عبارة “الجامعة خربه” وفيها “إيه يا أساتذة يا كرام”؟! هذا تعبير عن حال رديئة يجب إصلاحها. ونحن يومياً تقرع أسماعنا آراء عن الجامعة قريبة من ذلك!
الجامعة هي الانطلاقة الأولى للمرء للتعرف على مدى استيعاب حرية التعبير، وأبجديات الديمقراطية في المجتمع. والبيان الذي حملته نور لا ينتقص من الجامعة في أي أمر؛ بل في بعض الجامعات، في العالم الديمقراطي، يتم تخصيص منهج دراسي، وأوقات محددة للطلبة لنقد حال تلك الجامعات!
اعتقد أن حال الأساتذة، المحققين، لا تختلف كثيراً عن المجتمع الذي نعيش فيه. فالتحقيق تطرق إلى التوجه الايديولوجي للطالبة، وهذا انتهاك خطير على صعيد التقييد على حرية الانتماء السياسي. فما علاقة الأساتذة في انتماء نور السياسي؟ وهذا يذكرنا بالمحققين أيام الجامعات العراقية في عهد الحديد والنار والدم!
حري بالقائمين على أمر التحقيق أن يفتحوا ستين مليون تحقيق للكشف عن الذي يسعّر نار الطائفية والقبلية والعرقية في الجامعة ابان موسم الانتخابات. وكل انتهاك للحرية والوعي الأكاديمي والطلابي – ونور وأمثالها بخير!

صحيفة البلاد
15 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

تداخلات الرأسمالية الشرقية والتيارات

وضحت “التجاربُ الاشتراكية” الخطوطَ الحاسمة العميقة في إنتاجها للرأسمالية الشرقية المقتربة من حدود الحداثة والرأسمالية الغربيتين المتطورتين، وبين الاتجاهات في العالم الثالث الأقل مقاربة لذلك.
الاتجاهات الأولى هي التي تميزت بها التجارب “الاشتراكية”، ولكن لماذا أيديولوجيا مثل “الماركسية – اللينينية” قاربت ذلك من الناحية الجوهرية؟
إن ارتكازها في العقود الأولى على فاعلية الطبقات العاملة الصناعية، هو أمرٌ نتاج ثقافة الغرب الرأسمالية المتطورة، ففي مضمون هذه الطبقات الإنتاجية الفاعلة المضحية، وهي رافعة الحداثة عموماً، انها حاملة هذه العلاقات الرأسمالية الإنتاجية، التي تقوم بنشرها في البُنى المتخلفة الشرقية، ويجري ذلك خلافاً لما جرى في الغرب عبر القسر، بالحماسة هنا والرغبة الشديدة في اختزال النفقات واتساع ساعات العمل وتطوير القوى المنتجة وهذا الجانب تتداخل فيه قوى المثقفين المبدعين ومؤسسات التربية وطاقات الفنانين والأدباء.
تلعب مؤسسات التعليم ونظريات العلوم وقدرة الربط بين الإنتاج والتقنيات، جانباً من التضحية والحماسة، الذي تتداخل فيه عملية الاتحاد بين الشغيلة والمثقفين الطليعيين، حيث هاجس الاشتراكية المشترك والأحلام بإمكانيةِ التغلبِ على تناقضات البشرية وانقساماتها العميقة المؤلمة بين القرية والمدينة، بين الحكام والمحكومين، بين المالكين والعاملين، بين الأغنياء والفقراء، ويقدم هؤلاء الملايين من البشر في تلك العقود التأسيسية طاقاتهم الخلاقة الوفيرة لردمِ تلك التناقضات، وبناء الجسور الكبيرة، وإزالة قيعان التخلف الأكثر عمقاً، فيما كان الجنود يروون بدمائهم أسوجة “سياجات” هذه البلدان والتجارب.
طاقات العملين اليدوي والفكري المبذولة بخصب واتساع، والمتوجهة لتكوين الاشتراكية تقوم بمقاربة الرأسمالية الغربية المتطورة، إن قراءة الرأسمالية ماركسيا، تمظهرتْ بمعرفةِ قوانينها، ولقد امتلكتها فكريا، وتجازوتها حلما، فكان عليها أن تجسدَها، من دون المالكين الشخصيين، لكنها لا تستطيع أن تلغي المالكين، عموماً، فلابد من وجود إدارة ما، ومظهر الإدارة هو عودة لتباين العمل الفكري عن العمل اليدوي، وتعبيرٌ عن عدم قدرة هذا المستوى الشرقي على إزالة مثل هذا التناقض، ويتحول هذا إلى تناقضٍ عميقٍ مع غيابِ مؤسساتِ الديمقراطية، فتظهرُ الرأسمالية في ثوبِ الاشتراكية.
هذا التناقض يتسع ويصير الإداريون المالكون مالكين حقيقيين جزئيا لا كليا، فالكلية صعبة أو مستحيلة، مثلما أن القادة الذين يقتربون من الآلهة أو الأنبياء يفقدون سحرهم الغيبي هذا ويعودون إلى مقاس القادة السياسيين الطبيعيين، وتقوى إمكانياتُ الدينِ التقليدي ويستعيدُ مكانـَه، ورموزه المغيبة، بعد أن عجزَ دينُ الاشتراكية عن أن يصيرَ واقعا موضوعيا.
لا يستطيع الشرق أن يتخلى عن الدين في مرحلته التحديثية المعاصرة، ليس لعجزه الثقافي أو عدم وجود التنوير فيه، بل لأن الدينَ جزءٌ من هيكلهِ الاجتماعي.
وما قامت به اشتراكية الحلم تلك، رأسمالية الدولة واقعاً، هو إبعاد العناصر الاجتماعية المحافظة في الدين كمنظومةٍ سيطرَ عليها الإقطاع، ولم يقدرْ تاريخُ الشرق “النهضوي” المحدود أن يتغلبَ عليها.
لقد عرقل الإقطاعُ الشرقي قوى الإنتاج عبر مئات السنين، وديّن العلاقات المتخلفة وعدم المساواة بين الرجال والنساء، وحول السلطات إلى كائنات فوق طبيعية، وربط المدن بتلك المؤسسات المتعالية وبتخلف الأرياف والبوادي، وجعل هذه قواعد لأشد حالات التخلف والأعاصير الاجتماعية.
ما نجحت فيه البلدان التي تبنت التجربة “الاشتراكية” لم تنجح فيه البلدان النامية التي لم تأخذ بلح الاشتراكية ولا عنب الرأسمالية، وقادها الضباط والمثقفون الريفيون عامة، في أنصاف حلول وتجريبية غامضة، وهوس ديني، فغدت تجاربهم تصنيعاً محدوداً وتضخماً للهيئات البيروقراطية والدينية، ثم دخلت في انقلابات وحروب استنزفت الكثير. لقد عجزت عن القفزة التي قامت بها بلدان الاشتراكية، تلك القفزة النادرة المتناقضة الغريبة في التاريخ.
فتصنيع الريف لم يتم، ومقاربة أوضاع النساء للرجال لم تتحقق، ومعدلات التنمية كانت محدودة، وثروات خيالية ضاعت على البذخ وعدم التخطيط.
توجهت تيارات الشرق هذه ليس لمقاربة الرأسمالية الغربية المتطورة، بل لرفضها استناداً إلى ثقافتها السحرية، وليست الدينية العقلانية، لم تعتمد العلوم بل المذاهب كما هيمن عليها الإقطاعُ في العصور السابقة، وجُعلت بوصلتها للخلف، فراحتْ تسترجعُ طوائفـَه وحروبَه وتمزقاته، لم تجعلْ الغربَ المتطورَ وجهتها سواءً لمقاربته أم لتجاوزه في نسخة اشتراكية حلمية.

صحيفة اخبار الخليج
16 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

«لوبي تجاري» بذراع سياسي

كنا قد أخذنا أكثر من مرة، في هذه الزاوية، على القطاع التجاري وكبار رجال الأعمال الذين يمكن إن نعدهم في الخانة الليبرالية ترددهم، لا بل وعزوفهم، عن اقتحام مجال العمل السياسي، ولذلك أسباب موضوعية تراكمت عبر الزمن لم تجعل لهذا القطاع الحيوي في الاقتصاد وفي المجتمع ذراعه السياسية، ليس بالضرورة على شكل تجمعات أو تنظيمات سياسية، وإنما على صورة دور مستقل للقطاع التجاري المؤثر إزاء الدولة وإزاء التيارات الأخرى، خاصة المحافظة منها، على النحو الذي نعرفه في الكويت مثلاً. ولكننا سنفترض أن عاملا ايجابيا قد نشا ببروز عدد من الوجوه الشابة من رجال الأعمال ذوي الذهنيات المتفتحة، وغير البعيدة عن آليات الحراك الاجتماعي – السياسي الراهن في البلد، مع أجواء الانفتاح الراهنة، وتجلي الصراعات الاجتماعية في معارك انتخابية على مقاعد السلطة التشريعية، التي لامناص لها من مواجهة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للبلد وفلسفة التنمية فيه، وهو أمر يفرض على القطاع التجاري أن يكون حاضراً، بما يتناسب ووزنه النوعي في البلد، في البرلمان. ونحن نتفهم أن العوامل الموضوعية التي تراكمت مع الزمن قد حالت دون أن يقدم هذا القطاع وجوهه القادرة على خوض المعترك السياسي، لكن بوسع هذا القطاع أن يدعم وجوهاً أخرى تلتقي في الإطار العام مع البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي يتبناها القطاع التجاري في المجتمع ليس في الظرف الراهن فقط، وإنما في المدى المنظور أيضاً. أخذا بعين الاعتبار أن تجربة المجلس النيابي الحالي برهنت على أن غياب كتلة “ليبرالية” فيه، بالمعنى الواسع لهذا المفهوم، حول المجلس إلى ساحة مزايدة على برامج وشعارات، أبعد ما تكون عن طبيعة اهتمامات الناس الحيوية، وعن مستوى ما بلغه المجتمع البحريني من تطور اجتماعي، ويمكن للمجلس القادم أيضا أن يعاني من الأمر نفسه، إذا لم تبذل جهود في سبيل تمكين الشخصيات والعناصر الديمقراطية والمتفتحة من أن تجد لها حضوراً فيه. وهنا بالذات تكمن مسؤولية قطاع رجال الأعمال الذي يجب ألا يظل في موقع المتفرج، وأن يبادر لوضع آليات دعم للمرشحين الذين يمكن أن يعكسوا طموحات المجتمع في التعددية والانفتاح والتحديث. ولا نعرف إلى أي مدى يمكن أن نأخذ على محمل الجد، ما يتردد من أصداء في الصحافة عن توجه عدد من رجال الأعمال لدعم مرشحين للانتخابات النيابية المقبلة، وفي روايات أخرى رغبة بعض رجال الأعمال أنفسهم في أن يخوضوا المعترك الانتخابي، ولكننا في كل الأحوال سنجد في هذه الأصداء بوادر طيبة على استفاقة، ولو متأخرة، من قطاع رجال الأعمال في أن تكون له كلمته السياسية، لا على شكل تلميحات أو أقوال خجولة تردد في المجالس الرمضانية أو سواها، وإنما على شكل مشروع انتخابي له قواعده ومنطلقاته وآفاقه. يصلنا، في الجمعيات السياسية ذات التوجه الديمقراطي، لوم من بعض قطاع رجال الأعمال عن عجزنا في مجاراة نفوذ التيارات الاسلاموية في التأثير في الشارع، لكن إخوتنا في هذا القطاع لا يلاحظون أشكال الدعم الكبيرة التي تقدم لهذه التيارات التي تسهل من عملها وتأثيرها، بل أن بعض “الليبراليين” من رجال الأعمال شركاء في تقديم هذا الدعم، تقية أو خوفاً، ولكنهم بالمقابل يتجاهلون الظروف الصعبة التي يعمل فيها التيار الديمقراطي معتمداً على إمكانياته المحدودة.
 
صحيفة الايام
16 سبنمبر 2009

اقرأ المزيد

الجامعة العسكرية 3

ما تعرضت له الناشطة الطلابية نور حسين من ظلم وإجحاف جراء ممارسة حقوقها الدستورية، هو ذاته ما تعرضت له الدوريات الأدبية والثقافية والاجتماعية في جامعة البحرين من قمع ومنع وقصّ. فالدوريات الثقافية والاجتماعية موقوفة وبالكاد يسمح لإصدار أو إصدارين بالطباعة والنشر، وسبب ذلك خلاف التذرع بأسباب مالية، هو خوف إدارة الجامعة من أن تمس أحد هذه الإصدارات أي مكون سياسي في البحرين (وخصوصًا الجماعات الإسلامية).
الملاحظ اليوم – للأسف – هو تراجع الجامعة في الفترة الأخيرة على أكثر من مستوى ولاسيما في ما يتعلق بالحريات وإتاحة فضاءات الإبداع للطلبة والأكاديميين على حد سواء، فالدوريات التي كانت علامة من علامات التميز للجامعة خلال السنوات العشر الأخيرة والتي كانت الإشادات بها من خارج البحرين وداخلها، توقفت. ومواعيد إصدارها غير ملتزمة، ودائمًا ما يعاب على محتواها الكثير مقارنة بما كانت عليه الحال في السنوات الماضية.
وخلاف قضية نور حسين التي لاتزال معلقة، والدوريات الموقوفة، لا ننسى الإشارة لصحيفة “صوت الجامعة” التي كان الهدف من تأسيسها إيجاد قناة إعلامية محترفة لخارج الجامعة، فأصبحت – للأسف – صحيفة حائط ورقية، لا أكثر.
 
صحيفة البلاد
15 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

معركة «نور» والعمل الطلابي

تعتبر المرحلة الجامعية واحدة من أجمل المراحل التي تمر في حياة أغلب من عايش هذه المرحلة ولاسيما إن كانت التجربة في بلد وثقافة مختلفة، قد يجنى منها المرء شتى التجارب التي تشكل الشخصية، وتعزز الثقة وتدرب الاعتماد على النفس في كل صغيرة وكبيرة، وتنمي روح العمل الجماعي المتمثل في العمل الطلابي.
هذا يحدث فقط في أجواء مناخية مفتوحة تؤمن بحرية الآخر وتؤمن بالرأي الآخر داخل الحرم الجامعي وخارجه، وبالتالي فشخصية الإنسان تصقل وتتطور؛ لأن هناك جامعتين يتخرج منها الطالب هي الجامعة الأكاديمية وجامعة الحياة وكلاهما يكمل بعضهما.
الحديث في هذا الجانب ناجم عن تجارب الكثيرين منا ممن عاش في الغربة ودرس في جامعات الغرب لسنوات طوال، عايش فيها الجو الطلابي والجامعي الحقيقي الذي لا يعني حضور مبنى الجامعة للمحاضرات فقط، بل التعايش الكامل والمشاركة في العمل الطلابي والأنشطة المختلفة بمعناها الصحيح.
وما حدث للطالبة نور حسين يعبر للأسف عن حال متردية داخل جامعة البحرين التي من الواضح أن كادرها الوظيفي يسعى إلى قمع أي رأي ناقد لإدارة الجامعة وأي شكل من الأشكال بالنسبة لتحركات الطلابية لكون الأمن هو المرغوب تفعيله داخل هذه الجامعة التي تمنع حتى على نفسها تدريس تخصص العلوم السياسية لكونه يُعد من المحرمات.
إن تحويل الطالب إلى أسير قرارات إدارية تعمل على منهجية أمنية وبوليسية تطالبه بعدم التعبير عن رأيه تناقض كليا أجواء الانفتاح السياسي التي تعايشها البحرين منذ سنوات، فما يحدث خارج أسوار الجامعة من حراك اجتماعي وسياسي وثقافي مازال يبدو غريبا على جو الجامعة المكبل بقيود حقبة أمن الدولة.
إن اللعب بالدرجات أو إلغاء فصل دراسي أو فصل من الجامعة أو توقيف أكاديمي وغيرها جميعها ممارسات معروفة لحقبة يمقتها الكثير من أبناء هذا الوطن، وغياب العمل الطلابي طوال الفصل الدراسي داخل الجامعة لا يعزز سوى الفرقة التي تجلت تماما في انتخابات مجلس الطلبة لأن الطالب ليس مسموحا له أو لها بالتحرك وطرح مواضيع ولا حتى إقامة أية ندوة لأن كل شيء ممنوع وكل شيء سياسة ولابد من أن تكون الجامعة محصنة من داء السياسة… ولكن العكس يجب أن يكون، وهو أن الجامعة يجب أن تتبنى وتنمي العمل الوطني وتفسح المجال للنشاط الطلابي الذي يؤثر في المجتمع إيجابيا. إن مطالب الطلاب جزء من العمل الطلابي والحس الوطني، وصقل الشخصية لا يمكن أن يتعزز داخل هذا الصرح الأكاديمي مادامت الإجراءات والعقليات تعيش حقب الماضي.
إن معركة «نور حسين» ليست معركتها وحدها بل معركة كل طالب بحريني يريد أن يمارس حقه في التعبير داخل الحرم الجامعي، الذي من المفترض أنه يتمتع بسمة الوعي والثقافة، ولا ينبغي للجامعة أن تجرم العمل الطلابي الذي يتضمن النقد والمساءلة… ولو تعلم الجميع أن يسمعوا للآخر لما تحوّل كل رأي إلى سياسة وكل نقد إلى شتم، وتفاقمت قضايانا الواحدة تلو الأخرى دون حلول جذرية.
 
صحيفة الوسط
15 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد